الإصحَاحُ
الْعَاشِرُ

 

"المَدعُوُّونَ
إلى خارِج"

(يُوحَنَّا
10: 1- 16)

 عِندَما
طُرِدَ الرَّجُلُ الأعمَى الذي شُفِيَ منَ المَجمع، ألقَى يسُوعُ عندَها عِظَةً
عميقَةً وجميلَةً، قالَ فيها بِوُضُوحٍ أنَّهُ هُوَ الرَّاعِي الصَّالِح الذي
وصفَهُ داوُد في مَزمُورِهِ المُوحَى بهِ منَ اللهِ عنِ الرَّاعِي الصَّالِح
(المَزمُور 23). قبلَ أن نتأمَّلَ بهذه العِظَة، أوَدُّ أن أُشارِكَ معَكُم مبدأً
من مبادِئِ دَرسِ الكِتابِ المُقدَّس.

 

لم
تَكُنْ تُوجَدُ أيَّةُ تقسيماتٍ للإصحاحاتِ في أسفارِ الكتابِ المُقدَّس
الأصليَّة. ولقد تمَّ تقسيمُ أسفارِ العهدِ الجديد إلى إصحاحاتٍ وأَعدادٍ بعدَ
أكثَرِ من ألفِ عامٍ بعدَ كتابَتِها، وتمَّ ذلكَ بِهَدَفِ مُساعَدَتِنا على
دراسَةِ هذه الأسفار والإستِشهادِ من مقاطِع مُحدَّدَة منها. عندما تَصِلُ إلى
تقسيمٍ مُعَيَّنٍ في إصحاحٍ كتابِيّ، منَ الحِكمَةِ أن تسألَ نفسَكَ، "بينما
أنتَقِلُ لِقراءَةِ هذا الإصحاح الجديد، هل يُوجَدُ أيُّ تغييرٍ في المَوضُوعِ أو
القَرينة؟ وهل يُوجَدُ أيُّ شَيءٍ في الإصحاح الذي سبقَ وقرأتُهُ قد يُساعِدُني
على فَهمِ هذا الإصحاح الذي أُوشِكُ على قِراءَتِهِ الآن؟"

 

هذا
ما نَجِدُهُ بينما نَقرَأُ الإصحاحَ العاشِر من إنجيلِ يُوحَنَّا. إنَّ إخراجَ
الرَّجُلِ الأعمى الذي شفاهُ يسُوعُ منَ المَجمَعِ، يُساعِدُنا على فهمِ هذا
التعليم العظيم ليسُوع: "الحَقَّ الحَقَّ أقُولُ لكُم إنَّ الذي لا يَدخُلُ
منَ البابِ إلى حَظِيرَةِ الخرافِ بل يطلَعُ من مَوضِعٍ آخر فذاكَ سارِقٌ ولِصٌّ.
وأمَّا الذي يدخُلُ منَ البابِ فهُوَ راعي الخراف. لِهذا يفتَحُ البَوَّابُ
والخِرافُ تَسمَعُ صوتَهُ فيَدعُو خرافَهُ الخاصَّةَ بأَسماءٍ ويخُرِجُها. ومتَى
أخرَجَ خرافَهُ الخاصَّةَ يذهَبُ أمامَها والخِرافُ تَتبَعُهُ لأنَّها تعرِفُ
صوتَهُ. وأمَّا الغَريبُ فلا تَتبَعُهُ بل تهرُبُ منهُ لأنَّها لا تَعرِفُ صَوتَ
الغُرَباء." (يُوحَنَّا 10: 1- 5)

 

يبدَأُ
يسُوعُ هذا التَّعليم بالكلمتَين، "الحَقَّ الحَقَّ." بكلماتٍ أُخرى،
"أنا الآن على وَشَكِ أن أقُولَ شَيئاً صحيحاً وهامَّاً." ثُمَّ إستَخدَمَ
إستِعارَةً مُوحَىً بها، عندما نقرَأُ، "وأمَّا هُم فلَم يفهَمُوا ما هُوَ
الذي كانَ يُكَلِّمُهُم بهِ." (يُوحَنَّا 10: 6) كانت هذه الإستِعارَةُ
المجازِيَّةُ عن حَظيرَةِ الخِراف. ومنَ الأهمِّيَّةِ بِمَكانٍ أن نفهَمَ بِشكلٍ
كافٍ كيفيَّةَ رعايَةِ الغَنم، عندما إستَخدَمَ يسُوعُ هذه الإستِعارَة
المجازِيَّة، لنفهَمَ ماذا كانَت تعني حَظيرَةُ الخِراف.

 

تُعَرِّفُنا
هذهِ الإستعارَةُ على أحدِ أهَمِّ أوجُهِ رِعايَةِ الخِراف. فحَظِيرَةٌ الخِرافِ
كانت منطَقَةً مٌغلَقَةً في قَريَةٍ أو في بَلدَةٍ ما، وكانت تُستَخدَمُ لإيواءِ
الخرافِ لَيلاً. فبينما كانَ رُعاةُ الغَنم يجتازُونَ معَ قُطعانِهِم عبرَ قَريَةٍ
أو بَلدَةٍ ما، كانُوا يقضُونَ اللَّيلَ في فُندُقٍ صَغيرٍ، وكانُوا يدخِلُونَ
قُطعانَهُم إلى حظائِرِ الخراف العامَّة.

 

تَصَوَّرُوا
أنَّ خمسةَ أو سِتَّةَ رُعاةِ غَنَمٍ مُختَلِفين قد وضعُوا قُطعانَهُم في حظيرَةٍ
واحِدَة. وفي الصَّباح، عندما يأتي الرُّعاةُ طَلَباً لقُطعانِهِم، يَقُومُ كُلُّ
راعٍ بِمُناداةِ قَطيعِ غنمِهِ. ولدَى كُلِّ راعٍ طريقَةً خاصَّةً بهِ لمُناداةِ
قطيعِه. ثُمَّ يَبتَعِدُ الرَّاعِي عن حَظيرَةِ الخراف. وعندما يُنادِي خرافَهُ
ويبتَعِدُ، تسمَعُ خرافُهُ صوتَهُ فتَتبَعُهُ. وهذه الخرافُ خاصَّةُ هذا الرَّاعِي
لن تتبَعَ راعِياً آخرَ، ولن تتبَعَ كذلكَ لِصَّاً يُحاوِلُ سَرِقَتَها.

 

وهكذا
إستَخدَمَ يسُوعُ هذه الصَّورَة كإستِعارَةٍ، فلم يفهَم مُستَمِعُوهُ ما قالَهُ لهُم.
أنا مُقتَنِعٌ أنَّ حَظيرَةَ الخرافِ كانت تُشيرُ إلى الدِّيانَةِ اليَهُوديَّةِ
في هذه الإستِعارَة التي قدَّمَها يسُوع. فلقد قدَّمَ تصريحاً يَقُولُ فيهِ أنَّهُ
كما أنَّ الرَّاعِي يأتي إلى حَظيرَةِ الخراف، ويُنادِي خرافَهُ فتعرِفُ خرافُهُ
صوتَهُ وتَتبَعُهُ، هكذا أيضاً كانَ هُوَ بِصِفَتِهِ الرَّاعِي الصَّالِح يُنادِي
خرافَهُ منَ حَظيرَةِ الخراف اليَهُوديَّة.

 

ينبَغي
أن نعرِفَ أنَّ الرُّسُلَ جميعاً كانُوا يهُوداً، وأنَّ كُلَّ أعضاءِ الكنيسةِ
الأُولى الذين نلتَقيهِم في الإصحاحاتِ التِّسعَة الأُولى من سفرِ أعمالِ الرُّسُل
كانُوا يَهُوداً. وكانَ يسُوعُ يُشيرُ بِوُضُوحٍ إلى الرَّجُلِ الذي شفاهُ منَ
العَمى. ولقد قامَ أُولئِكَ القادَةُ الدِّينيُّونَ بِطَردِ هذا الرَّجُل منَ
المَجمَع، لأنَّهُ قَبِلَ يسُوعَ رَبَّاً وسجدَ لهُ. ومن خلالِ هذه الإستِعارَة
البَليغة، كانَ يسُوعُ يَقُولُ، "أنتُم لم تُخرِجُوهُ منَ المَجمَع. بل أنا
دَعَوتُهُ إلى خارِجِ حظيرَةِ الخِراف؛ وهُوَ يتبَعُني لأنَّهُ واحِدٌ من خِرافِي،
ولهذا عرفَ صَوتِي."

 

قدَّمَ
يسُوعُ تصرحاً آخر من تصريحاتِهِ التي يَقُولُ فيها "أنا هُوَ،" هُنا في
هذا الإصحاحِ العاشِر: "أنا هُوَ بابُ الخِراف." في هذه الإستِعارَة
حولَ حَظيرَةِ الخراف، كانَ هُوَ الرَّاعِي الذي يدعُو خِرافَهُ منَ بينِ الجَمعِ،
أو منَ حَظيرَةِ الخرافِ العامَّة. ولكن عندما لم يَفهَمِ الجَمعُ هذه الصُّورَة
المجازِيَّة، نقرَأُ، "فقالَ لهُم يسُوعُ أيضاً…" هُنا يَقُومُ يسُوعُ
بِمحاوَلَةٍ أُخرى لتَفسيرِ ما قد حدَثَ لهذا الرَّجُل الذي شُفِيَ منَ العَمى
وطُرِدَ منَ المجمع: "الحقَّ الحَقَّ أقُولُ لكُم إنِّي أنا بابُ الخِراف.
جَميعُ الذين أتَوا قَبلِي هُم سُرَّاقٌ ولُصُوص. ولكنَّ الخِرافَ لم تسمَعْ لهُم.
أنا هُوَ الباب. إن دَخَلَ بي أحَدٌ فيَخلُصُ ويدخُلُ ويَخرُجُ ويَجِدُ مَرعَىً.
السَّارِقُ لا يأتي إلا لِيَسرِقَ ويذبَحَ ويُهلِك. وأمَّا أنا فقد أتيتُ
لِتَكُونَ لهُم حياةٌ وليَكُونَ لهُم أفضَل. (يُوحَنَّا 10: 7- 10)

 

نَجِدُ
الكَثيرَ من الأجوِبَة على السُّؤال، "من هُوَ يسُوع؟" عندما أعلَنَ
يسُوعُ عن نفسِهِ في عِدَّةِ مُناسباتٍ قائِلاً، "أنا هُوَ، أنا هُوَ، أنا
هُوَ…" الجوابُ العَميقُ الذي نَجِدُهُ هُنا هُوَ عندما يُقَدِّمُ يسُوعُ
نفسَهُ كالرَّاعِي الصَّالِح الذي تكلَّمَ عنهُ داوُد في مَزمُورِهِ، ثُمَّ
يُضِيفُ يسُوعُ قائِلاً، "أنا هُوَ بابُ الخِراف."

 

سافَرَ
راعي كنيسة إلى الأراضِي المُقدَّسة، ليَدرُسَ كيفيَّةَ رِعايَةِ الخِراف، لأنَّهُ
كانَ مُصَمِّماً على تعلُّمِ معنَى الإستِعاراتِ المُتَعدِّدَة عن الخراف في
الكتابِ المُقدَّس، مثل تلكَ التي إستَخدَمَها داوُد في مزامِيرِهِ الرَّاعويَّة،
وتلكَ الإستِعارة التي ننظُرُ نحنُ إليها الآن. ولقد تمَّ تمثيلُ تلكَ الإستِعارَة
عن بابِ الخراف أمامَ راعي الكنيسةِ هذا، ذاتَ مساء. ولقد تعجَّبَ أن يَجِدَ في
وسطِ قَريَةٍ ما حظيرَةَ خِرافٍ كبيرة، كانت تأوِي في جنباتِها عدَّةَ قُطعانِ غنمٍ
طوالَ اللَّيل. وكانَ يُكَلَّفُ راعٍ بِحمايَةِ الخرافِ في الَّليل. وكانت حظيرَةُ
الخرافِ مُحاطَةً بحائِطٍ قَويّ مُستَديرٍ، بِحَيثُ تُحفَظُ الخرافُ داخِلَهُ
بأمان.

 

وحيثُ
تتوقَّعُ أن تَجِدَ بابَ الحَظيرَة، كانَ يُوجَدُ فتحَةٌ عرضُها مِتران. وبما أنَّ
راعي الكنيسة ظَنَّ أنَّ الخرافَ قد تهرُبُ منَ الحظيرة، أو أنَّ الذِّئابَ
المُفتَرِسَةَ قد تتَسلَّلُ لتأكُلَها في الدَّاخِل، سألَ الرَّاعِيَ، "أينَ
هُوَ الباب؟" فإستَلقَى الرَّاعِي على الأرضِ، ومدَّدَ جسدَهُ في الفُتحَةِ
المَوجُودَةِ هُناك وقالَ، "أنا هُوَ الباب. فلا يستَطيعُ ولا أيُّ خَروفٍ أن
يخرُجَ منَ الحَظيرَةِ إلا إذا إجتازَ فوقَ جسدِي، ولا يَستَطيعُ أيُّ حَيوانٍ
مُفتَرِسٍ أن يدخُلَ إلى الدَّاخِل إلا إذا مشى على جَسَدِي."

 

نكتَشِفُ
التَّطبيقَ الأساسِيَّ المقصُود من هذه الإستِعارَة، عندما يَقُولُ الرَّبُّ،
"إن دَخَلَ بي أحَدٌ فيخلُصُ." وهُنا تطبيقٌ آخر إضافِيٌّ: "الذي
يدخُلُ إلى الحَظيرَةِ من خلالِي سيدخُلُ ويخرُجُ ويَجِدُ مَرعَىً."
يُقَدِّمُ يسُوعُ تصريحاً جَريئاً أمامَ القادَةِ الدِّينيِّين اليَهُود، بأنَّهُ
يُؤَسِّسُ حظيرَةَ خرافٍ أُخرى. فهُوَ يدعُو للخُرُوجِ من حظيرَةِ خراف اليهوديَّة
أُولئكَ الذين سيُشَكِّلُ من خلالِهم حظيرَتَهُ الجديدة. لقد كانَ يسُوعُ يُشيرُ
نبويَّاً ومجازِيَّاً إلى الكنيسة التي أعلَنَ أنَّهُ كانَ سيُؤَسِّسُها.

 

بَينَما
نقرَأُ إنجيلَ متَّى، وإلى أن نَصِلَ إلى الإصحاحِ السَّادِس عشَر، نجدُ يسُوعَ
يبنِي كنيستَهُ. عندما نقرَأُ الإصحاح السَّادِس عشر منَ الإنجيلِ الأوَّل، نسمَعُ
يسُوعَ يُعلِنُ أنَّهُ سيَبنِي كنيستَهُ وكُلُّ أبوابِ الجحيمِ لن تقوَى عليها،
ولن تمنَعَهُ من بنائِها. تعني كلمة كنيسة حرفِيَّاً: "المَدعُوِّينَ إلى
خارِج." في هذه الإستِعارَة العميقة والجميلة، يُعطينا يسُوعُ وصفاً رائعاً
لما هي الكنيسة.

 

تُعتَبَرُ
هذه بالحقيقة إستِعارَةً مُزدَوِجَة؛ عِندَما صَرَّحَ يسُوعُ قائِلاً أنَّهُ هُوَ
البابُ الذي من خلالِهِ ينبَغي أن تعبُرَ الخِرافُ لكَي تخلُص؛ تفسيرُ كلمة
"تخلُص" يعني حرفِيَّاً أن تَكُونَ في أمانٍ وسلامَةٍ. ولكنَّ
التَّطبيقَ المَقصُود هُوَ أنَّهُ فقط من خلالِ يسُوع نستيطعُ أن نخلُص (أعمال 4:
12). وسوفَ يُكَرِّرُ يسُوعُ قولَ هذا الأمر نفسَهُ لاحِقاً في الإنحيل، عندما
يُقدِّمُ التَّصريحَ العَقائِديَّ أنَّهُ هُوَ الطَّريقُ إلى الله، وأنَّهُ لا
يُوجَدُ طَريقٌ آخر غيرَهُ إلى اللهِ الآب (يُوحَنَّا 14: 6).

 

الجزءُ
الثَّاني من هذه الإستِعارَة، التي تَصِفُ الخرافَ وهي تتحرَّكُ إلى داخِلِ
وخارِجِ حظيرَةِ الخراف لتَجِدَ المراعِي الخَضراء، تَصِفُ بِشَكلٍ نَبَوِيٍّ
خُطَّةَ المسيح لوضعِ المُخَلَّصينَ في حظيرَةِ خرافِ الكنيسة. وإذ يدخُلُونَ
ويخرُجُون إلى المُجتَمَعِ الرُّوحِيِّ لجماعَةِ الكنيسة، سيَجِدُونَ كُلَّ ما
يحتاجُونَهُ ليَعِيشُوا لِلمَسيحِ ويخدُمُوه (أفسُس 4: 12).

 

يُخبِرُنا
اللهُ أنَّهُ لَيسَ حَسناً أن يبقَى الإنسانُ وحدَهُ، وهكذا وضعَ اللهُ
المُتوَحِّدينَ في عائِلاتٍ (تكوين 2: 18). عندما يجدُ خَروفٌ ضالٌّ الطَّريقَ إلى
الخلاص، يكُونُ الرَّاعِي الصَّالِحُ بابَ حَظيرَةِ الخرافِ أيضاً، الأمرُ الذي
يَضعُ الخرافَ المُخلَّصَةَ في عائِلاتٍ.

 

هل
سبقَ ولاحظتَ هذا المَوضُوع في الكتابِ المُقدَّس؟ قد تُسَمِّيهِ، "دُخُولُ
وخُرُوجُ شَعبِ الله." فالخُدَّامُ العُظماء لأجلِ اللهِ هُم عابِدُونَ
عُظماء لله قبلَ أن يُصبِحُوا خُدَّاماً لله. أُولئكَ الذين يذهَبُونَ لأجلِ الله،
يختَبِرُونَ أوَّلاً مَجيئاً إلى الله. فهُم يجتازُونَ عبرَ إختبارٍ مَجيءٍ
نافِعٌ، قبلَ أن يُصبِحَ لدَيهِم ذهابٌ مُثمِر.

 

عندَما
تدرُسُ سِيَرَ حياةٍ في الكتابِ المُقدَّس، إبحَثْ عن إختِباراتِ المجِيء لِشَعبِ
الله، التي غالِباً ما تَسبِقُ إختباراتِهم في الذَّهاب. مثلاً، مُوسى عاشَ
ثمانِينَ سنَةً من إختباراتِ المَجيءِ إلى الله، قبلَ أن يَصِلَ إلى الأربَعينَ
سنَةً منَ الذَّهابِ في خدمَةٍ مُثمِرَة. أنا مُقتَنِعٌ أنَّ ذهابَنا غالِباً ما
يَكُونُ غَيرَ مُثمِرٍ وبِدُونِ مغزَى، لأنَّنا بِبَساطَةٍ نذهَبُ، ولكن بِدُونِ
أن نَجيءَ أوَّلاً إلى محضَرِ الله. هذه إستِعارَةٌ جميلة: "ويدخُلُ ويخرُجُ
ويَجِدُ مَرعَى." اللهُ يُبارِكُ دُخُولَنا، وبعدَ ذلكَ يُبارِكُ خُرُوجَنا.

 

لاحِظُوا
الدَّعواتِ المُتَعَدِّدَة التي دعانا بها يسُوعُ لِنَجيءَ إليهِ. "تعالَوا
إليَّ أيُّها المُتَعبين والثَّقيلي الأحمال وأنا أُريحُكُم. إحمِلُوا نيري عليكُم
وتعلَّمُوا مِنِّي، لأنِّي وديعٌ ومُتَواضِعُ القَلب، فَتَجِدُوا راحَةً
لِنُفُوسِكُم. لأنَّ نيري هَيِّن وحِملي خَفيف." (متَّى 11: 28- 30). في
سِجلِّ الإنجيل، نقرَأُ أنَّهُ عندما تجاوَبَ النَّاسُ معَ هذه الدَّعواتِ بمجيءٍ
لهُ مغزى، أُروِيَ عطَشُهُم، وأُشبِعَ جُوعُهُم، ووجدُوا راحَةً لِنُفُوسِهِم.

 

وبعدَ
ذلكَ، سَمِعُوا دائماً المَأمُوريَّةَ العُظمَى. "الآن إذهَبُوا. فالآنَ وقد
تمتَّعتُم بهذا المَجيء الذي لهُ مغَزى، الآن وقد شَرِبتُم من ماءِ الحياة، دَعُوا
شُربَكُم لماءِ الحياةِ هذا يُصبِحُ فيكُم نبعَاً يشرَبُ منهُ الآخرُون. دَعُوا
إرواءَ ظَمَئِكُم يُنتِجُ مياهً حَيَّةً تنبَعُ منكُم إلى الآخرين." بكلماتٍ
أُخرى، لقد إختَبَرنا مَجيئاً نافِعاً، فأصبَحَ لدينا ذهاباً مُثمِراً.
"أدخُلُوا فتَجِدُوا مرعَىً، ثمَّ أخرُجُوا."

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أراستس أرسطوس س

 

وجدَ
الكَثيرُونَ منَ المُؤمنينَ تعزِيَةً كبيرَةً في وَعدِ هذا الرَّاعِي الصَّالِح في
العددِ الرَّابِع، كونَهُ يتقدَّمُ أمامَ خِرافِهِ عندما يَدعُوها فتتبَعُهُ.
هُناكَ أوقاتٌ في حياتِنا يُريدُنا فيها راعِينا الصَّالح أن نعمَلَ شَيئاً جديداً
(إشعياء 43: 19). ثُمَّ يَدعُونا لنَخرُجَ ونتبَعَهُ إلى ذلكَ الفَصل الجديد الذي
يُريدُ الرَّبُّ أن يكتُبَهُ في يومِيَّاتِ إيمانِنا. فهُو يُحِبُّنا لِدَرَجَةِ
أنَّهُ أحياناً لا يَعُودُ صَوتُ دعوتِهِ لنا مُجَرَّدَ صَوتٍ يدعُونا للتَّقدُّمِ
إلى مجالٍ جديدٍ في الإيمانِ والخِدمة. فأحياناً، وفي عنايَتِهِ الإلهيَّة
المُحِبَّة، يُدَبِّرُ الرَّبُّ مُسَبِّباتٍ تُوفِّرُ لنا دَفعاً منَ الخلفِ
للتَّقدُّم.

 

فعندما
يَكُونُ لديهِ مكانٌ جديدٌ لنا على ترتيباتِ مشيئتِهِ، يَكُونُ لدَيهِ ثلاثَةُ
أعمالٍ يُريدُ أن يُنجِزَها في حياتِنا. أوَّلاً، عليهِ أن يُخرِجَنا منَ المكانِ
القَديم. فبما أنَّنا لدَينا مَيلٌ لِلبَحثِ عنِ الأمان، يمنَعُنا هذا من تركِ
مكانِنا القديم الآمِن. لهذا يتوجَّبُ أن يزيدَ الرَّبُّ على الصَّوتِ الذي
يدعُونا بهِ منَ الأمامِ للتَّقدُّمِ، فيُضيفُ حوافِزَ تُحَرِّكُنا من مكانِنا
القَديم.

 

وخِلالَ
هذه المرحلَة الإنتِقالِيَّة بينَ الشَّيءِ القَديم والجديد الذي يدعُونا الرَّبُّ
إليه، يكُونُ عمَلُهُ الثَّانِي أن يُبقِيَنا نتحرَّكُ لكي يستطيعَ جَرَّنا خلالَ
المرحَلَةِ الإنتِقالِيَّة. وعمَلُهُ الثَّالِثُ هُوَ أن يجعَلَنا نَكُونُ
مُستَقيمينَ، أو أن يُقَوِّمَنا لكي يجعلَنا نستَقِرُّ في المكانِ الجديد الذي أعدَّهُ
لنا، وهذا الشَّيءُ الجديدُ هُو ما يُريدُ الرَّبُّ أن يعمَلَهُ فينا، لأجلِنا،
ومن خلالِنا.

 

هذه
العمليَّة مُوضَّحَةٌ في العهدِ القَديم، عندما أرادَ اللهُ أن يَنقُلَ بني
إسرائيلَ من مِصرَ إلى أرضِ المَوعِدِ في كَنعان. قالَ اللهُ لمُوسى أن يُعَلِّمَ
أجيالَ شعبِ اللهِ الطَّالِعة القَولَ: "وأخرجَنا من هُناكَ لِكَي يأتِيَ بنا
ويُعطِيَنا الأرضَ التي حلفَ لآبائِنا." (تثنِيَة 6: 23).

 

صَوتُ
اللهِ الذي كانَ يَقُودُهُم إلى الأمرِ الجَديد والمكانِ الجديد، أُعلِنَ لهُم
بِغَيمَةٍ نهاراً وعمودِ نارٍ لَيلاً، لِقِيادَتِهم عبرَ بَرِّيَّةِ عدَمِ
إيمانِهِم نحوَ أرضِ المَوعِد. وهُم يُديرُونَ ظُهُورَهُم نحوَ البَحرِ الأحمَر،
هاجَمَهُم الجَيشُ المِصريُّ تحتَ سحابَةٍ منَ الغُبارِ، الأمرُ الذي أشارَ إلى
دَفعَةٍ منَ الخَلفِ كدافِعٍ إلهيٍّ لإخراجِهِم منَ القَديم، ولإيصالِهِم إلى
المكانِ الجديد الذي أرادَهُ اللهُ لهُم. هذه طريقَةُ العهدِ القَديم للتَّعبيرِ
عن الحقيقَةِ نَفسِها التي يُعَلِّمُها يسُوعُ في هذه الإستِعارَة العَميقة.

 

يُوجَدُ
تطبيقٌ تعَبُّدِيٌّ آخر في هذه الإستِعارَة. عندما نَسمَعُ يسُوعَ يَقُولُ أنَّهُ
هُوَ بابُ الخِراف، إن كُنَّا نعرِفُ أنَّهُ هُوَ راعِينا، عندها لن يتمكَّنَ أيُّ
"ذِئبٍ" (أي مُشكِلَةٍ) منَ الدُّخولِ إلى حياتِنا، إلا إذا إجتازَ
أوَّلاً على جَسدِ راعِينا. ينبَغي أن يَكُونَ هذا مصدَرَ راحَةٍ وتعزِيَةٍ
لِشَعبِ اللهِ الأَتقِياء، الذين لدَيهِم مشاكِل مثل المَرَض والعَجز. وكَشَخصٍ
مُقعَدٍ كَسيحٍ في السَّرير، أجِدُ شَخصِيَّاً تعزِيَةً كَبيرَةً لحالَتي في هذا
التَّطبيق.

 

وكَما
كانَتِ الحالُ في سِفرِ أيُّوب، هذه المَشاكِل قد لا تأتي مُباشَرَةً منَ الرَّبّ،
ولكنَّها لا تَستطيعُ الوُصُولَ إلَينا إلا في إطارِ إرادَةِ اللهِ السَّامِحَة.
فالشَّيطانُ كانَ ينبَغي أن يحصَلَ على سَماحٍ منَ اللهِ لإيلامِ أيُّوب،
وأَعتَقِدُ أنَّهُ بحاجَةٍ أيضاً إلى سَماحٍ منَ راعِينا لإيلامِنا. فلا ذِئب ولا
مُشكِلَة تقدِرُ أن تَصِلَ إليَّ أو إلَيكَ إلا إذا إجتازَت عبرَ راعينا.

 

يُوجَدُ
تطبيقٌ آخَر في هذه الإستِعارَة العَميقَة، عندَما يُقَدِّمُ الرَّبُّ يسُوعُ ذلكَ
التَّصريح العَلَني لرجالِ الدِّين اليَهُود: "السَّارِقُ لا يأتِي إلا
لِيَسرِقَ ويذبَحَ ويُهلِك؛ أمَّا أنا فقد أَتَيتُ لِكَي تَكُونَ لهُم حياةٌ،
وليَكُونَ لهُم أفضَل." ماذا يقصُدُ يسُوعُ عندما يَقُولُ أنَّ جَميعَ الذين
أتوا قبلَهُ هُم سُرَّاقٌ ولُصُوص؟ (1، 2) أو ماذا قَصَدَ عندَما قالَ، "إنَّ
الذي لا يَدخُلُ منَ البابِ إلى حَظيرَةِ الخرافِ بل يطلَعُ من مَوضِعٍ آخر، فذاكَ
سارِقٌ ولِصٌّ؟" ماذا يقصُدُ عندما يُشيرُ لاحِقاً في هذا المقطَع إلى
"الأجير."

 

تَذَكَّرُوا
أنَّ الرَّبَّ يسُوعَ قالَ عندَما طهَّرَ الهَيكَل، "مكتُوبٌ، بَيتِ بيت
الصَّلاةِ يُدعَى، وأنتُم جعَلْتُمُوهُ مغارَةَ لُصُوص." (متَّى 21: 13؛
مرقُس 11: 17) عندما إفتَتَحَ الرُّومانُ أُورشَليم بعدَ أن نطقَ يسُوعُ بهذه
الكلمات بأربَعين سنَةً، وجدُوا ما يُساوِي قيمَةَ أكثَر من خمسة ملايين دُولاراً
في خزنَةِ الهَيكَل. فلقد إستَغَلَّ رِجالُ الدِّينِ الحُجَّاجَ المُتَدَيِّنين
بطريقَةٍ فاسِدة، وأخذُوا منهُم الرِّبحَ القَبيحَ، ممَّا جعلَهُم يستَحِقُّونَ
ألقابِ سُرَّاقٍ ولُصُوص.

 

ودَعاهُم
أيضاً "أُجراء." ويقصُدُ بهذا أنَّهُم لم يَكُونُوا يهتَمُّونَ
لِلخِراف. بل كانَ كُلُّ واحِدٍ منهُم مُجَرَّدَ أجيرٍ. لاحِظُوا قَولَهُ عندما
يُغَيِّرُ الإستِعارَةَ في الأعدادِ التَّالِيَة: "أنا هُوَ الرَّاعِي
الصَّالِح. والرَّاعِي الصَّالحُ يبذُلُ نفسَهُ عنِ الخِراف. وأمَّا الذي هُوَ
أجِيرٌ ولَيسَ راعِياً الذي لَيسَتِ الخرافُ لهُ فيَرَى الذِّئبَ مُقبِلاً ويترُكُ
الخرافَ ويهرُبُ. فيخطَفُ الذِّئبُ الخرافَ ويُبَدِّدُها. والأجيرُ يهرُبُ لأنَّهُ
أجيرٌ ولا يُبالِي بالخِراف." (يُوحَنَّا 10: 11- 13).

 

كانَ
هذا حُكماً قاسِياً على هؤُلاء القادَة الدِّينيِّين. لقد كانُوا هُم السُّرَّاق
واللُّصُوص والأُجراءَ الذين أشارَ إليهِم هُنا. وكانُوا جُزءاً منَ نظامِ
الإستِغلال الدِّيني الفاسِد الذي جعلَ منهُم أغنِياء. ومنَ الواضِحِ أنَّهُم لم
يُعيرُوا أيَّ إهتِمامٍ يُذكَر لذلكَ الرَّجُلُ أمامَ بِركَةِ بَيتِ حسدا، الذي
كانَ مُقعَداً لِثمانٍ وثلاثِينَ سنَةً. لم يَهتَمُّوا بهِ البَتَّةَ، ولم
يُسرُّوا أبداً بأنَّهُ قد تمَّ شِفاؤُهُ. وبالطَّريقَةِ نفسِها، لم يَكُنْ
لدَيهِم أيُّ عَطفٍ أبداً على الرَّجُلِ الأعمى، ويبدُوا أنَّهُم إستاؤُوا جِدَّاً
بسببِ المُعجِزَة التي جعلَتْهُ قادِراً على البَصَر.

 

كيفَ
يُمكِنُ أن يَكُونُوا قُساةً وعديمي العَطف إلى هذه الدَّرَجة على هَؤُلاء المرضَى
الذين أحبَّهُم يسُوعُ كَثيراً؟ يُمكِنُنا أن نَجِدَ التَّفسيرَ هُنا تماماً.
فهَؤُلاء لم يَكُونُوا رُعاةً، بل كانُوا أُجَراء، الأمرُ الذي يعني أنَّهُم
كانُوا يمتَهِنُونَ الدِّينَ تجارَةً، وكانُوا يعمَلُونَ لأجرٍ ولأجلِ المنافِعِ
والشُّهرَةِ التي كان يحظَى بها رِجالُ الدِّين. ولقد كانُوا سُرَّاقاً ولُصُوصاً.
كانُوا بالتَّعريفِ الكتابِيِّ للكَلِمة يسعُونَ وراءَ الرِّبحِ القبيح. وكانُوا
يُحَصِّلُونَ ما يُعادِلُ ملايين الدُّولارات نتيجَةً لإستِغلالِ الحُجَّاجِ
المُتَديَّنِينَ خلالَ الأعيادِ المُقدَّسة، ولإستِغلالِ شَعبِ اللهِ طيلَةَ
أيَّامِ السنة.

 

ولقد
كَلَّفَ يسُوعُ لاحِقاً في هذا الإنجيل بُطرُسَ بأن يُظهِرَ محبَّتَهُ
لِمُخَلِّصِهِ برِعايَتِهِ لِلخرافِ التي أحبَّها يسُوع. فرِجالُ الدِّينِ هؤُلاء
لم يَهتَمُّوا بتاتاً بهذه الخراف. فبَينما تمَّ تكليفُهُم، مثل بُطرُس،
وإعتَرَفُوا بأنَّهُم مدعُوُّونَ لرِعايَةِ وإطعامِ هذه الخراف، كانُوا ينهَشُونَ
منهم لأنفُسهم ملايين الدُّولارات بإستِغلالِ خرافِ شعبِ اللهِ وجزِّ صُوفِهم.

 

ولكنَّ
نقيضَ هذه الصُّورَة يظهَرُ بِوُضُوحٍ في شَخصِ المسيح الذي قالَ عن نفسِهِ:
"أنا هُوَ." "أنا هُوَ الرَّاعي الصَّالحِ (ولقد قدَّمَ هذا
التَّصريحَ مرَّتَين.) وأعرِفُ خاصَّتي وخاصَّتِي تعرِفُني. كما أنَّ الآبَ
يعرِفُني وأنا أعرِفُ الآب. وأنا أضَعُ نفسِي عنِ الخراف."

 

وكما
في الإصحاحِ الخامِس، صَرَّحَ يسُوعُ قائِلاً: "أنا والآب لدينا علاقَة. فأنا
أعرِفُ الآبَ والآبُ يعرِفُني. وأنا أدعُو خِرافِي، كالمرأة السامِريَّة عندَ
البِئر، وكنيقوديمُوس، وكالرَّجُلِ أمامَ بِركَةِ بَيتِ حسدا، وكهذا الرَّجُلِ
الأعمى الذي إستَعادَ بَصَرَهُ." هؤُلاء هم الأشخاص الذي كانَ يسُوعُ
يقصِدُهُم عندما قالَ، "أنا أعرِفُ خرافِي. وخرافي تعرِفني وتسمَعُ صَوتي.
ولكنَّها لا تَسمَعُ صَوتَ الغُرباء أو اللُّصُوص بل تعرِفُ صَوتي وتَتبَعُني."

 

في
إطارِ هذه الإستِعارَة العميقة عنِ الخراف، أضافَ يسُوعُ قائِلاً: "لي خرافٌ
أُخَر ليسَت من هذه الحَظيرة." لقد سَمِعتُ هذا العَدَدَ يُطَبَّقُ بطُرُقٍ
مُتنوِّعَة. في كَنيسةٍ تتألَّفُ من عِرقٍ واحِدٍ، سَمِعتُ هذا العَدَدَ يُقتَبسُ
ليُشِيرَ إلى الإعتِرافِ بأنَّهُ يُوجَدُ مُؤمِنُونَ من أعراقٍ أُخرى. وسَمِعتُ
أيضاً أشخاصاً ينتَمُونَ إلى هُويَّةٍ عقائِديَّةٍ لاهُوتيَّةٍ مُعَيَّنَة
يعتَرِفُونَ على مَضَضٍ بهذه الحقيقَةِ نفسِها مُقتَبِسينَ هذا العدد – أنَّ
هُناكَ أشخاصاً يختَلِفُونَ عنهُم بإيمانِهم، ولكنَّهُم أيضاً ينتَمُونَ لهذه
الحظيرة.

 

إنَّ
التَّفسيرَ والتَّطبيقَ الذي قصدَهُ يسُوعُ مُبَيَّنٌ في سفرِ الأعمال. ففي ذلكَ
السِّفرِ التَّاريخيِّ المُوحَى بهِ منَ اللهِ في العهدِ الجديد، وإلى أن تَصِلُوا
إلى الإصحاحِ العاشِر، ستَجِدُونَ أنَّ كُلَّ المُؤمنينَ في الكنيسةِ كانُوا
يَهُوداً. المُعجِزَةُ المَجيدَة بأنَّ الكنيسةَ التي سيبنِيها يسُوعُ كانت ستحوي
أُمماً أيضاً، هي التَّفسيرُ والتَّطبيقُ الأساسيُّ الذي قصدَهُ يسُوعُ في هذا
التَّصريح، "لي خرافٌ أُخر ليسَت من هذه الحَظيرة. التَّفسيرُ والتَّطبيقُ
الأساسيُّ في هذا العدد هُوَ أنَّ الأشخاص غير اليَهُود سيُكُونُونَ جُزءاً من هذا
القطيع. فلقد أعطى الرَّبُّ لبُطرُس إعلاناً خارِقاً للطَّبيعة، وكرَّرَهُ ثلاثَ
مرَّاتٍ ليُقنِعَهُ أنَّ الكنيسةَ ينبَغي أن تَحوِي أُمَماً (أعمال الرَّسُل 10).

 

أحدُ
المُبَشِّرين اليَهُود المَسياوِيِّين، الذي كانَ واعِظاً حيويَّاً مُقتَدِراً،
ألقَى عظَةً أمامَ بضعَةِ مِئاتٍ من طُلابِ اللاهُوت. وبينما توجَّهَ الكثيرُونَ
منَّا لِمُصافَحتِهِ وتهنِئتِهِ على عظتِهِ الرَّائِعة، قالَ لهُ أحدُ المَسؤولينَ
في كُلِّيَّةِ اللاهُوت، "أنتَ أوَّلُ يَهُودِيٍّ مُؤمِنٍ بالمسيح أسمَعُهُ
يَعِظ." فإلتَفَتَ الواعِظُ اليَهُودِيُّ المُتَجَدِّدُ نحوَ هذا المَسؤول
وسألَهُ، "ألم تسمَع أبداً وعظَ الرُّسُل الإثنَي عشَر؟" فنحنُ ننسى
عادَةً أنَّ الرُّسُلَ الإثنَي عشرَ كانُوا جميعُهُم يَهُوداً.

الإنجيلُ
الذي كرَزَ بهِ المسيحُ الحَيُّ المُقامُ وأتباعُهُ، تمَّ وصفُهُ كإعلانٍ
يَهُودِيٍّ مسيحيٍّ للحقيقَةِ، وذلكَ لِسَبَبين. أحدُهُما: أنَّ كُلَّ ما نُؤمِنُ
بهِ كأتباع للمسيح يرتَكِزُ أساساً على كلمةِ اللهِ، التي هي العهد القديم
أوَّلاً، ومن ثَمَّ العهد الجديد، الذي يُخبِرُنا أنَّ يسُوعَ أتى، وعمَّا ينبَغي
أن يعنيهِ هذا بالنِّسبَةِ لأُولئكَ الذين يُؤمِنُونَ بِيَسُوع. ثانِياً: كنيسةُ
يسُوع المسيح كانت يهُودِيَّةً قبلَ أن تُصبِحَ قطيعاً منَ الغَنمِ المُخَلَّصِين،
الذين يسمَعُونَ ويعرِفُونَ صَوتَ المسيح، الذي دعاهُم منَ اليَهُوديَّةِ
لإتِّباعِ المسيح.

 

مُلَخَّص:

تُلَخَّصُ
هذه الأعداد السِّتَّة عشر الأُولى من إنجيلِ يُوحنَّا الإصحاح العاشِر بالسُّؤال:
من هُوَ يسُوع؟ في هذا الإصحاح، إنَّهُ البابُ الذي يُؤَدِّي إلى حَظيرَةِ الخراف،
وهُوَ البابُ الوحيدُ الذي تستطيعُ الخرافُ الدُّخُولَ منهُ لِتَجِدَ الخلاص.
وبعدَ ذلكَ، بإمكانِ الخرافِ أن تَختَبِرَ دُخُولاً مُستَمِرَّاً نافِعاً،
وخُروجاً مُثمِراً من هذا الباب. هذا من هُوَ يسُوعُ هُنا.

 

وما
هي الحياةُ في هذا الإصحاح؟ الحياةُ الأبديَّةُ هي أن تَكُونَ واحداً من خرافِهِ.
فنحنُ نجدُ الخلاصَ عندما ندخُلُ إلى قَطيعِ الغنم منَ البابِ الذي هُوَ إيَّاهُ،
وبذلكَ نُحفَظُ في أمانٍ وسلام. فالحَياةُ هي دُخُولٌ مُستَمِرٌّ لإيجادِ المراعي
الخضراء. فحاجاتُنا ستُلَبَّى عندما نأتي إليهِ، لأنَّهُ جاءَ لتَكُونَ لنا حياةٌ،
ولتَكُونَ لنا هذه الحياةُ بِفيضٍ. فالحياةُ هي إذاً أن نَجِدَ في قَطيعِ الخراف
الرُّوحي، أي الكنيسة، كُلَّ ما نحتاجُهُ لنحيا في المسيح، ونخدِمَ رَبَّنا
ونُمَجِّدَ الله.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير بروس أنيستى 09

 

وما
هُوَ الإيمانُ؟ الإيمانُ هُوَ الإقتِناعُ بأنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقام هُوَ
البابُ الذي يَقُودُ إلى الخلاص وإلى بركاتِ القَطيع. الإيمانُ هُوَ الثِّقَة
بأنَّهُ هُوَ وحدَهُ البابُ الذي ينبَغي أن ندخُلَ منهُ ونعبُرَ إذا أردنا أن
نخلُصَ وأن ندخُلَ الحياةَ الأبديَّة. لِهذا، الإيمانُ هُوَ رَفضُ إتِّباعِ صَوتِ
الغُرَباء والسُّرَّاقِ واللُّصُوص.

 

الإيمانُ
هُوَ أيضاً سماعُ صَوتهِ والإلتِزامُ بإتِّباعِهِ. الإيمانُ هُوَ القرارُ بأن
نصنَعَ تَغييراً، عالِمينَ أنَّهُ عندما يَدعُو خرافَهُ لتتبعَهُ، يتقدَّمُها هُوَ
بِنفسِهِ، ونحنُ نُصادِقُ على هذه المُعجِزة عندما نتبَعُهُ. بكلماتٍ أُخرى،
الإيمانُ هُوَ القيادَةُ الإلهيَّةُ والإقتناعُ الواثِقُ بالتَّحلِّي بالشَّجاعَةِ
لإتِّباعِ الإرشادِ الإلهيِّ.

 

هذا
من هُوَ يسُوع، وهذا ما هُوَ الإيمانُ، وهذا ما هي الحياةُ في الأعدادِ السِّتَّةِ
عشر الأُولى من إنجيل يُوحَنَّا الإصحاح العاشِر.

 

"الخرافُ
الآمِنَة"

(يُوحَنَّا
10: 17- 42)

"أمَّا
أنا فإنِّي الرَّاعي الصَّالِح وأعرِفُ خاصَّتي وخاصَّتي تَعرِفُني. كما أنَّ
الآبَ يَعرِفُني وأنا أعرِفُ الآب. وأنا أضَعُ نفسي عنِ الخِراف. ولي خِرافٌ أُخَر
لَيسَت من هذه الحظيرة ينبَغي أن آتِيَ بِتِلكَ أيضاً فتسمَع صَوتي وتكُونُ
رَعِيَّةٌ واحِدَةٌ وراعٍ واحِد."

 

"لِهذا
يُحِبُّني الآبُ لأنِّي أضَعُ نفسِي لآخُذَها أيضاً. ليسَ أحَدٌ يأخُذُها منِّي بل
أضَعُها أنا من ذاتِي. لِي سُلطانٌ أن أضَعَها ولي سُلطانٌ أن آخُذَها أيضاً. هذه
الوَصيَّة قَبِلتُها من أَبِي." (يُوحَنَّا 10: 14- 18).

 

هُنا
نَجدُ المسيحَ يَصِفُ عملَهُ الأكثر أهَمِّيَّةً. فلقد خدَمَ خدمَةً علنيَّةً لمُدَّةِ
ثلاثِ سنواتٍ، ولقد أصبَحَ في أُورشَليم، الأمرُ الذي سيُوفِّرُ الإطارَ لأهَمِّ
عمَلٍ يعملُهُ في العالم.

 

وكما
لاحظتُ في نظرَتي لهذا الإنجيل، يُوجَدُ واحِدٌ وعِشرُونَ إصحاحاً في إنجيلِ
يُوحَنَّا. تقريباً نصفُ هذه الإصحاحات تُخبِرُنا عن السَّنوات الثلاث والثَّلاثين
الأُولى من حياةِ يسُوع، ولكنَّها لا تُخبِرُنا شَيئاً عن ولادَتِهِ ولا عن
السَّنواتِ الثَّلاثين الأُولى من حياتِهِ. بل هي تتحدَّثُ فقط عنِ السَّنواتِ
الثلاث الأخيرة من حياتِهِ. وسُرعانَ ما نَجِدُ أنفُسَنا نَقرأُ الإصحاح الثَّانِي
عشَر، نجدُ أنَّ السنواتِ الثلاث والثَّلاثين من حياتِهِ قدِ إنقَضَت، بما في ذلكَ
ثلاث سني خدمتِهِ العَلنيَّة. وكُلُّ الإصحاحاتِ الأُخرى – تقريباً نصف مُحتَوى
هذا الإنجيل – تَصِفُ الأُسبُوعَ الأخير من حياتِهِ.

 

هُناكَ
تِسعَةٌ وثمانُونَ إصحاحاً في الأناجيلِ الأربَعة. فقط أربَعة منها تُغَطِّي
ولادَتَهُ والسنوات الثَّلاثِين الأُولى من حَياتِهِ. ثَمَانِيَة وخَمسونَ إصحاحاً
تُرَكِّزُ على السَّنواتِ الثلاث الأخيرة، وسَبعَةٌ وعشرُونَ إصحاحاً تتَكلَّمُ
عنِ الأُسبُوعِ الأخيرِ من حَياتِهِ. فلماذا يُعتَبَرُ الأُسبُوعُ الأخيرُ من حياةِ
المسيح على هذا القدَر منَ الأهمِّيَّة؟ الوَصفُ المَكتُوبُ للأُسبُوعِ الأَخيرِ
من أهمِّ حَياةٍ عاشَها أحدٌ على الإطلاق، يُشَكِّلُ نصفَ مُحتَوى سيرَةِ حياة
يسُوع هذه، لأنَّ هذه الإصحاحاتِ والأعداد تُسَجِّلُ مُعجِزَةَ موتِ المسيح
وقيامَتِهِ من أجلِ خلاصِنا. فَمَوتُهُ وقِيامَتُهُ كانا من أجلِ خلاصِ خَطايا
العالَمِ أجمَع بِشَكلٍ عامٍّ، وخطاياكَ وخطايايَ بِشكلٍ خاصّ.

 

كأتباعِ
يسُوع، لدَينا مأمُوريَّة بأن نكرِزَ بالإنجيلِ للعالَمِ أجمَع. في خاتِمَةِ
الأناجيلِ الأربَعة، وفي بِدايَةِ سفرِ أعمالِ الرُّسُل، يُعطينا الرَّبُّ
مأمُوريَّةً بأن نُتَلمِذَ أُناساً ليَسُوع خلالَ كرازَتِنا بالإنجيل في كُلِّ
أُمَّةِ في العالم. فإذا أخَذنا المأمُوريَّةَ العُظمَى على مَحمَلِ الجَدّ، علينا
أن نُدرِكَ أنَّنا قبلَ أن نبدَأَ بالكرازَةِ بالإنجيل، علينا أن نفهَمَ ما هُوَ
الإنجيل.

 

في
رِسالَتِهِ الأُولى إلى أهلِ كُورنثُوس، يُعطينا بُولُس تعريفاً واضِحاً
لِكَلِمَةِ "إنجيل." أنا أخافُ أنَّ النَّتائِجَ ستَكُونُ مُخجِلَةً إذا
قامَ قَسِّيسُ كنيسَةٍ ذات مُعَدَّل وسَطِي بإعطاءِ ورقَةٍ وقَلَمٍ لكُلِّ واحدٍ
من أعضاءِ كنيستِهِ وطلبَ منهُم أن يَكتُبُوا جواباً على السُّؤال: "ما هُوَ
الإنجيلُ الذي نحنُ مُكَلَّفُونَ بالكِرازَةِ بهِ في العالم؟ وإدعَمُوا
أجوِبَتَكُم بأعدادٍ كِتابِيَّة."

 

في
الأعدادِ الأربَعة الأُولى من الإصحاح الخامِس عَشَر من الرِّسالَةِ الأُولى إلى
أهلِ كُورنثُوس، يُعطينا بُولُس جواباً مَكتُوباً على السُّؤالِ الذي ذكرناهُ
أعلاهُ، والذي طرحَهُ قَسِّيسٌ إفتِراضِيَّاً على أعضاءِ كنيستِهِ عمَّا هُوَ
الإنجيل. فبينما يختَتِمُ بُولُس رِسالَتَهُ للكُورنثُوسيِّينَ، يكتُبُ قائِلاً ما
معناهُ: "أوَدُّ أن أُذَكِّرَكُم الآن بما هُوَ الإنجيلُ الذي كَرَزتُ لكُم
بهِ عندما جِئتُ إلى كُورنثُوس. هذا ما كرزتُ بهِ. وهذا ما آمنتُم بهِ. وهذا ما
خَلَّصَكُم. وهذا ما تَقِفُونَ عليهِ الآن. وإذا آمنتُم بخلافِ ذلكَ وتمسَّكتُم
بخلافِ ذلكَ، تَضِلُّون. فالآن هذا هُوَ الإنجيل: أنَّ يسُوعَ المسيح ماتَ من أجلِ
خطايانا، بِحَسَبِ الكُتُب. وأنَّهُ قامَ منَ الأمواتِ بحَسَبِ الكُتُب."

 

هذا
هُوَ بالتَّحديدِ والصَّراحَةِ والتَّدقيق الإنجيلُ الذي نكرِزُ بهِ للعالَمِ
أجمع. فعندما يكُونُ لدَينا فهمٌ واضِحٌ لما هُوَ الإنجيل، نفهَمُ سببَ مقدارِ
الأهمِّيَّةِ القُصوى التي أُعطِيَت للأسبُوعِ الأخيرِ من حياتِهِ. ثُمَّ نفهَمُ
ما يُظهِرُهُ يسُوعُ لنا هُنا في هذه الأعداد، عندما يَقُولُ،"لِهذا
يُحِبُّني أبي، لأنِّي أضَعُ نفسِي عنِ الخراف لآخُذَها أيضاً. ليسَ أحَدٌ
يأخُذُها منِّي، بل أضَعُها أنا من ذاتِي."

 

منَ
المُربِكِ أن نُلاحِظَ عبرَ هذا الإنجيل أنَّ يسُوعَ لا يدَّعي أبداً أنَّهُ
يعمَلُ أُمُوراً من نفسِهِ. فبِحَسَبِ يسُوعُ، هُوَ لا يعمَلُ شَيئاً. بل الآبُ
يعمَلُ كُلَّ شَيءٍ، بهِ ومن خلالِهِ. فالآبُ هُوَ المنبَعُ والقُوَّةُ والقصدُ من
كُلِّ كَلِمَةٍ يقُولُها، ومن كُلِّ عملٍ يعمَلُهُ. والآبُ هُوَ حَرفِيَّاً
الشَّخصُ الذي يعمَلُ كُلَّ ما يعمَلُهُ يسُوعُ.

 

لَدَينا
هُنَا إستِثناءٌ على هذا القَول. هذا هُوَ الوقتُ الذي يَقُولُ فيهِ أنَّهُ
سيعمَلُ شَيئاً من ذاتِهِ. يَقُولُ، "لِهذا يُحِبُّني الآبُ، لأنِّي أضَعُ
نفسِي لآخُذَها أيضاً. لا أحَد يأخُذَ حياتِي منِّي. فلَدَيَّ أنا السُّلطة أو
القُوَّة لأضَعَها والسُّلطَةُ والقُوَّةُ لأستَرِدَّها أيضاً." ثُمَّ
يَقُولُ،

"هذه
الوَصِيَّة قَبِلتُها من أَبِي." فهُوَ هُنا أيضاً لا يَدَّعِي أن يعمَلَ
شَيئاً بمعزَلٍ عنِ الآب. بل هذا ما يبدُو للوهلَةِ الأُولى. لديهِ وَصِيَّةٌ
ولديهِ سُلطَةٌ منَ الآبِ ليَمُوت ويَقُومَ من المَوت.

 

سيُخبِرُنا
لاحِقاً في هذا الإصحاح أنَّهُ هُوَ والآبُ واحِد (30). الذي يَقصُدُهُ بهذا هُوَ
أنَّ كُلَّ ما يَقُولهُ ويفعَلُهُ هُوَ بِبَساطَةٍ تدَفُّقٌ أو تعبِيرٌ عن
وِحدَتِهِ معَ الآب. قد يَكُونُ هذا مُثيراً لإهتمامنا عندما نتأمَّلُ بِسُؤالٍ
مثل، "ما هُوَ الإيمانُ؟"

 

فَعِندَما
يُعَلِّمُ الرُّسُلَ في العُلِّيَّةِ، يَقُولُ لهُم ما جوهَرُهُ أنَّهُ بعدَ
موتِهِ وقِيامَتِهِ، سيَكُونُ مُمكِناً لهُم أن يَكُونُوا واحِداً معَهُ، كما كانَ
هُوَ واحداً معَ الآب. (يُوحَنَّا 14: 20- 24) يا لِهذا التَّحدِّي الرَّائِع، أن
نُدرِكَ أنَّنا نستطَيعُ أن نَكُونَ واحداً معَ المسيح المُقام، كما كانَ وكما
هُوَ الآن، وكما سيَكُونُ حتَّى نهايَةِ الأزمانِ واحداً معَ الآب.

 

في
إطارِ هذا التَّعليم، أعطَى يسُوعُ رُسُلَهُ وعداً رائِعاً. أخبَرَهُم أنَّهُم إن
كانُوا سيُصبِحُونَ في وِحدَةٍ معَ الرُّوحِ القُدُس، كما كانَ هُوَ معَ الآب،
سيعمَلُونَ أعمالاً أعظَمَ ممَّا عمِلَ هُوَ. لا بُدَّ أنَّهُ قَصَدَ أنَّ
أعمالَهُم ستَكُونُ أعظَمَ بمعنَى الكَمِّيَّة وليسَ النَّوعِيَّة، لأنَّهُم سيكُونُونَ
كثيرِين. فتعليمُهُ فوق الإعتيادِيَّ، الذي سنتأمَّلُ بهِ بأكثَرِ عُمقٍ عندما
سندرُسُ هذه الأعداد معاً، كانَ يعني بِجَوهَرِهِ أنَّ كَلِمَةَ اللهِ نُطِقَ بها
وأنَّ عملَ اللهِ أُنجِزَ على الأرضِ من خلالِهِ، لأنَّهُ كانَ واحداً معَ الآب.
فإذا كانُوا سيُصبِحُونَ في وحدَةٍ معَ الرُّوحِ القُدُس، فإنَّ كَلِمَةَ وعملَ
رَبِّهم ومُخَلِّصِهم ستُنطَقُ وتُنجَزُ على الأرضِ من خلالِهم.

 

في
هذا المقطَع، يتكلَّمُ يسُوعُ عنِ المَوتِ والقِيامَة. هل تذكُرُونَ ذلكَ
التَّصريح العقائِدي الصَّرف الذي قدَّمَهُ يسُوعُ لنيقُوديمُوس، عندما أعلَنَ
أنَّهُ ينبَغي أن يمُوتَ على الصَّليب، لأنَّ مَوتَهُ على الصَّليب كانَ الخلاص
الوحيد منَ الله، لأنَّهُ كانَ المُخَلِّص الوحيد المُرسَل منَ اللهِ؟ فهُوَ يبني
على أساسِ هذا التَّصريح هُنا في هذا المقطَع، حيثُ يُعلِنُ قائِلاً: "عندما
سيَحدُثُ هذا، هل تَظُنُّونَ أنَّني صُلبتُ بِبَساطَةٍ على الصَّليب، كما كانَ
يُصلَبُ أيُّ شَخصٍ آخر يُعارِضُ سُلطَةَ الرُّومان. لن يَستطيعَ إنسانٌ أن يأخُذَ
حياتِي منِّي بل أنا سأضَعُ حياتِي بفعلٍ إرادِيٍّ من مَشيئَتي، وبُرهانُ هذا هُوَ
أنَّني سأستَرِدُّ حياتِي ثانِيَةً بإرادَتي."

 

لا
نتفاجَأَنَّ عندَما نقرَأُ:"فَحَدَثَ أيضاً إنشِقاقٌ بينَ اليَهُودِ بِسَبَبِ
هذا الكلام. فقالَ كَثيرُونَ منهُم بِهِ شَيطانٌ وهُوَ يهذِي. لماذا تَستَمِعُونَ
لهُ. آخرُونَ قالُوا ليسَ هذا كلام من بهِ شَيطان. ألَعَلَّ شَيطاناً يقدِرُ أن يفتَحَ
أعيُنَ العُميان." (يُوحَنَّا 10: 19- 21)

 

يتغَيَّرُ
المَوضُوعُ هُنا في الإصحاحِ العاشِر. يبدَأُ قِسمٌ آخر في السِّفر معَ العددِ
الثَّانِي والعشرين. فلقد إنقَضَت شُهُورٌ قبلَ أن يحدُثَ ما يَتِمُّ وصفُهُ الآن:
"وكانَ عِيدُ التَّجديدِ في أُورشَليم، وكانَ شِتاءٌ. وكانَ يسُوعُ يتمشَّى
في الهَيكَلِ في رِواقِ سليمان. فاحتاطَ بهِ اليَهُودُ وقالُوا لهُ إلى متى
تُعَلِّقُ أنفُسَنا. إن كُنتَ أنتَ المسيحُ فقُلْ لنا جَهراً.

 

"أجابَهُم
يسُوعُ إنِّي قُلتُ لكُم ولستُم تُؤمِنُون. الأعمالُ التي أنا أعمَلُها بإسمِ أبِي
هي تَشهَدُ لي. ولكنَّكُم لستُم تُؤمِنُونَ لأنَّكُم لَستُم من خرافِي كما قُلتُ
لكُم. خِرافِي تسمَعُ صَوتي وأنا أعرِفُها فَتتبَعُني. وأنا أُعطيها حياةً
أبديَّةً، ولن تهلِكَ إلى الأبد، ولا يخطَفُها أحَدٌ من يَدي. أبي الذي أعطاني
إيَّاها هُوَ أعظَمُ منَ الكُلِّ ولا يقدِرُ أحدٌ أن يخطَفَ من يَدِ أبِي. أنا
والآبُ واحِد." (يُوحَنَّا 10: 22- 30)

 

"فتناوَلَ
اليَهُودُ حجارَةً لِيَرجُمُوهُ. أجابَهُم يسُوعُ أعمالاً كَثيرَةً حسنَةً
أرَيتُكُم من عِندِ أبِي. بِسَبَبِ أيِّ عمَلٍ منها تَرجُمُونَني؟ أجابَهُ
اليَهُودُ لَسنا نَرجِمُكَ لأجلِ عمَلٍ حَسنٍ بل لأجلِ تجديفٍ. فإنَّكَ وأنتَ
إنسانٌ تجعَلُ نفسَكَ إلهاً." (يُوحَنَّا 10: 31- 33)

 

"من
هُوَ يسُوعُ" في إنجيلِ يُوحَنَّا؟ تأكَّدْ من أن تَقُومَ بهذه المُلاحَظة
عندما تقرَأُ هذا الإنجيل: في عِدَّةِ مقاطِع، منَ الواضِحِ جدَّاً أنَّهُ هُوَ
المَسِيَّا. وفي مقاطِعَ أُخرى مثل هذا المقطع، منَ الواضِحِ جدَّاً أنَّهُ الله.
إنَّهُ لَيسَ مُجرَّد شخصٍ إلهيّ، وليسَ هُوَ فقط إبن الله. إنَّهُ الله. إنَّهُ
جزءُ منَ شَخصِيَّةِ الله. إنَّهُ الإبنُ، واللهُ هُوَ الآبُ، وهُما يُقَدَّمانِ
هُنا إلى جانِبِ الرُّوحِ القُدُس كثالُوثٍ مُقَّدَس: الآب، والإبن، والرُّوح
القُدُس. والثَّلاثَة هُم الله الواحد.

هل تبحث عن  هوت مقارن تبسيط الإيمان 33

 

نجدُ
هذا الإله المُثَلَّث الأقانيم مُصَوَّراً على صفحاتِ الكتابِ المُقدَّسِ عامَّةً.
مثلاً، في الإصحاح الأوَّلِ من الكتابِ المُقدَّس، الكلمَةُ المُستَخدَمَةُ
لِوَصفِ اللهِ هي بِصيغَةِ الجَمع. نقرَأُ: "لنَصنَعِ الإنسانَ على
صُورتِنا." إذا قرأتُم قِصَّةَ الخَلقِ عن كَثَب، ستَرونَ حُضُورَ الآبِ
والرُّوحِ مُشارَاً إليهِ في مُعجِزَةِ الخَلق، لأنَّ الكلمات التي تُشيرُ إلى
اللهِ هي بِصِيغَةِ الجمع. "نَعمَلُ الإنسانَ على صُورَتِنا
كَشَبَهِنا…" ونقرَأُ أنَّ رُوحَ اللهِ كانَ يَرِفُّ على وجهِ المياهِ
خلالَ عمليَّةِ الخَلق. وفي الصَّلاةِ الرَّائِعة التي صَلاَّها رَبُّنا للآبِ في
هذا الإنجيل، قالَ: "والآن مَجِّدْني أنتَ أيُّها الآبُ عندَ ذاتِكَ بالمَجدِ
الذي كانَ لي عِندَكَ قَبلَ كَونِ العالم." (يُوحَنَّا 17: 5) لهذا نحنُ
نعرِفُ أنَّ الإبنَ كانَ حاضِراً معَ الآبِ والرُّوحِ عندَ خلقِ العالَم.

 

لقد
إنتَهَت جَولَةُ الحِوارِ هذه عندما سألُوهُ: "إلى متى تُعَلِّقُ أنفُسَنا.
إن كُنتَ أنتَ المسيحَ فَقُلْ لنا جَهراً." فأشارَ إليهِم أنَّهُ سبقَ وأجابَ
على سُؤالِهم ولكنَّهُم لم يُصَدِّقُوهُ.

 

في
نهايَةِ الإصحاحِ الثَّامِن، لم يَكُنْ هُناكَ أيُّ شَكٍّ بتاتاً في أذهانِ رِجالِ
الدِّين أنَّ يسُوعَ كانَ يدَّعي بأنَّهُ الله. فحاوَلُوا أن يَرجُمُوهُ بدَعوَى
التَّجديف، لأنَّهُم فَهِمُوا بِوُضُوحٍ ما صَرَّحَ بهِ عن نفسِهِ. نجدُ هذا
التَّجاوُب نفسَهُ على أقوالِ يسُوع هُنا في هذا المقطَع: "فتناوَلَ
اليَهُودُ أيضاً حجارَةً ليَرجُمُوهُ." كتبَ يُوحَنَّا كلمة
"أيضاً" لأنَّهُم سبقُوا وحاوَلُوا رَجمَهُ في نهايَةِ الإصحاحِ الثَّامِن،
عندَما قدَّمَ هذه التَّصريحات.

 

هُناكَ
تشديدٌ على مَوضُوع العنايَة الإلهيَّة التي تمتَدُّ عبرَ إنجيلِ يُوحَنَّا. في
الإصحاحِ السَّادِس، قدَّمَ يُوحَنَّا خدمَةَ الرَّبِّ في إطارِ عِنايَةِ الله:
كُلُّ من يُعطيهِ الآبُ سيُقبِلُ إليهِ، وإن لم يجتَذِبْهُم الآب، لن يستَطيعُوا
أن يأتُوا. وعندما يجذِبُهُمُ الآبُ ويأتُون، لن يطرحَهُم خارِجاً. (يُوحَنَّا 6:
37- 47)

 

عندما
سألُوهُ عن عملِهِ، أجابَهُم بالفِعل، "هذا ما أعمَلُهُ طوالَ النَّهار. أنا
أتنقَّلُ بِبَساطَةٍ في هذا العالم، وخلالَ تنقُّلِي أنا أُعلِنُ هذه الكلمات التي
هي رُوحٌ وحَياة. وعندما أنطِقُ بهذه الكلمات، الذين هُم خرافِي، أي الذين أُعطُوا
لي، يُجتَذَبُونَ إليَّ من قِبَلِ الآبِ والرُّوح. فهُم يسمَعُونَ صَوتي
ويُقبِلُونَ إليَّ. وعندما يأتُون، لا أُخرِجُهُم خارِجاً."

 

قالَ
يسُوعُ في الإصحاحِ الخامِس، "لا يُعوِزُكُم البُرهانُ لتُؤمِنُوا بي. أنتُم
لا تُؤمِنُونَ بي لأنَّكُم لا تُريدُونَ أن تُؤمِنُوا." هُنا في الإصحاحِ
العاشِر، يُعطِينا يسُوعُ سَبَباً آخَرَ لعدَمِ إيمانِهم عندما يَقُول،
"أنتُم لا تُؤمِنُونَ لأنَّكُم لَستُم من خِرافِي. خِرافِي تسمَعُ صَوتِي.
وأنا أعرِفُها وهي تعرِفُني وتتبَعُني. وأنا أُعطِيها حياةً أبديَّة. ولن تهلِكَ
إلى الأبد." هذه هي مِيزاتُ خِرافِهِ، وهُوَ يَقُولُ لليَهُود، "أنتُم
لا تُؤمِنُونَ لأنَّكُم لَستُم من خرافِي."

 

عندما
يمنَحُ خرافَهُ الحياةَ الأبديَّة، لن تهلِكَ أبداً. فعندما تخلُصُ هذه الخرافُ،
هل يُمكِنُ أن تفقُدَ خلاصَها؟ أصغُوا إلى هذا التَّفسير لجوابِ يسُوع على هذا
السُّؤال: "لو كُنتُم بالحقيقَةِ من خرافِي، فهذا يعني أنَّ الآبَ قدِ
إجتَذَبَكُم إليَّ وأعطاكُم لي. فالآبُ سَيَكُونُ سَبَبَ مجيئِكُم إليَّ،
والسُّلطة أو القُوَّة الكامِنة وراءَ مجيئِكُم، ومجدُهُ هُوَ القَصدُ من مجيئكُم
إليَّ للخلاص." (28- 30) هذا هُوَ بالواقِعِ ما يحدُثُ عندما نُؤمِنُ ونخلُص.

 

ثُمَّ
يُضيفُ يسُوعُ على هذه الإستِعارَة الجميلة هذا التطبيقَ التَّفسيريَّ الجميل:
"خِرافِي تسمَعُ صَوتي. وأنا أعرِفُها، وهي تتبَعُني، وأنا أُعطيها حياةً
أبديَّة، ولن تهلِكَ إلى الأبد. ولا يخطَفُها أحدٌ من يَدي. أبي الذي أعطاني
إيَّاها هُوَ أعظَمُ منَ الكُلِّ ولا يَقدِر أحَدٌ أن يخطَفَ من يَدِ أبِي. أنا
والآبُ واحِد." (27- 30). عندمَا نفهَمُ الخلاصَ بِحَقٍّ، ندرِكُ أنَّ
خلاصَنا لا يعني أنَّنا نحنُ نتمسَّكُ بهِ، بل أنَّهُ هُو يُمسِكُ بنا.

 

عندما
كانَ أطفالُنا لا يزالُونَ صِغاراً، كُنَّا نسكُنُ في بَلدَةٍ على شاطِئِ البَحر،
وغالِباً ما كُنتُ آخُذُ أولادي إلى الشَّاطِئ. وعندما كانَ يُحاوِلُ أحدُ أبنائي
الذي كانَ لا يزالُ صَغيراً جداً، أن يقتَرِبَ منَ الأمواج، كانت الأمواجُ
المَُضادَّة تدفَعُهُ بِقُوَّة. لقد أردتُ دائماً أن أكُونَ أنا مُن يُمسِكُ
بِيَدِهِ وليسَ هُوَ من يُمسِكُ بِيَدي، لئلا يَقَع. ولكنَّهُ كانَ يُصِرُّ أنَّهُ
هُو يُريدُ أن يُمسِكَ بِيَدِي. فسَمَحتُ لهُ أن يُمسِكَ بِيَدي. وكانت تأتي
المَوجَةُ الأُولى وتُوقِعُهُ أرضاً إذ تُفلِتُ يَدُهُ من يَدي بِسببِ قُوَّةِ
الأمواج. وعندها كانَ يرجِعُ إليَّ وهُوَ يبصُقُ مياهَ البَحرِ المالِحة التي
إبتَلَعها، وكانَ يرتَمي عليَّ قائِلاً، "يا بابا، أمسِكْ أنتَ بِيَدي هذه
المرَّة."

 

ولقد
إكتَشَفَ إبني الصَّغير أنَّ إمساكَ أبيهِ بِيدِهِ كانَ ينجَحُ بشكلٍ أفضَل جدَّاً
من إمساكِهِ هُوَ بيدِي. يُعَلِّمُنا يسُوعُ هُنا أنَّ الخلاصَ وأمانَ خلاصِنا،
ليسَ مُتَعلِّقاً بتمسُّكِنا نحنُ بالرَّاعِي. فالأخبارُ السَّارَّةُ هي أنَّهُ
هُوَ من يُمسِكُ بنا.

 

يُقَدِّمُ
لنا يسُوعُ إستِعارَةً أُخرى عنِ الخرافِ في هذه الأعداد. فهُوَ يتكلَّمُ عن كَونِ
الخرافِ في يَدِهِ. تأمَّلْ بيدِهِ المَفتُوحَة، حامِلاً بها خروفاً، الذي يُشيرُ
لي ولكَ، في كفِّ يَدِهِ. وأصغِ الآنَ إلى وعدِهِ أنَّهُ لا يَستَطيعُ أحَدٌ أن
يخطَفَ هذا الخرُوفَ من يَدَِهِ.

 

بَينما
تبدَأُ بالتَّفكيرِ بأنَّ هذا الخَرُوف قد يَكُونُ قادِراً على مُمارَسَةِ
حُرِّيَّةِ الإختِيار، وأن يتَّخِذَ قرارَ القفزِ من يَدِ الرَّبّ، أصغِ إلى وصفِ
يسُوع لِيَدِ الآب، التي تأتي من فَوقُ لتَغمُرَ كَفَّي الإبن، جامِعَةً يديهِ
معاً، والخَروفُ في أمانٍ بينَهُما. الآن أصبَحَتِ الصُّورَةُ المجازِيَّةُ
كامِلَةً عندما يَقُولُ يسُوع، "أبي الذي أعطاني إيَّاها هُوَ أعظَمُ منَ
الكُلِّ ولا يَقدِرُ أحَدٌ أن يخطَفَ من يَدِ أبِي." (29)

 

نحنُ
مخلُوقاتٌ ذات خيَار، ويُوجَدُ أشخاصٌ ضالُّون. ولكنَّ الأبناءَ الضَّالِينَ لا
يَبقُونَ في الكُورَةِ البَعيدَةِ طيلَةَ حياتِهِم. وعندما لا يَرجِعُ الإبنُ
الضَّالُّ من حَظيرَةِ الخنازِير التي يعيشُ فيها بعيداً عنِ الآب، يَكُونُ
الحُكمُ أنَّهُ لم يَكُنْ إبناً أصلاً. ولكن، إن كُنتَ أنتَ إبناً ضالاً، أو إذا
كانَ لدَيكَ إبنٌ ضالٌّ، سوفَ تتعزَّى كَثيراً عندما تعلَمُ أنَّ الأبناءَ
يَرجِعُون. فلن يَفُوتَكَ القِطارُ أبداً لتَعودَ إلى نفسِكَ مثل الإبن الضَّال،
وتُقَرِّرَ أنَّكَ لا تنتَمي إلى حَظيرَةِ الخنازير في الكُورَةِ البَعيدَةِ في
هذا العالم. ولا تَكُفَّ عنِ الصَّلاةِ لعَودَةِ أبنائِكَ الضَّالِّينَ، لأنَّهُ
منَ المُمكِنِ جِدَّاً لهُم أن يَكُونُوا أبناءَ حَقِيقيِّينَ للآب، أو خراف
ضالَّة سترِجعُ إلى حَظيرَةِ الرَّاعي الصَّالِح. (لُوقا 15: 11- 24).

 

عندما
كانَ الدُّكتُور
J. Vernon McGee
أُستاذِي في كُلِّيَّةِ اللاهُوت، سألتُهُ مرَّةً، "ماذا لو ماتَ الإبنُ
وهُوَ في الكُورَةِ البَعيدَة، في حُفرَةِ الخنازِير؟" فكانَ جوابُهُ،
"عندَها سيَكُونُ إبناً مَيِّتاً، وليسَ خنزِيراً مَيِّتاً." فكَونُ
الإنسان في حُفرَةِ الخنازِير لا يجعَلُ منهُ خنزيراً. بل يجعَلُ منهُ إبناً
موجُوداً في المكانِ الخطأ، حيثُ لا ينبَغي لهُ أن يَكُون.

 

هذه
بعضُ الأسئِلَة التي أُثِيرَت في هذا الجزء من الإصحاح العاشِر من إنجيلِ
يُوحَنَّا. بِرأيي، العددُ الأهَمُّ في هذا الإصحاح هُوَ العددُ الثلاثون:
"أنا والآبُ واحِد." هذا واحِدٌ من أعظَمِ التَّصريحاتِ التي قدَّمَها
يسُوع. هذا هُوَ تفسيرُهُ لِكُلِّ من هُو، ولِكُلِّ الكلماتِ التي تكلَّمَ بها
ولكُلِّ الأعمال التي عَملَها. بِالنِّسبَةِ ليَسُوع، هذا هُوَ التَّفسيرُ
الدِّينامِيكيّ لِحَياتِهِ وعملِهِ: "أنا والآبُ واحِد."

 

ولقد
قدَّمَ يسُوعُ تصريحاً عميقاً آخر في هذا الإطار نفسِهِ عندما قالَ، "يُمكِنُ
لِخِرافِي أن تَعرِفَني ولي أنا أن أَعرِفَها، تماماً كما يَعرِفُني الآبُ وأنا
أعرِفُ الآب." بكلماتٍ أُخرى، هُوَ والآبُ واحِد، ويُمكِنُ لنا أن نَكُونَ
واحِداً معَهُ، أي معَ المسيحِ المُقامِ الكائن. ليسَ فقط المسيح التَّاريخيّ الذي
كانَ، بل المسيح الكائن الآن بِسَبَب قِيامَتِهِ.

 

عندما
نستَوعِبُ معنى هذا التَّعليم/الوعد، يُصبِحُ التَّفسيرُ العمَلِيّ
والتَّعَبُّدِيّ الحقيقَةَ الرَّهيبة أنَّهُ منَ المُمكِنِ لنا أن نَكُونَ واحداً
معَهُ، فيُنطَقُ بكلماتِ المسيحِ من خلالِنا على الأرض، وتُعمَلُ أعمالُ المسيحِ
من خلالِنا على الأرض. هذا التَّعليم/الوعد سيَكُونُ مُمكِنَاً الوُصُولُ إليهِ
لكُلِّ تلميذٍ حَقيقيٍّ، من خلالِ وِحدَتِنا معَ الرُّوحِ القُدُس. وسيُخبِرُنا
المسيحُ المزيدَ عن هذا الأمر في عظةِ العُلِّيَّة (يُوحَنَّا 13- 16).

 

مُلَخَّص:

طريقَةٌ
جَديدَةٌ لتَلخِيصِ المعنى والتَّطبيق الشَّخصي لكُلِّ إستِعاراتِ الخِراف في هذا
الإصحاح العَظيم، هُوَ بِطَرحِ هذه الأسئِلة الثلاث مُجدَّداً. "من هُوَ
يسُوع؟" إنَّهُ راعي الخراف العَظيم – الرَّاعي الصَّالِح، الذي تنبَّأَ عنهُ
داوُد، بما يُعرَفُ بكونِهِ أكثر إصحاح مألُوف ومحبُوب في الكتابِ المُقدَّس،
المَزمُور الثَّالث والعِشرين.

 

و"ما
هُوَ الإيمانُ؟" الإيمانُ هُوَ سماعُ صَوتِهِ وإتِّباعُهُ لأنَّنا خرافُهُ
ولأنَّنا نسمَعُ صوتَهُ. الإيمانُ ليسَ أنَّنا نحنُ نتمسَّكُ بهِ. الإيمانُ هُوَ
أن نرى أنفُسَنا محفُوظِينَ في كَفِّ الرَّب، واثِقينَ بأنَّهُ قادِرٌ أن يُمسِكَ
بنا. الإيمانُ هُوَ رُؤيَةُ يَمينِ اللهِ الآبِ تنزِلُ على يدي الإبن اللَّتين
تحمِلانِنا، لتحفَظَنا سالِمينَ بينَ هاتَينِ اليَدَين.

 

و"ما
هِيَ الحياة؟" الحَياةُ هي الخلاصُ، والحياةُ هي الأمانُ الزَّمني والأبديّ.
الحَياةُ هي أن نشعُرَ بالأمانِ وأن نَكُونَ آمنِينَ في هذه الحياة وفي الحياةِ
العَتيدة. الحياةُ هي ذلكَ النَّوع منَ الأمان. الحياةُ هي الأمانُ في قَلبِ يدِ
الله، لأنَّنا محفُوظِينَ بينَ هاتَينِ اليَدَين – يد الإبن ويد الآب. الحَياةُ هي
الدُّخُولُ والخُرُوجُ وإكتِشافُ الخلاص. الحياةُ هي أن يَكُونَ لنا مجيءٌ نافِعٌ
إلى الرَّب، وذهابٌ مُثمِرٌ لأجلِهِ، ممَّا يُنتِجُ حياةً فيَّاضَةً، الأمرُ الذي
يُسمِّيهِ يسُوع، "ويدُوم ثَمَرُكُم." (10:10؛ 15: 16) هذا ما هِيَ
الحياةُ، بِحَسَبِ الإستِعاراتِ الرَّاعويَّة الجميلة في الإصحاح العاشِر من
إنجيلِ يُوحَنَّا.

 

أعتَقِدُ
أنَّكَ تكتَشِفُ الآنَ من هُوَ يسُوع، وأنَّكَ تنمُو في الإيمان – ذلكَ النَّوع
منَ الإيمان الذي يُقدِّمُهُ يُوحَنَّا في هذا الإنجيل، وأنَّكَ تختَبِرُ نوعيَّةَ
الحياة التي يُسمِّيها يُوحَنَّا بالحياةِ الأبديَّة. أدعُوكَ لتُتابِعَ دراسَةَ
كلمةِ الرَّبّ، ولتُتابِعَ معنا دراسَتنا لهذا الإنجيلِ المُوحَى بهِ منَ الله،
إنجيل يُوحَنَّا.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي