الإصحَاحُ
الثَّالِثُ عَشَرَ

 

الجزء
الثاني: أخبار عن التبشير بين الأمم وتأسيس كنائس من انطاكية إلى روما بواسطة خدمة
الرسول بولس المنطلق بالروح القدس الأصحاح 13 – 28

 

 

أولاً:
السفرة التبشيرية الأولى (الأصحاح 13: 1 – 14: 28)

 

1 – افراز برنابا وشاول للخدمة (13: 1 -3)

اَلأَصْحَاحُ
ٱلثَّالِثُ عَشَرَ : 1 وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي ٱلْكَنِيسَةِ
هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا، وَسِمْعَانُ ٱلَّذِي
يُدْعَى نِيجَرَ، وَلُوكِيُوسُ ٱلْقَيْرَوَانِيُّ، وَمَنَايِنُ ٱلَّذي
تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ ٱلرُّبْعِ، وَشَاوُلُ. 2 وَبَيْنَمَا هُمْ
يَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ وَيَصُومُونَ قَالَ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ:
«أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ ٱلَّذِي دَعَوْتُهُمَا
إِلَيْهِ». 3 َصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا
ٱلأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا.

كانت
انطاكية أكبر عاصمة في الشرق آنذاك، وسميت روما الشرق. وفي هذا المركز الرئيسي
للتجارة والمواصلات العالمية تكونت الكنيسة الأولى المترسخة بالحيوية والنضوج،
والتي كان أكثر أعضائها من الأميين الذين آمنوا بالمسيح، ليس بواسطة الرسل ب
بشهادة مؤمنين بسطاء. ولقد أرسلت الكنيسة الأصلية في أورشليم برنابا كمفتقد أبوي
لتقوية المؤمنين الجدد. وهذا المبعوث أخذ برفقته شاول اللاهوتي النشيط. وخدما
سوياً الكنيسة الأنطاكية سنة كاملة. فنمت الكنيسة عدداً وقوة وأصبحت المركز الثاني
للسيحية بجانب أورشليم ونقطة الانطلاق لتبشير الأمم.

وقد ظهرت
مواهب الروح بالغنى في هذه الكنيسة بواسطة النبوة والتعليم. فالأنبياء في العهد
الجديد لم يكونوا كمندوبين عن الله منعزلين عن الشعب، بل عاشوا ضمن الكنيسة مثل كل
المؤمنين، ولكنهم أدركوا إرادة الله قبل غيرهم، وفهموا الأسرار في مائرهم، ورأوا
تطور المستقبل مسبقاً. وأطاعوا إرشاد الروح القدس مباشرة. ومن أجل ذلك فإن بولس قد
نبه وحذر المؤمنين في رسائله بعدئذ، وأكد عليهم ألا يحتقروا موهبة النبوة، لأنها
ضرورية لإنشاء الكنائس. كما الخميرة في العجين.

أما
المعلمون فإنهم قد تعمقوا باجتهاد في ملء كلمة الله. وعلموا أعضاء الكنيسة بانتظام
وتدرج معاني التوراة وكلمات يسوع وتعليم الرسل. وهؤلاء المعلمون وجهوا تعليمهم
مبدئياً إلى إرادة وذاكرة مستمعيهم، بينما قصد الأنبياء القلوب والأذهان العواطف
بالدرجة الأولى. فالله يشاء أن يملك تماماً جسداً ونفساً وروحاً ليدفعك للحمد
والتبشير والإيمان الرصين.

وكل المواهب
المختلفة في الكنيسة، إنما شملتها المحبة، التي هي رباط الكمال. فلم يوجد بين
الأعضاء أسقفاً أو رئيساً، بل كانوا يبحثون أمورهم في حلقة الإخوة والشيوخ بقلب
ونفس واحدة. فذلك القبرسي برنابا الرصين الناضج، لم يكن مشرفاً على اكنيسة رغم
انتدابه لتفقدها، بل تواضع وارتص في صفوف الإخوة، وأرشدهم إلى التعاون والمشاركة
الأخوية. أما الإخوة القيروانيون والقبرصيون، فهم على الأغلب الذين أسسوا الكنيسة
الأنطاكية (11: 20). وكان من بينهم مناين أخو الملك هيرودس في الرضاع، الي قطع في
السابق رأس يوحنا المعمدان. فالطفلان رضعا معاً حليباً واحداً، ولكنهما لم يحصلا
على نفس الروح. فالملك صار زانياً خوافاً من أرواح الأموات، أما مناين فتواضع
وأصبح قدوة للمؤمنين في ملء الروح القدس.

ونقرأ اسم
شاول في أواخر جدول المسؤولين في كنيسة انطاكية، لأنه كان أصغر الكل، ودخل على
اخرة منهم. وأصبح في انطاكية تلميذاً للمرة الثانية رغم علومه الفقهية الضليعة،
واختبر عملياً شركة المحبة التي في المسيحيين.

وهؤلاء
الإخوة في الإيمان خدموا معاً الرب، كما عبد قبلئذ الكهنة الله ليستنزلوا بركته
على أمتهم بواسطة الذبائح المضحاة. وبذلك طلب المسؤولون الخمسة في انطاكية من الرب
المسيح أن يحقق ثمار ذبيحته على الصليب في كنيستهم والشعوب التي حوله. وصام
القديسون ليس ليتبرروا، لأنهم قد تقدسوا مرة واحدة بدم المسيح. وكان صومهم لأجل
الخدمات الصلاتية. فنسوا أكلهم وشربهم، لأن صلاتهم المشتركة لأجل خلاص الأمم كانت
لهم أهم من كل الطيبات. فأحلوا في صلواتهم، ليعلن المسيح خلاصه في محيطهم عمياً.

وقد جاوبهم
الرب، وكلمهم بروحه جهراً بفم أنبياء الكنيسة. وفي اقتبال هذه الوحي لم ينخبط
ويتدحرج أحد منهم على الأرض، بل الجميع سمعوا متعلقين إرادة الله وتخطيطه. والروح
القدس تكلم في هذا الوحي في صيغة الأنا، كشخص مستقل مكلماً المؤمنينوآمرهم ومرشدهم
ومحبهم ومعزيهم مباشرة. فهو يهب حيثما يشاء حسب مسرته اللطيفة. وبنفس الوقت يكون
هذا الروح المبارك أحد الأقانيم في وحدة الثالوث القدوس. إله من إله. نور من نور.
إله حق من إله حق. ذو جوهر واحد مع الآب. ممتلئاً المحبة والقداسة المجد. فهذا
الروح الطاهر هو الله بالذات، مثلما قال المسيح: «الله روح». وهذا السر يعرفه
الساجدون الذين يسجدون لله بالروح والحق مسبحينه ومحبينه بلا انقطاع.

وروح الله
القدوس أمر المسؤولين في الكنيسة، أن يفرزوا له برنابا وشاول لخدمة لم تكن من قبل
معروفة. فالروح القدس شخصياً دعا الاثنين وجهزهما بقوته، وأرسلهما وعمل فيهما
وحفظهما.

وهذه الدعوة
والإرسال عنيا للمختارين اصطفاء وتكريساً وتسلمياً كاملاً. ولم يقل الروح القدس
مسبقاً ما هي نوعية العمل الذي يريد أن ينفذه بواسطة برنابا وشاول. بل دل
المسؤولين في الكنيسة على أن الثالوث الأقدس يقصد عملاً جديداً، لا يستطي أحد منهم
تصوره. وإننا لنعترف بخضوع أيها الله القدوس، أن طريقك مقدس، وقديسيك يمشون من مجد
إلى مجد، ومن ضيق إلى ضيق، ومن ثمار إلى ثمار لأنك أنت البداية، والنهاية في
حياتهم. وعملهم وحده، وليس لأحد من خدامك شرف ولا افتخار.

ولم يختر
الروح القدس فجأة رجلين، ما عرفا بعضهما قبلاً ولحمهما لخدمة مشتركة. كلا، بل
عرفهما على بعض منذ زمن. وقوى ثقتهما المتبادلة، باختبارات مشتركة. ولم يرسل الروح
القدس برنابا مستقلاً أو شاول لوحده، بل جمعهما، كما المسيح سابقاً أسل تلميذيه
معاً. ليعزيا كلٌّ زميله، ويصلي أحدهما إذا تكلم الثاني. فليست الوظيفة تسلط فرد،
بل هي مسؤولية مشتركة حيث يعتبر كل واحد منهما الآخر أفضل من نفسه.

وقد سمع
شاول قبل سنوات في دمشق من لسان حنانيا، أن رب المجد سيرسله إلى ملوك وولاة لإبراز
اسم يسوع، وتصادفه آلام وعذاب كبير ونصر وثمار روحية فائقة. وأدرك شاول أنه غير
مقتدر لهذه الخدمة الفريدة. فانتظر سنوات هادئاً في طرسوس، حتى دعاهبرنابا لكنيسة
انطاكية معلماً ومرشداً. ومن هناك استخلصه الروح القدس وجرده كالسيف الإلهي، بعدما
اختبر شاول أن اهتداء الأفراد، ليس هو هدف تبشير العالم، بل تأسيس كنائس حية يجتمع
فيها قديسون.

ولما سمع
أعضاء الكنيسة في انطاكية أن روح المسيح دعا فجأة زعيمهم الأكبر والأصغر للخدمة،
لم ينوحوا لفقدهما بل اجتمعوا وصلوا وصاموا سوياً، لأنهم جميعاً شعروا أن الرب
الآن ابتدأ عملاً عظيماً غريباً فريداً.

وبعد ذلك
انحنى هذان المختاران المفوضان تحت وضع الأيدي من قبل أعضاء الكنيسة الآخرين،
كأنهما ناقصا الحكمة والقوة والفهم، ليحل ملء الروح القدس بكل مواهبه فيهما. والرب
أثبت هذا التواضع، وأرشد رسولية اللذين دعاهما طيلة حياتهما لخدمة البشير. فمنذ
ذلك الوقت وجد مرسلون يتركون أوطانهم وعشائرهم، لينشروا حسب إرشاد روح المسيح
ملكوت الله. وهم رغم عيشهم المتواضع مزودون بسلطانه الروحي.

الصلاة: أيها الرب
الحي، لسنا مستحقين رحمتك. ولكن بما أنك سفكت دمك على الصليب لتطهيرنا، نكرس
أنفسنا وأولادنا لك لخدمة الأبدية، لكي نخدمك لا بعقولنا وقوانا الخاصة، بل
بامتلائنا بروح محبتك، وسعينا متواضعين في سبيل وصاياك خلاص العالم. احفظنا من
خطوات مرتجلة، وافتح أعيننا لنرى الناس الجائعين إلى خلاصك.

2 – التبشير
في جزيرة قبرص (13: 4 – 12)

13: 4 فَهٰذَانِ
إِذْ أُرْسِلا مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱنْحَدَرَا إِلَى
سَلُوكِيَةَ، وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي ٱلْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ. 5
وَلَمَّا صَارَا فِي سَلامِيسَ نَادَيَا بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ فِي
مَجَامِعِ الْيَهُودِ. وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِماً. 6 وَلَمَّا
ٱجْتَازَا ٱلْجَزِيرَةَ إِلَى بَافُوسَ وَجَدَا رَجُلاً سَاحِراً
نَبِيّاً كَذَّاباً يَهُودِيّاً ٱسْمُهُ بَارْيَشُوعُ، 7 كَانَ مَعَ
ٱلْوَالِي سَرْجِيُوسَ بُولُسَ، َهُوَ رَجُلٌ فَهِيمٌ. فَهٰذَا دَعَا
بَرْنَابَا وَشَاوُلَ وَٱلْتَمَسَ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ
ٱللّٰهِ. 8 فَقَاوَمَهُمَا عَلِيمٌ ٱلسَّاحِرُ، لأَنْ
هٰكَذَا يُتَرْجَمُ ٱسْمُهُ، طَالِباً أَنْ يُفْسِدَ ٱلْوَالِيَ
عَنِ ٱلإِيمَانِ.

9 وَأَمَّا
شَاوُلُ، ٱلَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضاً، فَٱمْتَلَأَ مِنَ
ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَشَخَصَ إِلَيْهِ 10 وَقَالَ: «أَيُّهَا
ٱلْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ٱبْنَ إِبْلِيسَ! يَا
عَدُّوَ كُلِّ بِرٍّ أَلا تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ ٱللّٰهِ
ٱلْمُسْتَقِيمَةَ؟ 11 فَٱلآنَ هُوَذَا يَدُ ٱلرَّبِّ عَلَيْكَ،
فَتَكُونُ أَعْمَى لا تُبْصِرُ ٱلشَّمْسَ إِلَى حِينٍ». فَفِي ٱلْحَالِ
سَقَطَ عَلَيْهِ ضَبَابٌ وَظُلْمَةٌ، فَجَعَلَ يَدُورُ ُلْتَمِساً مَنْ يَقُودُهُ
بِيَدِهِ. 12 فَٱلْوَالِي حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى مَا جَرَى، آمَنَ
مُنْدَهِشاً مِنْ تَعْلِيمِ ٱلرَّبِّ.

لقد أرسل
الروح القدس الرسولين، وأرشدهما ونصرهما، لأنهما مجدا اسم الرب يسوع. وأرشد الروح
الرجلين أولاً إلى سلوكية، الميناء البعيد عن أنطاكية 25 كلم. وبعدما جثا الرسولان
وصليا مع رفاقهم المودعين، دخلا السفينة وأبحرا إلى قبرس وطن برنبا، حيث كان يعرف
الجزيرة جيداً، ظاناً أنه سينجح فيها أولاً، ويبشر أبناء جلدته.

ولما وصلا
إلى سلاميس الواقعة شرقي الجزيرة، لم يقفا في ساحة سوقها، ويكلما الأمميين، بل
دخلا رأساً إلى كنيس اليهود، مقدمين لهم كلمة الله، لأن أعضاء العهد القديم كانوا
كثراً في هذه الجزيرة المرتكزة في شرقي البحر المتوسط. ولكننا لم نمع شيئاً عن أي
يهودي في قبرس آمن بيسوع المسيح أو رفضه مغيظاً. ويبدو أنه لم يعرهما أحد من
السكان هناك اهتماماً، لأن كثيرين من المسافرين مثلهما. كانوا يقبلون إلى الجزيرة
بآراء غريبة متعددة.

وهكذا مضيا
بطريقهما، وكان معهما يوحنا مرقس ابن أخت برنابا، الذي لم يكن مدعواً من الروح
القدس لهذه الخدمة. واتخذوا سبيلهم في الجزيرة قصصاً مقدار مائة وستين كيلومتراً،
مبشرين بملكوت الله وداعين الناس للتوبة. ولكن لم نقرأ أن إنساناً احداً قبل
دعوتهما وآمن أو اعتمد. ولم تكن كنيسة هنالك. فبانت خدمة مختاري الروح القدس فاشلة
لأول وهلة.

ووصلا
أخيراً إلى عاصمة الجزيرة بافوس، وفيها مركز الوالي الروماني برتبة قنصلية هامة،
التي كانت يومذاك قريبة لرتبة قيصر. فهذا القنصل سرجيوس كان حاكماً بأمره في تلك
الجزيرة، ولم يكن مسؤولاً أمام مجلس الدولة الأعلى. وقد كان هذا الحاكممتعلماً
ومدبراً واعياً بنفس الوقت. فلما سمع بالتعليم الجديد في جزيرته، استقدم المبشرين
ليستخبرا منهما عن دعوتهما.

ومن العجب،
أنه كان يعيش في قصره ساحر يهودي له موهبة العرافة النبوية، ولكنه سخرها لخدمة
الشيطان. فصار نبياً كاذباً. وقد أعلن للوالي بعض الحقائق عن الناس والمستقبل،
ولكنه أضله في طريق الأكاذيب ليستخرج منه مالاً لنفسه. فتسلط هذا النب الكذاب على
الوالي وكل الجزيرة بروحه الأشر.

وهو الذي
حذر الوالي من برنابا وشاول، لأنهما جاءا بروح جديد للجزيرة. ولما استمع الوالي
لهذين الرجلين وانشرحت نفسه لإنجيلهما، عارض الملبوس من روح جهنم بكل مكره وسلطته،
ليبطل دخول ملكوت الله إلى منطقته. وألح على الوالي لكيلا يستسلم لإنجيل وليرفض
الرسولين، حتى لا تصبح الجزيرة كلها مسيحية. فهذا هو السبب لفشل التبشير غالباً،
إنه في بعض البلدان يجلس روح نجس متسلط عليها ومعارض دخول روح الإنجيل، لأن الروح
العلوي لا ينسجم مع الروح السفلي. فكل مزج للأديان كذب سطحي.

وأدرك
برنابا وشاول سريعاً أن هذا الساحر الملقب باسم بار يشوع حسب التسمية اليهودية، هو
عكس يسوع المسيح الممسوح بالروح القدس، إذ هو مفعم من روح الشيطان. فكان دائماً
يلوي الحق في العهد القديم، واستخدم معرفته الدينية في طرق أكاذيبه، وباهى بحكمة
خادعة، وهي الضلال المبين.

وبما أنه قد
صادف أن اسم الوالي بولس نفس اسم الرسول، وكذلك اسم الساحر نفس اسم يسوع. ففكر
الرسولان أنه لربما يكون هذا تمهيداً لإتيان ملكوت الله للجزيرة وربما للمملكة
الرومانية كلها بواسطة القنصل. ولكن سرعان ما تبخرت أحلامهما، وحدث اطدام بين مكر
الشيطان وحق المسيح، المعلن بواسطة شاول جهراً، الذي خلع قناع الزيف عن وجه النبي
الكذاب الساحر. ولم يبشر بولس الساحر بتوبة، ولم يقدم له الغفران، بل أصابه وأدانه
باسم المسيح، وغلب قوة روحه الشريرة بواسطة الإيمان بيد الرب العامة. ومنقاداً من الروح
القدس طعن بولس صميم النبي الكذاب، ولم يمته جسدياً، بل أن المسيح يسوع أقدره لعمل
أعجوبة، إذ ضرب الساحر بالعمى، ليجد فرصة للتوبة، كما وجد بولس على تخوم الشام
فرصة للتأمل في خطاياه، فيدرك من هو الرب الحق ويؤمن به فيخلص

فأعلن يسوع
نفسه في قبرس رباً على كل الأرواح وغالباً الشياطين بشهادة عبده بولس. فشعر الحضور
بانتصار الله العظيم، حتى أننا نقرأ من هذه الحادثة فصاعداً في أعمال الرسل اسم
بولس «الصغير» قبل برنابا الكبير، لأن الغيور لأجل مجد المسيح حص على السلطان
لتعظيم اسم المخلص. وهذا التمجيد بالتمام كان هدف الروح القدس.

وللأسف فإن
الوالي آمن بالمسيح الحي لأجل العجيبة فقط، وليس من صميم قلبه. فلم يتجاسر لطلب
المعمودية. ورغم أن اسمه بولس، فلم يصبح مبشراً للمسيح كبولس الحق، وبقي رغم
إيمانه على الحياد. فصار في فتوره سبباً لتأخر انتشار ملكوت الله في حيه، علماً
أنه لم يمانع بالتبشير في الجزيرة، بل سمح بالنداء باسم يسوع، الذي خافه. وبعدئذ
لم نعد نسمع أي كلمة أخرى عن بولس سرجيوس هذا في تاريخ الكنيسة أبداً.

لكن بولس
وبرنابا اختبرا مجدداً أن تعليم الرب ليس فكراً فارغاً، بل قوة. والرب نفسه
رافقهما في موكب انتصاره حتى ولو لم تحدث توبة وإيمان أفواجاً أفواجاً في قبرس وطن
برنابا الأمين.

الصلاة: أيها الرب
يسوع، أنت المنتصر على كل شيطان. نطلب إليك أن تلاشي من محيطنا كل قوى مضادة
لإنجيلك بواسطة رسالة عبيدك، لكيلا يستطيع أحد أن يمنع موكب انتصارك. فنطلب إجراء
عمل يدك، مع شهادتنا وحمايتك لكل خدامك.

3 – التبشير
في أنطاكية الأناضول (13: 13 – 52)

13: 13
ثُمَّ أَقْلَعَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَافُوسَ وَأَتَوْا إِلَى بَرْجَةَ
بَمْفِيلِيَّةَ. وَأَمَّا يُوحَنَّا فَفَارَقَهُمْ وَرَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
14 وَأَمَّا هُمْ فَجَازُوا مِنْ بَرْجَةَ وَأَتَوْا إِلَى أَنطَاكِيَةَ
بِيسِيدِيَّةَ، وَدَخَلُوا ٱلْمَجْمَعَ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَجَلَسُوا.
15 وَبَعْدَ قِرَاءَةِ ٱلنَّامُوسِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، أَرْسَلَ
إِلَيْهِمْ رُؤَسَاءُ ٱلْمَجْمَعِ قَائِلِينَ: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ
ٱلإِخْوَةُ، إِنْ َانَتْ عِنْدَكُمْ كَلِمَةُ وَعْظٍ لِلشَّعْبِ فَقُولُوا».
16 فَقَامَ بُولُسُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ
ٱلإِسْرَائِيلِيُّونَ وَٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ ٱللّٰهَ،
ٱسْمَعُوا. 17 إِلٰهُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ هٰذَا ٱخْتَارَ
آبَاءَنَا، وَرَفَعَ ٱلشَّعْبَ فِي ٱلْغُرْبَةِ فِي أَرْضِ مِصْرَ،
وَبِذِرَاعٍ مُرْتَفِعَةٍ أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا 18 وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ
سَنَةً ٱحْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. 19 ثُمَّ أَهلَكَ
سَبْعَ أُمَمٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَقَسَمَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ
بِٱلْقُرْعَةِ. 20 وَبَعْدَ ذٰلِكَ فِي نَحْوِ أَرْبَعِمِئَةٍ
وَخَمْسِينَ سَنَةً أَعْطَاهُمْ قُضَاةً حَتَّى صَمُوئِيلَ ٱلنَّبِيِّ. 21
وَمِنْ ثَمَّ طَلَبُوا َلِكاً، فَأَعْطَاهُمُ ٱللّٰهُ شَاوُلَ بْنَ
قَيْسٍ، رَجُلاً مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، أَرْبَعِينَ سَنَةً. 22 ثُمَّ عَزَلَهُ
وَأَقَامَ لَهُمْ دَاوُدَ مَلِكاً، ٱلَّذِي شَهِدَ لَهُ أَيْضاً، إِذْ
قَالَ: وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رجُلاً حَسَبَ قَلْبِي، ٱلَّذِي
سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي. 23 مِنْ نَسْلِ هٰذَا حَسَبَ ٱلْوَعْدِ
أَقَامَ ٱللّٰهُ لِإِسْرَائِيلَ مُخَلِّصاً، يَسُوعَ. 24 إِذْ سَبَقَ
يُوحَنَّا فَكَرَزَ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِمَعْمُودِيَّةِ ٱلتَوْبَةِ لِجَمِيعِ
شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. 25 وَلَمَّا صَارَ يُوحَنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ جَعَلَ
يَقُولُ: «مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا؟ لَسْتُ أَنَا إِيَّاهُ، لٰكِنْ هُوَذَا
يَأْتِي بَعْدِي ٱلَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ أَحُلَّ حذَاءَ
قَدَمَيْهِ».

بعد انتصار
المسيح على سلطة الظلمة في قبرس. ونظراً لعدم إمكانية تأسيس كنائس في تلك الجزيرة،
اتضح لبولس أن الروح القدس لم يرد أن يبشروا في وطن برنابا. فقام وأقلع مع رفقائه
نحو شواطئ الأناضول وجباله المرتفعة ولعل برنابا وابن اخته يوحا مرقس فضلا البقاء
في الجزيرة القبرسية اللطيفة المناخ، والعمل بجهد وصبر لإنشاء كنائس هنالك. ولكن
بولس عرف أن طريقه صوب الأناضول. ولم يرد برنابا الحنون مفارقة زميله بولس، ففضل
ترك وطنه من أن يكسر وصية الروح القدس، التي جمعت الاثنين في خدة واحدة.

وأبحر بولس
مع زملائه في قوة الرب للشاطئ القريب ولم يبق طويلاً في مدينة برجة على نهر كستروس
قريباً من مدينة أنطاكية، بل أوغل تقدماً داخل الأناضول في رؤوس الجبال المرتفعة،
مسافة 160 كلم، في رحلة ثمانية أيام حسوماً، وسط الأخطار والتع والحر والجوع
والعطش. فلم يكن يوحنا الشاب الأورشليمي مسروراً من هذه الرحلة وتطور الأمور إلى
هذا الحد، فقرر ترك الرسولين والعودة إلى بيته. لكن برنابا فضل مرة أخرى البقاء مع
شاول على التمسك بعلاقته الشخصية مع قريبه. وودع ابن اخته بقلب إليم لأنه لم يثبت
في خدمة الرب، الذي لم يختره لهذه المهمة.

وانطلق بولس
وبرنابا وبعض الرفقاء الآخرين إلى انطاكية التي في أسيا الصغرى، المدينة التجارية
الواقعة داخل سهول الأناضول، والمرتفعة عن البحر مقدار 1000 متر. ولما وصلوها، لم
يبشروا الأمة في ساحتها، بل دخلوا مباشرة إلى كنيس اليهود، لأنأبناء إبراهيم قد
حصلوا على نور الله الحق، فأراد بولس أن يكرز لهم بيسوع، ملء النور الإلهي لكل
العالم، وأن يجذبهم إلى بهائه. والعظة التي قالها بولس هنالك، وسجلها لنا الطبيب
لوقا، تعد مثالاً نموذجياً لكل العظات، التي ألقاها بولس في كنائس ايهود، ليقنع
أهل العهد القديم بحقيقة المسيح يسوع. وإذا تعمقنا في هذه العظة نرى كيف أن بولس
وبرنابا اعتمدا في إيمانهما وكرازتهما على التوراة والأنبياء، معتبرين العهد
القديم أساساً وتمهيداً للعهد الجديد.

ونقرأ أنه
قد اجتمع داخل الكنيس في أنطاكية مع اليهود قوم من الأممين الأتقياء، الذين كانوا
معجبين بفكرة وحدانية الله والمستوى العالي للحياة الأدبية عند أهل العهد القديم.
وكلم بولس هؤلاء الحنفاء إسوة باليهود بتكريم واحترام، لأنهم كانا طلاباً
مستقيمين. وقد كان بولس أينما ذهب يؤسس كنائس قوية من أمثال هؤلاء المتقين.

لاحظ في
العدد 17-25 من قراءتنا الأفعال الأربعة عشر المفسرة لعمل الله، فتدرك أن تاريخ
العهد القديم، ليس خرافة بشرية أو بحثاً لاهوتياً بل سلسلة واقعية من أعمال الله.
فإنك لا تقدر أن تفهم العهد القديم ولا الجديد. إن لم تدرك مبدئياً أ الله هو الضابط
العالم المالك. فليست السياسة ولا الكوراث ولا الحظ يحرك مصير الشعوب. ولكن يحركه
الله وحده. فهو يختار إفراداً بدون استحقاقهم في سبيل نعمته. ويرفض من لا يخضع
لكلمته. فادرس المعاني المختلفة في كل الأفعال المفسرة لعمل الله. فكسب حكمة
فائقة.

وقد ابتدأ
الله باختياره الآباء، تاريخ خلاص العالم. وأكمل تخطيطه لهدفه ألا وهو مجيء
المسيح. وفي ممارسة هذا التاريخ الإلهي حرر الرب شعب العهد القديم من العبودية.
واحتمل تمردهم في البرية صابراً عليهم. ومنحهم مكاناً في كنعان، وعين عليم قضاة
أبراراً من أنفسهم. ووافق على طلبهم ملكاً ينصب عليهم، ومسح أول ملوكهم شاول الذي
كان في بداية حكمه قدوة باهرة والذي سمى عل اسمه رسول الأمم، الذي كان وهو شاب
يفتخر باسمه شاول الملكي. ولكنه لما التقى بملكه يسوع أخذ تواضعه قدوة. فتخلى عن
اسم شاول وتسمى بولس بمعنى الصغير.

وتبلور
تاريخ الله في داود الملك الذي وجد بحسب قلب الرب. فقد تاب عن خطاياه طالباً إرادة
الله. ونبعت منه صلوات وترانيم بالروح القدس التي يصليها الناس منذ ثلاث آلاف سنة
حتى اليوم. والمسيح نفسه أثبت بعض النبوات، التي جاءت على لسان داو. ولكن ظن
اليهود أن مواعيد الله هذه لم تتم بعد. فكانوا يتساءلون دواماً: أين هو الابن
الموعود، أن يأتي من سلالة داود، وهو بحقيقته ابن الله الأزلي؟ (2 صموئيل 7-12).
واليهود جميعاً قد علموا هذا الوعد الجوهري، منتظرين المسيح الملك الإلهي، اذي
يرشد شعبهم وكل الشعوب للسلام العام. فابتدر بولس المستمعين إليه بجملة قصيرة، أن
ابن داود الذي هو ابن الله بنفس الوقت قد جاء، وأنه يسوع من الناصرة، وهو مخلص
العالم أعظم من القيصر في روما، لأنه إنسان حق وإله حق، أبدي قدوس مجيد.

وبعد هذه
المجابهة للحاضرين، ذكر بولس حقائق عن يوحنا المعمدان، لأن رسالته عن التوبة
والمعمودية انتشرت من قبل حتى آسيا الصغرى. مما دفع بعض اليهود أن يظنوه المسيح.
فأبرز بولس بوضوح أن يوحنا المعمدان اعتبر نفسه أصغر من يسوع وخادماً لهوغير مستحق
لخدمته. وكان المعمدان منتظراً مجيء المسيح بشوق مبرح. ودل كل تلاميذه على الرب
الآتي، طالباً إليهم أن يمهدوا طريقه.

الصلاة: أيها الرب
المجيد الضابط الكل، ساعدنا حتى لا ندور حول أفكارنا وأنفسنا، بل نصبح حلقات في
سلسلة تاريخك، وننقل الإنجيل للآخرين، ونشهد بأعمالك. فليس الزعماء والأحزاب هي
التي تخطط مستقبلنا، بل أنت وحدك ربنا. فعلمنا ااعتراف باسمك، ليأتي ملكوتك إلينا
وإلى كل العالم.

13: 26
«أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ بَنِي جِنْسِ إِبْرَاهِيمَ،
وَٱلَّذِينَ بَيْنَكُمْ يَتَّقُونَ ٱللّٰهَ، إِلَيْكُمْ
أُرْسِلَتْ كَلِمَةُ هٰذَا ٱلْخَلاصِ. 27 لأَنَّ ٱلسَّاكِنِينَ
فِي أُورُشَلِيمَ وَرُؤَسَاءَهُم لَمْ يَعْرِفُوا هٰذَا. وَأَقْوَالُ
ٱلأَنْبِيَاءِ ٱلَّتِي تُقْرَأُ كُلَّ سَبْتٍ تَمَّمُوهَا، إِذْ
حَكَمُوا عَلَيْهِ. 28 وَمَعْ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا عِلَّةً وَاحِدَةً
لِلْمَوْتِ طَلَبُوا مِنْ بِيلاطُسَ أَنْ يُقْتَلَ. 29 وَلَمَّا تَمَّمُوا كُلَّ
مَا كُتِبَ عَنْهُ، أَنْزَلُوهُ عَنِ ٱلْخَشَبَةِ وَوَضَعُوهُ فِي قَبْرٍ.
30 وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ. 31
وَظَهَرَ أَيَّاماً كَثِيرَةً لِلَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ مِنَ ٱلْجَلِيلِ
إِلَى أُورُشَلِيمَ، ٱلَّذِينَ هُمْ شُهُودُهُ عِنْدَ ٱلشَّعْبِ. 32
وَنَحْنُ نُبَشِّرُكُمْ بِٱلْمَوْعِدِ ٱلَّذِي صَارَ لآبَائِنَا 33
إِنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَكْمَلَ هٰذَا لَنَا نَحْنُ أَوْلادَهُمْ،
إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضاً فِي ٱلْمَزْمُورِ
ٱلثَّانِي: أَنْتَ ٱبْنِي أَنَا ٱلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. 34
إِنَّهُ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، غَيْرَ عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضاً
إِلَى فَسَادٍ، فَهٰكَذَا قَالَ: إِنِّي سَأُعْطِيكُمْمَرَاحِمَ دَاوُدَ
ٱلصَّادِقَةَ. 35 وَلِذٰلِكَ قَالَ أَيْضاً فِي مَزْمُورٍ آخَرَ: لَنْ
تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً. 36 لأَنَّ دَاوُدَ بَعْدَ مَا خَدَمَ جِيلَهُ
بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ رَقَدَ وَٱنْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ، وَرأَى
فَسَاداً. 37 وَأَمَّا ٱلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ فَلَمْ يَرَ
فَسَاداً. 38 فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ
ٱلإِخْوَةُ، أَنَّهُ بِهٰذَا يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ
ٱلْخَطَايَا، 39 وَبِهٰذَا يتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ
مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ بِنَامُوسِ مُوسَى. 40
فَٱنْظُرُوا لِئَلاَّ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ مَا قِيلَ فِي
ٱلأَنْبِيَاءِ: 41 اُنْظُرُوا أَيُّهَا ٱلْمُتَهَاوِنُونَ وَتَعَجَّبُوا
وَٱهْلِكُوا، لأَنَّنِي عَمَلاً أَعْمَلُ فِي أَيَّامِكُمْ، عَمَلاً لا
تُصَدِّقُونَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ أَحَدٌ بِهِ».

42
وَبَعْدَمَا خَرَجَ ٱلْيَهُودُ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ جَعَلَ
ٱلأُمَمُ يَطْلُبُونَ إِلَيْهِمَا أَنْ يُكَلِّمَاهُمْ بِهٰذَا
ٱلْكَلامِ فِي ٱلسَّبْتِ ٱلْقَادِمِ. 43 وَلَمَّا
ٱنْفَضَّتِ ٱلْجَمَاعَةُ، تَبِعَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ
وَٱلدُّخَلاءِ ٱلْمُتَعَبِّدِينَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا،
ٱللَّذَيْنِ كَانَا يُكَلِّمَانهِمْ وَيُقْنِعَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي
نِعْمَةِ ٱللّٰهِ.

قد ابتدأ
بولس بالجزء الرئيسي من عظته بمخاطبة قلبية لأبناء إبراهيم وطلاب الله، وشهد لهم
أن رسالة الخلاص مرسلة إليهم مباشرة. فكل الأنبياء حتى يوحنا المعمدان ترقبوا
تحقيق مواعيد الله. أما الخلاص فقد صار متحققاً وتاماً ومستعداً أن يتحق في
المستمعين.

ولم يصمت
بولس عن رفض أمته ليسوع. ولم يخبئ حكم الظلم للمجلس الأعلى اليهودي في أورشليم، بل
سمى تمردهم وعصيانهم وظلمهم جهالة. وهي بنفس الوقت ذنب وإجرام وتعد كبير، لأنهم لم
يطيعوا صوت الروح القدوس. فتمم المجلس الأعلى بحكمه الشرير نبوا الأنبياء، إذ سلم
يسوع لأيدي الوالي الروماني، وحرض الشعب لطلب صلبه، حتى خضع الوالي لصوت الأمة
الهادر. فاهتم بولس اهتماماً كبيراً ليبرهن للمستمعين، أن يسوع لم يمت حسب رغبات
اليهود، بل تماماً حسب النبوة، لأنه لا يتم شيء في العالم بلا إراد الله. فالصليب
يرينا أن الناس أصبحوا رغم إتمام مشيئة الله خاطئين، لأنهم كانوا دائماً يعارضون
محبة الله.

ولكن الله
لم تتناه إمكانيته وقدرته لما قتل الناس مخلص العالم، بل خصوصاً في موته قد عظم
انتصار العلي الذي أقام يسوع من القبر. وقد ذكر بولس في عظته أربع مرات أن إقامة
يسوع هي عمل الله العظيم. فلم يمت المصلوب مجرماً، بل انسجم مع اللهدائماً. لأنه
قدوس. ومن بقي بلا خطية لن يموت. فقيامة المسيح من بين الأموات هي حجر الزاوية
المتين في رسالة بولس. وهو شاهد بأن يسوع ظهر أياماً كثيرة لتلاميذه، الذين هم
شهود العيان لحقيقة الجسد الروحي للمسيح.

وعلى أساس
القيامة أوضح بولس من العهد القديم أن لله ابناً أزلياً قدوساً مجيداً. فكان الله
أبا يسوع وثبت أميناً له، وأخرجه من القبر، ورفعه مكاناً عليا إلى مجده. وكل هذه
النبوات السامية سمعها داود الملك النبي. ولكنه لم ينلها لنفسه، ب أنه فسد في قبره
وتفتت فتاتاً. ومثلما أثبت بطرس في عيد العنصرة قبل ذلك إتمام النبوات في المزمور 16:
10 وأعمال الرسل 2: 27 في يسوع المسيح، هكذا شهد بولس في أنطاكية أنه يستحيل على
قدوس الله الفساد، لأن قداسته لم تقبل فساداً.

وحيث أن
حياة الله وقداسته كانتا ساكنتين في الإنسان يسوع، لذلك فالمقام من بين الأموات
بنفس الوقت هو ينبوع لكل مواهب الله الأخرى. وهكذا شهد الرسول أن يسوع الحي يغفر
خطايانا. وليس إنسان يتبرر بحفظ النواميس، ولكن من يلتصق بيسوع الظافر يتبرر. وهذا
الالتصاق بيسوع لا يعني إلا الإيمان. فمن يؤمن بالمسيح، يتبرر ويتقدس، ويحيا إلى
الأبد فهل ثبت فيه حقاً؟

وهذا
الإنجيل يتطلب القرار. أما بالقبول أو بالرفض ويسبب أما الخلاص أو القساوة، الحياة
الأبدية أو الموت الزؤام. وقد كرز بولس مسبقاً أن كثيرين من مستمعيه سوف لا يؤمنون
بكلماته، لأنها تظهر لهم مستحيلة. ولكن هذا حقاً ما أنبأ به النبي حقوق 1: 5 أن
الله سيعمل عملاً عظيماً يفوق عقل الإنسان وقدرة قلبه، حتى أن كثيرين لا يؤمنون
بما عمل الله حقيقة.

وفي نهاية
الاجتماع، طلب المؤمنون الأمميون من الرسولين، أن يرجعا إليهم في السبت القادم
ويكلماهم مرة أخرى عن رسالة الخلاص، التي حركت أذهانهم وشوقتهم كثيراً. وبعض
اليهود والأتقياء رافقوهما إلى بيتهما، وتكلموا معهما ساعات طويلة عن الخاص
بالنعمة. لأن الرسولين أبرزا منذ البداية أن النعمة هي أساس الخلاص. لأن الإنجيل
ليس ناموساً تشريعياً متطلباً من الإنسان أعمالاً من تلقاء نفسه لا يقدر على
إتمامها فيفشل، بل يشهد الإنجيل لنا بعمل الله، الذي يقدم لنا الغفران وقوة المسيح
وياته مجاناً لكل الذين يؤمنون بيسوع من كل قلوبهم.

الصلاة: أبانا الذي
في السموات، نشكرك لأنك أقمت ابنك يسوع من بين الأموات. وغفرت لنا لأجله كل
خطايانا. ثبتنا في ابنك واملأ أذهاننا برسالة خلاصك، لنشهد بقدرتك وعملك وانتصارك.

13: 44
وَفِي ٱلسَّبْتِ ٱلتَّالِي ٱجْتَمَعَتْ كُلُّ
ٱلْمَدِينَةِ تَقْرِيباً لِتَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ. 45
فَلَمَّا رَأَى ٱلْيَهُودُ ٱلْجُمُوعَ ٱمْتَلَأُوا غَيْرَةً،
وَجَعَلُوا يُقَاوِمُونَ مَا قَالَهُ بُولُسُ مُناقِضِينَ وَمُجَدِّفِينَ. 46
فَجَاهَرَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَقَالا: «كَانَ يَجِبُ أَنْ تُكَلَّمُوا أَنْتُمْ
أَّوَلاً بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ، وَلٰكِنْ إِذْ دَفَعْتُمُوهَا
عَنْكُمْ، وَحَكَمْتُمْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِلْحَياةِ
ٱلأَبَدِيَّةِ، هُوَذَا نَتَوَجَّهُ إِلَى ٱلأُمَمِ. 47 لأَنْ
هٰكَذَا أَوْصَانَا ٱلرَّبُّ: قَدْ أَقَمْتُكَ نُوراً لِلأُمَمِ،
لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاصاً إِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ». 48 فَلَمَّا سَمِعَ
ٱلأُمَمُ ذٰلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ
ٱلرَّبِّ، وَآمَنَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ
لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ، 49 وَٱنْتَشَرَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ
فِي كُلِّ ٱلْكُورَةِ. 50 وَلٰكِنَّ ٱلْيَهُودَ حَرَّكُا
ٱلنِّسَاءَ ٱلْمُتَعَبِّدَاتِ ٱلشَّرِيفَاتِ وَوُجُوهَ
ٱلْمَدِينَةِ، وَأَثَارُوا ٱضْطِهَاداً عَلَى بُولُسَ وَبَرْنَابَا،
وَأَخْرَجُوهُمَا مِنْ تُخُومِهِمْ. 51 أَمَّا هُمَا فَنَفَضَا غُبَارَ أَرْجُلِهِمَا
عَلَيْهِمْ، وَأَتَيَا إِلَى إِيقُونِيَةَ. 52 وَأَمَّا ٱلتَّلامِيذُ
فَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مِنَ ٱلْفَرَحِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.

أرشد الروح
القدس بولس واقتاده من جزيرة قبرس الجميلة، التي انغلقت على نفسها رافضة بشارة
المسيح، إلى انطاكية الأناضولية في منطقة جرداء، حيث هناك ظهرت بوادر الروح، لأن
المدينة كلها تحركت بواسطة شهادة الرسولين. وفي سبعة أيام بين سبتينتكلم بولس
وبرنابا كثيراً مع أناس جياع إلى البر، وأذاعا الرجاء الجديد بيسوع، حتى صار حقل
الرب في انطاكية مفلوحاً ومسقياً. ولما رأى شيوخ الكنيس اليهودي، أن كثيرين من
الأمم تراكضوا إلى كنيستهم، ليس ليتهودوا بل لينالوا غفران الخطايا بدون الاموس،
إنما بالإيمان بالمقام من الأموات، جدفوا على يسوع رافضين الإنجيل. فما أروع هذه
الحالة! مئات من الناس الجياع ينتظرون رسالة الخلاص. وشيوخ اليهود يصرخون على بولس
ويناقضونه، حتى لا يقدر أن يتكلم ويستمر في عظته.

عندئذ توقف
الرسول عن إتمام خطابه، واتجه إلى اليهود مباشرة. وقال بقلب دام وبشدة قوية: إن
الروح القدس أرشدني إليكم، لتسمعوا أنتم رسالة الخلاص أولاً، لأن لكم حصة وحقاً
فيه منذ اختيار آبائكم. ولكن بما أنكم لا تعتبرون أنفسكم مستحقين لقول حياة
المسيح، فإنكم تثبتون في موتكم الروحي عبيداً للناموس وبدون غفران. ومعقدين بخطأ
فداء النفس بالنفس. وستسقطون لدينونة عند الله أشد. وكما إخوتكم في أورشليم رفضوا
مسيح الله الحق، هكذا أنتم أيضاً ترفضون.

أما نحن
فغير مرتبطين بأعضاء العهد القديم فقط، بل المسيح أرسلنا إلى الأمم أيضاً. ونتمم
بهذا التبشير العالمي ما أنبأ به إشعياء، الذي شهد أن المسيح هو نور الأمم (49: 6)
ومؤسس الخلاص إلى انتهاء العالم.

وفي الإيمان
القوي تجاسر بولس أن يفهم هذه النبوة بخصوص نفسه، ووضع وظيفته كرسول الأمم بواسطة
هذه النبوة من إشعياء النبي. فبولس كان في المسيح، ولم يشع نوره الخاص، بل أشع نور
المسيح به. فخلص المسيح بواسطته مئات الملايين حتى اليوم. ولي أحد وضح لنا معنى
التبرير والتقديس والفداء في المسيح مثلما وضحه هذا الرسول المقاد من محبة الله.

فالجمع
الغفير أصغوا لهذا الصراع والتبكيت بين الرسولين واليهود بانتباه عميم. ورأوا أن
اليهود قفد شحنوا غيرة وبغضة وغيظاً وتجديفاً، بينما بولس وبرنابا بقيا هادئين في
المحبة والحزن ممتلئين تواضعاً ووقاراً. وأوضحا أن ليس اليهود هم المتارون للخلاص
لوحدهم، بل كل مؤمن بيسوع المسيح، إن آمن به حقاً. فشعر المستمعون بقوة محبة الله
في المتكلمين ووثقوا بالروح المتكلم منهما أكثر من فهمهم للمعاني العميقة في
عظمتها.

وكثيرون من
الأمميين تمسكوا بشهادة الرسولين بفرح وآمنوا أن الخلاص قد تم لكل الناس وكان
ابتهاجهم عظيماً. ولكن لم ينضجوا جميعاً إلى الإيمان القوي الرصين. فالتحمس الأول
خفت وطأته. ولم يثبت في المسيح إلا الذين تعمقوا في الخلاص، واستسلما للمخلص
نهائياً. الكل كانوا مدعوين، ولكن قليلين هم المنتخبون. وفسر لوقا هذا السر بأن
الله يعلم القلوب، وأن المستعدين فقط هم كاسبو الحياة الأبدية. وليس أحد يأتي إلى
يسوع إلا أن يجذبه الآب السماوي. وإننا لنعلم أن الله يريد خلاص كل الناس.لكن ليس
كلهم يأتون. فكل مؤمن يحتوي في ذاته على سر كبير. وإيماننا هبة وامتياز من الله.
فهل تشكر يسوع لأجله؟ وهل تعلم أن كل عدم إيمان هو ذنب؟ وأن كل من يرفض يسوع يكون
مداناً يوم الدين؟

والذين
امتلأوا بالخلاص نشروا فرح الروح القدس من مركز انطاكية إلى كل محيطهم. وكل نهضة
انتعاشية تظهر بأشعة تبشيرية من هذا النوع. علماً أن الشاهدين للبشارة لم يقبضوا
معاشاً ولم يرشدهم أحد من مركز معين، بل الروح القدس هو الذي يعمل في تباع المسيح.

ولكن الروح
الشيطاني يعمل أيضاً وتلقائياً في كل الأتقياء المتدينين المتظاهرين بحفظ الناموس.
فاليهود الذين كانوا في انطاكية الأناضولية، جاءوا بوجوه عابسة غيورة للشعائر
الدينية إلى النساء الأنطاكيات وحرضوهن للتأثير على رجالهن بطرد الالين من بلدهم.
فالحيلة والسلطة هما الوسيلتان المضادتان لانتشار الإنجيل. ولكن روح الرب انتصر في
المؤمنين، الذين احتملوا الاضطهاد بصبر، وتقووا تحت الضغط بفرح الروح القدس.

وترك بولس
وبرنابا المدينة ونفضا غبار أرجلهما عليها حسب أمر المسيح، ليسلموا الرافضين
لدينونة الله بممارسة هذا التصرف. هل امتلأت بفرح الروح القدس أو ترفض خلاص المسيح
فتسقط لدينونة الله؟

الصلاة: أيها الرب
يسوع، نشكرك لأنك خلصت كل الناس على الصليب. ومنحت لكل مؤمن روح حياتك. فنطلب إليك
لأجل كل بلدة في أمتنا، أن تختار منه المستعدين، ليسمعوا دعوتك ويمتلئوا بإنجيلك
ليصبحوا نور العالم.

هل تبحث عن  م المسيح المسيح ومعجزاتة 11

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي