الإصحَاحُ
الثَّانِي عَشَرَ

 

1
وَفِي أَثْنَاءِ ذلِكَ، إِذِ اجْتَمَعَ رَبَوَاتُ الشَّعْبِ، حَتَّى كَانَ
بَعْضُهُمْ يَدُوسُ بَعْضًا، ابْتَدَأَ يَقُولُ لِتَلاَمِيذِهِ: «أَوَّلاً
تَحَرَّزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ
الرِّيَاءُ، 2 فَلَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ
يُعْرَفَ. 3 لِذلِكَ كُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي الظُّلْمَةِ يُسْمَعُ فِي
النُّورِ، وَمَا كَلَّمْتُمْ بِهِ الأُذْنَ فِي الْمَخَادِعِ يُنَادَى بِهِ عَلَى
السُّطُوحِ. (عدد 1-3).

 

لا
نعلم في أي موضع صار هذا الاجتماع ولا ما هي غايتهُ ولكنهُ يتضح أن الجموع بقوا
على جهالتهم وعدم إيمانهم ولم يكن في نيتهم أن يتبعوا مسيحًا مرفوضًا متوجهًا إلى
أورشليم لكي يُصلب فلم يلتفت إليهم كثيرًا بل أخذ يُلّم تلاميذهُ بما يوافقهم
والحال هكذا مع سيدهم إذ كان عتيدًا أن يُفارقهم ويتركهم في هذا العالم حيث
الإقرار بتعليمهِ واسمهِ لا بد أن يجلب عليهم الاضطهاد فيُحذرهم أولاً من الرياء
المُتصف بهِ الفريسيون الذين سبق وكشف شرَّهم الظاهر والباطن. فإن الرياء أكبر آفة
للطبيعة الإنسانية ويظهر على عدَّة أنواع أخصُّها الامتناع عن الإقرار بالحق
جهارًا خوفًا من عواقبهِ أو التظاهر بالتقوى قدام الناس لأجل الحصول على الكرامة
منهم والنفوذ عليهم في أمور الديانة. إن كان الحق مرفوضًا من الناس نخاف أن نعترف
بهِ ولكن إذا صارت الديانة الحقيقية مقبولة ومُعتبرة نتظاهر بأنَّنا مُتمسكون بها
كثيرًا لكي يكون لنا الصيت الحسن وبالحقيقة نفسد ديانتنا ولا نُمارسها إلاَّ للغش
والأغراض العالمية. هكذا كانت الديانة اليهودية وقتئذٍ وهكذا الديانة النُصرانية
الآن بين النصارى بحيث أن الإقرار بها والتظاهر بالغيرة فيها لا يجلبان عارًا
علينا وأما إظهار الحق في أي وقت كان فيمتحن إيماننا. هل نحن مُتكلون على الله أم
ناظرون إلى البشر؟ فليس مكتوم لن يُستعلن ولا خفي لن يُعرف. هذا قصد الله وحكمهُ
غير المُتغير. فإن الحق مثل النور ومن شأنهِ أن يفحص قلوب البشر ويُبكتهم على
شرورهم. وهذا العمل الذي يجري فينا إذا أتينا إلى النور الآن ولكن إذا رفضناهُ لكي
نعيش بحسب شهواتنا فلا بد أن الله يكشف شرورنا وقت الموت والدينونة لأنهُ لا بد أن
نظهر جميعًا أمام كُرسي المسيح. فإذًا الرياء لا ينفعنا إلاَّ إلى حين ثم يجلب
علينا عارًا أزيد في الوقت المُعيَّن لإنارة سرائر القلوب وإجراء القضاء العادل.
لذلك كل ما قُلتموهُ في الظُلمة يُسمع في النور وما كلمتم بهِ الأُذن في المخادع
يُنادى بهِ على السطوح. لا يمكن أن الحقائق المُتعلقة بشخص المسيح وعملهِ تخفى
لأنهُ قد وُضع علامة تُقاوم لتُعلن أفكار من قلوب كثيرة.ة. فشهادة التلاميذ مهما
كانت ضعيفة ومُستترة أيضًا فلا بد أن تمتدَّ وتشتهر. كان الهيكل والمجامع والمجالس
الأولى والشهرة والنفوذ في يد الفريسيين وعُلمائهم وأما تلاميذ المسيح فمن أفقر
الشعب ومع ذلك الشهادة المسيحية امتدَّت في الأرض وغلبت الديانة اليهودية. نعلم
أنها قد فسدت إذ اختلطت مع خُرافات وتقليدات لا أصل لها في كتاب الحق ولكن قد
نُودي بها في كل العالم. وهذا لتشجيع التلاميذ على تقديم شهادتهم بلا خوف.

 

4
وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ
يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. 5
بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ،
لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هذَا
خَافُوا! 6 أَلَيْسَتْ خَمْسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ، وَوَاحِدٌ
مِنْهَا لَيْسَ مَنْسِيًّا أَمَامَ اللهِ؟ (عدد 4-6).

 

يجتهد
العدو دائمًا أن يُلقي الخوف في قلوبنا وقد غلب كثيرين هكذا لأن الخائفين مذكورون
بين الذين يكون نصيبهم في بحيرة النار (رؤيا 8:21). فأجاب الرب على تلاميذهِ أن لا
يخافوا من البشر الذين ليس لهم قوة إلاَّ لقتل الجسد فقط فإذًا لا ينبغي أن يخافوا
إلاَّ من الله نفسهِ فإن لهُ سلطانًا على النفس أيضًا ليُلقيها في جهنَّم بعد
الموت. ثم من الجهة الأخرى يعلن لهم أن الله المُعتني بالعصافير القليلة القيمة
يعتني بهم إلى هذا المقدار حتى أنهُ قد أحصى شعور رؤوسهم. فالثقة هذه تكفي لنزع
الخوف من قلوبنا في أي وقت كان. فما علينا إلاَّ أن نكون مُتيقنين بأنَّنا لهُ
وبأن شهادتنا هي شهادتهُ ثم نتقدم بجراءة مُقدسة مُتكلين على إلهنا لا على أنفسنا.

 

7
بَلْ شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ أَيْضًا جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ. فَلاَ تَخَافُوا!
أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ! 8 وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ
اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ
مَلاَئِكَةِ اللهِ. 9 وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ
مَلاَئِكَةِ اللهِ. (عدد 7-9).

 

 معلوم
أنهُ كان صعبًا جدًّا على اليهود أن يقبلوا المسيح لأن بُغض الذين قتلوهُ لم يزل
يتهيج على كل من اعترف بهِ. وقد أشار إلى ذلك بولس بقولهِ: «ولكن تذكَّروا
الأيَّام السَّالفة التي فيها بعد ما أُنرتم صبرتم على مُجاهدة آلامٍ كثيرةٍ. من
جهةٍ مشهورين بتعييراتٍ وضيقاتٍ، ومن جهةٍ صائرين شُركاء الذين تُصُرِّف فيهم
هكذا. لأنَّكم رثيتُمْ لقيودي أيضًا، وقبلتُم سلب أموالكُم بفرحٍ،عالمين في أنفسكم
أنَّ لكم مالاً أفضل في السماوات وباقيًّا» (عبرانيين 32:10-34). ولم يزل الاعتراف
بهِ مصحوبًا بأخطار وشدائد بين الذين لم يربَّوا في إيمانهِ وهذا مما يمتحن إيمان
مَنْ قَصد أن يُظهر ذاتهُ مسيحيًّا ولكن إذا ثبت يعدهُ المسيح أنهُ يعترف بهِ
قُدَّام ملائكة الله. وهذا جزاءٌ جميلٌ. معلوم أن الاعتراف بالمسيح بين المسيحيين
لا يُكلفنا أتعابًا ولكن الإقرار بالحق في وقتٍ ما فيُهيجهم علينا ويمتحن أمانتنا.
وأنهُ خيرٌ لنا أن طريق الحق دائمًا تجلب الامتحانات لأن ذلك يحفظنا من الرياء.
لأن كل مَنْ قلبهُ ليس مفعولاً من الحق إما أنهُ يمتنع عن قبولهِ أو يتركهُ بعد
قليل عندما يُشاهد الصعوبات.

 

10
وَكُلُّ مَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ، وَأَمَّا
مَنْ جَدَّفَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلاَ يُغْفَرُ لَهُ. 11 وَمَتَى
قَدَّمُوكُمْ إِلَى الْمَجَامِعِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فَلاَ
تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَحْتَجُّونَ أَوْ بِمَا تَقُولُونَ، 12 لأَنَّ
الرُّوحَ الْقُدُسَ يُعَلِّمُكُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا يَجِبُ أَنْ
تَقُولُوهُ». (عدد 10-12).

 

يتضح
من هذا الفصل أن الرب يفرض رفضهُ وارتفاعهُ إلى السماء وحلول الروح القدس وأن
تلاميذهُ في مقامهِ هنا في العالم مدة غيابهِ. وبالحقيقة الروح القدس هو الذي
يُحافظ على الشهادة المسيحيَّة ومن جدَّف عليها جدَّف على الروح القدس نفسهِ. وهذا
لا يُغفر لهم. معلوم أن كثيرين جدَّفوا على المسيح في الأول ثم انتبهوا لكلمتهِ في
الإنجيل وآمنوا بهِ فغُفر لهم تجديفهم عليهِ كغيرهِ من خطاياهم وأما الرافض شهادة
الروح القدس الذي حلَّ مدة غياب المسيح فليست لهُ مغفرة لأن النور مُضيء ولكنهُ
إنما يزيدهُ عمىّ. لا شك بأنهُ توجد درجات في هذه الخطية كما في غيرها أيضًا والرب
يُشير إلى حالة مَنْ رفض شهادة الروح حتميًّا. راجع (مَتَّى 31:12، 32؛
مرقس28:3-30). حيث هذا النوع من التجديف يصير على أعمال الروح القدس وأما هنا
فيصير على شهادتهِ الصريحة بواسطة تلاميذ المسيح. لاحظ أيضًا أن الرب يفرض حضور
الروح معهم مدة غيابهِ ويجب أنهم يعرفونهُ وينتظرون معونتهُ عند إظهار شهادتهم
قدام أعظم المضطهدين الذين لهم سلطان على نزع حياتهم.

 

13
وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ:«يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي
الْمِيرَاثَ». 14 فَقَالَ لَهُ: «يَاإِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا
قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟» 15 وَقَالَ لَهُمُ:«انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ
الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ
أَمْوَالِهِ». 16 وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً قَائِلاً:«إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ
كُورَتُهُ، 17 فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ
لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ 18 وَقَالَ: أَعْمَلُ هذَا: أَهْدِمُ
مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَّلاَتِي
وَخَيْرَاتِي، 19 وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ،
مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي! 20
فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَاغَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ،
فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ 21 هكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ
لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا ِللهِ». (عدد 13-21).

 

كانت
أحوال إسرائيل سيئة من كل الأوجه كما قد رأينا مرة بعد أخرى في هذا الإنجيل فإنهم
كانوا مغلوبين من الرياء في الدين والطمع، والظلم في الدنيا وما بقى أمل بإصلاحهم
كأُمة. استنتج أحد السامعين أن الرب لا بد أن يكون ضد الظلم ويحمي الضعيف من تعدي
القوي فاستعان بهِ ضد أخيهِ الظالمهُ في قسمة ميراثهما. كان لهُ حق كإسرائيلي أن
يُحافظ على ميراث آبائهِ ولكن ماذا ينتفع الأخ المظلوم ولو حصل على حقوقهِ تمامًا
لأن المسيح قد رُفض والدينونة مُقبلة على كل شيء فإذًا ينبغي أن تكون الأهمية
العظمى لخلاص النفس والحياة الأبدية. فرفض المسيح أن يقضي بينهما واتخذ الفرصة أن
يُحذر الجميع من الطمع فإنهُ مَتَى كان لأحد كثير فليست حياتهُ من أموالهِ. يعني
المال الذي يطمع فيهِ القلب لا يتعلق إلاَّ بالجسد فقط. ثم ضرب لهم مثل الغني
لمُناسبتهِ إلى أفكار اليهود بل لأفكار الناس عمومًا في كل حين. بحيث أنهم يحسبون
الغني في الدنيا سعيدًا بغضّ النظر عن الآخرة. معلوم أن محبة المال موجودة في
الفقراء أيضًا وأنها أصل جميع الشرور أينما وُجدت ولكن مقصد الرب بهذا المثل إظهار
قلَّة نفع الغنى وإن فاز الإنسان بالحصول عليهِ فإنهُ إنما يزيد فيهِ حبَّ الذات
ويشغلهُ براحتهِ في هذا العالم كقولهِ السابق لأنهُ ماذا ينتفع الإنسان لو ربح
العالم كلهُ وأهلك نفسهُ أو خسرها (إصحاح 25:9). لم يكن لوم على رجل إسرائيلي إذا
أخصَّبت كورتهُ فإن الله وعدهُ بازدياد الخيرات الأرضية ولكنهُ قال أيضًا. إن زاد
الغنى فلا تضعوا عليهِ قلبًا (مزمور 10:62). فإذا فرضنا أنَّنا حصلنا على مقدار من
المال بدون ظلم على الآخرين فلا يزال فخًّا كبيرًا لقلوبنا حيث نعتمد عليهِ كأنهُ يدوم
معنا ويُريحنا زمانًا طويلاً كما يُمثَّل لنا بما عمل وتكلم هذا الغني. فإنهُ نسي
الله والموت أيضًا ووعد نفسهُ براحة وفرح لسنين كثيرة. ولكن الموت لا يُحابي
بالوجوه ولا يتقاعد عن عملهِ فإنهُ يسود على الغني كما على الفقير. لا تخشَ إذا
استغنى إنسانٌ إذا زاد مجد بيتهِ. لأنهُ عند موتهِ كلهُ لا يأخذ لا ينزل وراءهُ
مجدهُ. لأنهُ في حياتهِ يُبارك نفسهُ ويحمدونك إذا أحسنت إلى نفسك (مزمور
16:49-18). فالغنى هذا أحسن إلى نفسهِ وباركها في حياتهِ وللناس العادة أن يمدحوا
مَنْ عمل هكذا. فقال لهُ الله: يا غبي هذه الليلة تُطلب نفسك منك. فهذه التي
أعددتها لمن تكون فالناس بحسب أفكارهم القاصرة يحسبون حميدًا وسعيدًا مَنْ يحسبهُ
الله غبيًا. ربما يقول قائل: نترك ثروتنا لأولادنا. ولكن فكرًا كهذا الغباوة أيضًا
بحيث إن كان المال فخًّا لنا ألا يفسد أولادنا أيضًا وفضلاً عن ذلك ماذا نكون انتفعنا
بهِ من بعد ما سبَّب هلاك نفوسنا. هكذا الذي يكنز لنفسهِ وليس هو غنيًّا لله. قد
قيل : أن الغنى المحصَّل بالحلال ليس شرًا بذاتهِ. ولا بأس بهذا القول ولكن الشرَّ
في قلوبنا فإنها تُحوّل خيرات الله إلى فخ لها وسواء زاد المال بالحرام أو بالحلال
نُحب أن نكنزهُ لأنفسنا وننسى الله ودينونتهُ.

هل تبحث عن  مريم العذراء ألقاب مريم العذراء فردوس الكلمة ة

 

22
وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:«مِنْ أَجْلِ هذَا أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا
لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ، وَلاَ لِلْجَسَدِ بِمَا تَلْبَسُونَ. 23
اَلْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلُ مِنَ اللِّبَاسِ. 24
تَأَمَّلُوا الْغِرْبَانَ: أَنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ، وَلَيْسَ لَهَا
مَخْدَعٌ وَلاَ مَخْزَنٌ، وَاللهُ يُقِيتُهَا. كَمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ
أَفْضَلُ مِنَ الطُّيُورِ! 25 وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ
يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟ 26 فَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ
وَلاَ عَلَى الأَصْغَرِ، فَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِالْبَوَاقِي؟ 27 تَأَمَّلُوا
الزَّنَابِقَ كَيْفَ تَنْمُو: لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ، وَلكِنْ أَقُولُ
لَكُمْ: إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ
مِنْهَا. 28 فَإِنْ كَانَ الْعُشْبُ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ فِي الْحَقْلِ
وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ
يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ 29 فَلاَ تَطْلُبُوا أَنْتُمْ مَا
تَأْكُلُونَ وَمَا تَشْرَبُونَ وَلاَ تَقْلَقُوا، 30 فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا
تَطْلُبُهَا أُمَمُ الْعَالَمِ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَبُوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ
تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ. 31 بَلِ اطْلُبُوا مَلَكُوتَ اللهِ، وَهذِهِ كُلُّهَا
تُزَادُ لَكُمْ. (عدد 22-31).

 

هذا
الكلام الجميل موجود أيضًا في (مَتَّى إصحاح 6) وبهِ الرب يُخاطب التلاميذ أن لا
يُعلقوا أفكارهم بالأمور الفانية المُختصة بالجسد لأن الله قد دعانا إلى حياة أفضل
من هذه ويُريد أننا نتكل عليهِ باعتبار الحاضر والمُستقبل أيضًا:

 

أولاً-
حياتنا بالجسد هي هبة الله كالخالق الحنون وهي أفضل عندهُ من القوت واللباس وكل
شيء في يدهِ فإن كان قد أعطانا الحياة ألا يُعطينا أيضًا كل ما تحتاج إليهِ
أجسادنا الضعيفة.

ثانيًا-
نرى أنهُ يعول الطيور التي لا تقدر أن تجمع شيئًا للغد فكم بالحريِّ يعتني بنا.
لاحظ أن الرب دائمًا يحثنا على ممارسة الثقة التامة في محبة الله وعنايتهِ ويستعمل
تشبيهات من شأنها أن تُنبه أفكارنا وتُقرّب إلهنا إلى قلوبنا.

ثالثًا-
عدم قدرتنا على إجراء أصغر الأعمال التي نُعذّب أنفسنا بالاهتمام بها مع أنها ليست
في طاقتنا.

 

رابعًا-
من جهة اللباس. فهذا يستلزم همًّا كبيرًا بين البشر ولا يكتفون بما يكفي لستر
العُري فقط بل يستعملونهُ لأجل الزينة والظرافة أيضًا ولكنهم يُظهرون غباوتهم بذلك
فإن جمال اللباس المرغوب عند البشر قليل الاعتبار عند الله الذي يلبس عشب الحقل
جمالاً لم يظهر مثلهُ عند سُلِّيمَانَ في كل مجدهِ. فإذًا لا يجوز لنا كتلاميذ
المسيح أن نقلق من جهة احتياجاتنا الجسدية كما يفعل أمم العالم الذين لا يعرفون
الله لأننا قد عرفناهُ كأبينا وإلهنا فلنثق بهِ فإنهُ يَعْلَمُ ما نحتاج إليهِ ولا
بد أن يسدَّ كل احتياجنا حسب غناهُ في المجد. بل اطلبوا ملكوت الله وهذه كلها تزاد
لكم. ملكوت الله عبارة عن حضورهِ وسياستهِ علينا كما على كل شيء فلا يليق بنا
إلاَّ أن نهتمَّ بالخضوع لهُ والاتكال عليهِ وسنجد بالاختبار أنهُ لا يهملنا. وإن
قيل ولكن مع هذا كلهِ يوجد ضيق كثير بين أولاد الله. فأقول: أن الرب نفسهُ سبق
وأخبرنا بذلك فإذًا لا يجوز أن نستغربهُ إذا حصل. ولله حق بأن يمتحن إيمانا بهِ
بواسطة أمور الحياة إذا شاء فلذلك إذا بليت ثيابنا وقلَّ خُبزنا في وقتٍ ما فهذا
معروف عندهُ ولم يسمح بحدوثهِ إلاَّ لقصد خيرنا الحقيقي. نرى أن الرسل أنفسهم فيما
بعد تضايقوا بعض الأوقات ولكن مع ذلك الرب لم يتركهم لأنهُ هو نفسهُ كان كنزهم
ومخزنهم وكان يُدرّبهم كما يُدربنا نحن على الاتكال عليهِ لا على الأشياء المنظورة
مثل الغني الغبي في المثل السابق.

 

32
«لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ
يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ. 33 بِيعُوا مَا لَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً.
اِعْمَلُوا لَكُمْ أَكْيَاسًا لاَ تَفْنَى وَكَنْزًا لاَ يَنْفَدُ فِي
السَّمَاوَاتِ، حَيْثُ لاَ يَقْرَبُ سَارِقٌ وَلاَ يُبْلِي سُوسٌ، 34 لأَنَّهُ
حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضًا. (عدد 32-34).

 

فيستعمل
لفظة الملكوت هنا بإطلاق معناها وكشيء لم يحصلوا عليهِ بتمامهِ بعد. من الجهة
الواحدة حصلوا عليهِ بقبولهم المسيح ولكن إقامتهُ فعلاً كنظام في الأرض تأخرت بسبب
رفض الملك غير أن الله لم يكن قد نساهُ وهو يُعطيهِ لا للأُمة المتمردة بل للقطيع
الصغير أي المؤمنين بابنهِ المرفوض. ينبغي أن نتذكر أن الوقت قد تم لارتفاع المسيح
من (إصحاح 51:9). وهو صاعد إلى أورشليم لكي يكمل هناك خروجهُ من العالم فلذلك
يعلّم التلاميذ بما يُناسبهم مدة غيابهِ. بيعوا ما لكم وأعطوا صدقةً الخ. كان يجب
على الإسرائيليين أن يصنعوا صدقةً ولكنهُ لم يكن جائزًا لهم أن يبيعوا أنصبتهم في
أرض الموعد. فقال نابوت لآخاب: حاشا لي من قبل الرب أن أُعطيك ميراث آبائي (ملوك
الأول 3:21) ولكن بعد رفض المسيح لم تكن أرض فلسطين الموطن لتلاميذهِ فإنهم
انتسبوا إليهِ في المجد وصارت السماء موطنهم فأوجب عليهم أن يتصرفوا بحسب مبدأ
جديد ويُظهروا للآخرين أن قلبهم تعلق بالرب في السماء وأنهم ليسوا سوى غُرباء على
الأرض. نرى أن بعض المؤمنين عملوا بهذا القانون حرفيًّا بعد يوم الخمسين
انظر(أعمال الرسل 42:2-45) وكان عملهم جميلاً جدًّا في وقتهِ غير أننا نرى أيضًا
من تعليمات الروح المُدرجة في بعض الرسائل أن الرب لم يقصد العمل بهذا الكلام
حرفيًّا لأنهُ رتب للمؤمنين أن يُمارسوا كل واحد شُغلهُ الخاص بحسب ترتيب الله
الأصلي للإنسان بأن يأكل خُبزًا بعرق وجههِ. ولكن ينبغي أن تكون قلوبنا مع المسيح
في السماء ونتصرف بأموالنا في الدنيا كما يليق بورثة الله الأغنياء الذين كنزهم في
السماوات.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أَبشالُوم م

 

35
«لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً، 36 وَأَنْتُمْ
مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجعُ مِنَ الْعُرْسِ، حَتَّى
إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ. 37 طُوبَى لأُولَئِكَ
الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ
أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ
وَيَخْدُمُهُمْ. 38 وَإِنْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّانِي أَوْ أَتَى فِي
الْهَزِيعِ الثَّالِثِ وَوَجَدَهُمْ هكَذَا، فَطُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ. 39
وَإِنَّمَا اعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيَّةِ
سَاعَةٍ يَأْتِي السَّارِقُ لَسَهِرَ، وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. 40
فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ
يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ». (عدد 35-40).

 

يجب
علينا يا اخوتي الأحباء أن نتأمل في كلام الرب عن مقامنا في هذا العالم ونسبتنا إليهِ
كسيدنا مدة غيابهِ ونسأل أنفسنا دائمًا ما هي الأغراض السائدة على قلوبنا يوميًّا.
هل نحن منتظرون أمجاد الملكوت وأفراح بيت الآب؟ وهل حسبنا كل شيء هنا خسارة ونفاية
بالمُقابلة مع كنز قلوبنا المحفوظ لنا في السماوات؟ وهل نحن منتظرون رجوع الرب في
كل وقت ليُنهي غُربتنا ويأخذنا إلى نفسهِ؟ فيُعبّر عن حالتنا هنا كالعبيد لهُ وهو
قد غاب عنا إلى وقت غير محدود ولكنهُ لا يفرض مُضي زمان طويل فإنهُ كربّ بيت ذهب
إلى موضع فرح ولا يمكن أن يصرف إلاَّ جزءًا من ليلة واحدة فيجب على عبيدهِ أن
يظهروا أمانتهم ومحبتهم لهُ بالسهر وانتظار رجوعهِ. فطوبى لأولئك العبيد الذين إذا
جاء سيدهم يجدهم ساهرين. الحق أقول لكم أنهُ يتمنطق ويتكئهم ويتقدم ويخدمهم. توجد
تشبيهات في عوائد البشر تُطابق واجباتنا كعبيد لأن نسبة العبد للسيد مفهومة جيدًا
ولكنهُ لا يوجد تشبيه للطف الرب الذي سيُظهرهُ لنا إذ يُجازينا على انتظارنا إياهُ
بما لم يخطر ببال سيد بشري أن يصنعهُ لعبيدهِ. لأنهُ يستعدُّ لخدمتنا ويتكئنا على
مائدتهِ ويخدمنا يعني يمنحنا الأفراح السماوية. لاحظ أنهُ لا يذكر هنا اشتراكنا
معهُ في سياسة الملكوت على الأرض فإن كلامهُ يُشير إلى اشتراكنا في مجد البيت
وأفراحِ فهذا أعظم من مُجازاة الملكوت مدة الألف السنة بحيث أنهُ إلى الأبد. وإن
أتى في الهزيع الثاني أو في الهزيع الثالث ووجدهم هكذا فطوبى لأولئك العبيد. كلما
طال الوقت قويت التجربة علينا أن ننعس وننام ولكنهُ يُطوّب الذين يسهرون حتى وقت
رجوعهِ. فهل نحن ساهرون؟ وإنما اعلموا هذا أنهُ لو عرف رب البيت في أية ساعة يأتي
السارق لَسَهِرَ ولم يدع بيتهُ يُنقب. الرب مُزمع أن يأتي على العالم كلصٍ انظر
(تسالونيكي الأولى1:5-11؛ رؤيا 15:16) ولكنهُ سيأتي إلى مُنتظريهِ كسيدهم المحبوب
وهم بغاية الانتظار أو كعريس قد وعدهم بسرعة القدوم وهم قد خرجوا للقائهِ. فيتضح
من التشبيهات المُختلفة الواردة في شأن نسبتنا للرب أنهُ يُريد أن رجوعهُ ثانيةً
يشغل موضعًا عظيمًا في قلوبنا ويسود عليها دائمًا وأبدًا إلى أن يجيء. فرب البيت
هنا عبارة عن حالتنا هنا ونحن في تجربة أن نتساهل مع العالم ونُشاكلهُ فبدل ما
نُحافظ على مقامنا كعبيد منتظرين سيدهم نكون في خطر أنهُ يَقدّم علينا كالعالم
فلذلك يليق بنا أن نخاف وإن كنا لا نتجنب مُعاشرة العالم من المحبة للرب فلنفعل
ذلك خوفًا منهُ. فكونوا أنتم إذًا مُستعدين لأنهُ في ساعةٍ لا تظنون يأتني ابن
الإنسان. قد شاء الله وترك الوقت غير محدود لامتحان إيماننا وإظهار حالة قلوبنا لو
تعيَّن الوقت لكنا في تجربة أن نُعاشر العالم إلى حين خادعين أنفسنا بالفكر بأننا
نستيقظ قبل الوقت المُعيَّن بقليل ونستعدُّ كما هو الأمر تمامًا مع الذين قد

 

أبدلوا
مجيئهُ بالموت حيث نراهم يتغافلون عن الاستعداد لهُ مع أنهم مُقرُّون بأنهُ لا
يمكن أن يكون بعيدًا عن كلٍ منا.

 

41
فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ:«يَارَبُّ، أَلَنَا تَقُولُ هذَا الْمَثَلَ أَمْ
لِلْجَمِيعِ أَيْضًا؟» 42 فَقَالَ الرَّبُّ: «فَمَنْ هُوَ الْوَكِيلُ الأَمِينُ
الْحَكِيمُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ
الْعُلُوفَةَ فِي حِينِهَا؟ 43 طُوبَى لِذلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ
سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هكَذَا! 44 بِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ
يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ. (عدد 41-44).

 

فسأل
بطرس إن كان المثل السابق للرسل فقط أو للتلاميذ عمومًا فالرب بجوابهِ أظهر أنهُ
للجميع ثم نطق بكلام يخصُّ الرسل وكل مَنْ كان مثلهم في مقام الخدمه لهُ مدة
غيابهِ. معلوم أنهُ يوجد مواهب خصوصية وأصحابها هم كوكلاء الرب في بيتهِ. فخدَم
الرب هنا عبارة عن أهل البيت أو عموم المؤمنين بحيث أنهم تلاميذ الرب وخُدامهُ
أيضًا يُطلَب منهم الطاعة لهُ كسيدهم بحسب المثل السابق والمطلوب من الوكلاء أن
يعطوا طعامًا للآخرين انظر (أفسس 11:4-15؛ بطرس الأولى 10:4، 11). فيطلب منهم الرب
أن يُمارسوا خدمتهم بأمانةٍ ويعدهم بأنهُ يُجازيهم عند مجيئهِ. بالحق أقول لكم:
أنهُ يُقيمهُ على جميع أموالهِ. فأموال السيد عبارة عن كل شيء فإنهُ قد دُفع إليهِ
كل سلطان كما قد رأينا سابقًا فلا بد أنهُ يومًا ما يرجع لكي يملك فالعبيد الأمناء
يملكون معهُ. نعلم أن المؤمنين كافَّةً سيملكون معهُ أيضًا ولكن هذا ليس الموضوع
هنا فإنهُ أتى بكلام يوافق الخدام بحصر معنى هذه اللفظة إجابةً لسؤال بطرس.

 

 45
وَلكِنْ إِنْ قَالَ ذلِكَ الْعَبْدُ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ،
فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْغِلْمَانَ وَالْجَوَارِيَ، وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ
وَيَسْكَرُ. 46 يَأْتِي سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ
وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا، فَيَقْطَعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ
الْخَائِنِينَ. (عدد 45، 46).

 

لا
يخفى أن خُدام الكلمة في تجربة خصوصية أن ينسوا مسئوليتهم للرب نعم وخدمتهم الخاصة
المطلوبة منهم وحينئذ يُسايرون العالم من الجهة الواحدة ومن الأخرى يتسلطون على
أهل بيت سيدهم وبدل ما يعطونهم العُلُوفَةَ في حينها يدَّعون بسلطان عليهم ولكن
مصدر هذا الشرّ هو إنكارهم سرعة مجيء الرب. ولا يخفى أن كلام الرب هنا يُمثّل لنا
تاريخ النظام المسيحي في هذا العالم. لم ينكروا حقيقة رجوع الرب ولكنهم أخذوا
يقولون أنهُ يبطئهُ. إن كنا منتظرين قُدُوم سيدنا حقيقةً لا يمكن لنا أن نصرف
وقتنا بإنشاء ترتيبات بشرية مبنية على الزعم بوجود سلطان بشري في الكنيسة وبأننا
نحن من الذين حصلوا عليهِ بناء على ذلك نترأس على العبيد رُفقائنا بدل ما نخدمهم
بالمحبة والتواضع. فلنعلم يقينًا يا اخوتي أن تسلُّط أصحاب مواهب على أهل بيت
السيد ممنوع مُطلقًا وإذا كنا في منزلة خُدام الكلمة والفكر بذلك اختلج في صدورنا
فاصل هذا الشرّ البليغ قد بدأ فينا. نعم القلب خدَّاع ونجيس ويمكن أننا نُنادي
بمجيء الرب ومع ذلك تقوى فينا محبة الرياسة وهذا إنما هو برهان على أن مجيئهُ قد
فقد قوتهُ في قلوبنا وإن كانت شفاهنا تستمرُّ إلى حين تنطق بهِ. وإن كنا نشعر في
قلوبنا أنهُ من الأمور المُمكنة أن ربَّ البيت يحضر في الليلة القادمة فمن
المُستحيل علينا أن نصرف وقتنا بصنع تدابير حسب حكمتنا من شأنها أن تُعطينا مقام
الرياسة فإننا نهرب منهُ كفخّ ولو عرضهُ علينا الآخرون ونواظب على خدمتنا الخاصة
باستحضار الطعام المُناسب لأهل البيت حتى يجدنا السيد نفعل هكذا ولا يجدنا
مُتداخلين فيما لا يُعنينا. يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظرهُ وفي ساعة لا
يعرفها فيقطعهُ ويجعل نصيبهُ مع الخائنين. فالقول بإبطاء الرب والتسلُّط على أهل
بيتهِ ليسا من الأمور الزهيدة في عينيهِ. لو كان إنسان قد نطق بكلام كهذا من جهة
القصاص المُستوجبهُ العبد المُتساهل مع العالم الشرير والمُترأَس في بيت الله
أيضًا لكنا نرفض كلامهُ ونحسبهُ قاسيًا ولكن الرب نفسهُ الذي فدانا بدمهِ قد صرَّح
بهِ فمَنْ نحن حتى نُبطل حكمهُ أو نُلّطفهُ. وإن قيل ألا يمكن أن يوجد إنسان مسيحي
على حالة التغافل عن سرعة مجيء السيد وفي مقام الرياسة ومع ذلك يخلص فأقول أن خلاص
نفوسنا هو مُجرد نعمة الله ولكن لا يجوز أن نستعمل هذا التعليم الصحيح لكي نُناقض
بهِ تعليمًا آخر صريحًا من أقوال الرب. لا شك بأن الإنسان المسيحي الذي عاش ومات
وهو في مقام كاذب يترك هذه كغيرها من خطاياهُ قبل الممات لأنه في وقت الموت شعاع
صغير من نور مجد الله يكفي ليُنير سرائر قلوبنا وبهِ نُميز أفعالنا السيئة كلها
ومصادرها الفاسدة في لحظة من الزمان فإننا لا ننطلق إلى المسيح مُتمسكين وملتذّين
بشيء من شرورنا ولكن هذا ليس الموضوع هنا بحيث أن الرب يتكلم عن حالة قلوب
تلاميذهِ لا سيما خُدام الكلمة ويُري حكمهُ على الذين يجدهم خائنين. فلا نقدر أن
نقتبس شهادات أخرى كأنها تُغيرّ كلامهُ وتبرهن أنهُ لا يفعل كما قال. وفضلاً عن
ذلك أقول: إن الله قد أصدر الصوت في أيامنا. هوذا العريس مُقبل أُخرجنَ للقائهِ.
وهذا الصوت الذي نبَّه أفكار الكثيرين وأيقظهم من غفلة النوم وهذه الحقيقة نفسها
قد جعلت كثيرين يفحصون أقوال الرب والزمتهم بأن يتركوا مقامًا كاذبًا في الكنيسة
ونرى أإن كل واحد يظهر حقيقة حالة قلبهِ إذ يرفض مجيء سيدهِ أو يقبلهُ. وقد رأينا
أنهُ لا يكفينا أن نقبلهُ عقليًّا فقط لأنهُ ينبغي أن يفعل في قلوبنا ويسود عليها
أيضًا. فلنترك إذًا الخفَّة والكسل والفتور ونتنبه ونكون كرجال منتظرين سيدّهم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مغبيش او مجبيش ش

 

47
وَأَمَّا ذلِكَ الْعَبْدُ الَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ
وَلاَ يَفْعَلُ بحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيرًا. 48 وَلكِنَّ الَّذِي
لاَ يَعْلَمُ، وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ، يُضْرَبُ قَلِيلاً. فَكُلُّ
مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا
يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ. (عدد 47، 48).

 

فيُعلّمنا
هنا بوجود درجات من الإثم في العبيد باعتبار درجات معرفتهم لأن الله دائمًا
يُطالبنا في المُحاسبة بالنسبة إلى المعرفة التي ينعم علينا بها. فإن له مُعاملات
خصوصية مع كل واحد ويعرف كم قد أعطاهُ. وهذا مبدأ معروف جيدًا بين الناس في
مُحاسبتهم الآخرين. فيصدق كلام الرب هنا أولاً على العبيد بحصر معنى هذه اللفظة
كما لا يخفى فينبغي لنا نحن الذين قد أُنعم علينا بنور صافٍ من كلام الله أن نتعقل
فإن ذلك لم يأتنا صُدفةً بل انحدر علينا من فوق من لدن أبي الأنوار فلا يليق بنا
أن نتسلى وقتيًّا بدرس هذه الحقائق العظيمة وربما نفتخر على الآخرين بمعرفتنا
الزائدة ثم نرتخي روحيًّا ونبتدئ نتهاون بنفس الشيء الذي حسبناهُ نورًا سماويًّا
قبل. فنصير محكومًا علينا من أنفسنا بحيث نبني ما هدمناهُ. ولكن لا بد أن نفعل
هكذا إن كنا لا نسهر ونحترز من فخاخ العدو. وكلما كان عندنا نور أكثر من غيرنا
نفقدهُ بسرعةٍ أكثر ونصبح في ظلام أشد من ظلامهم لأن الله يُجري امتحانًا أو تنقية
في أثناء انتظار المسيح إذ يُعطينا فرصة لإظهار حالة قلوبنا أَنحن منتظروهُ أم لا؟
ولا شك بأن يصير بعض الأولين آخرين. فلنتيقظ ونسهر للصلوات لأن مقدارًا من المعرفة
العقلية أو من الخدمة الشفاهية لا يخدعهُ ولا يجعلهُ ينسى كم من الامتيازات
والواسائط قد انعم علينا بها. أخيرًا حكم الرب هنا يصدق على جمهور النصارى
بالمُقابلة مع الأُمم الذين لم يُبلغهم نور الإنجيل فإن الرب عند مجيئهِ يُعاقب
النصارى بالاسم أشدَّ العقاب انظر (تسالونيكي الثانية 11:1، 12) ولكنهُ يُخفف
الضربات نوعًا على الوثنيين.

 

49
«جِئْتُ لأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اضْطَرَمَتْ؟ 50
وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟ 51
أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ؟ كَّلاَّ، أَقُولُ
لَكُمْ: بَلِ انْقِسَامًا. 52 لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ
وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ.
53 يَنْقَسِمُ الأَبُ عَلَى الابْنِ، وَالابْنُ عَلَى الأَبِ، وَالأُمُّ عَلَى
الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ عَلَى الأُمِّ، وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا،
وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا». (عدد 49-53).

 

فالنار
عبارة عن الدينونة. نعلم أن المسيح من الجهة الواحدة جاء إلى العالم لأجل البركة
والسلام ولكن من الأخرى لأجل إجراء الدينونة أيضًا. كقولهِ: لدينونةٍ أتيت أنا إلى
العالم حتى يُبصر الذين لا يُبصرون ويعمى الذين يبصرون (يوحنا 39:9). وهذا يُطابق
قول سمعان الشيخ ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة
تُقاوَم. فماذا أريد لو اضطرمت؟ أو فماذا أُريد إن كانت قد اضطرمت. يعني أن
الدينونة كانت قد ابتدأت بحيث أن الله أخذ يستعمل حضور المسيح واسطة لتقسية قلوب
إسرائيل وإعماء أعينهم قصاصًا لهم كما نتعلم من مواضع كثيرة. فحضورهُ الذي كان يجب
أن يكون بركة للشعب المُختار قد تحوَّل إلى سقوطهم ودينونتهم وبما أن الله قد شاء
ذلك فماذا يريد المسيح خلافهُ، فأنهُ كان خاضعًا كل الخضوع للذي أرسلهُ. ولي صبغة
أصطبغها وكيف انحصر حتى تكمل. فيشير هنا إلى موتهِ العتيد أن يكملهُ في أورشليم.
وكان منحصرًا في نفسهِ يعني متضايقًا غير قادر أن يجد مجاري لمحبتهِ إذ حضر في
إسرائيل بالمحبة ليباركهم، ولكنهم على وجه الأجمال رفضوهُ، ولكنهُ ينظر إلى تكميل
موتهِ كفارةً لإسرائيل والعالم أيضًا فبعد ذلك لا ينحصر من جهة إظهار محبتهِ لأنهُ
يبتدى حينئذٍ يظهرها على كيفية أخرى أعلى مما كان يمكن لهُ مدة حياتهِ وفي دائرة
أوسع من أرض إسرائيل. أتظنوُّن إني جئتُ لأُعطي سلامًا على الأرض… إلخ. يعني
السلام للناس بعضهم مع بعض. لا يمكن ذلك الآن؛ بسبب رفضهِ فأن كل من أعترف بهِ
يصير مبغَضًا ومضطهَدًا. والرَّبُّ يشير هنا إلى كلام النبي ميخا حيث يصف الشرور
القصوى التي بلغ إسرائيل إليها، قائلاً: لا تأتمنوا صاحبًا، لا تثقوا بصديق. أحفظ
أبواب فمك عن المضطجعة في حضنك لأن الابن مستهين بالأب، والبنت قائمة على أمها،
والكنَّة على حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيتهِ (ميخا 5:7، 6). بالحقيقة حضور
المسيح أمتحن كل شيء وأعلن أفكارًا من قلوب كثيرة.

 

54
ثُمَّ قَالَ أَيْضًا لِلْجُمُوعِ:«إِذَا رَأَيْتُمُ السَّحَابَ تَطْلُعُ مِنَ
الْمَغَارِبِ فَلِلْوَقْتِ تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَأْتِي مَطَرٌ، فَيَكُونُ هكَذَا.
55 وَإِذَا رَأَيْتُمْ رِيحَ الْجَنُوبِ تَهُبُّ تَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيَكُونُ
حَرٌّ، فَيَكُونُ. 56 يَامُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ
الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَأَمَّا هذَا الزَّمَانُ فَكَيْفَ لاَ تُمَيِّزُونَهُ؟
(عدد 54-56).

 

فيوجه
هذا الكلام للجموع الإسرائيلية الذين كانوا مسرعين للقضاء بأعين مُغمَّضة وقلوب
مُتقسية مع أن الله من رحمتهِ أعطاهم علامات كافية لتنبيههم. سبق يوحنا المعمدان
وأخبرهم أن الدينونة على الأبواب وأنذرهم بأن يهربوا منها فكما أن السحاب الطالع
من جهة المغرب يدل على إتيان المطر وهبوب الريح من الجنوب يسبق الحرَّ هكذا
العلامات الظاهرة لإسرائيل دلَّت على سرعة وقوع الدينونة عليهم لكنهم لم يقدروا أن
يميّزوها، وهذه حالة النصارى في أيَّامنا فأن علامات الزمان تدلُّ على انقضاء
نظامهم بدينونة الله، ولكنهم غير مبالين بها وهذا العمى نفسهُ من أكبر العلامات
التي تؤكد لمن فيهِ أقلُّ بصر بأن النهاية صارت قريبة.

 

57
وَلِمَاذَا لاَ تَحْكُمُونَ بِالْحَقِّ مِنْ قِبَلِ نُفُوسِكُمْ؟ 58 حِينَمَا
تَذْهَبُ مَعَ خَصْمِكَ إِلَى الْحَاكِمِ، ابْذُلِ الْجَهْدَ وَأَنْتَ فِي
الطَّرِيقِ لِتَتَخَلَّصَ مِنْهُ، لِئَلاَّ يَجُرَّكَ إِلَى الْقَاضِي،
وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الْحَاكِمِ، فَيُلْقِيَكَ الْحَاكِمُ فِي
السِّجْنِ. 59 أَقُولُ لَكَ: لاَ تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ الْفَلْسَ
الأَخِيرَ». (عدد 57-59).

الخصم
هنا : عبارة عن الله باعتبار كونهِ في الطريق مع الأُمة الإسرائيلية للمحاكمة فكان
يجب عليهم أن ينتبهوا ويتخلصوا منهُ بالتوبة راجع (مَتَّى 25:5، 26)، والشرح
عليهِ. ولا يُخفى أنهم لم يفعلوا ذلك فأدركهم الغضب إلى النهاية، ولم يزالوا في
سجن التأديب كأُمة إلى هذا اليوم، ولا ينتهي تأديبهم إلاَّ عند توبتهم في المستقبل
(انظر إشعياء 1:40، 2)، ولكن لا حاجة إلى إطالة الكلام على هذا الموضوع هنا فأن
لوقا إنما يشير في سياق كلامهِ إلى معاملات الله مع إسرائيل كما قلت آنفًا. الحاصل
أنهُ يخاطبهم بما لخيرهم كأُمة وكأفراد باعتبار حالتهم السيئة. كانت بينهم مخاصمات
من جهة مصالحهم الحاضرة وتمييز وجه الأرض والسماء وأما شهادة الله الصريحة فلم
يميزوها فأنهم كانوا متورطين في عدم إيمانهم ومكتفين بأنفسهم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي