الإصحَاحُ
الثَّانِي

 

حلول
الرّوح القدس

1
وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعاً بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ،
2 وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ
وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، 3 وَظَهَرَتْ لَهُمْ
أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ. 4 وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ،
وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ
أَنْ يَنْطِقُوا (أعمال 2: 1-4).

كان
الرسل يجتمعون مع أعضاء الكنيسة للصلاة ودرس كلام الله. ولمّا حضر يوم الخمسين،
كانوا يتعبدون معاً حسب عادتهم، بنفس واحدة.. ويوم الخمسين هو أحد أعياد اليهود،
ويُسمّى أيضاً «عيد الأسابيع» ويقع بعد الفصح بخمسين يوماً (لاويين 23: 15، 16
وتثنية 16: 9، 10). ويكون عادةً في أوّل الأسبوع (أي يوم الأحد) لأنّ اليوم الأوّل
لعيد الفصح السابق كان في اليوم السابع الذي هو يوم السبت. ويوم الأحد هو اليوم
الذي قام فيه المسيح فصحنا من الموت، وفيه بدأ يظهر لتلاميذه. وهو أوّل الأسبوع
(يوحنّا 20: 1).

وعندما
كان الجميع بنفس واحدة في الصّلاة انسكب عليهم الرّوح القدس بصورة قويّة، بصوت
تسمعه الأذن، كما من هبوب ريح عاصفة ملأت المكان، وبألسنة كأنها من نار تراها
العين، وابتدأ الجميع يتكلّمون بلغات مختلفة لم يكونوا يعرفونها من قبل، وبهذا تمّ
وعد المسيح لتلاميذه بحلول الرّوح القدس.

ولم
تكن هذه النار ناراً طبيعية، لكن كأنّها من نار، مثل ألسنة اللهب. وكانت هذه
الألسنة منقسمة أي متفرقة، وكل منها مستقل، تحقِّق ما قيل عن المسيح إنّه
«سَيُعَمِّدُ بِاٰلرُّوحِ اٰلْقُدُسِ ونَارٍ» (متّى 3: 11 ولوقا 3:
16).

والنار
ترمز إلى التطهير والإرشاد والغيرة والقوّة. وكانت الألسنة المختلفة لازمة لبناء
الكنيسة الناشئة في الإيمان، والتي سيكرزون بها إلى أقصى الأرض.. ونحن نحتاج في
هذه الأيام إلى قوّة الروح القدس لنشهد لإنجيل المسيح بلغة قلبية حيَّة يفهمها
سامعونا.

 

صعوبات
تواجه الكنيسة الناشئة

5
وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ
سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ. 6 فَلَمَّا صَارَ هَذَا الصَّوْتُ اجْتَمَعَ
الْجُمْهُورُ وَتَحَيَّرُوا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ
يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ، 7 فَبُهِتَ الْجَمِيعُ وَتَعَجَّبُوا قَائِلِينَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَتُرَى لَيْسَ جَمِيعُ هَؤُلاَءِ الْمُتَكَلِّمِينَ
جَلِيلِيِّينَ؟ 8 فَكَيْفَ نَسْمَعُ نَحْنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتِي
وُلِدَ فِيهَا: 9 فَرْتِيُّونَ وَمَادِيُّونَ وَعِيلاَمِيُّونَ وَالسَّاكِنُونَ
مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ وَالْيَهُودِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَبُنْتُسَ
وَأَسِيَّا 10 وَفَرِيجِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ وَمِصْرَ، وَنَوَاحِيَ لِيبِيَّةَ
الَّتِي نَحْوَ الْقَيْرَوَانِ، وَالرُّومَانِيُّونَ الْمُسْتَوْطِنُونَ يَهُودٌ
وَدُخَلاَءُ 11 كِرِيتِيُّونَ وَعَرَبٌ، نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ
بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ اللهِ؟». 12 فَتَحَيَّرَ الْجَمِيعُ وَارْتَابُوا
قَائلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا؟". 13 وَكَانَ
آخَرُونَ يَسْتَهْزِئُونَ قَائِلِينَ: «إِنَّهُمْ قَدِ امْتَلأُوا سُلاَفَةً
(أعمال 2: 5-13).

كان
جمع كبير من اليهود موجودين في أورشليم، جاء كثيرون منهم ليحتفلوا بالعيد من غرب
آسيا وشمال أفريقيا، ولا بدّ أنهم كانوا يتكلمون بلغات مختلفة حسب اختلاف بلادهم.
وهذه معجزة عظيمة لأنّ أولئك الرسل لم تكن لهم فرصة ليتعلموا لغات أخرى غير لغتهم،
ولكنّ الله ألهمهم أن يعلنوا رسالة المسيح الصادقة بمختلف لغات الحاضرين. وكانت
تلك معجزة ضرورية في بداءة التبشير بالإنجيل. واندهش السامعون لأنهم سمعوا عن
أعمال الله العظيمة بلغاتهم التي وُلدوا فيها.

وأعمال
الله العظيمة واضحة في إرسال المسيح في صورة إنسان، وموته بالصّلب، وقيامته من
الموت، وكونه مخلّصاً لكل من يؤمن به. ومع هذا فقد قال البعض، ولعلهم من سكان
أورشليم الذين لم يفهموا تلك اللغات الأجنبية، إنّ كلام الرسل لا معنى له، وسخروا
واستهزأوا قائلين إنّ الرسل سكروا كثيراً!

 

عظة
بطرس الأولى

تستغرق
عظة الرسول بطرس الآيات 14-36 من الأصحاح الثاني، ونرى فيها خمسة أمور:

دفاع
عقليّ ونقليّ عن الرسالة والرسل (آيات 14-21)

هل تبحث عن  هوت روحى الروح القدس وعمله فينا 09

حياة
المسيح على الأرض (آية 22)

موت
المسيح الكفّاري (آية 23)

قيامة
المسيح (آيات 24-32)

صعود
المسيح (آيات 33-36)

 

1 –
دفاع عقليّ ونقليّ عن الرسالة والرسل

14
فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ:
«أَيُّهَا الرِّجَالُ الْيَهُودُ وَالسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ،
لِيَكُنْ هَذَا مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ وَأَصْغُوا إِلَى كَلاَمِي، 15 لأَنَّ
هَؤُلاَءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ، لأَنَّهَا السَّاعَةُ
الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ. 16 بَلْ هَذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ. 17
يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي
عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ
رُؤىً، وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً. 18 وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضاً
وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ، 19
وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَآيَاتٍ عَلَى الأَرْضِ مِنْ
أَسْفَلُ: دَماً وَنَاراً وَبُخَارَ دُخَانٍ. 20 تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى
ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ
الشَّهِيرُ. 21 وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ» (أعمال
2: 14-21).

لمّا
ضحك بعض اليهود وقالوا عن الرسل إنهم سكروا كثيراً، وقف بطرس وألقى عظته الأولى
التي بدأها بالدفاع العقلي، فقال: «هَؤُلاَءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ
تَظُنُّونَ، لأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ»(آية 15). والساعة
الثالثة حسب توقيتهم هي التاسعة صباحاً بتوقيتنا، وهي ساعة صلاة الصبح عند اليهود.
وليس من المعقول أن يسكر الناس في الصباح، في ساعة الصلاة! ولم يكن اليهودي
المتعبّد يتناول إفطاره إلاّ بعد صلاة الصبح في المعبد. وعلى هذا يكون التكلّم
بلغات مختلفة نتيجة الامتلاء بالروح القدس، وليس من تأثير السكر بالخمر.

ثم
انتقل الرسول بطرس إلى الدفاع النقلي، فشرح أنّ ما حدث هو تحقيق وإتمام لنبوّة
يوئيل النبي عن حلول الرّوح القدس على الرجال والنساء، وعلى الكبار والصغار (يوئيل
2: 28-32). فقد جاءت الأيام الأخيرة التي تنبأ عنها يوئيل، وهي الأيام التي صُلب فيها
المسيح ومات ودُفن وقام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء، وأرسل الروح القدس. هذا
بالمفارقة مع الأيام الأولى للملوك والأنبياء (إشعياء 2: 2). وكل من يطلب اسم الله
ويؤمن بالمسيح الفادي يخلص من خطاياه.

أمّا
الأيام التي فيها تتحوّل الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم فهي تتمّ عند مجيء اليوم
الأخير، الذي يعلم الله وحده ميعاده، وهو يوم الرب العظيم الشهير ببركاته للمؤمنين
وبويلاته للأشرار.

 

2 –
حياة المسيح على الأرض

22
«أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ، اسْمَعُوا هَذِهِ الأَقْوَالَ:
يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ
بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ، كَمَا
أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ (آية 22).

لم
يكن هناك ما يدعو الرسول بطرس ليذكُر لسامعيه اليهود معجزات المسيح، الذي أشبع
الجياع، وشفى المرضى، وطرد الشياطين، وهدّأ الأمواج، وأقام الموتى، فقد رأوا هذه
المعجزات رؤى العين وسطهم، فاكتفى بالإشارة إليها في هذه الآية الواحدة. وقال إنّ
يسوع الناصري رجلٌ، لأنّه الله الذي أخلى نفسه وأخذ صورة عبد، وهو الإنسان الكامل
(فيلبّي 2: 7).

3 –
موت المسيح الكفَّاري

23
هَذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ
السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ (آية 23).

ولم
يكن هناك داعٍ لأن يبرهن لهم أنّهم صالبو المسيح وقاتلوه، فهم الذين صرخوا
لبيلاطس: «اٰصْلِبْهُ! اٰصْلِبْهُ!» (لوقا 23: 21)، وقد رأوه بعيونهم
معلَّقاً على الصليب، وسمعوه يقول «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ
رُوحِي» (لوقا 23: 46). وأوضح بطرس أنّ هذا الصلب والموت تحقيق للنبوّات، فهو
بمشورة الله المحتومة وحسب علمه السابق، ورغم أنّ هذا لا يعفي هؤلاء الأشرار من
المسؤولية، فقد صلبوه وقتلوه بأيدٍ أثيمة.

 

4 –
قيامة المسيح

24
ٱلَّذِي أَقَامَهُ اللهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ الْمَوْتِ إِذْ لَمْ يَكُنْ
مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ. 25 لأَنَّ دَاوُدَ يَقُولُ فِيهِ: كُنْتُ أَرَى
الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ أَنَّهُ عَنْ يَمِينِي لِكَيْ لاَ
أَتَزَعْزَعَ. 26 لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي
أَيْضاً سَيَسْكُنُ عَلَى رَجَاءٍ. 27 لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي
الْهَاوِيَةِ، وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً. 28 عَرَّفْتَنِي سُبُلَ
الْحَيَاةِ، وَسَتَمْلأُنِي سُرُوراً مَعَ وَجْهِكَ.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م ماكيروس 1

29
أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَاراً عَنْ
رَئِيسِ الآبَاءِ دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى
هَذَا الْيَوْمِ. 30 فَإِذْ كَانَ نَبِيّاً وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ
بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ
لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ 31 سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ
الْمَسِيحِ: أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى
جَسَدُهُ فَسَاداً. 32 فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ اللهُ، وَنَحْنُ جَمِيعاً
شُهُودٌ لِذَلِك (أعمال 2: 24-32).

توسَّع
الرسول بطرس في الحديث عن القيامة للأسباب التالية على الأقل:

(لأنّ
اليهود أشاعوا أنّ المسيح لم يقُم من الموت، بل إنّ تلاميذه سرقوا جسده من القبر
وقالوا إنّه قام (متّى 28: 13). فأكّد الرسول بطرس أنّه قام كما قال، وبرهن أنّ
قيامة المسيح تحقيق وإتمام لنبوّة داود في سفر المزامير (مزمور 16: 8-11). وكان
اليهود يظنّون أنّ هذه النبوّة خاصّة بداود نفسه، فشرح الرسول بطرس أنّها تخصّ
المسيح وحده. فالأوصاف الواردة بها لا تنطبق على داود الذي لا يزال مدفوناً في
قبره، بل تنطبق على المسيح الذي صُلب، ومات، ودُفن وقام!

(لأنّ
القيامة تعني أنّ كفارة المسيح قد قُبلت، فالذي مات لأجلنا قام غالباً، وفيه يموت
الذي يؤمن بكفارة المسيح عن خطاياه، وفيه يقوم أيضاً لحياة روحيّة جديدة. كما يقول
الوحي: «وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِاٰلذُّنُوبِ
وَاٰلْخَطَايَا.. ٱللّٰهُ اٰلَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي
اٰلرَّحْمَةِ.. وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِاٰلْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ اٰلْمَسِيحِ..
وَأَقَامَنَا مَعَهُ» (أفسس 2: 1-6).

(جعلت
القيامة الحياة حقاً لكل من يؤمن بالمسيح المصلوب المقام، وأصبحت الشّهادة للمسيح
واجباً عليه.

 

5 –
صعود المسيح

33
وَإِذِ ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ، وَأَخَذَ مَوْعِدَ الرُّوحِ الْقُدُسِ مِنَ
الآبِ، سَكَبَ هَذَا الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ تُبْصِرُونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ. 34
لأَنَّ دَاوُدَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاوَاتِ. وَهُوَ نَفْسُهُ يَقُولُ:
قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي 35 حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ
مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. 36 فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ
أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ رَبّاً
وَمَسِيحاً» (آيات 33-36).

وأكّد
الرسول بطرس لسامعيه أنّ المسيح صعد إلى السماء، وأرسل الرّوح القدس، بحسب نبوّة
المزمور 110، الذي فيه يقول الرب الآب للرب الابن: «اٰجْلِسْ عَنْ
يَمِينِي». ولا يمكن أن تنطبق هذه النبوّة على داود، لأنّ داود لم يصعد إلى
السّماء. لكن المسيح الذي صلبه اليهود بأيدي أثمة وقتلوه هو الرب والمسيح الذي قام
وصعد إلى السماء، وهو الذي يفدي الخطاة ويغفر الخطايا.

تأثير
عظة بطرس

37
فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ وَسَأَلُوا بُطْرُسَ وَسَائِرَ
الرُّسُلِ: «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟» 38 فَقَالَ لَهُمْ
بُطْرُسُ: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ
الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 39
لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ، وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى
بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلَهُنَا». 40 وَبِأَقْوَالٍ أُخَرَ
كَثِيرَةٍ كَانَ يَشْهَدُ لَهُمْ وَيَعِظُهُمْ قَائِلاً: «اخْلُصُوا مِنْ هَذَا
الْجِيلِ الْمُلْتَوِي». 41 فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ وَاعْتَمَدُوا،
وَانْضَمَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ (أعمال 2:
37-41).

سمع
اليهود عظة بطرس القويّة الواضحة، وفهموا أنهم أخطأوا عندما صلبوا المسيح، فبكتتهم
ضمائرهم وتألّموا ألماً نفسيّاً شديداً لشعورهم بإثمهم، لأنّ الروح القدس وبّخهم،
فأرادوا أن يعرفوا طريق الخلاص من غضب الله، وسألوا الرسل: «مَاذَا نَصْنَعُ
أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟». لقد تغيَّر شعورهم بعد تأثير الرّوح القدس
فيهم، فبعد أن ضحكوا على الرسل وقالوا إنهم سكارى، دعوهم «إخوة» وطلبوا إرشادهم.
ومن هذا نرى أنّ الشعور بالخطيّة والنّدامة عليها هو طريق قبول بشارة الإنجيل.

هل تبحث عن  م المسيح المسيح حياتة إعلان جديد عن الصليب ب

وردَّ
بطرس على سؤالهم، نيابة عن باقي الرسل، فقال: «تُوبُوا» لأنّهم خطاة، والتّوبة هي
تغيير الاتجاه. ثم قال: «ولْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا». فمن يقبل المعمودية يعترف بإيمانه
أنّ يسوع هو المسيح والمخلِّص. وترمز المعموديّة إلى تطهير القلب بالرّوح القدس،
وهي علامة الاشتراك في كنيسة المسيح. ومتى اعتمد المؤمن على اسم يسوع المسيح
لغفران خطاياه يقبل عطيّة الرّوح القدس الذي يجدّد قلبه ويريح ضميره.

وقال
بطرس إنّ عطيّة الروح القدس ليست لليهود فقط، بل لكل الذين على بُعد، من كلّ الذين
اختارهم الرب لنفسه من كلّ الشّعوب والألسنة. ففرح الحاضرون وقبلوا كلمة الله
وتعمَّدوا، وانضمّوا إلى الكنيسة. وكان عددهم نحو ثلاثة آلاف نفس، وهذا عدد كبير،
فلا بدّ أنّ باقي الرّسل اشتركوا مع بطرس في معموديتهم.

أيّها
القارئ العزيز، هل عرفت أنّ المسيح هو المخلِّص الذي صُلب ومات ودُفن وقام وصعد
إلى السماوات ليغفر لك خطاياك؟ وهل قبلت الخلاص والغفران الذي يقدّمه لك؟

 

حياة
الكنيسة الأولى

42
وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ والشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ
وَالصَّلَوَاتِ. 43 وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ. وَكَانَتْ عَجَائِبُ
وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ. 44 وَجَمِيعُ الَّذِينَ
آمَنُوا كَانُوا مَعاً، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكاً. 45
وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ
الْجَمِيعِ كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ. 46 وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ
يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ
فِي الْبُيُوتِ كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ
قَلْبٍ 47 مُسَبِّحِينَ اللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ.
وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ
(أعمال 2: 42-47).

كان عدد
أعضاء الكنيسة قبل حلول الروح القدس نحو مائة وعشرين شخصاً، وبعد أوّل عظة ألقاها
الرسول بطرس انضمّ إليهم نحو ثلاثة آلاف آخرين. وازداد عدد المؤمنين الذين كوَّنوا
أوّل كنيسة بعد صعود المسيح، وثبتوا في حياة الإيمان لأنّهم كانوا يواظبون على
تعليم الرسل وشرح كلمة الله. ومع أنّ الجميع نالوا عطيّة الروح القدس، إلّا أنّ
هذا لم يمنعهم من الاستماع إلى التعليم.

وعاش
المؤمنون الجدد في شركة روحيّة قويّة، فشاركوا الرّسل في أفراحهم بالخلاص وفي
خدمتهم بالتبشير، وفي احتمالهم للإهانات، وفي مشاركتهم في الصّلاة والتّسبيح، وكانوا
يواظبون مع الرسل على كسر الخبز كعائلة واحدة، ويأكلون طعامهم العاديّ معاً. وهذا
دليل على اتّحاد الكنيسة برأس واحد هو المسيح، الذي وحَّد القلوب في وحدانية
الإيمان.

وكان
المؤمنون الأوّلون يختمون تناولهم للطعام بتناول العشاء الرباني، كما فعل المسيح
عندما أكل الفصح مع الرسل، ليذكروا ذبيحة موت المسيح لغفران الخطايا، وهكذا شعروا
بحضور الله معهم دائماً، ولم يحسب أحدٌ منهم أنّ ما عنده هو لنفعه الخاص، بل
اعتبره أمانة أعطاها له الله لينفقها على إخوته في الإيمان عند حاجتهم. فكان عندهم
كلّ شيء مشتركاً.

لقد
كانت حياتهم حياة البساطة والفرح والابتهاج، مملوءة بالمحبة، غيورة على التبشير
باسم المسيح، وهم يعلِّموننا اليوم أن نواظب على سماع كلام الله، وأن نحبّ بعضنا
بعضاً، وأن ننكر ذواتنا، ونواظب على الصّلاة الجمهورية، ونتناول العشاء الرباني
معاً.

وما
زال الرب حيّاً يعمل في كنيسته بواسطة الروح القدس. فاطلب من الله أن يسكب روحه
على كنيستك في هذه الأيام حتى نرى كثيرين يخلصون وينضمّون إليها.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي