الإصحَاحُ
الثَّالِثُ

 

في
(3: 1- 20) لدينا الاتهام الكبير، وتلخيص لكل ما سبق. ليس هناك تمييز أخلاقي بين
اليهودي والأممي. فالكل محرومون من البر. والجميع محتجزون للدينونة، ما لم يكن لدى
الله بر ذاتي يوفره لهم.

 

أن
يكون لليهود مزايا معينة على الأمميين أمر مسلمٌ به كدليل قائم بذاته، ومن بين هذه
المزايا هو استحواذهم على الكتابات المقدسة، أقوال الله النبوية. ولكن هذه
الكتابات المقدسة نفسها تجعل إثمهم أكثر وضوحاً. وحتى لو لم يكن لديهم في الحقيقة
إيمان بهذه الكتابات المقدسة ومع ذلك فإن عدم إيمانهم لا يمكن أن يُبطِلَ أمانة
الله. فهو سوف يفي بوعده حتى لو لجأ إلى تنحية الشعب الذي اختاره لنفسه. لابد أن
يكون صادقاً رغم أن الآخرين جميعاً يظهرون العكس. وفي دينونته سيحفظ بره، كما أقرّ
داود في المزمور 51 (الآيات1- 4).

 

فهل
إثم الإنسان هو فقط إعداد للطريقة التي يُظهر بها الله برّه، وهل هذا ضروري في هذه
الحالة؟ إن كان الأمر كذلك، فالخطيئة إذاً هي جزء من المخطط الإلهي ولا يمكن
اعتبار الإنسان عُرضةً للمحاسبة أو المساءلة. ولكن هذه الفكرة يدحضها بولس الرسول
بسخط. فالله عادلٌ. وسوف يدين البشر على خطاياهم بالبر. وما كان لهذا أن يكون لو
كانت الخطيئة قد سبق تعيينها وتقريرها. إن كان هذا الأمر حقيقياً فإنه سيكون
للإنسان الحق لأن يعترض قائلاً: "إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ
بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟" ومن هنا
فإن ما تناقله البعض بافتراء على أنه تعاليم بولس قائلين: "لِنَفْعَلِ
السَّيِّآتِ لِكَيْ تَأْتِيَ الْخَيْرَاتُ" يكون صحيحاً إذاً. ولكن كل من
يدافع عن هذا الرأي إنما يُظهر ضعف الحس الأخلاقي لديه. وإن إدانتهم عادلة وواجبة.

 

بعد
ذلك نجد في الآيات 9- 20 حكم المحلّفين الإلهي على الجنس البشري برمته. فليس
اليهودي بأفضل من الأممي. فالجميع سواسية تحت الخطيئة- بمعنى أنهم عبيد لها. وهذا
ما يؤكده العهد القديم. وكمحامٍ محترف بارع يورد بولس الحجة تلو الأخرى ليدعم
قضيته. وإن الاقتباسات في معظمها هي من المزامير، وواحدة منها من أقوال النبي
اشعياء (انظر المزامير 14: 1-3؛ 53: 1- 3؛ 5: 9؛ 140: 3؛ 10: 7؛ واشعياء 95: 7، 8؛
والمزمور36: 1). وفي هذه شهادات ما كان اليهودي قادراً على دحضها، وهي آتية من
كتابه المقدس المسلم به ذاته. هناك أربعة عشر جلسة محاكمة واضحة في مرافعة الإدعاء
هذه أو خلاصة الأدلة.

 

1- "ما
من صالح، لا، ولا واحد". فالجميع أخفق في أمر ما.

2- "ما
من أحد يفهم". فالجميع صاروا جاهلين عن عمد.

3- "لا
أحد يطلب الله". والكل يسعون وراء ذواتهم.

4- "الجميع
ضلوا سواء السبيل". لقد أداروا ظهورهم للحق عن عمد.

5- "أصبحوا
جميعاً لا نفع فيهم". فقد أنكروا الله بدل أن يمجدوه.

6- "لا
أحد يعمل الصلاح، لا، ولا واحد". فممارساتهم شريرة. ولا يتبعون الصلاح.

7- "حنجرتهم
قبر مفتوح" وذلك بسبب الفساد في داخلهم.

8- "بألسنتهم
لجأوا إلى الكذب". فالكذب والخداع يميزهم.

9- "سمّ
الأفاعي تحت شفاههم". إنه السم الذي أُدخل إلى نفس طبيعة الإنسان عن طريق
"الأفعى القديمة، إبليس والشيطان" منذ البدء.

10- "فمهم
ممتلئ لعنةً ومرارةً لأنه "من فضلة القلب يتحدث الفم".

11-
"أقدامهم سريعة إلى سفك الدماء". والكراهية تنتج جريمة، ويا للأسف، كم
هي كثيرة المظاهر التي تتبدى فيها الجريمة.

12- "الدمار
والبؤس في طريقهم" لأنهم نسيوا الله مصدر الحياة والبركة.

13- "لم
يعرفوا طريق السلام" لأنهم اختاروا عن قصد طرق الموت.

14- "ليست
مخافة الرب أمام أعينهم". لذلك ليس فيهم حكمة.

هل تبحث عن  هوت مقارن تبسيط الإيمان 61

 

هل
يستطيع أحد أن يستأنف قائلاً "ليس مذنباً" (أي بريئاً) إزاء كل هذه
التهم؟ إن كان كذلك، فليتحدث. ولكن ما من أحد يستطيع بصدق أن يفعل ذلك. ولذلك يأتي
بولس الرسول إلى الاستنتاج قائلاً: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا
يَقُولُهُ النَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ الَّذِينَ فِي النَّامُوسِ لِكَيْ
يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ.
لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ.
لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ" (الآيتان 19 و 20).

 

وهوذا
الله يقول من جديد، كما في أيام نوح: "نهاية كل ذي جسدٍ أن يأتي أمامي"،
"الَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا
اللهَ". "الجسد لا ينفع شيئاً". يا لبطء إدراكنا وتعلمنا لذلك! وكم
يصعب على الإنسان الطبيعي أن يتخلى عن كل إدعاء بالبر وأن يخرّ راكعاً في رمال
دنيوية الذات والتوبة أمام الله، ليكتشف فقط آنذاك أن هذا هو نفس المكان الذي تنسكب
فيه النعمة عليه.

 

لقد
أُعطي الناموس لشعب معين كما رأينا. وهم وحدهم كانوا "تحت الناموس". ولم
يكن الأمميون هكذا، وها قد أخبرنا بولس لتوه في (2: 12- 14) كيف أن فشل أولئك
الذين كانوا آنذاك تحت الناموس قد جعل العالم كله يقف مذنباً أمام الله. لربما
يساعدنا الإيضاح التالي في فهم المسألة أكثر. كان ثمة رجل يملك مربى ماشية في
البرية بحجم كبير. فقيل له أنه لا ينفع كمرعى للماشية أو أرض زراعية. ولذلك
يُسَيّج اثنتي عشر أَكْراً، ويحرثها، ويمهد التربة فيها، ويسمّدها، ويبذرها،
يفلحها، ويحصد القَصْعين والصبار فقط. ليس من فائدة تُرجى في أن يحاول العمل في
بقية الأرض، إذ أن لها جميعاً نفس المواصفات. فيقول أنها لا تنفع لشيء في الزراعة
هذا من وجهة نظر علم الزراعة. كانت إسرائيل هي الأكرات الاثني عشر لله. أعطاهم
ناموسه، وأرشدهم، وأدبّهم، وحذرهم، وكبح جماحهم، وحماهم، وأرسل لهم ابنه، فرفضوه
وصلبوه. واشترك الأمميون في هذا الفعل. فجميعهم تحت دينونة الله. فلا فائدة من
امتحانات أخرى. ليس في الجسد شيء من الله. الإنسان فاسد للغاية. وليس هو بمذنب
أثيم وحسب، بل عاجز تماماً عن استرجاع أو إصلاح حالته. لقد أثبت الناموس ذنبه. ولا
يمكنه تبرئة هذا الذنب، بل يدينه فقط.

 

كم هي
بائسة وباعثة على اليأس هذه الصورة! ولكنها الخلفية القاتمة التي سيُظهر الله
عليها غنى نعمته في المسيح يسوع.

 

المحاضرة
4 الإنجيل وخطايانا

(3:
21- 5: 11)

بشعور
بالارتياح الكبير ننتقل من القصة الحزينة لخطيئة الإنسان وخزيه لنتأمل في النعمة
العجيبة لله كما يظهرها لنا الإنجيل، والتي فيها العلاج من الدمار الذي نتج عن
السقوط. وهذا الإعلان للبشرى السارة يقع في جزأين: فيظهر أولاً الإنجيل وهو يتناول
موضوع خطايانا: ثم، وعندما تتم تسوية هذه المسألة المتعلقة بخطايانا، يأتي مبدأ
الخطيئة في أن الخطيئة هي في الجسد، أي في الذهن الجسداني الشهواني الذي يسيطر على
الإنسان غير المخلَّص وغير المتجدد. الموضوع الأول تم بحثه في القسم (3: 21- 5:
11)، وهذا الموضوع التالي سنناقشه الآن.

 

يقول
كاتب الرسالة: "وأما الآن". وهذا يوحي بتغيير مقصود في موضوع الحديث.
أما الآن وقد صار الإنسان مكشوفاً كلياً، فإن الله سيُعلن. أما الآن وقد ثبت
بالبرهان إثم كل البشر "يظهر برّ الله". في القديم كان يرد القول:
"سأُظهر برّي". وهذا البر لا يُقصد به البر المكتمل المعترف به، لأن هذا
النوع من البر ما كان الإنسان قادراً على أن يحصل عليه من الله. إنه برّ
"بدون الناموس"، أي أنه مستقل تماماً عن أي مبدأ بالطاعة البشرية
للشريعة الأخلاقية الإلهية التي رسمها الله. إنه بر الله للإنسان الآثم، ولا يستند
إلى استحقاق بشري باستحواذه.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد رسالة يوحنا الرسول الأولى 01

 

إن
برّ الله تعبير ذو معنى كبير واسع. وهنا يعني بر الله الذي يتخذ به الله موقفاً
مثالياً بالنسبة للناس المذنبين يجعل الله نفسه مسؤولاً عنه. فإن خَلَصَ الناس
أبداً فهذا سيكون في البر. ولكن الإنسان محروم كلياً من هذا. ولذلك لابد أن يجد
طريقة يحقق فيها مطلب عرشه العادل، وفي نفس الوقت يبرر الخطأة الآثمين من كل شيء.
إن طبيعته ذاتها تتطلب ألا يكون ذلك على حساب البرّ بل في انسجام كامل معه.

 

وهذا
ما كان يجول في فكر الله منذ البدء. إنه "مشهودٌ له". أو يتضمن شهادة
"من الناموس والأنبياء". فيصوره موسى بأشكال عديدة من الجمال الأخّاذ.
وإن أغطية الجلد الذي أُلبِسَ لجدينا الأولين، والأضاحي المقبولة بالنيابة عن
مقدميها، ورمز خيمة الإجتماع العظيم، كل هذا يدلنا على قصة البر الذي وهبه الله
للخاطئ الفاجر الذي يؤمن به. الأنبياء أيضاً تناولوا نفس القصة. وتنبأوا عن مجيء
البار الذي سيتوجب عليه أن يموت لكي يقرّب الأثمة إلى الله. لقد هتف داود صارخاً:
"خلّصني في برك" و"انضحني بالزوفى فأطهر. اغسلني فأَبْيَضَّ أكثر
من الثلج". ويقول إشعياء: "لقد أَلْبَسَنا كساء الخلاص في ثوب
البر"، لأن "تأديب سلامنا عليه" ذاك الذي "جُرحَ لأجل
معاصينا". ويقول إرميا: "هذا هو اسمه الذي سيُدعى به، إله برّنا".
وكان الوعد لحزقيال: "سأنقذك من كل آثامك". وتنبأ الملاك جبرائيل
لدانيال بإقامة "المصالحة لأجل الآثام" وتحقيق "البر الذي لا
انقضاء له". ويتناول من يُدعون بـ (الأنبياء الصغار) نفس الموضوع، وكل شيء
يشير مسبقاً إلى الآتي الذي به سيتم الخلاص يقيناً لجميع الذين يتوبون؛ فعبد يهوه
الذي سيصبح الراعي المتألم لفداء الإنسان "لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ
الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ
الْخَطَايَا»" (أعمال 10: 43).

 

إن بر
الله هو بر "بالإيمان". وليس "بالأعمال". والإيمان هو الثقة
بكلمة الله ووعده. ولذلك فقد أرسل الرسالة إلى الإنسان لكي يؤمن بها. إنه عرض البر
الموثوق الذي لا يرقى إليه الشك للجميع، ولكنه فقط لكل الذين يؤمنون. هناك سؤال
يتعلق بالنص الذي نقرأه هنا. فبعض المحررين يرفضون عبارة "لكل". ولكن
ليس هناك شك في الحقيقة الضمنية التي يدل عليها هذا التعبير. فإن الله يقدم البر
مجاناً للجميع. وهذا يشمل كل الذين يؤمنون وهم وحدهم فقط. فالجميع بحاجة لهذا البر
على حد سواء، لأن الجميع أخطأوا. وليس من خلاف حول هذه النقطة. لم يصل إنسانٌ إلى
الكمال. بل الجميع أعوزهم مجد الله. ولكنه لا يبحث عن أهلية الإنسان. بل يمنح بره
عطية مجانية. ولذلك نقرأ: "مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ
بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ"(الآية 24).

 

أن
نتبرّر يعني أن نُعلَن أبراراً. إنه حكم القاضي الصادر بحق السجين. إنه ليس حالة
أو وضعاً للنفس. نحن نتبرّر لأننا نصبح أبراراً في قلبنا وحياتنا. والله يبررنا
أولاً، ثم يمكّن المتبرر من السلوك في البر العملي. إننا متبررون مجاناً، أي
"بلا ثمن". وبنفس المعنى تأتي الآية في (يوحنا15: 25): "لقد
أبغضوني دون سبب". لم يكن من شر أو إثم في طرق أو حياة يسوع، حتى يكرهه
الناس. لقد أبغضوه بلا سبب. ولذلك فليس في الإنسان خير أو صلاح حتى يبرره الله
لأجله. إنه يتبرّر مجاناً، بدون سبب، عندما يؤمن بيسوع.

 

ويكون
هذا "بالنعمة". والنعمة ليست منّة لا نستحقها وحسب بل النعمة امتياز
نحصل عليه رغم عدم استحقاقنا. إنه صلاح الله، ليس فقط نحو البشر الذين فعلوا أو
يمكنهم أن يفعلوا ما يجعلهم يستحقونه، بل إنه هبة تقدم للناس الذين يستحقون عكس
ذلك بالأحرى، فـ "حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ
جِدّاً".

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ش شتربزناي ي

 

"النعمة
تسود على الخطيئة

والأرواح
المفتداة تترنم بهذا النبأ السار.

فإنها
عميقة لا يُعرف غورها.

ولا
يدرك طولها وعرضها.

وفي
مجـــدها

لتسكن
روحي إلى الأبد".

 وإذاً
حتى يظهر الله النعمة في البر على نحو لا يمكن إنكاره باعتراف جميع الخطأة
المدانين، لابد أن يكون لدى الله مبدأ عادل ومرضي. فالخطيئة لا يمكن إغفالها. ويجب
التكفير عنها. وهذا تحقق "بالفداء الذي بيسوع المسيح". والفداء هو شراء
ما سبق أن بيْعَ. لقد خسر الإنسان حياته بسبب طرقه المعوجة. فبيْعَ تحت الدينونة.
والمسيح القدوس- الإله والإنسان في أقنوم واحد ممَجدٍ، والذي لم يرتكب خطيئة أو معصية-
أخذ مكان المتمرد العاصي الأثيم، ودفع الجزاء كاملاً، محرراً بذلك الخاطئ الذي
يؤمن من الغضب واللعنة التي باع نفسه لهما.

 

"حمل
على عود الصليب العقاب عني

ضامناً
ومحرراً إياي أنا الخاطئ الأثيم".

 

 وذاك
الذي مات يحيا من جديد وهو نفسه الكفارة الأبدية- وبالتحديد عرش الرحمة، المكان
الذي يستطيع الله أن يلاقي فيه الإنسان بدم المسيح الكفاري- المتاح لكل من يؤمن.
يشير الرسول بولس بوضوح إلى عرش الرحمة المرشوش بالدم على تابوت العهد في العهد
القديم. حيث داخل التابوت توجد ألواح الناموس. وفوق الكروبيم "العدل
والحق" قاعدة كرسي عرش الله. وهي جاهزة، كما على الدوام، للانتقال من ذلك
العرش لتحقيق غضب الله العادل على من دنّس قدسية ناموسه. ولكن رُشّ على عرش الرحمة
الدم الذي يرمز إلى ذبيحة الصليب. وهكذا تم إيفاء العدل والحق. "الرحمة تفرح
بالحق" لأن الله نفسه أوجد الفداء.

 

 إلى
أن تألم الرب يسوع عن الخطايا، ذاك البار الذي تألم عن الأثيم، لكي يأتي بنا إلى
الله، لم تكن مسألة الخطية قد حسمت بعد حقيقةً. "إذ ما كان ممكناً لدماء
الثيران والمعز أن تمحو الخطايا". ولذلك فإن قديسي العهد القديم كانوا قد
خلصوا جميعاً "بالدَّيْن"، كما نقول. أما الآن وقد مات المسيح فقد تم
إغلاق الحساب وتسوية الأمر، ويعلن الله بره بالنسبة للخطايا المعلقة في العصور
الماضية عندما كان الناس يتحولون إليه بالإيمان. وبالتالي فإن المقصود في (الآية
25) ليس خطايانا السالفة، بل هي خطايا المؤمنين في الزمن الذي سبق الصليب. وها هو
الله الآن حيث أن العمل قد اكتمل- يعلن برّه. إذ أظهر كيف يمكنه أن يكون عادلاً
ويبرر الخطأة الفجّار الذين يبلغون إلى الإيمان بيسوع. وهذا لا يترك مجالاً
للافتخار بدور الإنسان، بل على العكس يجعل المرء يشعر بالخزي والندم لدى رؤية
الثمن الباهظ الذي دفعه المخلص عن خطايانا، كما ويجعلنا نمتلئ مديحاً بهيجاً إذ
نتأمل في النعمة التي عمَلَت بشكل رائع عجيب لأجلنا. إن الاستحقاق البشري يبقى
خارج لب هذه القضية. فالخلاص بالنعمة بالإيمان. "إِذاً نَحْسِبُ أَنَّ
الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ". وهذا
ينطبق إذاً على الأمميين الذين لا ناموس لهم كما على اليهود متعديي الناموس. فنفس
الخبر السار يعم الجميع. فذاك الذي هو خالق الكل قد صفح عن الجميع، فسيبررُ
المختون، ليس بالطقوس، بل بالإيمان، وأيضاً الأممي الأغرل على نفس المنوال.

 

هل في
هذا إبطال أو تجاهل للناموس؟ لا على الإطلاق. فالناموس كان يدين من ينتهكه ويطالب
بالانتقام من الفاعل. ولهذا وُلدَ المسيح، لكي يرفع سلطان الشريعة، ويخلّص أيضاً
الخاطئين.

 

"فعلى
المسيح ألقى القدير وِزْرَ الانتقام،

ذاك
الذي دكّ أسافل الجحيم،

فحمله
عن جماعةٍ مُصْطَفين،

وصار
ملاذاً للاجئين".

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي