الإصحَاحُ الثَّالِثُ عَشَرَ

 

المرحلة الثالثة لنمو
الكنيسة

انتقال الكنيسة من
أورشليم

لترسي
قواعدها في كافة أنحاء أمم الأرض

[1328]

[وهنا
ينتهي القسم الأول من تاريخ الكنيسة

الذي
يختص بأعمال القديس بطرس الرسول، وقد استغرق من الأصحاحات (112).

ويبدأ
القسم الثاني من تاريخ الكنيسة

الذي
يختص بأعمال القديس بولس الرسول، ويستغرق بقية السفر كله من الأصحاحات (1328).]

 

( أ ) أول ظهور أنبياء
العهد الجديد في الكنيسة (1:13).

(ب) أول ظهور المعلمين
(1:13).

( ج ) أول طقس رسامة
بالروح القدس بدون قرعة في الكنيسة.

تكريس برنابا وبولس
للخدمة الرسولية بدعوة من الروح القدس مباشرة بالصوم والصلاة ووضع اليد، وبهذا
تأسس سر الرسامة الكهنوتية لأول مرة في الكنيسة بشروطه التقليدية (13: 2و3).

( د ) أول رحلة كرازية
يقوم بها القديس بولس الرسول (4:1328:14).

خط سير الرحلة:

من أنطاكية
سوريا إلى سلوكية التي هي ميناء لها على البحر (4:13).

من سلوكية
إلى قبرص في ميناء سلاميس، المسافة 125 ميلاً (13: 4و5).

من سلاميس
اجتازا قبرص إلى بافوس العاصمة، المسافة 90 ميلاً (13: 612).

من بافوس بقبرص عبرا البحر إلى أسِيَّا الصغرى إلى
برجة بمفيلية، المسافة 175 ميلاً
(13:13).

من برجة
إلى أنطاكية بيسيدية (أسِيَّا الصغرى) المسافة 125 ميلاً (13: 1450).

من أنطاكية
بيسيدية “مطرودين” إلى أيقونية، المسافة 110 ميلاً (13: 51و52).

وبقية الرحلة تأتي في
الأصحاح الرابع عشر، حتى الآية (28) منه.

 

ظهور أنبياء العهد
الجديد في الكنيسة:

لقد التقط القديس لوقا
الخيط من الآية (28) من الأصحاح الحادي عشر ليبدأ تصوير حال الكنيسة في أنطاكية في
مستهل الأصحاح (13). فبعد قوله:
» وفي تلك الأيام انحدر
أنبياء من أُورشليم إلى أنطاكية
«(أع 27:11)، ثم سرده لنبوَّة أغابوس النبي عن المجاعة. يعود هنا في
مستهل الأصحاح (13) ويقول:
» وكان في أنطاكية في الكنيسة
هناك أنبياء ومعلمون برنابا وسمعان الذي يُدعى نيجر ولوكيوس القيرواني ومناين الذي
تربَّى مع هيرودس رئيس الربع وشاول
«

وواضح أمام القارئ
الانتقال الذي سنلمحه بسهولة في سرد القديس لوقا لأخبار الرسل والكنيسة من انتقاله
بالأخذ من الوثائق الأُورشليمية التي كانت بين يديه، إلى وثائق جديدة حصل عليها من
أنطاكية وهي مدينته الخاصة. لذلك سنلمح في تسجيله هنا كثيراً من الدقة لمؤرِّخ
يعرف ما يكتبه معرفة الذي عاين ورأى.

كذلك نود لو نوجِّه نظر
القارئ إلى الهدف الأساسي الذي سيتحرك نحوه ق. لوقا في تدوينه لكل
الأصحاحات القادمة وهي: الرحلات التبشيرية للقديس بولس التي كان هو
أي لوقا شريكاً في معظمها، والتي سيبدأ بها من الآية الرابعة
من هذا الأصحاح مباشرة ولن يفرغ منها حتى وبعد أن فرغت كل صفحات هذا السفر الثمين.

1:13 «وكانَ في
أَنطاكية في الكنيسةِ هُناكَ أَنبياءُ ومعلِّمُونَ بَرْنَابَا وسِمعانُ الذي يُدعَى
نيجَر ولُوكيُوس القيروانيُّ ومَنَايِنُ الذي تربَّى مع هيرودُسَ رئيسِ الرُّبعِ
وشاوُلُ».

يُلاحَظ أن في (أع 27:11) يقول: » انحدر
أنبياء من أُورشليم إلى أنطاكية
« فكان هؤلاء الأنبياء بمثابة زائرين يجولون لخدمة اسم الرب
وأمَّا هؤلاء المذكورون هنا فهم أعضاء ثابتون في الكنيسة.

الأنبياء في
العهد الجديد:

النبوَّة في العهد
الجديد لا صلة لها بالتي كانت في العهد القديم، من حيث عملها وهدفها. فالنبوَّة في
القديم كانت تعمل لحساب تحديد زمن المسيح، هذا من وجهة نظر الإنجيل كما حددها ق.
بطرس الرسول:
» الخلاص الذي فتَّش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة
التي لأجلكم. باحثين أيُّ وقتٍ أو ما (حال) الوقت الذي كان يدلُّ عليه روح المسيح
الذي فيهم إذ سبق فشهِد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها. الذين أُعلن لهم
أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أُخبرتم بها أنتم
الآن بواسطة الذين بشروكم في الروح القدس المُرسل من السماء
«(1بط 1: 1012). أمَّا أنبياء العهد الجديد فهم الدرجة
الحائزة على الروح القدس التي تلي الرسل القديسين مباشرة، وقد أخذوا على عاتقهم
تقوية جماعات المؤمنين خاصة في الكنائس المحلية التي كان ينقصها وجود الرسل. وأهم
عمل لهم هو تزكية الإيمان بالمسيح بالعمل والدعاء سواء أعمال جسدية أو روحية لشفاء
وتعزية النفوس وتقوية المؤمنين إزاء الاضطهاد وإقامة الصلوات والتشكرات في البيوت
لحلول الروح القدس. وتوعية المؤمنين بما هو صالح ونافع لحياتهم وتحديد ما هو خير
وما هو شر بحسب روح الله والإنجيل.

وقد استخلصت للقارئ
مجمل ما كُتب في كتاب الديداخي أي تعليم الرسل القديسين عن الأنبياء وعملهم
ومعاملتهم هكذا:

الكتاب: الديداكية طبع
رابطة الدراسات اللاهوتية في الشرق الأوسط

A.T.E.N.E
سنة 1975 الكسليك، لبنان:

في
الصلوات القربانية أي صلاة الشكر أي الإفخارستية
:

7:10 [ليشكر الأنبياء
ما طاب لهم الشكر] (صفحة 21).

التعليق من
عندنا:

كانت صلوات القداس غير
مُحددة في البداية فكان الرسل والأنبياء الملهمون يصلون بالروح على القربان
فيتقدَّس، ولكن من المقرر أن الرب يسوع صلَّى صلاة الشكر على القربان، وأُخذت عنه
أخذاً محدداً ولكن ليس بالكلام ولكن بالعمل وهو المدوَّن في صلاة تقديم الحمل،
عملاً وقولاً إنما بدون شرح([1]).

إرشادات
تنظيمية

(صفحة 21):

3:1110
[وبخصوص الرسل والأنبياء:

تصرفوا وفق تعليم
الإنجيل بالكيفية الآتية:

استقبلوا كل رسول
(ونبي) يأتيكم كاستقبالكم للرب

يمكث لديكم يوماً
واحداً أو يومين إذا دعت الحاجة ولكن إذا أقام ثلاثة أيام بينكم فهو نبي كاذب.

إذا طلب نقوداً فهو نبي
كاذب.

لا تمتحنوا نبياً
يتكلَّم بالروح. ولا تنقدوا أقواله.

ليس كل مَنْ يتكلَّم
بالروح حتماً نبياً.

إنما النبي هو مَنْ
يسلك بمنهج الرب.

كل نبي يعلِّم حقيقة
ولا يمارسها فهو نبي كاذب].

هام للغاية:

1:15 [وهكذا انتخبوا
لكم أساقفة وشمامسة
(الذين يحلون محل الرسل والأنبياء) رجالاً مختبرين جديرين
بالرب ودعاء سالكين في نزاهة واستقامة لأنهم يؤدون لكم خدمة الأنبياء والمعلمين].

واضح هنا أن الذين
حلُّوا في الكنيسة محل الرسل والأنبياء هم الأساقفة والشمامسة. فعصر الرسل
والأنبياء انتهى ببدء اختيار الأساقفة والشمامسة وإن كان الرسل والأنبياء هم من
تعيين واختيار الله والروح القدس. فالأساقفة والشمامسة هم من اختيار الشعب
وتعيين الروح القدس.
أي أن الكنيسة لم تفقد شيئاً من قوة نظامها الإلهي
بانتهاء عصر الرسل والأنبياء. فالله والروح القدس هو العامل في القائمين فيها
طالما كانوا وفق مشيئته.

أنبياء
ومعلمون:

إن كان النبي صنعته
النطق بالروح القدس فالمعلِّم كانت صنعته التفسير لما قيل في الإنجيل بالروح القدس
وما ينطقه النبي بالروح. والاثنان النبي والمعلِّم كان يناط بهما استعلان المسيح،
يُدخلان المؤمنين في حضرة المسيح المعلِّم:
» فاذهبوا
وتلمذوا جميع الأُمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلِّموهم أن يحفظوا
جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر
«(مت 19:28و20)، » الذي يسمع منكم يسمع
مني. والذي يرذلكم يرذلني والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني.
«(لو 16:10)

فجهاز الكنيسة المدبِّر
والعامل والمعلِّم، لا ينبغي بأن يكون أقل من حضرة كاملة للمسيح، لأنه يستحيل على
المسيح أن يغيب عن كنيسته كما يستحيل أن تكون الكنيسة إلاَّ المسيح نفسه عاملاً
ومعلِّماً. ونحن بحسب الإنجيل مسئولون عن وجود المسيح فينا.

فهنا حينما سجل ق. لوقا
للكنيسة أنه كان بها أنبياء ومعلمون فهذا يعني أن أنطاكية كانت تعيش المسيح
والمسيح كان يعيش في مؤمنيها، لذلك شُهد لهم أول من شُهد أنهم مسيحيون!! عن رؤيا
ومشاهدة ويقين.

وبهذه الشهادة قصد ق.
لوقا قصداً  أن يبيِّن كيف اغتنت أنطاكية حقاً بالروح، وصحّ لها أن تحمل كرامة
أُورشليم والهيكل والعليّة، وتأهلت أن تخرج منها البعثات وتوزع النور.

«برنابا»:

المدعو بالعبرية ابن
الوعظ واسمه أصلاً يوسف. شُهِدَ له أنه رجل صالح، لاوي قبرصي الجنس، أول ما سُمِعَ
عنه في الإنجيل أنه باع حقله، ويبدو أنه كان ذا قيمة، ووضع كل ثمنه عند أرجل
الرسل. فاشتهر صلاحه وشُهد لصدق مسيحيته وبيعه للعالم. وصحّ أن يكون مثلاً يدين
حنانيا وسفِّيرة دون دينونة منه ومِنْ الناس مَنْ سيدينون ملائكة دون
قصد منهم وإنما عن سيرة ومثال.

عجيب هو برنابا هذا،
ففي الوقت الذي ارتاب فيه الجميع من شاول وتحاشوه خوفاً منه بعد أن آمن واعتمد،
نجد أن برنابا يقبله
» فأخذه برنابا وأحضره إلى الرسل وحدَّثهم كيف
أبصر الرب في الطريق وأنه كلَّمه وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع.
«(أع 27:9)

يقول التقليد إن برنابا
كان صديقاً لشاول منذ الصِّبا وأنهما تعلَّما معاً على يدي غمالائيل، ولكن ليس
عندنا ما يؤكد هذا. وإنما لا بد أن يقين برنابا بصدق إيمان شاول وقبول مجاهرته
بالرب ثم الدفاع عنه لا يأتي من فراغ. فإمَّا أن نؤمن بالتقليد المذكور وإمَّا أن
نؤمن بصدق ويقين برنابا الذي إذ كان نبيًّا استُعلن له فعلا صدق إيمان شاول. حينما
تحقق الرسل من ذلك وثقوا به فلم يجدوا أفضل منه ليرسلوه لافتقاد كنيسة أنطاكية
عندما سمعوا عن نهضة فيها وإيمان وعماد ونعمة من قبل الأمم (أع 22:11)، فكانت فرحة
برنابا بنهضة كنيسة أنطاكية في محيط الأمميين فوق ما كان يظن مما حدا به إلى
الإسراع في إثر شاول يطلبه للحصاد الكثير فسافر يبحث
عنه في مسقط رأسه طرسوس التي كان قد هرب إليها بمعرفة التلاميذ، ويُظن أن برنابا
كان واحداً من الذين رافقوه عندما ضيَّق عليه اليهود في أُورشليم طلباً لقتله:

+ » فكان (شاول)
معهم يدخل ويخرج في أورشليم ويجاهر باسم الرب يسوع. وكان يخاطب ويباحث اليونانيين
فحاولوا أن يقتلوه. فلمَّا علم الإخوة أحدروه إلى قيصرية وأرسلوه إلى طرسوس.
«(أع 9: 2830)

واضح
هنا للقارئ حركة برنابا الناشطة بين أورشليم وأنطاكية أولاً لمَّا سمع بنجاح
الخدمة بوجه عام، ولكنه عندما تيقن أنها بين الأمم من اليونانيين تحاشى العودة إلى
أورشليم لطلب نجدة من بين الرسل إذ كان يعلم الروح المتحفظة التي كان يساير بها
الرسل اليهود، بل انطلق يطلب شاول. وهنا تتطابق رؤية ق. لوقا كاتب السفر مع رؤية
برنابا في حصر النشاط على مستوى كنيسة الأمم.

ولكن لم يفت على ق.
لوقا كمؤرِّخ كنسي مؤيَّد بالروح القدس أن يستفسر في وثائقه الشفاهية والمدونة عن
حال الكنائس اليهودية التي كانت تعاني الفقر والجوع الجسدي فيذكر بارتياح ولكن
بمنتهى الاختصار:
» وأمَّا الكنائس في جميع اليهودية والجليل
والسامرة فكان لها سلام وكانت تُبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت
تتكاثر.
«(أع 31:9)

على أن برنابا ظلّ يخدم
مع شاول في كنيسة أنطاكية
» سنة كاملة وعلَّما
جمعاً غفيراً
«(أع 26:11). كما
رأيناه أيضاً مع شاول في بعثة الإنقاذ يقوم بخدمة كنائس اليهودية على مستوى أعواز
الجسد خلال المجاعة المذكورة، وبذلك يكون برنابا قد أثبت أنه كان كارزاً مسكونياً
نبيـًّا ومعلِّماً، فوق أنه كان قد أخذ يمين الشركة مع ق. بولس من المعتبرين أعمدة
الكنيسة، الرسل الثلاثة يعقوب وصفا ويوحنا:
» فإذ علم
بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة أعطوني وبرنابا يمين
الشركة لنكون نحن للأمم وأمَّا هم فللختان
«(غل 9:2) أي كان رسولاً رسمياً للأمم.

«وسمعان
الذي يُدعى نيجر»:

الاسم الأول يهودي
أمَّا اللقب الذي يُدعى به فهو لاتيني، وقد يفيد إنحداره من مدن أفريقيا أو كونه
أسمر اللون (نجرو). وإن كان هناك دافع أن نعتبره هو الذي حمل صليب الرب وبالتالي
يكون هو أبا أَلكسَنْدَرُس وروفُس (مر 21:15)، ولكن ليس لدينا ما يحقق هذا. غير أن
رتبته في كنيسة أنطاكية كان نبياً أو معلِّماً، أي واحداً من أخص أعضائها الذين
يُعْزَى إليهم النهضة الروحية الكبرى التي بلغت أخبارها أورشليم وخارجها أيضاً.
فكان أحد الشخصيات التي انسكب عليها الروح القدس للشهادة للمسيح وخدمة الكلمة.

«ولوكيوس
القيرواني»:

القيروان([2])
هي مدينة في شمال أفريقيا وكان بها مجمع كبير من اليهود. وقد يكون لوكيوس هذا هو
الذي جاء ذكره
» ولكن كان منهم قوم وهم رجال قبرصيون وقيروانيون الذين
لمَّا دخلوا أنطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع
«(أع 20:11). ولكن ليس ما يدل على أنه هو لوكيوس المذكور في رسالة
رومية
» يسلِّم عليكم تيموثاوس العامل معي ولوكيوس وياسون وسوسيباترس
أنسبائي
«(رو 21:16)، وعلى
كل حال ليس هو كاتب الإنجيل.

ولكن من المؤكد أنه
واحد من المدعوين باليونانيين المتنصرين الذين قاموا بنهضة الكنيسة في أنطاكية مع
الرجال الذين في قبرص.

«ومناين
الذي تربَّى مع هيرودُس رئيس الربع»:

مناين هو النطق
المخفَّف للاسم العبري “مناحم
Mana»n = Manahem وتعني “المعزِّي”. أمَّا هيرودس هذا فهو
أنتيباس بن هيرودس الكبير الذي أرسل بيلاطس
إليه المسيح لمحاكمته:
» قامت ملوك
الأرض، واجتمع الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحه. لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك
القدوس يسوع، الذي مسحته، هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل
«(أع 4: 26و27)، الذي تولَّى
على الجليل وبيريه كرئيس ربع سنة 4ق.م حتى سنة 39م. انظر أصحاح
27:4.

والمعروف أن مناحم
الكبير هو جد هذا المناحم على ما كان يُظن والمعروف أيضاً أنه كان من الأسينيين
العارفين بالروح وكان قد تنبأ لهيرودس الكبير بأنه سيصير ملكاً كما كتب يوسيفوس في
تاريخه 5:10:15 لذلك كان يوقِّره هيرودس الكبير. وتُعزى معرفة ق. لوقا بهيرودس وكل
عائلته كذلك بهذه الجماعة من الأنبياء والمعلمين، وأخبار الكنيسة في أنطاكية إلى
مناحم هذا.

كما نلاحظ بسهولة أن
مناحم نبي أنطاكية هذا هو قد تربَّى في قصر هيرودس الكبير مع ابنه
أنتيباس كان أكبر سناً من ق. بولس.

ولكن العجيب حقاً أن
ابن هيرودس وهو قاتل القديس يوحنا المعمدان والذي هزأ بالرب وألبسه
ثوب الأرجوان إمعاناً في التحقير من ملوكيته كان زميل تربية وتعليم
ونشأة مع مناحم هذا النبي التقي والمعلِّم.

ويُلاحِظ القارئ أن ق.
لوقا يأتي باسم شاول في آخر جماعة الأنبياء والمعلمين مما يكشف عن مدى الدقة
التاريخية والحكمة عنده في وزن الشخصيات. فشاول إلى ذلك الحين لم يكن بقامة هؤلاء
الأنبياء ولا من درجتهم، وذلك حسب الأقدمية في الكنيسة.

2:13 «وبينما
هُمْ يخدُمُونَ الربَّ ويصومُونَ قالَ الروحُ القدسُ: أَفرِزُوا لي بَرْنَابَا
وشاولَ للعمَلِ الذي دَعوتُهُما إِليهِ».

[وكانوا يصومون
ويخدمون، هذا لكي تعلموا أن الخدمة تحتاج إلى صحو عظيم وعفة ووقار. لقد رُسم بولس
في أنطاكية التي كان يبشِّر فيها ويخدمها.

ولماذا قال الروح القدس
أفرزوا لي، وليس للرب؟ هذا لكي يبيِّن أنـَّه (الروح) ذو السلطان والقوة. وعندما
صاموا انظروا ماذا تمَّ؟ (الروح القدس نطق وعيَّن) وهكذا أُرسلوا من الروح القدس
وهكذا اتضح أن الروح عمل كل شيء.

إنه شيء عظيم أن نصوم،
إنه صلاح عظيم وصلاحه لا يحد.

حينما كانت هناك حاجة
للرسامة صاموا. ولهم الذين صاموا تكلَّم الروح.]

(القديس يوحنا ذهبي
الفم على سفر الأعمال)

 

«وبينما هم
يخدمون»:
leitourgoÚntwn

جاءت باليونانية كلمة
واحدة في صيغة الحال. ولكن المعنى أعظم من معنى الخدمة العادية بمفهومها في اللغة
العربية؛ لأن كلمة “ليتورجونتون” وهي أصلاً في اللهجة العتيقة اليونانية تفيد
الخدمة العامة غير المدفوعة الأجر كرامة للملك، وطبعاً تأتي هنا لتدل على خدمة
الصلاة في الكنيسة بتقديم الشكر والتسبيح على الذبيحة الإلهية.

«قال الروح
القدس»:

القول هنا استعلاني
بالروح، ويتحتم أن يكون قد قبله أحد الأنبياء المجتمعين أثناء الصوم والصلاة. وعلى
القارئ أن يهتم جداً بالجمع بين قول الروح، والنبوَّة، والصوم والصلاة، كذلك روح
الجماعة المجتمعة المتلهفة لسماع صوت الله.

«أفرزوا» ¢for…sate d» moi

وضع حرف هنا
يُكسب لفظة
» أفرزوا
لي
«صيغة
الأمر المقطوع به.

«العمل الذي دعوتهما إليه»:

التعبير هنا مقتضب ولكن
يعرف منه مباشرة أن العمل هو عمل الله والخاص به شخصياً فهو الانطلاق للكرازة باسم
المسيح وهذا معناه فتح أول طريق نحو بشارة العالم.

أمَّا كلمة » دعوتهما
إليه
«فهنا التخصيص الشخصي.

وواضح أن إعلان الله
بالروح بالصوت الداخلي الذي نطق به النبي عالياً في الكنيسة انصب على النبيين
برنابا وبولس. والمقطوع به أن الاختيار واقع على الأكثر والأكمل استعداداً وعملاً
وأمانة على أساس التكليف الذي ارتضى الرب أن يقوم بتوجيهه شخصياً والعناية بكل
ظروفه، الأمر الذي وضح في كل أسفار المبشرين وعملهم.

وهذا يتأكد من قول
الروح أفرزوا
» لي « الأمر الذي نسمع رد فعله في نفس ق. بولس الرسول كل أيام حياته
بقوله عن نفسه
» “عبد” يسوع المسيح «(رو 1:1) “والمُرْسَل” (أع 21:22)، » لي أنا أصغر
جميع القديسين أعطِيت هذه النعمة أن أبشِّر بين الأمم بغنى المسيح الذي لا يُستقصى
«(أف 8:3)، » ولكن لمَّا سر الله
الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته.
«(غل 15:1)

ومرَّة ثانية نود أن
نلفت نظر القارئ على المدخل الرسمي الذي أعطاه الله لنا في هذه الآية كيف ندخل إلى
الله ونتكلَّم إليه ونحصل على معونة عاجلة ومباشرة من السماء لخدمة الكنيسة
والكرازة باسمه في القول:
» وبينما هم يخدمون الرب
ويصومون
«(أع 2:13)، فهي
ليست مجرد وقفة للصلاة أو تعيين فترة صوم بل هي تخصيص أيام وأسابيع للصلاة والخدمة
الليتورجية بكل معناها مع صوم متواصل ووجود من هو مشهود له بالأذن والقلب الذي
يسمع الصوت الإلهي وينطقه. بهذا تُدْعى الكنيسة كنيسة وتصبح الكنيسة مدخلاً لله
وفماً يتوسَّل وروحاً يسمع ويطيع،
» بدوني لا تقدرون أن
تفعلوا شيئاً.
«(يو 15:15» وأنتخبا لهم
قسوساً في كل كنيسة ثم صليا بأصوام واستودعاهم للرب الذي كانوا قد آمنوا به.
«(أع 24:14)

 

أول طقس
رسامة كنسية

(سنة 47م 48م)

 

3:13 «فصامُوا
حينئِذٍ وصَلَّوا ووَضَعُوا عليهِما الأَياديَ ثُمَّ أَطلقُوهُما».

إن أخطر ما في هذه
الآية هو أن وضع يد الكنيسة، وطبعاً في حدود الأنبياء والمعلمين، يأتي تلبية لدعوة
من الروح القدس وتعيين الأسماء، وهذه حالة خاصة جداً وفريدة من نوعها. فوضع اليد
لا يعني هنا إعطاء مواهب أو منح عطية الروح القدس ولكن يعني تأييداً وشركة وحمل
مسئولية من جهة الكنيسة. فالكنيسة هنا استودعتهم للعمل بانتظار النتيجة([3]).

فالصوم والصلاة هنا لا
يقعان موقع الطلب والتوسُّل بل للشكر والتأييد. فالكنيسة كلها أفرزت نفسها للصوم
والصلاة بعد الرسامة عرفاناً بالجميل وطلباً منها لتأييد الذين اختارهما الروح
لعمل الخدمة الجسيم، وشركة منها في المسئولية. وهذا في الواقع أجمل طقس سمعنا به
أنه بعد الدعوة والإفراز من الروح القدس ثم بعد وضع اليد للتأييد، تصوم الكنيسة
وتصلِّي مرة أخرى بعد الرسامة لمزيد من التأييد في مهام الخدمة وصعوباتها. فهنا
تفتح هذه الآية وعينا الروحي لنفهم أن الكنيسة لا ينتهي دورها بعد الرسامة بل تظل
ساهرة تصوم وتصلِّي من أجل رسامتهم.

وعلى ما نسمع أن
الكنيسة الكاثوليكية تقيم بعد الرسامة خدمة خاصة بالليتورجية وتقديم الذبيحة
تأييداً لمَنْ اختارهم الرب. أمَّا الكنيسة البروتستانتية فتقيم الترانيم
والتسابيح كثمار شفاة معترفة بفضل الله الذي دعا، وما أجمل وأصدق أن يُمارس الاثنان
أي ليتورجيات وتسابيح معاً مع الصوم لرفع قلوب الشعب لإعطائهم مسئولية الشركة
ليؤازروا المدعوين للخدمة بصلواتهم وأصوامهم:

+ » وأرسلنا معه
الأخ الذي مَدْحُهُ في الإنجيل في جميع الكنائس (القديس لوقا) وليس ذلك فقط بل هو
منتخبٌ أيضاً من الكنائس رفيقاً لنا في السفر مع هذه النعمة المخدومة منَّا لمجد
ذات الرب الواحد ولنشاطكم، متجنبين هذا أن يلومنا أحدٌ في جسامة هذه
(الخدمة) المخدومة منَّا معتنين بأمورٍ حسنةٍ ليس قدام الرب فقط بل قدام الناس
أيضاً.
«(2كو 8: 1821)

ولكي يثق القارئ في هذه
الروح الكنسية بل الإلهية التي كانت تربط بين واضعي اليد والمرسلين للخدمة، أن
المرسلين كانوا يعودون إليهم ويعطونهم تقريراً عمَّا تمَّ بواسطة خدمتهم لا بنوع
الخضوع للأكبر بل لإعطاء فرصة المسرة والفرح وشركة المجد والتمجيد لله بفم واحد.
فالمرسلون هم رسل الكنيسة ومصدر قوتها وفرحتها، يذهبون بالدموع ويعودون وعلى
رؤوسهم فرح أبدي وابتهاج:

+ » ومن هناك
سافرا في البحر إلى أنطاكية (مرة أخرى) حيث كانا قد أُسْلِمَا إلى نعمة الله للعمل
الذي أكملاهُ. ولمَّا حضرا وجمعا الكنيسة أخبرا بكل ما صنع الله معهما وأنه فتح
للأُمم باب الإيمان.
«(أع
14: 26و27)

+ » فسكت
الجمهور كله وكانوا يسمعون برنابا وبولس يحدِّثانِ بجميع ما صنع الله من الآيات
والعجائب في الأمم بواسطتهم.
«(أع 12:15)

 

أول رحلة كرازية للقديس
بولس الرسول

(47 48 م)

أول كنيسة في قبرص

[13: 412]

 

النقلة الأُولى للرحلة
الأُولى لبرنابا وبولس:

4:13 «فهذانِ إذ
أُرسِلا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ انحدَرَا إلى سَلُوكيَةَ ومِنْ هناكَ سافَرَا في
البحرِ إلى قبرص».

«قبرص»:

هي جزيرة من أهم مناطق
الشرق الأوسط لأنها محور مواصلات بين القارات وعدة بلاد وذلك من أقدم العصور،
واسمها في التوراة هو
» كتِّيم Kittim «(تك 4:10)، وصار ضمها إلى روما سنة 57 ق.م. وفي سنة 55 ق.م. أُضيفت
إلى مقاطعة كيليكية بأسِيَّا الصغرى، وفي سنة 27 ق.م صارت مقاطعة منفصلة يحكمها
حاكم من قبل أوغسطس لحساب الإمبراطورية الرومانية، وفي سنة 22م سلَّمها أوغسطس ليد
مجلس الشيوخ
Senate لإدارتها، وهكذا من ذلك الزمان ومثل بقية المقاطعات التي يحكمها
مجلس الشيوخ صار يديرها بروقنصل (والٍ) كما ذكره ق. بولس وذكر اسمه صحيحاً وبتأكيد
» سرجيوس بولس. «(أع 7:13)

وشهرة قبرص منذ قديم
الزمن هي في تجارة النحاس واستيراده وتصديره، ويُلاحَظ أن النحاس اسمه
Copper ومن هنا جاء اسمها كوبرس أو قبرص وهو اسمها الصحيح([4]).

ولا يغيب عن بالنا أنها
بلد برنابا:
» ويوسف الذي دُعي من الرسل برنابا الذي يُترجَم ابن الوعظ وهو
لاوي قبرصي الجنس.
«(أع
36:4)

 

وقبالة قبرص على شاطئ
فينيقيا تقع سلوكية ميناء أنطاكية المشهور وتُدعى أيضاً بيريه
Pieria الواقعة على مصب نهر الأورونتس([5]).
وهي على بعد 16 ميل شرق أنطاكية وخمسة أميال شمال مصب نهر الأورونتس وقد أسَّسها
سلوكيوس نيكاتور أول ملوك السلوقيين سنة 301 ق.م. ولمَّا نزلوا في قبرص نزلوا في
المدينة المقابلة على الساحل الشرقي وهي مدينة سلاميس.

«سلاميس»:

هي مدينة يونانية
على الساحل الشرقي القبرصي ويرقى تاريخها إلى القرن السادس ق.م. وكانت المدينة
الكبرى لقبرص وقاعدة الحكم لنصفها الشرقي، مع أن المدينة العاصمة والأكثر حداثة
وأهمية هي بافوس عاصمة الغرب. وكانت سلاميس مقصد اليهود حتى أنه كان بها أكثر من
مجمع. وطبعاً كانت مجامع اليهود هي المقصد الأول لبولس الرسول في كرازته ورحلاته
حيث كان قد وضع في قلبه أن يخاطبهم هم أولاً بالبشارة المفرحة. ولكن عينه باستمرار
كانت مركَّزة على المترددين من الأمم داخل المجامع وكانوا معروفين بخائفي الله أو
الأتقياء، وكان صيده منهم دائماً وفيراً جداً جداً فكان
يعوضه عن مقاومة اليهود وصدهم وعنادهم الذي كلَّفه كثيراً.

وسلاميس كانت مركز
التجارة الأَول في قبرص الشرق.

«وكان يوحنا
معهما خادماً»:

هو يوحنا مرقس ابن أخت
برنابا وصاحب بيت الضيافة
» العلّية «في
أُورشليم.

«خادماً» Øphršthn:

يقول كثيرٌ من العلماء
إن هذه الكلمة وبالنسبة ليوحنا مرقس تفيد أنه كان عليه
وظيفة التعميد. ولكن يؤكد العلاَّمة أ. رايت([6]) أنه كان
مرافقاً لهم كمعلِّم الكاتشزم (تعليم الموعوظين) بصفته التلميذ الأثيل والمتمرن
على يدي ق. بطرس الرسول الذي كان يسمع ويرى تعاليمه الطقسية للمبتدئين
Dogma وكان يتقنها، بل ويؤكد أن يوحنا كان في بكور حياته يكتب كل ما يقع
عليه من شروحات بطرس الرسول
Kerygma التي ضمها في النهاية إلى إنجيله. ولا ننسى أنه كان هو المقيم
الدائم في العلية التي كانت مركز تعليم وعظات تبشير بطرس الرسول في أُورشليم، بل
والوحيد الذي كان يتلقى كل أخبار القيامة المجيدة ساعة بساعة طوال الأسبوع ورؤية
الرب بعينيه في ليلة ظهوره مرتين وسماعه بأذنيه، وربما كان من أوائل الذين زاروا
القبر، ومن هنا أخذ أهميته كرفيق أسفار للتبشير.

ومن السهل على القارئ
أن يدرك مدى أهمية القديس مرقس في تدوين ق. لوقا لسفر الأعمال ولإنجيله بسبب
تواجده معه. ويكفي أن نقرأ هذه الآية لندرك مدى وأسباب دقة تسجيل ق. لوقا لحوادث
بطرس الرسول:

+ » ثم جاء
(بطرس) وهو منتبه (بعد خروجه من السجن بواسطة الملاك) إلى بيت مريم أم يوحنا
الملقَّب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون.
«(أع 12:12)

6:13و7 «ولمَّا
اجتازا الجزيرةَ
([7])
إلى بافُوسَ وجدَا رَجُلاً ساحِراً نبيًّا كذَّاباً يهُوديًّا اسمُه بارْيشُوع،
كان مع الوالي سَرجيُوسَ بولُسَ وهو رجُلٌ فَهِيمٌ، فهذا دعا برنابا وشاوُلَ
والتَمَسَ أَن يسمَعَ كَلِمةَ اللهِ».

«بافوس»:

ويُقال لها بافوس
الجديدة في القسم الغربي كعاصمة وكانت مركز تجمُّع اليونانيين.

أمَّا بافوس العتيقة في
ذلك الوقت فكانت تبعد عنها سبعة أميال في اتجاه الجنوب الشرقي.

وفي كلتا المدينتين
كانت العبادة الأساسية مقصورة على الإلهة السريانية المدعوة بافيان
Paphian وهي المعروفة عند اليونان بـ“أفروديت Aphrodite
وفينوس
Venus آلهة الجمال والشهوة”.

«باريشوع»: Barihsoàj

وصفاته التي يقدِّمها
ق. لوقا أنه كان:
» رجلاً ساحراً، نبيًّا كذَّاباً يهوديًّا».

ومن هذه الصفات ومما
يليها ترجمة اسمه
» عليم الساحر « يستفاد أنه يهودي يدَّعي علم الغيب، وبذلك دُعي نبيًّا كاذباً.
وبما أن اسمه كان يُدعى “عليماً” فهو على الأرجح يهودي عربي يحتفظ بصفته كعليم
بالغيب كاسم([8])
له.

وكلمة ساحر جاءت
باليونانية
m£gon
لتفيد صناعة الغش والتلفيق وليس صناعة السحرة كعلماء، الذين يُدْعوْن أيضاً
“مجوساً”
magicians([9]). أمَّا
كلمة عليم وجاءت باليونانية
‘ElÚmaj فهي ولو أنها صفة إلاَّ أن عليم نفسه
أطلقها على ذاته كاسم للتضخيم والتعظيم بصفته
عالماً بمقدرته
وسلطانه.

«سرجيوس بولس»:

لقد استرجع العلماء هذا
الاسم في سجلات الشيوخ بروما ذوي الوظائف فوجدوه مذكوراً أنه كان أحد الأمناء باسم
» حارس التيبر «(نهر في إيطاليا). وبالتدقيق في حصر زمان ولايته جاء مطابقاً لزمان
ولاية قبرص في زمن حكم كلوديوس ومن ذلك استنتجوا أنه بعد قضاء ولايته في التيبر
نُقل إلى ولاية قبرص، فهو روماني أصيل.

«سرجيوس بولس هو رجل
“فَهِيمٌ”»:
¢ndrˆ sunetù

ويقصد
أنه كان متعلِّماً يبحث عن الأفكار والمعاني والحقائق شأن فلاسفة روما، لأن شيوخ
روما كانوا يُختارون من بين العلماء والفلاسفة. ولوجوده في عاصمة قبرص المزدحمة
بالمجامع اليهودية الطامحين في التقرُّب من الرؤساء، كانوا يتداولون معه في شأن
الدين اليهودي ومعرفة الله. ومن هذا المنطلق تصادق
» عليم «الساحر
مع الوالي وأدهشه طبعاً بأعماله السحرية التي لا تخرج عن شعوذة الشياطين:

«فهذا دعا
برنابا وشاول والتمس أن يسمع كلمة الله»:

واضح أن بكرازة برنابا
وشاول في المجامع طار الخبر إلى الوالي أن هناك تعليماً أعلى وأرقى من اليهودية
جاء به هذان النبيان، فأرسل واستدعاهما ليسمع منهما كلمة الله التي تخاطب القلب لا
التصوُّر وتؤثر على الضمير والروح وليس الفكر والخيال.

وهكذا طار صواب عليم
الساحر وبذل قصارى جهده ليشوش على تعاليم الإنجيل، لأن معيشته كساحر لحساب الوالي
تهددت بالقطع.

8:13 «فقاومهُمَا
عَلِيمٌ السَّاحِرُ، لأَن هكذا يُترجَمُ اسمُه، طالباً أَن يُفسِدَ الوالي عَنِ
الإيمانِ».

مرَّة أخرى نأتي على
اسم هذا المشعوذ، فأولاً ذُكِرَ أنه “ماجوس” التي تترجم مجرد ساحر ولكن ليس
منتمياً إلى مهنة “المجوس”، لأن هؤلاء علماء نجوم وفلك ولهم دراسات وعبادة ولهم
كهنة متخصصون ذوو دراية وحكمة بل ولهم ملوك ورؤساء
([10]) كما رأينا
في إنجيل القديس متى. الذين إذ أدركوا بحساباتهم أنه وُلِدَ ملكٌ عظيمٌ في الشرق
جاءوا
فرحين ليسجدوا له باعتباره أعلى من رتبة البشر، ونفهم من هذا أنهم قوم يطلبون
الحقيقة العليا يخضعون لها ويعبدون مَنْ يمثلها.

أمَّا هذا المشعوذ
فيكفي أن يُقال عنه أنه يطلب أن يُفسد قلب الوالي عن قبول الإيمان بالمسيح الذي
جاء المجوس الحقيقيون ليسجدوا له، وسجدوا فعلاً وقدَّموا هداياهم. وكذلك فإن ق.
لوقا ينعته بأنه نبي كذَّاب بمعنى أنه يدَّعي كذباً أن له علاقة بالله.

9:1311 «وأَمَّا
شاوُل الذي هو بُولُس أيضاً، فامتلأَ مِنَ الرُّوحِ القدُسِ وشخَصَ إِليه وقال:
أيُّها الممتلئُ كُلَّ غشٍّ وكُلَّ خُبْثٍ! يا ابن إِبليسَ! يا عدوَّ كُلِّ برٍّ!
أَلاَ تَزالُ تُفسِدُ سُبُلَ الله المستقيمةَ؟ فالآنَ هوذا يَدُ الربِّ عليكَ،
فتكونُ أَعمَى لا تُبصِرُ الشمسَ إلى حينٍ. ففي الحالِ سقطَ عليهِ ضبابٌ وظُلمَةٌ،
فجعَلَ يدُورُ مُلتمِساً مَنْ يقودُهُ بيدهِ».

«شاول الذي هو بولس
أيضاً»:

باليونانيSaàloj,
Ð kaˆ Paàloj
”. باللاتيني “Saulus qui et- Paulus”. في العالم الروماني القديم كان للإنسان ثلاثة أسماء يتكون منها
الاسم الكامل للإنسان. الاسم الأول ويسمَّى “
Praenomen
ثم الاسم الثاني “
Nomen” ثم الاسم الثالث ويسمَّى “Cognomen
وبالإنجليزية أو الفرنسية “
Surname” وهو الاسم الذي يميز الشخص أي “distinguishing name” ويسمَّى “Nickname” وبالعربي “اللقب” أو “الكُنْيَة”، وهذه كانت عادة الرومان،
فالوالي سرجيوس مثلاً اسمه الكامل: “لوسيوس سرجيوس بولس”.

أمَّا قوله: »  الذي هو شاول أيضاً « فـ» أيضاً «هنا هو
اصطلاح يوناني جاء ترجمة للحرف
ka… الأصلي في الاسم تعبيراً عن الاسم المضاف للاسم فقال: » أيضاً « وهي تفيد المعنى بالإنجليزي البديل alternative أي الاسم البديل. فهنا اسم » شاول «أصلي
والبديل هو
» بولس « وقد اقترح ذهبي الفم أن اسم » بولس «أُعطي له
بوضع اليد، ومن ذلك الوقت دُعي
» بولس « ولكن الحقيقة أنه بعد أن أخذ وضع اليد نودي بشاول وليس » بولس « وفي الرسامة لم يذكر أنه أخذ اسم » بولس «[11]) .

وكذلك يقترح ق. جيروم
أن اسم
» بولس «أعطي لشاول كتذكار
لتغيير إيمان سرجيوس بولس وهكذا سمِّي
» بولس «[12]).

أمَّا العالِم ليتفوت Lightfoot فيقول إنه أخذ اسم بولس أثناء الختان حسب عادة اليهود المستوطنين بين الأمم إذ يعطونهم اسماً
أممياً يسري بين الأمم ويحتفظ باسمه العبراني
مع العبرانيين([13]).

«يا ابن إبليس»:

بولس يَردُّ اسمَه إلى
حقيقته فهو ليس
» باريشوع «أي ابن يسوع بل هو ابن
إبليس حيث يستخدم بولس هنا لفظ
» إبليس ue
diabÒlou
«وتفيد معنى
الافتراء والوشاية وتقابل لفظة الشيطان
 Satanبالعبري التي تعني خصم أو عدو أو مقاوم.

وبولس الرسول هنا كما
أعطاه اسماً حقيقياً في مقابل اسمه المزيف الغاش الذي يختبئ وراءه الشيطان، كذلك
إزاء إخفائه النور الحقيقي عن قلب الوالي الفهيم الذي يطلب كلمة الله طلب له ما
يستحقه جزاءً وفاقاً، فلأنه أخفى النور فقد استحق أن الظلمة تغشاه. ولأنه لم يستطع
أن يخفي النور تماماً بل هي محاولة منه، لذلك قصر بولس طلب الظلمة له أن تكون إلى
حين حتى يعطيه فرصة هو أيضاً أن يطلب النور الحقيقي. وهو هنا يعطي فكرة منيرة عن
كيف يكون العقاب عند الإنسان المسيحي، إذا وجب عليه أن يعاقب، فهو ملتزم أن يعطي
العقاب مساوياً تماماً للتعدي ثم يكون قابلاً للرفع إن هو ندم وطلب الرفع. لأن
العقوبة في المسيحية هي للربح وليست للخسارة، هي للتعليم وليست للتعتيم، هي لمجد
الله أولاً وأخيراً مع قياس الرحمة والترفق بالجهال. لأجل هذا سمع الله لبولس في دعائه
ونزل عليه ضباب فلم يَرَ الشمس وهي ساطعة تماماً لأنه تجاهل نور المسيح الحقيقي
وهو أكثر نوراً وبهاءً من الشمس!! وكما يزول الضباب من شدة سطوع الشمس زالت
الغشاوة عن عيني عليم لمَّا علم أنه عبثاً يسد نور الشمس بجهالته.

ويتبارى بعض العلماء([14])
في استخراج حذق ق. لوقا كطبيب في وصف كيف يُصاب الإنسان بالعمى دون أن يعمى بأن
يأتي الأول كغشاوة حقيقية سماها ضباباً ثم بعدها يتوقف جهاز العين عن استقبال
النور تماماً فقال:
» ففي الحال سقط عليه ضباب (ثم) ظلمة «(أع 11:13) وهكذا بلغت العين منتهى عدم قدرتها على استقبال أشد ضوء
فقال:
» فتكون أعمى لا تبصر (حتى) الشمس «(أع 11:13) وقد صار بالفعل. لا بأس!

12:13 «فالوالي
حينئِذٍ لمَّا رأَى ما جَرَى آمَنَ مُندَهِشاً مِنْ تعليمِ الرَّبِّ».

الأمر واضح غاية الوضوح
ولا يحتاج إلى محاجاة العلماء بين مَنْ يقول هل بسبب المعجزة آمن وهل لمَّا آمن
اعتمد. أم أنه مجرَّد اندهاش من تعاليم المسيحية وإيمان بصحتها. وعلى هذا يرد
العلماء المدققون جداً إذ استخرجوا من السجلات التاريخية ما يؤكد أن الوالي سرجيوس
بولس اعتمد، وأن عائلته صارت مسيحية، وفي الجيل التالي له مباشرة صار بعض أفراد من
أسرته مسيحيين ومنهم ابنته وابنها وكان يُدعى كايوس كاريستانيوس فرونتو وكان عضواً
في عائلة ذات شهرة ومجد كانت تقيم في أنطاكية بيسيدية
([15]).

 

في أنطاكية بيسيدية

[13: 1352]

 

13:13 «ثم أَقلَعَ
مِنْ بَافُوسَ بُولُس ومَنْ مَعَهُ وأَتوْا إِلى بَرْجَةِ بَمفِيليَّة. وأمَّا
يُوحنَّا ففارَقَهُم ورجَعَ إلى أُورشليمَ».

بمعنى أنهم ركبوا البحر
باتجاه الشمال نحو سواحل أسِيَّا الصغرى ودخلوا أول مقاطعة على الساحل التي في
مقابل شمال قبرص وهي مقاطعة بمفيلية.

ويُلاحَظ هنا في قول ق.
لوقا أن بولس:
» أقلع … ومَنْ معه «أن هذا كان
أول تلميح إلى أن برنابا ارتضى بأن يصير بعد ق. بولس بالرغم من أقدميته في السن
والنبوَّة. وهذا يعطينا صورة مضيئة لأخلاق برنابا الرجل الصالح، بل وأخلاق الكرازة
والإرساليات والرحلات، أن لا يكون الأول هو الأكثر قدماً أو كرامة أو سناً، بل
الأكثر نعمة وقوة وقدرة على القيادة والريادة واقتحام الصعاب وتذليل العقبات، كما
رأينا في معركة التحدي مع عليم الساحر، وكيف انبرى له بولس وألبسه الظلام. وكان
لسان حال برنابا: يا لها من نعمة لا أستطيع أن أُعبِّر عنها حينما آخذ أو أُعطَى
المتكأ الأخير.

«وأتوا إلى برجة»: Pšrghn

كانت برجة عاصمة مقاطعة
بمفيلية ولم تكن ميناءً، وهذا يعني أنهم نزلوا بالضرورة في أتالية وهي ميناء برجة
وتسمَّى الآن أنتاليا، لذلك في العودة نقرأ هكذا في الأصحاح الرابع عشر
» ولمَّا
اجتازا في بيسيدية (نحو الجنوب) أتيا إلى بمفيلية وتكلَّما بالكلمة في برجة ثم
نزلا إلى أتالية ومن هناك سافرا في البحر إلى أنطاكية حيث كانا قد أُسلما إلى نعمة
الله للعمل الذي أكملاه
«(أع 14: 2426). فالمسافة بين برجة وأتالية 12 ميلاً.

«بمفيلية»: Pamful…aj

 هو الإقليم الواقع بين طرسوس مدينة بولس الرسول وساحل البحر
في أسِيَّا الصغرى، يتاخمها من جهة الغرب والشرق على التوالي ليكية
Lycia  وكيليكية Cilicia. ومنذ سنة 43 ق.م إلى سنة 68 م كان هذا الإقليم أو المقاطعة
يُدعى “بمفيلية كيليكية”.

وهنا يلذ لنا أن نأتي
بأبحاث العالِم الجغرافي و.م. رمزاي وتصوراته إذ يقول أن في هذا الإقليم أصيب ق.
بولس بالملاريا (شوكة الجسد) وأنه ذهب إلى أعالي الجبال في منطقة أنطاكية بيسيدية
ليستشفى (غل 13:4)
([16]).

ويقول الخطيب شيشرون في
تدويناته عن برجة أنها تحوي أقدم عمارة وأقدم هيكل مكرَّس للإلهة “ديانا” إلاهة
الصيد.

ويبدو أن إقامة بولس
وبرنابا ويوحنا مرقس كانت قصيرة جداً في برجة ولم يُذْكَر عن ذلك إلاَّ الحادث
المؤسف وهو عودة يوحنا مرقس إلى أورشليم، ويبدو أن ذلك كان لضعف التشجيع الذي
يتناسب مع مشقة الأسفار والأمراض.

ونذكِّر القارئ أن هذه
الجماعة سافرت من أقصى شرق قبرص إلى غربها حوالي 400 ميلاً في أرض وعرة وطرق صعبة،
بين شعب غير صَديق، مع مقاومة من يهود، فالمعاناة التي عاناها بولس لم تكن تتناسب
إلاَّ مع بولس. فلا ندين هذا الشاب يوحنا مرقس بل بالحري فلنذكر أنه قطع فيما بعد
رحلة أصعب وأشق ليزور بلادنا ويمنحنا الإيمان القويم، فقد انطلق من القيروان على
ساحل البحر قاصداً الإسكندرية فوصلها بعد أن تورمت قدماه وتهرأ صندله الذي أصلحه
له إنيانوس الإسكافي على الطريق، هذا الذي صار أول بطريرك بعده على كرسي
الإسكندرية. سلام لك يا مَنْ أتانا بنور الإنجيل يا شفيع كل مؤمني مصر.

 

تسجيل أول
عظة لبولس في أسِيَّا

بولس يعظ في
أنطاكية بيسيدية

 

14:1316 «وأمَّا
هُمْ فجازُوا مِنْ بَرجَةَ وأَتَوا إلىَ أَنطاكيةِ بيسيديَّةَ ودخَلُوا المجمعَ
يومَ السَّبتِ وجلَسُوا. وبعدَ قِراءَةِ النَّاموسِ والأَنبياءِ أَرسلَ إِليهِم
رُؤَساءُ المجمعِ قائلينَ أَيُّهَا الرِّجالُ الإِخوَةُ إِن كانت عندَكُم كلِمَةُ
وعظٍ للشَّعبِ فَقُولوا. فقامَ بوُلس وأَشارَ بيدِهِ وقالَ».

«وأمَّا هما فاجتازا من
برجة وأتوا إلى أنطاكية»:

يُلاحَظ أن في اللغة
اليونانية ليس للمثنَّى قواعد منطوقة أو مكتوبة فيلزم هنا التنبيه أن لا يجب أن
يغفل ذلك المترجم العربي لأن المعروف أن المسافرين هما بولس وبرنابا فقط.

«فاجتازا»: dielqÒntej

هنا الاجتياز أي عبور
سلسلة جبال طوروس التي تفصل برجة عن أنطاكية وأتالية إلى
أنطاكية
بيسيدية
AntiÒceian t»n Pisid…an، (t»n وليست t»j). يُلاحظ هنا في التركيب اللغوي أن أنطاكية كانت أصلاً مضافة إلى
بيسيدية وهي المقاطعة التي كانت موجودة فيها في ذلك الزمان، ولكن بعد ذلك سُميت
أنطاكية بيسيدية حيث بيسيدية تأتي صفة لأنها اندمجت فيها وصارت واحدة معها. ولزم
التنبيه لفهم ذلك في المعنى العربي.

«وبيسيدية»:

هي إحدى المناطق التي
انقسم إليها إقليم غلاطية أيام الرومان، لذلك فإن أنطاكية بيسيدية كانت في
الحقيقة، ومعها بيسيدية، داخل المنطقة التي كان يُطلق عليها فريجية غلاطية
([17]). وكانت هذه
أكثر المناطق مدنية كما كانت مركزاً حربياً. وأنطاكية بيسيدية على مرتفع عالٍ يبلغ
قمته 3600 قدم فوق سطح البحر وقد حوَّلها الإمبراطور أغسطس إلى مستعمرة رومانية
أسماها “مستعمرة قيصر
Colonia
Caesarea
”. ولأجل ذلك كان اهتمام
بولس شديداً في إدخال الإنجيل في المستعمرات الرومانية مثل لسترة وفيلبي وكذلك
كورنثوس في اليونان
([18]).ويذكر
القديس لوقا ذلك بوضوح:
» ومن هناك إلى فيلبي
التي هي أول مدينة في مقاطعة مكدونية وهي كولونية (مستعمرة) فأقمنا في هذه المدينة
أياماً
«(أع
12:16). وفي سنة 295 م. صارت أنطاكية عاصمة بيسيدية الكبرى وحينئذ صح أن تُدعى
أنطاكية بيسيدية (بمعنى عاصمتها).

وكما سبق وقلنا أن هذه
المناطق كان يقطنها كثرة من اليهود وبالتالي كانت بها مجامع كثيرة لهم. بل وقد
استطاع اليهود في أنطاكية بيسيدية أن يكوِّنوا مهجراً مستقلاً لهم واعتبروا أنهم
كولونية (مستعمرة) مستقلة وهكذا:

دخلوا المجمع يوم السبت
وجلسوا. وكعادة الربيين وفي وسط صفوفهم، جلسوا. وبذلك نبهوا الرؤساء والقائمين على
نظام المجمع والصلاة أنهم قادرون على الوعظ:
» وبعد قراءة
الناموس والأنبياء أرسل إليهم رؤساء المجمع قائلين أيها الرجال الإخوة إن كانت
عندكم كلمة وعظ للشعب فقولوا.
«(أع
15:13)

وكان نظام الصلاة في
مجمع اليهود في القرن الأول المسيحي كما يلي:

1 – قراءة “الشِمَع”:
[اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد].

2 – تبدأ صلاة من فم
رئيس المجمع.

3 – قراءة من الناموس
يضاف إليها في يوم السبت وأيام الأعياد قراءة من الأنبياء.

4 – عظة يلقيها أحد
الأعضاء المقتدرين في المجمع (لوقا 16:4).

على أن القراءة من
الأنبياء في المجامع الحديثة آنذاك لم تكن دورية ولكن كانت تُختار في يومها.

وهذا يتضح من الذي حدث
في مجمع الناصرة حينما دُفع للمسيح دَرْجُ الناموس مُعَيَّناً على الفصل 61 من
إشعياء النبي دون معرفة مسبقة من المسيح. لذلك كانت العظة التي تلت القراءة ذات
نفس طابع المقروء.

على أننا لا نستطيع أن
نحدد من عظة ق. بولس التي قالها نوع القراءة التي تليت من الناموس أو الأنبياء
وذلك بحسب دراسة علماء كثيرين.

وكانت مهمة تعيين الذي
يلقي العظة هي من اختصاص رئيس المجمع أو رؤسائه ويسمَّى بالعبرية
rosh ha-keneseth أي رأس المجمع (لو 41:8).

16:13و17 «فقامَ بوُلس
وأَشارَ بيدِهِ وقالَ: أَيُّها الرجالُ الإسرائيليُّونَ والذينَ يتَّقونَ الله
اسمعُوا».

ولكن هنا يحضرنا موقف المسيح الذي
وعظ وهو جالس:

+ » ثم طوى
السفر وسلَّمه إلى الخادم
وجلس. وجميع الذين في المجمع
كانت عيونهم شاخصة إليه. فابتدأ يقول لهم أنه اليوم قد تمَّ هذا المكتوب في
مسامعكم …
«(لو
4: 20و21)

+ » كل يوم كنت أجلس معكم في
الهيكل ولم تمسكوني …
«(مت
55:26)

«وأشار بيده»

كانت بادرة يبتدر بها
الواعظ السامعين للهدوء والإصغاء.

وقد سُجِّلت هنا عظة ق.
بولس كما سُجِّلَت عظة ق. بطرس وق. استفانوس ولو أن بعض العلماء يتقولون بأنها
مأخوذة من كلام ق. بطرس أو على نمط عظة ق. استفانوس. ولكن قام علماء وحققوا كل ما
جاء في هذه العظة فوجدوه لا يخرج عن تعاليم ق. بولس وعلى مستوى منهجه اللاهوتي، إذ
استوفى فيها
عقيدة التبرير، وأنها تحوي انطباعات
نابعة من نفسه وحكمته(
[19]). أمَّا استخدام ق. بولس للمزمور السادس
والعشرين للتدليل على قيامة الرب كما استخدمه كل من ق. استفانوس وق. بطرس فهذا هو
الإيمان الرسولي العام القائل بأن المسيح قام من الأموات في اليوم الثالث
حسب الكتب!

ونلاحِظ ملاحظة جديرة
بالانتباه بأن عظة المسيح على إشعياء لم تكن عظة ولا شرحاً ولا تفسيراً ولكنها
كانت تحقيق المقول، لأن إشعياء كان ينطق بالروح قول الرب نفسه، وبذلك فإن المسيح
بقوله:
» “اليوم” قد تمَّ
هذا المكتوب في مسامعكم
«
يكون المسيح قد استعلن نفسه!! وهذا في الحقيقة جوهر الحق، فالتوراة إن قرأها الرب
فهو كمن يقول
» أنا هو «

«أيها الرجال
الإسرائيليون والذين يتقون الله اسمعوا»:

ق. بولس يخاطب هنا
اليهود والأمم المختتنين الذين كانوا يواظبون على حضور الصلاة في المجمع، الذين
يُدْعَوْن
» الأتقياء « وهم كانوا دائماً أكثر استعداداً لقبول الكلمة والإيمان بها.
وهكذا استدار على سامعيه مؤكداً أنه يقدِّم لهم الآن كلمة الخلاص ويحذرهم: كيف عثر
في المسيح سكان أورشليم ورؤساؤهم ولم يتعرَّفوا عليه وحكموا عليه بالموت دون أن
ينتبهوا أن كل الأنبياء سبق أن حذروهم أنهم مزمعون أن يسفكوا دمه وبالفعل طلبوا من
بيلاطس أن يُقتل.

 

العناصر الفكرية
المضيئة التي ركَّز عليها

بولس الرسول في عظته
أمام مجمع أنطاكية بيسيدية

 

1 العظة كلها
مبنية على أساس واحد: إن الله اختار إسرائيل من بين الأمم وأحبهم ورفعهم لكي يقيم
من نسلهم مَنْ يخلِّص إسرائيل.

أولاً: بدأ
يشرح لهم ذلك من واقع الأسفار المقدَّسة كيف تمَّ اختيار إسرائيل من دون كافة شعوب
الأرض. ثم في صميم كل الأسفار كيف أعطى وعداً بمجيء المسيَّا. فمن الآية 17 حتى
الآية 21 أعطاهم الحقائق الناطقة في التاريخ المقدَّس كيف سار الله مع إسرائيل
بقوة وعجائب ومحبة ورحمة فائقة، حاصراً ذهنهم في الحقيقة النبوية الواحدة التي
تقوم عليها كل الأسفار وهي أن جميع الحركات كانت تزحف من وراء الدهور مشيرة إلى
المسيَّا القادم.

ثانياً: كشف عن
وظيفة أكبر وآخر نبي وهو من صميم جيلهم ومعاصرٌ لهم وهو يوحنا المعمدان، كيف أقامه
الله ليكون سابقاً لمجيء المسيَّا منادياً بمعمودية التوبة ليعد شعب إسرائيل لمجيء
المسيَّا، موضحاً أنه ليس هو ولكن الآتي بعده والذي، يشهد له يوحنا قائلاً:
» لستُ
مستحقاً أن أحُلَّ سيور حذائه.
«(يو 27:1).

2 ثم أعلن
فجأة مثيراً انتباههم أن المسيَّا الموعود به والمتنبأ عنه منذ الدهور وفي كافة
الأسفار المقدَّسة
مُبْتَدَأً من إبراهيم
أبيهم
قد ظهر على
الأرض وفي وسط شعبه إسرائيل وبين أتقيائه، الأمر الذي سبق وأنبأ به المسيح عن نفسه
مُستشهداً بالأسفار المقدَّسة وهو معهم وقبل أن يصلبوه:

+ » أيها الرجال
الإخوة بني جنس إبراهيم والذين بينكم يتقون الله إليكم أرسلت كلمة هذا الخلاص.
«(أع 26:13)

وهكذا حمَّلهم ق. بولس
بركة الخلاص بعد أن وُضِعَ على رؤوسهم تاج الاختيار منذ البدء كأمة أراد الله أن
يستعلن فيها ذاته، وهكذا حمَّلهم حمل المسئولية لئلاَّ يفوتهم هذا المجد:

أولاً: كاشفاً عن
المأساة التي أكملها رؤساؤهم في أورشليم إذ رفضوا المسيح وأنكروه وقدموه لبيلاطس
ليموت، ومع أنهم لم يجدوا عليه عِلَّة واحدة تستوجب حكم الموت صلبوه ودفنوه في قبر
(27
29) ولم
ينتبهوا أن كل ما عملوه فيه سبق الله وأنبأ به في الأسفار المقدَّسة التي يقرأونها
كل سبت.

ثانياً: وأن الله
أقامه من الأموات فعلاً
وذلك أيضاً بحسب
المكتوب في الأسفار
ورأوه رؤى العين وظهر
أياماً كثيرة لكل الذين صعدوا معه من الجليل الذين هم شهود أحياء عند الشعب،
والأسفار كلها تشهد لما تمَّ على أيديهم ولقيامته من الأموات. (30و31).

وهكذا بشرهم ق. بولس
بالأخبار السارة عينها كما تقبلها هو وكل خاصة المسيح الذين رأوه وآمنوا به:
» ونحن نبشركم
بالموعد الذي صار لآبائنا. إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما
هو مكتوب أيضاً في المزمور الثاني: أنت ابني أنا اليوم ولدتك (انظر مز 7:2) إنه
أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضاً إلى فساد. فهكذا قال إني سأعطيكم مراحم
داود الصادقة.
«(13:
32
34)

ولئلاَّ يظن أحد أن
الكلام كان عن داود فإن ق. بولس أوضح قائلاً:

+ » ولذلك قال
أيضاً في مزمور آخر: لن تدع قدُّوسك يرى فساداً. لأن داود بعد ما خدم جيله بمشورة
الله رقد وانضم إلى آبائه ورأى فساداً. وأمَّا (المسيح) الذي أقامه الله فلم يرَ
فساداً.
«(3537)

3 – ثم أعلن ق. بولس أن
المسيح هذا الذي ينادي به هو غافر الخطايا الوسيط الذي جاء ليخلِّص العالم:

أولاً: أن الإيمان
به كفيل بأن يبرر
كل إنسان، » من كل ما لم تقدروا أن
تتبرَّروا منه بناموس موسى.
«(39)

وأن عدم الإيمان به، أي
رفضه، هو بمثابة رفض الله الأمر الذي كان ثمنه في القديم أفدح عقوبة حلَّت على
الشعب:
» فانظروا لئلاَّ يأتي عليكم ما قيل في الأنبياء (راجع حب
5:1)، انظروا أيها المتهاونون وتعجَّبوا واهلكوا لأنني عملاً أعمل في أيامكم عملاً
لا تصدقون إن أخبركم أحد به.
«(40و41)

هنا يقدِّم لهم ق. بولس
الرسول سابقة رفض الشعب لكلمة الله التي كان عقابها أن سحق الكلدانيون الأمة
اليهودية ونهبوها وأذلوها وأفنوها كما جاء في حبقوق النبي. ويؤكِّد ق. بولس أن عدم
الإيمان بكلمة الله كان دائماً ثمنه عقوبة للسحق والهلاك.

ثانياً: أوضح ق.
بولس أن صورة قضاء الله الذي كان يتبع عدم الإيمان به في القديم يلزم أن تكون
تحذيراً وإنذاراً لما سيحدث عند رفض كلمة الله في شخص المسيَّا في الحاضر. وهنا
أخذ ق. بولس النبوَّة من النسخة السبعينية التي تعبِّر عن الرعبة التي تتبع حكم
الله على الرافض. فقول النبوَّة:
» انظروا أيها المتهاونون
وتعجبوا وأهلكوا
«
قرأها ق. بولس في اليونانية كما جاءت بمفهوم:

( أ ) إن قضاء الله
حينما يصيب المتهاونين المزدرين بكلمة الله يأتي عليهم “دهشة” بمعنى فقدان الوعي
والصحو والاتزان كما أصاب شعب سدوم وعمورة ليتمادوا في إثمهم.

(ب) ونهاية قضاء الله
هلاك.

( ج ) ولكنه هلاك
يُتعجَّب له لأن فيه نقمة لا ترحم ولا يصدقها أحد حتى ولو نادى بها منادٍ.

وهكذا إذ نُعقِّب نحن
على عظة ق. بولس لليهود في أنطاكية لا نجد لها من بين كل العظات مثيلاً. فكأني
ببولس بعد أن حيَّا الشعب اليهودي المختار وألبسه إكليل الفخار كشعب باركه الرب،
ورفعه وأعانه واستنصره على أعدائه وأخرجه من مصر خروج الفجر والشمس وراءه تسحق
ظلمات السحرة وفرعونها، عاد يخاطبهم كفرِّيسي متضلِّع في الأسفار يوعِّيهم
ويحذِّرهم من رفض كلمة الله، وككاتب حكيم أخرج لهم من خزانة أسفارهم درَّة من درر
حبقوق عن قضاء جاء عليهم يوماً بسبب عدم إيمانهم وهو عليهم وشيك:

+ » فها أنذا
مُقيمٌ الكلدانيين الأمَّة المرَّة القاحمة (المرّة المسرعة) السالكة في رحاب
الأرض لتملك مساكن ليست لها، هي هائلةٌ ومخوفةٌ. من قِبَلِ نفسها يخرج حكمها
وجلالها. وخيلُها أسرعُ من النمورِ وأحدُّ من ذئابِ المساءِ وفرسانها ينتشرون
وفرسانها يأتون من بعيدٍ ويطيرون كالنسر المسرع إلى الأكلِ.

«(حب 1: 68)

والقديس بولس كان يرى
الأمس كاليوم وكأن حبقوق يهمس في أذنيه:

+ » على مرصدي
أقفُ وعلى الحصنِ أنتصبُ وأُراقبُ لأرى ماذا يقول لي وماذا أُجيبُ عن شكواي.
فأجابني الربُّ وقال اكتب الرؤيا وانقشها على الألواح لكي يركضَ قارئُها لأن
الرؤيا بعد إلى الميعاد وفي النهاية تتكلَّم ولا تكذب. إن توانت فانتظرها لأنها
ستأتي أتياناً ولا تتأخر.
«(حب
2: 1
3)

وكان
قد بقي لها من الزمان في ذلك اليوم عشرون سنة وكان يراها بالروح، ليس أمة
الكلدانيين
بل روما بنسورها وفرسانها، كما رآها الرب نفسه تحيط بها كمترسة لتدك أسوارها
وأمجادها حتى التراب، مَنْ يصدِّق. فالرب نفسه بكى عليها لمَّا رآها هكذا محروقة
من وراء الزمن وتيطس القائد الروماني ظل يصرخ بأعلى صوته في عسكره أن لا يحرقوها
لأنه حنَّ إلى مجدها وعظَّم فخرها. ولكن مَنْ يكون تيطس والساهر القدوس قال دكوا
دكوا حتى الأساس منها. فيا ويل كل رافضي كلمة الله:
» رفضوني أنا
الحبيب مثل ميت مرذول
«(مز
21:37 في النسخ القبطية). وكأني ببولس ينادي في مجمع أنطاكية: يا إخوتي اليهود هذا
مسيَّا خلاصكم جاءكم كما انتظرتموه ليفك أسركم
ويغفر خطاياكم، فهو سر اختياركم وسبب مجدكم وأساس عزكم وفخاركم وتعاليكم

على العالمين، لا ترفضوه لأنه كلمة الله لئلاَّ يصيبكم الذهول فتعيشوا تائهين بين
أمم الأرض، فاقدين وعيكم مرفوضين رافضين، مذلين مسحوقين كيوم الكلدانيين أو يوم
تيطس الذي سيأتي عليكم.

وهكذا لم تأتِ عظة قط
لصالح اليهود وتوعيتهم بصدق إعلانها ورعبة وعيدها كما جاءت على فم ق. بولس، بل ولم
تُرسل كلمات مثل سهام النور والنار تضيء وتحرق بآن كما أرسلها الروح على هذا
اللسان الناري.

ثم اعجب معي أيها
القارئ العزيز حينما تقرأ للعلماء المتخصصين النقَّاد وهم يقولون عن هذه العظة
أنها مأخوذة من عظة بطرس أو منقولة من التي لاستفانوس، مع أنها في قراءتها
وبلاغتها لا تدانيها عظة إلاَّ عظة المسيح حينما دفعوا له سفر إشعياء النبي ليقرأ
ثم جلس يعظ، فكانت كلمته التي جمعت الأسفار جمعاً وضمَّت الأناجيل معاً وجاءت
بالياء على الألف والآخر انطبق على الأول وانتهى التاريخ فيها إلى حدث حينما قالها
عظة عن كلمة
» اليوم تمَّ هذا المكتوب في مسامعكم
«(لو 21:4) وكأنه قال: » أنا هو «!

 

عودة إلى
العظة لتحليل عناصرها

 

“التحضير للمسيح” (13: 1722):

17:13 «إِله شعبِ
إِسرائيلَ هذا اختارَ آباءَنا ورَفَعَ الشعبَ في الغُربةِ في أَرضِ مِصرَ وبِذراعٍ
مُرتَفِعةٍ أَخرَجَهُمْ مِنها».

في هذه الآيات يشرح ق.
بولس كيف حضّر الله في القديم بكل حكمة وفطنة الجزء الأول من الأساس الذي عليه
أرسل ابنه ليبني الخلاص للعالم كله، مستخدماً في شرحه نفس أسلوب العهد القديم الذي
سنَّه الروح القدس في أفواه الأنبياء جميعاً، وعلى نفس النمط الفكري التاريخي فهو:

( أ ) يبدأ بعملية
اختيار الآباء (طبعاً إبراهيم وإسحق ويعقوب).

(ب) منتقلاً نقلة كبيرة
وسريعة إلى مؤازرة الشعب في مصر بأن رفعه
= غywsen أي
استعلاه ورفع رأسه بالرغم من كونه كان في حالة غربة.

( ج ) كيف أخرجه من تحت
العبودية والسخرة بذراع مرتفعة، وهنا يستخدم ق. بولس نفس الاصطلاح الذي استخدمته
التوراة (خر 1:6) والمزامير أيضاً (11:136):
» أخرج
إسرائيل من وسطهم لأن إلى الأبد رحمته، بيد شديدة وذراع ممدودة لأن إلى الأبد
رحمته…
«

18:13 «ونحوَ
مدَّةِ أَربَعِينَ سنةً احتَمَلَ عوائِدَهُم في البرِّيةِ».

«احتمل عوائدهم»: ™tropofÒrhsen

التعبير هنا أبوي بصورة
عاطفية بديعة، فهو يصوِّر تمرد شعب إسرائيل بطفل مشاكس محمول على كتف أبيه، وهو
مأخوذ من سفر التثنية
» وفي البرية حيث رأيت
كيف
حملك
الرب
إلهك كما
يحمل
trofofor»sai الإنسان
ابنه في كل الطريق التي سلكتموها حتى جئتم إلى هذا المكان

«(تث 31:1). وهنا تظهر قوة الحفظ والذاكرة لدى بولس الفرِّيسي الذي
كان عليه أن يتلو التوارة عن ظهر قلب!

19:13 «ثمَّ
أَهلكَ سَبْعَ أُممٍ في أَرضِ كَنْعَان وقَسَمَ لهُم أَرضَهُمْ بالقُرْعَةِ».

يَعْبُر ق. بولس هنا
سريعاً على مسافة زمنية شاسعة جداً التي تمَّ في خلالها إخضاع هذه السبع أمم التي
قيل عنها أنها كلها بل وكل واحدة منها، كانت أعظم من شعب إسرائيل في عنفوانها كما
يذكرها سفر التثنية:
» متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل
إليها لتمتلكها وطرد شعوباً كثيرة من أمامك، الحثيين والجرجاشيين والأموريين
والكنعانيين والفرزيين والحوّيين واليبوسيين، سبع شعوب أكثر وأعظم منك.
«(تث 1:7)

ولقد استغرقت عملية
إخضاع هذه الشعوب وأخذ أراضيهم واحتلالها، الفترة الزمنية منذ بدء عبورهم الأردن
حتى السنة السابعة من ملك داود النبي، وهي السنة التي أخضع داود فيها نهائياً آخر
هذه الشعوب السبعة وهم اليبوسيون الذين كانوا يمتلكون أورشليم وما حواليها.

وهكذا طوى ق. بولس هذه
السنين بأهوالها وحروبها وانتصاراتها وانكساراتها لينهي مآسيها جميعاً في غاية
نهائية وُضعت منذ الدهور لتخدم قضية الغصن الخارج من جذر يسَّى.

20:13 «وبعد ذلكَ
في نحوِ أَربَعمائةٍ وخمسينَ سنةً أَعطاهُم قُضاةً حتى صموئيل النبي».

هنا يتبارى العلماء في
تحقيق هذا الرقم وعلينا الآن أن نفحص آراءهم. وعندنا قراءات موازية لعدد هذه
السنين يتحتم أن ندخلها في الاعتبار.

فالقراءة الأولى تجيء في
صميم التوراة من سفر الملوك الأول 1:6 وتجيء هكذا:

+ » وكان في
السنة
الأربعمائة
والثمانين لخروج بني إسرائيل من مصر في السنة الرابعة لملك سليمان على إسرائيل
في شهر زيو
وهو الشهر الثاني أنه بنى البيت للرب.

«(1مل 1:6)

وهنا يدخل في الاعتبار
بصورة قاطعة مدة حكم الملك شاول وهي 40 سنة بعد آخر زمن القضاة الذين انتهوا
بصموئيل النبي، وكذلك من بعده مدة حكم داود وهي 40 سنة أيضاً وأربع سنوات من حكم
سليمان أي 84 سنة.

القراءة الثانية ويعطيها
المؤرخ اليهودي يوسيفوس في تاريخه
([20]) فيعطي 592
سنة من خروج شعب إسرائيل من مصر إلى بناء الهيكل.

وتقترب هذه القراءة من
قراءة ق. بولس الرسول لأنه لو حسبنا 40 سنة في التيه، يُضاف إليها 25 سنة زمن حكم
يشوع
وهذا بحسب
تقرير يوسيفوس المؤرِّخ
([21]) وهذه إذا
أضيفت إلى 450 سنة المذكورة لبولس الرسول كزمن للقضاة ثم أضيف إليها 40 سنة حكم
شاول الملك ثم 40 سنة حكم داود الملك (كما هو مذكور في 1مل 11:2) ثم الأربع سنوات
لسليمان يكون المجموع 599 سنة. وبهذا يكون الفرق بين تقدير ق. بولس الرسول وتقدير
يوسيفوس سبع سنوات وهي التي عبَّر عنها ق. بولس الرسول بكلمة
» نحو وj
«

ولكن هنا تبدو قراءتا
يوسيفوس وبولس مخالفتين تماماً لقراءة سفر ملوك الأول (1:6). وقد حاول كل العلماء
إعطاء حلول لهذا الاختلاف. ويبدو أن قراءة سفر الملوك هي صحيحة تماماً إذا أخذنا
في الاعتبار أن (أع 20:13) تحدد المدة من الوعود لإبراهيم إلى بدء زمن القضاة التي
هي مدة البقاء في مصر تحت السخرة، مضافاً إليها المدة التي انقضت في عبور الأردن
وحكم يشوع(
[22]).

ولكن تطابق قراءتي
يوسيفوس وبولس الرسول إلى حد ما يعطينا تأكيداً أن القديس بولس يتبع خطاً رسمياً
في حسابات السنين كما كان معمولاً به لدى الفريسيين وعلماء اليهود في أيامه في
حسابات الأيام والسنين في التوراة.

21:13 «ومِنْ ثمَّ
طلبوا مَلِكاً فأعطاهُم الله شاوُلَ بْنَ قَيْسٍ رَجُلاً مِنْ سِبْطِ بنيامين
أربعينَ سنةً».

يعطي ق. بولس هنا لشاول
أربعين سنة دون أن يشير إشارة واضحة أنها مدة حكمه، وهو يتفق في ذلك مع يوسيفوس
المؤرِّخ في قراءته الأُولى التي جاءت في كتابه السادس(
[23])، ولكن يعود يوسيفوس ويحدِّد زمن حكم شاول بعد
ذلك في كتابه العاشر(
[24]) بعشرين سنة فقط. ويعلِّل ذلك العالم بنجل([25]) بأن يوسيفوس في قراءته الأُولى أجمل خدمة
صموئيل النبي مع حكم شاول معاً. ومن هذا نفهم أن بولس الرسول يكتب عن دراية فائقة
متفق عليها لدى الربيين الكبار وكانت تدرَّس في مدارسهم.

«من سبط
بنيامين»:

وهنا يهتم ق. بولس أن
يعطي لشاول تعريفه الكامل بسبطه، وفي هذا نلمح اعتزازاً خاصاً منه باسمه
«شاول» وبسبطه » بنيامين « منبهاً القارئ عن شخصه دون تصريح، لأنه إن كان بشاول البنياميني
ابتدأ عصر الملوكية لإسرائيل فبشاول البنياميني الرسول ابتدأ عصر الرسولية
المسيحية للأمم كافة.

22:13 «ثمَّ عزلهُ
وأَقامَ لهُمْ داوُدَ مَلِكاً الذي شهِدَ لهُ أيضاً إذ قالَ وجَدْتُ داودَ بنَ
يسَّى رَجُلاً حَسَبَ قلبي الذي سيصنَعُ كلَّ مشيئَتي».

لم يدم حكم شاول لأن
شاول لم يكن حسب قلب الله، بل كان حسب شهوة عين الشعب، والإنسان دائماً ينظر إلى
العينين أمَّا الرب فينظر إلى القلب (1صم 7:16). وأن أعظم ما قيل عن إنسان قاطبة
قيل عن داود أنه كان حسب قلب الله. ولكن أبدع ما قيل عن داود قيل بالروح القدس في
المزمور الخالد 89: 19
37، الذي فيه ينتقل
الروح حالاً من داود وملكه إلى ابن داود وملكوته في الأعالي، وارتفع الله له
بالدعاء إلى ما فوق أعلى السموات والشمس والقمر وفوق الأزمنة والدهور كلها ليستقر
على هامة المسيا:

+ » حينئـذٍ
كلمتَ برؤيـا تقيـك، وقلتَ جعلتُ عوناً على قويٍّ،

رفعتُ مختاراً من بين
الشعب، وجدتُ داود عبدي!

بدهن قدسي مسحتهُ، الذي
تثبت يدي معه،

أيضاً ذراعي تشدده، لا
يرغمه عدوٌ وابن الإثم لا يذلِلَهُ.

وأسحق أعداءه أمام
وجهه، وأضرب مبغضيه،

أمَّا أمانتي ورحمتي
فمعه، وباسمي ينتصب قرنه،

وأجعل على البحر يده،
وعلى الأنهار يمينه،

هو يدعوني أبي أنت،
إلهي وصخرة خلاصي،

أنا أيضاً أجعله بكراً،
أعلى من ملوك الأرض،

إلى الدهر أحفظ له
رحمتي، وعهدي يثبت له،

وأجعل إلى الأبد نسله،
وكرسيه مثل أيام السموات …
«

 

+ » مرَّة حلفت بقدسي، لأني لا أكذب لداود،

نسله إلى الدهر يكون،
وكرسيه كالشمس أمامي،

مثل القمر يثبت إلى
الدهر، والشاهد في السماء آمين. سلاه

«!

ثم يستدير الروح في فم
داود ليعطيه الكلمة ليتكلَّم عن واقعه المرّ فيبدأ يصرخ ويتوجَّع في يوم بليته يوم
خرج من قصر ملكه حافياً ورأسه معرَّى عن تاجه:

+ » لكنك رفضت
ورذلت، غضبت على مسيحك،

نقضت عهد عبدك، نجَّست
تاجه في التراب،

رفعت يمين مضايقيه،
فرَّحت جميع أعدائه،

أبطلت بهاءهُ، وألقيت
كرسيَّهُ إلى الأرض،

أين مراحمك الأُولُ يا
رب، التي حلفت  بها لداود بأمانتك،

مبارك الرب إلى الدهر
آمين فآمين
«

وهكذا ينتقل بنا الروح
القدس في المزمور من داود في ملكه كأبهى صورة، إلى ابن داود
» المسيَّا «في مجده، ثم
يعود مرَّة أخرى إلى داود في محنته المرَّة كصورة حزينة أقرب صورة للمسيَّا يوم
صلبوته، ثم في هذا وفي ذاك ينتهي بأن يبارك الله لأنه مبارك في كل شيء وكريم.

“مجيء
المسيح ورفض اليهود له”
(13: 23 29):

23:13 «مِنْ نسلِ
هذا حسبَ الوَعْدِ أَقامَ الله لإسرائيلَ مُخلِّصاً يسوعَ».

إذاً، فبولس الرسول
يقدِّم لنا داود إنساناً حسب قلب الله لكي ينتقل بنا بسهولة إلى
» نسل هذا «أي المسيح
تماماً تماماً كما فعل الوحي في المزمور 89، فبولس يتكلَّم بنفس الروح، وينتقل على
نفس النمط، مشيراً إلى أن كل ما كان هو
» حسب الوعد «أي حسب
ترتيب أزلي أُعلن عنه لذوي القلوب المفتوحة منذ الدهور. فخلاص إسرائيل جاء
مصغَّراً ومصوَّراً في شخص داود ليعد أذهان الشعب للمخلِّص الحقيقي مخلِّص العالم
كله، ولكنه إلى خاصته جاء وخاصته لم تعرفه، وبولس الرسول هنا يوعِّي أهل أنطاكية
فيما عثر فيه أهل أورشليم.

ويُعتبر حزقيال النبي
أوضح مَنْ عمل الصلة بين داود الملك والنبي الممسوح على يدي صموئيل النبي سنة 1085
ق.م، وبين مسيح الله داود الحقيقي الممسوح بالروح القدس. علماً بأن حزقيال النبي
تنبأ قبل مجيء المسيح بمدة طويلة، فقد قبل النبوَّة سنة 595 ق.م أي ما يقرب من
ستمائة سنة إذ يقول عن شعب إسرائيل وكأنها غنم رعية الله هكذا:

+ » وأقيم عليها
راعياً واحداً فيرعاها، عبدي داود هو يرعاها وهو يكون لها راعياً وأنا الرب أكون
لهم إلها وعبدي داود رئيساً في وسطهم أنا الرب تكلَّمت.

«(حز 34: 23و24)

فما داود هنا إلاَّ
المسيح نفسه الذي قال عن نفسه:
» أنا هو الراعي الصالح. «(يو 11:10)

لذلك ينبغي للقارئ هنا
أن ينتبه لقوة الربط والحبك في كلام ق. بولس، فبأقل الكلمات يكشف أعماق التاريخ
ومدى ارتباط الألف بالياء فيه، ويسلِّط ضوء الواقع على حوادث وأسماء الماضي البعيد
فإذا هي بعينها أسماء وحوادث اليوم بل الأزل!!! فداود راعي الغنم ما قبل الميلاد
1085 يصير هو داود مزود بيت لحم الراعي الصالح من يوم الميلاد بل من يوم الأزل.
ومسيح صموئيل مسيح قرن الدهن في ذلك اليوم هو هنا المسيح الحقيقي مسيح الروح القدس
مسيح الدهور. هذا كان يراه الأنبياء وكأنه واقع أمام أعينهم:

+ » ها أيام
تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن برٍّ فيملك ملكٌ وينجح ويجري حقاً وعدلاً في
الأرض. في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمناً وهذا هو اسمه الذي يدعونه به:
الرب برنا.
«(إر
23: 5و6)

+ » ويخدمون
الرب إلههم وداود ملكهم الذي أُقيمه لهم.

«(إر 9:30)

وإذا أحسن القارئ
الانتباه يجد آية إرميا هنا هي بعينها تترجمها آية بولس الرسول التي نحن بصددها
(أع 23:13).

24:13و25 «إِذْ
سَبَقَ يوحنَّا فكَرَزَ قَبلَ مجيئِهِ بمعموديَّةِ التَّوبَةِ لجميعِ شَعْبِ إِسرائيلَ.
ولمَّا صارَ يوحنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ جعلَ يقُولُ مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنا،
لستُ أَنا إِيَّاهُ لكن هوذا يأتي بعدي الذي لستُ مُستحقًّا أنَ أحُلَّ حذاءَ
قدميهِ».

كل كرازة إنجيلية وكل
مناداة بمجيء المخلِّص على مستوى الرسل والتلاميذ جميعاً ابتدأت بيوحنا الصابغ
السابق وبالمعمودية للتوبة لجميع الشعب كعلامة عودة إلى الله ورد قلوب الأبناء على
الآباء.

هكذا نقرأ لبطرس
الرسول:
» أنتم تعلمون الأمر الذي صار في كل اليهودية مبتدئاً من
الجليل بعد المعمودية التي كرز بها يوحنا: يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح
القدس والقوة.
«(أع
10: 37و38)

لأن معمودية يوحنا
ومناداته بالتوبة هيأت الطريق لظهور المسيح، لأن يوحنا لمَّا نادى بالتوبة معلناً
جهاراً:
» توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات
«(مت 2:3) ظنوا أن يوحنا هو المسيَّا الموعود به والآتي: » وإذ كان
الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح

«(لو 15:3) لكنه صحح ظنهم معلناً: » أنا أعمدكم
بماء للتوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه هو
سيعمدكم بالروح القدس ونار
«(مت
12:3). وإنجيل يوحنا يوضح وضعها والمناسبة هكذا:
» وهذه هي شهادة
يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه مَنْ أنت؟ فاعترف ولم ينكر
وأقرَّ أني لست أنا المسيح!!
«(يو
1: 19و20)، ولينتبه القارئ لأهمية رواية القديس يوحنا الرسول لاَّنه كان تلميذاً
للمعمدان وسمع بأذنيه شهادة المعمدان للمسيح مما حدا به أن ينقل تلمذته من
المعمدان للمسيح.

ومن هذه الشهادات
مجتمعة للقديسين متى ومرقس ولوقا ويوحنا أيضاً، وبمقارنتها بما قاله ق. بولس
الرسول في عظته أمام أهل أنطاكية، نلمح مدى الدقة والانطباع الذي كان في ذهن ق.
بولس عن وحدة شهادة الرسل إزاء مناداة المعمدان
كجزء حتمي من الكرازة
بظهور المسيح،
اهتم كل إنجيل بأن يورده باعتباره وعداً إلهياً نبوياً، وقد
تحقق في صميم ميعاده كتأكيد ما بعده تأكيد لصدق ظهور المسيح بحسب الكتب والأنبياء
جميعاً.

ثم على القارئ أن ينتبه
لتشدد المعمدان في نفي أي ظن أنه المسيح، وهذا نلمحه من لغة المعمدان كما أوردتها
الأناجيل وضغط عليها ق. بولس الرسول بدوره:
» مَنْ تظنون أني أنا لست أنا
إيَّاه
«(أع
25:13). وأبرزها ق. يوحنا في إنجيله بصورة مكشوفة:
» فاعترف ولم ينكر،
وأقرَّ

إني لست أنا المسيح
«(يو
20:1). كل هذا التأكيد في النفي اهتم به جميع الرسل لأن بعض اليهود آمنوا بيوحنا
فعلاً أنه المسيَّا الآتي وبقيت شيعتهم باقية إلى أزمنة كثيرة(
[26]).

وسوف نقابل في سفر
الأعمال (أصحاح 18) بعد ذلك كيف أن أبُلُّوس الإسكندري الفيلسوف كان يؤمن بيوحنا
المعمدان فقط ولم يقبل بعد معمودية الروح القدس. كذلك في سفر الأعمال أيضاً (أصحاح
19: 1
5) نجد أن
ق. بولس وجد في أفسس تلاميذ لم يقبلوا الروح القدس إذ كان إيمانهم بيوحنا المعمدان
ومعمودية التوبة فقط:
» ولا سمعنا أنه يوجد
الروح القدس فقال لهم فبماذا اعتمدتم. فقالوا بمعمودية يوحنا فقال بولس إن يوحنا
عمَّد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده أي المسيح يسوع
فلمَّا سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع

«

26:13 «أَيُّها
الرِّجالُ الإِخوةُ بني جنسِ إبراهيمَ والذينَ بينكم يتَّقونَ الله إليكم أُرسِلتْ
كلمة هذا الخلاص».

وهنا لا يزال ق. بولس
واضعاً نصب عينيه كلاًّ من اليهود وأفراد الأمم الذين يواظبون على حضور الصلوات في
المجامع كل سبت، وسنسمع كيف صاروا الأغلبية التي آمنت بالمسيح وعلى أساسها قامت
كنيسة الأمم، إذ كانوا بالفعل يتقون الله بقلوب مفتوحة.

«إليكم
أُرسلت كلمة هذا الخلاص»:

وقد جاءت في النسخ
الأكثر تدقيقاً
([27]):
إلينا
¹m‹n أُرسلت كلمة هذا الخلاص”.

لاحِظ
هنا أن ق. بولس يثير مشاعر اليهود الأتقياء فعلاً بقولهم أيُّها «الإخوة»، «بني
جنس إبراهيم»،
فهنا يربط ربطاً بديعاً عاطفياً بين إبراهيم والوعد وتحقيق
الوعد؛ فهم بصفتهم بني إبراهيم فلهم حتماً وبالضرورة أُرسلت كلمة الخلاص أي كلمة
الوعد بالمخلِّص. ويضيف إضافة ذات عمق بقوله أيُّها «الإخوة» باعتبار أن
الذي يبشرهم بكلمة الخلاص هو واحد منهم من بني جنس إبراهيم الذي له معهم حق الوعد.

ثم
ليس كما جاءت في الترجمة العربية:
» إليكم «بل
هي بصورة محققة جاءت «إلينا»، وهذا ينسجم تماماً مع قوله بني جنس إبراهيم،
فهو حق له أن يقول: «إلينا».

وحينما يقول » أيُّها
الإخوة بني جنس إبراهيم إلينا أُرسلت كلمة هذا الخلاص

«فهو يستودع كلمة الخلاص
في بيتها الرسمي، فالوعد بالخلاص كان لإبراهيم في نسله.

ولا يغيب عن بالنا أن
ق. بولس هنا يثير عواطف اليهود الأتقياء أن يهبّوا ليدافعوا عن حقهم الأبدي في
الخلاص، وذلك في مقابل الخطر الذي أحاط بهذا الخلاص عينه بسب رفضه على أيدي
المدَّعين بأنهم حفظة العهد والوعد بالخلاص، ورؤساء الشعب والكهنة، الذين رفضوا
الخلاص وقتلوا المخلِّص. فالآن أنتم مسئولون عن هذا الخلاص بصفتكم بني جنس إبراهيم
وإليكم أُرسلت كلمة هذا الخلاص! وهذا هو نفس التعبير الذي قاله ق. بطرس في عظته
أيضاً التي قالها في بيت كرنيليوس حيث كان يهود وأمميون سامعين:
» الكلمة
(كلمة هذا الخلاص) التي أرسلها إلى بني إسرائيل يبشِّر بالسلام بيسوع المسيح. هذا
هو رب الكل.
«(أع
36:10)

وأيضاً لا يفوت على
القارئ أن ق. بولس الرسول يقدِّم نفسه لأهل أنطاكية في هذه الآية باعتباره أنه هو
الحامل
» لكلمة هذا الخلاص
«والذي أرسله الله إليهم
ليبشرهم بهذا الخلاص.

 

 

 

أمَّا
الأمميون الحاضرون فقد اعتبرهم ق. بولس الرسول أن الله دعاهم ليسمعوا كلمة هذا
الخلاص وبهذا اُعتبروا على مستوى بني إبراهيم كون كلمة الخلاص جاءتهم تطرق أسماعهم
وقلوبهم فهي أُرسلت إليهم خصيصاً إن قبلوها.

27:13 «لأن السَّاكنينَ في أُورشليمَ ورُؤَساءَهُم لَمْ يعرِفُوا
هذا. وأَقوالُ الأنبياءِ التي تُقرأُ كُلَّ سبتٍ تمَّموها إِذ حكمُوا عليه».

يحقِّق
العالِم بروس هذا النص على نسخ أكثر وضوحاً فيقرأها كالآتي:

+ لأن الساكنين في أُورشليم ورؤساءهم أخفقوا في معرفة هذا الإنسان
فتمموا أقوال الأنبياء التي تُقرأ كل سبت إذ حكموا عليه

هنا
رؤساءهم تعود على الساكنين في أورشليم، وحكمهم على المسيح جاء نتيجة لعدم تعرفهم
عليه وهكذا تمموا أقوال الأنبياء دون أن يدروا لمَّا حكموا عليه.

أمَّا
كونهم لم يتعرَّفوا عليه فهنا يُفهم من كلام ق. بولس الرسول أن هذا يُحسب عليهم
مقاومة لله لأن الله سبق وأنبأ عن مجيئه بيوحنا المعمدان وكل الأنبياء في الكتب.
بل ولا عذر لهم في عدم تعرّفهم عليه بالأكثر لأنه هو أعلن عن نفسه بكل الطرق أنه
ابن الله وأنه الراعي الصالح والطريق المؤدي إلى الآب، بل وأنه هو الحق والحياة.
ولمَّا حكموا عليه كانت أسباب الحكم الأساسية نفسها هي حقيقته بعينها إذ قالوا أنه
يدَّعي أنه «ابن الله» و«أنه ملك»!

28:13 «ومع
أَنَّهم لم يَجِدُوا عِلَّةً واحِدَةً للموتِ طَلَبُوا مِنْ بيلاطُسَ أَنْ
يُقتَلَ».

هذا كان في
الحقيقة من واقع تحقيقات بيلاطس نفسه:

+ » ولمَّا قال هذا خرج أيضاً إلى اليهود وقال لهم أنا لست أجد فيه
علة واحدة. «(يو 38:18)

+ » أنا أخرجه إليكم لتعلموا أني لست أجد فيه علة واحدة. «(يو
4:19)

+ » فلمَّا رآه رؤساء الكهنة والخدَّام صرخوا قائلين اصلبه اصلبه
قال لهم بيلاطُس خذوه أنتم واصلبوه لأني لست أجد فيه علة. «(يو 6:19)

وهنا يلزم
للقارئ أن ينتبه جداً فبيلاطُس يقول ثلاث مرَّات «لست أجد فيه علة»، ورؤساء الكهنة
يردُّون عليه «اصلبه اصلبه». وكانت العلة الوحيدة التي أصروا عليها حتى النهاية
التي يرون أنه يتحتَّم أن يُصلب من أجلها هكذا: » لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن
يموت، لأنه جعل نفسه ابن الله!! «(يو 7:19)

ثم العلَّة الأخرى التي
أوجبت الصلب عندهم هي:
» فقال لليهود هوذا ملككم
فصرخوا خذه خذه اصلبه!
«(يو
19: 14و15)، وأخيراً جحدوا الله أن يكون ملكاً لإسرائيل واحتموا في قيصر ليفوزوا
بحكم الصلب.
» قال لهم بيلاطس أأصلب ملككم أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك
إلاَّ قيصر حينئذ أسلمه إليهم ليُصلب!

«(يو 19: 15و16)

هنا يُجمل ق. بولس
القضية أنه بالرغم من أنهم لم يجدوا فيه علَّة واحدة توجب الموت بحسب قضاء روما
لكنهم رأوا أن العلَّة الواحدة التي توجب الموت هي أنه قال: إنـَّه ابن الله!!
والتي بسببها طلبوا بإلحاح وصراخ أن يُقتل!!

ويطيب لنا هنا أن نرى
كون القانون الروماني آنئذ يقرر أن
المسيح لا توجد فيه علَّة واحدة ثم أمر
بيلاطس بذبحه،
فهذا تماماً ما يفعل اليهود في خروف الفصح إذ يفحصونه جيداً
حتى لا يكون فيه علَّة واحدة، ثم يذبحوه فيصير فصحاً لليهود. هكذا صنعت الأمم على
يد بيلاطس إذ فحصوا المسيح ولم يجدوا فيه علَّة واحدة، ثم ذبحوه على ذمة اليهود
فصار وتحتَّم أن يكون فصحاً للأمم كافة، الذين يمثلهم بيلاطس الروماني وجنوده،
وجريمة قتل بآن واحد في ذمة اليهود ودمه على رؤوسهم.

29:13 «ولمَّا
تمَّمُوا كلَّ ما كُتِبَ عنهُ أَنزَلُوهُ عَنِ الخشبَةِ ووَضَعُوهُ في قَبْرٍ».

لأول وهلة يظن القارئ
أن اللذَين أنزلاه عن الصليب (الخشبة) هما يوسف الرامي ونيقوديموس حسب نص الواقعة،
ولكن يقول بعض الشرَّاح أن الذين أنزلوه عن الخشبة هم نفس اليهود الأعداء الذين
أكملوا سعيهم ضده بصلبه كما جاء في الرواية:
» سأل بيلاطس
أن تُكسر سيقانهم ويُرفعوا (ليُنزلوا عن الخشبة)

«(يو 31:19)، ولكن حتى ولو أصر البعض الآخر أن اللذيْن أنزلاه عن
الخشبة هما يوسف ونيقوديموس فهما أيضاً يمثلان السنهدريم لأنهما عضوان رسميان فيه.
أمَّا سعي السنهدريم ممثلاً في رؤساء الكهنة الذين طلبوا من بيلاطس إنزاله من على
الخشبة فهو تكميلٌ لوصايا موسى أن لا يبيت المعلَّق على الخشبة لئلاَّ تتنجَّس
الأرض ببقاء الملعون معلَّقاً لليوم التالي:
» وإذا كان
على إنسان خطية حقها الموت فقُتِل وعلَّقته على خشبة فلا تبت جثته على الخشبة بل
تدفنه في ذلك اليوم، لأن المعلَّق ملعون من الله فلا تنجِّس أرضك التي يعطيك الرب
إلهك نصيباً.
«(تث
21: 22و23)

«وضعوه في قبر»:

هذه الواقعة يعتبرها ق.
بولس الرسول هنا في غاية الأهمية، لأنها تثبت بصورة قاطعة أنه مات موتاً حقيقياً
استلزم الدفن – وفي نفس الوقت إن التأكيد على الدفن فوق أنه تأكيد للموت فهو تمهيد
لصحة القول بالقيامة من الموت أو من بين الأموات.

فعلى القارئ أن يُلاحِظ
أن ق. بولس الرسول في تأكيده على الصلب والموت والدفن إنما يتبع الخط التعليمي
الرسولي المدقق والمحفوظ كتقليد رسولي، ونسمع ق. بولس الرسول يتلوه عن ظهر قلب في
سرده لأركان الإيمان وذلك في رسالته الأُولى لأهل كورنثوس هكذا:

+ » فإني سلَّمت
إليكم في الأول ما قَبِلته أنا أيضاً أن المسيح
مات من أجل
خطايانا حسب الكتب وأنه
دُفن وأنه قام في
اليوم الثالث
حسب الكتب. «(1كو
3:15)

 “آية المسيَّا العظمى” (13: 30 37):

30:13 «ولكِنَّ
اللهَ أَقامَهُ مِنَ الأَموَاتِ».

اليهود قتلوه والله
أقامه من الأموات!!

«ولكن الله»:

هنا يشدِّد الرسول في
المقابلة في المعنى بين أن
» الله أقامه من الأموات «(أع 30:13) في مقابل » حكموا عليه وطلبوا أن
يُقتل
«(أع
13: 27و28). ليلاحِظ القارئ أن
القيامة من الأموات عند ق. بولس بالنسبة
للمسيح هي القول الفصل والآية الأُولى والعظمى والشهادة الإلهية أن المسيح
ابن الله!!

+ » الذي سبق
فوعد
به بأنبيائه
في الكتب المقدَّسة
عن ابنه، الذي صار من نسل داود
من جهة الجسد
وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من
الأموات يسوع المسيح ربنا.
«(رو
1: 2
4)

وبقول ق. بولس الرسول
هنا
» بالقيامة من الأموات «يكون قد
أكمل الصيغة الرسولية التقليدية التي استلمها كأساس للإيمان المسيحي، والآن يلقنها
لأهل أنطاكية بيسيدية.

ثم ماذا لنا أيها
القارئ السعيد في هذا المنطوق الإيماني الرسولي؛

أن ق. بولس يلقي على أهل
أنطاكية وعلينا الضوء الذي ألقاه الله على القبر المظلم على الجسد المسجَّى لكي
يلبس النور الذي له، ليقوم من ظلمة الموت والموتى، ليضيء بقيامته على موتنا
وظلمتنا فنستضيء بنور قيامته ونصير بني النور، لا يسود علينا الموت بعد ولا ظلمة
الموتى. يا أحبَّة إن مصابيحنا امتلأت بزيت قيامته ونحن باستعداد الصراخ: المسيح
قد أقبل!

31:13 «وظَهَرَ
أَيَّاماً كثيرةً للذَّينَ صَعِدُوا معهُ مِنَ الجليلِ إِلى أُورشليم الذَّينَ
هُمْ شُهُودُه عِندَ الشَّعبِ».

الظهور هنا يأتي لتأكيد
القيامة، لذلك اعتبر ق. بولس أن الذين رأوه صاروا شهوداً لدى الشعب. والشهادة هنا
تبلغ غايتها العظمى بحسب الوعد، فهم رأوه قائماً من الموت ورأوه أياماً كثيرة
تأكيداً للرؤيا وتأكيداً للقيامة. وهم أنفسهم الذين رأوه مصلوباً وميتاً ومدفوناً
في قبر فأصبحت شهادتهم أن يسوع المسيح ابن الله هو المسيَّا حسب الوعد.

«الذين صعدوا معه من
الجليل إلى أورشليم»:

هنا في الحقيقة يلمِّح
ق. بولس الرسول أن الذين رأوه قائماً من الأموات هم هم أنفسهم الذين رأوه وعاشروه
كتلاميذ وأحباء كل أيام وسنيّ الحياة في الجليل.

فالقديس بولس يؤكد على
صدق الشهادة وصدق الرؤيا. كذلك يربط هنا ربطاً مكيناً بين حوادث الرب وبين العظة
على الجبل، وبئر سوخار وحديث السامرية، والخمس خبزات والسمكتين، والسير على الماء،
وتفتيح عين الأعمى، وإقامة لعازر، ودخول أورشليم راكباً على أتان، والصلب والموت
والقيامة والظهور بعد القيامة. فالذين كانوا معه في الجليل شاهدوا كل هذا ويشهدون
بكل هذا لنشترك معهم في المشاهدة والشهادة:

+ » الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به، لكي
يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأمَّا شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح.
ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً.
«(1يو 1: 3و4)

32:13 «ونحنُ
نُبشِّرُكُمْ بالمَوعِدِ الذي صارَ لآبائِنَا».

هنا انتقل ق. بولس من
الرواية إلى البشارة، من التاريخ إلى الواقع الحي، مما حدث إلى ما لابدَّ أن يحدث،
من الذين رأوا المسيح قائماً من الأموات إلى أنا وأنتم لنستوعب الرؤيا عينها،
ونعيش في صميمها كل يوم وإلى الأبد، فالمسيح الذي قام هو الآن قائم لتراه كل عين
بالروح، فالقيامة خرجت من حيز التاريخ والماضي لتملأ الوجود والخلود وتحتوي كل
مَنْ آمن ورأى!

فالإنجيل يا عزيزي
القارئ يُقرأ على خلفية التاريخ فيُعاش على أساس الواقع الحي الآن وكل آن.
فالإنجيل يُقرأ ويُسمع ويُوعَظ به كقصة لتتحوَّل قصة إنجيل المسيح إلى قصة إنجيلنا
وبشارتنا وحياتنا، ويصير المسيح مسيحنا وقيامته قيامتنا وظهوره يملأ كياننا
ووعينا.

ولكن إنجيلنا اليوم
الذي بُشِّرنا به سبق الله أن رسمه بحروفه الأُولى لآبائنا ورفعه إلى مستوى الوعد،
والوعد ظلَّ يتثبت لكل جيل من فم كل نبي ويزداد وضوحاً وتزداد حروفه نوراً كلما
قرب ميعاد الوعد حتى تمَّ الزمان وكمُلَ الوعد.

33:13 «إنَّ الله
قد أَكمَلَ هذا لنا نحنُ أَولادَهُمْ إذ أَقامَ يسُوعَ كمَا هُوَ مكتُوبٌ أَيضاً
في المزموُرِ الثاني أَنتَ ابني أَنا اليومَ وَلَدْتُكَ».

الوعد أول ما صار صار
لإبراهيم الذي سمع أول نُطق للوعد من فم القدير واطلع على رسم صورته بعين الإيمان
هناك هناك وراء الدهور، وانتهى زمان الوعد عند المعمدان الذي له أُكمِلَتْ الحروف
وأكملت الصورة ورفع عينه فجأة وقال:

+ » هذا هو الذي
قلت عنه يأتي بعدي رجلٌ صار قدَّامي لأنه كان قبلي … هذا هو حمل الله الذي يرفع
خطية العالم … إذ نظر يسوع مقبلاً إليه!!

«(يو 1: 30و29)

وانتهى المعمدان وانتهت
به كل النبوات والإشارات وظهر يسوع ونادى بنفسه:
» أنا هو نور
العالم
«(يو
12:8)، وهكذا دخل المسيح علناً في صميم العالم وفي صميم الإنسان والزمن وأنار كل قلب
وأنار طريق الحياة والخلود. وتمَّ قول النبي أن يصير الكل متعلمين من الله (يو
45:6، إش 13:54، إر 34:31، مي 2:4). وهكذا عرفناه نحن أولاد إبراهيم بالإيمان وكل
مَنْ سمع وآمن.

«أنتَ ابني أنا اليومَ
وَلَدتُكَ»:

أن يلد الله ابناً في الزمن أمر محال،
فالله لا يلد والله لا يُولَدْ لأن ابن الله هو الله، ولكن أن يقوم ابن الله
المتجسِّد من الموت بجسده حيًّا منظوراً وفي عمق الزمن فهذا هو ميلاد حقيقي للمسيح
» ابن الإنسان «
وبالتالي ميلاد للإنسان!!

فيوم أقام الله المسيح
من بين الأموات انتهى الزمن وانتهى الموت بالنسبة للإنسان فقد قام لحياة أبدية لا
يسود عليها الموت ولا يفنيها الزمن. لأجل هذا تجسَّد المسيح مولوداً في الزمن ومات
لينهي على الإنسان القديم وينهي على الموت وعلى الزمن.

+ » إني أخبر من
جهة قضاء الرب. قال أنت ابني أنا اليومَ ولَدْتُكَ …

«(مز 7:2)

هذا المزمور يستشهد به
ق. بولس في عظته وقد كان دائماً هذا المزمور مصدر إلهام لكل المتكلمين عن قضاء
الرب فيما يخص بنوَّة المسيح للآب، وقد ذكره أيضاً في الرسالة إلى العبرانيين:

+ » لأنه لمَنْ
مِنْ الملائكة قال قط أنتَ ابني أنا اليومَ ولدتُكَ وأيضاً أكون له أباً وهو يكون
لي ابناً.
«(عب
5:1)

وأيضاً في موضع آخر في
نفس الرسالة مؤكداً أن هذه الشهادة هي من الله بمثابة إعطائه ما يخصه من المجد:

+ » كذلك المسيح
أيضاً لم يمجِّد نفسه ليصير رئيس كهنة بل الذي قال له أنت ابني أنا اليوم ولدتُكَ.
«(عب 5:5)

وبولس الرسول أول مَنْ
نادى جهاراً كارزاً ومعلِّماً بأن المسيح ابن الله عن أصالة بالتقليد الرسولي
والتعرف الشخصي على المسيح والاستعلان معاً.

وبولس الرسول عندما
انفتحت عيناه بعد أن أعماه الضوء الفائق بظهور المسيح له في السماء وقت الظهيرة
كرز أول ما كرز بأن
المسيح هو ابن الله:

+ » فللوقت وقع من
عينيه شيء كأنه قشور فأبصر في الحال وقام واعتمد وتناول طعاماً فتقوَّى … وللوقت
جعل يكرز في المجامع
بالمسيح أن هذا هو ابن الله. «(أع 9: 18-20)

وصارت عقيدة أن يسوع
المسيح هو ابن الله
هي بدء كل كرازة وبدء كل رسالة:

+ » بولس عبد
يسوع المسيح، المدعو رسولاً المفرز لإنجيل الله الذي سبق فوعد به بأنبيائه في
الكتب المقدَّسة
عن “ابنه” الذي صار من نسل داود من جهة الجسد وتعيَّن ابن
الله بقوَّة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات.

«(رو 1: 14)

وفي الرسالة إلى كولوسي
يوضِّح بأبلغ بيان أن الآب جعل للمسيح كابن الله ملكوتاً خاصاً به معادلاً للآب:

+ » شاكرين الآب الذي أهلنا
لشركة ميراث القديسين في النور الذي أنقذنا من سلطان الظلمة
ونقلنا إلى
ملكوت ابن محبته.
«(كو
1: 12و13)

وكون الابن له ملكوت
خاص به هذا نسمعه من فم المسيح نفسه:

+ » أنتم الذين
ثبتوا معي في تجاربي وأنا أجعل لكم
كما جعل لي أبي ملكوتاً لتأكلوا
وتشربوا
على
مائدتي في ملكوتي.
«(لو
22: 28
30)

فيوم وُلِدَ المسيح في
بيت لحم تهللت الملائكة في السماء
» بابن الإنسان «وابتهجت
البشرية في شخص العذراء لأن الله صنع بها عظائم!! فقد دخل ابن الله حجال الخليقة
ليصير أعلى من في الخليقة كلها التي كانت آنئذ تمثلها الملائكة كأعلى من فيها حتى
ذاك اليوم الذي فيه وُلِدَ المسيح فصار هو رأساً لها كلها.

ويوم مُسح المسيح
بالروح القدس وتقدَّس الجسد تهلل الروح القدس، فقد أعطى لابن الله وهو بالجسد أن
يصير كما هو في الثالوث كما كان، فكان شرفاً للبشرية التي يمثلها أعلى شرف، فقد
جلس بها عن يمين العظمة، ويومها أرسل الروح القدس من عند الآب ليحلَّ على البشرية
فيقدِّسها ويصيِّرها هيكلاً لله بعد طرد من الفردوس وتشريد وإهانة.

ويوم قام المسيح من بين
الأموات فرح الآب بابنه متجسِّداً ممثِّلاً للبشرية الجديدة، لأن الله كانت لذَّته
في بني آدم
أي البشرية وها قد
عادت إليه
إلى الله في أقدس
صورتها، في ابنه الذي أحبه، لأنه هكذا أحب الله العالم لمَّا دخله ابنه متجسِّداً،
ولمَّا قام بعد أن فدى العالم قدَّمه للآب مصالَحاً فيه.

* ويلاحِظ
القارئ أن يوم وُلِدَ المسيح في بيت لحم
«دُعي ابن الله»:

+ » فأجاب
الملاك وقال لها: الروح القدس يحلُّ عليكِ وقوَّةُ العليِّ تُظلِّلكِ فلذلك أيضاً
القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله.

«(لو 35:1)

* كما يُلاحظ
أيضاً أنه يوم أن مُسح المسيح بالروح القدس
» دُعي ابن
الله
«

+ » ولمَّا
اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً وإذ كان يصلِّي انفتحت السماء ونزل عليه الروح
القدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلاً أنت ابني الحبيب بك سررت.
«(لو 3: 21و22)

بل أن ق. بطرس الرسول
يقول إن الله مسحه بالروح القدس:
» يسوع الذي من الناصرة
كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة
«(أع
38:10). وهنا يأتي صدى المزمور الثاني بقوة ووضوح:
» أمَّا أنا
فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي. إني أخبر من جهة قضاء الرب. قال لي أنت ابني
أنا اليوم ولدتُك
«(مز
2: 6و7). إن يوم أن مُسِحَ داود ملكاً دخلت الأمة كلها في عهد بنوَّة مع الله لأن
الله صار في شخص داود ملكاً على الأمة. هذا تحقق على مستوى الروح يوم اعتمد
المسيح، أي مُسح بالروح القدس، ففي الحال صار اعتراف من السماء واستعلان لبنوَّة
المسيح.

* وفي قيامته
من بين الأموات يقول ق. بولس الرسول:

+ » تعيَّن ابن
الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات.

«(رو 4:1)

كذلك يقول ق. بولس
الرسول صراحة أن الروح القدس هو الذي أقام يسوع المسيح من الأموات:

+ » وإن كان روح
الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي
أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم.
«(رو 11:8)

هكذا نرى أنه حدث
استعلان فائق في الميلاد والعماد والقيامة لبنوَّة المسيح للآب، وكلها رافقها
الروح القدس. ولكن في القيامة بنوع خصوصي وامتياز
» تعيَّن «بصورة فائقة
جداً أنه ابن الله بصفته قاهر الموت ومعطي الحياة الأبدية وواهب
» بنوَّة الله «للبشرية.

34:13-36 «إنَّهُ
أَقامَهُ مِنَ الأمواتِ غيرَ عتيدٍ أَن يعودَ أيضاً إلى فسادٍ فهكذَا قالَ إنِّي
سأُعطِيكُم مرَاحِمَ داوُدَ الصَّادقةَ. ولذلك قالَ أيضاً في مزمورٍ آخر لَنْ
تَدَعَ قدُّوسَكَ يرى فساداً. لأَنَّ داوُدَ بعد ما خَدَمَ جيلَهُ بمشُورةِ اللهِ
رَقَدَ وانضمَّ إلى آبائهِ ورأَى فساداً.»

أقامه من الأموات
متحدِّياً الموت وعنصر الفساد الذي يمثله الموت. فالجسد قام في جدة الحياة وملئها
لا يسود عليه موت ولا تغيير ولا فساد. فقد تخطَّى الزمن بحركته التي تنتهي بالفساد
ثم الزوال ثم العدم. لقد تخطَّى الجسد حدود الفساد والزوال ودخل إلى ملء الخلود
والأبدية، وهكذا أعطى البشرية ملء الحياة الجديدة التي اكتسبها لنا بالقيامة من
الأموات، فقمنا، بعد أن كنَّا
» أمواتاً بالخطايا
أحيانا مع المسيح.
«(أف
5:2)

«مراحم داود الصادقة»:

هذا وعد وعده الله بفم
إشعياء النبي عن أيام تأتي يسكب فيها مراحمه الأمينة الصادقة عوض الذل والهجران
وأيام الغضب:
» أميلوا آذانكم وهلموا إليَّ. اسمعوا فتحيا أنفسكم. وأقطع لكم
عهداً أبدياً مراحم داود الصادقة
«(إش 3:55). وقد جاءت في النسخة المعاد تصحيحها هكذا:»  محبتي الصادقة والثابتة لداود « ولكنها تأتي في اللغة العبرية بالجمع » محبات hasde «وليست محبة مفردة (hased) = hasde Dawid
ha-né emanim
.

وواضح المعنى أن كل ما
وعد به الله داود سيعطيه في أوانه، وقد بدأ وصار بقيامة يسوع المسيح من الأموات.
ولعل أقوى وأعظم ما وعد به الله داود هو عن المسيَّا الذي أكرم الله به داود، أن
جعله يرث اسمه ويأتي من نسله، وعن هذا نطق داود بالروح متنبئاً عن قيامة المسيَّا
من الأموات هكذا:

+ » لأن داود
يقول فيه كنت أرى الرب أمامي في كل حين أنه عن يميني لكي لا أتزعزع. لذلك سُرَّ
قلبي وتهلَّل لساني حتى جسدي أيضاً سيسكُنُ على رجاءٍ. لأنك لن تتركَ نفسي في
الهاويةِ ولا تدعُ قدُّوسك يرى فساداً. عرَّفتني سُبلَ الحياةِ وستملأُني سروراً
مع وجهك أيُّها الرجال الإخوة يسوغُ أن يُقالَ لكم جهاراً عن رئيس الآباءِ داوُدَ
إنه ماتَ ودُفِنَ وقَبرُهُ عندنا حتى هذا اليومِ. فإذ كان نبيًّا وعَلِمَ أن الله حَلَفَ
لهُ بِقَسَمٍ إِنه مِنْ ثمرة صُلبِهِ يُقيمُ المسيحَ حسبَ الجسدِ ليجلسَ على
كُرسيِّهِ، سبق فرأى وتكلَّم عَنْ قيامةِ المسيحِ أَنَّهُ لم تُتْرَك نفسهُ في
الهاويةِ ولا رأى جسدُهُ فساداً. فيسوعُ هذا أَقامَهُ اللهُ ونحنُ جميعاً شُهُودٌ
لذلكَ.
«(أع 2: 2532)

+ » لذلك فَرِحَ
قلبي وابتهجت روحي. جسدي أيضاً يسكُنُ مطمئنًّا (في القبر) لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيَّك
(Hasid) يرى فساداً. تعرفني سبل
الحياة.
«(مز 16: 911)

وهذا هو نص ما فهمه
الرسل، وق. بطرس الرسول أعلنه جهاراً يوم الخمسين أن قيامة الرب من الأموات هي
تحقيق مباشر لمزمور (16: 911). إذ يقول ق. بطرس عن داود هكذا:

+ » فإذ كان
نبيًّا وعَلِمَ أن الله حَلَفَ له بقسَمٍ أنه من ثمرة صُلبهِ يُقيم المسيح حسب
الجسد ليجلس على كرسيِّه سبق فرأى وتكلَّم عن قيامة المسيح أنه لن تترك نفسه في
الهاوية ولا رأى جسده فساداً. فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعاً شهود لذلك.
«(أع 2: 3032)

ولابد
أن يلحظ القارئ مقدار المشابهة عند المطابقة بين ما قاله القديس بطرس يوم الخمسين
في شرحه للقيامة على ضوء المزمور السادس عشر، وكذلك القديس بولس وبنفس المعاني
والألفاظ. ولكن هذا يرجع بالأساس إلى أن القديس لوقا يسرد تعليماً رسولياً واحداً
استقاه ق. بولس بحسب اعترافه من الرسل الذين تعرَّف عليهم واستلم منهم ما استلم من
أقوال الرب وأسراره. فنحن أمام شرح رسولي أصيل ومؤكَّد لسر القيامة على أساس
النبوات والمزامير. ثم أليس الرب نفسه سبق وشرح لتلميذي عمواس سرّ موته وقيامته
كما جاءت في الأنبياء والمزامير؟ وفي اعتقادي أن شرح القديسين بطرس وبولس عن
القيامة هو مأخوذ أصلاً عن الرب نفسه عبر تلميذي عمواس (لو 24: 26و27)، وما أصدقه
شرح وما أعظمها مراحم وأمانة فاقت كل تصوُّر داود نفسه. كذلك فإن القول:
» عن مراحم داود الصادقة «يمتد به الشرح بحسب النص العبري الذي
يعبِّر عن المراحم بالجمع بمعنى: “أمور أو أشياء
hasde Dawid ha-né emanim”. التي ترجمتها: “الأمور
الصادقة والمقدَّسة =
The holy and sure things of David”. والمعنى يتسحب على ما أبرزته القيامة وأحدثته من
خلاص
وغفران وبنوَّة وشركة
وذلك بحسب العالِمين ماير([28])
وأُلسهوزن وهذا يطابق قول ق. بولس

الرسول هنا: «غير عتيد أن يعود أيضاً إلى فساد» (أع 37:13). أي قام حيًّا
ويبقى في ملء الحياة لكي يهبها خلاصاً لكل مَنْ يؤمن به، كما عبَّر عنه في رسالته
الثانية إلى أهل كورنثوس:
» الذي نجَّانا من موتٍ مثل هذا وهو يُنجِّي. الذي لنا رجاءٌ فيه أنه سينجِّي
أيضاً فيما بعد.
«(2كو 10:1)

العلاقة
الأساسية بين القيامة وغفران الخطايا والتبرير عند ق. بولس تجعل ما قيل منسوباً
إليه بالضرورة:

38:13و39 «فليكُنْ
معلُوماً عِندَكُمْ أَيُّهَا الرِّجالُ الإِخوَةُ أَنَّه بهذا يُنَادَى لكُمْ
بِغُفرانِ الخطايا، وبهذا يتبرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤمِنُ مِنْ كُلِّ ما لم تَقدِرُوا
أَن تَتَبَرَّرُوا مِنهُ بناموسِ مُوسَى».

ق. بولس الرسول ينقضّ
مرَّة واحدة بحذق ودقة ليصيب الهدف في وقته وموضعه. فإن كانت المراحم الموعود بها
لداود عن صدق وأمانة من لدن الله، وأهمها ومركز قوتها وفعلها عدم الفساد لجسده في
القبر، إلاَّ أن جسد داود احتواه القبر وأصابه الفساد والزوال، ولكن الوحيد الذي
قام بجسده حيًّا من الأموات ولم يمسه فساد أو تغيير هو المسيح الرب:

+ » وفيما هم
يتكلَّمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم. فجزعوا وخافوا وظنوا
أنهم نظروا روحاً. فقال لهم ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم، انظروا
يدي ورجليَّ إني أنا هو. جسُّوني وانظروا  فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون
لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه.
«(لو 24: 3640)

ولأول مرة وكأثر مباشر
للقيامة وقوتها وفعلها انهزمت الخطية ومعها الموت. كما قال الرب ليلة ظهوره لهم
بعد قيامته:

+ » ولمَّا قال
هذا أراهم يديه وجنبه. ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب. فقال لهم يسوع أيضاً سلام لكم
كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولمَّا قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس مَنْ
غفرتم خطاياه تُغفر له
ومَنْ أمسكتم خطاياه أُمسكت
«(يو 20: 2023).

وليلاحِظ القارئ أن
الغفران أُعطي على أساسين، الأَول: المسيح القائم من الأموات بعد أن وطأ
الموت الذي هو أقصى عقوبة للخطية. والثاني: الروح القدس الذي نفخه الرب،
وهو العامل الأساسي الذي يسكن فيحيي ويقدِّس فلا يكون للخطية مكان ولا قضاء.

أمَّا «غفران
الخطايا»
بحد ذاته، فهو مشكلة الناموس العظمى التي كانت بلا حلّ. لأن كل خطية
كان لها ذبيحة تحلّ قوتها، أمَّا “خطايا الضمير” فليس لها ذبائح وليس لها حلّ.
وهذا ما ألمح له ق. بولس في الآية الثانية. لأن ناموس موسى مَنْ يَعْلَمُهُ
ويَعْمَلُ به يتبرر، بمعنى يتبرأ، من كل ما يعمله ما عدا خطايا العمد التي
يقف أمامها الناموس بلا قوة ولا عمل. هذا ما يكشفه ق. بولس الرسول كعجز كامن في
الناموس، لأن الخطية التي لها ذبيحة لها في الناموس حلّ، أمَّا الخطية التي بلا
ذبيحة فاسمها “الخطية المميتة”: أي التي ليس لها قيامة من الموت، والتي
يقصدها ق. بولس الرسول في قوله:
» ونحن أموات بالخطايا
أحيانا مع المسيح
«(أف
5:2). والمعنى واضح بأقصى وضوح أن المسيح الذي أمات الموت ذاته وقام حيًّا هو
الوحيد الذي يقيم من موت الخطايا المميتة، أي التي بلا ذبيحة في الناموس ولا حلّ.
فذبيحة المسيح التي قدَّمها بجسده عن كل خطايا الإنسان وخطايا العمد
فيها هي أخطرها أصبحت قادرة إن تمسَّك بها الإنسان
أن تغفر وتبرر «من كل ما لم تقدروا أن تتبرَّروا منه بناموس موسى» أي خطايا
العمد!!

وواضح أمام القارئ أن قيامة
المسيح من الأموات بجسده – الذبيحة
التي قدمها كفارة لخطايانا
جعلت هذه الذبيحة حيَّة، فعَّالة، قادرة وبأقصى حدود القدرة إزاء الموت
وأقصى حدود الخطايا، بأن تحيي وتغفر وتطهِّر وتقدِّس. فالمسيح الحي القائم من
الأموات جعل صليبه مذبحاً للغفران لكل مَنْ قدَّم عليه خطاياه. وحينما استودع
المسيح روحه في يد الآب استودع أرواحنا. ولمَّا أسند جسده في قبر، شاركنا في قبر
خطايانا حيث توسدت أجسادنا وليس مَنْ يحيي أو يقيم من موت. ولمَّا استعاد روحه
استعاد لنا أرواحنا من يد الآب لنقوم معه من الموت ولا يسود علينا، فلا موت بعد
ولا ناموس. وهكذا كان الناموس قادراً أن يميت ولا يحيي، أمَّا صليب المسيح فإنه
يحيي ولا أحد يميت. هذا هو التدبير الكلي الذي يصغر أمامه برّ الناموس. وق.
بولس ينادي بأعلى صوته في مجمع أنطاكية بيسيدية في أول عظة له:
» فليكن
معلوماً عندكم أيها الرجال الإخوة أنه بهذا يُنادى لكم بغفران الخطايا. بهذا يتبرر
كل مَنْ يؤمن من كل ما لم تقدروا أن تتبرروا منه بناموس موسى!!
«(أع 13: 38و39)

وصوت القديس بولس هذا
رددته السنين، وحقَّقه الله، وخلصت به الملايين، وهو لنا اليوم مازال جديداً كما
كان في ذلك اليوم يحطِّم حصون الخطية ويذل كبرياء الموت لكل مَنْ يؤمن.

فيا أيها القارئ السعيد
افرح فليس جزافاً مات ا لرب على الصليب!

 “أيها
المتهاونون”:

40:13و41 «فانظروا
لئلاَّ يأتي عليكم ما قيل في الأنبياء: انظروا أَيُّها المُتهاوِنُونَ وتعجَّبُوا 
واهلِكُوا، لأَنني عَمَلاً أَعمَلُ في
أَيَّامِكُم. عملاً لا تُصدِّقونَ إن أَخبَرَكُم أَحدٌ بهِ».

هذا إنذار نبوي خطير
قدَّمه حبقوق النبي في نبوته حوالي سنة 600 ق.م
([29]) لشعبه إسرائيل ولكل الأمم حينما تحرَّك آنذاك
ذلك المارد المرعب نبوخذنصر الذي كان يشكِّل في ذلك الوقت أكبر قوة في الوجود،
تحرَّك ليحطِّم إسرائيل ويسحق الأمم من حواليه وذلك كان سنة 610 ق.م، وحبقوق ينادي
ويحذِّر باسم الله:

+ » حتى متى يا
ربُّ أدعو وأنت لا تسمعُ، أصرخ إليك مِنَ الظلم وأنت لا تخلِّص،

لِمَ تريني إثمـاً
وتُبصِرُ جوراً، وقدَّامي اغتصابٌ وظلمٌ …،

لذلك جمدت الشريعة ولا
يخرج الحكمُ بتَّةً لأن الشرير يحُيط بالصدِّيق فلذلك يخرج الحكم مُعوَجًّا!!
«(حب 1: 24)

هذه
المقدِّمة يقدِّمها حبقوق واصفاً حال الشعب والرؤساء والحكَّام باعتبار أن هذا
الكرب العظيم هو الذي جعل الله يفك عقال المؤدب من بعيد حتى يأتي ليقتل ويحرق
ويحطِّم وينهب، والرب ينظر ولا يعين!! لأن الأمر صادر منه وهو منذر بالمزيد. ثم
يكشف حبقوق ماذا أخفى الرب وراء الستار:

ينطقه حبقوق بفم الله:

+ » انظروا بين
الأمم وأبصروا وتحيَّروا حيرة لأني عامل عملاً في أيامكم لا تصدِّقون به إن أُخبر
به
«(حب 5:1)

+ » فهأنذا
مقيمٌ الكلدانيِّين الأُمة المُرَّة القاحمة السالكة في رِحَاب الأرض لتملك مساكن
ليست لها. هي هائلة ومخوفة، من قِبَلِ نفسها يخرج حكمُها وجلالها. وخيلُها أَسرعُ
مِنَ النمورِ وأحدُّ من ذئاب المساء وفرسانُها ينتشرون وفرسانُها يأتون من بعيدٍ
ويطيرونَ كالنسر المسرع إلى الأكل.
«(حب 1: 68)

وهي رجع صدى لنبوَّة
إشعياء النبي (إش 28: 14-22) بخصوص اقتحام الأشوريين وسبي إسرائيل الذي تمَّ على
يد الملوك المتتابعين:

 

تغلث فلاسر

شلمنأسر

سرجون الثاني

سنحاريب

Tiglath Pileser

Shalmaneser

Sargon II

Sennacherib

(744-727) ق.م([30])

(726-722) ق.م

(721-705) ق.م

(704-681) ق.م

{

 

 

 

 

سبي السامرة

هاجم يهوذا

 

ومن نبوات إشعياء التي
سجلتها له التوراة نتحقق أنه دُعي للنبوَّة سنة 738 ق.م. من واقع نبوته أصحاح 6
وقد عاصر الحرب المدعوة حرب سوريا وأفرايم 734-733 ق.م.

وحصار وسقوط السامرة
724-722 ق.م.

وسبي أشدود 711 ق.م
(أصحاح 20).

وغزو سنحاريب للأرض 701
ق.م (أصحاحات 36-39).

ولكن أقوى ما نطق به
إنسان ورد في نبوته التي تعطي لكل تاريخ حياته اعتباراً خاصاً قوياً، وهي رؤيته
الإلهية الخالدة التي رأى فيها السيد الرب جالساً على كرسيه وسمع بأذنه ولأول مرة
في حياة البشر أنشودة التقديس الشاروبيمية كخدمة السمائيين بالقدوس قدوس قدوس رب
الصباؤوت (إش 3:6)، وهذه تمت بحسب قوله في زمن وفاة عزيا الملك. وأمَّا نبوَّته
التي ردد صداها حبقوق ثم بولس الرسول فهي:

+ » لذلك اسمعوا
كلام الرب يا رجال الهُزءِ ولاَةَ هذا الشعب الذي في أُورشليم. لأنكم قلتُم
قد عقدنا عهداً مع الموت (لا نموت) وصنعنا ميثاقاً مع الهاوية (حتى لا تبتلعهم)
… لأننا جعلنا الكذِبَ ملجأَنا وبالغشِّ استترنا، لذلك هكذا يقول السيد الرب ها
أنذا أُؤسِّس في صهيون حجراً، حجر امتحان، حجر زاوية، كريماً أساساً مؤسساً مَنْ
آمن لا يهرب (لا يخزى) … ويمحى عهدكم مع الموت ولا يثبت ميثاقكم مع الهاوية … فالآن
لا تكونوا متهكِّمين
لئلاَّ تُشدَّد رُبطُكُم لأني سمعت فناءً قُضِيَ به مِنْ
قِبَلِ السيد رب الجنود على كل الأرض.
«(إش 28: 14-22)

وبهذا ينكشف لنا المعنى
وراء قول ق. بولس الذي لم يرجع فيه لنص النبوَّة سواء في إشعياء أو في حبقوق،
ولكنه خاطب هو بدوره بني إسرائيل، وكأنه نبي، عن ما سيحيق باليهود الذين أسماهم:
» أيها الرجال
الإخوة بني جنس إبراهيم
« وأعطاهم صيغة الوعيد كحكم صادر عليهم لا محالة بسبب «تهاونهم»
هكذا:
» انظروا أيها الرجال المتهاونون واهلكوا « والتي جاءت في نبوَّة إشعياء » اسمعوا كلام
الرب يا رِجال الهزء
« وأيضاً » لا تكونوا متهكِّمين « أمَّا كلمة «اهلكوا» التي جاءت في عظة ق. بولس فجاءت أصلاً
في نبوَّة إشعياء:
» ويُمحى عهدكم مع الموت «[31])، » ولا يثبت ميثاقكم مع
الهاوية
« وهي تعني أنهم
سيهلكون لا محالة. لذلك اختصرها ق. بولس بقوله «واهلكوا»، لأن إشعياء قالها
في نبوته واضحة مكشوفة أيضاً
» لأني سمعت فناءً قُضِي
به مِنْ قِبَلِ السيد رب الجنود.
«(إش 22:28)

أمَّا قول القديس بولس
عن عمل الله هذا إنه:
» عملاً أعمل في أيامكم
… لا تصدِّقون إن أخبركم أحد به
«(أع 41:13)، فهي نبوَّة واضحة صارخة عن ما خبأ الله به من مصير
لأُورشليم والهيكل والذي تمَّ بل بالحري ابتدأ بعد هذا القول ليس بأكثر من عشرين
سنة أي سنة (66-70م)، حيث خربت أُورشليم وهُدمت أسوارها وأُحرق الهيكل ولم يبق له
أثر على وجه الأرض، وطُرد اليهود من أُورشليم ولم يبقَ فيها أحد، فما قاله إشعياء
وردده حبقوق وكشفه ق. بولس تمَّ بالحرف الواحد:
» انظروا أيها
المتهاونون وتعجَّبوا واهلكوا.
«(أع 41:13)

أمَّا توضيح ق. بولس
لعمل الله الغريب فهو الكارثة التي حدثت للشعب وأُورشليم والهيكل، فقد حدثت بالفعل
في أيام الذين كانوا يسمعون لبولس في أنطاكية بيسيدية:
» عملاً أعمل
في أيامكم
« وحقاً لو كان
الروح قد حدَّد زمن حدوثه أي بعد ذلك اليوم بحوالي عشرين سنة من هذه العظة لمَّا
صدَّقه سامع:
» عملاً لا تصدِّقون إن أخبركم أحد به « وهي مأخوذة أيضاً من روح نبوَّة إشعياء النبي المذكور هنا » يسخط ليفعل
فعله، فعله الغريب، ويعمل عمله، عمله الغريب
«(إش 21:28)، وكما جاءت في نبوَّة حبقوق بنفس المعنى: » لأني عامل
عملاً في أيامكم لا تصدِّقون به إن أخبر به
«

أمَّا هذا العمل العجيب
الذي لا يُصدَّق فهو شقَّان: شق يتبع سخط الله على المتهاونين المتهكمين على وعيد
الله في النبوَّة:
» يسخط ليفعل فعله فعله الغريب « أمَّا الشق الثاني وهذا في الواقع يتبع نبوَّات إشعياء وحبقوق ولا
يتبع قول ق. بولس، فهو ميلاد المسيح أي التجسُّد الذي عبَّر عنه إشعياء للكشف عن
مدى عجبه وغرابته:
» هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه
عمانوئيل
«(إش 14:7). أمَّا
في أيام عظة ق. بولس في أنطاكية فالمسيح كان قد وُلِد وبُشِّر به فهو وإن كان
عملاً عجيباً وغريباً ولكنه قد تمَّ فلم يعد عملاً عجيباً لا يصدَّق إلاَّ عند
المتهكمين والمتهاونين الذين سحبت منهم نعمة التصديق.

والآن لينظر القارئ في
كيف أنهى ق. بولس عظته بهذا التحذير النبوي المرعب بأن مصير الذين يتهاونون
بالكرازة بالمسيح الذي مات وقُبِر وأقامه الله، هو الهلاك حتماً على مستوى اليهود
والرؤساء في إسرائيل، الذين انشغلوا بالكذب وتعويج القضاء وتهكموا على نبوَّة
إشعياء، والمتهاونين الذين تهاونوا في نبوَّة حبقوق ولم يستعدوا بالصوم والصلاة
والتوبة إلى الله بكل القلب حتى يعود الله عن سخطه وغضبه ولا يُرسل الأشوريين أو
الكلدانيين لهلاك الأُمة وتبديد مالها وغناها واسمها وتاريخها المجيد. وما أخطر
إنذارات الله.

 

نجاح الخدمة يثير
النقمة

 

42:13 «وبعدَ ما
خَرَجَ اليهودُ مِنَ المجمعِ جعلَ الأُممُ يطلبونَ إِليهما أَن يُكلِّماهُم بهذا
الكلامِ في السبتِ القادِمِ».

كان ترتيب الدخول
والخروج من المجمع يحتِّم بأولوية اليهود في كل شيء. لهذا بعد أن ختم ق. بولس عظته
خرج اليهود تباعاً وبقي الأتقياء أي الأمميون الذين يواظبون على حضور المجمع،
فكانت فرصة أن يتكلَّموا بحرية مع ق. بولس فترجّوه أن يحضر في السبت القادم
ليتكلَّم عن الإنجيل والبشارة المفرحة.

ولكن الملاحظ أن العظة
أحدثت فرحة واهتماماً شديداً لدى الأمميين، فيكاد ق. بولس في عظته أن يخصّهم بكل
أقواله الإيجابية. وعلى قدر ما تحركت قلوب الأمميين بدعوة الإنجيل لقبول الرب
يسوع، تحركت قلوب اليهود بالحقد والنقمة. ولكن ترجمة نقمتهم إلى مقاومة علنية لم
تحدث إلاَّ بعد عظة السبت الثاني.

ولكن الذين سمعوا لبولس
وتأثروا وانفتحت قلوبهم للإيمان تبعوا ق. بولس بعد خروجه من المجمع وألحُّوا عليه
مزيداً من التعليم الذي أنار قلوبهم، ولكن كان بعضهم يهوداً أيضاً والآخرون من
الأمميين الأتقياء الذين التهبت قلوبهم فطلبوا مزيداً من المعرفة:

+ » وُجد كلامك
فأكلته فكان لي للفرح ولبهجة قلبي.
«(إر 16:15)

ومرَّة
أخرى لكي أُغري القارئ بالإنجيل، أحكي قصة السائح الروسي الذي لمَّا احترق بيته
بفعل أخيه الذي سرق المال الذي للعائلة ثم أشعل النار في البيت ليخفي فعلته، وقفز
السائح الروسي ولم يأخذ شيئاً من حاجته إلاَّ الإنجيل وكان مخطوطاً
لأنه لم تكن حينذاك مطابع ثم أخذ يهتف قد نجا الإنجيل، قد نجا
الإنجيل، إذ كان الإنجيل عنده أثمن من كل ملكه. والذي انفتح قلبه للإنجيل قادر إن
لزم الأمر أن يشعل هو بنفسه النار في كل ما يملك وكفى بالإنجيل، لأن فيه ملكوت
الله فإن طلبناه ازدادت لنا كل الأشياء …

وهل يَعقِل إنسان أي
إنسان أن اليهودي يمكن أن يترك ماله وعياله وأهله ووطنه وأرضه وعشيرته ويصير عبداً
ليسوع المسيح، لا مقرَّ له ولا مبيت ولا كيس ولا مزود ولا بيت ولا أهل حبًّا في
الإنجيل؟ وصاحب الإنجيل!! لقد قال أهل تسالونيكي الأشرار قولاً صدقاً في بولس
وبرنابا:
» إن هؤلاء الذين فتنوا المسكونة حضروا إلى ههنا أيضاً «(أع 6:17). ومرَّة أخرى أهل أفسس: » وأنتم
تنظرون وتسمعون أنه ليس من أفسس فقط بل من جميع أسِيَّا تقريباً استمال
وأزاغ (هكذا) بولس هذا جمعاً كثيراً قائلاً إن التي تُصنع بالأيادي ليست آلهة.
«(أع 26:19)

آه! إنه الإنجيل
صنَّارة القلوب التي إذا اشتبكت به ما عادت إلى نفسها قط ولا عادت نفسها لها:
» فأحيا لا
أنا بل المسيح يحيا فيَّ
«(غل 20:2)، » ولكن بنعمة الله أنا ما
أنا ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة بل أنا تعبت أكثر منهم جميعهم. ولكن لا أنا بل
نعمة الله التي معي
«(1كو
10:15)،
» في ذلك اليوم تعلمون إني أنا في أبي وأنتم فيَّ وأنا فيكم «(يو 20:14). هو امتلاك مزدوج!! يقضي على كل ما كان للإنسان من
أوهام الدنيا قضاءً مبرماً فلا يبقى للإنسان إلاَّ وجه ربك ذي النعم.

43:13 «ولمَّا
انفضَّت الجماعَةُ تَبِعَ كثيرونَ مِنَ اليهودِ والدُّخلاءِ المُتعبِّدينَ بولُس
وبَرنابا اللَّذينِ كانا يُكلِّمانِهِم ويَقنِعانِهِم أَن يثبتوا في نِعمَةِ
الله».

«ولمَّا
انفضَّت الجماعة»:
luqe…shj tÁj sunagwgÁj

يقرأها العالِم وستكوت
مع زميله هورت([32])
بمعنى “طُرِدَتْ”، وليس مجرد “انفضَّت” ويعززان ذلك بأن رؤساء المجمع إذ
سمعوا عظة ق. بولس أحسُّوا بخطورتها على العبادة اليهودية وعلى الناموس، بل على
اليهود، فأمروا في الحال بانفضاض الجماعة بنوع من إخلاء المجمع بالأمر “كأمر
تحفُّظي”([33]).
وهذا بدوره يفيد لماذا تجمهر اليهود والأمميون معاً الذين تأثروا بالبشارة المفرحة
وبالخلاص الذي عرضه عليهم ق. بولس بقيامة الرب من الأموات، كل  هذا كان على مستوى
الإقناع الروحي الطاغي.

ولمَّا وجد ق. بولس
هؤلاء اليهود المنضمين إلى الإيمان وجماعة الأتقياء الأمميين المتعلقين بهما، ظل
معهم يعلِّمهم بقية الأمور المختصة بالخلاص والإيمان ويعطيهم من الآيات والمعجزات
التي حدثت ما يزيد اقتناعهم وثباتهم في النعمة التي افتقدتهم. وهكذا تمَّ فيهم
القول الإلهي:
» قد جعلت قدَّامك الحياة والموت … فاختر الحياة لكي تحيا. «(تث 19:30)

فماذا عسانا أن نصنع
أيها الإخوة والإيمان مطروح أمامنا ليل نهار، والعظات نسمعها ونقرأها كل يوم،
والإنجيل ينادي به على كل منبر وفي كل بيت. أخاف لئلاَّ من كثرة السمع ودوام
القراءة نكون قد فقدنا القدرة على الاشتعال بحب الإنجيل الذي هو وحده قادر أن يلهب
الفكر والقلب ويشعل نار الروح في ذبيحة حياتنا:

+ » ليتك كنت
بارداً أو حاراً. هكذا لأنك فاتر ولست بارداً ولا حاراً أنا مزمع أن أتقيأك من
فمي. لأنك تقول إني أنا غني (بالمعرفة) وقد استغنيتُ (قراءةً وتعليماً ووعظاً
وخدمةً يشار إليها بالبنان) ولا حاجة لي إلى شيء ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس
وفقير وأعمى وعريان …
«(رؤ 3: 1517)

44:13و45 «وفي
السبتِ التالي اجتَمَعَت كلُّ المدينَةِ تقريباً لتَسمَعَ كَلِمَةَ الله. فلمَّا
رأَى اليهودُ الجمُوعَ امتلأُوا غيرَةً وجَعَلُوا يُقَاومُونَ ما قالهُ بولُس
مُنَاقضِينَ ومجدِّفينَ».

واضح أن الدخلاء
الأمميين أذاعوا خبر البشارة المفرحة وتكلَّموا مع أقاربهم وأصدقائهم في كل بيت
وفي كل مكان
» تقريباً «عن ق. بولس وعن العظة
التي سلبت قلبهم وفكرهم عن يسوع قاهر الموت ومعطي الحياة، غافر الخطايا ومانح
العطايا. فمن ذا الذي لا يأتي إلى المجمع بل ويجري ليكون مع السابقين، وهكذا
تجمهرت المدينة بمنظر عجيب ومثير يفرِّح قلب الله والسماء.

ولكن لمَّا رأى اليهود
الجموع تتقاطر إلى المجمع خيَّم على عقلهم شيطان الظلمة الذي أقنع الرؤساء والشعب
يوماً أن يصرخوا لدى بيلاطس اصلبه اصلبه.

وبينما يقول هو كحاكم
والقاضي من قبل روما وبمقتضى القانون الروماني المشهور بمنتهى دقته:
» إني لم أجد
فيه علة واحدة تستوجب الموت
« وقالها مرات ثلاث، صرخوا هم بالأكثر » اصلبه اصلبه « ولكنه شيطان الحسد الذي اكتشفه القاضي الروماني: » لأنه علم
أنهم أسلموه حسداً
«(مت
18:27). وها هو شيطان الحسد عينه يركب رؤساء مجمع أنطاكية بيسيدية إذ رأوا
المدينة كلها مجتمعة تطلب أن تسمع كلمة الخلاص، فلم يطيقوا لا خوفاً على عبادة ولا
حفاظاً على صدق معرفة أو تعليم، ولكن خوفاً على مناصبهم ومجدهم ورزقهم بإحساس من
صغر النفس بسبب طغيان نور المسيح، لأنهم أحبوا الظلمة أكثر من النور لئلاَّ تفتضح
أعمالهم.

«وجعلوا
يقاومون مناقضين ومجدِّفين»:

أمَّا المقاومة فهي من
صنع سلطانهم، وأمَّا المناقضة فهي باستخدام أسفار العهد القديم للتدليل على كذب
المسيح وعلى ضلالة تعليمه بأقوال منمَّقة ومدعَّمة من موسى والأنبياء والمزامير
التي كُتبت أصلاً لتعلن عن صدقه وتشهد لقداسته وتحدد أيامه وعلامات مجيئه. أمَّا
التجديف فإذ جدَّفوا على الحق جدَّفوا على المسيح، وإذ جدَّفوا على المسيح جدَّفوا
على الله باسم الله والدين.

وها هو ق. بولس نفسه
لمَّا كان شاول، وكان واحداً منهم، يفضح خبايا هؤلاء الرؤساء والمترئسين على الشعب
اليهودي الساذج
» وفي كل المجامع كنت أعاقبهم (المسيحيين) مراراً كثيرة وأضطرهم
للتجديف
«(أع 11:26). ويعترف
ق. بولس بصناعته اليهودية المحببة التي كان يمتهنها كيهودي غيور مرموق:
» أنا الذي
كنت قبلاً مجدِّفاً ومضطهداً ومفترياً
ولكنني رُحمت لأني فعلت
بجهل في عدم إيمان
«(1تي
13:1). وهكذا يكشف ق. بولس أن كل تجديف يصحبه افتراء وجهالة وعدم إيمان معاً، يا
للهول!!

46:13 «فجاهرَ
بُولُس وبَرنابا وقالا كانَ يَجِبُ أَن تُكَلَّمُوا أَنتُم أَولاً بكلمةِ الله
ولكنْ إِذ دَفَعتُمُوها عنكُم وحَكَمتُم أَنكم غيرُ مستحقِّينَ للحياةِ
الأَبديَّةِ هوذا نتوجَّه إلى الأُممِ».

هنا ق. بولس الرسول
يعرض أحد المبادئ الهامة التي وضعها أمام عينيه منذ أن آمن وعرف المسيح وقَبِلَ
الرسولية وخرج إلى الكرازة، أنه ألزم نفسه وحتَّم أن يعرض البشارة المفرحة على
اليهود أولاً لأنهم هم الوارثون الشرعيون للوعد بالمسيَّا والخلاص والحياة
الأبدية. ولم يستحدث القديس بولس هذا المبدأ بل هو رسولي تماماً، بل هو من واقع
روح كل الأسفار القديمة وكل النبوات. وهو أيضاً بدء الإنجيل:

+ »
الآن
تطلق عبدَك يا سيِّدُ حسب قولِك بسلامٍ لأن عينيَّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددتَه
قدَّام وجهِ جميعِ الشعوبِ نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل.

«
(لو 2: 29-32)

وسمعان الشيخ هنا
قَلَبَ الوضع الأصلي للقول الإلهي، فهو نبوَّة جاءت أولاً على فم إشعياء النبي:

+ » أنا الرب قد
دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب ونوراً للأمم.
«(إش 6:42)

وتأكيداً لنفس المبدأ
جاء على فم إشعياء أيضاً:

+
» والآن قال الرب جابلي من
البطن عبداً له لإرجاع يعقوب إليه فينضمُّ إليه إسرائيل فأتمجَّد في عينيِ الرب
وإلهي يصير قوَّتي. فقال قليل أن تكون لي عبداً لإقامة أسباط يعقوب وردِّ
محفوظي إسرائيل. فقد جعلتك نوراً للأُمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض
.
«(إش
49: 5و6)

ومبدأ البشارة لليهودي
أولاً ثم الأممي مبدأ متمكن من ق. بولس الرسول لأنه فرِّيسي دارس التوارة ومتيقن
أن
» الخلاص هو من اليهود «(يو 22:4)، فاليهود أحق أولاً بالخلاص:

+ » لأني لست
أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل مَنْ يؤمن لليهودي أولاً ثم
لليوناني.
«(رو 16:1)

+ » فأقول
ألعلهم عثروا لكي يسقطوا. حاشا. بل بزلتهم صار الخلاص للأمم لإغارتهم.
«(رو رو 11:11)

+ » وإذ كانوا
يقومون ويجدِّفون نفض ثيابه وقال لهم دمكم على رؤوسكم. أنا بريء. من الآن أذهب إلى
الأُمم.
«(أع 6:18)

والمعروف لدى العلماء
أن سفر أعمال الرسل يؤكِّد أساساً على مبدأ أن الكرازة لليهود أولاً، فإذا رفضوها
يُرسل الخلاص للأمم:

+ » لئلاَّ
يبصروا بأعينهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم. فليكن معلوماً
عندكم أن خلاص الله قد أُرسل إلى الأُمم وهم سيسمعون.
«(أع 28: 27و28)

والعجيب
أن تأتي هذه الآية في آخر الأصحاح الثامن والعشرين وهو آخر الأصحاحات
كتأكيد للمبدأ الإلهي الأساسي أن الخلاص مُرسل لليهود أولاً فإن سدوا
آذانهم عنه فالأمم تسمعه وتقبله.

«غير
مستحقين للحياة الأبدية»:

كيف عرف ق. بولس أنهم
غير مستحقين  للحياة الأبدية؟

بل وسجَّل عليهم أنهم
هم أنفسهم حكموا على أنفسهم أنهم غير مستحقين للحياة الأبدية؟

عزيزي القارئ، إن هذا
الأمر خطير للغاية وهو يخصّنا بالدرجة الأُولى فأنا خائف جداً لئلاَّ نكون قد
حكمنا على أنفسنا أننا غير مستحقين للحياة الأبدية.

وللإجابة على هذا يلزم
أن نعرف أولاً ما هي الحياة الأبدية.

ما هي الحياة الأبدية؟

افهم يا أخي القارئ
وليت الرب يعطيك فهماً. إننا نحيا الآن حياة العالم، حياة الجسد وحياة العالم
زمنية تُعَدُّ بالسنين والأيام والساعات والدقائق، فانظر إلى الساعة كيف تعبر من
دقيقة إلى دقيقة في طرفة عين!! وهكذا ينتهي اليوم والسنة والعمر، فالحياة الحاضرة،
حياة هذا الدهر، حياة تنتهي بالموت.

شكراً لله بربنا يسوع
المسيح الذي تجسَّد وأخذ جسدنا لنفسه وعاش به في العالم وأكمل في عالم الأيام
والساعات والثواني ثلاثة وثلاثين سنة، ومات وظل ميتاً في القبر ثلاثة أيام بالحساب
اليهودي: (من الغروب إلى الغروب يُحسب يوماً، فهو صُلب يوم الجمعة ظهراً أو بعد
الظهر فهذا يُحسب يوماً حتى الغروب. ثم دخل يوم السبت حتى الغروب، وهذا يُحسب
يوماً. ثم دخل يوم الأحد وقام في فجر الأحد. إذن، هذا قد حُسب يوماً. وهكذا أمضى
ثلاثة أيام في القبر). نقول إنه قام من الأموات في اليوم الثالث. قام وعاش مرَّة
أخرى، قام حيًّا وأظهر نفسه وجسده وجروحه لتلاميذه وعاش معهم يُرى أحيانا ولا يُرى
إلاَّ للذين اختارهم.

افهم يا عزيزي القارئ
أن هذه الحياة الأخرى([34])
التي دخلها المسيح بالقيامة من الأموات هي الحياة الأبدية، لأنها حياة دائمة
لا يقوى عليها الموت قط. وهي ليست من نوع حياتنا الجسدية التي في العالم وتحت ربقة
الزمن والتغيير، بل حياة تخلو من الحزن والكآبة والتنهد وأي ظلمة من أي نوع فهي
حياة في نور الله مع قديسيه.

لذلك كل مَنْ يؤمن
بالقيامة وكل مَنْ قام مع المسيح الآن هو يحيا مع المسيح الحياة الأبدية.
ولكن بسبب الجسد الواقع تحت الآلام والزمن والتغيير فإننا لا نستطيع أن نُدرك
طبيعتها تماماً فنحن نعيشها بالروح فقط بالإيمان وبالحب الإلهي الذي يرفعنا فوق
الجسد والعالم وهمومه ولكن يصعب جداً أن ندركها بعقولنا.

لذلك كل مَنْ آمن
بالمسيح وآمن بموته وقيامته يكون قد حكم على نفسه بنفسه أنه مستحق الحياة الأبدية
بل هو يحياها بالسرّ!!

وكل مَنْ شك في المسيح
وشك في موته وفي قيامته أو رفضها يكون قد حكم على نفسه بنفسه أنه غير مستحق للحياة
الأبدية:

+ » ثم قال
لعبيده أمَّا العُرس فمستعد (الحياة الأبدية بقيامة المسيح من
الأموات) وأمَّا المدعوون فلم يكونوا مستحقين.
«(مت 8:22)

اليهود قاوموا تعليم ق.
بولس عن المسيَّا الذي أتى، وأنكروا أن صلبه كان بيد رؤساء الكهنة، واعتبروا أن
المسيح كان مستحقاً للموت لأنه كان خاطئاً، وأنه لم يقم من بين الأموات أي رفضوا
موته الخلاصي وقيامته للحياة الأخرى، وبالتالي رفضوا الحياة الأبدية التي افتتحها
بقيامته من الأموات:

+ » الذي يؤمن
بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله.
«(يو 36:3)

والآن احكم يا عزيزي
القارئ هل أنت مستحق للحياة الأبدية؟

بل هل تحيا هذا السر
الإلهي وتسبِّح له في قلبك وروحك؟

+
» فإن كنتم قد قمتم مع
المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله.
«(كو 1:3)

47:13 «لأن
هكذا أَوصَانَا الربُّ، قد أَقَمتُكَ نُوراً للأُممِ  لتكونَ أَنتَ خلاصاً إِلى
أَقصىَ الأَرضِ».

أمَّا الآية التي
اختارها هنا ق. بولس الرسول فهي لإشعياء النبي:

+ » قد جعلتك
نوراً للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض.
«(إش 6:49)

فهذه الآية تحتاج إلى
رؤية متسعة لمفردات الإنجيل لأنها حصيلة آيتين الأُولى تختص بالمسيح:
» ثم كلَّمهم
يسوع أيضاً قائلاً أنا هو نور العالم
«(يو 12:8)، والثانية تختص برسله وتلاميذه: » أنتم نور
العالم
«(مت 14:5). وهكذا
نور المسيح حَمَلَه تلاميذه لينيروا به الأُمم إلى أقصى الأرض.

لذلك اعتبرها ق. بولس
الرسول وصية الرب أن يكونوا خلاصاً إلى أقصى الأرض حاملين نور المسيح لكل الأُمم
حينما قال لرسله:
» أنتم نور العالم. «(مت 14:5)

لقد كانوا بالفعل
وق. بولس أشدهم حاملي نور المسيح كشعلة إلهية تضيء في ظلام العالم
الوثني، لقد سلموا المسيح
» نور العالم «(يو 12:8)، كقصد المسيح لكل إنسان جاء
إلى العالم فامتد بهم الخلاص ولا يزال يمتد إلى أقصى الأرض. وهكذا فإن حرفاً
واحداً من كلمات وعد الله للمسيح ووعد المسيح لتلاميذه لم يسقط بل نفذت كلمات الله
كسهام من نور تضيء للأجيال وللشعوب ولا تزال:
» ما دمت في
العالم فأنا نور العالم.
«(يو 5:9) = » وها أنا معكم كل الأيام
إلى انقضاء الدهر.
«(مت
20:28)

48:13 «فلمَّا
سَمِعَ الأُمم ذلِكَ كانُوا يَفرَحُونَ ويمجِّدُونَ كَلِمَة الربِّ، وآمن جميعُ
الذينَ كانوا معيَّنينَ للحياةِ الأَبديَّةِ».

فلمَّا سمع ذلك اليهود
امتلأوا غيرة وحسداً  وجعلوا يقاومون ويجدِّفون، ولمَّا سمع ذلك الأُمم كانوا
يفرحون ويمجِّدون كلمة الرب.

هذا حقيقي وواقعي لأن
الذي سمعوه هي الأخبار المفرحة، هي “الإنجيل” أي البشارة بالقيامة من
الأموات للخلاص والحياة الأبدية. كيف لا يفرحون إن كانوا قد صدَّقوا الكلمة وآمنوا
بالخبر؟
» إن  آمنتِ ترين مجد الله «(يو 4:11). فكيف لا يمجِّدون كلمة الرب وقد آمنوا بالكلمة؟ لأن
الذي يؤمن حقاً تنفتح له الرؤيا فيرى مجد الله فكيف لا يمجِّد؟ إنه ليس انفعالاً
شخصيًّا وفرديًّا بل هو قانون الإنجيل:
» لأنك إن
اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت.
«(رو 9:10). وهنا الخلاص حالة واقعة والذي بلغ الخلاص بلغ قمة الفرح
ولن يكف لسانه عن تمجيد الله. لذلك فالذين أُنيروا بالإنجيل وقبلوا دعوة الخلاص
صار الفرح الدائم والتمجيد الدائم يلازم حياتهم.

لذلك فالقديس  لوقا
يسجِّل هنا بأمانة ما سمعه من شهود عيان فهي حالة حقيقية وصادقة، أي الفرح
والتمجيد معاً، لكل مَنْ يؤمن بالمسيح ويقبل القيامة من الأموات.

«وآمن جميع
الذين كانوا معيَّنين للحياة الأبدية»:

وهذه أيضاً تأتي
تصديقاً لوصف حالة الأمميين الذين كانوا يفرحون ويمجِّدون كلمة الله. ولكن في
الحقيقة كان ينبغي أن يذكر أنهم آمنوا قبل أن يذكر أنهم يفرحون ويمجدون لأن
الثانية علة للأولى، أي الإيمان علة الفرح، ولكن يشاء الله أن يؤخِّر ق. لوقا
الإيمان ويقدِّم الفرح ليظهر صدق الواقع أكثر من التسجيل المنطقي.

«معيَّنين
للحياة الأبدية»:

جاءت هنا كلمة » معيَّنين «باليونانية tetagmšnoi وهي تفيد بالأكثر مسجلين أو “مكتوبين enrolled = inscribed”.

وقد جاءت هذه الكلمة في
دانيال 13:6:
» ألَمْ تُمْضِ (œtaxaj = تقرر)
أيها الملك …
«بمعنى القرار الملكي.
ونفس المعنى جاء في (لو 20:10):
» ولكن لا تفرحوا  بهذا
أن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كُتِبَت في السموات
«

كذلك يأتي نفس المعنى: » نعم أسألك
أنت أيضاً يا شريكي المخلص، ساعد هاتين اللتين جاهدتا معي في الإنجيل مع اكليمندس
أيضاً وباقي العاملين معي، الذين أسماؤهم في سفر الحياة
™n b…blJ zwÁj
«
(في 3:4). والمضمون أن
اسمهم مكتوب في كتاب الحياة:
» فيسجد له جميع الساكنين
على الأرض الذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر حياة
™n tù bibl…J tÁj zwÁj الخروف
الذي ذُبح. «(رؤ 8:13)

ولعل
أول مَنْ نطق بهذا التعبير هو موسى النبي:
» والآن إن غفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني من كتابك الذي كتبت. «(خر
32:32)

وهنا المعنى إذ نستعيره
من موسى والآباء نفهم أن الله كتب كتاباً فيه أسماء الذين تعيَّنوا للحياة
دعاه موسى
» كتابك « ودعاه الروح في سفر الرؤيا «سفر حياة الخروف»، ودعاه ق.
بولس في رسالته إلى فيلبي «سفر الحياة» (في 3:4)، وحدده الروح أيضاً في سفر
الرؤيا بأنه كتب «منذ تأسيس العالم».

هنا مفهوم سبق المعرفة
لله هو الذي يُكْنَى عنه بسبق التعيين وسبق الكتابة ومنذ تأسيس
العالم. فإيماننا بالمسيح ابنه معروف لديه منذ تأسيس العالم ومعرفة الله الكلية
الشاملة هي المُكْنَى عنها بالسفر والكتابة، لأن فائدة السفر وفائدة الكتاب أنه
يحتفظ بالمعرفة تجاه الزمن، ومعرفة الله محفوظة دون تسجيل لا يمسها الزمن. فالآن
الذي يؤمن بالمسيح وينال الحياة الأبدية يعتبر حدثاً جديداً زمنياً كان غير موجود
في سجلات الكنيسة فوُجِد وكُتب. ولكن لا يعتبر حدثاً جديداً على ذاكرة الله وعلمه،
فهو موجود لأن في معرفة الله وعلمه لا يستحدث شيء زمني قط. فأعمالنا كلها معروفة
عنده قبل أن نولد ولكن لا يفرضها علينا لأننا بالنهاية نحن مسئولون أمامه عنها
فكيف يفرضها علينا؟ لأنه إن كنَّا سنقف حتماً أمام كرسي الديَّان لنعطي جواباً عن
كل ما صنعنا وقلنا لذلك تحتَّم أن يؤمِّن لنا حريتنا لنعمل باختيارنا. فإن آمنا
بالمسيح وقبلنا الحياة الأبدية فهذا معروف عنده وحسب، ولكن دون أن يؤثر على
تفكيرنا أو حريتنا، إذ يتحتم لكي ننال الخلاص أن نؤمن به بمنتهى حريتنا ورضانا بل
ومسرتنا الكاملة.

لأن حينما يسبق الله
ويعرف أننا سنؤمن به ونحبه، يُبقي هذا أمامه في معرفته، ليعاملنا بعد ذلك كبنين،
وهذا ما عبَّر عنه ق. بولس الرسول هكذا:
» لأن الذين
سبق فعرفهم (أنهم سيؤمنون به ويقبلونه) سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه
«(رو 29:8). أي أن الله الذي سبق فعرف  أنهم سيؤمنون بابنه، هيأ لهم
كل الظروف ليصيروا مشابهين لصورة ابنه.

والذين سبق فعينهم
ليكونوا مشابهين لصورة ابنه، هؤلاء في الميعاد المحدد والمناسب دعاهم لخدمته.

والذين دعاهم لخدمته
وهبهم برّه الشخصي أي امتياز النعمة والقداسة والمواهب اللائقة بالبنوَّة لتكميل
صورة ابنه فيهم وتكميل الخدمة.

والذين برَّرهم مجدهم
بمجد البنوَّة. وهكذا صار المسيح بكراً بين إخوة مشابهين له في كل شيء، حتى
المجد!!

كل هذا السلم المتدرِّج
في المواهب إنما نحن نكون قد بدأناه بالإيمان بحرية إرادتنا وحرية اختيارنا
كاستجابة لدعوة الله وصوت النعمة.

وفي المقابل الحزين
المُبـْكي يقول الله على فم أنبيائه الذي ردَّده ق. يوحنا في إنجيله:

+ » ومع أنه كان
قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به، ليتم قول إشعياء النبي الذي قاله يا
رب من صدَّق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب. لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا لأن
إشعياء قال أيضا قد أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلاَّ يبصروا بعيونهم
ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم.
«(يو 12: 3740)

والمعنى واضح وهو عكس
الذي “سبق فعرف أنهم سيؤمنون به”.

فهنا سبق الله فعرف
أنهم لن يؤمنوا بابنه، لذلك أعطاهم عيوناً لا تبصر وقلوباً  لا تشعر حتى
يفوِّت عليهم فرص الرجوع لأن إيمانهم سيكون كاذباً وللمقاومة وليس للبناء.

وبالنهاية يتضح أن عمل
الله تجاهنا بمقتضى سبق معرفته يتطابق تماماً مع أعمالنا ونياتنا، فإن كنَّا سنؤمن
به يعطينا فرصاً أكثر، وإن كنَّا سننكره يحرمنا من كل مؤهلات الإيمان سمعاً ونظراً
وشعوراً قلبياً، ويا للهول.

فالله يعرض علينا نفسه
فقط مع توسُّل أن نقبله ثم يتركنا لنختار بين العالم وبينه، بين ملذاتنا وشهواتنا
وعبادته. وبين ذواتنا ومجدها وبين صليبه وعاره:
» قد جعلت
قدَّامك الحياة والموت … فاختر الحياة لكي تحيا
«(تث 19:30). فلمَّا رفضه شعب إسرائيل لم يكن لهم عذر البتة لأنه
يقول عنهم:
» طول النهار بسطت يديَّ إلى شعب معاند ومقاوم «(رو 21:10، إش 2:65)، » أعطوا القفا لا الوجه «(إر 24:7). هذا كله يوضِّح أنه أعطاهم فرصاً عديدة للإيمان ولكنهم
رفضوه:
» رفضوني أنا الحبيب مثل ميت مرذول. «(مز 21:37 بحسب النسخة القبطية)

أمَّا الذين عرف أنهم
سيحبونه ويلقون بأنفسهم عليه ويبيعونها له ويتبعونه من كل قلوبهم ويفرِّطون في
حياتهم من أجله حتى الموت فلهؤلاء يقول:

+ » قبلما
صوَّرتك في البطن عرفتك وقبلما خرجتَ من الرحم قدَّستك. جعلتك نبيًّا للشعوب …
لأني أنا معك لأنقذك يقول الرب. ومدَّ الرب يده ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت
كلامي في فمك.
«(إر 1: 5و8و9)

‎فهنا ربما يخطر في
قلبك أيها القارئ أن هذه محاباة لإرميا. لا، ليست محاباة، لأن إرميا هذا تعذَّب
وكان يمكن له النجاة إن هو خان النبوَّة أو غيَّر فيها وتنازل عن شيء منها
استرضاءً لشرِّهم، ولكن إرميا قَبِلَ التعذيب ولم يقبل أن يغيِّر حرفاً واحداً
منها، رضي أن يُسفك دمه ولا يخون وصية إلهه!!

+ »
فتكلَّم
الكهنة والأنبياء مع الرؤساء وكل الشعب قائلين حق الموت على هذا الرجل (إرميا)
لأنه قد تنبأ على هذه المدينة (بالخراب) كما سمعتم بآذانكم. فكلَّم إرميا كل
الرؤساء وكل الشعب قائلاً: الرب أرسلني لأتنبأ على هذا البيت وعلى هذه المدينة بكل
الكلام الذي سمعتموه … أمَّا أنا فهأنذا بيدكم اصنعوا بي كما هو حسن ومستقيم في
أعينكم. لكن اعلموا علماً إنكم إن قتلتموني
تجعلون دماً زكيًّا على أنفسكم وعلى هذه المدينة وعلى
سكانها لأنه حقاً قد
أرسلني الرب إليكم لأتكلَّم في آذانكم بكل هذا الكلام.
«(إر 26: 1115)

فلماذا لا يقدِّسه الرب
قبل أن يخرج من الرحم؟

عزيزي القارئ، إن
إيماننا بالمسيح وتمسُّكنا بوصاياه حتى الموت وحبنا له من كل القلب هو الذي يسبق
ويعطيه الحق والفرصة لكي يحابينا ويقدِّسنا لنفسه من البطن ويسبق ويعيِّننا للحياة
الأبدية ويسبق ويكتب أسماءنا في سفر الحياة وقبل تأسيس العالم.

ثم كلمة أخيرة: لا تخلط
بين الزمن والخلود. فالخلود يحتوي الزمن كنقطة في بحر. فإيمانك وعملك اليوم منظور
لدى الله ومعروف قبل أن تولد. فبناء على ما تقوله وتعمله اليوم سبق الله ورآه وخطط مصيرك بمقتضاه. فعملك اليوم هو الذي أعطى
الله الفرصة ليقرر محاباتك قبل أن
تولد.

لا تخلط بين الزمن
والخلود. فالزمن غير موجود لديه، فصفحة أعمالك مقروءة عنده قبل أن تولد لأن ليس
عند الله أمس واليوم، الكل مكشوف وعريان أمامه. وإليك المثل: فالمعمدان عُرف شخصه
وعُرفت أعماله عند الله وسرّ بها الله وبالفعل جاء المعمدان كما قرره الله تماماً.
وظهرت أخلاقه وأعماله وشجاعته كما سبق وعرفت عنه قديماً في شخص إيليا، ولكن سبق
معرفة الله عن المعمدان لم تصنع المعمدان بل المعمدان هو الذي صنع كل ما سبق وعُرف
عنه من الأعمال والأخلاق، لذلك مَدَحَهُ المسيح أنه أعظم من نبي ولم يقم من بين
المولودين من النساء مَنْ هو أعظم منه بسبب قوته الأخلاقية وشجاعته وتتميمه كل
أوامر الله بكل دقة وبلا خوف، وبَّخ الكهنة والكتبة والفرِّيسيين والملوك بلا حذر
ولا خوف حتى من تهديد بالموت، وبالفعل قتلوه.

وفي المقابل نجد يهوذا
التلميذ الذي باع المسيح، كيف أن المسيح أعلن جهاراً أنه يعرفه وقال عنه إن
التلاميذ كلهم أطهار ما عداه هو (يو 13: 10و11). هذا رأى المسيح وشاهد أعماله
ومعجزاته كلها ولكن لأنه لم يؤمن بالمسيح سبق الله وعرف ذلك فأعطاه عيناً تبصر
كالتلاميذ ولا تبصر كاليهود، وأُذناً تسمع كالتلاميذ ولا تسمع كرؤساء الكهنة، وزاد
على ذلك فأعطاه قلباً لا يحس ولا يشعر. هذا خان معلِّمه وسيده وباعه بثلاثين من
الفضة بالرغم من أنه رافق المسيح كل أيام حياته كتلميذ، أي أوتي أعظم فرص الإيمان
ولكن لأن الله سبق وعرف أنه لن يؤمن به سحب منه نعمته، وهكذا نرى أن سبق علم الله
له لم يمنعه من أن يخون ولا أثر في حرية اختياره فاختار الظلمة بإرادته وجحد النور
بحريته.

فالقديس  يوحنا
المعمدان سبق وتعيَّن في سفر الحياة الأبدية ويهوذا بالمقابل سبق ومُحي اسمه من
سفر الحياة وهذا بمقتضى قبول الأول الإيمان بالمسيح ورفض الثاني له.

لذلك نسمع بكل وضوح قول
الرب:
» إيمانُكِ قد خلَّصكِ. اذهبي بسلام «(لو 50:7)، كما نسمع في المقابل بكل وضوح أيضاً: » ومع أنه كان
قد صنع أمامهم آياتٍ هذا عددُها لم يؤمنوا به
«(يو 37:12)، » اثنتان تطحنان على
الرَّحَى. تؤخذُ الواحدةُ وتترك الأُخرى
«(مت 41:24) الأُولى أوفت كل ما عليها والثانية أهملت وما عملت.

يا إخوة نحن الآن في
زمان العمل وحتماً سينتهي الزمن.

والمسيح عبَّر عن الذين
سينالون الحياة الأبدية بأنهم تأهلوا لها حيث التأهيل يحتاج إلى مطابقة كاملة
لمواصفات مفروضة كل مَنْ يستوفيها يتأهل لنوال مجدها:

+ » ولكن الذين
حُسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات … هم أبناء الله، إذ هم
أبناء القيامة.
«(لو 20: 35و36)

هنا قول المسيح عن
الذين
» حُسِبُوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة «هو بمقتضى
سبق علم الله، لذلك اعتبرهم رسمياً أبناءه:
» هم أبناء
القيامة
«(لو 36:20)، ولأنهم
آمنوا بالقيامة فورثوها:
» إذ هم أبناء القيامة «(لو 36:20)، لأنهم حسب قول ق. بطرس: » الذي حسب
رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات
«(1بط 3:1). فإن كنَّا قد وُلِدنا ثانية بالقيامة من الأموات فنحن «أبناء
القيامة»
بالدرجة الأُولى.

هنا تطابق كلي وبديع
بين سبق علم الله واختيار الإنسان الحر للإيمان بالمسيح والقيامة.

لذلك يعلِّق ق. يوحنا
ذهبي الفم على القول:
» وآمن جميع الذين كانوا
معيَّنين للحياة الأبدية
«(أع 48:13) بكلمة واحدة مختصرة للغاية إذ يقول: [ليس عن اضطرار] أي
أنهم معيَّنون أو مكتوبون، ليس حتماً أي ليس كأنه أمر صدر من الله، ولكنه بمقتضى
اختيارهم وحريتهم آمنوا.

49:13 «وانتشَرَتْ
كلمةُ الربِّ في كُلِّ الكُورَةِ».

يؤكد العالِم رامزي أن
كلمة “الكورة” هنا تفيد “الإقليم” وليس “القرية” وهو إقليم فريجية وغلاطية حيث أتت
بوضوح في موضع آخر:
» وبعدما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية منعهم
الروح القدس أن يتكلَّموا بالكلمة في أسِيَّا.
«(أع 6:16)

ولاحِظ أن كلمة
“انتشرت” لا تفيد عمل كرازة بولس وبرنابا فقط بل تفيد نشاط المؤمنين أنفسهم في نقل
الرسالة إلى كل أقاربهم وأصدقائهم. فهنا تلميح واضح إلى عمل الروح القدس في إشعال
نهضة روحية وسط الشعب امتدت بسرعة إلى كل الأقاليم:

+ » الروح
والعروس (الكنيسة) يقولان تعال ومَنْ يسمع، فليقل تعال.
«(رؤ 17:22)

50:13 «ولكنَّ
اليهودَ حرَّكُوا النِساءَ المُتعبِداتِ الشرِيفَاتِ ووجُوهَ المدينةِ وأَثارُوا
اضطهاداً على بولُسَ وبرنابا وأَخرجُوهما من تخومِهِم».

كان
من الصعب على اليهود أن يمنعوا القديس بولس والقديس برنابا من الوعظ والخدمة
والمناداة بالإنجيل في بلد رومانية تُحكم بقوانين قيصر ووسط شعب أممي حرّ. ولكن
كان لليهود سلطان غير مباشر على نساء الرجال الرؤساء الأمميين الذين يحضر البعض
منهم العبادة في المجمع اليهودي بنوع من التقوى والورع. فاليهود من وراء الستار
أثاروا هاته النسوة لكي يؤثرن على أزواجهن وبالفعل نظموا حملة لطرد بولس وبرنابا
ونجحوا في ذلك بواسطة الشيطان الذي لا يطيق إذاعة كلمة الحق والحياة. وطبعاً
استصدروا أمراً محليًّا من السلطات الرومانية بأي حجة وضعوها لطردهما من المدينة.

51:13 «أمَّا هُما
فنفَضَا غُبارَ أَرجُلهِما عليهم وأَتيَا إلى إيقونيةَ».

هي إحدى وصايا الرب
التي قالها تعبيراً عن إنذار سماوي بالعقاب:

+ » ومَنْ لا
يقبلكم ولا يسمع كلامكم فاخرجوا خارجاً من ذلك البيت او من تلك المدينة  وانفضوا
غبار أرجلكم. الحق أقول لكم ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة أكثر احتمالاً
مما لتلك المدينة.
«(مت
10: 14و15)

أمَّا نفض الغبار من
أرجلهم فهو يعني أنهم أصبحوا غير مسئولين عن هذه المدينة تمهيداً لعقاب من السماء
وشيك الوقوع. ولكن ليس جزافاً وإنما بشرط واحد وحيد هو أن يكون البيت أو تكون
المدينة قد رفضت قبول دعوة الإيمان بالمخلِّص عن وعي وعمد بأن منعوا الكارز
وسدُّوا آذانهم عن الكرازة.

«إيقونية»:

وهي الآن مدينة “قونية”
التركية. وكانت في سابق الأزمنة تابعة لأقليم فريجية ولكن في أيام ق. بولس الرسول
كانت عاصمة إقليم ليكأونية([35]).

وفي أيقونية هذه تدور
قصة
» تكلا «رفيقة القديس بولس التي
بشَّرها وآمنت هناك وصيغت عليها أقوال كثيرة ليس ما يدعمها في التاريخ الكنسي.
وربما بعضها خرج عن اللياقة([36]).

52:13 «وأَمَّا
التلاميذُ فكانُوا يمتَلِئُونَ مِنَ الفرَحِ والرُّوحِ القُدُسِ».

عجيبة أيها القارئ
العزيز، فكلما سمعنا عن اضطهاد وضيق وضرب وطرد سمعنا عن الروح القدس. وكلما
سمعنا عن الروح القدس سمعنا عن الامتلاء من الفرح.

وأسلوب القديس لوقا في
سرده لأعمال الرسل هو مُعَزٍّ بالحقيقة، فعندما يواجه الاضطهاد والضيق يتوقف
قليلاً ليصف حركة ما للروح القدوس تسري في الضيق وما بعد الضيق من نمو وامتلاء
وفرح وامتداد على الطريق. وهو يقصد بالفعل أن يجعلها قانوناً حتمياً عبر التاريخ،
تاريخ الفداء والخلاص في سجل المكتوبين في سفر الحياة:

+ » إنه بضيقات
كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله.
«(أع 22:14)

فإن اشتدَّت الضيقات
فهي علامة أن الشمس خلف السحاب والوجه المنير ينتظرنا وما بقي إلاَّ القليل
فلنتشدَّد لأنه قادم للمعونة.

» آتي أيضاً
وآخذكم إليَّ
«(يو 3:14)

» ماران آثا «



([1]) انظر كتاب الإفخارستيا
والقداس صفحة 555 و613
623.

([2]) وهي مدينة قيرين أو سيرين (الواقعة قديماً في ليبيا) وهي غير
“القيروان” التي بناها العرب في تونس في القرن السابع الميلادي.

([3]) Bruce, II, p.
261.

([4]) Bruce., I, p. 254.

([5]) Ramsay, St. Paul the Traveller p. 72.

([6]) A. Wright: Composit of the Four Gospels, Cited by
Bruce,
I. p. 255.

([7])
ولكي يجتازا الجزيرة من أقصى الشرق لأقصى الغرب كان عليهما أن يقطعا 400 ميلاً.

([8]) Meyer, op. cit. p. 240.

([9]) Ibid.

([10]) Herodotus, Hist.
p. 101, 141; J.H.Moulton
= Early Zoroastranism, London
1913, pp. 182 ff. Cited by Bruce II, p. 264.

([11]) Meyer
op. cit., p. 248.

[12] ))
Meyer, op, cit., p. 248

[13]))
Ibid.

[14]))
Hobart quotes Hippocrates, cit. by Bruce, I, 258.

[15])) See: The Bearing of Recent Discovery p. 150
under Title [Sergius Paulus, his relation to Christian faith], Cited by Bruce
II. p. 2.

[16])) Ramsay, St. Paul the
Traveller,
pp. 94 ff.

[17])) نلاحظ هنا أن تصوُّر العالم رامزاي بأن بولس أصيب بالملاريا في
هذا الاقليم بالذات الذي هو تابع لغلاطية استقاه من رسالة ق. بولس إلى أهل غلاطية،
وهو يحكي لهم عن هذا الحادث الذي أثَّر في نفس بولس كثيراً: «ولكنكم تعلمون أني
بضعف الجسد بشَّرتكم في الأول، وتجربتي التي في جسدي لم تزدروا بها ولا كرهتموها
بل كملاك من الله قبلتموني كالمسيح يسوع» (غل 4: 13و14).
Bruce, I, p. 266.

[18])) ويُلاحَظ أيضاً أن هذا الوضع كانت تعيشه كورنثوس في اليونان فقد
كانت مستعمرة رومانية.

[19])) Meyer, op. cit., p. 251.

([20])
Joseph. Ant., VIII. 8.1, X 8.5.

([21])Joseph.
Ant., VI. 2.9.  

([22])
Thomas, op. cit., p. 206.

([23])
Joseph.
Ant., VI. 14.9.

([24])
Ibid., X. 8.4.

([25])
J.A. Bengel, Gnomon Novi Testamenti, Tübingen 1742 cited by
Bruce, II, p. 273.

([26])
انظر المدخل لشرح إنجيل القديس يوحنا صفحة 385.

([27])
مثل النسخة السينائية والإسكندرانية والفاتيكانية.

([28]) Meyer’s
Comm. On Acts., p. 259.

([29])Dictionary
of the Bible
2nd ed., F.C. Grant p. 355.

([30]) Dictionary
of the Bible,
ed., F.C. Grant p. 423.

([31])
ادعاؤهم أنهم صنعوا مع الموت عهداً أن لا يؤذيهم وكأنهم لا يموتون وكذلك مع
الهاوية.

([32]) Notes To
Select Readings, Appendix I to Vol. II of Westcott & Hort’s ed. of NT in
original Greek, London 1882 p. 95, cited by Bruce, II p. 280

([33])Ibid.  

([34]) الحياة
الأبدية تُدعى باليونانية “
zw¾ a„ènioj”.

وذلك محاولة لترجمة
النطق العبري “
hayye –
ha – ’olau ha – ba
” وتعني بالعربية “حياة الدهر الآتي” لأن الدهر عند اليهود هو
العالم.

وفي المفهوم
المسيحي هي حياة القيامة أو دهر القيامة من الأموات التي يحياها القديسون الآن في
السماء مع المسيح. والتي نحياها نحن الآن بالإيمان بالسر كامتياز إنما جزئيًّا
وبقدر ما يهب الله. لأن الحياة الأبدية هي أولاً وآخراً هبة.

([35]) Strabo
XII p. 568.

([36]) إذ
ادَّعوا أن ق. بولس تزوجها، ذاك الذي قال: «لأني أريد أن يكون جميع الناس كما
أنا.» (1كو 7:7)

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر نشيد الأنشاد متى بهنام 06

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي