تَفْسِير رِسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ

 

كورنثوس
هى عاصمة أخائية من أعمال بلاد اليونان، وكانت مركزاً تجارياً عظيماً لوقوعها في الطريق
بين روما وبلاد الشرق، وقد اشتهرت بغناها وبانتشار الفساد والخلاعة بين أهلها، وقد
زارها بولس أولاً وبقى فيها 18 شهراً (في سنة 52- 53 بعد الميلاد) وهناك كتب رسالتيه
إلى تسالونيكي. وقد تأسست في كورنثوس كنيسة بواسطة كرازة الرسول بولس، ولهذه الكنيسة
كتب الرسول رسالتين، وفي سنة 58 ميلادية زار كورنثوس مرة ثانية حيث مكث فيها ثلاثة
أشهر (أع 20: 2، 3). وفي خلال تلك المدة كتب رسالته إلى أهل رومية (أع 18: 1- 12،
1 كو 1: 2، 2كو 1: 1، 23). أما كورنثوس الآن فقد صارت قرية صغيرة تدعى جورثو
Gortho لازالت بها بقايا وآثار عظمتها
القديمة.

بعد زيارة
الرسول بولس الأولى لكورنثوس بنحو ثلاث سنوات سمع الرسول أنه حدثت بينهم انقسامات
(1 كو 1: 11، 12) وأنهم قد سمحوا ببقاء الشر في وسطهم (1 كو 5: 1) وأن بعضاً منهم قالوا
بأنه سوف لا يكون قيامة للأموات (1 كو 15: 12). هذه الأشياء مضافاً إليها أنه استلم
مكتوباً منهم بالاستفسار عن بعض أمور (1 كو 7: 1) كانت باعثاً له على كتابة رسالته
الأولى.

ويمكن
القول بأن الرسالة الأولى تتضمن مبادىء وإرشادات عن ترتيب ونظام الكنيسة الداخلي.

 

"
الرسالة الأولى"

يجب مراعاة
أن هذه الرسالة، ولو أنها كتبت إلى كنيسة الله التي في كورنثوس ولكنها أيضاً إلى «جميع
الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان» وهذا معناه أن هذه الرسالة موجهة إلى
جميع المعترفين بالرب يسوع كمسئولين أمامه.

ص 1

يقدم الرسول
الشكر لله، ليس لأجل إيمانهم، كما في الرسالة إلى أهل رومية، بل لأجل عطايا ومواهب
النعمة، ولأنهم متوقعون استعلان ربنا يسوع المسيح، وهنا نرى مسئولية المؤمنين الخطيرة
المقترنة بكلمات التشجيع « أمين هو الله الذي به دعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح ربنا
» (ع 4- 9).

وبعد المقدمة
يدخل الرسول في أول مواضيع الرسالة فيستذنبهم للإنقسامات الحادثة بينهم «هل انقسم المسيح؟»،
فبولس لا يقبل أن يكون رأساً لفريق أو جماعة منهم لأنه لا هو ولا غيره صلب لأجلهم،
ولما أتاهم بولس لم يكرز إلا « بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة وأما
للمدعوين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله »، وأن الله اختار الجهال
والضعفاء والأدنياء والمزدرى وغير الموجود لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه، أما هؤلاء
الذين لا شأن ولا مركز لهم في العالم فقد صار لهم المسيح حكمة من الله و براً و قداسة
وفداء حتى كما هو مكتوب « من افتخر فليفتخر بالرب».

ص 2

لما أتى
الرسول إليهم لم يأت بسمو الكلام أو بحكمة هذا العالم، بل كرز لهم بيسوع المسيح مصلوباً،
لأن حكمة هذا العالم هى جهالة. الإعلان المعطى للرسل لم يكن من إنسان بل من الله، وهم
قد قبلوه بروح الله وتكلموا به لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس،
لأن إعلاناً كهذا لا يستطيع أن يدركه ويقبله الإنسان الطبيعي لأن عنده جهالة (أي أن
الإنسان الطبيعي عنده أن إعلاناً كهذا هو جهالة) لأنه إنما يحكم فيه (أي أن هذا الإعلان
يُدرك ويميز) روحياً.

 

ص 3

لم يكن
الكورنثيون « طبيعيين» كما كانوا قبل الإيمان، وفي نفس الوقت لم يكونوا « روحيين» كما
كان يجب أن يكونوا، بل كانوا «جسديين» فلم يستطع أن يكلمهم كروحيين بل كمسيحيين ذوي
أفكار جسدية احتاجوا إلى أبسط الأطعمة – إلى طعام الأطفال، وقد وضع الرسول خدمته وخدمة
أبولس في موضعهما الصحيح، فلم يكونا سوى عاملين في فلاحة الله، وبولس كبناء وضع الأساس
«الذي هو يسوع المسيح»، لذا يحذر الآخرين لينظر كل واحد كيف يبني عليه، وستمتحن نار
الدينونة (أمام كرسي المسيح) عمل كل واحد، فإذا لم يحتمل الإمتحان فلابد أن يحترق بجملته
فيخسر العامل أجرته، وإن كان أحد يفسد هيكل الله، كأن ينكر الحق الأساسي مثلاً فالله
سيفسد ذلك الإنسان. القديسون هم هيكل الله وذلك الهيكل مقدس. إذن لا يفتخرن أحد بالناس،
لا ببولس ولا بأبلوس.

ص 4

الرسل
هم خدام المسيح ووكلاء سرائر الله، وهذه السرائر هى الحقائق المسيحية التي كانت قبلاً
مكتومة وغير معلنة لأنها لا تتفق مع الروح اليهودية الأرضية الضيقة ولكنها لازمة وجوهرية
بالنسبة للإنجيل والكنيسة. وهذه السرائر ليست لها أية علاقة بالفرائض أيا كان قدرها
ونوعها. والوكيل يجب أن يكون أميناً، والرب وحده هو الذي يحكم في ذلك وليس القديسون
الذين ليس لهم الحق ولا القدرة على إجراء ذلك، ولكن مسئوليتهم تنحصر في الأمور التأديبية
كما سنرى في ص 5، وعندما يأتي الرب سينير الخفايا وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله.
جميع خدام الرب هم للقديسين لهذا لا يليق تعظيم الواحد على الآخر. لقد كان الكورنثيون
في رغد كما لو كانوا قد صاروا ملوكاً (كأن غرض الإنجيل هو أن يجعل الناس ناجحين في
هذا العالم) مع أن الرسل كانوا في آلام متنوعة وبلا كرامة، ومع أنهم كانوا يُشتمَون
ولكنهم كانوا يباركون. والرسول كأب لهم في المسيح يطلب منهم أن يتمثلوا به.

ص 5

في هذا
القسم من الرسالة يعالج الرسول الأمور الرديئة التي وصلت أخبارها إليه، وهذه ليست الخاصة
بروح الانقسام والحزبية التي عالجها الرسول تماماً في الأصحاحات 1- 4، ولكنها خاصة
بشرور معينة، مثل تلك الخطية الشنيعة التي حدثت بينهم ولكنهم لم يدينوها (ص 5) ومحاكمتهم
بعضهم لبعض عند الظالمين وليس عند القديسين، وإساءة استعمال الحرية، والخلاعة (ص
6).

لقد كان
محزناً للرسول أن يكتب لهم عن خطية الزنى التي كانت بين المؤمنين الكورنثيين، الأمر
الذى ليس له مثيل حتى بين الأمم، أي أن تكون للإنسان امرأة أبيه (ص 5: 1)، ولكنه كان
أمراً مروعاً أكثر أن القديسين عامة قد انتفخوا ولم ينوحوا حتى يرفع من بينهم الذي
فعل هذا الفعل، والرسول كأنه حاضر معهم يحكم في الذي فعل هذا هكذا « باسم ربنا يسوع
المسيح إذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك
الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع »(ص 5: 2- 5). وقد شاءت الحكمة الإلهية أن يسجل
في هذا الفصل مبدأ عزل الخبيث من بين المؤمنين، فبولس بسلطان رسولي يسلم المذنب للشيطان
لهلاك الجسد بآلام متنوعة، كما فعل ذلك مع آخرين (1 تي 1: 20) أما الكنيسة فواجبها
هو عزل الخبيث لغرض صالح ومقدس وهو رجوعه بالحزن والتوبة القلبية، ولكي يوضح الرسول
هذا الحق يستعمل رمز الخمير الذي يشير إلى الشر وقوة تأثيره وانتشاره « خميرة صغيرة
تخمر العجين كله ».

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر صموئيل الأول 22

ص 6

يوبخهم
الرسول لأجل محاكمة بعضهم البعض في المحاكم العالمية « عند الظالمين وليس عند القديسين».
لماذا يظلمون ويسلبون بعضهم بعضاً، ألم يعلموا أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله؟ أما
هم فقد اغتسلوا بل تقدسوا بل تبرروا باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.

ثم أنه
يعالج خطأهم في سوء استعمالهم الحرية فيما يتعلق بالأطعمة. إن الجسد هو للرب، وكما
أقام الله ربنا من الأموات سيقيمنا نحن أيضاً ويغيرنا إلى صورة جسد مجده، لذا يجب علينا
أن نسلك كما يليق بذلك إذ أن أجسادنا هى أعضاء المسيح فلنحرص على أن نحفظها طاهرة.
جسد كل واحد منا هو هيكل للروح القدس (وذلك بالمقابلة مع ص 3: 16 حيث يشار إلى المؤمنين
بجملتهم أنهم هيكل الله) « قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي
هى لله».

ص 7

في هذا
القسم من الرسالة يجيب الرسول على أسئلتهم بخصوص الزواج والأطعمة.

فالزواج
ترتيب إلهي لجميع الجنس البشري، ومع ذلك قد يعطي الرب شخصاً القدرة على عدم الزواج،
وهذه الحالة تعتبر هبة من الله (ع 7). أما المسيحية فإنها بكل أسف قد شوهت هذه الحكمة
المقدسة بما وضعته من نظم بشرية لمنع الزواج، ويختم الفصل بالإشارة إلى هذا المبدأ
الهام، وهو أن للمؤمن غير المتزوج (رجل أو امرأة) الحق في أن يتزوج بمن يريد في الرب
فقط.

ص 8

من جهة
الأكل مما ذبح للأوثان، يشير الرسول إلى بطلان الأوثان لأن « ليس إله آخر إلا واحداً»،
ومع ذلك فإنه ينبّر على النتائج السيئة في ضمير الأخ الضعيف إذا رأى أخاه المسيحي متكئاً
في هيكل وثني. إنه بهذا يخطىء إلى الإخوة ويجرح ضميرهم الضعيف ويخطىء إلى المسيح.

ص 9

هذا الأصحاح
أقوال معترضة، وفيها يثبت الرسول صحة رسوليته التي أنكرها بعضهم، ويثبت أيضاً حقه في
أن يأكل ويشرب وأن يجول بأخت زوجة كباقي الرسل وإخوة الرب وصفا « أم أنا وبرنابا وحدنا
ليس لنا سلطان أن لا نشتغل؟». ويبرهن أيضاً أن لكل عامل الحق في العيش من مهنته – كالجندي
والكرام والراعي، والحراث والدارس، والكهنة الذين يلازمون المذبح، وأنه «هكذا أيضاً
أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون»، ومع ذلك فإن الرسول بولس لم
يستعمل هذا الحق أو السلطان لنفسه، وإذ كان حراً من الجميع استعبد نفسه للجميع ليربح
الأكثرين. فهو كشريك في الإنجيل عاش طبقاً لتعليمه، وليس كآخرين قد كرزوا به دون أن
يعيشوا في قوته، لئلا بعدما كرز للآخرين يكون هو نفسه مرفوضاً. هذا التحذير حوّله إلى
نفسه كقوله في (ص 4: 6) «فهذا حولته تشبيهاً إلى نفسي وإلى أبلوس من أجلكم» فقد كان
الكورنثيون في خطر مثل كثيرين من الاسرائيليين كما سيجىء في الأصحاح التالي.

ص 10

يشير إلى
رفض كثيرين من الاسرائيليين قديماً تحذيراً للكورنثيين « فجميعهم اعتمدوا لموسى في
السحابة وفي البحر، وجميعهم أكلوا طعاماً واحداً روحياً وجميعهم شربوا شراباً واحداً
روحياً» (ع 1- 4)، فهل يليق بالمسيحي أن يكون أكثر تهاوناً منهم لأن امتيازاته الآن
أعظم؟ إن عبادة الأوثان خطر عظيم على المعترف بالمسيح كما كانت على اليهودي، ولكن الذي
يجعل خطورتها أعظم بالنسبة للمسيحي هو موت المسيح ومائدة الرب التي هى شركة جسد المسيح
ودمه (كما في ذبيحة السلامة التى كان يحرق جزء منها على المذبح وجزء للكهنة وجزء لمقدم
الذبيحة) لذا لم يكن لائقاً بهم أن تكون لهم شركة مع الأوثان، لأن وراء كل وثن شيطاناً.
إن الحرية الحقيقية نافعة لأنها تؤول إلى البنيان، ولكن لا يجوز قط أن تمارس الحرية
على حساب مجد الله الذي يجب على المسيحي أن يفعل كل شىء لأجله، فيكون بلا عثرة لليهود
ولليونانيين ولكنيسة الله، كما كان الرسول نفسه يرضي الجميع في كل شىء غير طالب ما
يوافق نفسه بل الكثيرين لكي يخلصوا، وهو يطلب منهم ثانية أن يتمثلوا به كما هو أيضاً
بالمسيح (ص 11: 1).

ص 11

إن المسيح
هو رأس الرجل، وأما رأس المرأة فهو الرجل، لذا يجب على المرأة (وليس الرجل) أن تغطي
رأسها عندما تتنبأ أو تصلي كعلامة لخضوعها، ويجب أن يرى الملائكة الحشمة واللياقة في
هذا الأمر في وسط بيت الله. أما عدم الإيمان فينسى هذا الأمر أو لا يبالي به. أما إذا
تصرفت المرأة مثل الرجل في ذلك أو في قص شعرها فهذا قبيح بها. أما الرجل فلا يغطي رأسه.

كان الكورنثيون
يجتمعون « ليس للأفضل بل للأردأ»، وإنه لأمر محزن حقاً أن فرصة ثمينة كهذه فيها يجتمع
المؤمنون لأكل عشاء الرب يستهينون فيها بكنيسة الله ويخجلون الفقراء، مع أنه سلمهم
ما تسلمه من الرب وذلك لكي يذكروه (أي الرب) في موته لأجلهم كمن هو موضوع سجودهم وتعبدهم.
أما التهاون في هذا الأمر وعدم الحكم على الذات فإنه يجلب على المؤمنين تأديب الرب
لكي لا يدانوا مع العالم.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية بنيامين بنكرتن 03

 

ص 12

موضوعه
المواهب (أو الظهورات) الروحية، فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد، وأنواع خدم موجودة
ولكن الرب واحد، وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل. ويلي
ذلك قائمة بالمواهب المتنوعة، وجميع المؤمنين الحقيقيين قد اعتمدوا بروح واحد إلى جسد
واحد.

والمواهب
هى ظهورات لقوة الروح القدس الساكن في الكنيسة، والذي يعمل لمجد المسيح.

وقد وضع
الله أناساً في الكنيسة، أولاً رسلاً، ثانياً أنبياء، ثالثاً معلمين إلخ. فالخدمة إذاً
(أي ممارسة المواهب) قد وضعت في الكنيسة، وليست قاصرة على خادم الكنيسة. والمواهب التي
للبنيان تمارس بنفس المبدأ الإلهي كالمواهب المعجزية (مثل القوات والشفاء والألسنة
إلخ). وإنما المواهب التي للبنيان لها أهمية تفوق بما لا يقاس المواهب المعجزية ولها
المكان الأول ولو أن الكورنثيين لم يفهموا ذلك.

ص 13

ومع ذلك،
فإن هناك ما هو أسمى وأفضل من الكل وله لزومه وضرورته في ممارسة المواهب على الوجه
الصحيح، وفي وجود جميع القديسين في الحالة التي تؤول لحمد الرب ومدحه. تلك هى المحبة
– المحبة التي سُمع صوتها الحلو وشوهدت وامتحنت حتى الموت في الإنسان الكامل ربنا يسوع
المسيح، وهى أمر جوهري بالنسبة للمسيحي كفرد، الذي لابد أن يحب لأنه ولد من الله، كما
أنه جوهري بالنسبة لكنيسة الله، لأن امتلاك جميع المواهب بدون المحبة لا قيمة له مطلقاً.«المحبة
لا تسقط أبداً….» «و لكن أعظمهن المحبة».

ص 14

موضوعه
ممارسة أعضاء الجسد المشار إليه في ص 12 للمواهب الروحية بينما هم مجتمعون معاً، فالمحبة
هى الينبوع والبنيان هى النتيجة العملية لذلك، أما في كورنثوس فكان التشويش إذ أساءوا
استخدام مواهبهم ولاسيما الألسنة. فالبنيان هو ما يجب أن يراعى في ممارسة واستخدام
المواهب الروحية، كما أنه يجب أن يكون كل شىء بلياقة تتفق مع غرض الروح القدس الساكن
في الكنيسة ولكرامة ومجد الرأس المبارك.

كانت هناك
وقتئذ حاجة إلى الإعلانات، أما الآن فقد كملت الإعلانات في كلمة الله. إنه من الخطأ
الظن بأنه توجد الآن «إعلانات» أو (رسائل) لأن هذه خدعة وضلالة العامل فيها هو الشيطان
نفسه. ويضع الرسول قواعد يجب على المؤمنين المجتمعين عامة وذوي المواهب بصفة خاصة،
وبينهم الأنبياء مراعاتها وفيها أمر صريح للنساء بالصمت في الكنيسة، وهن يستطعن أن
يمارسن مواهبهن خارج الكنيسة، في البيت كبنات فيلبس الأربع اللواتي كن يتنبأن (أع
21: 9).

ص 15

يتضمن
موضوعاً جوهرياً وهو قيامة المسيح ونتائجها. فقد ظن بعض الكورنثيين أن لا قيامة للأموات،
والرسول يعالج الموضوع من أساسه في المسيح المقام من الأموات، والمسيحي قد اتحد به،
والرسول ينظر إلى القيامة كأمر جوهري ليس في ارتباطه بمشورات الله فقط بل وبالإنجيل
الذي يذيع البشارة المفرحة عن موت المسيح وقيامته المؤيدة بشهادة شهود عديدين كان الرسول
آخرهم (ص 15: 1- 11) ثم في ع 12 – 19 يثبت قيامة المسيح من بين الأموات باعتبارها الحق
أو البرهان القاطع على بطلان قولهم بعدم قيامة الأموات « فكيف يقول قوم منكم أن ليس
قيامة أموات؟»، لأن هذا بمثابة إنكار لقيامة المسيح نفسه، وإن كان الأمر كذلك فباطلة
كرازة الرسول وباطل إيمانهم فإنهم بعد في خطاياهم، وأن جميع الذين رقدوا في المسيح
قد هلكوا وأن المؤمنين الأحياء هم أشقى جميع الناس، ويؤيد الرسول حججه بإعلان مختصر
ولكنه محكم وجلي وعميق جداً «ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين
فإنه إذ الموت بإنسان بإنسان أيضاً قيامة الأموات»، فآدم والمسيح هما الرأسان- في الأول
يموت الجميع وفي الثاني يحيا الجميع، ولكن كل واحد في رتبته. المسيح باكورة ثم الذين
للمسيح في مجيئه. وبعد ذلك النهاية متى سلم الملك لله الآب متى أبطل كل رياسة وكل سلطان
وكل قوة لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه، والموت الذي هو آخر عدو
سيبطل لأنه أخضع كل شىء تحت قدميه…ومتى أخضع له الكل فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع
للذي أخضع له الكل كي يكون الله الكل في الكل (ع 20- 28)، فقيامة الذين هم له ستكون
عند مجيئه وسيملكون معه. أما النهاية فهى عندما يقيم الذين ليسوا له ليدينهم، وسيسلم
الملك بعد إخضاع جميع الأعداء، وفي هذا المشهد الأبدي يكون لا الآب فقط بل "الله"
(الآب والابن والروح القدس) الكل في الكل.

بعد ذلك
يعود الرسول إلى حججه الدامغة، ففي ع 29 يشير إلى ع 18، وفي ع 30 يشير إلى ع 19 لكي
يجعل كلامه آنفاً واضحاً وجلياً، فلماذا بالمعمودية يقبل أولئك المؤمنين رجاءً باطلاً
وحقيراً ويشتركون في حياة معرضة للخطر إن كان الأموات لا يقومون؟

وقد كانت
حياة بولس معرضة للخطر من أجل رجاء القيامة. يجب على المؤمنين أن لا يضلوا، فإن المعاشرات
الردية تفسد الأخلاق الجيدة، وعليهم أن يصحوا للبر ولا يخطئوا لأن عدم معرفة حقيقة
القيامة هو عدم معرفة بالله (ع 34).

ولماذا
يتساءلون بأسئلة غريبة في هذا الموضوع مع أن الله أحاطنا بحقائق طبيعية لها نفس هذه
الخاصية، فالحنطة وغيرها من البذور بعد أن تموت في الأرض تحيا ثانية بالجسم الجديد
الذي يعطيها الله إياه، وهكذا في أمر القيامة. ثم يعود إلى الكلام عن آدم الأخير –
الإنسان الثاني بالمباينة مع الأول، ونحن الذين آمنا سنلبس في الوقت المعين صورة السماوي
كما نلبس الآن صورة الترابي.

وهذا قد
قاد الرسول إلى الكلام عن السر الذي لم يعلن في العهد القديم «لا نرقد كلنا ولكننا
كلنا نتغير…»(ع 51، 52)، وهذا الحق المسيحي الجديد يربطه الرسول بإشعياء 25: 8 و
هوشع 13: 14 وذلك ليجمع في المسيح السماويات والأرضيات معاً، لأن ملكوت الله كما أوضح
الرب (يو 3: 12) يشمل كليهما. لذا يدعو الرسول إخوته الأحباء بأن يكونوا « راسخين غير
متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبهم ليس باطلاً في الرب».

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب بيثينية ة

ص 16

كما أوصى
كنائس غلاطية بالجمع لأجل القديسين الفقراء في أورشليم، كذلك طلب من الكورنثيين أن
يفعلوا هم ذلك أيضاً، فاليوم الأول من كل أسبوع له قيمته لدى المسيحي الذى تمتع ببركة
الرب الغنية والنعمة غير المحدودة، لذا عليه أن يضع عنده في ذلك اليوم خازناً ما تيسر.

ثم يطلب
إليهم بأن لا يحتقروا تيموثاوس إن أتى عندهم لأنه أمين في خدمة الرب.

ويطلب
إليهم بأن يسهروا ويثبتوا في الإيمان وأن يكونوا رجالاً أقوياء« ولتصر كل أموركم (أو
كل ما تعملونه اعملوه) في محبة» أما هم فقد فشلوا في كل شىء.

وقد عرف
الكورنثيون بيت استفانوس وأنهم باكورة أخائية وقد رتبوا أنفسهم لخدمة القديسين، لذا
يطلب الرسول منهم بأن يخضعوا لمثل هؤلاء وكل من يعمل معهم ويتعب. وواضح أننا لا نسمع
عن شيوخ معينين في الرسالتين إلى كورنثوس، لأنهم لو كانوا هناك لكانوا بلا شك تعرضوا
لتوبيخ خاص بسبب حالة الكورنثيين، فبدلاً من وجود شيوخ (الذين كانوا وقتئذ يقامون بواسطة
الرسل أو من بيدهم رسائل كتيموثاوس وتيطس) كان هناك من يخدمون القديسين ويتعبون لأجلهم،
وهؤلاء يليق بالقديسين أن يخضعوا لهم، الأمر الذى نجده واضحاً في رسائل أخرى، وهذه
حقيقة لها أهميتها العظمى في أيامنا الحاضرة وفي ظروف الكنيسة الحالية، والقارىء المخلص
وغير المتصلف لابد أن يدرك هذه الحقيقة جلياً لدى الرجوع إلى (رو 12: 6-8، 1 تس 5:
12، 13، 19، 20، عب 13: 17، يع 3: 1، 1 بط 4: 10، 11).

وإن وجد
الشيوخ أو لم يوجدوا، فإنه واضح بأن الباب كان مفتوحاً لكل الخدمات التي تؤول حيثما
وجدت الموهبة بدون تعيين بشري من أي نوع. فالخدمة، في العهد الجديد هى خدمة للرب متى
مورست في خوف الله وفي المحبة للقديسين.

ويلي ذلك
تسليمات كنائس وأفراد ثم سلامه هو الذي كتبه بيده، وبينما يطلب إليهم أن يسلموا بعضهم
على بعض بقبلة مقدسة ينطق بكلمات اللعنة الشديدة على من لا يحب الرب يسوع المسيح «
ليكن أناثيما. ماران أثا» (أي ملعوناً عندما يأتي ربنا)، أما هم فيصلي لأجلهم « نعمة
الرب يسوع المسيح معكم» ويختم بالقول « محبتي مع جميعكم في المسيح يسوع. آمين».

 

بعض
الشواهد المقتبسة في رسالة كورنثوس الأولى من العهد القديم

 

1-
«….فتبيد حكمة حكمائه ويختفي فهم فهمائه» (إش 29: 14)

1- « لأنه مكتوب سأبيد حكمة الحكماء وأرفض
فهم الفهماء» (ص 1: 19)

 «الآخذ الحكماء بحيلتهم»2-

(أي 5: 13)

2- « لأنه مكتوب الآخذ الحكماء بمكرهم»
(ص 3: 19)

3- « لا تكم الثور في دراسه» (تث 25:
4)

3- «فإنه مكتوب في ناموس موسى لا تُكم
ثوراً دارساً» (ص 9: 9)

4- «وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في
عمود سحاب ليهديهم في الطريق»(خر 13: 21، مز 105: 39)

4- «…إن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة»
(ص 10: 1)

5- «فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على
اليابسة» (خر 14: 22)

5- «…وجميعهم اجتازوا في البحر» (ص
10: 1)

6- «.. وأكل بنو إسرائيل المن أربعين
سنة» (خر 16: 15 – 35)

6- «وجميعهم أكلوا طعاماً واحداً روحياً»
(ص 10: 3)

7-
« فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب ففعل موسى هكذا» (خر 17: 6)

7-
« وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً» (ص 10: 4)

8- « في هذا القفر تسقط جثثكم …الذين
تذمروا علىّ…» (عدد 14: 29- 32)

8- « ولكن بأكثرهم لم يسر الله لأنهم
طرحوا في القفر»(ص 10: 5)

9- «…وجلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا
للعب» (خر 32: 6)

9- « فلا تكونوا عبدة أوثان كما كان أناس
منهم كما هو مكتوب جلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب» (ص 10: 7)

10- « فأرسل الرب على الشعب الحيات المحرقة
فلدغت الشعب فمات قوم كثيرون من اسرائيل»(عدد 21: 6)

10- «ولا نجرب المسيح كما جرب أيضاً أناس
منهم فأهلكتهم الحيات» (ص 10: 9)

11- « فمات الرجال الذين أشاعوا المذمة
الرديئة على الأرض بالوبأ أمام الرب» (عدد 14: 37 و 16: 49)

11- «ولا تتذمروا كما تذمر أيضاً أناس
منهم فأهلكهم المهلك»(ص 10: 10)

12- « كل ذكر من الكهنة يأكل منها…»
(لاويين 7: 6، 15)

 

12- « انظروا اسرائيل حسب الجسد أليس
الذين يأكلون الذبائح هم شركاء المذبح؟»(ص 10: 18)

13- «….والرب وضع عليه إثم جميعنا…»(إش
53)

13- «…أن المسيح مات من أجل خطايانا
حسب الكتب» (ص 15: 3)

14- «لأنك لن تترك نفسي في الهاوية لن
تدع تقيك يرى فساداً»(مز 16: 10)

14- «وأنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث
حسب الكتب» (ص 15: 4)

15- «يبلع الموت إلى الأبد…»(إش 25:
8)

15- «…فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة
ابتلع الموت إلى غلبة» (ص 15: 54)

16- «…أين أوباؤك يا موت أين شوكتك
يا هاوية »(هو 13: 14)

16- « أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا
هاوية»(ص 15: 55)

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي