الإصحَاحُ
الرَّابعُ عَشَرَ

 

تأمَّلُوا
كم كانت كلماتُ يسُوع التي تكلَّمَ بها معَ بُطرُس مَدعَاةً للإضطِّراب لباقِي
التَّلاميذ المُتحلِّقِينَ حولَ المائِدَة. نقرَأُ أنَّهُم إضطَّرَبُوا في
نُفُوسِهم. ومِنَ المُلائِمِ جدَّاً أن تَكُونَ الكلماتُ التي سَمِعُوها منَ
يسُوع، والتي خاطَبَهم جميعَهُم بها، هي التَّالِيَة: "لا تَضطَّرِبْ
قُلُوبُكُم. أنتُم تُؤمِنُونَ باللهِ فآمِنُوا بِي. فِي بَيتِ أبي منازِلُ
كَثيرَة. وإلا فإنِّي كُنتُ قد قُلتُ لكُم. أنا أَمضِي لأُعِدَّ لَكُم مكاناً. وإن
مَضَيتُ وأَعدَدتُ لكُم مكاناً آتي أيضاً وآخُذُكُم إليَّ، حتَّى حيثُ أكُونُ أنا
تكُونُونَ أنتُم أيضاً. وتَعلَمُونَ حيثُ أنا أَذهَبُ وتَعلَمُونَ الطَّريق."
(يُوحَنَّا 14: 1- 4).

 

لاحِظُوا
أيضاً أنَّهُ عندَما يَقُولُ لهُم جميعاً: "لا تَضطَّرِبْ قُلُوبُكُم،"
يستخدِمُ كلمة "قُلُوبُكُم بِصِيغَةِ الجَمع." كانَ يتكلَّمُ بِوُضُوحٍ
معَهُم جميعاً عندما قالَ، "آمنُوا باللهِ. وآمنُوا بِي." بكَلِماتٍ
أُخرى، أنتُم تُؤمِنُونَ بالله. آمنُوا أيضاً بي." هذا تصريحٌ من قِبَلِ
يسُوع بأُلُوهِيَّتِهِ، لأنَّهُ وضعَ نفسَهُ على المُستَوى ذاتِهِ معَ الله. ثُمَّ
بدَأَ الإصحاح الرَّابِع عشَر الرَّائِع بالكلماتِ المألُوفَةِ التَّالِيَة، التي
نُحِبُّ أن نقرَأَها في خدماتِ الدَّفنِ أو الجنازة.

 

"وتَعلَمُونَ
حيثُ أنا أذهَبُ وتعلَمُونَ الطَّريق." (يُوحنَّا 14: 4) أنا مُتَيَقِّنٌ
أنَّ تصريحَهُ الأخير تعمَّدَ بهِ إثارَةَ سُؤالٍ آخر في أذهانِ التلاميذ.
بإخبارِهِ إيَّاهُم أنَّهُم يعرِفُونَ أينَ كانَ ذاهِباً ويعرفُونَ الطَّريق الذي
كانَ ذاهِباً فيهِ، تجرَّأَ الرَّسُولُ الذي نَدعُوهُ "تُوما
المُشَكِّك" ورَدَّ بِالسُّؤال: "يا سَيِّد، لسنا نعلَمُ أينَ تذهَبُ
فكيفَ نقدِرُ أن نعرِفَ الطَّريق."

 

 أمّا
إجابة يسوع عن سؤال توما فتُشَكِّل أحد أجمل الأعداد في الكتاب المقدّس وفي إنجيل
يوحنّا. أجابَ يسُوع: "أَنَاْ هُوَ الطَّرِيْقُ وَالحَقُّ
وَالحَيَاْةُ." ثُمَّ أضاف، "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِيْ الى الآبِ إِلَّاْ
بِيْ."

 

 لقد
قدَّمَ يسُوعُ بالحقيقَةِ ثلاثَة تصريحاتٍ عقائِديَّة، عندما أجابَ على سُؤالِ
تُوما. هذه التَّصريحات الثلاث هي أنَّهُ هُوَ الطَّريق وهُوَ الحقُّ وهُوَ
الحياة. عندما صَرَّحَ أنَّهُ الطَّريقُ إلى ذلكَ المكان الذي يُعدُّهُ لهُم، كانَ
يُشيرُ إلى مَوتِهِ على الصَّليب. فصَليبُ رَبِّنا ينبَغي أن يُمَثِّلَ أكثَرَ من
مُجَرَّدِ زينَةٌ يلبَسُها النَّاسُ على صُدُورِهِم. صليبُ يسُوع المسيح يُشيرُ
إلى طريقِ خلاصِنا، وإلى الطريق الذي يُؤَدِّي إلى المكانِ الذي أعَدَّهُ يسُوعُ
لأُولئكَ الذين آمنُوا باللهِ وبهِ كمُخَلِّصِهم.

 

 مَوتُ
يسُوع على الصَّليب يشير الى خدمته كَكاهِن. فالكاهِنُ هو الذي يتوسّط للإنسان لدى
اللهِ. وهذا ما فعلَهُ يسوع عندما قدّم نفسه على الصليب. لقد شقّ طريقاً لنا كي
نذهب الى ذلك المكان السماوي ونعيش فيه الى الأبد مع اللهِ، وذلكَ بتَقديمِهِ
ذَبيحَةً كامِلَةً عن خطايانا. (يُوحَنَّا 1: 29؛ إشَعياء 53: 7؛ عبرانِيين 2: 17؛
9: 11- 28).

 

 كان
بإمكانه تأمين الطريق من خلال ترك أعماله السماويّة بعد ظهر يوم الجمعة والمجيء
الى هذا العالم ليموت على الصليب من أجل خطايا العالم. لكنّه أتى الى هذا العالم
وعاش لمدّة ثلاث وثلاثينَ عاماً، لأنّه لم يأتِ ليموت على الصليب فقط. فكما أشَرتُ
سابِقاً، عددُ الإصحاحات التي يُعطيها هذا الإنجيلُ الأولويَّةَ ليَصِفَ الأسبوع
الأخير من حياة يسوع، يُرينا أنَّ مَوتَهُ على الصَّليب وقيامَتَهُ منَ المَوت
شكَّلاً الجُزءَ الأكثَر أهمِّيَّةً وحيويَّةً من حياتِهِ وخدمتِهِ. فلماذا لم
يأتِ فقط يوم الجمعة العظيمة ليموت على الصليب؟ "لأنّه كان أيضاً
الحقّ."

 

 هل
تذكرون مقدّمة هذا الإنجيل (يُوحَنَّا 1: 1- 18) التي جاءَ فيها: "فِيْهِ
كَاْنَتِ الحَيَاْةُ وَالحَيَاْةُ كَاْنَتْ نُوْرُ النَّاْسِ. [كانَ هُوَ الكَلمة
– أي ناقِلَ فِكرِ الله – الذي عَبَّرَ عن كُلِّ فكرِ اللهِ تجاهَ البَشر، الذي
كانَ بإمكانِهم أن يفهَمُوه. وكَونَهُ الكلمة، كانَ عندَ اللهِ منذُ البَدء، وكانَ
الله،] وَالكَلِمَةُ صَاْرَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَاْ وَرَأَيْنَاْ مَجْدَهُ
مَجْداً كَمَاْ لِوَحِيْدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُؤًا نِعْمَةً وَحَقَّاً"؟

 

 لقد
حصل شعب اللهِ على الحقِّ الذي جاءَهُم عن طريق الصفحة المقدّسة من خلال موسى
والأنبياء. لكنّ اللهَ شعرَ بقوّةٍ بأنّه يريد أن يكون لدى شعبِ هذا العالم أكثرُ
من الصفحة المقدّسة. أرادهم أن يحصلوا على الكلمة الحيّة متجسّدةً. أرادنا أن نرى
كم أنّ حقيقة الصفحة المقدّسة يمكنها أن تأخذ شكلاً بشريّاً وأن تعمل في العالم،
أي أرادَنا أن نرى كَلِمَةً عاشَ وسلكَ في حياةٍ كامِلَة في الجَسَدِ البَشَري.
أرادَنا أن نرى كيفَ يُمكِنُ لحقيقَةِ الصَّفحَةِ المُقدَّسَة أن تعمَلَ وتُعاشَ
في الحياةِ البَشَريَّة. وهذا ما عناه يسوع عندما قال: " أَنَاْ هُوَ
الحَقُّ". ففي كُلِّ ما كانَهُ وكُلِّ ما عَمِلَهُ، كانَ هُوَ الحَقّ.
وبالطبع هذا التصريح يشمل ذلك كلّ مرّةٍ فتح فيها يسوع فمه وعلّم تلاميذه وقال
الحقّ وشهد للحقّ.

 

 يقول
يسوع في الجزءُ الثالث من تَصريحِهِ العَظيم: "أَنَاْ هُوَ الحَيَاْةُ".
هذا يعني أنّ يسوع عاش الحياة المثاليّة، وَأَظْهَرَ لنا ما هي الحياة. لقد صنع
لنا نموذجاً عن الحياة الأبديّة التي يخبرنا يوحنّا عن نوعيّتها في هذا الإنجيل.
ويعني هذا التَّصريحُ أنَّ يسُوعَ جاءَ ليمنَحَ ما أَسمَاهُ "حياة أفضَل، أو
حياة فيَّاضَة"، وذلكَ من خلالِ منحِ إختِبارِ الولادَةِ الجديدة لأولئكَ
الذين علَّمَهُم وقابَلَهُم. (يُوحَنَّا 10: 10)

 

 تبدأ
هذه التَّصريحات الثلاثة بكلمتينِ مهمّتينِ: "أَنَاْ هُوَ" والتي
تُشَكِّلُ أهمَّ كلماتٍ تكلَّمَ بها. إذ نُركِّزُ إهتِمامنا على الطريقة التي
أجابَ بها يسُوعُ تُوما، نكتَشِفُ تصريحاً آخر من تصريحاتِ يسُوع القائِلَة
"أنا هُوَ" في إنجيلِ يُوحَنَّا. فهو لم يَقُلْ: "أتيتُ لأُخبرَكُم
عن طريقٍ وأَصِفَ لكم حقيقةً مُعيَّنَة تتكلَّمُ عن نوعيّةِ حياةٍ". إنّ
الكلمتينِ المهمّتينِ هنا هما: "أَنَاْ هُوَ"، أي "أنا هو طريقُ
الخلاص. وأنا هو ذلك الحقّ الذي تسمَعُونَ عنهُ، وأنا هو تلك الحياة التي هي نُور
العالم".

 

 تَذَكَّرُوا
أنَّهُ في المُقدِّمَة، أشارَ يُوحَنَّا إلى أنَّ يُوحَنَّا المعمدان لم يَكُنْ
هُوَ الشَّخصُ المُهم، بل يسُوعُ كانَ هذا الشَّخص. عندما ظهَرَ يُوحَنَّا
المعمدان، كانَ يَقُولُ بإستِمرار أنَّهُ لم يَكُنْ هُوَ المُهم، بينما عندما
ظهَرَ يسُوع نراهُ يَقُولُ دائماً عن نفسِهِ: "أنا هُوَ." أحد الأمور
الأكثر ديناميكيّةً التي يذكُرُها يُوحَنَّا عن يسوع هو أنّه عاش كلّ أمرٍ قاله
وعلّمه. لكن عندما قال إنّه الحياة، على الأقل جُزءٌ ممَّا صَرَّحَ بهِ كانَ أنَّ
الحياةَ التي عاشَها على الأرضِ هُنا كانت نَمُوذَجاً لنَوعِيَّةِ الحياة التي
يُريدُها اللهُ لِكُلِّ كائنٍ بَشَريٍّ.

 

 المعنى
الأساسِي لتصريحِهِ أنَّهُ كانَ هُوَ الحياة، نجدُهُ أيضاً في مُقَدِّمَةِ هذا
الإنجيل. في الكُتَيِّباتِ الأُولى من هذه السِّلسِلَة، التي تُقدِّمُ لنا دراسَةً
لإنجيلِ يُوحَنَّا عدداً بعدَ الآخر، أشَرتُ إلى أنَّهُ في الإعدادِ
الإفتِتاحِيَّة، أخبَرنا يُوحَنَّا عمَّا سيَقُولُهُ لنا في إنجيلِهِ. لهذا علينا
أن لا نتفاجَأَ عندما نكتَشفُ خلالَ تحرُّكِنا عبرَ إنجيلِ يُوحَنَّا، أنَّ
المُقدِّمَةَ هي بمثابَةِ لائحة مُحتَويات تَصِفُ ما نقرَأُهُ في إنجيلِ
يُوحَنَّا.

 

 تُخبِرُنا
هذه المُقدِّمَة أنَّهُ عندما تجاوبَ النَّاسُ بطريقَةٍ صحيحَةٍ معَ يسُوع، أخذُوا
سُلطاناً أن يَصيرُوا أولادَ الله، ووُلِدُوا من فَوق. وُلِدُوا: "ليس من
دَمٍ، ولا من مَشيئَةِ رَجُلٍ، بل منَ الله." (يُوحَنَّا 1: 12، 13) كان يسوع
الحياة، بمعنى أنّه منح الناس قوّةً ليصبحوا الحياة التي كان يُقدِّمُ نَمُوذجاً
عنها من أجلهم.

 

 تُظهِرُ
لنا دراسَةُ شَخصِيَّاتِ العهدِ القَديم مبدأً إستَخدَمَهُ اللهُ عندما أرادَ أن
يُعَلِّمَ حقيقَةً هامَّة. وهذا المبدَأُ هُوَ: "عندما تُقدِّمُ فكرَةً
عظيمَةً، جَسِّدْها بِشخصٍ." مثلاً، عندما أرادَ اللهُ أن يُعَلِّمَنا
مفهُومَ الإيمان، جسَّدَ هذا المفهومَ في حياةِ شخصٍ إسمُهُ إبراهِيم. جسَّدَ
مفهُومَ النِّعمة في حياةِ يَعقُوب، وجسَّدَ مفهُومَ العِنايَةِ الإلهيَّةِ في
حياةِ يُوسُف (تكوين 12 – 24؛ 25 – 32؛ 37 – 50).

 

 عندما
أرادَ اللهُ أن يُعَبِّرَ عن مفهُومِ الحياةِ الأبديَّة – أي تلكَ النَّوعِيَّة
منَ الحياة التي يُريدُها اللهُ لكَ ولي – جَسَّدَ مَفهُومَ الحياةِ الأبديَّةِ
هذا في الحياةِ التي عاشَها الرَّبُّ يسُوعُ المسيح على أرضِنا لمُدَّةِ ثلاثٍ
وثلاثِينَ سنَةً. وفي مُقدِّمَتِهِ، لم يُخبِرْنا يُوحَنَّا فقط بأنَّ الكلمة الذي
صارَ جسداً، كانَ النُّور. بل أخبَرَنا أيضاً أنَّ النِّعمَةَ والحَقَّ بِيَسُوع
المسيح صارا. بِكَلماتٍ أُخرى، يسُوعُ المسيحُ كانَ الحياة والنُّورَ اللذَينِ
جاءَ ليمنَحَنا إيَّاهُما. وكانَ أيضاً الطَّريق والوَسيلَة التي من خلالِها
يُمكِنُنا إختبار وعيش الحياة التي تجعَلُنا بالحقيقَة أبناءَ الله. الوِلادَةُ
الجديدةُ هي وسيلَةُ التَّحوُّل التي تمنَحُنا هذه الحياة. الولادَةُ الجديدَة
ووسيلَتُها مُتَضَمَّنتانِ في هذه الكلمات، "أنا هُوَ الحياةُ."

 

 التَّطبيقُ
الشَّخصِي والتَّعبُّدِيّ لهذه الحقيقة، هُوَ أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقام هُوَ
الحياةُ وهُوَ أيضاً الطريقُ لهذه الحياةِ اليوم. إنجيلُ يُوحنَّا لا يُقدِّمُ فقط
شخصِيَّةً تاريخيَّةً عاشَت منذُ ألفَي سنَة. بل هُوَ أيضاً حيٌّ اليوم، ومن
المُمكِنِ لهُ أن يحيا فيَّ وفيكَ.

 

وبما
أنََّ هُناكَ أشخاصاً يُشَكِّكُونَ بِحقيقيَّةِ وُجودِ يسُوع التَّاريخيّ، كتبَ
أحدُ تلاميذِ يسُوع المُخلِصين قائِلاً: "أنا أؤمن أنّه هو، في حين أنّ الناس
لم يكونوا واثقينَ من أنّه كان هو. وفي الوقت الذي لم يكن فيه الناس متأكّدين من
أنّه فعل، أعلم أنا أنّه لا يزال يعمل".

 

 لقد
قيل أيضاً ما يلي: "إنّ يسوع المسيح هو كلّ شيءٍ يقوله عن نفسه، ويسوع المسيح
يستطيع أن يقوم بكلّ أمرٍ قال إنّه يمكنه فعله. أنتم كلّ شيءٍ يقوله يسوع المسيح
فيكم، وتستطيعون فعل أيّ شيءٍ يقول يسوع المسيح إنّكم تستطيعون فعله، لأنّه
فيكم".

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسى 00

 

 هذان
التَّصريحانِ هُما تطبيقانِ شَخصِيَّانِ للتَّصريحِ التَّالي ليسُوع: "أَنَاْ
هُوَ الحَيَاْةُ".

 

لا
طَريقَ آخر

 عندما
قال يسوع: "أَنَاْ هُوَ الطَّرِيْقُ وَالحَقُّ وَالحَيَاْةُ"،لم يتوقّف
هنا. عندما أضافَ لِقَولِهِ ما يَلي: "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِيْ الى الآبِ
إِلَّاْ بِيْ"، قدَّمَ بِذلكَ تصريحاً عقائِديَّاً عن نفسِهِ.

 

 لقد
قام يسوع بتصريحاتٍ عقائِديِّة جازمةٍ في هذا الإنجيل. تذكّروا أنّه قال
لِنيقوديموس في الإصحاحِ الثَّالِث من إنجيلِ يُوحَنَّا ما جَوهَر معناهُ:
"أنا هُوَ إبنُ اللهِ الوحيد. وكإبنِ اللهِ الوحيد المَرفُوع على الصَّليب،
أنا أيضاً حَلُّ اللهِ الوحيد لمُشكِلَةِ الخَطيَّة في هذا العالم. هذا يعني أنَّني
المُخَلِّصُ الوحيد المُرسَل منَ الله. ومنَ الأفضَلِ لكُم أن تُؤمِنُوا بهذا.
لأنَّكُم إن آمنتُم بي ستخلُصُون، وإن لم تُؤمِنُوا فأنتُم مُدانُون."
(يُوحَنَّا 3: 14- 18)

 

 إنّه
تصريحٌ عَقَائدِيٌّ، فالحقيقة كانت دائماً عقائديّة. إن كان إثنان زائد إثنان
يساويان أربعة، فالجواب هو دائماً أربعة ولا يمكن أن يكون أمراً آخر. كانَ يسُوعُ
يُصَرِّحُ هُنا بأنَّهُ تجسيدُ الحقّ، وأنَّ كُلَّ ما عملَهُ وعلَّمَ بهِ كانَ
الحقّ. لذلكَ لم يَكُنْ لدَيهِ الخيارُ إلا بأن يَكُونَ عقائِديَّاً. لقد صرَّحَ
يسُوعُ بذلكَ أنَّ كُلَّ طريقٍ أُخرى للخلاصِ غيرَهُ هُوَ هي غيرَ مُجدِيَة، وذلكَ
بِقَولِهِ بالتَّحديد: "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِيْ الى الآبِ إِلَّاْ
بِيْ". على هذا الأساس وعظَ الرُّسُلُ قائِلين: "ليسَ إسمٌ آخر تحتَ
السَّماء قد أُعطِيَ بينَ النَّاس بهِ ينبَغي أن نخلُص." (أعمال 4: 12)

 

 مجدّداً،
ووفقاً لكلمات الكاتب
C.S. Lewis، عندما
تدرسون بعمقٍ التصريحات العقائديّة التي قالها يسوع، لن تكون لكم خياراتٌ عديدةٌ.
"فإمّا تقولون إنّ يسوع كان كاذباً، أو تكونون لطفاء قائلينَ إنّه كان
مجنوناً، أو تركعون على ركبكم وتعبدونه وتدعونه ربّاً".

 

 وبعد
أن قدَّم يسوع هذه التصاريح العظيمة الثلاثة، أثار سؤالاً في ذهن فيلبّس، عندما
قال: "لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُوْنِيْ لَعَرَفْتُمْ أَبِيْ أَيْضَاً.
وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُوْنَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوْهُ. قَاْلَ لَهُ فِيْلِبُّسُ يَاْ
سَيِّدُ أَرِنَاْ الآبَ وَكَفَاْنَاْ. قَاْلَ لَهُ يَسُوْعُ أَنَاْ مَعَكُمْ
زَمَاْنَاً هَذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِيْ يَاْ فِيْلِبُّسُ. الذِيْ
رَآنِيْ فَقَدْ رَأَىْ الآبَ." (يُوحَنَّا 14: 7 و8)

 

 يُسَجِّلُ
يُوحنَّا مائَة وأربَعةً وعشرينَ مرَّةً أشارَ فيها يسُوعُ إلى الآب في إنجيل
يُوحَنَّا. بالنِّسبَةِ ليُوحَنَّا، أشارَ يسُوعُ إلى اللهِ الآبِ ثلاثَةً
وأربَعينَ مرَّةً في خُلوَةِ العُلِّيَّة معَ رُسُلِهِ. وكانَ جَوهَرُ ما قالَهُ
فيلبُّس، "أنتَ دائماً تَقُولُ: "الآب. الآب. الآب. أرِنَا الآب
لِنَفهَمَ مَصدَرَ أهَمِّيَّتِهِ لكَ إلى هذا الحَدّ، وأنَّهُ ينبَغي أن يَكُونَ
مُهِمَّاً بالنِّسبَةِ لنا أيضاً."

 

 الطريقة
التي أجابَ بها يسُوعُ فيلبُّس تُعطينا واحِداً من أعظَمِ تصريحاتِ يسُوع عن
أُلُوهِيَّتِهِ. فبَينما يُقدِّمُ لنا لُوقا مَسِيَّا كانَ إنساناً، ووحَّدَ
نفسَهُ معَ إنسانِيَّتِنا، يُقدِّمُهُ لنا كاتِبُ الإنجيل الرَّابِع كأكثَرِ من
مُجَرَّدِ إنسان. فيسُوعُ الذي يُريدُنا يُوحَنَّا أن نعرِفَهُ ونُؤمِنَ بهِ، هُوَ
الله. رأينا هذا التَّشديد عندما أدرَجنا تَصريحات يسُوعُ في الإصحاحاتِ 5 -8.

 

 وكما
هي الحالُ معَ مَوضُوعِ كَونِ يسُوع هُوَ المسيا وإبن الله، حقيقَةُ كَونِهِ كانَ
في الجَسَدِ البَشَريّ مُشَدَّدٌ عليها أيضاً من خلالِ هذا الإنجيل (الإصحاحات 5-
8؛ 20: 30، و31). عندما قالَ يسُوعُ لِفِيلبُّس، "من رآني فقد رأى
الآب"، نَجِدُ في ذلكَ أحدَ أوضعَ وأقوى تصريحات يسُوع بأنَّهُ هُوَ الله. كانَ
يسُوعُ لا يزالُ يُجيبُ على سُؤالِ أو إستِفهامِ فيلبُّس عندما قالَ:
"أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّيْ أَنَاْ فِيْ الآبِ والآبُ فِيِّ. الكَلامُ الذِيْ
أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِيْ لَكِنَّ الآبَ
الحَاْلَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَاْلَ نَفْسَهَاْ. الحَقَّ الحَقَّ أَقُوْلُ
لَكُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِيْ فَالأَعْمَاْلُ التَيْ أَنَاْ أَعْمَلُهَاْ
يَعْمَلُهَاْ هُوَ أَيْضَاً وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَاْ لأَنِّيْ مَاْضٍ الى
أَبِيْ. وَمَهْمَاْ سَأَلْتُمْ بِاسْمِيْ فَذَلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ
بِالإِبْنِ. إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئاً بِاسْمِيْ فَإِنِّيْ أَفْعَلُهُ".
(يُوحَنَّا 14: 9- 14)

 

 تأكَّدُوا
من مُلاحَظَةِ الأسئِلة التي طرحَها كُلٌّ من بُطرُس، تُوما، وفيلبُّس، نتيجَةً
لما قالَهُ يَسُوع. جوابُ يسُوع على تساؤُلِ فيلبُّس نجِدُهُ في إنجيلِ يُوحَنَّا
14: 9 – 21). فلقد طرحَ يهُوَّذا سُؤالاً على يسُوع. جوابُ يسُوع على سُؤالِ
يَهُوَّذا نجدُهُ في الأعدادِ الخِتامِيَّة من هذا الإصحاح. الطَّريقَةُ التي
تجاوَبَ بها يسُوعُ معَ هَؤُلاءِ الرُّسُل تَصِلُ بنا إلى جوهَرِ الحوارِ الذي
أقامَهُ يسُوعُ معَ هؤُلاء الرِّجال، بعدَما إنسحبَ ليأخُذَ خُلوَةً معَهُم قبلَ
توقيفِهِ وصَلبِهِ وقيامَتِهِ.

 

 جوهَرُ
حوارِ العُلِّيَّةِ هذا يتعلَّقُ بالدِّيناميكيَّةِ التي كانَ ينبَغي أن
يتمتَّعُوا بها، إذا أرادوا أن يَصِلُوا إلى العالم بإنجيلِ المسيح الذي علَّمَهُم
إيَّاهُ، وعاشَهُ أمامَهُم ودرَّبَهُم على العَيشِ بِحَسَبِهِ، وعلى الكرازَةِ بهِ
وتعليمِهِ لكُلِّ أُمَمِ العالم. يُقَدِّمُ يَسُوعُ الآنَ مَفهُوماً ينبَغي أن
يتعزَّزَ في الإصحاحِ الخامِس عَشَر، معَ إستِعارَةِ الكَرمَةِ و الأغصان (15: 1-
16). ولقد علَّمَ هذا المَفهُوم سابِقاً عندما قالَ: "أنا والآب واحدٌ".
(يُوحَنَّا 10: 30) في جوابِهِ لِفِيلبُّس طَرحَ السُّؤال، "أتُؤمِنُ أنِّي
أنا في الآب والآبُ فيَّ؟" ثُمَّ وضعَ أمامَ تلاميذِهِ التَّحدِّي بأن
يُؤمِنُوا بتصريحِهِ هذا، على أساسِ الأعمالِ التي شَهِدُوها في السنَّواتِ
الثَّلاث الأخيرة.

 

 عندما
قالَ، "أنا والآبُ واحِد،" أظنّه شَبَكَ يديه الإثنتينِ عندما كانَ
يقُولُ ما جَوهَرُ معناهُ: "أنا والآب مُرتَبطانِ معاً حتماً. أنا مرتبطٌ
بالآب وهو مرتبطٌ بي. أنا متّحدٌ معه وهو متّحدٌ معي. أنا في الآب وهو فيّ. فكلّ
عملٍ أقوم به وكُلُّ كَلِمَةٍ أقُولُها هي فيضٌ من تلك العلاقة التي تربطني
بالآب".

 

 فما
يقصده هو التالي: "منذُ ثلاثِ سنواتٍ وحتَّى الآن إندَهَشتُم بالأقوالِ التي
سَمِعتُمُوني أتكلَّمُ بها والأعمال التي رأيتُمُوني أعمَلُها. عليكُم أن تفهَمُوا
أنَّ كَلِمَةَ الآبِ التي تكلَّمَ بها على الأرض من خلالِي، وعمل الآب الذي عُمِلَ
على الأرضِ من خلالِي، هي بسببِ كَونِنا واحداً – أنا في الآب والآبُ فيَّ. فكُلُّ
كَلِمَةٍ تسمَعُوني أقُولُها، وكُلُّ عمَلٍ ترَونَني أعمَلُهُ، هي بالحقيقَةِ
كَلِمَةُ الآب وعمَلُهُ – وهي نتيجَةٌ لوِحدَتي معَ الآب."

 

 نَصلُ
الآنَ إلى القسم الأكثَر إثارَةً في حِوارِ العُلِّيَّة، وذلكَ عندما يقُولُ
الرَّبُّ: "الحَقَّ الحَقَّ أَقُوْلُ لَكُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِيْ
فَالأَعْمَاْلُ التَيْ أَنَاْ أَعْمَلُهَاْ يَعْمَلُهَاْ هُوَ أَيْضَاً وَيَعْمَلُ
أَعْظَمَ مِنْهَاْ لأَنِّيْ مَاْضٍ الى أَبِيْ". وما يقصده هنا هو التالي:
"سأترككم الآن، وسأطلب من الآب أن يمنحكم الروح القدس. عندما يأتي المعزّي،
أي الروح القدس، إذا كنتم متّحدين مع الروح القدس كما أنا متّحدٌ مع الآب، عندئذٍ
سيتمّ عمل الآب على الأرض من خلالكم، وسيتكلّم الآب على الأرض من خلالكم".
(يُوحَنَّا 14: 9- 13)

 

 هُنا
نكتَشفُ أحد أعظم التحدّيّات في العهد الجديد عندما يَعِدُ يسُوعُ قائِلاً ما
معناهُ: "إن كُنتُم واحداً معَ الرُّوحِ كما أنِّي أنا معَ الآب، تعمَلُونَ
أعمالاً أعظَمَ من هذه، لأني ماضٍ إلى أبي."

 

 إلى
أن فَهِمَ التَّلاميذُ مفهُومَ كَونِ يسُوع في الآب والآب في يسُوع، لم يَكُن
مُمكِناً بِدُونِ ذلكَ أن يستَوعِبُوا الحقيقَةَ المجيدة عن وعدِهِ أنَّ أُولئكَ
الذين يُؤمِنُونَ بهِ سيتكلَّمُونَ كما تكلَّمَ هُوَ، وسيعمَلُونَ الأعمال التي
رأوهُ يعمَلُها. فهُم ما كانُوا سيفهَمُونَ ما قالَهُ يسُوع عندما وعدَ أنَّ
أُولئكَ الذين آمنُوا بهِ سيعمَلُونَ أعمالاً أعظماً من التي عَمِلها هُوَ.

 

 هذا
ينبَغي أن يعني أنَّ هذه الأعمال ستَكُونُ أعظَمَ بمعنى الكمِّيَّة وليسَ
النَّوعِيَّة. فيسُوعُ سيَقُولُ لاحِقاً في هذا الحوار أنَّهُ منَ الأفضَل أن
يمضِيَ هُوَ إلى الآب ويُكَلِّفَ مُهِمَّةَ تبشيرِ العالم للأحد عشَر تلميذاً
(يُوحَنَّا 16: 7). ما يقصُدُهُ هُوَ أنَّهُ عندما يفهَمُ هؤُلاء الرِّجال
ويختَبِرُونَ القُوَّةَ الدِّيناميكيَّةَ التي كانَ قد بدأَ بتعليمِهِم عنها،
والتي كان سيُوضِحُها لهُم لاحِقاً في البُستان، فإنَّ هذا سيَكُونُ تدبيراً
ضَرُوريَّاً لأنَّهُ سيكُونُ هُناكَ المزيدُ من التّلاميذ الذين سيُطَبِّقُونَ هذه
الدِّيناميكيَّة حولَ العالم في نفسِ الوقت.

 

 كتبَ
بُولُس الرَّسُول يَقُولُ أنَّ المَسيحَ أخلى نفسَهُ من مِيزاتِهِ الإلهيَّة،
كميزَةِ الحُضُورِ في كُلِّ مكان، أو إمكانِيَّةِ الحُضُورِ في كُلِّ مكانٍ في
الوقتِ نفسِهِ (فيلبِّي 2: 7). أحدُ الأبعادِ المُربِكة من حياةِ وخدمَةِ يسُوع،
هي أنَّهُ تَرَكَ أثراً على العالَمِ بأسرِهِ بدُونِ راديو ولا تلفزيون ولا
طباعَةِ كُتُب ولا كُومبيوتر ولا هاتف خُليَويّ، وحتَّى بِدُونِ السَّفَرِ إلا في
رحلاتٍ لا تتعدَّى بضعَ مئاتٍ منَ الكِيلُومترات في حياتِهِ بكامِلِها. عندما نطقَ
يسُوعُ بهذه الكلمات، عرفَ أنَّ هؤُلاء الرِّجال قَريباً سيَكُونُونَ
"جسدَهُ"، وسوفَ يَكُونُ هُوَ مَوجُوداً في كُلِّ مكانٍ من خلالِهِم، في
كُلِّ أنحاءِ العالم.

 

 لقد
وظَّفَ يسُوعُ ثلاثَ سنين من حَياتِهِ القَصيرَة على الأرض لتَدريبِ رُسُلِهِ.
ولقد وضعَ أمامَهم تحدِّي ما أُسمِّيهِ "الخُلوة المسيحيَّة الأُولى."
بعدَ هذه الخُلوة، كَلَّفَهُم ليَكُونُوا رُسُلَهُ أو مُرسَليه. معنَى هذه الكلمة
يُشبِهُ كلمة "مُرسلين" التي نستَخدِمُها اليوم. التَّعليمُ في تلكَ
الخُلوة، الذي نراهُ مُسَجَّلاً في ثلاثَةِ إصحاحاتٍ من إنجيلِ متَّى، معروفٌ تحتَ
عُنوان، "المَوعِظَة على الجَبَل." (متَّى 5- 7)

 

 لقد
رافَقُوهُ لمُدَّةِ ثلاثِ سنواتٍ في خدمَتِهِ العَلَنِيَّة. فسَمِعُوا كُلَّ
تعليمِهِ، وشاهَدُوا كُلَّ عجائبِهِ، وأصغُوا للحوارِ العدائِيِّ الذي أقامَهُ
مراراً معَ رِجالِ الدِّين. لم يَكُونُوا قادِرينَ دائماً على سماعِ الحِوار،
ولكنَّهُم لاحَظُوا الخلفيَّة والنتيجة لِكلِّ لِقاءاتِ يسُوع معَ الأفراد.

 

 سبقَ
وعَرَفنا أنَّهُ عندما إلتَقى بعضُ هؤُلاء يسُوع، حضَّهُم لأن يأتُوا وينظُرُوا
أينَ يمكُث. بحَسَبِ إحدَى التَّرجمات، عندما أعطاهُم ما نُسَمِّيهِ المأمُوريَّةَ
العُظمى، أمرَهُم بأن يُتَلمذُوا أُناساً، وأن يُعَلِّموا هؤُلاء الذين تلمَذُوهُم
كُلَّ ما أمرَهُم بهِ يسُوع بأن يحفَظُوه (متَّى 28: 18- 20). لقد عاشَ تلاميذُهُ
معَهُ وكانُوا يُراقِبُونَ حياتَهُ لثلاثِ سنواتٍ.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أشور نيراري ي

 

 قالَ
أحدُهُم أنَّ يسُوعَ عمِلَ ثلاثَةَ أُمُورٍ معَ هؤُلاءِ الرِّجال: علَّمَهُم،
أظهَرَ لهُم حقيقَةَ ما علَّمَهُم بهِ وأرسَلَهُم لإختبارِ الخدمة، ودرَّبَهُم.
نَحنُ الآنَ على وَشَكِ أن نرى كيفَ عبَّرَ يُوحَنَّا عن مأمُوريَّةِ يسُوع
للرُّسُل وكيفيَّةِ إرسالِهِم إلى العالِم أجمَع من أجلِهِ.

 

 عندما
كتبَ يُوحَنَّا في مُقَدِّمَتِهِ أنَّ النِّعمَةَ والحَقَّ صارَا بيَسُوع المسيح،
قصدَ أنَّ الحقَّ جاءَ من خلالِ مُوسى ويسُوع، ولكنَّ يسُوعَ أرفَقَ الحقَّ الذي
كانَ هُوَ إيَّاهُ بنعمَةِ تطبيقِ وعَيشِ هذا الحَقّ. وهذا يعني من بَينِ ما
يعنيهِ أنَّ مَشيئَةَ اللهِ لن تأخُذَنا البَتَّةَ إلى حَيثُ لا تستَطيعُ نِعمَة
ُاللهِ أن تحفَظَنا. ويعني أيضاً أنَّ يسُوعَ لن يُصدِرَ مأمُوريَّةً بِدُونِ
مَنحِ نعمَةٍ كافِيَة لطاعَةِ هذه المأمُوريَّة.

 

 وكما
أجابَ يسُوعُ كُلاً من فيلبُّس ويَهُوَّذا لَيسَ الإسخَريُوطِيّ، نَجِدُهُ هُنا
يبدَأُ بِوَصفِ الدِّيناميكيَّة التي ستَصِلُ إلى العالَمِ كُلِّهِ بإنجيلِهِ.
فبعدَ خمسمائة عام من تفويضِ المسيح لرُسُلِهِ بالمأمُوريَّةِ العُظمى، كانَ
إنجيلُهُ قد أصبحَ معرُوفاً وقد آمنَ بهِ النَّاسُ في العالَمِ الرُّومانِيِّ
قاطِبَةً.

 

 وكَما
أشَرتُ في الإصحاحِ السَّادِس عَشَر، سمَّى يسُوعُ هذا التَّرتيب بالضَّرُورَة.
ففي ذلكَ الإصحاح، يذكُرُ يُوحَنَّا جوهَرَ ما قالَهُ يسُوعُ لتلاميذِهِ: [منَ
الأنفَعِ لكُم أن أتخَلَّى عن هذا الجَسَد، لأنَّني عندَما أتخلَّى عنهُ، أينَما
ستَكُونُونَ سأكُونُ فيكُم وستَكُونُونَ فِيَّ، كما أنِّي أنا في الآبِ والآبُ
فيَّ الآن. فهذا يعني أنَّهُ حيثُ يُوجَدُ أيُّ واحِدٍ منكُم، هُناكَ سأكُونُ أنا
مَوجُوداً.]

 

 هذا
يعني أنَّكُم عندما تَسلُكُونَ وتَخدُمُونَ بإتِّحادٍ معَ الرَّبِّ وعندَما يعمَلُ
هُوَ فيكُم ومن خلالِكُم، وعندَمَا تخلُدُونَ إلى فراشِكُم لَيلاً مَنهُوكي
القِوى، في الجِهَةِ الأُخرى منَ العالم حَيثُ إخوتُكُم وأخواتُكُم يسلُكُونَ
ويخدُمُونَ، سيَكونُ وقتُ إستِيقاظِهِم وبدئِهم نهارَ عملٍ وخدمَةٍ للرَّبّ. فلا
يُوجدُ وقتٌ حولَ الكُرَةِ الأرضِيَّة حيثُ لا يُخدَمُ فيهِ يسُوع، أو لا يُكرَزُ
بهِ من خلالِ كنيستِهِ.

 

 هذا
تعليمٌ ديناميكيٌّ حَيَويّ. وإنطِلاقاً من هذا التَّعليم أعطاهُم يسُوعُ الوعدَ
الرَّائِعَ القائِل، "كُلّ ما طَلَبتُم منَ الآبِ بإسمِي يُعطيكُم."
(يُوحَنَّا 16: 23).

 

 هذا
لا يعني أنّه يمكنكم الحصول على أيّ شيءٍ تريدونه. ثمّة بعض الشُّرُوط التي ينبَغي
تَلبِيَتُها عندما تُصَلُّون. عليكم أن تطلبوا بإسمه بطريقةٍ يمجِّد الإبن فيها
الآب. أن تطلُبُوا بإسمِهِ يعني أن تطلُبُوا مكانَهُ، أو أن تطرَحُوا السُّؤال،
"ماذا كانَ سيطلُب يسُوع؟" كتبَ بُولُس قائِلاً لنا أنَّهُ إن كنتم
تُحِبُّون الآب ومدعوّينَ بحسب أهدافه، عندئذٍ "كُلُّ الأَشْيَاْءِ تَعْمَلُ
مَعَاً لِلْخَيْرِ". (رُومية 8: 28) عندما نقرَأُ هذه الكلمات علينا أن نسألَ
أنفُسَنا هذا السُّؤال: "خَيرُ مَن – خَيرُنا أم خَيرُ الله؟"

 

 في
رِسالَتِهِ القَصيرَة، التي تَجِدُونَها في نهايَةِ العهدِ الجديد، يُشَدِّدُ
يُوحَنَّا على الشِّرطِ القائِلِ أنَّنا عندَما نُصَلِّي، علينا أن نطلُبَ ما
ينسَجِمُ معَ إرادَةِ الله (1يُوحَنَّا 5: 14). أن نطلُبَ بإسمِهِ يعني أن نطلُبَ
ما ينسَجِمُ معَ جوهَرِ هُوِيَّةِ المسيح، ومع ما يُمَجِّدُ الآب. عندئذٍ يمكِنُنا
أن نطلبَ أيّ شيءٍ باسمه وهو سيستجيب لنا.

 

 هنا
يُظهِرُ لهُم يسُوعُ مِفتاحَ هذه الدِّيناميكيَّة عندَما يُعَلِّمُ قائِلاً:
"إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَنِيْ فَاْحْفَظُوْا وَصَاْيَاْيَ. وَأَنَاْ
أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيَكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ الى
الأَبَدِ. رُوْحُ الحَقِّ الذِيْ لا يَسْتَطِيْعُ العَاْلَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ
لأَنَّهُ لا يَرَاْهُ وَلا يَعْرِفُهُ. وَأَمَّاْ أَنْتُمْ فَتَعْرِفُوْنَهُ
لأَنَّهُ مَاْكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُوْنُ فِيْكُمْ. لا أَتْرُكُكُمْ يَتَاْمَىْ. إِنِّيْ
آتِيْ إِلَيْكُمْ. بَعْدَ قَلِيْلٍ لا يَرَاْنِيْ العَاْلَمُ أَيْضاً وَأَمَّاْ
أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِيْ. إِنِّيْ أَنَاْ حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ".

 

 "فِيْ
ذَلِكَ اليَوْمَ تَعْلَمُوْنَ أَنِّيْ أَنَاْ فِيْ أَبِيْ وَأَنْتُمْ فِيَّ
وَأَنَاْ فِيْكُمْ. الذِيْ عِنْدَهُ وَصَاْيَاْيَ وَيَحْفَظُهَاْ فَهُوَ الذِيْ
يُحِبُّنِيْ. وَالذِيْ يُحِبُّنِيْ يُحِبُّهُ أَبِيْ وَأَنَاْ أُحِبُّهُ
وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاْتِيْ". (يُوحَنَّا 14: 15- 21)

 

 يبدُو
أنَّ جوابَهُ المُطَوَّل على سُؤالِ فِيلبُّس كانَ المقصُود بهِ إثارَةُ سُؤالٍ
آخر من تلميذٍ آخر إسمُهُ يَهُوَّذا. في تلك الأيّام، كان إسم يهوّذا إسماً
شائعاً. فطرح يهوّذا الرَّسُول السؤال التالي: "يَاْ سَيِّدُ مَاْذَاْ حَدَثَ
حَتَّىْ إِنَّكَ مُزْمِعٌ أَنْ تُظْهِرَ ذَاْتَكَ لَنَاْ وَلَيْسَ
لِلْعَاْلَمِ". فأجابه يسوع: "إِنْ أَحَبَّنِيْ أَحَدٌ يَحْفَظْ
كَلامِيْ وَيُحِبُّهُ أَبِيْ وَإِلَيْهِ نَأْتِيْ وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً.
الذِيْ لا يُحِبُّنِيْ لا يَحْفَظُ كَلامِيْ. وَالكلامُ الذِيْ تَسْمَعُوْنَهُ
لَيْسَ لِيْ بَلْ لِلآبِ الذِيْ أَرْسَلَنِيْ". (يُوحَنَّا 14: 22- 24)

 

 لقد
كانَ سُؤالُ يَهُوَّذا سُؤالاً عمليَّاً رائِعاً. كانَ يقُولُ يسُوعُ أنَّهُ سوفَ
يَمُوت. هذا ما قَصَدَهُ عندما قالَ لهم أنَّهُ ماضٍ إلى حيثُ لم يَكُنْ
بإمكانِهِم أن يتبَعُوهُ بعَد. ولقد كانَ يَقُولُ لهُم أيضاً أنَّهُم سيَكُونُونَ
على علاقَةٍ حميمَةٍ أقرَب إليهِ بعدَ أن يمضيَ إلى هذا المكان الذي لم يَكُن
بإمكانِهِم أن يمضُوا إليهِ بعد. كانَ يَهُوَّذا يسألُ ما جَوهَرُ معناهُ،
"كيفَ ستكُونُ لكَ هذه العلاقة الحميمة الأقرَب معنا، بينما غيرُ المُؤمِنينَ
حولَنا لن يَكُونُوا على علمٍ بعلاقَتِنا هذه معَ بعضِنا البَعض؟"

 

 لاحِظوا
أنَّهُ في جوابِهِ على سُؤالِ يَهُوَّذا، كرَّرَ يسُوعُ ما علَّمَهُم بهِ في
جوابِهِ على سُؤالِ فيلبُّس عندَما قالَ، "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَنِيْ
فَاْحْفَظُوْا وَصَاْيَاْيَ." (يُوحَنَّا 14: 15) عندما أجابَ يسُوعُ على
أسئِلَةِ فيلبُّس ويَهُوَّذا، أعطانا جَواباً آخَر على السُّؤال، "ما هُوَ
الإيمانُ؟" لقد علَّمنا بذلكَ أنَّ الإيمانَ هُوَ مُرادِفٌ للطَّاعَة.

 

 يُوافِقُ
يعقُوبُ أخُو الرَّب يسُوع، معَ أخيهِ عندما يكتُبُ قائِلاً بأنَّهُ لا يُوجَدُ ما
يُسمَّى "الإيمان فقط"، أو بأنَّهُ لا يُوجَدُ إيمانٌ بدُونِ بُرهانٍ
يُرافِقُ الإيمانَ الحقيقيّ ويُزَكِّيهِ. فبالنِّسبَةِ إلى يَعقُوب، الإيمانُ
سيترافَقُ ويُبَرهَنُ دائماً بالأعمال، أو بالطَّاعَة (يعقُوب 2: 14- 24). كتبَ
يعقُوبُ ما جَوهَرُ معنَاهُ، "الإيمانُ وحدَهُ يَقدِرُ أن يُخَلِّصَنا، ولكن
لا يُوجَدُ ما يُسمَّى بالإيمانِ وحدَهُ." كانَ يُوجَدُ قسِّيسٌ لُوثَريٌّ في
ألمانيا، يُدعَى
Dietrich Bonhoffer، كتبَ
يَقُول: "وحدَهُ الذي يؤمنُ يُطيع ووَحدَهُ الذي يُطِيعُ يؤمنُ."

 

 ولقد
علَّمَ يسُوعُ أيضاً أنَّ الطَّاعَةَ هي الطَّريقَةُ التي يَستطيعُ بها تلميذُهُ
الحَقيقي أن يُعَبِّرَ عن محبَّتِه لهُ. بالحقيقَة، إنَّهُ يَقُولُ، "إن كنتم
تحبّوني تُظهِرُون محبَّتَكم عبر طاعتكم لِما آمُركم به". (يُوحنَّا 14: 15،
21)

 

 وها
هُوَ يسُوعُ يَقُولُ ليَهُوَّذا الأمرَ نفسَهُ الذي قالَهُ لفِيلبُّس عندما أجابَ
على سُؤالِ فيلبُّس (9- 16). عندما تدرُسُونَ الطريقة التي أجابَ بها فيلبُّس،
لاحِظُوا كيفَ تربِطُ "واو العَطف" بينَ طاعَةِ وصاياه وبينَ وعدِهِ:
"وعندما تحبّونني وتطيعونني، سأطلب من الآب أن يمنحكم المعزّي، أي الروح
القدس". لقد قالَ يسُوع لِفِيلبُّس: "قُومُوا بِدَورِكُم وسأقُومُ أنا
بِدَورِي." وفي جوابِهِ ليَهُوَّذا، لاحِظُوا هذا المبدَأَ نفسَهُ:
الطَّاعَةُ تَقُودُ إلى علاقَةٍ معَ الآب، الإبن، والرُّوح القُدُس. فالآبُ
والإبنُ والرُّوحُ القُدُس سيصنَعُونَ مَنزِلاً في قُلُوبِ أُولئكَ الذين
يُطِيعُونَ وصايا يسُوع. (يُوحَنَّا 14: 23- 26).

 

 عندما
يُريدُ اللهُ أن يعمَلَ شَيئاً في حياتِنا، مثل وَجهَي العِملة الواحِدة، سوفَ
نجِدُ أنَّهُ يُوجَدُ دائماً دَورٌ لنا ودَورٌ لله. وبينما نتأمَّلُ بما علَّمَهُ
يسُوعُ في أجوِبَتِهِ على أسئِلَةِ فيلبُّس ويَهُوَّذا، علينا أن نطرَحَ السُّؤال،
"ما هُوَ دَورُ الله وما هُوَ دَورُ الإنسان في الولادَةِ الجديدة؟ وهل
لدَينا دَورٌ لنَلعَبَهُ في مُعجِزَةِ ولادَتنا الجديدة؟ بِحَسَب يسُوع وبحَسَبِ
أخيهِ، لدينا دائماً دَورٌ لنَلعَبَهُ عندما نُولَدُ من جَديد. يُمكِنُ التَّعبيرُ
عن دَورِنا بكلِمَةٍ واحِدَة، وهذه الكلمة هي أن "نُؤمِن." فدَورُنا في
الولادَةِ الجديدة هوَ الإيمانُ الحقيقيّ.

 

 عندَما
قالَ يسُوعُ لِنِيقُوديمُوس أنَّهُ علينا أن نُولَدَ من جَديد، طَرَحَ مُعَلِّمُ
النَّامُوسِ المُمَيَّز مَرَّتَين السُّؤالَ، "كيف؟" وكانت إجابة يسوع
بكلِمَةٍ واحِدة: "الإيمان". أنتم تؤمنون ثمّ يقوم اللهُ بدوره،
فتُولَدُونَ من جَديد. دَورُ اللهِ لُغزٌ يُشبِهُ الرِّيح. في الإصحاحِ الثَّالِث
من إنجيلِ يُوحَنَّا، قرأنا أنَّهُ ليسَ منَ الضَّرُورِيّ أن نفهَمَ دَورَ اللهِ
في الولادَةِ الجديدة لكَي نُولَدَ ثانِيَةً، تماماً كما أنَّهُ ليسَ ضَرُوريَّاً
لنا أن نفهَمَ أُصُولَ طِبِّ التَّوليد النِّسائِي لكَي نُولَدَ جسديَّاً من
أُمَّهاتِنا. نحتاجُ فقط أن نفهَمَ دَورَنا، ألا وهُوَ أن نُؤمِن.

 

 عندما
أخبَرَ يسُوعُ الرُّسُلَ عنِ الحقيقَةِ المُعجِزِيَّة لمجيءِ الرُّوحِ القُدُس،
بِحَسَبِ ما قالَهُ لهُم، ما هي الدِّيناميكيَّة التي تَقُودُ إلى علاقَةٍ معَ
الرُّوحِ القُدُس؟ الكَلِمَة المِفتاحِيَّة التي تَحُلُّ لُغزَ خدمةِ الرُّوح في
حياتِنا هي كَلِمَة "طاعَة." إن كُنتُم تُحِبُّونَني، إحفَظُوا وصاياي.
و[عندها] أَطلُبُ منَ الآبِ، ليُرسِلَ لكُم المُعزِّي، الرُّوح القُدُس، الذي
سيَكُونُ معَكُم إلى الأبد." (يُوحَنَّا 14: 15، 23- 26) يُعطِي يسُوعُ
الرُّوحَ القُدُسَ لأُولئكَ الذينَ يُحِبُّونَهُ، ويُبَرهِنُونَ ويُفَعِّلُونَ
محبَّتَهُم لهُ بطاعَتِهِم إيَّاهُ.

 

 يوم
الخَمسين، عندما كانت تجري كُلُّ العلامات والآيات، وعظَ بُطرُس قائِلاً أنَّ
المسيحِ الحَيِّ المُقام كانَ يمنَحُ الرُّوحَ القُدُسَ لأُولئكَ الذين
يُطيعُونَهُ (أعمال 2: 33؛ 5: 32). الشَّرطُ الذي ينبَغي تَوَفُّرُهُ قبلَ إعطاء
المسيح الرُّوحَ القُدُس بحَقٍّ وقُوَّة، كانَ الطَّاعَة.

 

 عندما
عرَّفَ يسُوعُ الرُّسُلَ على مَفهُومِ مجيءِ الرُّوحِ القُدُس، أوضحَ تماماً أنَّ
الطَّاعَةَ هي مفتاحُ القُبُول و التَّجاوُب معَ الرُّوحِ القُدُس. لهذا علينا أن
لا نتعجَّبَ عندما نسمَعَ بُطرُس يُعلِنُ أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ أُعطِيَ لأُولئكَ
الذين أطاعُوهُ.

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر حجى خدام الرب الإله ه

 

 بِحَسَبِ
الإصحاحاتِ الأُولى من سفرِ الأعمال، كانَ الرُّوحُ القُدُسُ قد أُعطِيَ
بالحقيقَةِ لتأهيلِ التَّلاميذ أن يُطِيعُوا ويُطبِّقُوا المأمُوريَّة العُظمَى.
عندَما أعطَى يسُوعُ المأمُوريَّةَ العُظمَى، قالَ لأتباعِهِ أن لا يُنَفِّذُوا
تلكَ المأمُوريَّة قبلَ أن ينالُوا القُوَّة التي سيقبَلُونَها يومَ الخَمسين
(أعمال 1: 8؛ 2: 1 و4؛ 5: 32). الرُّوح القُدُس يُعطَى لتمكينِ المُؤمنينَ من
طاعَةِ وصايا يسُوع المسيح، ولا سِيَّما مأمُوريَّتَهُ العُظمَى.

 

ولقد
قالَ يسُوعُ أيضاً لتلاميذِهِ في العُلِّيَّة أنَّهُ سيمنَحُهُم الرُّوحَ القُدُس،
لأنَّهُ لا يُريدُ أن يترُكَهُم يتامَى. ثُمَّ أعطاهُم وعداً يصعُبُ فهُمُه. لكي
نُلَخِّصَ أعداداً مثلَ هذه، كَتِلكَ التي تُسجِّلُ جوابَهُ على سُؤالِ يَهُوَّذا،
علينا أن نستَنتِجَ أنَّ اللهَ يُوجَدُ في ثلاثَةِ أشخاصٍ، وكُلُّ واحِدٍ من
هؤُلاء الأشخاصِ الثلاثة هُوَ الله. هَؤُلاء الأشخاص الثلاثة منَ الثَّالُوثِ
القُدُّوس مَوجُودُونَ جميعاً هُنا: اللهُ الآب، يسُوع المسيح الإبن، والرُّوحُ
القُدُس، جميعاً يأتُونَ ليَسكُنُوا فيكَ وفِيَّ عندما نُطيعُ كلماتِ يسُوع –
بِحَسَبِ ما يُعَلِّمُهُ يسُوعُ هُنا، خلالَ أجوِبَتِهِ على أسئِلَةِ فيلبُّس
ويَهُوَّذا.

 

 يَقُولُ
يسُوعُ هُنا في الإصحاح 14 ما جَوهَرُ معناهُ: "أنا ماضٍ بعيداً، ولكن بعدَ
أن أرجِعَ إلى الآب، وبعدَ أن أعمَلَ الأفضلَ بأن أتخلَّى عن هذا الجَسَد
الأرضِيّ، سنَكُونُ أنا وأنتُم أكثَرَ قُرباً من أيِّ وقتٍ مضى. فسأُعلِنُ لكُم
ذاتِي، وبما أنَّني أنا حَيٌّ، فأنتُم ستَحيَون. وسوفَ نكَونُ أقرَبَ لبَعضِنا من
ذي قَبل، وأكثَرَ وحدَةً ممَّا كُنَّا عليهِ عندما كُنتُ مَحدُوداً بهذه الجسدِ
الذي عِشتُ فيهِ لمُدَّةِ ثلاثٍ وثلاثِينَ سنَةً."

 

 بإمكانِنا
أن نرى كيفَ ساهَمت كَلِماتُ يسُوع هذهِ بإثارَةِ سؤالٍ لدى يهوّذا: "يَاْ
سَيِّدُ، كيفَ ستَكُونُ بينَنا هذه العلاقَة؟ وكيفَ ستَكُونُ لدينا علاقَةٌ
حميمَةٌ معكَ، وغيرُ المُؤمنينَ حولَنا لن يعلَمُوا عن علاقَتِنا هذه؟ كيفَ
ستعمَلُ ذلكَ؟"

 

 دِراسَةٌ
أعمَق لجَواب يسُوع على سُؤالِ يَهُوَّذا، تُظهِرُ لنا الدِّيناميكيَّة التي
تَقُودُ إلى علاقَةٍ حميمَةٍ معَ المسيح من خلالِ الرُّوحِ القُدُس، والتي تَقُولُ
ما معناهُ: "إِنْ أَحَبَّنِيْ أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلامِيْ وَيُحِبُّهُ أَبِيْ
وَإِلَيْهِ نَأْتِيْ وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً. الذِيْ لا يُحِبُّنِيْ لا
يَحْفَظُ كَلامِيْ." (يُوحَنَّا 14: 23- 26)

 

 ويختُمُ
هذا الجواب الدِّيناميكيّ مُؤكِّداً: "وَالكلامُ الذِيْ تَسْمَعُوْنَهُ
لَيْسَ لِيْ بَلْ لِلآبِ الذِيْ أَرْسَلَنِيْ. بِهَذَاْ كَلَّمْتُكُمْ وَأَنَاْ
عِنْدَكُمْ. وَأَمَّاْ المُعَزِّيْ الرُّوْحُ القُدُسُ الذِيْ سَيُرْسِلُهُ الآبُ
بِاسْمِيْ فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَاْ
قُلْتُهُ لَكُمْ". (يُوحَنَّا 14: 24- 26)

 

 يُلَخِّصُ
يسُوعُ أجوِبَتَهُ على الأسئِلَةِ الخمسة التي طرحَها عليهِ الرُّسُل، عندما
يتكلَّمُ بكلماتِ التَّعزِيَة لهؤلاءِ الرُّسُلِ المُضطَّرِبِين: "سَلاماً
أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلامِيْ أُعْطِيْكُمْ. لَيْسَ كَمَاْ يُعْطِيْ العَاْلَمُ
أُعْطِيْكُمْ أَنَاْ. لا تَضْطَرِبْ قُلُوْبُكُمْ وَلا تَرْهَبْ. سَمِعتُم أنِّي
قُلتُ لكُم أنا أَذهَبُ ثُمَّ آتِي إليكُم. لو كُنتُم تُحِبُّونَني لكُنتُم
تَفرَحُونَ لأنِّي قُلتُ أمضِي إلى الآب. لأنَّ أبِي أعظَمُ منِّي. وقُلتُ لكُمُ
الآن قَبلَ أن يَكُونَ حتَّى متى كانَ تُؤمِنُون."

 

 كَلِماتُهُ
عنِ السَّلامِ والتَّعزِيَة أتبَعَها يسُوعُ بحقائِقَ قاسِيَة: "لا
أتَكَلَّمُ أيضاً معَكُم كثيراً لأنَّ رَئيسَ هذا العالم يأتي وليسَ لهُ فِيَّ
شَيء. ولكن لِيَفهمِ العالَمُ أنِّي أُحِبُّ الآبَ وكما أوصانِي الآبُ هكذا
أفعَلُ. قُوموا ننطَلِقُ من هَهُنا." (يُوحَنَّا 14: 27- 31).

 

 في
أجوِبَتِهِ على الأسئِلَةِ التي طرَحَها عليهِ رُسُلُهُ، علَّمَ حقائِقَ عميقَة. فلقد
قامَ للمرَّةِ الثَّانِيَة بِتَطييبِ قُلُوبِهِم، وذلكَ عندما قالَ لهُم: "لا
تَضطَّرِبْ قُلُوبُكُم." علينا أن نتذكَّرَ أنَّ هؤُلاء الرِّجال كانُوا
مُرتَعدينَ خَوفاً لأنَّهُم علِمُوا أنَّ اليَهُودَ كانُوا يتآمَرُونَ لإقناعِ
الرُّومان بأن يقتُلُوا يسُوع. ومن خلالِ التَّصاريح التي أعطاهم إيَّاها يسُوع،
كانَ لديهم أسبابُهم ليقتَنِعُوا بأنَّهُم سيَمُوتُونَ معَ مُعَلِّمِهم. في
الإصحاح الثَّانِي عشَر، نقرَأُ أنَّ يسُوعَ أخبَرَهم أنَّهُ سيُدفَنُ في الأرضِ
مثلَ البُذُور، لكي يصيرَ مُثمراً، وأنَّهُ يتوقَّعُ هذا أيضاً من أُولئكَ الذين
يعتَبِرُونَ أنفُسَهُم تلاميذَهُ. في النِّهايَة، جميعُهم بإستِثناءِ واحِدٍ فقط
إستَشهَدُوا كَمُعَلِّمِهم.

 

 يُخبِرُنا
التَّقليدُ أنَّ كاتِبَ هذا الإنجيل تمَّ وَضعُهُ في الزِّيتِ المَغلِيّ، ولكنَّهُ
لم يَمُتْ. فنُفِيَ إلى جَزيرَةِ بَطمُس، التي هرَبَ منها لاحِقاً، وكَشَيخٍ
طاعِنٍ في السِّنّ، قامَ بِتَدوينِ إنجيلَهُ، الذي كُتِبَ بعدَ عُقُودٍ من كتابَةِ
الأناجيل المُتشابِهَة النَّظرَة، أي متَّى، مرقُس، ولُوقا. أمَّا الرُّسُل العشر
الباقُون الذي سَمِعُوا كلماتِ يسُوع، فجميعُهم ماتُوا كشُهداء للمسيح. لَرُبَّما
آمنُوا أنَّ إستِشهادَهُم كانَ وَشيكاً عندما سمِعُوا أجوِبَة يسُوع على
أسئِلَتِهِم.

 

 عندما
إنتَهَى يسُوعُ منَ الإجابَةِ على أسئِلَتِهِم، فِي كَلِماتِهِ الأخيرة نَجِدُ
جُملَةً وجدتُ أنَّها تمنَحُ الكثيرَ منَ التَّعزِيَةِ والتَّشجِيع لأُولئكَ الذين
يفقُدُونَ عَزيزاً عليهِم من الذين عاشُوا في المسيحِ وخدمُوا المسيح لسنواتٍ
طَويلة. فعندَما يمُوتُ أحدُ المُؤمنينَ الأتقِياء، كثيراً ما أقرأُ أمامَ القَبرِ
هذا العدد القائِل: "لو كُنتُم تُحِبُّونَني لكُنتُم تفرَحُونَ لأنِّي قُلتُ
أمضِي إلى الآب." يُوحَنَّا 14- 28).

 

عِظَةُ
دَفنِ يسُوع

 إحدَى
طُرُقِ تلخيصِ هذا الإصحاح هي بالقَولِ أنَّ يسُوعَ يَعرِفُ أنَّهُ على وَشَكِ
المَوت، وأنَّهُ قرَّرَ أن يُلقِيَ عِظَةِ دفنِهِ الخاصّ. لطالَما فكَّرتُ أنَّهُ
معَ تطوُّرِ الأجهزَة الإلكترونيَّة المُتوفِّرَة لدينا اليوم، قد يُفَكِّرُ
قسِّيسٌ جدِّيَّاً بأن يُسَجِّلَ عِظَةَ دَفنِهِ على آلَةِ تسجيل، لِكَي يتمَّ
إسماعُها للنَّاسِ الذي سيحضُرُونَ دفنَهُ بعدَ مَوتِه.

 

 لقد
كانَ جَوهَرُ معنى رِسالَة يسُوع كالتَّالِي: "لا تَدَعُوا قُلُوبَكُم
تضطَّرِبْ، لأنَّهُ يُوجَدُ مكان. وأنا ذاهِبٌ إلى ذلكَ المكان، وسوفَ أُحَضِّرُهُ
لكُم. وسوفَ آتي ثانِيَةً وآخُذُكُم معي إلى ذلكَ المكان، حيثُ سنبقَى معاً إلى
الأبد!" بينما نعلَمُ حقيقَةَ كونِ مَوضُوعِ رِسالَةِ بُولُس الرَّسُول إلى
أهلِ أفسُس هُوَ أنَّ السَّماءَ هي مجالٌ رُوحيٌّ نستطيعُ أن نعيشَ فيهِ الآن،
يكتُبُ بُولُس الرَّسُول أيضاً أنَّ السَّماءَ هي مكانٌ سنعيشُ فيهِ إلى الأبد معَ
الرَّبّ (1 تسالُونيكي 4: 13- 18).

 

 عندما
أخبَرَ يسُوعُ رُسُلَهُ الأخبارَ السَّارَّةَ أنَّهُ في بيتِ الآبِ تُوجَدُ
منازِلُ كَثيرَة، يُمكِنُ تفسيرُ هذا التَّصريح كالتَّالِي: "تُوجَدُ عدَّةُ
أماكن للعَيشِ في الكَون." السماءُ هي مكانٌ. وكَمُؤمِنين، سوفَ نذهَبُ إلى
هُناك وسنعيشُ معَ الرَّبِّ إلى الأبد! وبما أنَّنا نُؤمِنُ بذلكَ المكان، علينا
أن لا ندعَ قُلُوبَنا تضطَّرِب.

 

 النُّقطَةُ
الثَّانِيَة من عِظَةِ دَفنِ يسُوع هي: "لا تَضطَّرِبْ قُلُوبُكُم لأنَّهُ
يُوجَدُ شَخصٌ." فمجيءُ الرُّوحِ القُدُس هُوَ المصدَرُ العَظيمُ
للتَّعزِيَةِ التي وعدَ بها يسُوعُ تلاميذَهُ في العُلِّيَّة. الكلمة اليُونانيَّة
المُتَرجَمَة "المُعَزِّي أو المُرشِد" هي بالحقيقَةِ كلمة
"باراقليط،" التي تعني، "الشخصُ الذي يقتَرِبُ منَّا ويلتَصِقُ بنا
بهدَفِ مُساعَدَتِنا."

 

 سيَكُونُ
لدى يسُوع المزيد ليَقُولَهُ عنِ الرُّوحِ القُدُس في الإصحاح 16. في هذا الإصحاح،
الوعدُ بِشَخصٍ يَصِفُهُ الرَّبُّ يسُوع بأنَّهُ "المُعزِّي،" هُوَ
السَّبَبُ الثَّانِي الذي لأجلِهِ لا ينبَغي أن تضطَّرِبَ قُلُوبُهم. فحتَّى ولو
كانَ سيَترُكُهُم، بمعنى أنَّهُ كانَ على وشكِ المَوت، فإنَّ قُلُوبَهُم لا ينبَغي
أن تضطَّرِبَ لأنَّهُ "يُوجَدُ شَخصٌ" يهتَمّ.

 

 النُّقطَةُ
الثَّالِثَة في عِظَةِ دَفنِ يسُوع هي "لا تضطَّرِبْ قُلُوبُكُم لأنَّهُ
يُوجَدُ سلام." فالتِّلميذُ الذي يُؤمِنُ باللهِ وبِيَسُوع، لديهِ التَّفاؤُل
الذي لا ينضُب والذي يأتي منَ الرَّجاءِ بأنَّهُ يُوجَدُ مكانٌ، وبأنَّهُ سيَذهَبُ
إلى ذلكَ المكان ليَكُونَ معَ الرَّبِّ إلى الأبد. وهُوَ يُؤمِنُ بوعدِ يسُوع
القائِل بأنَّهُ يُوجَدُ شَخصُ الرُّوح القُدُس، الذي يَقِفُ لجانِبِهِ ويُعزِّيهِ
ويلتَصِق بهِ ليُساعِدَهُ ويُشَجِّعَهُ. في الأعداد التي إقتَبَستُها أعلاهُ،
يَقُولُ يسُوعُ أنَّ أُولئكَ الذين يُؤمِنُونَ بالمكانِ والشَّخص، يختَبِرُونَ
أيضاً السَّلام الذي وعدَ يسُوعُ بأن يترُكَهُ لنا ويمنحن إيَّاهُ. (يُوحَنَّا 14:
27- 31).

 

 فعندَما
يُؤمِنُ النَّاسُ بِيَسُوع ويختَبِرُونَ علاقَةً معَ الرُّوحِ القُدُس، يَحصُلُونَ
على ما يُسمِّيهِ الرَّسُول بُولُس "سلام الله الذي يَفُوقُ كُلَّ
عَقل." (فيلبِّي 4: 6- 10). بإمكانِنا أن نُسَمِّيَ هذا "السَّلام الذي
لا يُفهَمُ بالمَنطِق" لأنَّهُ السِّلام الذي يمنَحُهُ المسيحُ والذي يَتِمُّ
وصفُهُ بأنَّهُ ثَمَر الرُّوح (غلاطية 5: 22، 23). إنَّهُ سلامٌ يُعطيهِ المسيحُ
لتلاميذِهِ من خلالِ الرُّوحِ القُدُس، عندما تَكُونُ ظُرُوفُ حياتِهِم مُعاكِسَة،
ولا يتوقَّعُ أحدٌ أن يشعُرُا بالسَّلام.

 

 بإستِثناءِ
الرَّسُول يُوحَنَّا، عندما ماتَ هؤُلاء الرُّسُل جميعاً بطُرُقٍ رَهيبَة كشُهداء،
بإمكاننا أن نتأكَّدَ أنَّهُم ماتُوا معَ سلامِ المسيح الذي وعدَهُم بهِ في تلكَ
العُلِّيَّة. فيَسُوعُ لم يَكُن يتكلَّمُ عنِ سلامِ العالم، عندما قدَّمَ هذا
الوعد للتلاميذ. فلقد وعدَ بأن يُعطِيَنا سلاماً داخِليَّاً معَ نُفُوسِنا،
وسلاماً معَ الآخرين، الذي إليهِ يطمَحُ العالَمُ بأسرِهِ. لقد علَّمَ يسُوعُ عن
سلامٍ يُعاكِسُ سلامَ العالم. وقبلَ أن يترُكَ التَّلاميذُ هذه الخُلوة، أخبَرَهُم
يسُوعُ أنَّهُ سيَكُونُ لهُم في هذا العالَمِ ضِيقٌ، ولكنَّهُ طمأنَهُم قائِلاً
أنَّهُ غلبَ هذا العالم بالإيمان، وبإمكانِهِم هم أيضاً أن يغلِبُوا ضيقَ هذا
العالم بالإيمان (يُوحَنَّا 16: 33، 1يُوحَنَّا 5: 4).

 

"الإستِعارَةُ
المجازِيَّةُ الرَّائِعة"

 الكلماتُ
الأخيرة التي نقرَأُها في الإصحاحِ الرَّابِع عشَر من إنجيلِ يُوحَنَّا، تُخبِرُنا
أنَّ يسُوعَ ورُسُلَهُ كانُوا على وَشَكِ تَركِ الغُرفَةِ العُلوِيَّة.
فإنتَقَلُوا إلى حَقلٍ، حيثُ إستخدَمَ يسُوعُ إستِعارةً مجازِيَّة تُوضِحُ
وتُطَبِّقُ جَوهَرَ ما علَّمَهُ لهؤُلاء الرِّجال في العُلِّيَّة. حتَّى الآن،
قَلبُ هذا الحِوار الذي نُسَمِّيهِ خُطبَةً، كان عندما أخبَرَهُم يسُوعُ أن أقوالَ
وأعمالَ الآبِ قِيلَت وتحقَّقت على الأرضِ من خلالِ يسُوع، لأنَّهُ هُوَ والآب
واحد. فكُلُّ ما سَمِعُوا يسُوعَ يَقُولُهُ وما رأوهُ يعمَلُهُ ما هُوَ إلا فَيضٌ
من الحقيقَةِ المجيدة بأنَّهُ كانَ في إنسجامٍ كامِلٍ معَ الآب.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي