تَفْسِير إِنْجِيلِ لُوقَا

 

الإنجيل بحسب القديس لوقا

الأب متى المسكين

مطبعة دير القديس أنبا مقار – وادي النطرون

 

المحتويات

تقديم: فخر القديس لوقا
الإنجيلي

المقدِّمة

القديس لوقا الإنجيلي

إنجيل القديس لوقا

فكرة عامة عن إنجيل
القديس لوقا

اللغة التي كتب بها القديس
لوقا إنجيله

مصادر إنجيل القديس
لوقا

كيف أخذ القديس لوقا من
المصادر الموضوعة أمامه ونسج منها قصة واحدة

أصالة إنجيل القديس
لوقا وصحته

زمن كتابة إنجيل القديس
لوقا

طابع إنجيل القديس لوقا
كما يظهر من الافتتاحية

الدافع الملح لكتابة
الإنجيل

رؤية عامة لتخطيط كتابة
الإنجيل

مؤلَّف واحد من جزئين

براعة في فن التأليف
والتجميع

كيف طوَّع القديس لوقا
أسلوبه ليناسب الهدف الموضوع أمامه

تقييم القديس لوقا
ككاتب إنجيلي

القديس لوقا مؤرِّخ
ولاهوتي في آن واحد

القديس لوقا مؤرِّخ
إنجيلي وله إيمان راسخ بالخلاص الذي تمَّ

لاهوت القديس لوقا
الخلاصي  مدى إحاطة القديس لوقا بمفهوم الخلاص

ارتباط الخلاص
بالإيمان: » إن إيمانك قد خلَّصك «

معيار ق. لوقا لإنجيل
الخلاص: » ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلِّص ما قد هلك «

بعد البشارة بالخلاص
(الإنجيل) كتب أعمال تحقيق الخلاص (سفر الأعمال)

المواضيع التي يميل
القديس لوقا أن يركِّز عليها

شرح إنجيل القديس لوقا
على مدى العصور والنقد الذي وجِّه إليه

أولاً: إنجيل القديس
لوقا في القرن الثاني الميلادي

ثانياً: عصر الآباء

ثالثاً: من القرن
السادس حتى نهاية العصر الوسيط

رابعاً: من عصر النهضة
حتى قيام عصر النقد

خامساً: مرحلة الاشتغال
بالنقد وكيف خرج منها إنجيل ق. لوقا أكثر وثوقاً بأصالته

المخطوطات الأصلية التي
تسجَّل فيها إنجيل القديس لوقا

شرح الإنجيل

أولاً: افتتاحية
الإنجيل (1:1-4)

ثانياً: ميلاد المسيح
وصبوَّته السعيدة: (5:1-52:2)

( أ ) البشارة بميلاد
يوحنا المعمدان (5:1-25)

(ب) البشارة بميلاد
المسيح (26:1-38)

( ج ) زيارة العذراء
لنسيبتها أليصابات (39:1-56)

( د ) ميلاد يوحنا
المعمدان (57:1-80)

( ه ) ميلاد المسيح
(1:2-20)

( و ) تقديم المسيح في
الهيكل (21:2-40)

( ز ) زيارة المسيح للهيكل
لحضور الفصح (41:2-52)

ثالثاً: يوحنا المعمدان
والمسيح: (1:3-13:4)

( أ ) خدمة المعمدان:
(1:3-20)

1 – بدء خدمة المعمدان
(1:3-6)

2 – المعمدان يعظ
(7:3-9)

3 – التعليم الأخلاقي
للمعمدان (10:3-14)

4 – الاعتراف بالأقوى
الآتي صاحب الرسالة (15:3-17)

5 – يوحنا في السجن
(18:3-20)

(ب) معمودية المسيح
(21:3و22)

( ج ) النسب الميلادي
للمسيح (23:3-38)

( د ) تجربة المسيح
(1:4-13)

رابعاً: خدمة الجليل
(14:4-50:9)

( أ ) أخبار الملكوت
السارة: (14:4-11:5)

1 – مختصر البداية
(14:4و15)

2 – تعليم المسيح في
الناصرة (16:4-30)

3 – أعمال المسيح في
كفرناحوم (31:4-44)

( أ ) التعليم في مجمع
كفرناحوم (31:4و32)

(ب) إخراج الشياطين
(33:4-37)

( ج ) شفاء حماة سمعان
(38:4و39)

( د ) شفاء المرضى بعد
غروب الشمس (40:4و41)

( ه ) ترك المسيح
لكفرناحوم (42:4-44)

4 – دعوة التلاميذ (1:5-11)

(ب) بدء الحوار مع
الفريسيين: (12:5-11:6)

1 – شفاء الأبرص
(12:5-16)

2 – سلطان المسيح على
مغفرة الخطايا (17:5-26)

3 – انعطاف المسيح نحو
الخطاة بصورة حبيَّة (27:5-32)

4 – نظرة المسيح إلى
الصوم (33:5-39)

5 – المسيح والسبت
(1:6-5)

6 – شفاء صاحب اليد
اليابسة يوم السبت (6:6-11)

( ج ) تعاليم المسيح
لتلاميذه: (12:6-49)

1 – دعوة التلاميذ
الاثني عشر (12:6-16)

2 – تجمُّع الشعب
(17:6-19)

3 – العظة في السهل
(20:6-49)

( أ ) صنفان من الناس
(20:6-26)

(ب) المحبة والرحمة
(27:6-38)

( ج ) تهذيب النفس الداخلية
(39:6-49)

( د ) تحننات الرب
يسوع: (1:7-50)

1 – شفاء عبد قائد
المائة (1:7-10)

2 – إقامة ابن الأرملة
من الموت (11:7-17)

3 – رد المسيح على سؤال
المعمدان (18:7-23)

4 – شهادة المسيح
ليوحنا المعمدان (24:7-28)

5 – الرفض الكبير: رفض
يوحنا المعمدان ورفض المسيح أيضاً (29:7-35)

6 – المرأة التي كانت
خاطئة (36:7-50)

( ه ) المسيح يعلِّم
بالأمثال: (1:8-21)

1 – المرافقون (1:8-3)

2 – مثل الزارع (4:8-8)

3 – المسيح يشرح لماذا
يعلِّم بالأمثال (9:8و10)

4 – المسيح يشرح مثل
الزارع (11:8-15)

5 – مثل المصباح الموقد
(16:8-18)

6 – أقارب الرب
الروحيون (19:8-21)

( و ) أعمال المسيح
الفائقة: (22:8-56)

1 – المسيح سيد على
الهواء والماء (22:8-25)

2 – حدث في كورة
الجدريين (26:8-39)

3 – ابنة يايرُس
والمرأة نازفة الدم (40:8-56)

( ز ) المسيح والاثنا
عشر (1:9-50)

1 – إرسالية الاثني
عشر(1:9-6)

2 – سؤال هيرودس عن
المسيح (7:9-9)

3 – إطعام الخمسة آلاف
(10:9-17)

4 – اعتراف بطرس
(18:9-20)

5 – رد المسيح على
اعتراف بطرس (21:9و22)

6 – موقف التلاميذ من
الصليب بعد ارتفاع المسيح (23:9-27)

7 – تجلي المسيح
(28:9-36)

8 – شفاء المسيح لشاب
به روح شرير (37:9-43أ)

9 – المسيح يعلن عن
آلامه مجدداً (43:9ب-45)

10 – عراك على مَنْ
يكون الأول بين التلاميذ (46:9-48)

11 – مَنْ ليس علينا
فهو معنا (49:9و50)

خامساً: نحو الصليب
(51:9-10:19)

تعاليم المسيح
لتلاميذه:

( أ ) واجبات التلمذة
وتميزها وامتيازاتها: (51:9-24:10)

1 – المسيح تجاه قرية
السامريين (51:9-56)

2 – تكلفة التلمذة
(57:9-62)

3 – إرسالية السبعين
رسولاً (1:10-16)

4 – رجوع السبعين
رسولاً (17:10-20)

5 – المسيح يقدِّم
الشكر لله الآب (21:10-24)

(ب) مميزات وصفات
التلاميذ: (25:10-13:11)

1 – رأي المسيح في قضية
الفواصل العرقية والدينية:

 من هو قريبي والسامري
الصالح: (25:10-37)

2 – مريم ومرثا والنصيب
الصالح (38:10-42)

3 – الصلاة الربانية
(1:11-4)

4 – الصلاة بلجاجة: قصة
صديق نصف الليل (5:11-8)

5 – ثلاث طاقات في
السماء مفتوحة (9:11-13)

( ج ) جدال مع
الفريسيين: (14:11-54)

1 – القوي والأقوى:
تعريف بمستوى قوة الشيطان بالنسبة للمسيح (14:11- 26)

2 – تطويب العذراء
القديسة من على بعد (27:11و28)

3 – آية يونان النبي
(29:11-32)

4 – النور والظلام
(33:11-36)

5 – مواجهة رياء الكتبة
والفرِّيسيين (37:11-54)

( د ) الاستعداد للضيقة
القادمة: (1:12-21:13)

1 – تعليم للشهادة
والاستشهاد (1:12-12)

2 – مثل الغني الغبي
(13:12-21)

3 – امتلاك الأرضيات
والكنز السماوي (22:12-34)

4 – مجيء ابن الإنسان
(35:12-48)

5 – الأزمنة الصعبة
(49:12-59)

6 – الحاجة إلى التوبة
(1:13-9)

7 – شفاء المرأة
المنحنية (10:13-17)

8 – حبة الخردل
والخميرة الصغيرة (18:13-21)

( ه ) الطريق إلى
الملكوت: (22:13-35:14)

1 – الدخول إلى الملكوت
(22:13-30)

2 – تهديد هيرودس الملك
(31:13-33)

3 – المسيح ينعي
أُورشليم (34:13و35)

4 – شفاء المستسقي
(1:14-6)

5 – الجري وراء الكرامة
(7:14-11)

6 – ولائم المساكين
(12:14-14)

7 – سر العشاء العظيم
(15:14-24)

8 – شروط التلمذة
للمسيح (25:14-35)

( و ) توبة الخاطئ وفرح
الله: إنجيل الابن الضال والخروف والدرهم: (1:15-32)

1 – مقدِّمة (1:15و2)

2 – الخروف الضال
(3:15-7)

3 – الدرهم الضائع
(8:15-10)

4 – الابن الضال
(11:15-32)

( ز ) المال بين أيدي
أبناء الظلمة وكيف يكون بين أيدي أبناء النور: (1:16-31)

1 – الوكيل الحكيم
(وكيل الظلم) (1:16-9)

2 – الأمانة في المال
(10:16-13)

3 – توبيخ الفريسيين
الذين أرادوا أن يخدموا الله والمال (14:16و15)

4 – الناموس والملكوت
(16:16و17)

5 – سر الزيجة والطلاق
(18:16)

6 – لعازر والغني
(19:16-31)

( ح ) تعليم للتلاميذ:
(1:17-10)

1 – العثرات (1:17و2)

2 – التوبة والغفران
غير المحدود (3:17و4)

3 – قوة الإيمان
(5:17و6)

4 – مثل العبد البطال
(7:17-10)

( ط ) مجيء ابن
الإنسان: (11:17-8:18)

1 – السامري الشاكر أو
الأبرص العاشر (11:17-19)

2 – مجيء الملكوت
(20:17و21)

3 – يوم ابن الإنسان
(22:17-37)

4 – قاضي الظلم
(1:18-8)

( ي ) مجال الخلاص:
(9:18-10:19)

1 – الفريسي والعشار (9:18-14)

2 – دعوا الأولاد يأتون
إليَّ (15:18-17)

3 – الرئيس الغني
(18:18-27)

4 – مجازاة الرسل
(28:18-30)

5 – الآلام في الأفق
(31:18-34)

6 – شفاء الأعمى
(35:18-43)

7 – زكا رئيس
العشَّارين (1:19-10)

سادساً: الخدمة في
أُورشليم (11:19-38:21)

( أ ) مَثَل العشر
وزنات (11:19-27)

(ب) المسيح يصل إلى
مشارف أُورشليم (28:19-40)

( ج ) مصير أُورشليم:
(41:19-48)

1 – المسيح يبكي على
أُورشليم (41:19-44)

2 – تطهير الهيكل
(45:19و46)

3 – المسيح يعلِّم داخل
الهيكل (47:19و48)

( د ) تعاليم المسيح في
الهيكل: (1:20-4:21)

1 – اصطدام المسيح مع
رؤساء الهيكل (1:20-8)

2 – مثل الكرامين
الأردياء (9:20-19)

3 – الجزية لقيصر
(20:20-26)

4 – القيامة وهيبتها
(27:20-40)

5 – مَنْ هو المسيح
(41:20-44)

6 – احذروا من الكتبة
(20: 45-47)

7 – فلسا الأرملة
(1:21-4)

( ه ) بداية النهاية
(5:21-38)

1 – النبوات عن خراب
الهيكل وخراب أُورشليم (5:21-7و20-24)

2 – النبوات عن نهاية
الأيام (8:21-19و25-33)

3 – السهر والاستعداد
(34:21-36)

4 – نهاية تعاليم
المسيح (37:21و38)

سابعاً: آلام المسيح
وقيامته:

( أ ) العشاء
الأخير:(1:22-38)

1 – المؤامرة للقبض على
المسيح (1:22و2)

2 – خيانة يهوذا
(3:22-6)

3 – الإعداد للفصح
(7:22-18)

4 – تأسيس عشاء الرب
(19:22و20)

5 – المسيح يسبق ويكشف
سر الخائن (21:22-23)

6 – مَنْ هو الأكبر
(24:22-27)

7 – دور التلاميذ في
المستقبل (28:22-30)

8 – التنبؤ بإنكار بطرس
(31:22-34)

9 – الكيس والسيف
(35:22-38)

(ب) القبض على المسيح
ومحاكمته: (39:22-25:23)

1 – صلاة جثسيماني
(39:22-46)

2 – القبض على يسوع
(47:22-53)

3 – إنكار بطرس للمسيح
(54:22-62)

4 – الاستهزاء بالمسيح
(63:22-65)

5 – وقفة المسيح أمام
السنهدرين (66:22-71)

6 – المسيح أمام بيلاطس
(1:23-5)

7 – المسيح أمام هيرودس
(6:23-12)

8 – صدور حكم الموت
(13:23-25)

( ج ) صلب يسوع:
(26:23-49)

1 – الطريق إلى الجلجثة
(26:23-31)

2 – الصلب (32:23-38)

3 – اللِّصان
(39:23-43)

4 – موت المسيح على
الصليب (44:23-49)

( د ) قيامة المسيح:
(50:23-53:24)

1 – دفن المسيح
(50:23-56)

2 – النسوة والقبر
الفارغ (1:24-12)

3 – في المسيرة إلى
عمواس (13:24-35)

4 – الظهور للتلاميذ
(36:24-43)

5 – آخر وصية للإرسالية
(44:24-49)

6 – صعود المسيح
(50:24-53)

فهارس الكتاب

فهرس الآيات الكتابية

فهرس أقوال الآباء
والكُتَّاب الكنسيين

الفهرس الموضوعي

 

اعتراف بالفضل لذويه

لقد طُبع هذا الكتاب في
مطبعة دير القديس أنبا مقار بوادي النطرون، وقام بالإشراف على مراحل طبع الكتاب
بداية من النسخة الخطِّية وإعادة تنقيحها وإصلاح الأخطاء فيها، ومراجعة القواعد
العربية ونحو الكلام، ومراجعة الآيات بالعربية، ثم اليونانية، وإعادة تبويب الكتاب
وتنسيق فصوله؛ ثم إخراجه على آلة الكمبيوتر ثم الطابعة بالليزر، بالإضافة إلى
عمليات التصوير للوحات الواردة بالكتاب من تصوير وتحميض وتكبير وتصغير، ثم الحفر
على اللوحات المحسَّسة للطباعة، ثم دخوله للطبع على آلة الطباعة الأُوفست، ثم
تطبيق أفرخ الورق المطبوع كملازم، ثم تخييط الملازم معاً ثم التجليد؛ كل هذا قام
به الآباء الرهبان الأعزاء الأجلاء، بما استلزم من جهد وصبر ودقة وفن بلغ على
أيديهم أقصى إتقانه.

ونحن إذ نذكر أسماءهم
وهم في غِنَى عن الذكر والذكرى، فسيرتهم مكتوبة في السموات؛ ولكن يطيب لقلب الكاتب
أن ينسب الفضل لأصحابه، فلولاهم ما خرج هذا الكتاب، وما استمتع القارئ بهذا
الإخراج البديع. كان هذا في فاتحة كتاب:
» شرح إنجيل
القديس يوحنا
« وقد تابعوا إخراج
هذا الكتاب “الإنجيل بحسب القديس لوقا: دراسة وتفسير وشرح” بنفس الروح
وبدافع شركة المحبة التي تجمعنا دائماً.

(الآباء بحسب ترتيب
أقدميتهم الرهبانية، ودور كل راهب في إخراج الكتاب)

الأب إرميا:         مراجعة
البروفات والقواعد العربية ونحو الكلام.

الأب يوحنا:         مراجعة
البروفات، وصياغة الفهرس الموضوعي.

الأب وديد:          تنقيح
النسخة الخطية ومراجعة الآيات باليونانية وإعادة تبويب الكتاب وتنسيق فصوله.

الأب باسيليوس:     المراجعات
الفنية في مراحل جمع وطبع الكتاب.

الأب ديمتري:       نسخ
النسخة الأُولى عن المسوَّدة التي بخط المؤلِّف.

الأب برتي:         مراجعة
البروفات وعمل فهرس الآيات وفهرس الآباء.

الأب لونجينوس:    آلة
الطباعة الأُوفست – آلة تطبيق الملازم – آلة القص – التجليد.

الأب دوروثيئوس:  آلة
الطباعة الأُوفست – آلة تطبيق الملازم – آلة القص – التجليد.

الأب أخنوخ:        جمع
النص على الكمبيوتر.

الأب يسطس:       جمع
النص على الكمبيوتر.

الأب دوماديوس:    مضاهاة
بروفات الجمع على الكمبيوتر على الأصول المنسوخة للكتاب.

الأب زكريا:        تجهيز
لوحات الطباعة.

الأب إبيفانيوس:     مراجعة
البروفات على الكمبيوتر.

الأب جيروم:        آلة
الطباعة الأُوفست – آلة تطبيق الملازم – آلة القص – التجليد.

وأخيراً – نستودع هذا
الكتاب بالمجهود المبذول فيه ليد القارئ، داعين له بالبركة، راجين الله أن يستخدمه
لزيادة المعرفة والتقوى وتمجيد اسم الله القدوس.

دير القديس أنبا مقار

 تذكار شهادة التسعة
والأربعون شهيداً شيوخ شيهيت

3 فبراير سنة 1997م.
والموافق 26 طوبة سنة 1713ش.

 

تقديم

فخر القديس لوقا
الإنجيلي

إنجيلي حَمَلَ السر
الأقدس الذي حملته العذراء بحكمة بالغة، وأعطانا سرّ العذراوية الذي تفتخر به
العقيدة الإيمانية فوق كل العقائد قاطبة. والذي يود أن يعرف سر لاهوت المسيح
فليعُدْ إلى العذراء مريم أُمّه وما سمعته من الملاك:
» الروح القدس
يحل عليك، وقوة العلي تظلِّلُكِ، فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله
«(لو 35:1). استودعته في قلبها، والذي في قلبها استودعته للقديس
لوقا الوحيد الذي سمع ووعى، وأسمعنا ما سمع حتى نكون شركاء هذا السر السماوي الذي
عليه انبنى الإنجيل واللاهوت معاً … إنسان، نعم إنسان، ولكنه مولود من الروح
القدس والعذراء، فكانت أول ولادة عُرفت أن تكون للإنسان من مصدر إلهي ليعفيه من
أُبوَّة آدم التي أشقته بالخطية، وعوض حواء أُم المعصية اختار الله لنفسه عذراء
قديسة لتكون أُمًّا لابنه ولكل مَنْ آمن بالمولود معجزة السماء والأرض.

وهكذا في ابنه تبنَّى
الله البشرية قاطبة، كل مَنْ آمن، ومن جسده بعد أن دُقَّتْ خطايانا فيه على الخشبة
ومات به وقام، كرَّس لنا طريقاً حديثاً حيًّا صاعداً إلى الأقداس. فأصبح لنا، أيها
الإخوة، ثقة بالدخول بدمه إلى الأقداس العليا للترائي أمام وجه الآب بعد المصالحة
العظمى التي أتمَّها الابن لحسابنا مع أبيه.

إن القديس لوقا حَمَلَ
سر الميلاد وسر القيامة بأعظم ما يحمله إنجيلي.

 

المقدِّمة

القديس لوقا الإنجيلي([1])

شخصية القديس لوقا
الإنجيلي يقدِّمها سفر الأعمال – الذي هو أيضاً من تأليفه – إذ يتعرَّض عفوياً
لحياته وتنقلاته وصفاته بوضوح. كذلك يقدِّمها ق. بولس في رسائله إذ أن ق. لوقا كان
زميله في الأسفار وطبيبه الخاص ومؤرِّخ رحلاته، وسوف نأتي عليها جميعها، ويتعرَّض
فيها ق. بولس عفوياً لحياة ق. لوقا وتنقلاته وصفاته بوضوح.

ويأتي ذكر ق. لوقا
مبكِّراً قبل السنة الأُولى لخدمة ق. بولس مع برنابا في أنطاكية في حادث تنبُّؤ
النبي أغابوس عن المجاعة (أع 28:11)([2]
وذلك قبل أن يعتلي الإمبراطور كلوديوس العرش في يناير سنة 41م. ويُعتقد أن ق. لوقا
كان قد صار عضواً في كنيسة أنطاكية في سنة 40م – بحسب أبحاث العالِم الألماني
زاهن([3]).
ويُستفاد من هذه التواريخ أن ق. لوقا لم يتنصَّر على يد ق. بولس الذي لم يظهر في
أنطاكية إلاَّ سنة 43م. والمعتقد بحسب العالِم زاهن أيضاً أن ثاوفيلس كان أحد
كبراء مدينة أنطاكية الذي تنصَّر في العصر الرسولي.

أمَّا التقليد الكنسي
بالنسبة لشخص القديس لوقا فيبدأ من القديس إيرينيئوس([4]) حيث يذكر
بوضوح أنه كاتب الإنجيل “حسب لوقا” كتقليد رسولي. كما اعتاد الشهيد يوستين أن يرجع
إلى مخطوطة كانت أمامه أسماها: “المذكرات”
‘ApomnhmoneÚmata –
Memoirs
وهي ذكريات الرسل،
باعتبارها حجة رسمية تحمل كل ما جُمع عن المسيح. وبفحص كل ما استقاه يوستين من هذه
الوثيقة ظهر أنها تحمل تقريباً كل ما جاء في إنجيل ق. متى وإنجيل ق. لوقا. وفي
كتابه (
Dial. 103, 19) يقول: إن هذه المذكرات “Memoirs” قد جُمعت “بواسطة
الرسل والذين رافقوهم”. ويقول العالِم كريد
J. Martin Creed: إن المقصود من “الذين رافقوهم” هما ق. مرقس وق. لوقا.
كما يعرِّف ق. لوقا أنه تابع للقديس بولس، وق. مرقس تابع للقديس بطرس.
وهذا حقيقي إلى حد بعيد لأن شخصية القديس لوقا الطبيب لم تظهر أيام الرسل وكانت
غير معروفة في التقليد الأول.

ويأتي المؤرِّخ
يوسابيوس بعد ذلك([5])
وجيروم وثيئوفيلاكت ليقرروا أنه مواطن من أنطاكية بسوريا الأمر الذي يقرّه كل
العلماء المحدثين، ولكن دون براهين إضافية.

وفي كتاب مصباح الظلمة
لابن كبر نجد التفريق واضحاً بين ق. لوقا ولوكاس الآخر (غير الإنجيلي) حيث يقول:
“إن كليهما كانا من السبعين رسولاً”، وهذا في الحقيقة ينقصه البرهان، كما يقول:
“إن لوكاس (ليس الإنجيلي) قد استشهد على يد نيرون الملك بعد استشهاد الرسولين بطرس
وبولس”([6]).

وأمَّا عن الإنجيلي
فيقول إن
Loukac:

[الطبيب الأنطاكي تعب
مع بولس الرسول كثيراً جداً وطاف معه وكتب الإنجيل وكتاب قصص الرسل، وهو المذكور
في رسالة كولوسي:
» يسلِّم عليكم لوقا الطبيب الحبيب وديماس «(كو 14:4). وكرز في بلاد اليونان وتنيَّح في بلدة تيباس Qhpec البيوتياس Biwtiac في بابه في عهد طرايانوه Traianou الملك.]([7])

كما يفرِّق التاريخ بين
لوقا الطبيب ولوكيوس القيرواني (أع 1:13)، كما يلزم أن نفرِّق بينه وبين لوكيوس
المذكور في (رو 21:16):
» يسلِّم عليكم تيموثاوس
العامل معي ولوكيوس وياسون وسوسيباترس أنسبائي
«

ويتضح من رسالة بولس
الرسول إلى أهل كولوسي – كما يقول العالِم ماير([8])
من الآية (11و14) في الأصحاح الرابع – إن القديس لوقا ليس أصلاً من أهل الختان.
ولكن يقول ق. جيروم([9])
إنه ربما كان دخيلاً على اليهودية قبل قبوله الإيمان المسيحي. ولكن ق. يوستين
يرجِّح أنه انتقل من الوثنية إلى المسيحية مباشرة([10]).

ويقول أحد المؤرِّخين
القدامى المدعو نيسيفوروس كالستوس (القرن الرابع عشر) عن مصادر سابقة له إن
ق. لوقا كان رسَّاماً، وينقل لنا التقليد المتأخِّر نوعاً ما أنه هو الذي رسم
صورة العذراء القديسة مريم الموضوعة الآن في كنيسة
Santa Maria Maggiore بروما، وقد رسمها ق. لوقا حسب التقليد في أُورشليم وأُرسلت من
أُورشليم إلى القسطنطينية حسب طلب الإمبراطورة أفدوكية سنة 440م([11]). لذلك يُحتسب
القديس لوقا شفيع الرسَّامين.

ولكن لا يُعرف متى
قَبِلَ ق. لوقا الإيمان المسيحي وأين كان ذلك.

واحتساب ق. لوقا من
السبعين رسولاً لم يدخل التاريخ الكنسي إلاَّ في أيام ق. إبيفانيوس([12])، ولكن
من مطلع إنجيل ق. لوقا (1:1) يتضح أنه لم يكن شاهد عيان لأيٍّ من مدوَّنات إنجيله،
وبالتالي استحالة أن يكون من السبعين رسولاً.

ومعروف أن ق. لوقا كان
ذا اعتبار عالٍ جداً عند ق. بولس كمرافق ومعين وطبيب وكارز، وقد انضم ق. لوقا
للقديس بولس في رحلته الثانية من ترواس وبقي معه حتى النهاية.

وتبدأ زمالة ق. لوقا مع
القديس بولس من فم ق. لوقا هكذا:

+ » وظهرت لبولس
رؤيا في الليل: رجلٌ مكدوني قائم يطلب إليه ويقول: اعبُر إلى مكدونية وأَعِنَّا!
فلمَّا رأى الرؤيا للوقت طلبنا (بصيغة الجمع إذ يضيف ق. لوقا نفسه إلى ق. بولس) أن
نخرج إلى مكدونية، متحققين أن الرب قد دعانا لنبشِّرهم. فأقلعنا (بالجمع) من ترواس
وتوجَّهنا بالاستقامة إلى سامُوثراكي، وفي الغد إلى نيابوليس.
«(أع 16: 9-11)

كذلك نسمع أنه كان
مرافقاً للقديس بولس في رحلته الثالثة في ترواس وميليتس … إلخ حتى
أُورشليم:

+ » وأمَّا نحن
فسافرنا في البحر بعد أيام الفطير من فيلبي، ووافيناهم في خمسة أيام إلى ترواس
(العودة)، حيث صرفنا سبعة أيام … (وفي أُورشليم) دخل بولس معنا (بالجمع لوقا
وبولس) إلى يعقوب وحضر جميع المشايخ.
«(أع 20: 6-18:21)

ولمَّا دخل ق. بولس
السجن في قيصرية كان ق. لوقا معه:
» وأمر قائد المائة أن
يُحرس بولس وتكون له رخصة وأن لا يَمْنَعَ أحداً من أصحابه (ق. لوقا) أن يخدمه أو
يأتي إليه
«(أع 23:24) كما
رافقه في سجن روما:
» يُسلِّم عليكم لوقا الطبيب الحبيب وديماس …
السلام بيدي أنا بولس، اذكروا وُثقي (في السجن) … [كُتبت إلى أهل كولوسي من رومية].
«(كو 4: 14و18)

ومرَّة أخرى يذكر ق.
بولس الذين بقوا معه في سجن روما:
» مرقُس، وأرِسترخُس،
وديماس، ولوقا العاملون معي. نعمة ربنا يسوع المسيح مع روحكم. آمين [إلى فليمون
كُتبت من رومية]
«(فل 24و25)؛ أمَّا
آخر خبر فيأتينا من فم ق. بولس وهو في سجن روما هكذا:
» لأن ديماس
قد تركني إذ أحبَّ العالم الحاضر وذهب إلى تسالونيكي، وكريسكيس إلى غلاطية، وتيطُس
إلى دلماطية. لوقا وحده معي. خذ مرقس وأحضره معك لأنه نافع لي للخدمة.
«(2تي 4: 10و11)

وإلى هنا تنقطع أخبار
ق. لوقا نهائياً من سفر الأعمال وبقية الإنجيل.

أمَّا أين تُوفِّي ق.
لوقا فلا يوجد مصدر موثوق به، ولكن يذكر ق. جيروم أن عظامه قد أُخذت من أخائية من
بلدة تيبه
Thebes في بوؤتيا Boeotia إلى القسطنطينية في زمان ولاية قسطنطيوس الثاني في سنة (356 –
357م)، واستودعوها كنيسة الرسل التي بُنيت خصيصاً بعد نقلها([13]). علماً
بأن ق. لوقا لم يتزوَّج وبقي طول حياته بدون ختان، وكتب إنجيله كما يقول قاموس
أُكسفورد في اليونان وتوفِّي في عمر متقدِّم في الرابعة والثمانين، ويقول خطأ
القديس غريغوريوس النزينزي إنه مات شهيداً. والعالِم أوريجانوس أول مَنْ اكتشف
شخصيته في قول ق. بولس الرسول بنوع من التخفِّي:
» وأرسلنا معه
“الأخ” الذي مدحه في الإنجيل (إنجيل لوقا) في جميع الكنائس
«(2كو 18:8)([14])
. مما يؤكِّد لنا أن ق. لوقا كان وقتها قد كتب إنجيله وبدأ أن يُقرأ في الكنائس
كأمر مقطوع به في التقليد. ومعروف أنه شفيع الأطباء.

 

إنجيل القديس لوقا

فكرة عامة عن إنجيل
القديس لوقا:

أول ما نريد أن نلفت
إليه نظر القارئ هو أن ق. لوقا وضع في صميم خطة تأليفه للإنجيل أن يلحقه بكتاب سفر
أعمال الرسل. فمن هذه الزاوية يصبح إنجيل ق. لوقا ذا اعتبار تاريخي ولاهوتي هام
جداً في الكنيسة، فهو يضع أُسس التقليد العبادي مع تاريخ منشأ ونمو الكنيسة بكل
عبادتها وتقاليدها، مكمِّلاً ما قدَّمه ق. مرقس من أصول التقليد الأولى في العقد
الأول من تاريخها.

لذلك يُعتبر إنجيل ق.
لوقا أغنى الأناجيل وأكبرها حجماً وهذا بسبب جمعه لمواضيع مختلفة كثيرة اختص بها
ق. لوقا من مصادره الخاصة جداً. وهذه المواضيع الخاصة به استقاها من البيئة
اليهودية عندما زار فلسطين بمعيَّة بولس الرسول بين سنة 57، 59م، وفي هذه المدة
انفتح هذا الإنجيلي الأُممي للفكر والتراث اليهودي من مصدر الكنيسة الأُم
أُورشليم، واستقى من التقليد اليهودي ما أثرى إنجيله وأعطاه الأساس الإلهامي
المنفتح بالروح على خبرات حيَّة نلحظها بسهولة تملأ إنجيله وتلوِّن الصفات التي
ازدحمت بها أعماله. ولكن الأمر الذي يبلغ بنا إلى حد العجب أن يكون هذا الأُممي
على مستوى من القدرة لهضم التراث والميراث اليهودي المسيحي بهذه الصورة الفائقة
الوصف.

ويعتمد إنجيل ق. لوقا
على التوسُّع في شرح تعاليم المسيح عموماً، ولكنه يختص ويركِّز على التسلسل
التاريخي في استعلان ملكوت الله بحذق ومهارة تاريخية ولاهوتية بآن واحد، معتمداً
على قصد المسيح في الكشف عن ملكوت الله بسعة وباتصال وثيق ليبلغ الشعب إلى فهم
إرادة الله نحو الفداء الذي سيكمِّله. وفي هذا كله لا يقدِّم إنجيل ق. لوقا
تعليماً جديداً للمسيح عن الملكوت منفصلاً عن إرادة الله المرسومة في جميع الأسفار
القديمة، ولكن يكشف عن إرادة الله في شخص المسيح التي إذا قبلها الشعب يبلغ الهدف
المقصود الموضوع بقياس دقيق ليدخل في صميم حياة الناس. ولكنه التزم بالوثائق
والتحقيقات الشفهية.

وفي مسار الحديث عن
الملكوت تدخل تعاليم المسيح الجديدة والأساسية المرتبطة بالملكوت من جهة محبة
الأعداء ومواجهة الشر بالخير وإنكار الذات حتى إلى التسليم، وتُتوَّج الأعمال كلها
بالميلاد الجديد الذي يهب البنوَّة لله كما يتمناه الله للإنسان، وهو أقصى
ما يحتاجه الإنسان وهو السر الذي جاء المسيح ليكشفه ويكمِّله بآن واحد.

وفي الواقع يُعتبر
تأليف ق. لوقا لإنجيله نوعاً جديداً من الارتفاع بالتاريخ في التحرير إلى مستوى
الدقة والثقة بسبب دقة وكثرة المراجع التي كان يرجع إليها. فالقديس لوقا له حاسة
تاريخية يستخدمها بيقظة عقلية وفي تخطيط دقيق لكل حادثة كاشفاً عن طبيعة الأمور
وأهميتها، ولكن تحت قيادة وضبط إلهي حتى أن الإيحاء الإلهي يظهر بوضوح. لأن رؤية
ق. لوقا العامة للأسفار المقدَّسة أنها خُطة إلهية سجَّلها التاريخ ووعاها
الإنسان. والتاريخ المقدَّس إنما هو تعبير عن عمل الله في محيط الإنسان، لذلك وعلى
هذا الأساس كان ق. لوقا يؤرِّخ للمسيح بطريقة لا يجاريه فيها أحد، بالرغم من نقد
اللاهوتيين الذي لا نهاية له.

ويلذ لبعض المؤرِّخين
اللاهوتيين اعتبار ق. لوقا أنه يؤرِّخ للخلاص ويعطي النماذج الأُولى الحية في سفر
الأعمال موضِّحاً تكميل الوعد واستعلان صدق الله في شخص يسوع المسيح، وطرح محبته
ورحمته المجانية على البشرية البائسة.

وقد امتاز ق. لوقا
باتساع ثقافته التي ألبسها لتعبيراته، كما يمتاز بأسلوبه الأدبي البديع. وكما سبق
وقلنا إن إنجيل ق. لوقا يُحسب الجزء الأول من تأليف ق. لوقا الإنجيلي حسب التقليد
الكنسي، لأن سفر الأعمال يجيء مكمِّلاً للإنجيل ولا غنى عنه، بالرغم من أن إنجيل
ق. يوحنا يفصلهما عن بعض اضطراراً، لجعل الأناجيل الأربعة تسبق سفر أعمال الرسل.

وقد تثبَّت ببحث علماء
متخصِّصين وحدة إنجيل ق. لوقا وسفر الأعمال تحت يد واحدة وأسلوب ولغة وتخطيط واحد([15]) بواسطة
العلماء هاوكينز([16]
وكادبري([17]
ونوكس([18]).
وكثيرون الآن يعتبرون ق. لوقا ليس فقط مؤرِّخاً ولاهوتياً بل وأديباً أيضاً.
فإنجيله وسفر الأعمال معاً يطرحهما في العالم كله ليكونا مرجع المسيحية بلاهوتها
وتاريخها على مستوى كل الأُمم.

ودارس اللاهوت المدقِّق
يستحيل عليه دراسة اللاهوت في إنجيل ق. لوقا وحده، فسفر الأعمال يدخل في نسيج ق.
لوقا اللاهوتي بصورة غير منفصمة.

والملفت للنظر جداً أن
ق. لوقا يلتصق بالتقليد الكنسي التصاقاً مدهشاً دقيقاً وأصيلاً في الأصحاحات
الأُولى من سفر الأعمال (1-12) بصورة أكثر من كل ما قدَّم في إنجيله عن تعاليم
المسيح، مما يجعل ما دوَّنه ق. لوقا في الأصحاحات (1-12) من سفر الأعمال المصدر
الوحيد والكامل للتقليد الكنسي الذي يتحتَّم على الكنيسة الآن أن تُعيد دراسته
بدقة وتهتدي بأصوله الروحية واللاهوتية، وتجعله كمحفوظات يحفظها الإنسان المسيحي
قبل أن يشب عن الطوق لتصبح الكنيسة مرَّة أخرى امتداداً واقعياً لكنيسة الرسل،
وتجعل من مادته مادة إنجيلية مكمِّلة لتعاليم المسيح، ذلك إن أرادت الكنيسة أن
تستعيد مجد تراثها وتقليدها الروحي.

اللغة التي كتب بها
القديس لوقا إنجيله
([19]):

بعد تحليل العالِم
كادبري([20])
وجد أن الاصطلاحات اليونانية تضاهي أفضل الأدبيات اليونانية القديمة، ويحسبها
العلماء أنها أفضل لغة دوِّنت بها أسفار العهد الجديد. كما شهد العالِم متسيجر([21]) أن
أدبيات ق. لوقا في إنجيله تُحسب الأعلى في كل الكتابات.

وبسبب بساطة لغة ق.
مرقس كان ق. لوقا يضطر إلى تهذيبها والارتقاء بمستوى ما يأخذه عنه مع تغيير بعض
الكلمات والمصطلحات حتى يرتفع ق. لوقا إلى مستوى لغة القوم في أيامه. كما اضطر
لحذف بعض الكلمات التي تبدو غير مفهومة عند الأُمم مثل “أوصنا” و“أبا”، كما ترجم
بعض الكلمات الأرامية إلى ما يقابلها باليونانية مثل الغيور
zhlwt»n
(لو 15:6) بدل القانوي (مر 18:3)، والمعلِّم بدل “رابّي”، والجمجمة
Kran…on (لو 33:23) بدل جلجثة. ولكن أظهر ما وضح من دراسة أسلوب
وطريقة ق. لوقا في إنجيله هو أن اهتمامه في الكتابة كان منصبًّا على الصياغة
اللاهوتية بالنهاية.

العبرية في لغة القديس
لوقا
([22]): ولكن
من الواضح أن ق. لوقا يستخدم اصطلاحات عبرية مترجمة إلى اليونانية، وعلى سبيل
المثال ما يكرره كثيراً:
» وقد حدث أن ™gšneto
«
كذلك فإن الأصحاح الأول
ما عدا المقدِّمة والأصحاح الثاني يُحتسب أنه منقول نقلاً حرفياً مترجماً من مخطوطة
عبرية، أو بحسب ظننا ترجمة فورية عن أشخاص عبرانيين كانوا شهود عيان مثل العذراء
القديسة مريم، كذلك تماماً الأصحاحات من الأول إلى الثاني عشر من سفر الأعمال لها
صبغة عبرية واضحة، والسبب في ذلك أن ق. لوقا استطاع أن يحتفظ بأسلوب مصادره
العبرية في الترجمة([23]).
كما يُلاحَظ أن ق. لوقا يستخدم بوضوح لغة واصطلاحات السبعينية لأنها تتمشَّى مع
أسلوبه التاريخي في سرد الحوادث المقدَّسة، وهذا يُحتسب له براعة وتوفيقاً نادراً([24]).

لغة القديس لوقا غنية
بالمصطلحات الخاصة به وحده:
ينفرد ق. لوقا بأسلوبه وتعريفاته الخاصة
مستخدماً كلمات كثيرة لم ترد في العهد الجديد إلاَّ في إنجيله. وقد جمعها العلماء
في 266 كلمة ما عدا أسماء الأعلام، وأمَّا ما انفرد به ق. مرقس فهو 116 كلمة وما
انفرد به ق. متى 79 كلمة([25]).

مصادر إنجيل القديس
لوقا:

يبتدئ ق. لوقا إنجيله
(1: 1-4) بمقدِّمة تعطيه الصفة الرسمية باعتباره تجميعاً لنصوص وحقائق على
أساس تقليد يقوم على الرؤية العينية، ومن أفواه خدَّام رسميين للكلمة، حيث يقصد
التلاميذ والرسل الذين يتتبعهم في سفر الأعمال بشخصياتهم وأقوالهم وطبائعهم
وكرازتهم. فهو يقدِّم تسجيلات تاريخية موقَّعة على هيئة أحداث وتعاليم، بعد فحص
ومتابعة ومثابرة متأنية استترت وراء الحوادث، ولكن تنطق بقدرة ق. لوقا كمؤرِّخ
وباحث مُلهم لا يكتفي بالعرض والتسجيل ولكنه يصنع من العرض والتسجيل بشارة إلهية
مفرحة تحمل معياراً لاهوتياً عالي المستوى. فالقديس لوقا في إنجيله على مستوى
الإنجيل الذي يكتبه، فهو لاهوتي يسجِّل لاهوتيات، وفي هذا يهدف أن يقدِّم خبراً
صحيحاً دقيقاً كاملاً محقَّقاً على مستوى الصدق والحق معاً، بترتيب ينطق بعبقرية
النظام والتتابع الإلهامي.

وهو كغيره من
الإنجيليين يقدِّم تقليداً رسولياً، غير أنه يخفي علاقة لاهوتية وفكرية تعليمية بالقديس
بولس الرسول لا يسهل العثور عليها مباشرة، فهي منسوجة مع روايته.

وفي نفس الوقت يحمل
مصادر واضحة ومباشرة من إنجيل ق. مرقس بألفاظها وأسلوبها، فلغة ق. مرقس
تكشف هوية صاحبها شاء الناقل أو لم يشأْ.

والعالِم جوانس وايس
الذي فصَّص إنجيل ق. لوقا تفصيصاً علمياً قائماً على أساس بحثي متين قد وجد أننا:
[إذا استثنينا الأصحاح الأول والثاني، ثم الخاتمة التي تبدأ من (9:24) حتى
النهاية، ثم بإخراج الجزء من (20:6) حتى (3:8) والآخر من (51:9) حتى (8:14)، يكون
كل ما بقي من إنجيل لوقا بأكمله سواء في ترتيبه أو صيغته الخاصة جداً هو اعتماد
كلي على إنجيل ق. مرقس.]([26])

أمَّا إنجيل القديس متى
كمصدر استقى منه القديس لوقا في إنجيله، فالعالِم أ. ه. و. ماير
يؤكِّد أن ق. لوقا اعتمد على القديس متى في الأجزاء غير الموجودة عند القديس
مرقس، ولكن وايس خالفه في ذلك([27]).
إذ يقول وايس إن القديس لوقا استقى الأقوال من مصادر رسولية أقدم من إنجيل متى،
والتي تحتوي على مادة تاريخية أكثر من إنجيل ق. متى. أمَّا أماكن أخْذ القديس لوقا
من هذه المصادر الرسولية الأقدم فهي معروضة في الأجزاء التي تضمَّنها ق. لوقا في
إنجيله والتي ذكرناها أعلاه، وقد نقلها ق. لوقا بوضعها وألفاظها ونظامها.
ويقرِّر العالِم نورتون([28])
أن إنجيل القديس لوقا لا نجد فيه سوى عُشره فقط منقولاً بحروفه من بقية الأناجيل،
والتسعة أعشار الأخرى هي من صياغته الخاصة. وبالتحليل الدقيق قد لا تزيد النسبة عن
واحد على عشرين، حيث قصد ق. لوقا في الأجزاء التي اقتبسها من الأناجيل الأخرى أن
يكتبها بلغته الخاصة ويعيد صياغة الترجمة ليعطيها صفة الأصالة التي التزمها على
نفسه.

وبالرغم من أن مادة
إنجيل ق. لوقا تبدو ضعف ما حواه ق. متى وق. مرقس، إلاَّ أنه اعتمد في هذا عليهما
كليهما ولكن بأسلوبه الخاص.

أمَّا فيما غير الإنجيليين
متى ومرقس كمصادر لإنجيل ق. لوقا فتقف أقوال الرسل أنفسهم، إمَّا الشفاهية أو
المكتوبة، كمصدر ثالث هام للغاية. فإنجيل ق. لوقا يحمل الأصالة الرسولية الرسمية
بكل تأكيد، ذلك بشهادة الكنيسة الأُولى خاصة ما جاء في القوانين الرسولية. علماً
بأن علاقة ق. لوقا بالقديس بولس تُبرز ذاتها بكل تأكيد، وقد انحدر إلينا رسمياً من
أقوال القديس إيرينيئوس ما يؤكِّد هذا:

[ولكن لوقا وهو رفيق
بولس وضع في كتابه الإنجيل الذي كان بولس يبشِّر به.]([29])

وهذا الأمر نفسه لفت
نظر كل من أوريجانوس ويوسابيوس وجيروم، إذ رأوا أن إنجيل ق. لوقا إنما تخطَّط
حاملاً اصطلاحات ق. بولس الذي كان يسمِّيه ق. بولس «إنجيلي»([30]) (رو
16:2). ويقيناً اطَّلع ق. لوقا ودرس واستفاد من الرقوق والكتب التي كان يحملها ق.
بولس في أسفاره:
» الرداء الذي تركته في ترواس عند كاربُس، أحضره
متى جئت، والكتب أيضاً ولا سِيَّما الرقوق
«(2تي 13:4).

كذلك لا يمكن أن نغفل
المقدار الهائل الذي استوعبه ق. بولس من المسيح رأساً والذي شاركه فيه ق. لوقا
واستوعبه:
» لأنني تسلَّمت من الرب ما سلَّمتكم أيضاً أن الرب يسوع …
إلخ
«(1كو 23:11). علماً
بأن غالبية العلماء يضعون تاريخ كتابة إنجيل ق. لوقا قبل كتابة سفر الأعمال الذي
ينتهي فجأة أثناء زمن سجن ق. بولس في روما. أي أن الإنجيل كُتب في أول زمن سجن ق.
بولس في روما:
» وأقام بولس سنتين كاملتين في بيت استأجره لنفسه وكان يقبل
جميع الذين يدخلون إليه
«(أع 30:28). هذا ما كتبه ق. لوقا بنفسه في سفر الأعمال. وهكذا جلس
ق. لوقا يسمع ويكتب من فم ق. بولس، وهذا للأسف الشديد لم يدخل في حسبان كثير من
الذين تعرَّضوا لشرح إنجيل ق. لوقا، وفات على الجميع مقدار تأثير ق. بولس الشديد
في إنجيل ق. لوقا، غير أن ق. لوقا لم يُشِرْ إلى ذلك بل تركه للقارئ أن
يستقرئه بالضرورة، فهو الطبيب والمؤرِّخ والمعين للقديس بولس. ويكفي أن يعرف
القارئ أن ق. لوقا كان مع ق. بولس في السفينة التي أقلَّتهما إلى روما وتحطَّمت
بهما على شواطئ مالطة، وعانى مع ق. بولس الغرق والإشراف على الموت، ثم جلس بجوار
ق. بولس يكتب هذه القصة بدقائقها وبقية سفر الأعمال النفيس.

كيف أخذ القديس لوقا من
المصادر الموضوعة أمامه ونسج منها قصة واحدة:

بقدر ارتفاع قيمة
المصادر وأهميتها وفرادتها يأخذ ق. لوقا أهميته وفرادته في إنجيله، وقد سبق أن
قلنا إن أول مصدر هام وفريد التجأ إليه ق. لوقا هو إنجيل ق. مرقس كأساس لإنجيله، ولكن
هناك مصدراً آخر اقترحه العلماء وأعطوه اسم
Q،
وهو يمثِّل في الحقيقة الجزء المشترك بين إنجيل ق. لوقا وإنجيل ق. متى وهو غير
موجود في إنجيل ق. مرقس. وينحصر في حوالي 200 آية لا يظهر منها شيء في إنجيل ق.
مرقس. وهذه الوثيقة اعتبرت مفقودة ولكن يُظن أن تتابع أجزائها كان أقرب لإنجيل ق.
لوقا أكثر مما لإنجيل ق. متى([31]).

على أن الأبحاث الحديثة
أظهرت أن ق. لوقا لم يعتمد على ما جاء في إنجيل ق. متى، ولكن كلاًّ من ق. لوقا وق.
متى أخذ بدوره من نفس الوثيقة
Q كلٌّ حسب أسلوبه؛ بل يُظن أن هذه الوثيقة ذاتها Q
كان يوجد لها أكثر من نسخة منقَّحة.

على أن قصة الميلاد
التي سجَّلها ق. لوقا في الأصحاحين الأولين لا يوجد لها مثيل في أي من الأناجيل،
لذلك اعتُبرت أنها منقولة بحد ذاتها من مصدر أعطاه العلماء حرف
L.
وهكذا اتحدت الوثيقتان في إنجيل ق. لوقا
 Q+ L مع ما جاء في إنجيل ق. مرقس. على أن ما جاء في تسجيل فصل الآلام
يُعتبر خاصاً بالقديس لوقا.

وعلى العموم يبدو
واضحاً أن الدقة التي التزمها ق. لوقا في تأليف إنجيله ترجع بالدرجة الأُولى إلى
أهمية ورسوخ التقليد في هذه المصادر التي أخذ عنها ق. لوقا: سواء إنجيل ق. مرقس أو
وثيقة
Q أو L.

فإذا أردنا معرفة
المزيد عن كيف استخدم ق. لوقا هذه المصادر التي اعتمد عليها، يلزمنا أن نعمل
مقارنة بين إنجيلي ق. لوقا وق. مرقس والوثيقة
Q
كما أخذها القديس متى. وهذه الدراسة قام بها العالِم بوركت([32]) الذي
اكتشف أن ق. لوقا، ولو أنه لجأ إلى بعض التصرف في الأخذ من إنجيل ق. مرقس، إلاَّ
أنه لم يخرج عنه كثيراً. على أن ق. لوقا بعد أن اعتمد على إنجيل ق. مرقس، عاد
فأجرى على كل ما دوِّن مراجعة منهجية غيَّرت قليلاً من الشكل الذي اعتمد عليه،
وهذا نراه بوضوح إذ أصبح لإنجيل ق. لوقا أسلوبه الموحَّد والمميَّز. ولكن هذا لم
يُعِقْ الباحثين من العلماء عن عمل دراسة مقارنة بين إنجيل ق. لوقا وإنجيل ق. مرقس
ذات موضوعية من جهة النص. وفيها اكتشفوا أن التغيير الذي أجراه ق. لوقا على ما
أخذه من إنجيل ق. مرقس أصاب بدايات الفقرات ونهايتها واحتفظ بالمضمون كما هو. كذلك
أجرى قلمه على سرد الرواية مع حفظ صحة المقولات، على أنه كان شديد الحرص أن يحتفظ
بكل ما أخذه من المصادر دون تغيير.

هل تبحث عن  م الأباء إكليمنضس الرومانى أقوال إكليمنضس الرومانى ى

أمَّا في رواية الآلام
فظهر كيف كان ق. لوقا يضم المصادر ليستخرج منها الوقائع بتسلسل.

على أن ق. لوقا التزم
بترتيب الأحداث كما جاءت في إنجيل ق. مرقس حيث اتّبع ق. مرقس دون انحراف. ولكن ق.
لوقا لم يلتزم بتحديد الأوقات أو الأماكن التي أوردها ق. مرقس إذ ترك ق. لوقا
الأوقات والأماكن بلا تحديد.

أمَّا الاختلاف في
اللاهوت المنهجي بين ق. لوقا وق. مرقس فيظهر بوضوح في كيف كان ق. مرقس حريصاً
أشد الحرص على سريَّة المسيَّانية في كل أقوال وأعمال المسيح باهتمام بالغ على مدى
الإنجيل كله، بينما نجد هذا غير وارد عند ق. لوقا، إذ اهتم بأمور أخرى رآها أكثر
أهمية. فبدت تعاليم المسيح وصورته مغايرة في إنجيل ق. لوقا عن ما هي في إنجيل ق.
مرقس.

كما كان يحلو للقديس
لوقا أن يغيِّر من الدقائق التي اهتم بها ق. مرقس، فمثلاً في مثل الزارع نجد الذي
سقط على الأرض المحجرة عند ق. مرقس مات إذ ليس له جذر (أصل)، أمَّا عند ق. لوقا
فجفَّ ومات لأن ليس له رطوبة، وهذا التعديل بالذات يوضِّح كيف أن ق. لوقا يلتزم
بالحقائق دون الوسائل، في أخذه من المصادر.

أصالة إنجيل القديس
لوقا وصحَّته:

ولو أن كاتب الإنجيل لم
يذكر اسمه، غير أن الكنيسة بتقليدها الراسخ سجَّلت اسمه في قلبها وذاكرتها. وكان
أول مَنْ نقل هذا التقليد هو ق. إيرينيئوس([33]
كما ذكرت مخطوطة الموراتوري ذلك. ولو أن بابياس أسقف هيرابوليس لم يذكر ق. لوقا،
ولكن بابياس كمؤرِّخ لا يُعتد به. وقد استخدم الشهيد يوستين تعبيرات من إنجيل ق.
لوقا في دفاعه بين سنة 150و165م([34]
كما وُجِدَت عبارات من سفر الأعمال في رسالة كليمندس الروماني الأُولى([35]) (توفِّي
سنة 96م) أسقف روما وهو ثالث أسقف بعد استشهاد ق. بطرس أو ربما خليفته مباشرة. كما
توجد شهادة من وثيقة يرجع تاريخها إلى سنة 170م وهي عبارة عن مقدِّمة لإنجيل ق.
لوقا تهدف إلى تفنيد ادعاءات ماركيون المبتدع. وتشهد هذه الوثيقة أن القديس لوقا
هو كاتب الإنجيل الثالث، وتعطي نبذة عن حياته. وقد سبق أن أوردنا النص الكامل لهذه
الوثيقة([36]).
أمَّا وصوله للكنيسة متأخِّراً طقسياً نوعاً ما فلكونه اعتُبر من البداية أنه
رسالة خاصة مرسلة لثاوفيلس([37])
وليس مدوّناً أصلاً للكنيسة.

والتجاء ق. لوقا لتسجيل
تاريخ بدء الإنجيل بميلاد المسيح يوضِّح مدى قوة البحث والجري وراء الحقائق من
منابعها مدعَّمة بالتاريخ المدني الروماني بتدقيق. هذا يؤكِّد أصالة الإنجيل كمبحث
مدني ولاهوتي بآن واحد.

زمن كتابة إنجيل القديس
لوقا:

اتفق العلماء وبالأخص
هارناك وبروس([38])
أن القديس لوقا وهو مرافق للقديس بولس في سجنه الأخير بروما ألَّف سفر الأعمال في
مدى السنتين اللتين عاش فيهما مع القديس بولس في البيت الذي استأجره، وذلك حوالي
سنة 61م. وانتهى باستشهاد ق. بولس حوالي سنة 62م لذلك توقَّف ق. لوقا عن
كتابة سفر الأعمال عند هذه النقطة. ويرجِّح العالِم جودت هذا الرأي([39]). أمَّا
الإنجيل فيبدو أنه قد تمَّ قبل هذا الميعاد بقليل. ويرى العالِم شاف([40]) أن ق.
لوقا كتب إنجيله وسفر الأعمال إمَّا في قيصرية (أثناء سجن ق. بولس أيضاً هناك) أو
في روما كما قلنا، ولكنه لم يُذَع إلاَّ بعد استشهاد ق. بولس، وهذا يوافق عليه ق.
إيرينيئوس. ويلحّ ق. جيروم أن ق. لوقا كتب إنجيله في أخائية وبويوتيا
Boeotia وهذا يكون بعد السجن الأول للقديس بولس بقليل.

طابع إنجيل القديس لوقا
كما يظهر من الافتتاحية:

ينفرد إنجيل القديس
لوقا عن إنجيلَيْ القديس متى والقديس مرقس في كونه لا يعطي عنواناً لإنجيله، وهو
بهذا يشبه إنجيل ق. يوحنا وسفر الأعمال. ويسأل العالِم الألماني زاهن: هل كان لهذا
الإنجيل عنوان وفُقد؟ ولكن في الحقيقة أن ق. لوقا ليس كالقديس مرقس والقديس متى
فهو لا يقدِّم إنجيلاً للكنيسة ولكنه يخاطب فكر وإيمان أحد العظماء سواء كان شخصاً
معروفاً أو تعبيراً عن شخصية ألَّفها ليهديها عمله هذا ليصلح لكل عزيز محب لله –
التي ربما تكون هي الكنيسة.

ولكن واضح من الافتتاحية
أن ق. لوقا يقصد تثقيف شخصٍ ما بالإيمان المسيحي المتقن. وفي الحقيقة انفرد ق.
لوقا بهذا النمط من الكتابة الذي لم يطرقه أي عالِم أو أديب في المحيط الروماني
واليوناني المعروف آنئذ([41]).
غير أن عمومية الكتابة وشمولها لكل الإيمان المسيحي ودقائق حياة المسيح تكشف عن
رغبة داخلية ملحَّة عند ق. لوقا لكي ينتشر كتابه هذا – أي إنجيله مع سفر الأعمال –
في المحيط المسيحي دون أدنى شك، وربما كان هذا هو الهدف الأكثر إلحاحاً وراء هذا
العمل الضخم الموسوم بالروح والنعمة.

ودون أن يدري ق. لوقا
فقد حدَّد هوية المرسل إليه وهوية إنجيله عندما دعا ثاوفيلس هذا بالعزيز
Kr£tiste، فهو اصطلاح محدود للغاية يليق لزمانه فقط ويكشف عن نوع الشخصية
التي يخاطبها ق. لوقا ويرتفع إليها في تأليفه الجيد لغة وترتيباً وأسلوباً. والذي
يجذب أنظار العلماء جداً هو أن الشخصية التي يخاطبها القديس لوقا ليست كنسية، فجاء
أسلوبه ولاهوته وأدبه غير محدود بالفكر الكنسي أي عاماً وشاملاً، وهذا مما جعل
إنجيله أكثر قبولاً لدى العامة من الناس، ولهذا أيضاً التزم القديس لوقا بأن يحترس
منذ البدء في أن لا يعطي لإنجيله أي انطباع خاص بشعب معيَّن، فجاء دون أن يدري على
مستوى آية إنجيل ق. يوحنا العامة:
» هكذا أحب الله العالم
حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.
«(يو 16:3)

وواضح من مخاطبة
ثاوفيلس أنه سبق وتلقَّى معلومات عن الإيمان المسيحي ولكن في نظر ق. لوقا ليست
كافية لتعطيه دقة المعلومات الصحيحة اللازمة لإيمان واثق وصحيح. وهكذا جاء تركيز
إنجيل ق. لوقا على التقليد المسيحي الأصيل والصحيح عن بحث وتحقيق وتأكيد، مما أعطى
إنجيله امتيازاً علمياً ولاهوتياً لائقاً بدراسة وتمهُّر، دون عقبات توقف مسار
التفكير.

كما نجد في افتتاحية
الجزء الثاني من إنجيله وهو سفر الأعمال ما يفيد أن هذا الثاوفيلس قد تقبَّل الجزء
الأول من الإنجيل بارتياح مما حدا بالقديس لوقا وحمَّسه ليضيف الجزء الثاني الخاص
ببدء نشأة الكنيسة بقوة اكتساح الروح القدس، الأمر الذي جاء ضمناً ليؤكِّد ما جاء
في الإنجيل من إيمان وعمل وتجديد. ويقول العالِم زاهن أن خلو الجزء الثاني أي سفر
الأعمال من ألقاب تعظيم المرسل إليه يفيد كونه قَبِلَ العماد وتنصَّر فانتقل من
رئاسة مدنية إلى زمالة إنجيلية في الإيمان الواحد([42]).

الدافع الملحّ لكتابة
الإنجيل:

أمَّا دافع الكتابة
للإنجيل وأيضاً لسفر الأعمال عند ق. لوقا فواضح أنه كان ثقلاً روحياً ملحاً داخله
لينشر المعرفة الإنجيلية الصحيحة، عندما توفرت لديه معلومات غاية في الأهمية
والسرية لم يطرقها أي إنجيلي غيره. فهو كتب ليكمِّل ما كُتب، وأعلن ما يتحتَّم
استعلانه بدفع الروح المسيطر على قلب كاتب الإنجيل وفكره. فالروح اختاره ليكمِّل
عمل “كثيرين” سبقوه بما وهبه له من أسرار تكاد تكون في طي الكتمان وأُعلنت له عن
قصد إلهي، إذ تبيَّن لله أن ق. لوقا وحده هو الكفيل بسرد هذه الأسرار في إطارها
الإنجيلي الرزين والمكين، فاستعلن للقديس لوقا ما لم يستعلن لغيره من هؤلاء
“الكثيرين” الذين سبقوه فكتبوا عن الأمور الخاصة بالمسيح والمسيحية وإنما في غموض
أو شح في المعلومات.

رؤية عامة لتخطيط كتابة
الإنجيل:

واضح من الافتتاحية أن
ق. لوقا وضع أمام عينيه الخطوط الأساسية العامة التي سيطرقها في إنجيله ليصل إلى
أهدافه التي وضعها أمامه في الافتتاحية بالنسبة لتكميل معرفة ثاوفيلس بالأمور
كلها، فالقديس لوقا اختطَّ طريقاً في عرض إنجيله غير ق. متى وق. مرقس.

فالقديس متى كتب دفاعاً عن
المسيح والكنيسة لدى الفكر اليهودي، لذلك كتب بلغة القوم وهي الأرامية ليمحو كل
اعتراض يهودي على صدق الإيمان المسيحي بحسب كل النبوات السابقة.

والقديس مرقس كتب إنجيلاً
تعليمياً ليبني به فكر الكنيسة على مدى الأجيال بمقتضى التقليد الذي كان سائداً في
أيامه، فسجَّله وأدخله ذاكرة الكنيسة وخزانة لاهوتها الفاخرة.

أمَّا القديس لوقا فقد طرح خطة
عمله على خلفية تاريخية كمؤرِّخ يوناني على مستوى الإنجيل وكنيسة زمانه، مبتدئاً
من أول حجر أساس وُضع فيها بميلاد المسيح حتى بلغ قمتها بالتقليد الكنسي الذي نما
وازدهر في أيامه من الناحية اللاهوتية التي فجَّرها بولس الرسول، ومن الناحية
التعليمية التي وضع ق. مرقس أساسها وبنى عليه ق. متى فأكمله القديس لوقا بما كان
سائداً في أيامه.

ويلزم أن ندرك القصد
العام من كتابة ق. لوقا لإنجيله وهو يعلم تماماً أن
» كثيرين قد
أخذوا بتأليف قصة (الإنجيل) في الأمور المتيقنة عندنا
«(لو 1:1)، بمعنى أنه كانت إمَّا الأناجيل أو أجزاء منها موضوعة
أمامه. وخطته التي صمَّم عليها منذ البدء هي الامتداد بما جاء في الأناجيل
المتوفرة في أيامه مكمِّلاً لها جميعاً بما توفَّر لديه من نصوص ووثائق ومدوَّنات
عن الرسل أنفسهم ومَنْ خَدَمَ الكلمة، أي المسيح، وعاش معه وسمع إليه، مع إضافة كل
امتداد للتقليد الكنسي في أيامه. واستخدم ق. لوقا حاسته التاريخية ليعطي صورة
أمينة للغاية لخدمة المسيح وشخصه وحياة الرسل والكنيسة الأُولى بكل دقة. وهو لم
يجنح ناحية التأمل أو الإضافة الشخصية قط كمؤرِّخ منكر لذاته واسمه بصورة علمية
قلَّ مَنْ بلغها أو أدركها.

مؤلَّف واحد من جزئين:

يلزم أن يعرف القارئ أن
إنجيل ق. لوقا يمتد بعد نهاية الإنجيل ليستمر في سفر الأعمال كمكمِّل للإنجيل.
فكتاب ق. لوقا يبدو مؤلَّفاً واحداً من جزئين: الأول الإنجيل والثاني يختص
بالكنيسة كيف بدأت وعملت. وهذا واضح من بداية إنجيله:
» رأيت أنا
أيضاً … أن أكتب على التوالي
«(لو 3:1)، وأيضاً من بداية سفر الأعمال: » الكلام
الأول
أنشأته
يا ثاوفيلس …
«(أع 1:1). ولكن
للأسف فرَّق منظمو أسفار الكتاب المقدَّس المطبوع بينهما اضطراراً بأن وضعوا
الإنجيل الرابع للقديس يوحنا بينهما، مع أنهما كانا بكل تأكيد كتاباً واحداً في
وحدة متكاملة حيث تجمعهما وحدة اللغة والأسلوب والتنسيق والغاية([43]).
والكنيسة الأُولى تذكر سفر الأعمال باسم إمَّا أعمال الرسل
Pr£xeij tîn ‘ApostÒlwn أو الأعمال فقط
Pr£xeij
.

براعة في فن التأليف
والتجميع:

ولكن من معرض ما قدَّمه
ق. لوقا يتضح لنا أي أبحاث قام بها هذا العملاق المؤرِّخ واللاهوتي ليسد ثغرات
الإيمان عند إنسان ابتدأ يتعلَّم ما يلزم أن يُعلَّم عن المسيح والكنيسة. فقدَّم
المسيحية كاملة متصلة الحلقات شديدة الاتصال والوصال، قادرة أن تجذب فكر أي باحث
أو عالِم وتقنعه بصدق البحث وأصالة التجميع والترتيب للتقليد الذي كان ينمو بتؤدة
وثبات في الاستعلان اللاهوتي والتعليمي. لأن ق. لوقا كان أمامه شخصٌ مثقَّفٌ عالي
القدر وعلى مستوى من الثقافة اليونانية العالية السائدة في أيامه، فقدَّم له كل ما
يمكن من القواعد والأساسات الثابتة والأصيلة للإيمان المسيحي كما تعرفها وتؤمن بها
الكنيسة الواعية المملوءة بالنعمة والروح والحكمة، وقد ارتفعت عن مستواها اليهودي
الضيق المتعصِّب إلى مستوى الانفتاح الفكري والثقافي اللاهوتي، ومدَّت يد الصداقة
لكل عالِم ومتعلِّم وكل حكيم ومتحكِّم. فيد ق. لوقا الممدودة بإنجيله الثمين
للعزيز ثاوفيلس هي فخر الكنيسة في زمانها هذا كوثيقة علم ومعرفة وحكمة وثقافة على
أعلى درجاتها بين العلماء والحكماء في تلك الأيام.

وبنظرة علمية واعية
مثقَّفة في فن التأليف والتجميع والعرض ينكشف للباحث المدقِّق كيف استطاع ق. لوقا
أن يُخرج من الرقوق والنبذ والمقولات المتفرِّقة التي سبقت زمانه بحثاً فاخراً
كاملاً شاملاً، يقوم على الأصول والقواعد الثابتة، ويرتفع شامخاً بكماله في أسلوب
واحد ونمط جذَّاب هو حاصل صَهْرِ كل ما بلغ يديه وعينيه.

وكعينة من هذا التجميع
والصهر معاً يقدِّم ق. لوقا لثاوفيلس يوحنا المعمدان لا كما سبق وسمعه من إنجيل ق.
مرقس وق. متى كمجرَّد نبي سابق لصاحب الفداء والخلاص، ولكن يُبرز رسالة المعمدان
وهو ما يزال في البطن، وقبل أن يولد ينصِّبه نبيًّا جاء ليوقظ القلوب ويفتح الوعي
التاريخي الذي يتحتَّم أن يُستقبل به هذا القادم من وراء الدهور، فيقدِّمه بصورته
النسكية ليوقظ الوعي النبوي بإيليا في ملابسه وأكله وشربه وحياة البراري (80:1).
ويؤكِّد دعوته النبوية من البطن كإرميا (إر 5:1) ويقدِّم بمعجزة ميلاده المعجزة
الأضخم بميلاد المسيَّا!

وينتقل بالقارئ ليعيش
الصداقة والقربى العائلية بين المعمدان والمسيح في اتحاد الرجاء الواحد منذ
الطفولة، مصوِّراً كيف حيَّا المعمدان وهو في بطن أمِّه ربَّه القابع في بطن
العذراء، فكان أول سرور مسَّ البشرية بالابتهاج متنبئاً عن مجيء عصور الفرح
والابتهاج بالروح.

وهكذا أدخل ق. لوقا
بتخطيطه النادر والعالي المستوى ليس ثاوفيلس وحده في صميم التاريخ الإلهي؛ بل
والبشرية كلها عبر العصور. من هنا تظهر أصالة التخطيط الذي خطَّط به ق. لوقا
إنجيله ليحتضن الفكر البشري كله من داخل فكر ثاوفيلس العزيز.

كيف طوَّع القديس لوقا
أسلوبه ليناسب الهدف الموضوع أمامه:

واضح أن الهدف كان في
أضيق صوره أن يجتذب إنساناً أممياً للمسيحية والكنيسة، إنما عن يقين وإقناع، وبطرق
كثيرة متنوعة. هذا الهدف جعل ق. لوقا كمؤرِّخ مسيحي يلتزم بتحفظات كثيرة أهمها أنه
التزم بالأسلوب والطريقة الموضوعية التي تناسب علمانياً، وامتنع عن إطلاق الصوت
العالي الذي يلزم إيقاظ الكنيسة، ولكنه بهدوء وحكمة دبَّر الأسلوب الأنسب لأُذن
إنسان لا يزال خارج الكنيسة. ولكن لم يمنعه هذا من أن يعطي المسيح مراراً لقب الرب
Р KÚrioj، الأمر الذي يكاد يكون غائباً في إنجيل القديس مرقس. وطبعاً هذا
هو رد فعل الانطباع الذي دخل به المسيح في إيمان ق. لوقا نفسه وهو لا يزال يطلب
الإيمان، فهو يقدِّم خبرة حية يعيشها ويفتخر بها ويحس بقوتها وفعلها في حياته.
علماً بأن ق. لوقا لم يكن واحداً من الذين ولدوا في الكنيسة وتعوَّدت عيناه
وأُذناه على رؤية المسيح أو اكتساب الإيمان به عن آخرين، بل إن المسيح اقتحم حياته
مرَّة واحدة “كرب”. وكما أخذ المسيح بصورته الزاهية، هكذا يقدِّمه هنا
لثاوفيلس. ولكن هذا أيضاً لم يمنع ق. لوقا من أن يقدِّم المسيح باسمه “يسوع” لأنه
من هذه القاعدة سيتم الفداء على الصليب. كذلك يقدِّم ق. لوقا الذين يخاطبون المسيح
قائلين: “يا معلِّم
™p…stata”([44]
المقابل اليوناني لرابّي عند اليهود ومعها كلمة
did£skale،
متحاشياً نهائياً كلمة رابي. وفي نفس الوقت أبرز كلمة يا رب
KÚrie إنما بشيء من الاحتراس.

كذلك نجده يتعرَّض
للإفخارستيا بشيء من الاحتراس والاختصار الشديد وبلغة تكاد تكون عادية على
الأسماع:
» شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم، لأني أقول
لكم: إني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله
«(لو 22: 16-20). ويُلاحِظ القارئ أن ق. لوقا في تقديمه الكأس بيد
المسيح لتلاميذه لم يذكر صراحة أن
» هذا هو دمي «بل قالها
بنوع من التورية
» هذا هو العهد الجديد بدمي « وهنا يختفي جزئياً إبراز “السر”، لأن الوثنيين كانوا يعثرون بشدة
من موضوع العشاء السري معتقدين أنه ذبيحة دموية، مما جعل ق. لوقا يعبر عليه دون
تعمُّق كبداية لانفتاح وعي ثاوفيلس([45]).

وهذا يُحسب للقديس لوقا
أسلوباً حكيماً “فسرِّي لأهل بيتي”، لذلك أخفى مضمون هذا السر العميق للغاية لأنه
محجوب أصلاً عن عيني الإنسان الأُممي الذي لم تنفتح بصيرته بعد ولا تقبَّل
الإلهام. فالقديس لوقا بحجبه السر عن ثاوفيلس إنما يصونه من العثرة والسخرية.
علماً بأن ق. لوقا أصلاً أُممي ويعرف متى يعثر الأُممي وكيف يقبل الحقائق.

إذن، ففي إنجيل ق. لوقا
يتسيطر الظرف على الأسلوب والمنطق والعرض بصورة جوهرية. وهنا ينفتح وعينا عن سر
المدخل الذي دخل به ق. لوقا ليقدِّم رسالة الخلاص والإيمان بالمسيح، إذ يدخل على
زمن حكم هيرودس وقيام الولاة وتداخل الملائكة قبل أن يدخل إلى الحقائق الإلهية،
ويستحضر مناسبة الاكتتاب ليمهِّد لتسجيل ميلاد المسيح في عمق التاريخ، ولربما كان
ثاوفيلس هذا أحد الذين خدموا أمر الإمبراطور في الاكتتاب. وهكذا يصيغ من صميم
الواقع الزمني ارتفاعاً سماوياً ملحوظاً يدخل في الوعي من واقع المناسبة. فكان ق.
لوقا حكيماً حقا إذ جعل بداية المسيحية متعانقة مع الدولة وحكامها وأوامرها ويرفع
عنها أي عداوة للسلطة. ولا ننسى لماذا أورد ق. لوقا قصة السؤال المقدَّم للمسيح عن
الجزية المقدَّمة لقيصر فأمر أن تُدفع حسب القانون (لو 20: 20-26) حتى
ينفي عن المسيح التهمة الملفَّقة والكاذبة التي أقامها السنهدرين ضد المسيح أنه
يحرِّض الشعب أن لا يدفع الجزية. فتكاد هذه القصة أن تكون مرسلة هدية لفكر ثاوفيلس
عن مدى خضوع المسيح لنظام الدولة.

وهكذا على هذا المنوال
أسَّس ق. لوقا إنجيله ليكون منسجماً غاية الانسجام مع الفكر العلماني والعقلية
الرئاسية عند اليونان.

 

تقييم القديس لوقا
ككاتب إنجيلي

القديس لوقا مؤرِّخ
ولاهوتي في آن واحد
([46]):

يقول العالِم هوارد
مارشال عن شخصية ق. لوقا:

[إن ق. لوقا يُعتبر
لاهوتياً ومؤرِّخاً بآن واحد. وحينما نقول: إنه إنجيلي، نكون قد جمعنا الميزتين
اللتين له.]([47])

وقد أفاد العالِم
كيزمان:

[نحن يمكن أن نعرفه أنه
مؤرِّخ إذا عرفنا أولاً أنه لاهوتي.]([48])

ولكن يرد عليه مارشال
عاكساً الوضع إذ يقول إن ق. لوقا يعتبر لاهوتياً إذا أخذنا بأنه مؤرِّخ إنجيلي.

 

ويُعلِّق مارشال:

[إن الموضوع يتعلَّق
بأن غاية ق. لوقا لم تكن تاريخية فقط، كأنه اقتنع فقط بجمع وتسجيل الحقائق من
الماضي بحد ذاتها، ولا كونه كان مكلَّفاً بأن يحقِّق الحقائق اللاهوتية المقدَّمة
في الكنيسة الأُولى للتعليم والوعظ لإعادة صياغتها تاريخياً، ولكن بالأكثر نرى أن
ق. لوقا اللاهوتي بالدرجة الأُولى انحصر في تقديم رسالة المسيح وعمل الكنيسة
الأُولى على مستوى تاريخي معتمد وموثَّق. وأما تعليمه اللاهوتي فهو قائم على أساس
التقليد الكنسي والإنجيلي السائد في الكنيسة الذي أبرزه لأعلى مستوى ممكن حسب
قدرته، واستخدم موهبته التاريخية لخدمة لاهوت المسيح.

ولكن في نفس الوقت لم
يجعل ق. لوقا هدفه أن يكتب لاهوتاً صرفاً. وهنا يتدخل لقبه الأساسي المحبوب وهو
“الإنجيلي” الملتزم بالإنجيل، إذ جعل هدفه أن يقدِّم الرسالة المسيحية على أساس أن
يزكِّي ويؤكِّد الإيمان بيسوع المسيح. فغرضه الأساسي إنجيلي محض. ولذلك لم يتحدَّد
لاهوته الإيماني بحدود “تاريخ الخلاص” وإنما بالأكثر بأن يحمل شهادة
استعلان الخلاص الذي تمَّ بيسوع المسيح وإذاعته للكنيسة الأُولى.

والقديس لوقا يؤمن أن
الخلاص استُعلن تاريخياً ما من ذلك أدنى شك، ولكنه لم يلجأ للتاريخ ليسجِّله في حد
ذاته، ولكنه استخدمه أجمل استخدام كواسطة لإعلان الخلاص … ولكن بالنهاية لا يمكن
أن نحسب ق. لوقا إلاَّ الإنجيلي المولع بلاهوت الخلاص بالدرجة الأُولى وليس بتاريخ
الخلاص … ولاهوت الخلاص عنده قائم في عمل المسيح كخبرة ودراية مطروحة لتقبُّل كل
إنسان.

أمَّا أساس رسالة ق.
لوقا اللاهوتية كإنجيل فهو أولاً وأساساً التقليد الراسخ والمتداول في الكنيسة دون
أي تخريج أو إضافة من عنده. وبهذا يُحسب ق. لوقا لاهوتياً محافظاً دون استحداث.
وهو وإن كانت له ميوله اللاهوتية الخاصة، ولكنه يقدِّمها بأمانة شديدة مبنية على
التقليد. وبالنهاية فلاهوت ق. لوقا الإنجيلي هو قائم على التقليد إلتزاماً أميناً.
فلا يمكن أن يُفحص أو يُدرس إلاَّ على أساس التقليد القائم…

على أن ق. لوقا في
إنجيله ولاهوته وتقليده لا يخرج قط عمَّا سبقه([49])
[.

ويهمنا في معرض شرح
إنجيل ق. لوقا أن نلمّ بمضمون هذا الإنجيل الفذّ في صياغته التاريخية البارزة، كما
نلمّ أيضاً بمضمون لاهوته الخلاصي المختفي وراء الصيغ والأحداث والأعمال والأقوال
التي ركَّز عليها هذا القديس المتعدِّد المواهب.

وسنبدأ أولاً بالإبحار
في مساره التاريخي المتقن معتمدين بالدرجة الأُولى على وقائع إنجيله، مستلهمين
منها روح التاريخ الإنجيلي الذي رسم منطقه هذا الإنجيلي ليرسم لنا أول خريطة
تاريخية موقَّع عليها عظمة الخلاص الذي تمَّ.

القديس لوقا مؤرِّخ
إنجيلي:

لقد اعتمد ق. لوقا في
عرضه التاريخي للإنجيل أو للاهوت الخلاص على عنصرين يتسلَّح بهما المؤرِّخ حتماً،
وهما تجميع العناصر المؤكدة والثابتة، ثم بعد دراستها دراسة تحليلية للاستيعاب
يضعها في مكانها وزمانها ليعرضها بعد الوثوق من مناسبتها.

ويُعتبر ق. لوقا مديناً
في أسلوبه التاريخي لتقليد العهد القديم حيث يتجلَّى العمل الإلهي في صياغة
التاريخ، معتبراً أن عمل الإنجيل برمَّته إنما هو امتداد للتاريخ الإلهي في العهد
القديم. لذلك نجده يكتب من موقف من يقتفي أثر عمل الله في الحوادث التاريخية
قديماً.

لذلك عندما يتعرَّض ق.
لوقا لعمل إعجازي من أعمال المسيح لا ينظر إليه محصوراً في ذاته؛ بل يراه ضمن مجرى
التاريخ الفعَّال بالتدبير الإلهي منذ البدء. وبهذا فهو يعطي شرحاً للحادثة
الإنجيلية يرتفع كثيراً عن مستوى انحصار التاريخ. وهكذا يرتفع ق. لوقا بالحدث
التاريخي إلى عمل الله مباشرة كمن يهجر التاريخ ليستوطن بالحادثة في اللاهوت على
الدوام.

إنجيلي له إيمان راسخ
بالخلاص الذي تمَّ:

ونستطيع أن نستخلص من
إنجيل ق. لوقا وسفر الأعمال أن ق. لوقا كان يدين بإيمان راسخ. فالإيمان المسيحي
إنما يترسَّخ على حوادث حيَّة تسجَّلت في الكنيسة عن حياة المسيح وأقواله وأعماله.
فكل معرفة لا يسندها عمل من المسيح أو قول مؤكَّد ومؤيَّد من الرسل لا تدخل
الإيمان المسيحي، وهذا هو عين التعريف الصحيح للتقليد الكنسي.

كما أنه يتحتَّم أن
يرسخ في ذهن القارئ أن الذي حرَّك ق. لوقا لكتابة إنجيله هو انبهاره من “الخلاص”
الذي خدمه المسيح وصُلب من آجله. فالقديس لوقا صاحب لاهوت الخلاص إنجيلياً. وقصده
من إنجيله وسفر الأعمال هو أن يقود الكنيسة في شخص ثاوفيلس إلى “الخلاص” مركِّزاً
للغاية على غفران الخطايا كأساس حي للخلاص. وربما كان ق. لوقا في هذا الاتجاه صورة
طبق الأصل من ق. بولس، ولكن بدعوة خاصة تتناسب مع مؤهلاته.

 

لاهوت القديس لوقا
الخلاصي

قبل أن نخوض في لاهوت
ق. لوقا الخلاصي، يلزمنا أولاً أن نلقي ضوءاً كافياً على شخصية ق. لوقا
والإلمام بمستواه الروحي واللاهوتي.

فالقديس لوقا يحتل
مكانة غاية في العمق والاتساع من جهة الامتداد في معرفته ومعاصرته للكنيسة منذ
نشأتها الأُولى. فإذا جمعنا معرفته ودرايته بدءًا من ميلاد المسيح وانتهاءً
بالقيامة والصعود، ثم حلول يوم الخمسين وبداية حركة الكنيسة الأُولى في أُورشليم،
ثم خدمة الرسل فيها، ثم خروجهم خارجها نحو الأُمم، ثم زمالته لرحلات ق. بولس حتى
ختامها بالاستشهاد، يتحقَّق أمامنا اتساعٌ هائلٌ في درايته بكل مراحل الإيمان الذي
بدأ بمناداة المسيح بالملكوت، ثم دخوله في اختبار الكنيسة كيف بدأ فيها مفهوم
الفداء والخلاص وكيف امتد عبر كرازة ق. بولس ليبلغ أوج اللاهوت المسيحي ومنتهاه.
إذا انتبهنا إلى كل ذلك استطعنا أن نقول بكل تأكيد إنه لا توجد في الكنيسة شخصية
عاصرت ودرست ومارست واختبرت وجمعت ما حصل عليه ق. لوقا. لذلك حينما ندخل في لاهوت
الخلاص عند ق. لوقا فنحن نواجه موسوعة حيَّة نابضة تحمل الخطوط الأساسية لمفهوم
الخلاص، وتمتد به من البداية في الكنيسة الأُولى حتى إلى ما بعد استشهاد بولس
الرسول وإلى بوادر خراب أُورشليم سنة 70م.

لذلك ينبغي أن لا يفارق
ذهن القارئ صورة ق. لوقا وهو يؤرِّخ للكنيسة تاريخها اللاهوتي الفدائي والخلاصي
باعتباره صاحب قصة ميلاد المسيح من الروح القدس والعذراء مريم، وصاحب سفر الأعمال
منذ يوم الخمسين حتى نهاية عصر الرسل.

أكثر من بحث في هذا
الموضوع حديثاً هو العالِم الألماني كونزلمان([50]) من وجهة نظر تاريخ
الخلاص في الإنجيل، حيث يُعطي ق. مرقس – بحسب هذا العالم – شرحَ الخلاص، وق. متى
يوضِّح تحقيق الوعد بالخلاص، وق. لوقا يتعقَّب نمو تاريخ الخلاص، وذلك باعتبار أن
المسيحيين الأوائل كانوا يعيشون في صميم الرجاء لاستعلان المسيح، فنشأ عن ذلك غيرة
حارة أخروية ألهبت المسيحية، ولكن هدأت وفترت بسبب عدم تحقيق الاستعلان المنتظر
بقرب المرجو. وتعيَّن على الكنيسة بعد ذلك أن تقبل الوضع الجديد باعتبار الاستعلان
بالإيمان المتوافق مع الوجود في العالم. وقد اضطلع بهذه المهمة في هذا الجو
المشحون بالرجاء والتوتر والانتظار كبار لاهوتيي الكنيسة الأوائل، وكان ق. لوقا
واحداً منهم، فأعاد شرح مفهوم الأخرويات من واقع التقليد، وطرحه في إنجيله باعتبار
أن الاستعلان المرجو والمنتظر ليس هو بمفهوم السرعة الزمنية ولكن بمفهوم المفاجأة
اللحظية. وسيظل مؤجَّلاً دائماً في طيات المستقبل غير المحدود دون انتظار تحقيقه
في وقت معيَّن.

وعلى هذا أيضاً تغيَّر
مفهوم “ملكوت الله”، فبدل أن كان حادثة وشيكة الحدوث، تحوَّل إلى حدث حقيقي سماوي
فائق حتمي الظهور ولكن في معزل عن الزمان: «لا يأتي ملكوت الله بمراقبة»
(لو 20:17). هذا يعني أن الاستعلان “الباروسيا” بصورته الزمنية الأُولى
فَقَدَ أثره الشديد والملحّ على الإيمان باعتباره مفتاح الرجاء المسيحي ودافعاً
أساسياً للحياة المسيحية.

وعادت الكنيسة
ولاهوتيوها يملأون الفراغ الذي اصطدم به الإيمان المسيحي من جرَّاء تأخر الباروسيا
(الاستعلان)، باعتبار أن هذا التأخير في الاستعلان لا يُحسب كأنه زمن ضائع ولا حتى
على المستوى السلبي للرجاء والإيمان. فالتأخير في استعلان المسيح القادم ليس هو
زمن انتظار فاقد قيمته نرجو سرعة عبوره، وإنما هو في حقيقته زمن ينبغي أن يتعبأ
فيه الاشتياق مع الرجاء والإيمان لبلوغ نفس المستوى الذي يمكن أن نقابل به
الاستعلان الآتي، باعتباره زمناً تعيَّن من الله لنبلغ فيه قامتنا المؤهَّلة
للاستعلان، حيث لا يزال الله يعمل في التاريخ لحساب هذا الاستعلان.

وهنا نجد ق. لوقا
ينبِّه في إنجيله على دور الكنيسة المقادة والمرتشدة بالروح القدس التي يعمل الله
من خلالها عبر الزمن الحاضر حتى يحين الاستعلان.

وقد نجح ق. لوقا في أن
يجعل زمن التاريخ زمناً كنسياً أو حتى زمناً إلهياً، باعتبار أن تاريخ العالم يجري
من الخلق الأول حتى إلى نقطة الاستعلان الآتي ماراً بثلاث مراحل. الأُولى: مرحلة
زمان إسرائيل ختمها المعمدان، والثانية: مرحلة زمان المسيح من التجربة إلى الصليب
حيث اندحر الشيطان، والثالثة: مرحلة زمان القيامة داخل الكنيسة تتبع حاملةً
الصليب.

بهذا يكون ق. لوقا قد
جعل التاريخ وعاءً للاهوت. إذ بينما تعبر الكنيسة تاريخها اليومي تسجِّل لنفسها
عبوراً لاهوتياً ممتداً نحو تحقيق هدفها النهائي باعتبار أن فترة خدمة المسيح
احتضنتها الكنيسة وخرجت إلى العالم تبشِّر بها. وهكذا سجَّلتها على تاريخ العالم
وحُسبت بالفعل محوراً لتاريخ العالم يبتدئ به زمانه الجديد (بعد الميلاد
A. D.). وبهذا تكون الكنيسة قد طبعت تعاليمها على وجه التاريخ يحتفظه
لها بدقائقه كجزء من تاريخ وتراث العالم. وبهذا أصبح التاريخ له معنى إيجابي هام
للاهوت. وهذا ما سجَّله ق. لوقا بإنجيله إذ ربط اللاهوت بالتاريخ حينما وقَّع
رسالة المسيح على صفحة تاريخ العالم.

في إنجيل ق. مرقس لم
يهتم بأن يُدخل الوعد وتتميمه كعلاقة أساسية بين العهد القديم والمسيح، ولكن في كل
من إنجيلي ق. متى وق. لوقا اهتم كل منهما بإبراز هذه العلاقة بوضوح، أي بتقديم
ظهور المسيح بحسب الوعد مُطَبَّقاً على نبوات العهد القديم الخاصة بتتميم هذا
الوعد. وهكذا دخل التاريخ كعامل ربط أساسي لمسيرة الوعد عبر الزمن وتحقيقه. ودخلت
الكنيسة في عمق التاريخ الرابط بين القديم والجديد، إذ سجَّلت بتعاليم الرسل
وكرازتهم رسالة المسيح بدقائقها ووقَّعتها في سجلاتها كوديعة ثمينة احتفظ بها
التاريخ لها كتقليد اتسم باسمها، أي التقليد الكنسي لرسالة المسيح أي الإنجيل.
وبذلك أصبحت الكنيسة برسالتها الحية وأسرارها وطقوسها الحاملة لأفعال النعمة تُحسب
أنها الحارسة لتقليد المسيح برمَّته، وبالتالي وسيلة الخلاص المؤتمنة، وفي نفس
الوقت تُحسب كمؤسَّسة إلهية داخل التاريخ تتحرَّك عليه وتتحرَّك به، وأصبح لها
دورها الفعَّال والمؤثِّر فيه مهما أصابها من عنت التاريخ وجحوده.

فإذا عدنا إلى القديس
لوقا بخصوص الباروسيا (الاستعلان الأخير وانتظاره) نجد – كما سبق وقلنا – كيف أنه
نجح في زحزحة الرجاء الملهوف والترقُّب لظهور المسيح وشيكاً، إذ جعله مبدأً
إيمانياً يمتد مع الزمن دون إلحاح بنفس الرجاء ولكن دون قلق. وبذلك نقل
المستقبل المقلق إلى حاضر إيجابي رزين وثمين.

وفي سنة 1954 جاء
العالِم الألماني لوز([51])
وأعطى القديس لوقا – على أساس ما سبق – اعتباراً جديراً به إذ دعاه “اللاهوتي لتاريخ
الخلاص”، مؤكِّداً أنه كان أول مَنْ أنشأ عملاً مسيحياً أدبياً، إذ استطاع أن يعطي
شكلاً كاملاً لحوادث تحقيق الوعد بالخلاص التي ابتدأت بخدمة المسيح واستمرت بخدمة
الكنيسة في نشاط وفعَّالية لم تهدأ. وبهذا الوصف يكون هذا العالِم المبارك قد كشف
كيف أن ق. لوقا بإنجيله وسفر أعماله قد قصد أن يوعِّي الكنيسة في أيامه كيف ينبغي
أن تسلك وتعمل في كرازتها وفي سلوكها الداخلي وفي علائقها بالعالم الخارجي على
منوال تاريخها السابق.

أمَّا الأساس الذي بنى
عليه هؤلاء العلماء نظريتهم في علو قيمة لاهوت ق. لوقا الخلاصي وتقنينه لتقليد
الكنيسة الذي استلمته، فهو واضح لنا كل الوضوح. فالقديس لوقا بعد أن تابع المسيح
من ميلاده حتى نهاية خدمته واستطاع أن يسجِّل العمل الخلاصي في الإنجيل كاملاً،
عاد وتابع الكنيسة في سفر أعمالها منذ مولدها يوم الخمسين واستلامها استعلان
الخلاص بالقوة والفعل الروحي الناطق والعامل فيها، ثم كيف بدأت تنادي وتكرز وتحمل
رسالة الخلاص بكامل مفاعيلها، وعاصر التحامها المبدئي بالهيكل والفكر اليهودي، ثم
تَخلخُل هذه العلاقة وانقلابها إلى عداء واضطهاد وقتل. وبهذا عاصر لحظات استعلان
الكنيسة على المد اليهودي المؤذي، ثم انطلاقها نحو الأُمم تحت سمعه وبصره بل
وكرازته أيضاً. فهذا الكم الهائل من الخبرة التاريخية واللاهوتية العملية جعلت
العلماء يهيمون بشخصية القديس لوقا الفريدة في تاريخ المسيحية، وهو حقا جدير بأن
يأخذ اللقب الذي أعطاه له العالِم كيزمان – الذي له وزنه العالي بين علماء الغرب –
إذ اعتبره “أعظم لاهوتي في العهد الجديد”([52]).
وهذا نوافق عليه بكل تأكيد، فليس من تابع تاريخ الخلاص منذ بدء ميلاد
المخلِّص، حتى الصليب ثم القيامة، وذَكَرَ الصعود، وعاصر يوم الخمسين وقَبِلَ
الروح القدس وسار مع الكنيسة يؤرِّخ لعمل كرازتها بالروح، وتتبُّع فتوحاتها
الكرازية بين الأُمم، ورافق وتتلمذ على أقوى رسول للخلاص – بولس الرسول – يؤازره
ويعضده ويعمل معه ويحمل هم مرضه في أسفاره وفي سجنه، ويعزيه في آلامه ويقف معه في
استشهاده! فأين نبحث عن بدء سر الخلاص ومعناه وعمله وفعَّاليته ومراحل نموه
واكتماله إلاَّ في إنجيل ق. لوقا وسفر أعماله؟

لذلك يقول العالِم
إيليس([53])
إن ق. لوقا يضع طبيعة المسيح المسيَّانية ورسالته كهدف محوري وأساسي لإنجيله، وأن
فكرة الخلاص هي عند ق. لوقا مفتاح اللاهوت. ليس تاريخ الخلاص كما يظن البعض، ولكن
الخلاص نفسه هو الهدف الذي كان يملأ فكر ق. لوقا في إنجيله أو سفر الأعمال.
والقديس لوقا هو الذي امتد بكلمة
sèzw = يخلِّص التي كانت تعني مجرَّد الشفاء أو النجاة من خطر ليعطيها
معنى الخلاص الروحي. فكلمة
sèzw عند ق. لوقا أخذت وضعاً روحياً جديداً خاصاً به ولا يوجد في
الأناجيل الأخرى. كذلك فقد استخدم مشتقات كلمة يخلِّص مثل المخلِّص
swt»r والخلاص swthr…a و swt»rion حيث لا توجد قط في إنجيلي ق. متى وق. مرقس، بينما تكررت ثماني
مرَّات في إنجيل ق. لوقا وتسع مرَّات في سفر الأعمال([54]).
وهذه الكلمات ولو أنها توجد في باقي كتب العهد الجديد ولكنها تركَّزت عند ق. لوقا
بصورة ظاهرة. فهو لا يحتكرها ولكن يبرزها بشدة فوق الأسفار الأخرى مما يؤكِّد
اهتمامه بها وبمعناها وبهدفها. لذلك نعود ونقول إن الخلاص ليس ظاهرة محتكرة عند ق.
لوقا وحده، ولكن الخلاص في تقليد ق. لوقا الذي استلمه وورَّثه للكنيسة بعد أن ملأ
فكره وقلبه يقع موقع المحرِّك الأساسي والهدف الذي يتجه إليه كل من الإنجيل
والأعمال. ولا يزيد ق. لوقا هنا عن كونه أكثر انطباقاً وعناقاً لفكرة الخلاص وعمله
الذي ورثته الكنيسة من المسيح وامتدت به.

والعالِم أونيك([55]) في
كتابه الذي يعتبر أكثر الكتب الحديثة تعمُّقاً ومعرفة في دراسة لاهوت ق. لوقا،
يقول إن إنجيله يكشف بقوة العمل الخلاصي في خدمة المسيح، وأمَّا سفر الأعمال فيكشف
كيف مسكت الكنيسة بقوة الخلاص من يد الرب وامتدت تنادي به بالروح. لذلك فإن غرض
سفر الأعمال كان بالنسبة للقديس لوقا كيف يبني به جسراً متماسكاً قوياً بين
الحقائق التي تسجَّلت للمسيح في الإنجيل وبين الناس الذين لم يروا المسيح
متجسِّداً حتى يقبلوا أو يتحققوا أن الخلاص هو لهم ليحتضنوه كعطية حُفظت لهم.

كذلك يعجب العالِم
جرين([56])
[كيف أن ق. لوقا يتخذ أسلوب التكرار المستمر لمعاني واصطلاحات الخلاص ونحن لم
نلتفت إليها ونعطيها ما تستحقها من الاهتمام].

لذلك ليس تجاوزاً أن
يتفق العلماء على جعل كلمة “الخلاص” هي البطاقة الذهبية التي ينبغي أن تُعلق فوق
التعليم اللاهوتي للقديس لوقا، بالرغم أن موضعها أصلاً وحتماً فوق اللاهوت المسيحي
عامة.

ولكن لم يكن الخلاص بحد
ذاته هو محور وأساس فكر ق. لوقا الإنجيلي، إنما الخلاص يعبِّر تعبيراً ذاتياً عن
شخص المسيح، فالقديس لوقا له وجهة نظر خاصة بالمسيح “المخلِّص”، وشدة تأثر ق. لوقا
بالمسيح هو الذي أعطاه هذا الالتفات الشديد لعمله الخلاصي.

مدى إحاطة القديس لوقا
بمفهوم الخلاص:

أول ذكر للخلاص في
إنجيل ق. لوقا يبدأ من العذراء القديسة مريم حينما سبَّحت الله مخلِّصها:
» فقالت مريم:
تعظِّم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلِّصي
«(لو 47:1). هنا مفهوم الخلاص يمت بصورة قوية لمفهوم العهد القديم
إنما بروح تقوية جديدة. والخلاص هنا في مفهوم العذراء هو الرحمة التي بدأ يظهرها
الله بحسب وعده بالنسبة للمستقبل الذي انفتحت طاقاته من السماء على يديها. غير أن
ذكر الخلاص لأول مرَّة في إنجيل القديس لوقا أتى على لسان الملاك في تسمية “يسوع”،
فالكلمة تعني الله يُخلِّص (13:1) في نطقها وفي معناها العبري
Jehôshuá وقد أفصح القديس متى عن معناها: » تدعو اسمه يسوع.
لأنه يُخلِّص شعبه من خطاياهم.
«(مت 21:1)

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم وصايا الآباء وصية زبولون 02

وبعد الخلاص فيما يخص
تسبحة العذراء وبشارة الملاك، يأتي الخلاص في تسبحة زكريا الكاهن في ميلاد
المعمدان، حيث ميلاد المعمدان الإعجازي أيضاً يشير إلى أن المعمدان سيأخذ دوراً
خاصاً في خطة الله، وظهر هذا في تسميته من الله: يوحنا، حيث تعني حنان الله، الأمر
الذي انعكس على روح زكريا أبيه فأعطى تسبحته باعتبار “افتقاد الله لشعبه” وبدء عمل
الفداء بميلاد المعمدان. ثم ارتفع زكريا مرَّة واحدة بالنبوَّة ليرى كيف
أقام الله «قرن خلاص» في بيت داود كالوعد. والقرن في مفهوم التوراة كناية
عن قوة مبارزة لكسر العدو، ثم يكشف زكريا أن قرن الخلاص هذا منوط به
» خلاص من أعدائنا
ومن أيدي جميع مبغضينا.
«(لو 71:1)

وهكذا لو جمعنا هذه
الاصطلاحات معاً: قرن الخلاص، والخلاص من أعدائنا وبيت داود فتاه، تكون الحصيلة
تصوير ضمني للمسيَّا الآتي حيث عمل المسيَّا هو الخلاص.

وتنتهي تسبحة زكريا
بتصوير رسالة المعمدان وهو لا يزال يرضع على الصدر:
» لتعطي شعبه معرفة
الخلاص
بمغفرة خطاياهم.
«(لو 76:1)

وبعد الخلاص عند زكريا،
يأتي الخلاص في دعوة الملاك للرعاة (لو 11:2)، حيث يوضِّح الملاك بأقوى بيان أن
المولود هو المخلِّص الذي هو المسيح الرب، وفي مدينة داود حيث تكمل
صورة المسيَّا. والقول:
» المسيح الرب «هو أول لقب
ينطق بالألوهة للمولود، بمعنى أن الله قائم في يسوع بإيضاح أنه ابن الله وأن الله
ظهر حسب وعده لافتقاد الشعب. وفي ظهوره فرح لكل الشعب:
» فها أنا
أبشِّركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب
«(لو 10:2). هذا هو رد فعل البشارة، مجرَّد البشارة بالخلاص!
والقديس لوقا حريص بأن يجعل دائماً مع الخلاص “تسبيح! وسلام وفرح”.

ارتباط الخلاص بالإيمان:
«إن إيمانك قد خلَّصك»:

إن إنجيل ق. لوقا أكثر
إنجيل تتكرر فيه هذه المقولة على فم الرب. فهو يكررها أربع مرَّات: للمرأة الخاطئة
(50:7)، ولنازفة الدم (48:8)، وللأبرص الذي شُفي (19:17)، وللأعمى الذي أبصر
(42:18). وفي مقابل ذلك لا نجدها سوى مرَّة واحدة فقط في كل من إنجيلي ق. مرقس
والقديس متى. واهتمام ق. لوقا بالذات بهذا القول يعود إلى أنه يلخِّص في كلمات
قليلة المبدأ الأساسي الذي بذل ق. بولس كل جهده وحياته في المدافعة عنه، وهو أن
الخلاص يأتي بالإيمان بالرب يسوع المسيح وليس من أعمال الناموس. لذلك وجدها ق.
لوقا فرصة ثمينة أن يدعِّم بهذا القول من فم الرب نفسه، وبتكرار كثير، تعليم بولس
الرسول الذي لاقى مقاومة كثيرة ولاسيما من اليهود المتمسكين بأعمال الناموس.

معيار القديس لوقا
لإنجيل الخلاص
:

«ابن الإنسان قد جاء
لكي يطلب ويخلِّص ما قد هلك» (لو 10:19):

تنتهي قصة زكا بقول
الرب:
» اليوم حصل خلاص لهذا البيت … لأن ابن الإنسان قد
جاء لكي يطلب ويخلِّص ما قد هلك.
«(لو19: 9و10)

هذا القول أعطى في قلب
ق. لوقا النور ليروي إنجيله عن المسيح الذي جال يخدم في الجليل وفي اليهودية. وليس
جزافاً أن يأتي بعد هذه الآية في رواية ق. لوقا قصة الإنسان الشريف الجنس الذي
» ذهب إلى
كورة بعيدة ليأخذ لنفسه مُلكاً ويرجع، فدعا عشرة عبيد له وأعطاهم عشرة أمناء وقال
لهم: تاجروا حتى آتي
«(لو
19 :11-13). قال المسيح هذا المثل وبعدها صعد بالفعل إلى أُورشليم ليطلب مُلكاً من
هناك على الجلجثة! حيث يخلِّص ما قد هلك! ويتمِّم بذلك الهدف الذي جاء من أجله!

القديس لوقا يختص بهذا
الهدف الذي يبني عليه إنجيله. فإن كان ق. مرقس قد جاهد ليقدِّم إنجيل يسوع المسيح
على أساس أنه هو المسيح ابن الله ورسالته هي الأخبار السارة، وكان شغل القديس مرقس
هو شغل المسيح الشاغل: مَن يقول الناس إني أنا (مر 29:8)، يتخلَّلها ظهورات سرية
لابن الإنسان حيث يستعلن السلطان الإلهي للعيون المفتوحة، وإن كان ق. متى قد اهتم
في إنجيله ليبرز لليهود أن يسوع المسيح هو مسيَّا التوراة وصاحب الوعد والميعاد
بحسب كل الأنبياء مقدِّماً تعاليم المسيح عوض تعاليم موسى، وإن كان ق. يوحنا
يقدِّم المسيح أنه هو الذي يستعلن الله ويعطي الحياة الأبدية للناس، حيث الحياة
الأبدية هي مضمون الخلاص عند ق. يوحنا، والمسيح يُستعلن أنه هو ابن الله وأنه هو
والله واحد ؛ فإن اهتمام ق. لوقا الأعظم هو تقديم الخلاص وتقديم المسيح على أنه
هو المخلِّص بصورة واضحة وملحَّة. ولكن ق. لوقا لا يحتكر الخلاص ولكن يؤكِّده
ويبرزه أكثر. فإن كان المسيح هو المخلِّص في الأناجيل الأربعة، إلاَّ أن ق. مرقس
يهتم بتقديم شخص المسيح ابن الله، وق. متى يهتم بتقديم تعاليمه، وق. يوحنا يستعلن
الحياة الأبدية فيه، بينما ق. لوقا يضغط على بركات الخلاص التي قدَّمها المسيح:

+ » أيها الرجال
الإخوة بني جنس إبراهيم والذين بينكم يتَّقون الله إليكم أُرسلت كلمة هذا الخلاص.
«(أع 26:13)

بعد البشارة بالأخبار
المفرحة بالخلاص (الإنجيل)،

يكتب ق. لوقا أعمال
تحقيق الخلاص (سفر الأعمال):

واضح من منهج ق. لوقا
الخلاصي أنه بعد أن استوفى في إنجيله فعل الخلاص الذي ظهر في بيت لحم وأُكمل على
الجلجثة واستعلن بالقيامة من الأموات، باشر في الحال وبنفس القوة والمستوى متابعة
عمل الخلاص في الكنيسة في سفر الأعمال على أساس لاهوتي هام للغاية، هو أن المسيح
نفسه هو الذي استمر يعمل
ويعلِّم على مدى سفر الأعمال كله بواسطة التلاميذ.
فإن كان الإنجيل هو كيف ابتدأ المسيح يفعل ويعلِّم، فسفر الأعمال هو كيف
أكمل المسيح ما ابتدأه في الإنجيل، لذلك كان مطلع سفر الأعمال هكذا:

+ » الكلام
الأول (الإنجيل) أنشأته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلِّم به.
«(أع 1:1)

أمَّا انتظار التلاميذ
الخاطئ لظهور الملكوت سريعاً وعودة الملك لإسرائيل، فقد طوَّح بها ق. لوقا إلى ما
وراء أفق زمان الإنسان الضيق برد المسيح:
» ليس لكم أن
تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه – ثم أضاف ما ينبغي على
الكنيسة أن تراه وتعمله – لكنكم ستنالون قوة متى حلَّ الروح القدس عليكم وتكونون
لي شهوداً في أُورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض.
«(أع 1: 7و8)

إذن، فهذا هو منهج
الخلاص عند ق. لوقا: البشارة أولاً بالخلاص (الإنجيل) ثم حمل الخلاص إلى أقصى
الأرض!! أمَّا المجيء الثاني فهو حتمي ولكن بعد أن يبلغ الخلاص إلى أقصى الأرض!

لهذا، فإن كان الإنجيل
عند ق. لوقا هو استعلان الخلاص، فسفر الأعمال هو تكميل هذا الاستعلان والعمل به
على مدى الزمان وإلى أقصى الأرض.

فلو لاحظ القارئ الخط
الفكري الذي صاغ به ق. لوقا سفر الأعمال يجد كيف انحصرت أعمال الرسل الذين لم يظهر
منهم إلاَّ بطرس ويعقوب أخو الرب ويوحنا ثم الشماس استفانوس للبشارة في أُورشليم
واليهودية والسامرة، ثم انطلق ق. لوقا مع ق. بولس يحمل الكنيسة والبشارة والخلاص –
عبر أسِيَّا الصغرى واليونان – صوب روما لتنطلق منها بعد ذلك إلى أقصى الأرض.
وهكذا يوقِّع عمل الكنيسة على الخط الأساسي الذي وضعه الرب:
» تكونون لي
شهوداً في أُورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض.
«(أع 8:1)

ولكن يتحتَّم على
الكنيسة أن لا تتحرك من مكانها إلاَّ بعد أن يحل الروح القدس ليحل المسيح في
قلوبهم وأفواههم أينما ساروا وحلُّوا. فالمسيح هو العامل بالروح والكلمة لاستعلان
الخلاص في القلوب وجميع المختارين.

وهكذا يتضح أمام عين
القارئ أن ق. لوقا كتب إنجيله وسفر الأعمال معاً بنفس الروح وبنفس الهدف لاستعلان
الخلاص وعمله!!

وكان ق. لوقا هو الوحيد
بين الرسل والتلاميذ والإنجيليين جميعاً الذي جمع بين المسيح والكنيسة في عمل واحد
واستعلن المخلِّص على مستوى التاريخ وكل الزمان.

 

المواضيع التي يميل
القديس لوقا أن يركِّز عليها

( أ ) الروح القدس:

لم يملّ القديس لوقا من
ذكر الروح القدس بضغط ملحوظ وذلك ابتداءً من أول صفحة من إنجيله، في البشارة
بميلاد يوحنا المعمدان إذ يذكر أنه:
» من بطن أُمه يمتلئ من
الروح القدس
«(لو 15:1)، ثم
بخصوص الميلاد البتولي:
» الروح القدس يحل عليك
وقوة العلي تظللك
«(35:1).
ثم يذكر امتلاء أليصابات من الروح القدس (41:1)، وكذلك امتلاء زكريا من الروح
القدس لينطق بنبوته (67:1). ويذكره ثلاث مرَّات بخصوص سمعان الشيخ (2: 25و26و27).
ثم يذكره في كل مراحل وحوادث حياة الرب: في العماد (21:3)، وعلى جبل التجربة:
» رجع من
الأُردن ممتلئاً من الروح القدس وكان يُقتاد بالروح في البرية
«(1:4)، ثم في بدء الخدمة: » رجع يسوع
بقوة الروح إلى الجليل
«(14:4). والقديس لوقا هو الوحيد الذي ذكر الخطاب الافتتاحي الذي
بدأ به الرب خدمته أنه كان نص النبوَّة:
» روح الرب
عليَّ لأنه مسحني
«(18:4).
وهو الوحيد الذي أبرز أن أهم طلب يليق أن نطلبه من الآب هو الروح القدس:
» فكم بالحري
الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه
«(13:11)، ويُلاحَظ أن هذه الآية جاءت في إنجيل ق. متى: » يعطي
الصالحات
« كذلك القديس لوقا
هو الوحيد الذي أعطى اصطلاح
» موعد الآب «للإشارة إلى
حلول الروح القدس، سواء في إنجيله (لو 49:24) أو في سفر الأعمال (أع 4:1). وينتهي
إنجيله برجاء وانتظار
» أن تُلبَسوا قوة من
الأعالي.
«(49:24)

وانفراد القديس لوقا
دون سائر الإنجيليين بمثل هذا التركيز على الروح القدس راجع بلا شك إلى كون إنجيله
يُعتبر الجزء الأول الذي يكمِّله سفر الأعمال، ذلك السفر الذي اختص بوصف عمل الروح
القدس في الكنيسة الناشئة حتى أنه يمكن أن نسميه سفر “أعمال الروح القدس”.([57])

(ب) الصلاة:

يبدأ الإنجيل بخدمة
زكريا الكاهن في الهيكل:
» وكل جمهور الشعب
يصلُّون خارجاً
«(10:1). والقديس
لوقا هو الوحيد الذي ذكر أمثال الرب عن الصلاة: صديق نصف الليل (5:11)، وقاضي
الظلم (18: 1-8)
» وقال لهم مثلاً في أنه
ينبغي أن يُصلَّى كل حين ولا يُمل
« والفريسي والعشار (18: 9-14). وهو الوحيد الذي ذكر أن الرب
كان يصلِّي أثناء العماد (21:3) وأثناء التجلِّي (29:9)، وأنه
» قضى الليل
كله في الصلاة لله
«قبل اختيار الاثني عشر (12:6)، وأنه » كان يصلِّي
على انفراد
«قبل اعتراف ق. بطرس (18:9)، وكذلك قبل أن يسلِّمهم صلاة » أبانا الذي « » إذ كان يصلِّي في موضع لمَّا فرغ قال واحد من
تلاميذه يا رب علِّمنا أن نصلِّي
«(لو 1:11). وهكذا في كل المواقف الهامة في حياة الرب يصوِّره
القديس لوقا في وضع الصلاة (راجع أيضاً 41:22 و34:23)؛ بل إنه يذكرها كعادة دائمة
ومألوفة للرب أنه
» كان يعتزل في البراري ويصلِّي. «(16:5 و42:4 و37:21)

ثم يأتي سفر الأعمال
ليبيِّن كيف تمثَّلت الكنيسة بمعلِّمها وصارت تصلِّي بلجاجة في كل مناسبة (14:1
و42:2و46 و1:3 و24:4 و5:12و12 و2:13-3 إلخ …)

( ج ) التسبيح:

إنجيل القديس لوقا
يعتبر أكثر سفر في العهد الجديد أغنى الكنيسة بالتسابيح الإنجيلية التي دخلت في
صميم طقس الصلوات في الكنيسة شرقاً وغرباً.

فهو الذي ذكر تسبحة
القديسة العذراء:
» تعظِّم نفسي الرب «(46:1-55) وتُدعى في الغرب Magnificat،
وتسبحة أليصابات:
» مباركة أنتِ في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك «(42:1)، وتسبحة زكريا الكاهن: » مبارك الرب
إله إسرائيل …
«(68:1-79) وتُدعى Benedictus، وتسبحة الملائكة: » المجد لله في الأعالي
«(14:2) وتُدعى Gloria in excelsis، وتسبحة سمعان الشيخ: » الآن يا سيدي تطلق عبدك
بسلام …
«(29:2-32) وتُدعى Nunc dimittis. وهذه التسابيح تتكرر بكثرة في الكنيسة القبطية في شهر كيهك،
ويُقال بعضها يومياً في صلاة باكر وصلاة النوم في الأجبية كما تُقال في سحر سبت
النور.

وبخلاف هذه التسابيح
الخمسة التي دخلت طقس الصلاة في الكنيسة نجد ق. لوقا يميل دائماً وفي كل مناسبة أن
ينهي القصة وعلى الأخص المعجزات بعبارة تبرز انبهار الجموع وفرحهم وتسبيحهم لله:

+ » وجميع الشعب
إذ رأوا سبحوا الله.
«(43:18)

+ » وفرح كل
الجمع بجميع الأعمال المجيدة الكائنة منه.
«(17:13)

+ » وكانوا
يفرحون ويسبِّحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروا.
«(37:19)

+ » فبُهت
الجميع من عظمة الله …
«(43:9)

+ » ومجَّدوا
الله قائلين …
«(16:7)

+ » ارجع إلى
بيتك وحدِّث بكم صنع الله بك.
«(39:8)

+ » فلمَّا رأى
(الأبرص) أنه شُفي رجع يمجِّد الله بصوت عظيم.
«(15:17)

+ » ففي الحال
استقامت ومجَّدت الله.
«(13:13)

+ » فأخذت
الجميع حيرة (دهش) ومجَّدوا الله قائلين: إننا قد رأينا اليوم عجائب.
«(26:5)

وينتهي الإنجيل كما
ابتدأ بنبرة الفرح والتسبيح:

+ » ورجعوا إلى
أُورشليم بفرح عظيم وكانوا كل حين في الهيكل يسبِّحون ويباركون الله.
«(52:24-53)

( د ) عطف المسيح على
الخطاة:

القديس لوقا هو الوحيد
الذي ذكر مَثَل الابن الضال وأبرز فيه حنان الله كآب وسعة قلبه نحو البشرية
الخاطئة (11:15-32). وكذلك انفرد بذكر قصة المرأة الخاطئة التي غُفرت خطاياها
الكثيرة لأنها أحبَّت كثيراً (47:7). وهو الوحيد الذي ذكر وعد الرب الجميل الفريد
المفرِّح لقلب الخطاة حينما أعلن للص اليمين عفواً إلهياً كاملاً وعبوراً للفردوس
معه في نفس اليوم الذي تعيَّن أن يفتتحه لحساب الإنسان التائب! (43:23)

وعلى مدى الإنجيل كله
لا يترك ق. لوقا مناسبة تفوته ليذكر فيها كيف كان الرب
» محباً
للعشارين والخطاة
«(34:7)،
وأنه كان يأكل معهم (30:5) ويعتبرهم هم موضوع رسالته (32:5)، وأنهم كانوا مواظبين
على تعليمه (1:15)، وأنه احتمل الانتقاد بسبب صداقته لهم
» إنه دخل
ليبيت عند رجل خاطئ
«(7:19).
كما ذكر مقدار الفرح العظيم الذي يكون في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من 99 باراً
لا يحتاجون إلى توبة. وإن كان مثل الخروف الضال له ما يقابله عند ق. متى (مت
12:18) إلاَّ أن ق. لوقا زاده تأكيداً بأن أضاف إليه مثل المرأة التي لها عشرة
دراهم وأضاعت درهماً واحداً فكنست البيت حتى وجدته (8:15و9)، ويعود بعده ويكرِّر
القول:
» هكذا يكون فرح قدَّام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب. «(10:15)

( ه ) تزكية الفقراء
والتنديد بالمال:

هذا أيضاً اتجاه واضح
عند ق. لوقا. فهو الوحيد الذي ذكر مَثَل الغني الغبي (16:12-21) ومَثَل الغني
ولعازر (19:16-31)، وهو الوحيد الذي ذكر قول الرب:
» انظروا
وتحفَّظوا من الطمع، فإنه متى كان لأحد كثير فليس حياته من أمواله
«(15:12). واقتبس من ق. متى القول: » لا تقدرون
أن تخدموا الله والمال
«(13:16) ولكنه أضاف أن الرب قال هذا في مقابل الفريسيين » وهم محبون
للمال فاستهزأوا به
«(فكان
ردّه عليهم بمثل الغني ولعازر).

كذلك اقتبس من ق. مرقس
قصة الشاب الغني (18:18-27) مع التحذير على صعوبة دخول الغني إلى ملكوت الله أكثر
من مرور جمل من ثقب إبرة، وأيضاً قصة الأرملة ذات الفلسين التي ألقت أكثر من
الجميع (1:21-4)، واقتبس من ق. متى تطويب الرب للمساكين، ويُلاحَظ أنه بينما ق.
متى حصرها في المسكنة الروحية
» طوبى للمساكين بالروح « أوردها ق. لوقا بصفة أكثر شمولاً وبدون تحديد » طوباكم أيها
المساكين (
ptwco… = الفقراء) «(20:6) حتى تشمل الفقر المادي أيضاً. وزادها تأكيداً بأن أردفها
بالويل للأغنياء:
» ويل لكم أيها الأغنياء لأنكم نلتم عزاءكم «(24:6)، وهو نفس المبدأ الذي استخلصه من قصة الغني ولعازر: » اذكر أنك
استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا، والآن هو يتعزَّى وأنت تتعذَّب
«(25:16). وهذا الاتجاه واضح منذ أول أصحاح في الإنجيل في تسبحة
العذراء:
» أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين «(53:1). ومنذ بدء خدمة المسيح يذكر أن إنجيله موجَّه بصفة خاصة
للمساكين:
» مسحني لأُبشِّر (بالإنجيل) المساكين «(18:4) » والمساكين يُبشَّرون «(22:7). ويذكر ق. لوقا وصية الرب لمن يصنع ضيافة أن لا يدعو » الجيران
الأغنياء
«بل » ادعُ المساكين الجدع
والعرج والعمي
«(12:14و13)، ثم
يزيد على ذلك أن الرب نفسه يفعل هكذا في وليمته الأبدية:
» أدخِلْ إلى
هنا المساكين والجدع والعرج والعمي
«(21:14). ويُلاحَظ في جميع هذه الآيات أن كلمة المساكين ptwco… هي نفسها التي تُترجم في مواضع أخرى » الفقراء
«(مثلاً في: لو 22:18 ويو 5:12و6 و29:13 إلخ).

( و ) تكريم المرأة:

اختص القديس لوقا دون
غيره من الإنجيليين بإعطاء صورة روحية واضحة لشخصية القديسة العذراء ولشخصية
أليصابات في الأصحاحين الأول والثاني من إنجيله. كذلك انفرد بذكر حنَّة النبية:
» وهي أرملةٌ
نحو أربعٍ وثمانينَ سنةً لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً
«(37:2). وكذلك هو الوحيد الذي ذكر أرملة نايين (11:7-17) والمرأة
الخاطئة التي أحبَّت كثيراً (47:7) والمرأة المنحنية التي شُفيت (11:13-13) وزيارة
الرب لمريم ومرثا حيث الأُولى
» اختارت النصيب الصالح
الذي لن يُنزع منها.
«(42:10)

وهو الوحيد الذي ذكر
امرأة الزحمة التي رفعت صوتها بالتطويب لصاحب التطويبات ولأُمه (27:11)، وإن كان
بقية الإنجيليين قد ذكروا النسوة اللواتي تبعن الرب من الجليل إلاَّ أنه الوحيد
الذي ذكر أنهن
» كن يخدمنه من أموالهن «(2:8و3)، وأيضاً انفرد بذكر قول الرب لبنات أُورشليم وهو في طريقه
إلى الجلجثة (28:23)، وبعد ذلك اشترك مع بقية الإنجيليين في ذكر المريمات اللواتي
أتين إلى القبر وكُنَّ أول مَنْ بشَّر بالقيامة.

 

شرح إنجيل القديس لوقا
على مدى العصور

– والنقد الذي وجه إليه

 

قبل أن أعرض تاريخ
الشرح والنقد، أوضِّح للقارئ أن العلماء الذين اضطلعوا بدراسات الكتاب المقدَّس،
منهم الآباء القديسون بطاركة وأساقفة وكهنة، ومنهم العلمانيون من كل عقيدة، ونحن
لا نقرِّظ العالم إلاَّ على علمه وعلى روحانيته حتى يطمئن القارئ أننا نبحث بعقلية
روحانية. وإن كنَّا نذكر علماء الغرب فذلك بقصد العبور على عصور سحيقة لم يكن فيها
للأرثوذكس الذين يمكن أن نكتفي أو نعتمد عليهم دراسات أو شروحات، فكل العصور
الوسطى كان الظلام يخيِّم فيها على الشرق كله. ونحن على كلٍّ ندعو الله أن يمنَّ
على كنيستنا الأرثوذكسية القبطية بعصر جديد تتبوأ فيه ما هي أحق به من العلم
اللاهوتي والروحي.

أولاً: إنجيل القديس
لوقا في القرن الثاني الميلادي:

كما سبق وقلنا إن أول
إشارة صريحة وصلتنا عن إنجيل القديس لوقا هي عن القديس إيرينيئوس وتاريخ مدوَّناته
سنة 185م، ولكن عندنا ما يؤكِّد أن استخدام إنجيل ق. لوقا في الكنيسة كان قبل ذلك
بواسطة كتابات أشخاص كنسيين وقادة بعض الشيع كالغنوسيين([58]).

وأول ذلك الديداخي،
وهي من مدوَّنات القرن الأول حسب أبحاث العلماء المتخصِّصين، وهي تحوي النظام
والتدبير الكنسي وأقدم تقليد للكنيسة، وهي تدخل برمتها كجزء من القوانين الرسولية
(الجزء السابع). ويعتقد العالِم أودت([59])
أنها ترجع إلى سنة 60م، أمَّا العالِم دوشان فيقول: إنها معاصرة لتراجان (توفِّي
سنة 117م) وموطنها غالباً سوريا وليس مصر كما كان يُعتقد، وتتوارد في الديداخي بعض
العبارات من إنجيل ق. متى وإنجيل ق. لوقا وربما إنجيل ق. يوحنا أيضاً.

ثم نأتي إلى الشهيد
يوستين
الذي استخدم إنجيل ق. لوقا في وصف حياة المسيح وتعاليمه، وفي دفاع
يوستين الأول استخدم عبارات من إنجيل ق. لوقا، خاصةً التي جاءت في قصة الميلاد عن
أليصابات والدة المعمدان وبشارة العذراء مريم وأخبار كيرينيوس الوالي والنزول في
بيت لحم، وذكر عمر المسيح 30 سنة عند بدء الخدمة كما جاء في إنجيل ق. لوقا، وإرسال
بيلاطس المسيح ليُحاكَم عند هيرودس. كل هذا وغيره في كتاباته التي يرقى زمانها إلى
سنة 150م.

وأهم الهراطقة الذين
حازوا نسخة من إنجيل ق. لوقا هو ماركيون، وقد اختار بعض الأجزاء من الكتب
المقدَّسة واعتبرها هي وحدها الأسفار القانونية، ومنها إنجيل ق. لوقا، واستخدمه
وذلك بين سنة 139 – 144م. ولكن التأكيد الأقوى الذي بلغنا عن وجود الأربعة أناجيل
في القرن الثاني في الكنيسة قد جاء من تاتيان الذي حاول أن يجمع بينها
ويُخرج إنجيلاً واحداً أسماه الدياتِسارون
Diatessaron
وكان ذلك في سنة 170م في روما. وأثناء ذلك كان القديس إيرينيئوس في بلاد
الغال يعتبر الأربعة أناجيل هي أربعة أعمدة الكنيسة([60]). وفي
نفس الوقت كانت الأربعة أناجيل قد بدأ ذكرها في أنطاكية حوالي سنة 180م على يد
أسقف أنطاكية المدعو ثاوفيلس. وقد أخبرنا ق. جيروم([61]) أن هذا
الأسقف ثاوفيلس حاول محاولة تاتيان في استخراج إنجيل من الأربعة أناجيل، وهي
العملية التي رفضتها الكنيسة شرقاً وغرباً.

كما يمدنا العالِم
شمدت([62])
بأنه قد اكتشف وثيقة سُمِّيت رسالة الرسل
Epistula Apostolorum
وفيها آيات من الأربعة أناجيل وهي من مدوَّنات أسيا الصغرى سنة 160 م تقريباً.

وهكذا نرى من جهة تاريخ
التعرُّف على إنجيل ق. لوقا واستخدامه أن أقواله ثُبِّتت في تربة الكنيسة قبل
أواخر القرن الثاني مع الثلاثة أناجيل الأخرى، كما تحدَّد في قانون الكتب الكنسية
المقدَّسة ودخل إنجيل لوقا ضمن الأربعة أناجيل عبر مراحل تاريخ الشرح.

مكانة إنجيل القديس
لوقا في الكنيسة الأُولى بين الأربعة أناجيل:

بدأت الكنيسة في عصرها
الأول شديدة التأثر بإنجيل ق. يوحنا خاصة في الشرق وعلى وجه التحديد مصر، وبعد
العصر الأول الذهبي لإنجيل القديس يوحنا بدأت الكنيسة تنتبه إلى إنجيل ق. متى بسبب
مجموع أقوال الرب والأمثال والنبوات التي أضاءت الطريق. وبعدها جاء إنجيل ق. لوقا
بسبب الأصحاحين الأولين عن البشارة وميلاد المسيح. أمَّا إنجيل ق. مرقس فتعطَّل في
اللحاق بالأناجيل للإشاعة التي أذاعها بابياس أسقف هيرابوليس أن ق. مرقس لم يَرَ
المسيح ولم يسمعه، وذلك عن قصور واضح في إدراكه للإنجيل. ثم إن الآباء أُعثروا في
اختصار إنجيل ق. مرقس إذ حسبوه مختصراً لأناجيل ق. متى والقديس يوحنا والقديس لوقا
ولم يأتِ بشيء جديد، في حين أنه كان هو المصدر الأساسي الذي أخذوا منه وأضافوا ما
أضافوا من التقليد والمصادر الأخرى.

وبقي إنجيل ق. لوقا في
وضعه بالنسبة لأهميته بعد إنجيلي ق. متى والقديس يوحنا، ولكن بسبب الأصحاحين
الأولين عن ميلاد الرب احتفظ بمكانة خاصة. وهكذا استقر مركز إنجيل لوقا في ذهن
الكنيسة كالثالث في المرتبة بعد إنجيلي ق. يوحنا والقديس متى، وذلك بالأكثر في
الغرب الذي انتحى تقليد ترتليان في جعل الإنجيلين الرسوليين يوحنا ومتى أولاً
وبعدهما إنجيلي ق. لوقا والقديس مرقس. وهكذا ظهرت في مخطوطة
Bezae
(ورمزها
D) وفي مخطوطة Freer (ورمزها W) ومعظم المخطوطات اللاتينية القديمة حيث ترتيب الأناجيل فيها: متى
ثم يوحنا ثم لوقا ثم مرقس.

ثانياً: عصر الآباء:

يبدأ العلماء عصر
الآباء بأوريجانوس المصري باعتباره أبو شرَّاح الإنجيل قاطبة([63]) إذ
قدَّم شرحه لإنجيل ق. لوقا في خمسة أجزاء([64]).
وللأسف الشديد فقد فُقدت كلها، ولكن لحسن الحظ أبقى لنا الزمن عظاته على إنجيل ق.
لوقا باللغة اللاتينية([65])
بقلم ق. جيروم، والتي كان قد ألقاها في قيصرية بعد انسحابه من مصر وإقامته في
قيصرية وذلك سنة 231م، وقد ترجمها جيروم إلى اللاتينية وهو في مقره في بيت لحم سنة
389م، وعددها 39 عظة: العشرون عظة الأُولى عن الأصحاحين الأول والثاني، والثلاث
عشرة عظة التالية على الأصحاحين الثالث والرابع، والست عظات الباقية على أجزاء
متفرِّقة من أصحاح 10 إلى أصحاح 20. ولكننا نعلم تماماً أنه كتب شروحات أخرى على
الإنجيل ولكنها ضاعت. وكانت كلها قائمة على تقليد كنيسة الإسكندرية الأول، ولكن
المعروف عنها أنها حيَّة تأخذ بالقلب كعادة كتابات أوريجانوس وتلقي أضواءً على
الإيمان المسيحي وتقليد الكنيسة في القرن الثالث للكنيسة. وعلى سبيل المثال، فإن
العظة (17) على (لو 2: 33-36) عنَّف فيها بشدة الزيجة الثانية (بسبب الطلاق
أو موت الزوجة الأولى)، أمَّا العظة (23) على (لو 3: 9-12) فعنَّف فيها
بشدة الذين يقولون بقرب زمان النهاية.

والذي يسترعي انتباهنا
جداً أن أوريجانوس كان يعتبر نص الإنجيل كغطاء سرِّي يحوي بداخله حقائق عميقة
وافتقاداً إلهياً، وقد حدَّد هذا المعنى وشرحه في العظة الثانية عشرة على (لو
2: 8-10). ومن درر أوريجانوس يقول العالِم كريد – الذي نأخذ عنه – أنه في هذه
العظة 12 على بشرى الملائكة للرعاة يسأل أوريجانوس: هل يقصد الله ظهور ملائكة
لرعاة مرَّة وحسب؟ أبداً، اسمعوني يا رعاة الكنيسة، يا رعاة الله، فملائكة الله هي
دائماً تنزل من السماء لتعلن لكم كل يوم أن هذا هو يوم الخلاص إذ
» ولد لكم
اليوم مخلِّص هو المسيح الرب
« بل وأيضاً معاني أخرى مقدَّسة يمكننا أن نستشفها، فللرعاة ملائكة
خاصة الذين يرشدون تدبير خدمة الشعب، وتوجد ملائكة هم أنفسهم الرعاة الذين يحملون
هَمَّ خدمة الناس… أمَّا عظته الأُولى فكانت على الأربعة أناجيل، والعظة الثالثة
عن طبيعة الملائكة، والسادسة عن لماذا وُلد المسيح من عذراء مخطوبة؟

ويقول العالِم كريد –
الذي نأخذ عنه – إن مَنْ يريد أن يستمع إلى عظات أوريجانوس في اختصار بديع عليه أن
يعود إلى عرض العالِم
B. F.
Westcott
لها في Dict. of Chr. Biogr. (art. Origenes).

ومن شروحات الآباء
أيضاً يوجد بين أعمال العلاَّمة يوسابيوس القيصري في مجموعة
Migne (P. G. XXIV, 529-606) أجزاء من شرحه على إنجيل ق. لوقا، وهي مستخلصة من الكاتينات (وهي
شروحات مسلسلة على الإنجيل من مختلف الآباء) وهم حوالي 52 جزءاً على إنجيل ق. لوقا،
ويُلاحَظ أن يوسابيوس ينتحي المنهج الأوريجاني في الشرح.

كذلك توجد أجزاء من
إنجيل ق. لوقا مشروحة بقلم القديس أثناسيوس وهي مطبوعة في مجموعة ميني
(P.
G. XXVII, 1391-1404) Migne

وهي أيضاً مستخلصة من الكاتينات.

كذلك توجد أجزاء كثيرة
للآباء الشرَّاح الذين عاشوا في القرن الرابع وكتبوا باليونانية، الذين شغفوا
بإنجيل ق. لوقا أمثال تيطس أسقف بصرة (وهذه الأسقفية كانت موجودة شرق
فلسطين على حدود الامبراطورية مع الصحراء العربية)، وقد وضع عظاته على إنجيل لوقا
بين سنة 364 و375، وقد وصلتنا أجزاء منها ضمن شرح مسلسل (كاتينة) على إنجيل لوقا
لعدة آباء آخرين، وهذه الكاتينة جُمعت في القرن السادس، وفيها يقاوم تيطس مبادئ
المانيين
Manichees، وهو تابع للمدرسة الأنطاكية. أمَّا بخصوص شرَّاح أنطاكية العظام
مثل ديودور الذي من طرسوس وثيئودور من مبسوسطا فيقال إنهما قاما
بشرح كل أجزاء أسفار الكتاب المقدَّس وقد تبقَّى من شرح ثيئودور على إنجيل ق. لوقا
أجزاء قليلة([66]).

أمَّا آخر شرح لإنجيل
ق. لوقا من عظام الشرَّاح الناطقين باليونانية في عصر الآباء فهو للقديس كيرلس
عمود الدين، وقد وصلنا في نسخة تكاد تكون كاملة باليونانية، وهو موجود في مجموعة
ميني
Migne([67])
ضمن شروحاته الكثيرة، ولو أن أجزاء قليلة مفقودة من النسخة اليونانية ولكن حُفظت
له نسخة كاملة باللغة السريانية وهي موجودة ضمن مخطوطات المتحف البريطاني، وقد قام
بنشرها باللغة السريانية العالِم
Payne
Smith
بأكسفورد سنة 1858، ثم
نشرها بالإنجليزية سنة 1859، وتوجد تحت يديَّ نسخة كاملة باللغة الإنجليزية. كما
وُجدت أجزاء منها في صحراء نتريا وقد قام بإخراجها العالِم
W. Wright
بلندن سنة 1874. ومعروف أن نسخة
Payne أُخذت من مكتبة دير السريان، ولا تزال مجموعة من المخطوطات
السريانية موجودة هناك وقد اكتُشفت والكاتب موجود بالدير ومعاصر لنقلها من قلاية
سرِّية تحت ركن الدير الشرقي البحري إلى المكتبة الرسمية حوالي سنة 1954، وقام
بفحصها العالِم المرحوم الدكتور مراد كامل. ومعروف أن شروحات ق. كيرلس الكبير على
العهد الجديد كتبت بعد سنة 428م لأنه في شرحه على إنجيل ق. يوحنا يذكر هرطقة
نسطور([68]).

والمُلاحَظ أن كتابة ق.
كيرلس الكبير عقائدية إلى حد كبير، فعسير علينا أن نجد مجرَّد مقطع من أصحاح يخلو
من نقطة عقائدية يجحد فيها مبادئ نسطور شارحاً ما يخص المسيح بصبر طويل، ولكنه على
أي حال – كما يقول العالِم كريد
Creed – لا يميل كثيراً إلى الرمزية التي اشتهرت بها الإسكندرية. ففي
قصة الابن الضال يرفض الرمزية التي لجأ إليها غيره من الشرَّاح.

أمَّا في الغرب فنجد
شرحاً مطوَّلاً للقديس أمبروسيوس يُقال إنه بصعوبة يستطيع المرء أن يتابعه
لتعقيده([69]).
يأتي بعد ذلك ق. أغسطينوس في شرحه لأجزاء من إنجيل ق. لوقا، وهو يختلف
كثيراً عن ق. أمبروسيوس، ويقدِّمه في صورة 52 مسألة تكوِّن الكتاب الثاني من
مؤلَّفه الذي دعاه: “المسائل الإنجيلية
Quaestionum evangeliorum
المشهور لأُغسطينوس، ولكنه يميل فيه إلى الرمزية الخيالية على حد قول العالِم
كريد. والرمزية عند ق. أُغسطينوس تخرج عن الواقعية، فمثلاً في شرح مثل السامري
الصالح، فالمسافر جعله هو الجنس البشري، وأُورشليم تمثِّل مدينة السلام التي تركها
الإنسان الساقط، وأريحا اسمها يعني القمر الذي بتغيّره من حال لحال يمثل الموت
كنهاية الرجل الساقط على الأرض، والسامري الصالح هو المخلِّص، والزيت والخمر هما
الوصيتان عن المحبة، والفندق حيث أودعه هو الكنيسة، والمدة بين الحادث وعودة
السامري هي المدة الباقية على القيامة. وأيضاً يمثِّل الاثنين والسبعين تلميذاً
بعالَم النور الذي نشره الإنجيل على أساس الثالوث، لأن الشمس تأخذ 24 ساعة في
الدورة الواحدة، وفي ثلاث دورات باسم الثالوث (24×3= 72). وهكذا تستمر الرمزية
تفقد مصداقيتها حتى إلى الصفر.

ويقول العالِم كريد:
إنه بالرغم من الخيال الممتد في شرح ق. أُغسطينوس إلاَّ أن الإنسان لا يعدم
الإحساس بعقلية ناضجة وأستاذية عميقة. وقد كتب أُغسطينوس كتبه الأربعة عن “اتفاق
البشيرين([70])
De Consensu Evangelistarum” سنة 400م وفيها يحاول التوفيق بين الأربعة أناجيل. وكانت نظرته
لإنجيل ق. مرقس أنه عبارة عن مختصر لإنجيل ق. متى. ويوضِّح اعتقاده أن الروح القدس
هو الذي ألهم الإنجيليين الأربعة لكتابة الأناجيل الأربعة على تنوعها، وأنه يؤمن
أنه لا يوجد أي اختلاف أو تباين بينها.

بعد أُغسطينوس يأتي
أرنوبيوس (توفِّي سنة 451) وقدَّم شرحه لأجزاء من أناجيل متى ولوقا ويوحنا ولكنها
نُسبت بعد ذلك عن طريق الخطأ إلى ثاوفيلس الأنطاكي.

وفي زمن أرنوبيوس يأتي
أسقف ليون المدعو أوخيريوس
Eucherius
of Lerins
سنة 424م الذي توفِّي سنة
450م. وقد كتب كتابين للتعليم وفي أحدهما يتكلَّم عن إنجيل ق. لوقا ولكن على مستوى
ضعيف.

ثالثاً: من القرن
السادس حتى نهاية العصر الوسيط:

بعد القرن الخامس من
التاريخ المسيحي توقَّف نبض الحركة الجادة في شرح الإنجيل حتى انتهت تماماً. وإلى
ألف سنة بعد ذلك ويزيد، اقتصرت حركة التأليف على محاولة لتجميع واستخلاص ملخَّصات
عن كتب سالفة للآباء، وما أقلَّها. وفي مجال شرح الإنجيل انحصر التأليف في تجميع
ما عُرف بالسلاسل
Catenae وهي عبارة عن شرح مسلسل للإنجيل يورِد بخصوص كل آية أقوال العديد
من الآباء الخاصة بهذه الآية. أمَّا نقطة الانتقال من عصر الآباء إلى عصر التجميع
فيمكن تحديدها بصدور القانون 19 من مجمع تروللان سنة 692م([71])
Trullan Synod الذي دعا إليه جوستنيان الثاني. وهذا القانون يأمر رجال الكهنوت
بأن تنحصر شروحاتهم في الأسفار على ذكر شروحات الآباء، وأن يمتنعوا البتة عن أي
شرح شخصي. وأهم السلاسل التي وضعت في شرح إنجيل ق. لوقا:

1 – السلسلة التي تحمل
اسم تيطس أسقف بصرة التي سبق أن ألمحنا إليها. وهي تركِّز أساساً على أقوال كيرلس
الكبير ثم أقوال تيطس نفسه وغيره من الآباء مثل أثناسيوس وباسيليوس وغريغوريوس
النزينزي والنيسي وذهبي الفم وديونيسيوس الأريوباغي وإيسيذوروس الفرمي، وهي ترقى
تقريباً إلى القرن السادس.

2 – السلسلة التي نشرها
العالِم كرامر([72])
وهي عبارة عن توسُّع لسلسلة تيطس وآخر مؤلِّف مذكور فيها يُدعى ثالاسيوس (سنة
650م) والسلسلة نفسها ترقى إلى سنة 700م. وتحوي حوالي 50 قولاً لتيطس من بصرة،
ومؤلفها يرجع إلى الأصول الأُولى للأقوال التي يذكرها.

3 – سلسلة نيسيتاس Nicetas([73])
على إنجيل ق. لوقا. وهي مؤرَّخة بسنة 1080م حينما كان مؤلّفها شماساً ومعلِّماً
Didaskalos لكنيسة هاجيا صوفيا (وقد صار بعد ذلك أسقفاً على هيراقليا Heraclea in Thrace).

أمَّا في كنيسة الغرب، فبعد سقوط
الامبراطورية الغربية كان أول عمل بالنسبة للإنجيل الذي يستحق أن يُذكر هو للعالم
الموقَّر بيدا
Bede وهو محسوب قديساً كاثوليكياً، ولد سنة 673 وهو أبو التاريخ
الإنجليزي([74])
وتوفِّي سنة 735م. فشرح العالِم بيدا، كما يخبرنا هو نفسه في تقديم هذا الشرح في
رسالته إلى أكَّا، هو تجميع من كتابات الأربعة معلمين [الدكاترة] اللاتين الكبار
وخاصة أمبروسيوس.

ثم تأتي الموسوعة
المسمَّاة “جلوسا أورديناريا
Glossa
Ordinaria
”([75]) وهي
تحوي شرحاً كاملاً للكتاب المقدَّس كله، وهي من أعمال والافريد سترابو
Walafrid Strabo وهو رئيس دير ريشينو Reichenau المتوفِّي سنة 849م، فكانت عبارة عن تجميع من الآباء مع إضافات
جديدة قليلة وهي تمثِّل النهضة العلمية
Carolingian Renaissance
في عصر شرلمان وكانت هي الحُجَّة الكبرى في شرح الإنجيل في العصور الوسطى حتى أن
بعض الكتَّاب اللاحقين مثل بطرس لمبارد
Peter Lombard
كانوا يستشهدون بها بمجرَّد اسم “الحجَّة
auctoritas”.

وفي القرن الثاني عشر
تضخَّمت الجلوسا أورديناريا
Glossa
Ordinaria
على يد “عالِم العلماء”
أنسلم الذي من لاون
Anselm of Laon (توفِّي سنة 1117م) وبواسطة تلميذه جلبرت من بوريه Gilbert of Porrée (توفِّي سنة 1154م). وهذه النسخة المزيدة عُرفت باسم جلوسا
إنترلينارس
Glossa interlinearis ولكنها لم تتفوَّق على سابقتها وجرت العادة أن يستشهدوا بكلتيهما
جنباً إلى جنب.

أمَّا الشُّرَّاح
الآخرون لإنجيل ق. لوقا فمنهم:

كريستيانوس دروثمارس Christianos Druthmarus توفِّي سنة 850م([76]).

وبرونو أستنسيس Bruno Astensis توفِّي سنة 1125م([77]).

وألبرت الكبير (من
قديسي الغرب)
Albertus Magnus توفِّي سنة 1289م.

والتاريخ المدرسي([78]) Historia Scholastica لبطرس
كومستور (من القرن الثاني عشر)، وهو الكتاب الشائع الشعبي في العصر الوسيط في عرض
تاريخ الكتاب المقدَّس، ويحوي فصلاً في تاريخ الأناجيل، وهو يهدف إلى التوفيق بين
الأربعة أناجيل.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد جديد إنجيل مرقس 12

ويلي ذلك كتابات توما
الأكويني المشهور
Expositio
Continua
أي الشرح المتواصل
للأربعة أناجيل، وحاز على اسم “السلسلة الذهبية” سنة 1321م وهو أعظم كتاب لشرح
الإنجيل في العصر الوسيط، ويتميَّز بأنه لم يكتفِ بالرجوع إلى الآباء اللاتين مثل
أمبروسيوس وأغسطينوس وغريغوريوس الكبير؛ بل لجأ أيضاً إلى العديد من الآباء
الأوائل العظام الذين كتبوا باليونانية، ولكن أكثر مراجعه اهتماماً كان كيرلس
الإسكندري وأغسطينوس.

رابعاً: من عصر النهضة
حتى قيام عصر النقد:

كلما اقتربنا من العصر
الحديث زادت الدراسات والكتابات في الأناجيل بكثرة، حتى أصبح من الأرجح أن نقدِّم
حقائق لا نصوص، مع إيضاح مميزات الكتب في المراحل التي عبر عليها شرح الإنجيل.

انتهى عصر تجميع أقوال
الآباء مع إحياء التعليم الديني في القرن السادس عشر، فالآباء صاروا معروفين
ويُقرأ لهم وتُطبع كتبهم – وطبعاً هذا لا ينطبق على مصر – وبدأت روح العصر الجديد
تتجسَّد في الشخصيات الأجنبية بالنسبة لنا نحن في مصر وعلى الأخص في شخص إرازموس
Erasmus الفائق القدرة على المعرفة، ونبَّهت العقول إلى أهمية اللغة
اليونانية وإعادة طبع الكتب المؤلَّفة بها وخاصة أسفار العهد الجديد. وفي القرن
الخامس عشر مهَّد الطريق لورنتيوس فلاَّ
Laurentius Valla
لمَّا نشر باللغة اليونانية كل كتب العهد الجديد. ثم جاءت طبعة إرازموس المشهورة
(1469-1536م)، ومعها ترجمة لاتينية جديدة مع ملاحظات ضافية في الحواشي تخرج
أحياناً إلى إظهار عيوب وعوارض الأخطاء السائدة في الحياة المسيحية بالنسبة إلى
مستوى تعاليم المسيح، وهو ما كان يصبو إليه إرازموس.

وهكذا ابتدأ الوعي
بالإنجيل ينفتح بدراسة صادقة حقيقية وبآن واحد مراجعة للأحوال الكنسية، فظهر
إرازموس كمجدِّد لنهضة أخلاقية إنجيلية ولغوية (بسبب إحياء اللغة اليونانية) بصورة
واضحة، وابتدأ عصر العقيدة مع النهضة.

وكان إرازموس قد قدَّم
للعهد الجديد باللغة اليونانية مقدِّمات للأناجيل مع ترجمة حياة الإنجيليين من
كتاب جيروم المسمَّى “مشاهير الرجال
De
viris illustribus
”، ومع كل إنجيل
المقدِّمة والتعليقات التي كتبها عنه ثيوفيلاكت. وقد شرح إرازموس الأسفار بتفاسير
من عنده وجعل الرسائل في الأول. أمَّا شرح إنجيل ق. لوقا فقد ظهر في سنة 1523م مع
تقدمة تكريم لهنري الثامن، ثم تلاه إنجيل ق. متى والقديس يوحنا، وقد صار هذا
مرجعاً لتفسير الأناجيل. وفي تفسيرات إرازموس نجده يتتبع الآباء ولكن بحريَّة
ويلجأ إلى الرمزية أحياناً. وكان بذلك هو الوصلة بين المنهج القديم في فهم الأناجيل
والجديد المنفتح على الدراسة العلمية، حيث جاء المجدِّدون، وكانت عثرة الرمزية
ثقيلة عليهم، فنبذها العلماء وابتدأوا يخطون خطواتهم في التحديث ملتزمين بالمعاني
الحرفية.

أما نجم الشُّرَّاح في
القرن السادس عشر فكان اللاهوتي ثيئودور بيزا
Theodore Beza سنة 1519- 1605م.

وكان نجم الشُّرَّاح في
القرن السابع عشر هو جروتيوس
Grotius القاضي واللاهوتي سنة 1583-1645م. وهو عالم حقيقي لا يزال يؤخذ
بآرائه حتى الآن، لأنه كان ذا إيمان وروحانية ومعرفة روحية، وقد أحبَّته جميع
الطوائف الدينية فكان صديقاً للكاثوليك والأرمن.

كما ظهر في القرن
السابع عشر العالِم الكبير هنري هاموند
Hammond
سنة 1605-1660م المسمَّى أبو كافة الشُّرَّاح بالإنجليزية
The Father of English Commentators وكمثل جروتيوس كان يتحاشى المجادلات المنتشرة في عصر الإصلاح،
وككل عالِم يأتي مطالباً بتجريد منهج الشرح من الزوائد والعيوب والرمزية
والتشبيهات غير المحتملة، وكان يزكِّي الإلهام الشخصي. وقد شرح كل كتب العهد
الجديد سنة 1653م، وكان يحترم سابقه جروتيوس للغاية ويأخذ بكل مقولاته.

أمَّا النصف الأول من
القرن الثامن عشر فيتقاسمه اثنان: الأول: يوأنس ألبرخت بنجل
Bengel (1687-1752م)، وهو أسقف لوثري مدبِّر لكنيسة في مدينة ورتنبرج وهو
حكيم مفوَّه بليغ العبارة محب للتقليد والآباء وشارح مدرسي لا يُشَقّ له غبار، وقد
شرح كل العهد الجديد. ويُعتبر بحق أول باكورة العمل الإنجيلي على أصول علمية
وروحية([79]). أمَّا
الثاني: فهو يوأنس ياكوب وتشتاين
Wettstein (1693-1754م). وهو
عالِم عالي القدر وأستاذ في كلية لاهوت بمدينة أمستردام، بعدما طُرد مرَّتين من
بازل بسويسرا بدعوى أنه خارج عن الأرثوذكسية. وبقيت تعاليمه حيَّة في تعليقاته
ودراساته النقدية لنص أسفار العهد الجديد كلها، وهي تعاليم مكدَّسة بالمراجع
اليهودية الربَّانية لا يزال يُؤخذ بها ويأخذ عنها جميع المفسرين لأسفار العهد
الجديد.

خامساً: مرحلة الاشتغال
بالنقد وكيف خرج منها إنجيل القديس لوقا أكثر وثوقاً بأصالته:

وهذه المرحلة تُعتبر
بدء الفحص في أصالة الأسفار بعد أن كانت تُعتبر كتباً مسلَّمة مقبولة على أساس
سلطة القدماء كقانون. وأول مَنْ تلقَّاها بالفحص هو سملر الذي تخصَّص في تاريخ
العصر الكنسي المبكِّر، فنبَّه الأذهان إلى أنه في القرن الثاني الكنسي لم يكن
هناك قانون خاص يحدد هذه الأسفار، فبدأت دراستها بدون اعتبار لموضوع الإلهام فيما
يخصَّها. ويُعتبر كتاب “لسنج
Lessing” الصغير هو أصل أو بداية النقد في دراسة الأسفار المقدَّسة وذلك
سنة 1778م، وتمَّ طبعه سنة 1784م([80])
معتبراً أن هذه المجموعة عُملت بيد بشرية وحسب، وأن هذه الكتب القانونية منحدرة من
أصل أرامي مكتوب بسنوات قليلة بعد صلب المسيح، ثم جاءت أناجيل ق. متى والقديس لوقا
والقديس مرقس كترجمات حرَّة إلى اليونانية لعدة أصول مختلفة من هذا الإنجيل
الأرامي البدائي. وقد وافق على نظرية لسنج العالِم
Eichorn
سنة 1804م. ثم جاء العالِم
Griesbach واعتمد على نظرية ق. أغسطينوس الذي قال بأن إنجيل ق. مرقس هو
مجرَّد مختصر من إنجيل ق. متى، وفيها يقول العالِم جريسباخ
Griesbach
إن إنجيل ق. متى كُتب أولاً باليونانية، وأن ق. لوقا اعتمد على ق. متى مضافاً إليه
زيادات من التقليد الموجود تحت يده، وأن إنجيل ق. مرقس هو مختصر من إنجيل ق. متى
وإنجيل ق. لوقا. وجاء شتراوس
Strauss سنة 1835م وأخذ بنظرية جريسباخ أن إنجيل ق. مرقس له أهمية ثانوية
لأنه مأخوذ من إنجيل ق. متى وإنجيل ق. لوقا. وأيضاً وافقهما على ذلك العالِم باور
F. C. Baur عميد جامعة توبنجن بألمانيا. ولكن جاء هردر Herder
سنة 1830م بنظرية أن الأناجيل كانت أصلاً على مستوى التعليم الشفاهي في الكنيسة
مبتدئاً من معمودية يوحنا حتى الصعود، وكان يحوي سرد الحوادث والمحادثات، وبدأت
هذه التعاليم الشفاهية يتحدَّد شكلها سنة 35-40م، على أن إنجيل ق. مرقس يمثِّل
التدوين باليونانية لهذه التعاليم الشفاهية، وهذا التقليد نفسه بدأ يتسع سنة 60م
حتى تكوَّن “الإنجيل الأرامي للنصارى” الذي صار بعد ذلك بدوره أصلاً لكل من إنجيل
ق. متى وإنجيل العبرانيين. أمَّا إنجيل ق. لوقا فاعتبروه مستقلاً بذاته على أسس
فلسطينية تقليدية بواسطة الذين كانوا معاينين
aÙtopta… وخدَّاماً Øphrštai للكلمة، وأيضاً على أساس الإنجيل الأرامي. ويعود هردر ويصف إنجيل
ق. لوقا بدقة باعتباره [“بدء التاريخ المسيحي” فهذا الإنجيل ليس مجرَّد تجميع قصص
إنجيلية مثل إنجيل ق. مرقس، ولا يحوي توضيحات وبراهين يهودية مثل إنجيل القديس
متى. فالقديس لوقا كتب تاريخه بصفته كاتب يوناني صرف.]([81])

وهناك نظرية أخرى من
جهة أصول الأناجيل وضعها شلايرماخر
Schleiermacher في مبحث على إنجيل ق. لوقا سنة 1817، يقترح فيها أن كلاًّ من
الثلاثة أناجيل المتناظرة يعتبر تجميعاً لقصص([82])
dihg»seij صغيرة مكتوبة سابقاً. ولكن عاد شلايرماخر ودحض نظريته سنة 1832
وعاد إلى بابياس وفكرته على الأناجيل معتبراً أن إنجيل ق. مرقس ومخطوطة الأقوال
Logia إنما هما أساس الأناجيل، وهذه أقرب جداً إلى الصواب.

ولكن جامعة توبنجن قامت
بأبحاث أخرى في الأناجيل بواسطة الناقدين: باور وشويجلر([83]
(1847)، معتبرين كتابة الأناجيل مرتبطة بتاريخ الكنيسة ونموها. ولكن هذه النظرية
كانت متأثرة جداً بفلسفة هيجل
Hegel، فلمَّا بليت هذه الفلسفة، زالت بالتالي هذه النظرية.

ومنذ زمن سملر انتبه
العلماء إلى الإشارات الموجودة في أقوال الآباء عن إنجيل ماركيون (الخارج عن
الكنيسة) الذي اتفق الآباء أنه كان يملك نسخة مختصرة من إنجيل ق. لوقا كوَّنها
ماركيون بحذف من إنجيل لوقا الصحيح ما كان لا يتفق مع هرطقته. فبدأ بعض العلماء
وعلى رأسهم باور
Baur يشكُّون في صحة هذا الخبر، وحسبوا أن الإنجيل الذي في يد ماركيون
الأسقف الموقوف هو نسخة صحيحة وإنما كانت نسخة أُولى أصلية من إنجيل لوقا، ومن هذه
الزاوية بدأت أخطر عاصفة نقدية على إنجيل ق. لوقا بواسطة هذا العالم الألماني
الناقد باور الذي من توبنجن، واعتبر أن إنجيل لوقا الحالي هو توسُّع لنسخة ماركيون
الأصلية([84]).
هذا بجوار ادعاء جريسباخ أن إنجيل ق. مرقس هو نسخة مختصرة من إنجيلي القديس متى
والقديس لوقا. وشطح باور بتوكيده أن نسخ الإنجيل كلها وُضِعَت فيما بين سنة
130-170م، واعتبر أن إنجيل ق. متى الأرامي أقدمها وأن النسخة التي في أيدينا نسخة
مصحَّحة منه.

بعد ذلك قام باحث يُدعى
لاخمان ببحثه الخاص بالأناجيل الثلاثة المتناظرة([85])
synoptics وأقام مقارنة دقيقة بينها من جهة تسلسل أجزائها انتهى فيها أن
الاختلافات في ترتيب أجزائها طفيفة، وأنه في الحالات القليلة التي يختلف فيها
إنجيل ق. لوقا عن إنجيل ق. متى يكون أحدهما متفقاً مع إنجيل القديس مرقس. فلا يحدث
أنهما يكونان كلاهما معاً مختلفين عن إنجيل ق. مرقس. وانتهى بأن هذا الوضع يحتِّم
بأن يكون إنجيل ق. مرقس هو الأصل الذي أخذ منه الإنجيلان الآخران. وقد قام العالِم
الكبير ستريتر
Streeter في كتابه: “الأربعة أناجيل” (وهو في حوزتنا) بفحص دقيق لهذه
النظرية([86]).

والآن نحن في منتصف
القرن التاسع عشر، وبعد أن كان إنجيل ق. مرقس معتبراً أنه منقول عن إنجيلي القديس
متى والقديس لوقا، وأنه كان ملخَّصاً لهما، كما ادعى باور الناقد المرّ، تحطَّمت
هذه النظرية وظهر إنجيل ق. مرقس أنه الأقدم. وكذلك إدعاء باور بأن إنجيل ماركيون
كان أصح من إنجيل ق. لوقا الحالي، فقد وقف في وجهه العالِم فولكمار
Volkmar وأثبت مصداقية أن إنجيل ق. لوقا في وضعه الحالي هو الأصل وأنه هو
النسخة الأقدم وأقنع باور بذلك.

ثم كتب العالِم الكبير
سانداي
W. Sanday بحثاً بعنوان: “الأناجيل كما كانت في القرن الثاني”([87]) أثبت
فيه وحدة الشكل والأسلوب بين أجزاء إنجيل ق. لوقا التي رفضها ماركيون والأجزاء
التي قبلها، واستعان بذلك بفهرس الكلمات
Concordance
الذي وضعه العالِم برودر
Bruder. وخرج من ذلك بأن إنجيل ق. لوقا كله وحدة واحدة لكاتب واحد كتب
جميع أجزائه. وقد كان هذا له وقع جيد في ذلك الوقت.

بعد ذلك تثبت القول بأن
إنجيل ق. مرقس هو أقدم الأناجيل بوجه عام، على أنه يوجد هناك مصدر آخر أسموه
Q
يقف خلف إنجيلي ق. متى والقديس لوقا، وأُخذ بهذا المبدأ بوجه عام حتى اليوم. ونشأ
اتفاق عام بين العلماء أن السعي الدقيق وراء الأناجيل في تنازل تاريخي مدقِّق
يوصلنا بلا عناء إلى المسيح متكلِّماً بنفسه([88]
رغماً عن نظرية الخرافات التي قام بها شتراوس
Strauss
ورغماً عن توبنجن جامعة النُقَّاد. وقد أثبت ذلك العالِم هولتزمان([89]).

ومنذ ذلك الوقت وابتدأ
إنجيل ق. لوقا يأخذ وضع القبول في كل ما كان يواجهه به النُقَّاد السابقون، وصار
الجميع يوافقون على أصالته. فحتى العالِم رينان المعروف بنظرياته ضد الدين، ففي
كتابه
Vie de Jésus سنة 1863م يقول: إنه كُتب بعد سنة 70م بقليل بواسطة ق. لوقا تلميذ
بولس الرسول، وأنه يعتمد على نسخ أقدم من الحالية لإنجيل ق. متى والقديس مرقس.
ولكنه عاد بعد ذلك في سنة 1877م في كتابه
Les Évangiles
وقطع بالأمر أن ق. لوقا اعتمد اعتماداً كاملاً على نسخة من إنجيل ق. مرقس تختلف
قليلاً عن النسخة الحالية القانونية. وأنه لم يلجأ إلى إنجيل ق. متى، غير أنه
اعتمد على مصادر أخرى شفاهاً ووثائق أخرى أقدم ربما مترجمة عن العبرية وبالذات
الإنجيل المسمَّى
Hebrew Protevangelium.

واستمر رينان يرجِّح أن
إنجيل ق. لوقا كتب بعد سنة 70م بقليل، واعتقد أنه كُتب في روما. وفي حين أن إنجيلي
ق. متى والقديس مرقس لم يكن لهما علاقة بالخلاف الحادث بين المسيحيين الذين من أصل
يهودي والذين من أصل أُممي، يقول رينان: إن القديس لوقا كان قريباً من القديس بولس
بل ملازماً لسياسته ويحمل نفس أفكاره. وقد ظهر سؤال يتحتَّم التعرُّض له: ما
العلاقة بين إنجيل ق. مرقس والنسخة المسمَّاة
Q؟
ثم ما هي قيمة الأصول الأُولى التي اختص بها إنجيل ق. لوقا؟

وقد قام العالِم وايس B. Weiss في كتابه عن أصول إنجيل القديس لوقا مسترجعاً النقاش الذي كان قد
دار بخصوصه سابقاً وأفتى بقوله إنه بخلاف
Q وبجوار إنجيل ق. مرقس كان
ق. لوقا يعتمد على مصدر آخر وحيد من أصل فلسطيني يحوي بعض الأقوال وبعض القصص،
ويبدو أنه كان على قرابة من إنجيل ق. يوحنا أو من التقليد الذي أخذ منه ق. يوحنا.
وقد كانت هذه الأبحاث سنة 1907م.

وفي سنة 1891 قام
العالِم ب. فاين
P. Feine بوضع كتاب في أصول إنجيل ق. لوقا يقول فيه: إن كل الأناجيل
المتناظرة الثلاثة وراءها مرجع آخر أسماه: “الوثيقة الأصلية
Grundschrift” وإنجيل ق. مرقس يمثِّل صورة موسَّعة لهذا المرجع الأقدم، وإنجيل
ق. متى يعتمد اعتماداً كاملاً على هذا المرجع “جروند شرفت” ولا يأخذ شيئاً من
إنجيل ق. مرقس، أمَّا ق. لوقا فقد استخدم إنجيل ق. مرقس و“جروند شرفت” مع وثيقة
أخرى فيها محتويات الوثيقة المسمَّاة
Q مع المصادر التي انفرد بها القديس لوقا.

ثم في سنة 1912م قام العالِم
الكبير سبيتا
Spitta وكتب معلِّقاً على ذلك أن ق. لوقا استخدم أساساً مصدرين في
تأليفه:
Q، “جروند شرفت” الذي منه أخذ أيضاً ق. مرقس والقديس متى. أمَّا
“جروند شرفت” نفسه فالذي يمثِّله تماماً هو هذا الجزء القصصي في إنجيل ق. لوقا.

ولكن كل هذه الأبحاث
المضنية وما أخذته من خبرات وسنين نُحِّيَت أخيراً ولم يُؤخذ بها، ذلك فيما يخص
إنجيل ق. متى وعلاقته بإنجيل ق. لوقا واعتماد هذين على ال“جروند شرفت” الذي يسبق
إنجيل ق. مرقس في تاريخه.

ولكن تبقَّى من نظرية
فاين جزء أُخذ به وهو القائل بأنه كان قبل إنجيل ق. لوقا الحالي ما يُسمَّى
Proto-Luke ويشمل الأجزاء التي انفرد بها ق. لوقا، هذه النظرية دُفعت إلى
الأمام في إنجلترا وانتبه إليها العالِم ستريتر([90])
في كتابه الذي نرجع إليه دائماً وهو “الأربعة أناجيل”، ثم استلمها وأفاض فيها
العالِم تايلور سنة 1926م في كتابه: “ما وراء الإنجيل الثالث”([91]).

ثم جاء العالِم الفرنسي
لوازي
Loisy بكتابه سنة 1924 عن “إنجيل لوقا”([92]) وبدأ
يفرِّق بين إنجيل ق. لوقا الحالي الذي يعتمد على إنجيلي ق. متى والقديس يوحنا
ويعطي لذلك تاريخاً لكتابته سنة 125-150م، وبين الكتاب الأوَّلي المقدَّم أصلاً
إلى العزيز ثاوفيلس معتبراً أن هذا الأخير كُتب سنة 80م، ولكنه ربط نظريته بكتابة
سفر الأعمال الذي ركَّز عليه في بحثه.

إلى هنا نكون قد
تعرَّضنا لتاريخ إنجيل ق. لوقا بما فيه الكفاية من جهة الأصول والمنابع الأُولى.
ونقف وقفة الرفض من جهة شرح الإنجيل لكل ناقد يصيب الوحي من قريب أو من بعيد، وبعد
ذلك نعتبر العلماء الذين اطلعنا على أبحاثهم ومنهم الإيجابيون الراسخون في الإيمان
والتقليد، ومنهم الأساتذة المعلِّمون الدائبون على النقد والتصحيح ونقد النقد …
إلخ.

وكُنت أودّ أن أجمعهم
هنا معاً وأشرح مبادئهم وأبحاثهم، ولكن للأسف فالعلماء الذين اضطلعوا بشرح إنجيل
ق. لوقا وسفر الأعمال ليسوا بقليلين وأكتفي بما بحثته في مؤلفاتهم. وقد ذكرنا
كتبهم وأسماءهم في موضعها، وحرصنا غاية الحرص على سلامة العقيدة والتقليد ودقَّقنا
في صحة النصوص بقدر ما أعطانا الله من نعمة ووقت، لأن البحث في معنى الاصطلاح
يحتاج إلى العودة إلى القواميس القديمة، والاطمئنان إلى صحة مبادئ العالِم يحتاج
إلى العودة إلى تراجم حياة العلماء ومؤلّفاتهم.

على أنني أعتمد على
أكثر العلماء دقة وإيماناً وعقيدة وهذا سيلحظه القارئ بسهولة.

 

المخطوطات الأصلية التي
تسجَّل فيها إنجيل القديس لوقا([93])

 

أولاً: البرديات Papyrii:

وهي عبارة عن أوراق أو
أجزاء من أوراق البردي القديمة جداً (لأن استخدام البردي قد سبق استخدام الرقوق).
وكل منها يحوي بعض فقرات وأحياناً مجرَّد آيات من إنجيل ق. لوقا، ومع ذلك فأهميتها
كبرى بسبب أقدميتها، فمعظمها يرجع إلى القرن الثالث.

وهناك تسع برديات تحوي
أجزاء من إنجيل القديس لوقا وأرقامها كالآتي:

P3, P4, P7, P42, P45, P69, P75, P82, P97.

ثانياً: المخطوطات على
هيئة مجلَّدات
Codex المكتوبة بالحروف الكبرى Uncials:

وهذه عبارة عن مجلَّدات
من الرقوق، واستخدام الحروف الكبرى
uncials فيها دليل قدمها، لأنه من المعروف أن ابتداءً من القرن التاسع
تحوَّلت الكتابة اليونانية في المخطوطات تدريجياً إلى استخدام الحروف الصغيرة
minuscules.

وأهم هذه المخطوطات
المكتوبة بالحروف الكبرى كالآتي:

اسم المخطوطة

رقمها

ورمزها

تاريخها

مكان وجودها
ومحتوياتها

المخطوطة السينائية

01

)

القرن

الرابع

اكتُشفت في دير سانت
كاترين بجبل سيناء وهي موجودة الآن في المكتبة البريطانية بلندن. وتحوي إنجيل ق.
لوقا كاملاً.

المخطوطة الإسكندرية

02

A

القرن

الخامس

أُهديت من مصر بيد
البطريرك اليوناني كيرلس لوكار هدية للملك شارل الأول سنة 1628. وهي الآن في
المكتبة البريطانية بلندن وتحوي إنجيل لوقا كاملاً.

المخطوطة الفاتيكانية

03

B

القرن

الرابع

موجودة في المكتبة
الفاتيكانية من قبل سنة 1533م، وتحوي إنجيل لوقا كاملاً.

 

المخطوطة الأفرامية

 

04

 

C

 

القرن

الخامس

 

موجودة في المكتبة
الأهلية بباريس وتحوي أجزاءً من إنجيل لوقا.

 

وهذه الأربع مخطوطات ),
A, B, C
كانت في أصلها مجلَّدات
كاملة تحوي جميع أسفار العهد القديم والعهد الجديد ومن ضمنها إنجيل ق. لوقا.

 

ويليها في الأهمية
المخطوطات التالية:

اسم المخطوطة

الرقم

الرمز

التاريخ

مكان وجودها
ومحتوياتها

مخطوطة بيزا

05

D

القرن

الخامس

أهداها ثيودور بيزا Beza إلى مكتبة جامعة كامبردج سنة 1581م وتحوي إنجيل لوقا كاملاً.

المخطوطة الباريسية

019

L

القرن

الثامن

المكتبة الأهلية
بباريس. تحوي إنجيل لوقا كاملاً.

المخطوطة النطرونية

027

R

القرن

السادس

وُجدت في أحد أديرة
وادي النطرون (؟) سنة 1847 وهي الآن في المكتبة البريطانية وتحوي أجزاءً من
إنجيل ق. لوقا.

مخطوطة بورجيا

029

T

القرن

الخامس

مكتوبة بالقبطية
واليونانية ومعظمها في المكتبة الفاتيكانية بروما ولكن أجزاء منها في نيويورك
(بيربونت مورجان) وفي المكتبة الأهلية بباريس. وتحوي أجزاءً من إنجيل ق. لوقا.

مخطوطة واشنطن

032

W

القرن

الخامس

وتحوي الأربعة أناجيل
وهي معروفة باسم
Freer الذي اكتشفها وهي موجودة الآن في واشنطن في معرض فرير للفنون.

مخطوطة سان جال

037

D

القرن

التاسع

في دير القديس سان
جال بسويسرا وتحوي إنجيل ق. لوقا كاملاً.

مخطوطة كوريديتي

Koridetti

038

Q

القرن

التاسع

في مكتبة تفليس Tiflis. (وهي حالياً تبليسي عاصمة جمهورية جيورجيا) وتحوي إنجيل لوقا
كاملاً.

مخطوطة Zacynthius

040

X

القرن

السادس

في مكتبة جامعة
كامبردج. تحوي أجزاءً من إنجيل ق. لوقا.

 

وبخلاف المخطوطات
المذكورة يوجد عدد كبير من المخطوطات الأخرى المكتوبة أيضاً بالحروف الكبيرة. كما
يوجد عدد لا يُحصى من المخطوطات اليونانية الأحدث المكتوبة بالحروف الصغيرة وهذه
ذات أهمية ثانوية. ولكن تسبقها في الأهمية المخطوطات التي تحوي ترجمات باللغات
القديمة عن الأصل اليوناني وأهمها:

w المخطوطات اللاتينية – سواء كانت تحوي الفولجاتا أو الترجمات السابقة لها Vetus Latina.

w المخطوطات القبطية باللهجات الصعيدية أو البحيرية أو الفيومية أو الأخميمية.

w المخطوطات السريانية وأهمها الكيوراتونية والسينائية والبشيتو والفيلوكسينية والهرقلية.

w الترجمات بلغات أخرى قديمة: ومنها الأرمنية والأثيوبية والغوطية والجيورجية والسلافونية (الروسية
القديمة).

Bibliography

On the Gospel of St. Luke

Bliss, G. R. Commentary on the Gospel of Luke
(Philadelphia: American Baptist Publication Society, 1884).

Cadbury, H. J. The Making of Luke-Acts (New York:
Macmillan, 1927).

Caird, G. B. The Gospel of St. Luke (Pelican Gospel
Commentary; Baltimore: Penguin, 1963).

Conzelmann, H. The Theology of St. Luke (New York:
Harper & Brothers, 1960).

Creed, J. M. The Gospel according to St. Luke: The
Greek Text, with Introduction, Notes and Indices (London: Macmillan, 1930).

Ellis, E. E. The Gospel of Luke (Century Bible;
London: Nelson, 1966; 2d ed. London: Oliphants, 1974).

Farrar, F. W. The Gospel according to St. Luke
(Cambridge Bible for Schools and Colleges; Cambridge: University Press, 1888).

Fitzmyer, J. A. The Gospel according to Luke (2 vols.;
The Anchor Bible;
New York: Doubleday, 1981).

Geldenhuys, N. Commentary on the Gospel of Luke: The
English Text with Introduction, Exposition and Notes (New International
Commentary on the New Testament; Grand Rapids: Eerdmans, 1951; repr. 1983).

Heading, J. Luke’s Life of Christ (Ontario: Everyday,
1981).

Luce, H. K. The Gospel according to St. Luke, with
Introduction and Notes (Cambridge: University Press, 1936).

Marshall, I. H. Luke: Historian and Theologian (Grand
Rapids, MI: Zondervan, 1970).

____, The Gospel of Luke,
A Commentary on the Greek Text (Grand Rapids: Eerdmans, 1979).

Meyer, H. A. W. Critical and Exegetical Handbook to
the Gospels of Mark and Luke (tr. from the 5th Germ. ed. by R. E. Wallis;
Edinburgh: Clark, 1880; repr. Peabody:
Hendrickson, 1983).

Morgan, G. C. The Gospel according to Luke (New York:
F. H. Revell, 1931).

Morris, L. The Gospel according to St. Luke: An
Introduction and Commentary (Grand Rapids: Eerdmans, 1974; repr. 1979).

Plummer, A. A Critical and Exegetical Commentary on
the Gospel according to St. Luke (Edinburgh: Clark, 1896; repr. 1964).

Ross, J. M. E. The Gospel according to St. Luke (3
vols.; A Devotional Commentary;
London: The Religious Tract Society, no date).

Spence, H. D. M. The Gospel according to St. Luke (The
Pulpit Commentary, vol. 16; Grand Rapids: Eerdmans, repr. 1980).

Schweizer, E. The Good News according to Luke (tr. from
the German by D. E. Green;
Atlanta: Knox, 1984).

Talbert, C. ed. Perspectives on Luke-Acts (Special
Studies Series 5; Edinburgh: Clark, 1978).

Taylor,
G. A. St. Luke‘s Life of Jesus Retold in Modern Language
(New York: Macmillan, 1955).

Taylor,
V. The Passion Narrative of St. Luke, A Critical and Historical Investigation
(Society for New Testament Studies, Monograph Series 19; Cambridge: University
Press, 1972).

Tiede, D. L. Luke (Augsburg Commentary on the New
Testament; Minneapolis: Augsburg, 1988).

Tinsley, E. J. The Gospel according to Luke (The
Cambridge Bible Commentary; Cambridge: University Press, 1965).

Zahn, T. Introduction to the New Testament (3 vols.;
Eng Tr.;
Edinburgh: Clark, 1909; repr. Grand Rapids, 1953; 1st Germ. ed. 1900).



([1]) راجع
كتاب: “شرح سفر أعمال الرسل” للمؤلِّف، صفحة 34 وما يليها.

([2])
جاءت هذه الآية
(أع 28:11) في النسخة الغربية هكذا: «حيث كنا مجتمعين معاً قال واحد منهم
اسمه أغابوس …» راجع كتاب: “شرح سفر أعمال الرسل” للمؤلِّف، صفحات 35 و37 و514
و515.

([3]) T. Zahn, Introduction to the New Testament, 3vols.; Eng. Tr.
Edinburgh, Clark, 1909, repr.
Grand Rapids, 1953, (1st Germ. ed. Leipzig, 1900); vol 3, p. 2.

([4])
Irenaeus, Haer. III, 14, 1.

([5]) Euseb., H. E. iii. 4. 7.

([6]) مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة لأبو البركات بن كبر
طبعة مكتبة الكاروز سنة 1971 صفحة 97 الباب الرابع (أسماء السبعين
تلميذاً).

([7]) شرحه: صفحة 103. ويُلاحَظ أن ابن كبر يقول إنه أخذ هذه المعلومات
نقلاً عن مصادر يونانية.

([8]) Meyer, op. cit., p. 217.

([9]) De viris illustribus, 7.

([10]) Just., Dial., cxxii.

([11]) T. Zahn, op. cit., p. 7; Nicephorus, H. E. II,
43; PG LXXXVI, 165. See Plummer, op. cit., p. XXI, XXII.

([12]) Epiphan., Haer., II. 12.

([13]) J. M. Creed, op. cit.,
p. XXI.

([14]) T. Zahn, op. cit., Vol. 3, p. 6.

([15]) راجع كتاب: “شرح سفر أعمال
الرسل” للمؤلِّف، صفحة 28 وما يليها.

([16]) J. C. Hawkins, Horae
Synopticae,
Oxford, 1909, pp.
174-193.

([17]) H. J. Cadbury, The Making
of
Luke-Acts, New York, 1927.

([18]) W. L. Knox, The Acts of
the Apostles,
Cambridge, 1948, p.
14.

([19]) راجع كتاب: “شرح سفر أعمال
الرسل” للمؤلِّف، صفحة 48 وما يليها.

([20]) H. J. Cadbury, The Style
and Literary Method of Luke,
Harvard Theological Studies, 6, 1920, pp.
36-39, cited by E. Ellis, op. cit., p. 2.

([21]) B. M. Metzger, The
Interpreter’s Bible,
Vol. VII, p. 47.

([22])
راجع كتاب:
“شرح سفر أعمال الرسل” للمؤلِّف، صفحة 35و49.

([23]) M. Wilcox, The Semitisms
of Acts,
Oxford, 1965, pp.
180-184; F. F. Bruce., The Acts of the Apostles, 1951, pp. 18-21.

([24]) W. Grundmann, Das
Evangelium nach Lukas,
Berlin, 1959, p. 23, cited by E. Ellis, op. cit.,
p. 3.

([25]) R. Morgenthaler, Statistik
des Neutestamentlichen Wortschätzes
, Frankfurt am Main, 1958, p. 170,
cited by Leon Morris, op. cit., p. 27 n.1.

([26]) J. Weiss, cited in A. H. W.
Meyer, op. cit., p. 225.

([27]) A. H. W. Meyer, op. cit.,
p. 225.

([28]) Norton, Genuineness of
the Gospels,
cited in A. H. W. Meyer, op. cit., p. 225.

([29]) Irenaeus, Haer. iii.
1.1; iii. 14. 1 f.

([30]) Credner, I, p. 146 ff, cited
by A. H. W. Meyer, op. cit., p. 220.

([31]) I. H. Marshall, Luke:
Historian & Theologian,
p. 60 ff.

([32]) F. C. Burkitt, “The Use of
Mark in the Gospel according to Luke”, in The Beginnings of Christianity, (1920-1933),
II, pp. 106-120.

([33]) Irenaeus, Haer., III,
1, 1; I, 27, 2; III, 14, 3 f; III, 10, 1.

([34]) Justin, I Apol. 34; Try.
78, 88, 100, 103, 105, 106, quoted by Plummer, op. cit., p. XV.

([35]) E. Ellis, op. cit.,
p. 55.

([36]) راجع كتاب: “شرح سفر أعمال
الرسل” للمؤلِّف، صفحة 34.

([37]) ثاوفيلس: معناها:
“المحب لله”. يقول أوريجانوس: إن هذا الاسم مجرَّد تورية لكل إنسان محب للمسيح فهو
إنجيل أحباء يسوع!
(Origen,
Hom. 1 in Luc)
، وجرى جيروم مجرى
أوريجانوس وقالها لاتينياً:
amicus vel amotor Dei “حبيب أو محب لله” وحذا
حذوهما سلفانوس في الرسالة 18:9 وقال إن ق. لوقا صدَّر كتابيه الإنجيل والأعمال
لمحبة الله
ad amorum Dei. علماً بأن
حكَّام مصر كانوا يُلقَّبون بالعزيز
Kr£tistoj
حتى سنة 160م (T. Zahn, op. cit., p. 6)، وربما إلى الآن (عزيز مصر) التي هي ترجمة Kr£tistoj لذلك ظنَّ بعض العلماء أنه كان حاكماً مصرياً.

([38])
E. E. Ellis, op. cit., p. 55, F. F. Bruce., The Acts of the
Apostles,
1951, repr. 1984, pp. 10-
14.

([39]) Godet and Schaff cited in A.
H. W. Meyer, op. cit., p. 226.

([40]) Ibid.

([41]) T. Zahn, op. cit.,
p. 42.

([42]) T. Zahn, op. cit.,
p. 43.

([43]) راجع كتاب: “شرح سفر
الأعمال” للمؤلِّف صفحة 2832.

([44]) راجع لو 5:5 و24:8و45
و33:9و49 و13:17 ولم ترد هذه الكلمة في العهد الجديد خارج إنجيل لوقا.

([45]) T. Zahn, op. cit.,
p. 70.

([46]) راجع كتاب: “شرح سفر أعمال الرسل”
للمؤلِّف صفحة 43 وما يليها.

([47]) I. H. Marshall, Luke: Historian and
Theologian,
p. 18.

([48]) E. Käsemann, cited by Marshall, Luke:
Historian & Theologian,
p. 18.

 ([49])I.
H. Marshall, Luke: Hist. & Theol., pp. 18, 19, 20
.

([50]) H. Conzelmann, An Outline of the Theology of
the New Testament,
(Eng. Tr., New York, 1969), pp. 140-152.

([51]) E. Lohse, “Lukas als Theologe der
Heilsgeschichte”, Ev. Th. 17, 1954, pp. 256-275, cited by I. H.
Marshall, Luke: Hist. & Theolog., p. 79.

([52]) E. Käsemann, Jesus means Freedom, (Eng. Tr. 1969), p. 121 cited by I. H. Marshall, Luke: Historian and
Theologian,
p. 83.

([53]) E. E. Ellis, op. cit., p. 10.

([54]) I. H. Marshall, Luke: Historian and
Theologian,
p. 92.

([55]) W. C. van Unnik, “The Book of Acts, The
Confirmation of the Gospel”,
Nov. T. IV, 1960, pp. 26-59.

([56]) E. M. B. Green, The Meaning of Salvation, 1965,
p. 125, cited by I. H. Marshall, Luke: Historian and Theologian, p. 93.

([57]) راجع كتاب: “شرح سفر أعمال الرسل”
للمؤلِّف صفحة 19.

 ([58])J.
M. Creed, op. cit., p. XXV.

 ([59])Oxford.
Dict., p. 401.

([60]) Adv.
Haer
., III, 11.

([61]) Epist. 121
(151) ad Algasiam, Migne, P. L. XXII, 1020.

 ([62])E.
C. Schmidt, cited by J. M. Creed, op. cit., p. XXX.

 ([63])J.
M. Creed, op. cit., p. XXXII.

 ([64])Jerome,
Prol. Hom. in Luc.

 ([65])P.
G. 13, 1801-1902; Sources Chrétiennes 87 (
ترجمة فرنسية عن اللاتينية).

([66]) Migne, P.
G. LXVI, 715-728.

 ([67])Migne,
P. G. LXXII, 475-950.

 ([68])Bardenhewer,
Patrology (E. T.), p. 364.

([69]) J. M.
Creed, op. cit., p. xxxvi, citing Bardenhewer, op. cit.,
p. 435.

وقد
نُشر شرح أمبروسيوس في مجموعة:
 Sources Chrétiennes 45 et 52.

 ([70])NPNF,
1st ser., vol. VI, pp. 66-237.

 ([71])Hefele,
III, p. 238 f; Mansi, xi, p. 952 cited by J. M. Creed, op. cit.,
p. XXXVII.

 ([72])J.
A. Cramer, Catenae graecorum patrum in Novum Testamentum, Oxford
University Press, 1844, t. II, pp. 1-174.

 ([73])J.
Sickenberger, Die Lukaskatene des Niketas von Herakleia untersucht, Tu
2214, Leipzig, 1902.

 ([74])Oxford
Dict.

 ([75])Migne,
PL CXIV, 243- 355 on St. Luke.

 ([76])Migne,
PL CVI, 1503.

([77]) Migne, PL
CLXV, 333.

([78]) Migne, PL
CXCVIII 1537 f.

([79]) وقد مَنَّ الله علينا بنسخة قديمة من
شرحه أهداها لنا الدكتور المكرَّم مجدي رمسيس بطنطا.

 ([80])Lessing,
Neue Hypothese über die Evangelisten, 1784, cited by J. M. Creed, op. cit., p. XLV.

 ([81])Herder,
Regel der Zusammenstimmung unserer Evangelien …, 1797, cited by J.
M. Creed, op. cit., p. XLV.

([82]) راجع لوقا 1:1 «إذ كان كثيرون قد أخذوا
بتأليف قصة
di»ghsin في الأمور المتيقنة عندنا …».

 ([83])Baur
& Schwegler.

 ([84])J.
M. Creed, op. cit., p. xlvii.

 ([85])Lachmann,
De ordine narrationum in evangeliis synopticis, 1835, cited by J. M.
Creed, op. cit., p. XLVII.

 ([86])Streeter,
The Four Gospels, Part II, ch. xi.

([87]) W. Sanday,
The Gospels in the Second Century, 1876, pp. 222-230.

([88]) J. M.
Creed, op. cit., p. XLIX.

 ([89])H.
J. Holtzmann, Die synoptischen Evangelien, Leipzig, 1868, pp. 418 f.

([90]) Burnett
Hilman Streeter, The Four Gospels, 1930.

 ([91])V.
Taylor, Behind the
Third Gospel: A Study of the Proto-Luke Hypothesis,
Oxford: Clarendon, 1926.

([92]) A. Loisy, L’Evangile
selon Luc,
Paris, 1924.

 ([93])A.
Plummer, A Critical and Exegetical Commentary on the Gospel according to St.
Luke,
Edinburgh, 1896, pp. lxxi f.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي