تَفْسِير رِسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ

بسام مدنى

خدمة ساعة الإصلاح

 

الدرس
الأول: مقدمة عامة

رسائل
العهد الجديد

دروس
في رسائل العهد الجديد التي تتضمن مجموعة العقائد المسيحية التي نشرها الرسل في
الكنائس التي أُسِّسَتْ في القرن الأول الميلادي والتي هي ضرورية لفهم الرسالة
المسيحية وقيمتها للفكر والحياة في هذه الأيام.

 

نجد
الرسائل في الكتاب المقدس بعد قراءة الإنجيل حسب متى ومرقس ولوقا ويوحنا وسفر
أعمال الرسل الذي كُتِبَ أيضاً من قِبَلِ البشير لوقا. لكن هذا لا يعني أن الرسائل
أتت إلى حيز الوجود بعد الإنجيل، إنها إنما وضعت بعد الإنجيل لأسباب منطقية
وعقائدية.

 

تحوي
الرسائل سجلاً بتعاليم الرسل بخصوص الخبر السار أي إنجيل يسوع المسيح وقد كتبت إلى
كنائس أو أشخاص معينين في مناسبات خاصة ومع ذلك فإنها ذات قيمة دائمة إذ أنها تفسر
لنا بشكل معصوم عن الخطأ معنى عمل يسوع المسيح الخلاصي والفداء العظيم الذي أتمه
بموته الكفّاري على الصليب وبقيامته من الأموات. وإذا أردنا الوقوف على معنى
المسيحية ليس علينا إلا الإطلاع على ما كتبه رسل السيد المسيح منذ نحو 1900 سنة.

 

وغايتنا
في نشر هذه الدروس الكتابية هي أكثر من الرغبة في إعطاء معرفة تامة عن المسيحية
الحقيقية والبشارة الخلاصية، رغبتنا هي نفس الرغبة التي دفعت الرسل القديسين إلى
الذهاب من مكان إلى آخر والمناداة بالإنجيل أي دعوة الناس أجمعين إلى قبول سلام
الله بالإيمان بيسوع المسيح كمخلص ورب والتخلص بذلك من سلطة الخطية وطغيانها.
ولسان حالنا هو شعار الرسول بولس، المبشر المسيحي الأعظم، الذي كتب لمسيحيي رومية
قائلاً: "لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإنجيل الْمَسِيحِ لأَنَّهُ قُوَّةُ
اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ… (لماذا) لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ
اللهِ بِإيمان لإيمان كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإيمان يَحْيَا
" (رومية 1: 16و17).

 

رسائل
بولس

كتب
الرسول بولس 13 رسالة والتي سنبدأ بدراستها قبل دراسة بقية الرسائل في العهد
الجديد. وقد قام الرسول بهذه المهمة العظيمة نظراً للعوامل التالية:

 

1. إلهام
الروح القدس: فالرسول كان كغيره من كُتّاب أسفار الكتاب المقدس تحت تأثير الروح
القدس وهكذا ننظر إلى كتاباته كجزء لا يتجزأ من كلمة الله المقدسة.

 

2. كان
الرسول بولس قد وُهِبَ عقلاً خصباً ولامعاً مكّنَه من فهم فحوى البشارة المسيحية
بصورة دقيقة.

 

3. كذلك
وُهِبَ الرسول قلباً طافحاً بالرغبة لنشر ما آمن به وما دُعِيَ من أجل إذاعته في
جميع أنحاء عالمه.

 

4. كان
الرسول ملماً كل الإلمام بتعاليم كتاب الله (العهد القديم). وبما أنه ولد وتربى في
مدينة طرسوس في آسيا الصغرى تمتع بوجهة نظر عالمية غير إقليمية ضيقة كما كانت حالة
أكثر أبناء جنسه.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس I Timothy 04

 

5. حصل
الرسول بولس على أحسن ثقافة كانت تقدمها تلك الأيام إذ أنه درس في جامعة طرسوس
الشهيرة قبل ذهابه للتخصص في علم اللاهوت في المدينة المقدسة.

 

ميزة
رسائل بولس الرسول

عندما
نتكلم عن رسائل بولس الرسول لسنا نشير إلى رسائل اعتيادية، فنحن عندما نكتب إلى
أصدقائنا أو معارفنا نملأ رسائلنا بأمور شخصية ذات أهمية محدودة. لكن رسائل بولس
لم تتصف بهذا الطابع إذ أنها كانت بالحقيقة مقالات كتبت بشكل رسائل عولجت فيها
التعاليم المسيحية الأساسية. وليس هناك طريقة أفضل من طريقة الرسول بولس لإفهامنا
معنى المسيحية وامتيازاتها ومتطلباتها. وكانت رغبة الرسول أن تُقرأ هذه الرسائل في
الكنائس أمام الجميع لا أن تبقى في حوزة أفراد معينين.

 

الظروف
التاريخية التي أحاطـت بكتابـة الرسائــل

علينا
أن نتذكر عند دراستنا لرسائل العهد الجديد بأنها كُتِبَتْ في مناسبات خاصة لمعالجة
بعض المواضيع التي برزت بسبب حوادث تاريخية واقعية. مثلاً كتب بولس رسالته الأولى
إلى مسيحيي كورنثوس في بلاد اليونان عندما وصل إلى سماعه خبر وجود انشقاقات عديدة
في كنيستهم وكذلك لانحرافهم عن مباديء الكنيسة نظراً لعدم طردهم لأحد الأعضاء الذي
كان يعيش بشكل مناف للآداب المسيحية. وندعو هذه الدوافع بالأمور التاريخية –
الأدبية. وهكذا يتحتم علينا ونحن ندرس رسائل الكتاب أن نعمل جهدنا لنتصور الحالة
الخاصة التي كانت في الكنيسة التي وُجِّهَتْ إليها الرسالة.

 

كتابة
الرسائل ووسائل نقلها وتسليمهـا في أيـام الرسـول بـولس

كان
الرسول يملي رسائله وذلك إما لضعف في بصره كما يظن بعض المفسرين، أو لوجود عادة
الإملاء في تلك الأيام. وقد كُتبت الرسائل باللغة اليونانية التي كانت تُستعمل في
حوض البحر الأبيض المتوسط والتي كانت تعد لغة العالم المتمدن بأسره. وفي بعض
الأحيان يذكر الرسول اسم كاتب الرسالة كما نلاحظ ذلك في رسالته إلى رومية (16:
22). وإذ لم يكن هناك نظام للبريد الدولي كما في أيامنا هذه، فان الرسائل كانت
تُحمل من قِبَلِ رفاقه العاملين في حقل الإنجيل إلى الكنائس أو الأشخاص المرسلة
إليهم.

 

تصنيف
رسائل بولس الرسول

1. بالنسبة
إلى تاريخ كتابتها:

 

أ:
الرسائل الأولى: الرسالتان الأولى والثانية إلى الكنيسة في تسالونيكي، الرسالة إلى
كنائس غلاطية، الرسالة الأولى والرسالة الثانية إلى الكنيسة في كورنثوس والرسالة
إلى الكنيسة في رومية.

 

ب:
الرسائل المرسلة من السجن: الرسالة إلى الكنيسة في كولوسي، الرسالة إلى فليمون،
الرسالة إلى الكنيسة في أفسس، الرسالة إلى الكنيسة في فيلبي.

 

ج:
الرسائل الرعوية: الرسالتان الأولى والثانية إلى تيموثاوس الأسقف والرسالة إلى
الأسقف تيطس.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر عاموس خادم الرب 03

 

2. بالنسبة
إلى مستلميها:

 

أ:
رسائل كتبت إلى كنائس.

ب:
رسائل كتبت إلى أفراد ضمن الكنائس.

 

الدرس
الثاني: الرسالة إلى رومية

المقدمة

التاريخ:
كتب الرسول بولس رسالته إلى الكنيسة في رومية في السنة 58 ميلادية قرب نهاية
اقامته في مدينة كورنثوس ببلاد اليونان. وقد قام بهذه المهمة قرب انتهائه من رحلته
التبشيرية الثالثة وقبل ذهابه إلى المدينة المقدسة.

 

المناسبة:
كانت الكنائس التي أسسها الرسول في آسيا الصغرى وبلاد اليونان قد جمعت الأموال
لمساعدة المسيحيين الفقراء في البلاد المقدسة وطلبت من الرسول بولس أن يأخذ هذه
المساعدة المالية بنفسه ويسلمها إلى قادة الكنيسة في القدس. وبما أن موسم السفر
البحري كان على وشك بأن يُفتتح نظراً لقدوم الربيع، عزم بولس على ترك كورنثوس
بأقرب وقت ممكن والإقلاع على سفينة ذاهبة إلى شرقي البحر المتوسط. وهكذا لم يتيسّر
له الذهاب إلى عاصمة الإمبراطورية الرومانية كما كان يتوق إلى القيام بذلك منذ زمن
طويل. وإذ علم الرسول بأن فيبي (وهي خادمة الكنيسة في كنخريا ميناء كورنثوس
الشرقي) كانت مزمعة على السفر إلى رومية اغتنم تلك الفرصة وكتب رسالته إلى الكنيسة
هناك. وبهذه الواسطة التي تظهر لنا اعتيادية أعطانا الروح القدس المفتاح الأكيد
لفهم الكتاب المقدس بأسره.

 

غاية
الرسالة إلى رومية

1. إعلام
الكنيسة في رومية عزم الرسول على الذهاب إليهم في مناسبة أخرى. وكان الرسول قد صمم
أن يمر على رومية في سفرة مقبلة تأخذه إلى إسبانيا وذلك بعد انتهائه من مهمة تسليم
المساعدة المالية إلى فقراء الكنيسة في القدس.

 

2. إعطاء
الكنيسة في رومية فكرة شاملة عن المباديء الأساسية للديانة المسيحية. فقد كانت
رومية على وشك بأن تصبح مركزاً هاماً للكنيسة المسيحية وكان من الضروري لأعضاء
الكنيسة فيها أن يكونوا واقفين على معنى البشارة وضرورة نشرها في كل مكان. وهكذا
أصبحت هذه الرسالة الكتاب الأساسي للعقيدة المسيحية.

 

3. تصحيح
بعض الأخطاء العقائدية التي كانت عالقة ببعض أعضاء الكنيسة في رومية. وليس هناك
طريقة أحسن للتغلب على الخطأ والجهل سوى إعلان الحق بأسره وبصورة علمية وحية.

 

مستلمو
الرسالة

الكنيسة
المسيحية في رومية: يظهر من قراءتنا لهذه الرسالة أنها لم تُؤَسَّسْ من قِبَل رسول
(رومية 15: 20). يميل معظم المفسرين إذن إلى القول بأن الكنيسة في رومية تأسست من
قبل أولئك الذين كانوا في المدينة المقدسة يوم الخمسين أي يوم حلول الروح القدس
على الرسل والكنيسة في مدينة القدس. فقد كان قوم من أنحاء عديدة من العالم ساكنين
في القدس وسمعوا بذلك الحدث الهام واعتنق الكثيرون منهم الديانة المسيحية. وبما أن
الناس كانوا يسافرون بشكل مستمر إلى جميع أنحاء الإمبراطورية بدون أية عوائق أو
موانع فلابد أن المستوطنين الرومانيين الذين صاروا مسيحيين في القدس عادوا إلى
رومية وأسسوا الكنيسة في قلب العالم المتمدن. ومن الجائز أن يكون البعض من
المؤمنين القاطنين في آسيا الصغرى قد ذهبوا إلى رومية إما لتأسيس الكنيسة فيها أو
لدعمها أثناء نموها المستمر. وقد كانت هذه الكنيسة ذات أهمية عظمى نظراً لموقعها
الجغرافي. وبالفعل اشتهر أعضاؤها بقوة إيمانهم وبرغبتهم في نشر إيمانهم بين مختلف
طبقات سكان العاصمة.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مذود د

 

أهمية
الرسالة إلى رومية

لا
يمكننا أن نغالي في أهمية الرسالة لأنها مفتاح لفهم سائر أسفار الكتاب المقدس. وقد
استعمل الله هذه الرسالة للمجيء بالحركة الإصلاحية المباركة التي بدأت في القرن
السادس عشر والتي أرجعت للكنيسة حيويتها وإيمانها الكتابي. إنْ فَهِمْنا هذه
الرسالة كما يجب فإننا نفهم أهم مواضيع الوحي الإلهي ولذلك فإننا نبدأ دراستـنا
لأسفـار الكتـاب المقـدس في رومية راجين من الله تعالى الذي أوحى بمحتويات هذه
الرسالة إلى عبده ورسوله بولس أن يفتح قلوبنا لتقبل هذه التعاليم المحررة
والمنيرة.

 

فالرسالة
إلى رومية تبحث في هذه المواضيع الثلاثة التي تهم كل إنسان:

 

1.
الشقاء والتعاسة في حياة الإنسان:

كيف
وصل الإنسان وهو المخلوق العاقل إلى هذه الدرجة من الشقاء والتعاسة؟ ما هو التشخيص
الحقيقي والواقعي لحالة الإنسان الكئيبة؟ جواب الرسالة إلى رومية هو أن الإنسان في
حالته الحاضرة ليس في مكان يحسد عليه لأنه ثائر ومتمرد على الله خالقه وهو يبتعد
عنه بشكل متواصل مفضلاً عبادة الإنسان والمخلوقات الأخرى على عبادة الله الحي.

 

2.
الخلاص:

يتكلم
الرسول في رسالته إلى رومية عن موضوع الخلاص من حالة البؤس الروحي المسيطر على
الإنسان بسبب خطيته. وهذا الخلاص هو إنجيل أي خبر مسر مصدره الله إذ أنه تعالى لم
يترك الإنسان في حالته التعيسة بل عمل له خلاصاً عظيماً بإرسال ابنه الوحيد يسوع
المسيح إلى العالم لينتصر على الخطية وينقذ الإنسان من سيطرتها الغاشمة.

 

3.
الشكر والامتنان:

يعلمنا
بولس الرسول في رسالته إلى رومية عن واجب الشكر الذي يقع على كل إنسان قبل شروط
المصالحة مع الله. لأن الله لا يخلِّص المائت في الخطية ليتركه عائشاً حياةً
منكسرة وبدون غاية نبيلة بل إنه يجند الخالص ليحيا له مظهراً في حياته صحة الخلاص
الذي تم فيه بواسطة عمل المسيح الفدائي على الصليب. كل ما يلزمنا في حياتنا
الروحية مذكور في الرسالة إلى رومية، لنعزم إذن على دراستها والحياة بنورها.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي