الإصحَاحُ
التَّاسِعُ

 

الفصل
الخامس: تغيير شاول (أعمال الرسل 9)      

عمل
الروح القدس بقوّة في الكنيسة في أورشليم بالرغم من الاضطهاد. وبقي الرسل فيها
يعلِّمون ويبشّرون ويثبِّتون المؤمنين الجدد. وساعد الرب كنيسته في مدن السّامرة
حيث ذهب فيلبّس للتبشير. وزار بطرس ويوحنّا كنيسة السّامرة لتشجيع الذين عمل الرب
في قلوبهم، ولربح المزيد من النفوس للمسيح.

وهيَّج
الشيطان قلوب أتباعه على الكنيسة في أورشليم والسّامرة، فاضطهدوها وألقوا ببعض
المؤمنين في السجون. وكان من بين القساة الذين اضطهدوا الكنيسة شخص اسمه شاول.

المسيح
يدعو شاول

1
أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّداً وَقَتْلاً عَلَى
تَلاَمِيذِ الرَّبِّ، فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ 2 وَطَلَبَ مِنْهُ
رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاساً مِنَ
الطَّرِيقِ رِجَالاً أَوْ نِسَاءً يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 3
وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ اقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ، فَبَغْتَةً أَبْرَقَ
حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ 4 فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتاً
قَائِلاً لَهُ: «شَاوُلُ شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» 5 فَسَأَلَهُ: «مَنْ
أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ
تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ». 6 فَسَأَلَ وَهُوَ
مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» فَقَالَ لَهُ
الرَّبُّ: «قُم وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ
تَفْعَلَ». 7 وَأَمَّا الرِّجَالُ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ
يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلاَ يَنْظُرُونَ أَحَداً. 8 فَنَهَضَ شَاوُلُ عَنِ
الأَرْضِ، وَكَانَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْعَيْنَيْنِ لاَ يُبْصِرُ أَحَداً.
فَاقْتَادُوهُ بِيَدِهِ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى دِمَشْقَ. 9 وَكَانَ ثَلاَثَةَ
أَيَّامٍ لاَ يُبْصِرُ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ (أعمال 9: 1-9).

اضطهد
كثيرون من اليهود الكنيسة الناشئة، كان من بينهم رجل اسمه شاول، كلمنا الوحي عنه
لأنّه تغيَّر وآمن بالمسيح. وبعد أن كان يضطهد الكنيسة صار يخدمها بإخلاص، وتحوَّل
من عدوٍّ للكنيسة إلى خادم محبّ لها، وإلى رسول للأمم الذين هم من غير اليهود.

وُلد
شاول في طرسوس، وسماه أبواه «شاول». وكان أبوه عبرانياً من سبط بنيامين، من مذهب
الفريسيين، تمتّع بالحقوق المدنية الرومانية وامتيازاتها لأنّه وُلد في مدينة
جعلها الإمبراطور أوغسطس مدينة رومانية وعاصمة لإقليم كيليكية. وتعلَّم بولس صناعة
الخيام، كما درس الشريعة اليهودية في أورشليم على يدي غمالائيل مُعلم الناموس
العظيم. وفي نحو الثلاثين من عمره قبل خلاص المسيح، وجال يبشّر بالإنجيل نحو خمس
وعشرين سنة.

وقد
وردت حادثة تغيير شاول ثلاث مرات في سفر أعمال الرسل لأنّها قصة هامة جداً، فقد
ذكرها لوقا في هذا الأصحاح، وذكرها بولس في دفاعه عن نفسه أمام اليهود (أعمال 22)،
وذكرها مرة أخرى في دفاعه عن نفسه أمام أغريباس (أعمال 26).

كان
شاول قويّاً ومُتعلّماً، لكنّه كان يستخدم قوّته وعلمه في اضطهاد المسيحيين
والكنيسة، فكان يخبر أصدقاءه بعزمه على تعذيب تلاميذ الرب، وكثيراً ما أنذر
المسيحيين بالموت إن لم يرجعوا عن إيمانهم، وكان موافقاً على رجم استفانوس.

وذات
يوم طلب شاول من رئيس الكهنة رسائل توصية تمنحه سلطاناً على المسيحيين في دمشق حتى
يعذّبهم ويعود بهم إلى أورشليم ليحاكمهم أمام مجلس السبعين. ودمشق من أقدم مدن
العالم، وعلى نحو 140 ميلاً شمال شرق أورشليم. ولعل بعض الذين آمنوا بالمسيح يوم
الخمسين كانوا من دمشق، ولمّا رجعوا إليها بشّروا هناك باسم المسيح، ولذلك كان
هناك مسيحيون.

كان
الوقت ظهراً عندما اقترب شاول من مدينة دمشق وفي قلبه رغبة قاتلة ضد المسيحيين.
وفجأة ظهر من السماء نور أقوى من نور الشمس أضاء حوله، لأن يسوع ظهر له بجلاله
ومجده، كما ظهر الله لموسى في العُلّيقة (خروج 3: 2).

خاف
شاول جداً ووقع على الأرض، وسمع صوت المسيح واضحاً يكلمه من وسط ذلك النور القويّ.
وشاهد الذين كانوا مع شاول ذلك النور، كما سمعوا الصوت، لكنهم لم يروا يسوع ولم
يُميّزوا الكلمات. قال له يسوع: «صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ» كما
يرفس الثور منخس الفلاح فيجرح نفسه ولا يؤذي المنخس. وهكذا يضرُّ بولس نفسه عندما
يضطهد الكنيسة دون أن يؤذيها. إنّ الذي يهاجم الكنيسة يُحزن الروح القدس، لكنّه
يضر نفسه ولا يوقف نموّ الكنيسة.

أدرك
شاول شناعة خطيّته وقسوة العقاب الذي ينتظره بسبب اضطهاده للكنيسة، فسأل المسيح أن
يخبره بما يجب أن يفعله، فأعلن الفريسيّ المتكبّر المفتخر بصلاحه وغيرته على دين
اليهود خضوعه للمسيح. وطلب المسيح منه أن يدخل دمشق، لا لتنفيذ رغبته الشريرة أو
رغبة مجلس السبعين لتعذيب المسيحيين، بل ليقابل شخصاً اسمه «حنانِيّا» يعمّده باسم
المسيح.

هل تبحث عن  م الأباء أفراهاط الفارسى أقوال أفراهاط 03

فقد
شاول بصره، فكان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحداً، فقادوه كالأعمى ودخلوا به إلى
دمشق وظل هناك ثلاثة أيام لا يبصر. ولم يأكل أو يشرب لأنّه قضى كل الوقت في الصوم
والصلاة والتأمل في محبة المسيح له.

وكان
ممكناً أيضاً أن يشرح المسيح بنفسه لشاول ماذا يجب أن يعمل، لكنّ هذا كان ممكناً
لأحد تلاميذ المسيح، فاختار الرب حنانيّا ليعلِّم شاول. وبنفس الطريقة يستخدم الله
المؤمنين لينشروا تعاليمه في العالم. وعلى كل مسيحي أن يتعلم من غيره من المسيحيين
المختبرين، وأن يعلِّم غيره ويرشدهم.

 

حنانيّا
يعمّد شاول

10
وَكَانَ فِي دِمَشْقَ تِلْمِيذٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا، فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ فِي
رُؤْيَا: «يَا حَنَانِيَّا». فَقَالَ: «هَأَنَذَا يَا رَبُّ». 11 فَقَالَ لَهُ
الرَّبُّ: «قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ،
وَاطْلُبْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا رَجُلاً طَرْسُوسِيّاً اسْمُهُ شَاوُلُ – لأَنَّهُ
هُوَذَا يُصَلِّي. 12 وَقَدْ رَأَى فِي رُؤْيَا رَجُلاً اسْمُهُ حَنَانِيَّا
دَاخِلاً وَوَاضِعاً يَدَهُ عَلَيْهِ لِكَيْ يُبْصِرَ». 13 فَأَجَابَ حَنَانِيَّا:
«يَا رَبُّ، قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ كَمْ مِنَ
الشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ. 14 وَهَهُنَا لَهُ سُلْطَانٌ
مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِكَ».
15 فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ، لأَنَّ هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ
اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. 16 لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ
يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي». 17 فَمَضَى حَنَانِيَّا وَدَخَلَ
الْبَيْتَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الأَخُ شَاوُلُ، قَدْ
أَرْسَلَنِي الرَّبُّ يَسُوعُ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ
فِيهِ لِكَيْ تُبْصِرَ وَتَمْتَلِئَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ». 18 فَلِلْوَقْتِ
وَقَعَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ قُشُورٌ، فَأَبْصَرَ فِي الْحَالِ
وَقَامَ وَاعْتَمَدَ. 19 وَتَنَاوَلَ طَعَاماً فَتَقَوَّى. وَكَانَ شَاوُلُ مَعَ
التَّلاَمِيذِ الَّذِينَ فِي دِمَشْقَ أَيَّاماً (أعمال 9: 10-19).

أعدَّ
الرب لشاول أحد تلاميذه واسمه حنانيّا ليرشده إلى طريق الخلاص، بأن طلب من حنانيّا
أن يذهب إلى الشارع الرئيسي في دمشق، واسمه «المستقيم» لأنّه يمتد من شرق دمشق إلى
غربها، وأن يذهب إلى بيت يهوذا حيث يوجد شاول الطرسوسي الذي كان يصلّي، علامة على
تغييره. كما أعدَّ الرب شاول بأن كلمه في رؤيا وأراه حنانيّا واضعاً يده عليه
ليبصر.

واندهش
حنانيّا من تكليف المسيح له، وتصوَّر أنّه يأمره أن يسعى على قدميه إلى هلاكه بيد
شاول الذي يضطهد المسيحيين، فطمأنه الرب أنّه قد اختار شاول ليكون وسيلة نقل بشارة
الخلاص إلى اليهود والأمم، وحتى إلى الملوك.

أطاع
حنانيّا المسيح وذهب إلى بيت يهوذا حيث قابل شاول ووضع عليه يديه وصلّى علامة منحه
البركة وشفائه حتى يبصر ويمتلئ من الروح القدس. وفي الحال سقط شيء من عينيْ شاول
كأنّه قشور، فأبصر بعد أن كان أعمى مدة ثلاثة أيام، وظهر إيمانه بالمسيح ودخوله
إلى الكنيسة بأن قبل المعمودية، وأكل طعاماً بعد أن كان صائماً، وبقي مع المسيحيين
في دمشق وبلاد العرب يصلّي معهم حوالي ثلاث سنوات. وكانت هذه الفترة فترة استعداد
للخدمة جلس فيها عند أقدام المسيح في الصلاة والتعبُّد ودرس الكلمة.

 

شاول
يكرز بالمسيح

20
وَلِلْوَقْتِ جَعَلَ يَكْرِزُ فِي الْمَجَامِعِ بِالْمَسِيحِ «أَنْ هَذَا هُوَ
ابْنُ اللهِ». 21 فَبُهِتَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا: «أَلَيْسَ
هَذَا هُوَ الَّذِي أَهْلَكَ فِي أُورُشَلِيمَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهَذَا
الاِسْمِ، وَقَدْ جَاءَ إِلَى هُنَا لِيَسُوقَهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى رُؤَسَاءِ
الْكَهَنَةِ؟». 22 وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَزْدَادُ قُوَّةً وَيُحَيِّرُ
الْيَهُودَ السَّاكِنِينَ فِي دِمَشْقَ مُحَقِّقاً «أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ»
(أعمال 9: 20-22).

ما أن
عرف شاول الطرسوسي المسيح واعتمد حتى بدأ يشهد للمسيح في مجامع اليهود ويخبرهم
بقوّة الإنجيل والخلاص، موضِّحاً لهم أنَّ يسوع هو المسيح المخلِّص المنتظَر،
وأنّه كلمة الله الأزلي الذي تجسّد وجال يعمل خيراً، وعلَّم تعليماً حسناً، وحكم
عليه رؤساء اليهود ظلماً، وصلبوه فمات ودُفن، لكنّه قام وصعد إلى السماء، وجلس عن
يمين الله يشفع في كل من يؤمن به، وهو حاضر في كنيسته بقوّة الروح القدس.

سمع
اليهود شاول يكرز باسم المسيح في مجامعهم، فتعجّبوا كيف أنّ هذا الذي كان يضطهد
المسيحيين في أورشليم، وجاء إلى دمشق ليعذّبهم، تغيَّر وأصبح من أتباع المسيح.

كان
شاول يدرس التوراة بعين جديدة وبصيرة مفتوحة، بعد أن أدرك صحة الديانة المسيحية،
فكان يكلم اليهود ببراهين قويّة ومقنعة من نبوّات العهد القديم على أنّ يسوع هو
المسيح ابن الله الوحيد. فاحتار اليهود في أمره ولم يعرفوا كيف يجاوبونه.. وبدل أن
يخضعوا لكلمة الله، أغلقوا آذانهم وقلوبهم وامتلأوا تعصّباً.

هل تبحث عن  مريم العذراء حياة مريم العذراء قتل أطفال بيت لحم م

مسكين
كل من يسمع عن المسيح ويرفض قبوله فادياً ومخلَّصاً.

 

شاول
يهرب من اليهود

23
وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ تَشَاوَرَ الْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ، 24
فَعَلِمَ شَاوُلُ بِمَكِيدَتِهِمْ. وَكَانُوا يُرَاقِبُونَ الأَبْوَابَ أَيْضاً
نَهَاراً وَلَيْلاً لِيَقْتُلُوهُ. 25 فَأَخَذَهُ التَّلاَمِيذُ لَيْلاً
وَأَنْزَلُوهُ مِنَ السُّورِ مُدَلِّينَ إِيَّاهُ فِي سَلٍّ (أعمال 9: 23-25).

قضى
شاول نحو ثلاث سنوات في دمشق وبلاد العرب مبشّراً بالمسيح. وتضايق اليهود منه،
وعجزوا عن هدم براهينه القويّة عن المسيح، كما فشلوا في منع تأثير كلامه على الناس
لأن كثيرين آمنوا بالمسيح، ففكروا أن يقتلوه حتى يُسكِتوه كما فعلوا باستفانوس من
قبل. ويظهر أنهم اتفقوا مع والي دمشق أن يراقبوا أبواب المدينة حتى لا يهرب من
أيديهم. لكنّ شاول عرف فكرهم الشرير، وتباحث في الأمر مع تلاميذ الرب وكان أحدهم
يسكن في بيت على سور دمشق، فاتفقوا أن يضعوا شاول في سل أي زنبيل ويُنزلوه من
النافذة إلى خارج سور دمشق حتى يهرب (2كورنثوس 11: 32، 33).

قصد
شاول أن يدخل دمشق في وضح النهار ليعذّب المسيحيين ويخرج من المدينة متكبراً مرفوع
الرأس، فسمح الرب بخروجه من المدينة ليلاً من كوّة في سلٍّ، وهكذا تحقّق قول
المسيح: «إني أريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي» (أعمال 9: 16).

 

شاول
يرجع إلى أورشليم

26
وَلَمَّا جَاءَ شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ
بِالتَّلاَمِيذِ، وَكَانَ الْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ
تِلْمِيذٌ. 27 فَأَخَذَهُ بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى الرُّسُلِ، وَحَدَّثَهُمْ
كَيْفَ أَبْصَرَ الرَّبَّ فِي الطَّرِيقِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَكَيْفَ جَاهَرَ
فِي دِمَشْقَ بِاسْمِ يَسُوعَ. 28 فَكَانَ مَعَهُمْ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فِي
أُورُشَلِيمَ وَيُجَاهِرُ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. 29 وَكَانَ يُخَاطِبُ
وَيُبَاحِثُ الْيُونَانِيِّينَ فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ. 30 فَلَمَّا عَلِمَ
الإِخْوَةُ أَحْدَرُوهُ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَأَرْسَلُوهُ إِلَى طَرْسُوسَ.

31
وَأَمَّا الْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ
فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ، وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ الرَّبِّ،
وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ (أعمال 9: 26-31).

مضت
نحو ثلاث سنوات منذ غادر شاول أورشليم إلى دمشق ليضطهد الكنيسة، عندما قابله الرب
في الطريق وغيَّر قلبه. وها هو يرجع أورشليم ليلتصق بتلاميذ المسيح كواحد منهم،
وليقابل الرسل، وخصوصاً بطرس لأنّه سمع عنه كثيراً.

وخاف
التلاميذ منه لأنّهم ظنّوه جاسوساً يريد أن يقبض عليهم. ولكنّ أحدهم، واسمه
برنابا، لاوي من قبرس، كان قد سمع عن شاول وعرف إخلاصه للمسيح، أخذه إلى الرسل
ليقابل بطرس ويعقوب. وظل شاول معهم في بيت إنسان مؤمن مدة خمسة عشر يوماً يعلن
جهاراً اسم المسيح ويعلِّم الآخرين بدون خوف (غلاطية 1: 18.. وبخصوص برنابا اقرأ
تعليقنا على أعمال 4: 36، 37).

كان
شاول شجاعاً بعد أن آمن، لذلك كان يبشّر اليهود الذين كانوا يسكنون بين اليونانيين
ويتكلمون اللغة اليونانية، وكان يشرح لهم النبوّات عن يسوع المسيح في المجمع،
فأرادوا أن يقتلوه. وعرف المؤمنون في أورشليم برغبة اليهود الدنيئة في قتل شاول،
وأرادوا أن ينقذوه لأنّهم أحبوه كثيراً، فأخذوه إلى قيصرية، وهي مدينة على شاطئ
البحر بين عكا ويافا، ثم أرسلوه إلى طرسوس وطنه الذي وُلد فيه.. وبقى شاول في
طرسوس إلى أن دعاه برنابا ليساعده في التبشير في أنطاكية (أعمال 11: 25، 26).

والأرجح
أنّ شاول بقي في طرسوس مدة تتراوح بين ثلاث وأربع سنوات صرفها في التبشير باسم
المسيح، ومنح الرب كنيسته سلاماً واطمئناناً في مدن اليهودية والجليل والسّامرة،
فاستراحت الكنيسة فترة من الاضطهاد الذي وقع عليها خصوصاً بعد قتل استفانوس،
واستخدم الرب شاول في مساعدة الكنيسة وبنائها. وكان الروح القدس يقوي الكنيسة
ويعزيها، فكانت تنمو وتتكاثر في سلام. أمّا اليهود فانشغلوا بالأمور السياسية لأنّ
والي سوريا الروماني أمر أن يُقام له تمثال في هيكل أورشليم، فانشغلوا به عن
المسيحيين. وما زال الله يعمل في كنيسته العامة، وحيث روح الرب فهناك حياة وحرية
وغيرة ونموّ في الإيمان.

 

شفاء
إينياس

32
وَحَدَثَ أَنَّ بُطْرُسَ وَهُوَ يَجْتَازُ بِالْجَمِيعِ نَزَلَ أَيْضاً إِلَى
الْقِدِّيسِينَ السَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ 33 فَوَجَدَ هُنَاكَ إِنْسَاناً اسْمُهُ
إِينِيَاسُ مُضْطَجِعاً عَلَى سَرِيرٍ مُنْذُ ثَمَانِي سِنِينَ وَكَانَ
مَفْلُوجاً. 34 فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «يَا إِينِيَاسُ يَشْفِيكَ يَسُوعُ
الْمَسِيحُ. قُمْ وَافْرُشْ لِنَفْسِكَ». فَقَامَ لِلْوَقْتِ. 35 وَرَآهُ جَمِيعُ
السَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ وَسَارُونَ الَّذِينَ رَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ (أعمال
9: 32-35).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 05

ذهب
بطرس إلى مدينة لدّة (وهي الآن اللد) التي تبعد عن يافا نحو تسعة أميال، حيث كان
مسيحيون كثيرون، يصفهم سفر الأعمال بأنهم «قديسون» لا لأنّهم كانوا كاملين في كل
شيء، بل لأنهم كانوا يسعون إلى القداسة التي لهم في المسيح وهم على الأرض، حتى
تكمل قداستهم في السماء. وفي لدّة وجد بطرس رجلاً مفلوجاً اسمه إينياس. واسم
«إينياس» يوناني، مما يدل على أنه نشأ في بلد يتكلم سكّانها اللغة اليونانية.
والفالج هو الشلل الذي يُعجِز صاحبه عن الحركة، ولم يكن لهذا المرض علاج في ذلك
الوقت.

كان
إينياس مريضاً مدة ثماني سنوات ومضطجعاً على سرير، فاقترب منه بطرس، ورأى علامات
الإيمان واضحة على وجهه المُتعَب من المرض، فقال له: «يشفيك يسوع المسيح». وفي
الحال قام إينياس وفرش فراشه لنفسه!

وشاهد
إينياس كثيرون من سكان لدّة وسهل سارون الذي يقع على شاطئ البحر من يافا إلى
قيصرية. وكانوا قد اعتادوا أن يروه نائماً بلا حراك في فراشه، ولكنّهم شاهدوه يسير
ويتحرّك، وعلموا أنّ المسيح عمل معجزة شفائه، فآمن كثيرون بالمسيح وتغيَّرت قلوبهم
وتركوا ظلمة عدم الإيمان ورجعوا إلى نور الإيمان بالمسيح وبقوّته وخلاصه. وهكذا
كان اسم المسيح يتمجّد بين الناس.

إنّ
المسيح لم يتغيّر ولن يتغيّر، وهو لا يزال يعمل عجباً في حياة كل من يؤمن به. فهل
آمنت بقوّته الفادية الشافية؟

 

إقامة
طابيثا من الموت

36
وَكَانَ فِي يَافَا تِلْمِيذَةٌ اسْمُهَا طَابِيثَا، الَّذِي تَرْجَمَتُهُ
غَزَالَةُ. هَذِهِ كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ
كَانَتْ تَعْمَلُهَا. 37 وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَنَّهَا مَرِضَتْ
وَمَاتَتْ فَغَسَّلُوهَا وَوَضَعُوهَا فِي عِلِّيَّةٍ. 38 وَإِذْ كَانَتْ لُدَّةُ
قَرِيبَةً مِنْ يَافَا وَسَمِعَ التَّلاَمِيذُ أَنَّ بُطْرُسَ فِيهَا، أَرْسَلُوا
رَجُلَيْنِ يَطْلُبَانِ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَوَانَى عَنْ أَنْ يَجْتَازَ
إِلَيْهِمْ. 39 فَقَامَ بُطْرُسُ وَجَاءَ مَعَهُمَا. فَلَمَّا وَصَلَ صَعِدُوا
بِهِ إِلَى الْعِلِّيَّةِ، فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأَرَامِلِ يَبْكِينَ
وَيُرِينَ أَقْمِصَةً وَثِيَاباً مِمَّا كَانَتْ تَعْمَلُ غَزَالَةُ وَهِيَ
مَعَهُنَّ. 40 فَأَخْرَجَ بُطْرُسُ الْجَمِيعَ خَارِجاً وَجَثَا عَلَى
رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْجَسَدِ وَقَالَ: «يَا طَابِيثَا،
قُومِي!» فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. وَلَمَّا أَبْصَرَتْ بُطْرُسَ جَلَسَتْ 41
فَنَاوَلَهَا يَدَهُ وَأَقَامَهَا. ثُمَّ نَادَى الْقِدِّيسِينَ وَالأَرَامِلَ
وَأَحْضَرَهَا حَيَّةً. 42 فَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُوماً فِي يَافَا كُلِّهَا،
فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِالرَّبِّ. 43 وَمَكَثَ أَيَّاماً كَثِيرَةً فِي يَافَا
عِنْدَ سِمْعَانَ رَجُلٍ دَبَّاغٍ (أعمال 9: 36-43).

عاشت
في مدينة يافا سيّدة مسيحية ممتازة اسمها طابيثا (واسمها سريانيّ معناه غزالة)
كانت تعمل أعمالاً صالحة كثيرة، فتخيط أقمصة وثياباً للفقراء، ويقول الكتاب عنها
إنّها كانت «مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ».

ومدينة
يافا ميناء هام على البحر الأبيض المتوسط، تبعد تسعة أميال عن لدّة، وكان بطرس في
لدّة. وحدث أنّ طابيثا مرضت، واشتدّ عليها المرض فماتت وغسّلوها ووضعوها في غرفة
عليا استعداداً لدفنها.

وسمع
المسيحيون أنّ بطرس في لدّة، وفكّروا أنه قد يقيم طابيثا الصالحة من الموت،
فأرسلوا رجلين إلى لدّة يطلبان منه أن يحضر. ربّما افتكر بعض التلاميذ أنّ بطرس
سيقيم طابيثا من الموت، وربّما افتكر البعض الآخر أنّه سيحضر ويعظ الشعب أثناء
الجنازة.

وذهب
بطرس إلى يافا حيث كانت جثة طابيثا وقد اجتمعت حولها الأرامل اللواتي كانت تُحسِن
إليهن في حياتها. وبالبكاء أرين بطرس الأقمصة التي صنعتها طابيثا لهنَّ. فأمر بطرس
الأرامل أن يخرجن من العليّة حتى يتمكّن من الصلاة في جو هادئ وحتى لا يمجّده
الناس، لأنّ القوّة التي تقيم الموتى هي قوّة الله المحيي، سامع الصلاة.

صلّى
بطرس بإيمان ثم نادى: «يَا طَابِيثَا، قُومِي!» فعادت إلى الحياة وفتحت عينيها،
فأمسك يدها وأقامها، ثمّ نادى المؤمنين والأرامل وأراهم طابيثا بعد أن قامت. كانت
المعجزة صحيحة، فقد تأكد الناس أنها ماتت، وسمعوا بكاء الأرامل عليها وها هي تقوم
من الموت.. كانت هذه أول معجزة قام بها أحد الرسل في إقامة إنسان من الموت، نتج
عنها أن آمن كثيرون بالمسيح.

ولا
بدّ أنّ بطرس جعل يافا مركزاً للتبشير، فقد أقام فيها نحو ثلاث سنوات في بيت سمعان
الذي كان يدبغ الجلود. وكان اليهود يرون في أن تكون الدباغة بعيدة عن مكان السكن
لما فيها من مخالفةٍ لشعائر الطهارة. وهذا يرينا أن المسيحية تهتم بطهارة القلب،
لا بطهارة الطقوس.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي