الإصحَاحُ
التَّاسِعُ

 

16-
المسيح يرسل تلاميذه الإثني عشر للتبشير (9: 1- 9)

 1
وَدَعَا تَلامِيذَهُ ٱلاِثْنَيْ عَشَرَ، وَأَعْطَاهُمْ قُّوَةً وَسُلْطَاناً
عَلَى جَمِيعِ ٱلشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ أَمْرَاضٍ، 2 وَأَرْسَلَهُمْ
لِيَكْرِزُوا بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ وَيَشْفُوا ٱلْمَرْضَى. 3
وَقَال لَهُمْ: «لا تَحْمِلُوا شَيْئاً لِلطَّرِيقِ، لا عَصاً وَلا مِزْوَداً وَلا
خُبْزاً وَلا فِضَّةً، وَلا يَكُونُ لِلْوَاحِدِ ثَوْبَانِ. 4 وَأَيُّ بَيْتٍ
دَخَلْتُمُوهُ فَهُنَاكَ أَقِيمُوا، وَمِنْ هُنَاكَ ٱخْرُجُوا. 5 وَكُلُّ
مَنْ لا يَقْبَلُكُمْ فَٱخْرُجُوا مِنْ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ،
وَٱنْفُضُوا ٱلْغُبَارَ أَيْضاً عَنْ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً
عَلَيْهِمْ». 6 فَلَمَّا خَرَجُوا كَانُوا يَجْتَازُونَ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ
يُبَشِّرُونَ وَيَشْفُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ.

 

جمع
يسوع تلاميذه وفوضهم بقوته، بعدما سمعوا لمدة طويلة كلماته، ورأوا أعماله وتقوى
إيمانهم في حضوره، حتى نالوا قوته، وفهموا أهدافه. فأراد المسيح أن يضاعف مجد
محبته. فأمر أتباعه ليس بالكرازة فقط، بل أيضاً بإخراج شياطين، وشفاء أمراض.
أعطاهم سلطاناً على كل الأرواح النجسة وعلى كل الأمراض، وأرسلهم كما أرسله الآب،
مفعمين بقوى الروح القدس، لتحقيق ملكوت الله، حيث يكون المسيح بذاته ملكاً ومحوراً
ومصدراً لكل القوة، لأن منه جرت القوة لغير المقتدرين والنعمة لغير المستحقين.

 

فيا
أيها الأخ، أن لأمر ملكنا ضرورة. والوقت الذي نستطيع التصرف فيه جهراً قصير. فمن
يسمع دعوة المسيح للخدمة؟ ومن يأت إليه مستعداً؟ هل ينمو إيمانك، ليستطيع المسيح
إرسالك وتجهيزك مفوضاً إلى محيطك؟ لا تبشر بفلسفات بل انقل قوة المسيح للموات في
الخطايا ليقوموا حقاً وصدقاً. وحرر باسم يسوع أسرى الشيطان ليدخلوا إلى النور،
تاركين الظلام. وملء الملكوت يحل في كل الذين يطيعون الإنجيل. وكل أتباع المسيح
المتواضعين، مع كل القديسين الراقدين، هم ملكوت الله، العابر في الزمان والحاض
بيننا.

 

والمسيح
أعطى ملاحظات عملية لخدامه، ليعرفوا التصرفات الحكيمة لخدماتهم. أولاً منعهم من
الهموم لأجل المال والخبز، أوصاهم ألا يحملوا كنوزاً وأثقالاً وأسلحة في رحلاتهم
التبشيرية، ليستطيعوا السفر بسهولة، ولا يطمع اللصوص بهم. فملكوت المسيح ليس من
هذا العالم، بل مملكة روحية. لهذا فإن مواهب المسيح روحية لا مادية. فلم يعط
المسيح لرسله معاشات أو سيارات أو تجهيزات دنيوية، بل قال لهم حيث تكونون فكلوا
واشربوا ما يقدمه لكم المستمعون إليكم. وهذه الوصية تخص شعب العهد القديم بالدرة
الأولى، لأن هناك كان الشعب متعوداً على الاعتناء بخدام الرب رزقاً وقوتاً.

 

وقد
أفهم المسيح تلاميذه مسبقاً، أنهم سيختبرون كما اختبر. فبعض السامعين سيقبلونهم وآخرون
سيرفضونهم ببغضة. فمن الحكمة أن يحفظوا الأمانة لباكورة الإيمان في كل قرية يمرون
بها حتى ولو تجدد بعدئذ أصدقاء أغنياء وأذكياء، وقدموا لهم منامة ريحة أكثر.
فالأمانة هي الأساس في خدمة المؤمنين.

 

ولكن
حيث تقسي بغضة جهنم القلوب، فهناك يكون على الرسل، ألا يجبروا الرافضين لقبول
النعمة، بل يمضوا بكل بساطة نافضين كل الغبار عن ثيابهم، رمزاً للمعرفة أنهم لا
يشتركون في دينونة الله الحالة على كل الذين يرفضون الإنجيل. ويل للبيت والقية
والمدينة والبلاد، التي ترفض المسيح وخلاصه. فدينونة الرب والحروب القاتلة ستفتك بهم.

 

وأطاع
الرسل كلمات ربهم وساروا إلى القرى، اثنين اثنين. وأعلنوا انتصار المسيح وبشروا
بما رأوه وسمعوه، ووضعوا أيديهم على المرضى وشفوهم باسم المسيح. واختبروا أن الرب
نفسه رافقهم خفياً عليهم، وكملت قوته في ضعفهم.

 

9: 7
فَسَمِعَ هِيرُودُسُ رَئِيسُ ٱلرُّبْعِ بِجَمِيعِ مَا كَانَ مِنْهُ،
وَٱرْتَابَ لأَنَّ قَوْماً كَانُوا يَقُولُونَ: «إِنَّ يُوحَنَّا قَدْ قَامَ
مِنَ ٱلأَمْوَاتِ». 8 وَقَوْماً: «إِنَّ إِيلِيَّا ظَهَرَ». وَآخَرِينَ:
«إِنَّ نبِيّاً مِنَ ٱلْقُدَمَاءِ قَامَ». 9 فَقَالَ هِيرُودُسُ: «يُوحَنَّا
أَنَا قَطَعْتُ رَأْسَهُ. فَمَنْ هُوَ هٰذَا ٱلَّذِي أَسْمَعُ عَنْهُ
مِثْلَ هٰذَا!» وَكَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَرَاهُ.

 

في
ذلك الوقت كان هيرودس قد قتل المعمدان، الذي انتهت خدمته الإعدادية. فالآن أرسل
المسيح رسله لينشر ملكوت الله. ولكن الملك القاتل وبخه ضميره. ولما سمع عن يسوع،
فكر أنه لربما قد عادت روح يوحنا إلى قصره لتنتقم منه. وحاشيته جربت تهدئته قائلين
له أن المسيح هو النبي، الذي أشار إليه موسى، أو هو إيليا المنتظر. فتساءل الجميع
حول سر شخصية ابن الله العظيم. وأراد هيرودس أن يقابله. ولكن المسيح لم يتنازل إلى
الأجواء السياسية. ولم يطلب مسايرة الوجوه. أما تلاميذه فقد شهدوا بقوته قولاً
وعملاً. فلم يعلموا أفكارأ جافة، بل دلوا مستمعيهم على يسوع الناصري المنتصر
الإلهي.

 

الصلاة:
يا رب نشكرك من كل قلوبنا، لأنك تدعو اليوم رسلك اليك. وتدربهم وتجهزهم، وتؤدبهم
بقوتك. وترسلهم وترافقهم، وتقويهم لخدمات متنوعة. لينشروا مملكة محبتك العظيمة في
أمتنا وفي كل العالم. تكلم يا رب لأن عبدك سامع.

 

17-
نهاية عمل المسيح في منطقة الجليل الجبلية (9: 10- 50)

9: 10
وَلَمَّا رَجَعَ ٱلرُّسُلُ أَخْبَرُوهُ بِجَمِيعِ مَا فَعَلُوا،
فَأَخَذَهُمْ وَٱنْصَرَفَ مُنْفَرِداً إِلَى مَوْضِعٍ خَلاءٍ لِمَدِينَةٍ
تُسَمَّى بَيْتَ صَيْدَا. 11 فَٱلْجُمُوعُ إِذْ عَلِمُوا تَبِعُوهُ،
فَقَبِلَهُمْ وَكَلَّمَهمْ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ،
وَٱلْمُحْتَاجُونَ إِلَى ٱلشِّفَاءِ شَفَاهُمْ. 12 فَٱبْتَدَأَ
ٱلنَّهَارُ يَمِيلُ. فَتَقَدَّمَ ٱلاِثْنَا عَشَرَ وَقَالُوا لَهُ:
«ٱصْرِفِ ٱلْجَمْعَ لِيَذْهَبُوا إِلَى ٱلْقُرَى
وَٱلضِّيَاعِ حَوَالَيْنَ فَيَبِيتُوا وَيَجِدُوا طَعَاماً، لأَنَّنَا
هٰهُنَا فِي مَوْضِعٍ خَلاءٍ». 13 فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ
لِيَأْكُلُوا». فَقَالُوا: «لَيْسَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةٍ
وَسَمَكَتَيْنِ، إِلَّا أَنْ نَذْهَبَ وَنبْتَاعَ طَعَاماً لِهٰذَا
ٱلشَّعْبِ كُلِّهِ». 14 لأَنَّهُمْ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلافِ رَجُلٍ.
فَقَالَ لِتَلامِيذِهِ: «أَتْكِئُوهُمْ فِرَقاً خَمْسِينَ خَمْسِينَ». 15 فَفَعَلُوا
هٰكَذَا وَأَتْكَأُوا ٱلْجَمِيعَ. 16 فَأَخَذَ ٱلْأرْغِفَةَ
ٱلْخَمْسَةَ وَٱلسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ
ٱلسَّمَاءِ وَبَارَكَهُنَّ، ثُمَّ كَسَّرَ وَأَعْطَى ٱلتَّلامِيذَ
لِيُقَدِّمُوا لِلْجَمْعِ. 17 فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جَمِيعاً. ثُمَّ رُفِعَ مَا
فَضَلَ عَنْهُمْ مِنَ ٱلكِسَرِ: ٱثْنَتَا عَشْرَةَ قُفَّةً.

 

ازدحمت
الحوادث وعاد التلاميذ. فأخبروا المسيح عن عجائب قوته الجارية من كلماتهم وأيديهم
عند ذكرهم اسمه. وقد وصل الخبر بنفس الوقت إلى ملك البلاد قاتل يوحنا ساعي المسيح.
وهذا الملك لربما كان قد ابتدأ البحث والتفتيش في منطقته عن كل الذن اعتمدوا من
المعمدان سابقاً.

 

فأخذ
يسوع رسله عندئذ، وترك بلاده، ماشياً إلى مملكة فيلبس، أخي هيرودس أنتيباس القاتل.
وأراد يسوع هناك في الهدوء أن يعمق اختبارات تلاميذه، ويقودهم إلى الصلاة والشكر،
لكي يتواضعوا ويمجدوا الله وحده. مدركين أنهم هباء وربهم هو كل شيء.

 

ولكن
لما لاحظ الجماهير في كفرناحوم، أن مخلص العالم يهم أن يترك بلدهم مع حاشيته،
تبعوه أفواجاً. وبينما كان المسيح ينتقل في السفينة، ليجتاز إلى الضفة الأخرى من
البحيرة، مشى خمسة ألاف رجل على أقدامهم وفي سفنهم وراءه، ليشتركوا في قوة ركاته.
وألفوا يسوع بعدئذ في البرية، واصغوا بدون انزعاج إلى رسالته عن المملكة الإلهية
حيث يعم السلام والحق، ولا تدخل الخطية والظلم والقتل. فملكوت الله هذ يبتدئ اليوم
في كل من تاب إلى يسوع المالك، الذي أهلنا بدمه لننال قوة روحه. وهي تثبتن في
خدمات المحبة الإلهية وفي رعوية المملكة الإلهية. فهل أصبحت عضواً عاملاً فيها، أم
تستمع لأقوال المسيح وأنت على الحياد فقط، وخارج ملكوت الله؟

 

وحين
غربت الشمس جاعت الجماهير وبان عليهم قلق وتساؤل. فاضطرب التلاميذ لأجلهم أيضاً،
وخافوا من الاختلاس والزعل والهجومات والبغضاء. فطلبوا إلى يسوع أن ينهي الكرازة
والشفاء، ويرسل الرجال الخمسة آلاف إلى بيوتهم. ولكن الرب نظر إلى رسله،وعزم أن
يعلمهم درساً قاطعاً لن ينسوه، أنهم عبيد بطالون، رغم ما صنعوا من المعجزات لكيلا
ينتفخوا مطلقاً بسبب اختباراتهم في التبشير.

 

فأمر
المسيح هؤلاء النخبة من التلاميذ أن يطعموا هذا الجمع الكثير من الناس. فاعترفوا
عاجزين أنه ليس لديهم شيء إلا القليل. فهذا الاعتراف الساحق هو الأساس المبدئي لكل
خادم للرب. فاعلم أنني وأنت أيضاً لا شيء، ولا نملك شيئاً، ولا نعلم شئاً، إلا
قليلاً من العلم الذي وهبتنا إياه نعمة الخالق. فكل الأطباء والفلاسفة والعلماء
والعباقرة، لا يعرفون شيئاً، ولا يفهمون شيئاً، ولا يقدرون على شيء، إلا ما سمحت
به نعمة ربهم وأتاحته لهم. فهل عرفت أنك لا شيء إلا نسمة من نعمة ربك؟

 

وبعد
تعجيز المسيح لهم، ابتدأت جماجمهم تفكر وتحسب، كيف يستطيعون أن يدبروا أمور
الجماهير وينهوا ضيقهم ويطعموهم شبعاً بطريقة ممكنة بشرية. فألقوا نظرهم على
الصندوق، وحسبوا عدد الجمال والحمير والسفن اللازمة لنقل الأغذية إليهم. فأدركوا
ستحالة إنقاذ الموقف، لأنهم فكروا بطاقتهم الدنيوية. ولكن فكر المسيح كان سماوياً.
فأمر الرجال من الجماهير، أن ينقسموا إلى مئة فرقة، في كل واحدة منها خمسون رجلاً،
لأن ملكوت الله لا يقبل الفوضى. فاتكأوا كما أمرهم ونظروا إلى يسوع شاخصين ما عى
أن يعمل وبطونهم تقرقر جوعاً.

 

فأخذ
يسوع المسيح بيديه الخبز القليل والسمكتين الصغيرتين ووضعها أمام وجه الله وشكر
لأجل هذه الهبة. وهذا الشكر والتطلع إلى أبيه، مع ثقته في عنايته الكبرى ومحبته
للمستمعين الضالين الممزوجة بحمد وتسبيح دائم. كان سر الأعجوبة وقوة تحقيقا.
فتضاعف الخبز بين يديه، وكذلك السمكات تلقائياً، حتى أكل الجميع فشبعوا. فاندهش
التلاميذ والجماهير جميعاً، وبعضهم تمتم بصلوات شكراً لربه. فماذا تعمل أنت؟ أتشكر
ربك للقليل الموهوب لك؟ أتوزع منه للآخرين أو تبخل به؟ هل تتعلق بربك المعتني بك؟
أين إيمانك، وأين شكرك وأين محبتك؟

 

ولقد
امتنع المسيح في بداية خدمته عن الموافقة على تجربة الشيطان ليصنع من الحجارة خبزاً
لنفسه. ولكن لما جاع أتباعه، الذي تعذبوا طويلاً لأجل الغذاء الروحي. واستمعوا إلى
المسيح مدة كبيرة، فأشفق عليهم وكان مستعداً بعد أن تعمقوا روحياً،أن يشبع بطونهم
أيضاً بعد ذلك، وليس العكس بالعكس. فالمسيح ليس ملك الخبز، ولكن الذي يطلب ملكوته
وبره أولاً تزاد له البركات الجسدية. ولم يصنع الرب لمستمعيه كعكة ودجاجة محمرة
وخمراً، بل خبزاً وسمكاً فقط. فشربت الجماهير الماء القراح من البحية والينابيع
القريبة. وبعد أن امتلئوا بالطعام، فضل عنهم اثنتا عشرة سلة ملآنة خبزاً وسمكاً،
أكثر مما كان لديهم أولاً. فأمرهم المسيح بجمع البقايا، لكيلا يتلف شيء من النعمة.

 

وعندئذ
أدرك الرسل الكرام وجماهير العوام أن المسيح هو الخالق، ذو الجلالة، القادر على كل
شيء، وغالب العناصر كلها، الذي بمحبته يزيد الموجود أضعافاً. فهو وحده المقتدر أن
يحل مشاكل مستقبل البشر. ولكن هذا التدبير لا يتم بواسطة مساعدات خرية دولية، بل
يتم بالعشاء الرباني الروحي، حيث وهب يسوع لتلاميذه التائبين جسده ودمه غذاء
لطريقهم في صحراء العالم. فكان إشباع الخمسة آلاف رجل في الجليل رمزاً للعشاء
الرباني في كل مكان. حيث يضحي ابن الله بنفسه ويطعم الجماهير العطاش إلى البر بذاته
ويحييهم بروحه. هل اشتركت في غذاء الله الروحي، إذ يقدم الملك نفسه، ليشبع مواطنيه
المختارين من العالم.

 

الصلاة:
أيها الرب، ما أعظمك! أنا خاطئ مفعم التذمر والهموم والشك وعدم الإيمان. افتح عيني
لمحبتك وقدرتك، لأؤمن بإمكانيتك. وأنقل من ملئك، إلى كل الجياع إلى البر فننال
نعمة فوق نعمة.

 

9: 18
وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي عَلَى ٱنْفِرَادٍ كَانَ ٱلتَّلامِيذُ مَعَهُ.
فَسَأَلَهُمْ: «مَنْ تَقُولُ ٱلْجُمُوعُ إِنِّي أَنَا؟» 19 فَأَجَابُوا:
«يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ إِنَّ
نَبِيّاً مِنَ ٱلْقُدَمَاءِ قَامَ». 20 فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ
تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ: «مَسِيحُ ٱللّٰهِ». 21
فَٱنْتَهَرَهُمْ وَأَوْصَى أَنْ لا يَقُولُوا ذٰلِكَ لأَحَدٍ، 22
قَائِلاً: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ٱبْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيراً،
وَيُرْفَضُ مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ
وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ
يَقُومُ».

هل تبحث عن  م التاريخ كنيسة الأقباط الأرثوذكس مذكرات في تاريخ الكنيسة 11

 

بعد
ذروة خدمات المسيح في الجليل بإشباع الخمسة آلاف رجل من سمكتين وخمسة أرغفة، انفرد
ابن الله مع تلاميذه للصلاة. فهل أدركت أن يسوع كان مصلياً، ولم يعمل أو يقل شيئاً
بدون صلوات متواصلة؟ وبهذا الروح القائد فحص الرب تلاميذه، وجذبهم إلى الاعتراف
بجوهره. وأثناء هذه المكالمة اتضح، أن الجماهير من مستمعيه لم يدركوا حقيقته،
لأنهم اعتبروه أحد أنبياء العهد القديم الكبار، أو إيليا سابق المسيح، أو حسبوه
يوحنا المعمدان الذي قتله هيرودس أبان هذه الحادثة. فكانت معرفة الشعب لا تزال
سطحية ومتعلقة بالخوف من الأموات والأرواح.

 

لكن
المسيح أراد أن يرشد تلاميذه إلى اتخاذ قرار حاسم فاخترق قلوبهم، وسألهم مواجهة:
ماذا تقولون أنتم أنني أنا؟ وإن سألك الرب المسيح هكذا، فماذا تقول له؟ وماذا تقول
لصديقك؟ من هو المسيح؟ لقد كتبت فتاة في درس الدين عن هذا السؤال على دفترها
الجملة القاطعة الملخصة: إنه مخلصي. فهذا الجواب كان الأكثر صواباً. ولا نقدر أن
نجاوب بأفضل من ذلك، لأن هذه الكلمة تحمل اختبار الخلاص وقوة المسيح. فهل اختبرت
خلاص مخلصك شخصياً؟

 

وقبل
موت المسيح لم يكن هذا الجواب ممكناً، لأنه لم يكن قد تم الخلاص بعد. فتجاسر بطرس
مضاداً لآراء الشعب، ومعارضاً لجواسيس الفريسيين، وقال باسم التلاميذ كلهم: أنت
المسيح المنتظر ابن الله الحي. ففي نشوء هذه المعرفة محا الروح القدس في بطرس كل
شكوك وأسئلة، وأوجد فيه الإيمان، الذي ما صدر من الناس بل من ربهم. وليس أحد يقدر
أن يسمي يسوع رباً ومسيحاً إلا بواسطة الروح القدس. والنعمة تتحقق، كلما عرف خاطئ
جوهر يسوع وتمسك بألوهيته.

 

ماذا
فهم بطرس حين نطق بهذا الاسم الفريد «المسيح»؟ فالعهد القديم يقول عنه، أنه
الممسوح من الروح القدس، حاملاً كل قوى الله فيه، وموحداً كل وظائف العهد القديم
في نفسه. وأنه موعود من الله، أن ينشئ ملكوتاً أبدياً على الأرض، مركزه أورشلم.
فترقب اليهود مجيء هذا الموعود ليحقق مملكة السلام، ويقيم الأموات، ويغلب الظلم،
وينشر الحرية في البلاد الرازحة تحت عبودية الاستعمار. فأصبحت هذه الانتظارات
سياسية دنيوية وليست روحية. فرفض أكثرية الشعب كرازة يوحنا المعمدان، لأنه كرز
بمسيح قاض شديد مقبل عليهم، يطلب تغيير الذهن والتوبة الجذرية.

 

وزعم
الفريسيون أن المسيح لن يأتي إلا إذا حفظ كل اليهود وصية السبت بلا غلط. أما
الغيورون على الوطنية فانتظروا مسيحاً محارباً بالسيف لطرد الرومان، ومنفذاً الحق
بالعنف والقوة.

 

وقد
منع المسيح تلاميذه لهذه الأسباب من التكلم عن مسيحيته، لكيلا تنشب انتصارات خاطئة
متعلقة بشخصه. ولم يرفض شهادة بطرس، بل أثبتها بموافقته الصامتة، طالباً منه
استمرار الإيمان دون إعطائه برهاناً وموافقة ظاهرية. فما قال له: نعماً يا طرس معك
حق، إني أنا المسيح المنتظر. ولكنه منعه أن يعترف بهذا الإيمان جهراً، قبل موته
على الصليب.

 

وابتدأ
يسوع مع هذا ينشر معرفة المسيح الحق في قلوب التلاميذ فابن العلي قد أتى لينشئ
ملكوت الله. ولكنه لا يقدر أن ينشئ هذه المملكة المقدسة من خطاة في العيوب
والذنوب، لأن ملكوت القدوس مؤلف من قديسين، كما قال: كونوا قديسين لأني أنا قدس.
والمسيح أوضح لنا هذه الكلمة بقوله: كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم أيضاً. فهذه
المملكة الإلهية ملكوت أبوي مؤلف من أولاد روحه القدوس.

 

وليس
إنسان في العالم ممتلئاً من هذا الروح، لأن الخطية قد فصلت بيننا وبين ربنا. فأتى
المسيح ليطهر أهل ملكوته ويبررهم ويقدسهم. فلم يستطع الملكوت أن يأتي قبل ان يتم
الصليب. فابتدأ يسوع يخبر رسله، أن المسيح الحق، أتى ليتألم ويموت، ويكر عن خطية
العالم كحمل الله. فلم يستطع أن يبني ملكوته من خطاة على الأرض إلا أن يتقدسوا.

 

وهذه
المعرفة الهامة، لم تدخل عقول التلاميذ. فانتظروا مسيحاً ناصراً باهراً خطيباً
مهيجاً للجماهير ومالكاً على الأرواح والعناصر. فامتلأت أفكارهم بسلطان يسوع، ولم
يدركوا طريقة النازل إلى الموت. ولم يخطر ببالهم أن زعماء الأمة الروحانين يسببون
ويشتركون في قتل مسيح الله. فأصبح شعار كرازة المسيح بعد إشباع الخمسة آلاف رجل،
وبعد شهادة بطرس، أن يقول لنخبة أتباعه، أن ابن الإنسان ينبغي أن يموت، ليثبت
لأتباعه أنه متأكد من انتصاره ومنسجم مع إرادة الله.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع، نسجد لك لأنك مسيح الله. ويحل فيك ملء اللاهوت جسدياً. اغفر لنا
إيماننا السطحي، وعلمنا ضرورة آلامك وموتك، لكي نشترك في إطاعة إيمانك وقيامتك
الظافرة.

 

9: 23
وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ
نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي. 24 فَإِنَّ مَنْ
أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ
أَجْلِي فَهٰذَا يُخَلِّصُهَا. 25 لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ ٱلإِنْسَانُ
لَوْ رَبِحَ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ، وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ أَوْ خَسِرَهَا؟ 26
لأَنَّ مَنِ ٱسْتَحَى بِي وَبِكَلامِي، فَبِهٰذَا يَسْتَحِي
ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ ٱلآبِ
وَٱلْمَلائِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ. 27 حَقّاً أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ
مِنَ ٱلْقِيَامِ هٰهُنَا قَوْماً لا يَذُوقُونَ ٱلْمَوْتَ
حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ».

 

هل
تريد اتباع المسيح وتصبح عضواً في ملكوته؟ هل تشتاق للتغيير إلى صورته، لتكون
ابناً لله، ويتقدس اسم أبيك في سلوكك؟ عندئذ تتضح في حضور المسيح خطاياك. ونقرأ في
هذه النصوص مرات أربع كلمة «النفس» ومرات أربع أخر ضمير النسبة للمسيح. وهكا فإنك
تجد نفسك مقابل المسيح وجهاً لوجه، وقداسته تعلن نجاستك. فاعترف بفسادك جهاراً.
وانكر نفسك وابغض أخلاقك الفاجرة، ولا تعترفن بذاتك، بل ابتعد عنها. ولا تستمعن
لصراخ الجسد. بل اغلب حساسيتك الأنانية، واطعن شفقتك على نفسك. واعتبر ذاتك لا شيء
ليصبح المسيح كل شيء.

 

كيف
يتم إنكار النفس عملياً؟ لقد قال المسيح: احمل صليبك. ولم يقل: احمل صليبي الخاص.
فقصده أن يعدك لقبول الحكم عليك بالإعدام لخطاياك، لأن «الصليب» يعني أشنع قصاصات
الموت وهو معد للعبيد الفارين والمجرمين المحتقرين. ويقترح المسيح عليك أيها العبد
للخطية والفار من رحاب الله إلى شركة العاصين، أن تحني رأسك لاستحقاقات الموت،
ليدينك روح الله بلا شفقة. عندئذ لا تحب نفسك الفاسدة بل تحتقرها، وتعرف أنك قد
خسرتها خسراناً مبيناً. فلم يعد لها أي قيمة، بل أنها داخلة الموت المهلك.

 

وهذا
الانكسار للنفس بقيادة روح الله لا يتم لمرة واحدة، بل يتحقق في اتباع المسيح
يومياً، لأن ربك لم يقل: انكر ذاتك مرة واحدة فتتخلص بل أنه يطلب منك أن تمارس
إنكارك نفسك يومياً وتثبت في إدانة ذاتك دائماً، وتحمل الحكم عليك بالموت باسمرار.

 

حقاً
فإنه ليس إنسان قادراً أن ينكر ويميت نفسه، ويعيش بنفس الوقت، إلا من اتبع المسيح.
ففيه نتعلم، أن نرفض خطايانا، وندوس استكبارنا، ونسمع في الآن ذاته دعوته إلى
الحياة الحقيقية، المفعمة بالفرح والسعادة والمحبة.

 

إن
اتباع يسوع يشبه رحلة على قمة سلسلة الجبال. وعن اليمين والشمال مهاو فاغرة
الأجواف. ولكن بالإيمان نكون متعلقين بقائدنا، ونتبعه خطوة خطوة لا أسرع ولا أبطأ
منه ولا قدامه ولا متخلفين عنه، بل بنفس السرعة، حسب إرادته، ناظرين إليه. فلا
نهتم بأنفسنا، بل اهتمامنا كله يتجه نحوه هو فننسى ذواتنا ونكسبه.

 

والمسيح
يطعنك أكثر في ذات نفسك، قائلاً لك: إن أردت التغني بأخلاقك ودوام رفاهيتك وإبراز
شرف أرومتك فإنك تزول وتفسد بسبب هذه الأنانية. كما زالت كل الشعوب الغنية الذكية
في مباهاتها. ولكن إن عبدت المسيح، وافتقرت من أجل خدمته، ولم تطلبنفسك بل طلبته هو،
فإن قوته وروحه عند ذلك تجريان فيك، وحياته تعوض نفسك الخاسرة، وتمنحك كياناً
أزلياً.

 

وللأسف
فإن الناس ليظنون أنهم يصلحون المجتمع بمدارسه وتربيته وآدابه، وبالحقيقة أنهم
يخدعون لنفسهم خداعاً كبيراً. فما نحتاجه بالواقع هو موت «الأنا» وعدم الافتخار
بالآداب المتعارفة، ورفض الإنسانية الكاذبة، لكي نربح المسيح وحده. فمن اممكن أن
ينجح إنسان أو عائلة أو شعب، فيصبح غنياً ذكياً شهيراً عظيماً، ويجلب كل العالم
غنيمة وراءه، ولكنه إذ ذاك يصل إلى قمة المنحدر، ثم يبدأ بالسقوط، لأن من يلتفت
إلى ذاته ليغنم العالم بأسره ينحرف عن الله، ويبتعد عنه، ويفقد الحياة الأبدي
حتماً. لأن المسيح قال: ليس أحد يقدر أن يخدم سيدين. وقد فهم المسيح من البداية
تجربة الشيطان المكارة هذه. ورفض امتلاك العالم واختار الصليب. فلهذا هو يمتلك
اليوم العالم والسماويات ويحيا إلى الأبد. (قارن أيضاً يوحنا 12: 25- لوقا 17: 23
ومتى10: 33).

 

أتحب
المسيح؟ فتقدم إليه طالباً شفاء نفسك الخاسرة. إنه مخلص العالم ومستعد أن يهتم بك،
فتشفى وتتبعه. أدرك خسارة نفسك المطلقة، معترفاً بها أمام المسيح طالباً منه
خلاصك، فيبدل سقوطك إلى رفعة وفسادك يبدله بقداسة. أسرع وخلص نفسك، لأن المسيح
مخلصك.

 

هل
تحب يسوع؟ فكلم الآخرين بمخلصك، لأن العريس الذي لا يتكلم عن عروسه المحبوبة أو
يكاتبها، فإنه لا يحبها. والمسيح الذي لا يقرأ يومياً رسائل المسيح ويخبر الآخرين
بأخباره، فلا يحب مخلصه أبداً. هل تخجل من كلمة ربك أمام زملائك؟ فمن هو الأكبر
المسيح أم الناس؟ أتحب نفسك أو ربك؟

 

المسيح
سيأتي بمجد مزدوج، لأنه أنكر نفسه على الصليب. فكسبها إذ أعطاه أبوه كل السلطان في
السماء وعلى الأرض. فيأتي الابن في مجد حمل الله، وفي ملء مجد الآب وكل الملائكة
معه. عندئذ يظهر ملكوت الله جهراً، ويتحقق عملياً. هل أنكرت نفسك، وأصبحت أهلاً
لملكوت الله بدم المسيح وروحه؟

 

ويعلم
المسيح، أنه لا يوجد إنسان يستحق الدخول إلى ملكوت الله. ولكن من يشترك في تجديد
الكون ينل قوة الحياة الأبدية وسط عصرنا السحيق، وينتقل من الموت إلى الحياة
الأبدية. ومنذ يوم عيد العنصرة يعيش ملايين من الناس حياة سماوية ولا يجد الموت
سلطة عليهم، لأنهم قد أنكروا أنفسهم، وأدانوا ذواتهم، وما اعترفوا بشيء إلا
بالمسيح الفادي المحبوب. وهم منتظرون مجيئه بترقب وصلوات.

 

الصلاة:
أيها الرب يسوع المسيح، أنت مخلصي ومقياسي وهدفي. اغفر أنانيتي، وأمت بلطفك نفسي
الفاسدة. واخلق فيّ قلباً جديداً، وروحاً مستقيماً في داخلي. اربطني بنفسك، لكي
أتبع روحك، حيثما تشاء.

 

9: 28
وَبَعْدَ هٰذَا ٱلْكَلامِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، أَخَذَ
بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إِلَى جَبَلٍ لِيُصَلِّيَ. 29 وَفِيمَا
هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضّاً
لَمِعاً. 30 وَإِذَا رَجُلانِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ، وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا،
31 ٱَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ، وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ
ٱلَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ. 32 وَأَمَّا
بُطْرُسُ وَٱللَّذَانِ معَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِٱلنَّوْمِ.
فَلَمَّا ٱسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ، وَٱلرَّجُلَيْنِ
ٱلْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ. 33 وَفِيمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ
لِيَسُوعَ: «يَا مُعَلِّمُ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هٰهُنَا. فلْنَصْنَعْ
ثَلاثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً».
وَهُوَ لا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ. 34 وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ ذٰلِكَ كَانَتْ
سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ. فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا فِي ٱلسَّحَابَةِ.
35 وَصَارَ صَوْتٌ مِنَ ٱلسَّحَابَةِ قَائِلاً: «هٰذَا هُوَ
ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ. لَهُ ٱسْمَعُوا». 36 وَلَمَّا كَانَ
ٱلصَّوْتُ وُجِدَ يَسُوعُ وَحْدَهُ، وَأَمَّا هُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ
يُخْبِرُوا أَحَداً فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ بِشيْءٍ مِمَّا أَبْصَرُوهُ.

 

دعا يسوع
تلاميذه لإماتة ذواتهم وحمل الصليب باستمرار لأنه اختار هذا الطريق لنفسه مخلياً
ذاته، ومات على خشبة العار لأجلنا. فلا طريقة أخرى للخلاص إلا طريقة حمل الله.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر المزامير 39

 

وهذه
الطريقة ليست إلا مرحلة مرور. والهدف منها هو مجد الله في وحدانية المحبة. فاختار
يسوع تلاميذه الناضجين، وأراهم المجد الحق في شركة الله، لكي يدركوا هدف إنكار
أنفسهم جلياً. فهذا هو شعار كل المؤمنين الناضجين: بالصليب إلى المجد.

 

وهذا
المجد لم يتحقق بهبة أو تمليك من الله، بل بالصلاة المتواضعة. ولوقا البشير أرانا
أكثر من غيره، أن يسوع كان مصلياً قدوساً وقدوة كل المصلين. فأثناء تكلمه مع أبيه
تغير وجهه، لأن الله قبلة المصلي، وقد خلق الإنسان على صورته. فلهذا يحقق المشابه
لصورته بأسهل وسيلة في الصلاة.

 

ففي
انسجام المسيح مع الله تغيرت هيئته ولباسه إلى نور. وموسى مؤسس العهد القديم حصل
بعد التقائه بالله على جلد لامع. ولكن يسوع مؤسس العهد الجديد، كان هو القدوس
بالذات. فظهر المجد فيه كاملاً بوجه غير مستتر (قابل 2 كورنثوس 3: 4-18).

 

فافتح
عينيك وأدرك المستحيل المستغرب، إن الأموات أحياء. فموسى مؤسس الناموس وإيليا رمز
الأنبياء. وهذا يدل على أن المسيح انسجم تماماً بنبواته عن موته مع كل مبادئ العهد
القديم، لأن المسيح لم ينشء مملكته بقوة وقدرة بشرية، بل بالآم وصلي وقيامة.

 

وربما
كان على رسولي الله المجيدين، أن يخبرا الابن المتجسد بأسرار صعوبات موته الكفاري
عن كل العالم المزمع أن يحدث. لأن جسد الإنسان العادي، لا يقدر أن يحتمل هذه
المعاني الغيبية بكل تفاصيلها ونتائجها المقبلة على الكون. فاستعد الابن لموت
مكللاً في العار عمداً وعزماً، ليصالح البشر مع القدوس.

 

وهذا
التجلي جرى للتلاميذ الثلاثة أيضاً ليفهموا طريق الصليب كطريق وحيد إلى المجد
المذخر. ولكن بطرس لم ير الصليب، بل المجد وحده. وبينما كان ربه يتكلم عن ساعة
موته لكل الناس، تمتم الشعور الباطني في بطرس بأمنيته، أن يستمسك بهؤلاء الرجل
الثلاثة المقدسين، لكي يصبح الفردوس داخل الدنيا. فيدخله بدون آلام وهموم. ومع أن
رؤية مجد المسيح الباهرة، لم تكن سهلة على التلاميذ، لأنهم ناموا في غيبوبة من
أشعة ملء النور والجمال الساطعة عليهم. ولم تسطع أرواحهم البشرية احتمال ظهور مجد
لله. كما أنهم ناموا كذلك في جسثيماني عندما حل ملء عضب الله وكل تجارب الشيطان
على يسوع. ولكن على جبل التجلي وهب لشهود العيان الثلاثة، أن يسهروا قليلاً، ليروا
بأعين مفتوحة وباندهاش إله النور، الذي بهرهم أكثر من الشمس في بهائها (يوحنا 1:
14).

 

وفي
هذه الحالة المترددة بين النوم والصحو اقتربت سحابة نور الله، التي رافقت الشعب في
البرية، ورآها حزقيال بارتعاب، لأنها حجاب مجد القدوس. فسقط الفزع على هؤلاء
المخلوقين، واحترقت ذنوبهم في ضمائرهم. ولكن الخالق ما جاء لدينونة شهود ابه، لأن
إيمانهم خلصهم. أنه بشر الخائفين، وأراهم الطريق إلى الخلاص الكامل. فليس عندنا في
الكتاب المقدس كلمات إلهية كثيرة، خاطب بها الله عباده البشر مباشرة. فمن الضروري
أن نتعمق بكل حرف من أقواله ونصلي بها إلى الله.

 

وسمى
الإله القدوس يسوع ابنه، لأنه تواضع وأنكر نفسه، واختار الطريق إلى الصليب. هذه
كانت إرادة الآب. وفي وداعة الابن يظهر جوهر الآب. فالمسيح ليس نبياً مخلوقاً، بل
انبثق من الآب قبل كل الدهور. وكان أحد الأقانيم الثلاثة أزلياً قدوساً جيداً.

 

وتجسد
ابن الله لأجل حالتنا الدنسة، وحفظه أبوه منذ طفولته كحدقة عينه. والروح القدس طور
مواهبه البشرية بسلطته السماوية. فأصبح الإنسان يسوع الإنسان الكامل، الذي عزم في
محبته أن يموت لأجل الآخرين، لأنه كان الوحيد المستحق ليموت عوضاً عا.

 

وهو
كان كلمة الله المتجسدة، وافضل إعلان لمشيئته السرمدية الحقة. والله يأمرك أن تسمع
كلمات يسوع يومياً وتقبلها، لأنها ممتلئة القوة الخالقة والسلطان الإلهي والتعزية
الروحية. فكلمة المسيح تمنحك الحياة الأبدية.

 

والتلاميذ
لما سمعوا إعلان الله ووصيته وقبلوها أدركوا من هو يسوع، وعلموا أنه ليس مخلصاً
سياسياً، بل ابن الله في الجسد، وحملاً معيناً للصليب. وفي هذه اللحظة انتهت
الرؤية وصمت الصوت. فلم يعودوا يرون إلا يسوع وحده. هذه خلاصة إيماننا. ننا لا
نحتاج إلى ملائكة وقديسين واساقفة وكنائس، لأن يسوع هو مخلصنا. والإيمان به
ينجينا. فلا تجد في حياتك إنساناً، يقدر أن يساعدك حقاً، إلا المسيح، فاربط نفسك
به والله يقول لك: هذا هو ابني الحبيب، فاستمع له.

 

الصلاة:
أيها الآب، نشكرك لأنك أرسلت ابنك إلى عالمنا الشرير لتنقذنا. نظف آذاننا وقلوبنا،
لنصغي إلى كلماته ونحفظها. وندرك ألوهيته، ونتجاوب مع أبوتك، ونعظمك لأجل موته على
الصليب بسلوك طاهر وحكيم.

 

9: 37
وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي إِذْ نَزَلُوا مِنَ ٱلْجَبَلِ،
ٱسْتَقْبَلَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ. 38 وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ ٱلْجَمْعِ
صَرَخَ: «يَا مُعَلِّمُ، أَطْلُبُ إِلَيْكَ. اُنْظُرْ إِلَى ٱبْنِي،
فَإِنَّهُ وَحِيدٌ لِي. 39 وَهَا روحٌ يَأْخُذُهُ فَيَصْرُخُ بَغْتَةً،
فَيَصْرَعُهُ مُزْبِداً، وَبِٱلْجَهْدِ يُفَارِقُهُ مُرَضِّضاً إِيَّاهُ. 40
وَطَلَبْتُ مِنْ تَلامِيذِكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا». 41 فَأَجَابَ
يَسُوعُ: «أَيُّهَا ٱلْجِيلُ غَيْرُ ٱلْمُؤْمنِ وَٱلْمُلْتَوِي،
إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ وَأَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمِ ٱبْنَكَ إِلَى
هُنَا». 42 وَبَيْنَمَا هُوَ آتٍ مَّزَقَهُ ٱلشَّيْطَانُ وَصَرَعَهُ،
فَٱنْتَهَرَ يَسُوعُ ٱلرُّوحَ ٱلنَّجِسَ، وَشَفَى
ٱلصَّبِيَّ وَسَلَّمَهُ إِلى أَبِيهِ. 43 فَبُهِتَ ٱلْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ
ٱللّٰهِ.

 

نزل
المسيح مع تلاميذه من علو التجلي في جبل حرمون. إلى وادي الاردن الغميق، في أودية
الكوارث والضيق والذنوب. فدخل مجدداً إلى شركة البشر حيث تتسلط الأرواح النجسة.

 

وكان
أتباع المسيح أنفسهم ضعفاء الإيمان، رغم أنهم طردوا باسم المسيح في السابق شياطين
(لوقا 10: 17). فلم يقدروا أن يشفوا الصبي الملبوس والمريض بالصرع. وقد وصف الطبيب
لوقا هذا المرض بدقة، أنه تلبس بالروح. ولكن ليس كل الأمراض هكذا. لذل علينا
التحفظ لكي لا نحكم على كل مرض سطحياً. فبواسطة الصلوات الأمينة في شركة المسيح
والصوم الصامت، يضطر الروح الشرير أن يستعلن ويترك لسلطان المسيح الهيكل، الذي كان
يستحله قبلا.

 

فحزن
يسوع حزناً كبيراً، إذ بعد اقترابه من أبيه، وثباته في مجد محبته، اشتم الروح
النجس، ورأى ضعف تلاميذه، واخترق عدم إيمانهم. ونسمع في تبكيته إياهم صوت الروح
القدس حزيناً لخبثنا، معلناً التواءنا وعدم إيماننا. فروح الرب يقاوم
قلوبناالقاسية، ويحزن لثقتنا الناقصة. لقد كان الله مع الناس، فلم يؤمنوا بقدرته
الحاضرة. والمسيح يبقى معنا كل الأيام. فمن يثبت فيه وينتصر باسمه؟ والروح القدس
يحل بملئه في المؤمنين. فأين فيهم فيض محبته؟

 

وقداسة
الله تدفعه لتركنا وإهلاكنا، لأن عدم إيماننا هو أكبر خطية. ولكن محبته صبورة
ترحمنا وتشفي قلوبنا الشريرة. وجدير بك أن تميز بين نفسك والمسيح بدقة. فهو من
السماء أما نحن فعرضة للسقوط في جهنم. هو قدوس ونحن فاسدو الأذهان. إنه المحبة
ونحن أنانيون أشرون. ويسوع قد أخلى نفسه حاصلاً على سلطان أبيه. أما نحن فلا ننكر
أنفسنا. وهكذا نسقط فاشلين ضعفاء باستمرار. فاعلم أن الله يطلب منك أن تقرر
الإيمان وتكمل تسليمك لشركته الأزلية. دع العالم وابتعد عن الأرواح الكاذبة وغرور
الال وسطحية المدنية. وبذلك تربح المسيح ابن الله. تعلق به، لانه يحبك ويلاشي
ظلماتك.

 

لقد
شعر الروح الشرير في المريض كذلك باقتراب المسيح، فاغتاظ وفزع، لأن مجد الله أقبل
عليه. ولما جاء التلاميذ بالمريض الهائج إلى يسوع، حاول إبليس تمزيق هذا الملبوس.
فأمر إذ ذاك يسوع الروح الشرير بأن يترك فريسته. وهكذا ربح الفتى المري لله الحي.
هل لاحظت اهتمام المسيح بهذا الفتى المسكين؟ وكيف استخدم قوته لانقاذه؟ وهل أدركت
معنى هذا العمل؟ فإن يسوع المسيح يهتم حتى اليوم بكل فتى مريض في بلدتك وسائر بلاد
العالم. إن صرخ أب روحي بصوت عال، يا رب ارحم بنيّ. هل تصرخ بالنعمة من أجل
الآخرين، أو ما زلت مصلياً لنفسك فقط؟

 

طوبى
للمبتهلين لأجل الآخرين، لأن عظمة الله تظهر بواسطة محبة إيمانهم. والمسيح يشاء أن
ينتصر بواسطة إيمانك أيضاً. فتعال إلى ربك، ليشفيك من عنادك ويملأك بإيمانه. فتكمل
قوته في بساطتك.

 

الصلاة:
أيها الآب محبتك عظيمة. ولا نهاية لقوتك. اغفر لي عدم إيماني الشنيع وكل أنانية
مستقبحة. واغلبني لإطاعة الإيمان. لكي أصلي لأجل كثيرين. خلص كل بنت وصبي في
محيطنا، ويشتاقون إلى التحرر من نجاستهم وأكاذيبهم وقدسنا تمااً بنعمتك.

 

9:
وَإِذْ كَانَ ٱلْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ، قَالَ
لِتَلامِيذِهِ: 44 «ضَعُوا أَنْتُمْ هٰذَا ٱلْكَلامَ فِي آذَانِكُمْ:
إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي
ٱلنَّاسِ». 45 وَأَمَّاهُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا هٰذَا ٱلْقَوْلَ،
وَكَانَ مُخْفىً عَنْهُمْ لِكَيْ لا يَفْهَمُوهُ، وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ
هٰذَا ٱلْقَوْلِ.

 

لقد
أرانا لوقا في الأمثلة الثلاثة تفسيراً لكلمات يسوع عن الجيل الملتوي وغير المؤمن
أن التلاميذ أنفسهم لم يقدروا على الإيمان، وكان تفكيرهم عكس مشورة الله. فكانوا
عمياً وأغبياء، ولم يفهموا طريق الله. فقال المسيح لهم، افتحوا آذانكم للامي. لكن
عقولهم كانت كأحجار صماء وأوتار فهمهم لم تنسجم لنغمة روح الله. وقد كانوا قريبين
من يسوع ومختارين، ومع ذلك لم يفهموا ضرورة صليب المسيح البتة. ولم يقدروا أن
يدركوا، أن ابن الله سيدان من البشر في هيئته كابن الإنسان المرفوض. ورغم ذك،
كانوا عالمين معنى الكلمة «ابن الإنسان». أن هذا اللفظ يختص بالقاضي الأزلي حسب
سفر دانيال. فكيف يمكن أن يحاكم المدعى عليهم قاضيهم؟ وكيف سمح القادر على كل شيء
أن يعذبه عبيده المخلوقون الفانون؟ فهذا السر العظيم لا يدركه عقل دنيوي قط حتى
ليوم، إن لم يساعده الروح القدس ويفتح ذهنه، معلناً له تواضع المسيح، كاشفاً خطة
محبة الله في ابنه الحبيب.

 

وكان
التلاميذ آنذاك جهلاء ملتوين وغير متأكدين. فكيف حالتك؟ أتتجاسر وتعترف أمام ربك
بتجديد فهمك، سائلاً إعلان طريقه وهدفه لك ولكنيستك؟ أو تبقى أصماً وغبياً لذكر
الله؟

 

9: 46
وَدَاخَلَهُمْ فِكْرٌ: مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ فِيهِمْ؟ 47 فَعَلِمَ
يَسُوعُ فِكْرَ قَلْبِهِمْ، وَأَخَذَ وَلَداً وَأَقَامَهُ عِنْدَهُ، 48 وَقَالَ
لَهُمْ: «مَنْ قَبِلَ هٰذَا ٱلْوَلَدَ بِٱسْمِي يَقْبَلُنِي،
وَمَنْ قبِلَنِي يَقْبَلُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي، لأَنَّ ٱلأَصْغَرَ
فِيكُمْ جَمِيعاً هُوَ يَكُونُ عَظِيماً»

 

فلم
يكن التلاميذ فقراء المعرفة فقط، بل كانوا مستكبرين أيضاً. وظنوا أنهم شيء عظيم.
فهذه هي الخطية المخربة ضمن الكنائس، إن بعض الإخوة يظنون أنهم أذكى وأكثر موهبة
وأهم من الآخرين. ولكن المسيح يبغض هذا الروح الشرير الأصلي. وقد أوقف أولاً بين
هؤلاء الرجال، مفسراً لهم أن الصبي، رغم صغر سنه، أعظم منهم جميعاً. ومن المعلوم
قطعاً، أن الصبي لم يكن نافعاً في ذاته، لأنه كان خاطئاً مثل غيره. وإنما لمحبة
المسيح هذا الولد وتجاوبه معه، أصبح لحياته قيمة ومعنى. فليست الأهمية لما تكنه
وتمتلكه، بل المهم هو هذا الأمر بالذات، أن الله يحبك وأن المسيح قد مات لأجلك،
وروحه يدفعك للصلاح. فقيمتك ليست فيك بل من خارجك، إذ هي في نعمة الله.

 

وإقامة
الولد وسط الرجال، دل على احتياجه إلى من يقوم بتربيته. وربما كان يتيماً. فيرينا
المسيح بمثل هذا المثل، إننا بحاجة ماسة إلى أبينا السماوي. ولا نقدر أن نعيش بدون
الله. فاتكال الولد على أبيه الدنيوي يمثل تواضع الإيمان في المؤمن المتكل على
أبيه السماوي.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر يشوع بن سيراخ 40

 

والمسيح
في محبته اعتنى بهذا المتروك، ودبر له ملجأ ومبيتاً. وكلمة المسيح هذه، أوجدت
لألوف من المتروكين مآوي، لأن كثيرين من المؤمنين الفقراء ضحوا بحياتهم، ليقبلوا
مشردين. فلا يربحون بهذا العمل مكافأة ما، بل أن المسيح وأباه في الوحدةالمقدسة
يحل فيهم، حيث أن الله يحب الصغار، وكل الذين يعتبرون أنفسهم صغاراً ومحتاجين.
فويل للمتكبرين! إنهم لفي الجحيم مع الشياطين. فما هو هدف حياتك؟ أخادم بسيط في
اجتماعاتكم، أو متكبر منفوخ؟ إن الخادم الأمين أفضل من الكبار المغرورين بأنفسم.

 

9: 49
فَقَالَ يُوحَنَّا: «يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِداً يُخْرِجُ
ٱلشَّيَاطِينَ بِٱسْمِكَ فَمَنَعْنَاهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُ
مَعَنَا». 50 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لا تَمْنَعُوهُ، لأَنَّ مَنْ لَيْسَ
عَلَيْنَا فَهُوَ مَعنَا».

 

لسنا
والتلاميذ أغبياء مستكبرين فقط، بل كذلك أنانيون عنيفون. فغضب يوحنا الذي أصبح
رسول محبة الله بعدئذ، إذ شاهد أحد المؤمنين بالمسيح يشفي المرضى ويخرج الشياطين
باسم المخلص، دون أن يكون تابعاً لنخبة الرسل المختارين. فكان يوحنا حريصا على
امتياز اختياره ومنع الرجل المؤمن من أن يستعمل سلطة اسم يسوع لشفاء المرضى. فكسر
يسوع المسيح الأنانية التي كانت محور التلميذ الصغير، وسمح بإنشاء خدمات كثيرة
باسمه خارج المراكز والمؤسسات التي يعينها، لأنه ليس اختصاص العلاقة بكنيسة معنة
هو الذي يعطينا الحق والسلطان للخدمات الروحية، بل الإيمان بالمسيح وحده. وهكذا
فقد أعطانا ابن الله مقياساً عظيماً للتصرف حيال المؤمنين بألا نعارضهم في أعمالهم
الحسنة: فكل أخ عامل باسم المسيح، ويعيش خادماً للعالم، فهو أخ حقيقي ومقبول
عندالمسيح، ولو لم يكن من أتباعنا وجمعياتنا الخاصة. احترس أيها الأخ من التدين
الناموسي، لأن ملكوت الله لا ينتهي عند باب كنيستك، بل يعمل في كل مكان يذكر فيه
اسم المسيح بالمحبة.

 

الصلاة:
أيها الرب، أعترف بغباوتي في فهم طرقك، وأخجل باستكباري على الآخرين. وأندم بتحزبي
لجمعيتي، كأننا أفضل من المؤمنين الآخرين. فحررني إلى محبتك وتواضعك وبصيرتك
الواسعة، لكي أسمع كلماتك. وأحقق الرحمة شاكراً إياك لكل ولد متروك، وُد باسمك،
لأجل هذه الكلمة المباركة مأوى ومقاماً. آمين.

 

رابعاً:
أعمال المسيح خلال سفرته إلى أورشليم (9: 51- 19: 27)

 

1-
السامريون الأشحاء في بداية سفر الرب (9: 51- 56)

9: 51
وَحِينَ تَمَّتِ ٱلأَيَّامُ لاِرْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ
إِلَى أُورُشَلِيمَ، 52 وَأَرْسَلَ أَمَامَ وَجْهِهِ رُسُلاً، فَذَهَبُوا
وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ. 53 فَلَمْ
يَقْبَلُهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهاً نَحْوَ أُورُشَلِيمَ. 54 فَلَمَّا
رَأَى ذٰلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، قَالا: «يَا رَبُّ،
أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ،
كَمَا فَعَلَ إِيلِيّا أَيْضاً؟» 55 فَٱلْتَفَتَ وَٱنْتَهَرَهُمَا
وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! 56 لأَنَّ
ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ ٱلنَّاسِ،
بَلْ لِيُخَلِّصَ». فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى.

 

لم
يكن المسيح قد انتهى تدريب تلاميذه بعد، لما حانت الساعة المقبلة عليه، والتي
قررتها مشيئة الله أن يتألم، ويموت لفداء العالم. وقد علم ابن العلي، أن تلاميذه
لم يفهموه تماماً لأن الخطية كانت لا تزال مقيدة لقلوبهم، والروح القدس لم يثت
فيهم بعد. فاتجه إلى أورشليم ليصالح على الصليب البشر مع الله، وليصعد بانتصاره
على الجلجثة، مرتفعاً إلى السموات لينزل علينا نحن المحتاجين قوة أبيه، لكي تغلبنا
إلى معرفة وتواضع ومحبة وصبر.

 

وابتداء
من هذه القراءة فصاعداً يحدثنا لوقا كيف ترك يسوع وطنه الجليل. وشرع بسفره الطويل عالماً
أنه لن يعود، بل يموت هنالك. وكان إذ ذاك شاباً بعمر الثلاثين، والعالم في حاجة
إلى كلامه وشفاءاته. ولكن ابن الإنسان عرف أن موته أهم من حياه على الأرض. فأنكر
نفسه، وحمل صليبه وبذل ذاته فدية لكثيرين.

 

ولم
يسمح المسيح أن تخيم عليه الأحزان، بل نظم موكب محبته، وأرسل الرسل إلى القرى
ليعدوا النوم والغذاء. ومن هذا نرى أن الإرشاد بالروح لا يتجنب التنظيم في حياة
الأفراد والكنائس، لأن إلهنا ليس إله الفوضى، بل هو رب النظام والتدبير.

 

والمسافر
من منطقة الجليل إلى أورشليم آنذاك بطريق مستقيم، كان لا بد له من المرور بالسامرة،
حيث عاش أناس ممزوجون بدم بقايا أسباط إسرائيل والأقوام الذين أسكنهم الأشوريون في
أرض الميعاد. فأصبحت ديانتهم أيضاً ممتزجة، مما دفع اليهود إلىاحتقارهم. واعتبروهم
نجسين، كما احتقر السامريون أيضاً اليهود بالمقابلة. وأصابوا المسافرين والماكثين
منهم في بلادهم أذى كبيراً. فقام بين شعب الفريقين خصام شديد، وبغضاء شاملة
متأصلة.

 

وهذه
الأحقاد قد انفجرت في يوحنا رسول المحبة وأخيه يعقوب، لما رفض السامريون المسيح رب
العالم وحاشيته ومنعوهم من المرور والنوم. وربما كان ذلك خوفاً من العدد الضخم
للحجاج أن يدخلوا القرية ويسلبوها، ويهلكوا بروح التحمس للحج آلهة الساميين
المحبوبة.

 

وأجاب
يوحنا على هذا الاحتقار بنقمة مقدسة. وأنتج رفض السكان القرويين استقبالهم في نفسه
غضباً مدلهماً. وأراد الانتقام لابن الله، وغسل الإهانة التي لحقت به. وذلك
باستنزال النيران من السماء لتحرقهم مفتكراً بغيرة إيليا ودينونة غضبه علىأعداء
الله. أما يسوع فانتهر يوحنا وأخاه في حضور التلاميذ كلهم، كما انتهر الحمى في
المريض سابقاً وبنفس القوة، وكما أسكت العاصفة وطرد الشياطين. ففي كل هذه الحوادث
نجد الكلمة «انتهر» معلنة غضب الله الملتهب. فنعلم أن المسيح، لم يصب غضبه المدس
على السامرين الخطاة الجهلاء، بل انتهر تلميذيه اللذين انفتحا لروح الانتقام
والأحقاد، لأن كل الذين يجازون الشر بالشر، ينتسبون للعهد القديم. أما يسوع فإنه
يجازي الشر بالخير، ويغفر لأعدائه كل ذنوبهم. ويحب لاعنيه، ليتوبوا ويرجعوا إليه،
فيلصهم.

 

إن
ابن العلي يعمل ما يريد أبوه أي أنه يخلص ويبارك ويحتمل ولا يدين ولا يبيد ولا
يرفض، حتى ولو لحقت إهانة بشخصه. فمحبة الله أعظم من عقولنا. فأنت ابن لأي روح من
الأرواح؟ هل ولدت من روح العالم، ومؤثر فيك العهد القديم، حيث مبدأ عين بعين وسن
بسن، أو ولدت من روح السماء وقوة العهد الجديد؟ فتمضي صامتاً حيثما رفضت مشتوماً
مغدوراً، وتحب إذا ما أسيء إليك. هكذا فإن المسيح، بعد أن رفض من السامرة، ارتحل
عنهم متجهاً إلى قرية أخرى، فقبلوه بترحيب، ونرى أن يوحنا وسائر الرفقة، لم ينوا
بعد ذلك طول حياتهم هذا التعليم لوداعته.

 

الصلاة:
أيها الآب السماوي اللطيف، اغفر لي كل غضبي وحقدي وبغضتي ورفضي للآخرين. وأشكرك
للطفك وصبرك، ملتمساً منك الولادة الروحية الحقة، لكيلا أبغي إبادة الناس. بل
احتملهم وأحبهم، وأرشدهم إليك، باسمك وقوتك.

 

2-
أتباع يسوع الثلاثة المختلفو الأهواء (9: 57- 62)

9: 57
وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي ٱلطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ،
أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». 58 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ
أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ٱبْنُ
ٱلإِنْسَانِ فلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ».

 

أثناء
رحلته إلى أورشليم لتسليم نفسه للصلب، تكلم يسوع مع أناس كثيرين. فأخذ أحد الكتبة
بعمق حكمة يسوع، وأراد اتباعه بحماس. لقد وجد فيه المعلم الموهوب ببصيرة الله،
وكان شوقه إلى الحق والبر صادقاً. ولكن يسوع أراه، أن طريق ابن الله غير معبد، وأن
عشراءه ليسوا من أشراف القوم، وأنه لا يملك جاهاً أرضياً أو مالاً، بل إنه فقير
الحال عرضة للاحتقار والاضطهاد. فقد تربص أعداء المسيح الرحالة به ليقتلوه. فصار
ينام في الأحراج والبراري لكيلا يعلم أحد أين هو. وهكذا أصبح خالق الكون أد فقراً
من الحيوانات المستنفرة. فالثعالب المكارة حفرت أوجرة حماية لأولادها. ولكن ابن
الله لم يمتلك بيتاً مصنوعاً بأيدي الناس. والطيور تطير حرة في الأجواء وتضع
بيوضها في الأعشاش الدافئة، ولكن مخلص العالم لم يجد ملجأً لأتباعه، لأنه كان بلا
وطن، ومرفوضاً من أمته. فمن يتبعه يصادف في دنيانا احتقاراً مراً واغتصاباً لحقوقه
الضرورية في الحياة. فهل تريد اتباع المسيح فيما بعد؟ فكر جيداً قبل أن تقرر.

 

9: 59
وَقَالَ لآخَرَ: «ٱتْبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، ٱئْذَنْ لِي
أَنْ أَمْضِيَ أَّوَلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». 60 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ
ٱلْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَٱذْهَبْ
وَنَادِ بِمَلَكُوِت ٱللّٰهِ».

 

هذا
الرجل الآخر لم يقدم نفسه كذلك الخبير في التوراة المتحمس للمسيح، بل تبطأ في
اتخاذ قراره رغم أن قلبه كان ملتهباً محبة بالناصري. والعليم البصير رأى أفكار
قلبه. وأراد مساعدته، ليخترق أحجبة تلكوئه. فأنهى تردده بالقول له: اتبعني. ولن
المدعو لم يطع كلمة الله الفريدة، بل كان بلغمي المزاج ومثقلاً بواجبات عشيرته.
فإذ مات أبوه الحبيب فكر بترك موكب يسوع، ليغرق في أمواج الحزن في بيته. ولكن يسوع
لم يبغ ترك هذا المبتدئ بالإيمان غارقاً في يأسه ودموعه، بل شاء انتزاعه إلى مملة
فرحه وإثباته في عائلة الله. فمن أجل ذلك سمى رئيس الحياة كل الأحياء أمواتاً، لأن
البشر جميعهم أموات في الذنوب حاملون بذور الموت فيهم. وكل حي، إنما بمساعدته
الدنيوية للآخرين. يكون دافناً لهم، لأنه يمهد طريقهم لا للسماء بل للقبر
الهلاكي.أما المسيحي الحق فيشبه المحيي الفريد، حيث أن المسيح قد أشركه بقوته،
لينقل الأموات في الخطايا بكلمة الإنجيل إلى الحياة الأبدية. فمن يؤمن يحيا. ومن
لا يؤمن يموت.

 

وقد
طلب المسيح من هذا المدعو أمراً غريباً مستحيلاً بالنسبة للإنسانية وكسراً للمعتاد
وإنكار واجباته تجاه العائلة، لكي ينال رأساً ملء حياة الله، ويصبح شجرة للنعمة.
والمسيح لم يأمر بهذه الوصية كل الناس بل لفرد معين. فلست مضطراً للتمنع عن دفن
والدك العزيز بموته، بل أحرى بك أن تعيش أمام أهلك في فرح المسيح وتواضعه الخادم،
لكي يسألك أبوك عن القوة العاملة في حياتك، ويتجدد بصلواتك وإبلاغك الإنجيل. فهل
أنت شاهد للحياة الأبدية، أو دافن ميت للأحياء الأموات؟

 

9: 61
وَقَالَ آخَرُ أَيْضاً: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلٰكِنِ ٱئْذَنْ
لِي أَّوَلاً أَنْ أُوَدِّعَ ٱلَّذِينَ فِي بَيْتِي». 62 فَقَالَ لَهُ
يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى ٱلْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى
ٱلْوَرَاءِ يصْلُحُ لِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ».

 

ورجل
ثالث أراد أن يتبع يسوع، من كل قلبه. ولكن… هذه الكلمة «ولكن» هي سكين تقطع
الرباط بين كثيرين من المستعدين للإيمان ويسوع ربهم. فماذا يفصلك عن اتباع يسوع
كاملاً وبالتمام؟ هل ارتباطك بعائلتك أو احتياجاتك اليومية؟ فربك يطلب منك انفصالك
انفصالاً كاملاً عن عشيرتك الادنين، واستعدادك للفقر والجوع وإنكار النفس. فاتباع
يسوع لا يتم إلا بقرار مقدس وعزم كامل. وأنك لا تقدر على خدمة سيدين.

 

ويحذر
المسيح المبتدئين باتباعه، ألا ينظروا إلى ماضيهم الفاسد، لكيلا يشبهوا الحارث،
الذي يضع يده على المحراث بقوة، ولكنه بنفس الوقت ينظر إلى الوراء. فتعوج الأثلام
وربما ينكسر المحراث على صخرة. فوجه قلبك تماماً، لنعمة المسيح، وانفصلبكليتك من
روحك القديم. وتجاسر نهائياً، أن تدخل إلى ملكوت الله. فتصبح حارث الله الحكيم
وتأتي بثمر كثير.

 

الصلاة:
أيها الرب القدوس، لست مستحقاً أن أتبعك وقد عرفت قلبي الغبي المتحمس في الوقت
الذي يحتاج به إلى الحذر والتفكير. ويتأخر إذا كان عليه اتباعك رأساً بلا تأخير.
ويتقلقل عندما يُطلب منه عزماً مقرراً. يا رب اعطني قلباً جديداً، يحبك فوق الكل
ويعمل مشيئتك رأساً.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي