الإصحَاحُ
السَّادِسُ

 

1
أَيَتَجَاسَرُ مِنْكُمْ أَحَدٌ لَهُ دَعْوَى عَلَى آخَرَ أَنْ يُحَاكَمَ عِنْدَ
الظَّالِمِينَ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ؟ 2 أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ
الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ؟ فَإِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُدَانُ بِكُمْ،
أَفَأَنْتُمْ غَيْرُ مُسْتَأْهِلِينَ لِلْمَحَاكِمِ الصُّغْرَى؟ 3 أَلَسْتُمْ
تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً؟ فَبِالأَوْلَى أُمُورَ هذِهِ
الْحَيَاةِ! 4 فَإِنْ كَانَ لَكُمْ مَحَاكِمُ فِي أُمُورِ هذِهِ الْحَيَاةِ،
فَأَجْلِسُوا الْمُحْتَقَرِينَ فِي الْكَنِيسَةِ قُضَاةً! 5 لِتَخْجِيلِكُمْ
أَقُولُ. أَهكَذَا لَيْسَ بَيْنَكُمْ حَكِيمٌ، وَلاَ وَاحِدٌ يَقْدِرُ أَنْ
يَقْضِيَ بَيْنَ إِخْوَتِهِ؟ 6 لكِنَّ الأَخَ يُحَاكِمُ الأَخَ، وَذلِكَ عِنْدَ
غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ!. 7 فَالآنَ فِيكُمْ عَيْبٌ مُطْلَقًا، لأَنَّ عِنْدَكُمْ
مُحَاكَمَاتٍ بَعْضِكُمْ مَعَ بَعْضٍ. لِمَاذَا لاَ تُظْلَمُونَ بِالْحَرِيِّ؟
لِمَاذَا لاَ تُسْلَبُونَ بِالْحَرِيِّ؟ 8 لكِنْ أَنْتُمْ تَظْلِمُونَ
وَتَسْلُبُونَ، وَذلِكَ لِلإِخْوَةِ! (عدد 1-8). تحصل في الكنيسة تقصيرات وزلات
كثيرة تستحق أنواع التأديب دون القطع. لا يجوز لنا أن نبادر إلى القطع لأجل كل
ذنب. إن كنا نستعملهُ بعجلةٍ وخفةٍ يتضح أننا ما تعلمنا بعد نعمة إلهنا ولا
احتياجنا الشديد إليها. كثر عدد المؤمنين في كورنثوس فلم يلبث أن تحصل بينهم مشاكل
شرعية في أمور الحياة كما في العطاء والأخذ فكانوا يترافعون معًا أمام المجالس
السياسية كأولاد هذا الدهر. الطمع والظلم من أكبر الأسباب التي تنشئ الدعاوي بين
الناس. حتى ند حدوث سوء المفهومية بين اثنين وكبر الاختلاف إلى أن بلغا دعواهما
إلى الحاكم غالبًا يكون الطمع قد أعمى واحدًا منهما أو كليهما عن تمييز الحق.
فإذًا يكون عيب لاثنين من أولاد الله أن يتشارعا معًا. لأننا أولاد النور ويجب أن
نحبَّ الحق والعدل وإذا حصل بيننا اختلاف الأفكار فيما يتعلق بالمسائل الشرعية
علينا أن نقصد أخًا حكيمًا ونعرض المسألة لديهِ فيقضي بيننا ونقبل حكمهُ بكل سرور.
الرسول يفرض أن هذا العمل هين جدًا وإنما يلزم لنا خلق الغرض النفساني والخضوع
للآخرين ناظرين أيضًا إلى خير أخينا كخيرنا، وقد بالغ الرسول في كلامهُ لتخجيلهم
حتى قال بإقامة المحتقرين في الكنيسة قضاة لأخوتهم في أمور الحياة أي الذين لا
يُحسب أن فيهم كثيراً من الحكمة. ثم أرشدهم إلى الطريقة الصوابية يعني أن يقصدون
أخًا حكيمًا في أمور كهذه ويخضعون لحكمهِ؛ لأنهُ من الأشياء العجيبة، إذا وُجدت
جماعة أولاد الله في بلدٍ ما وليس بينهم أخ واحد يثق فيهِ الآخرون أنهُ خبير،
وعادل، ويحكم بالحق في مسألة كهذه.

 

الوحي
يُلقب حكام العالم كظالمين؛ لأنهم من زمان تسليم الحكم إلى أيدي الأمم قد اتصفوا
بالظلم على وجه الإطلاق. لا شك بوجود أفراد منهم يحكمون بالحق، ولكن كيفما كان هذا
الأمر لا يجوز للمؤمنين أن يحاكموا بعضهم بعضًا أمام غير المؤمنين، وهذا ليس لأننا
نفرض السلطان السياسي، فإنهُ من واجباتنا المسيحية أن نخضع لهُ ونقدم الحقوق
الشرعية لجميع ذوي المنصب بحيث أنهم في عنايتهِ وقد سلم السلطان لأيديهم وإن
أساءوا التصرُّف فيهِ أم لا، فذلك لا يُعنيننا الآن. إذا استحضرونا لدعوى يجب أن
نحضر أمامهم ونُجاوب بالحق وبخوف الله تاركين الحكم لهم. ثم إذا سأل القارئ، ماذا
نفعل إذا كان أحد غير المؤمنين يظلمنا ويسلبنا؟ أَنشتكي عليهِ للحاكم؟ أقول: أن
هذا ليس الموضوع هنا. غير أن الرسول يقول لهم: أن الأفضل لهم إذا أصابهم ظلم من
إخوتهم أن يتمثلوا بقوة سيدهم ويحتملونهُ ولا يُحاولون تحصيل حقوقهم الشرعية عن يد
الحاكم. فيُصدق هذا المبدأ على معاملتنا للأجنبيين أيضًا. على أني لا أُريد أن أضع
قوانين حيث لم يضعها الرب، فإنهُ قد وضعنا تحت النعمة وأعطانا نورًا كافيًا
لإرشادنا في هذا كسائر الأمور المختصة بسيرتنا اليومية وقد أذن لنا بأن نُجازي
الشرَّ بالخير. وإذا لزم نترك حقوقنا الإنسانية طاعةٌ لهُ وامتثالاً لقدوتهِ. نعلم
أننا سندين العالم وملائكة أيضًا بعد مجيء الرب، فلذلك لا يليق بنا أن نتداخل في
حكم العالم الآن.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مَصاريع ع

 

9
أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟
لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ
مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، 10 وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ
وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ.
11 وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لكِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ،
بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلهِنَا. (عدد 9-11).
الظالمون هنا عبارة عن فعلة الشرَّ، وملكوت الله هو الدائرة الخصوصية التي يعمل
الله ويحكم فيها وهي تخصُّ المُنتسبين إليهِ. ندخلها بالولادة الثانية فلا يزال
يُعاملنا مُعاملة أدقَّ مما يُجريهِ للأجنبيين، فيُصرح لهم الرسول أن فعلة الشرَّ
من أي نوع كان لا يرثون ملكوت الله يعني أن ملكوت الله ليس لهم وليس لهم نصيب فيهِ
ما داموا على حالتهم هذه. ليس معناهُ أن لا أحد منهم يقدر أن يتوب، فإن ذلك ممكن
وكان أُناس من الكورنثيين مُتصفين قبلاً بهذه الشرور وبنعمة الله تابوا وآمنوا
وانتقلوا من مملكة الظلمة إلى ملكوت الله، فكان يجب عليهم أن يتذكروا ذلك ويحافظوا
على السيرة اللائقة بدعوتهم. اغتسلتم، اغتسالهم كان بالنظر إلى الأدناس التي كانوا
عائشين فيها قبلاً، وإنما يحصل بواسطة قبول كلام الله وتخصيصهِ لقلوبنا وضمائرنا.
انظر (يوحنا 10:13؛ 3:15؛ أعمال الرُّسل 9:15). بل تقدستم، بل تبرَّرتم، التقديس
هو الفرز لله بحيث أن الله يفرزنا لنفسهِ ولهُ وجهان:

 

أولاً-
تقديسنا المطلق حين آمنا بالمسيح وهذا كامل لا يُكرَّر ولا يُزاد عليهِ.

 

ثانيًا-
تقديسنا العملي، وهذا تدريجي، وأما تقديسهم المذكور هنا فهو من الوجه الأول
والرسول يذكرهُ قبل التبرير. واغتسالهم، وتقديسهم، وتبريرهم صارت كلها في وقت واحد
حين إيمانهم. ليس قصد الرسول أن يُوضح هذه التعاليم هنا، فإنما يُشير إليها هنا في
سياق الكلام كشيء معلوم عندهم؛ لكي يُذكرهم بأنهم قد انتقلوا من مقامهم العتيق
وصاروا في مقام آخر يقتضي أن يسلكوا بموجبهِ؛ لأنهُ إن كان الله قد غسلنا من
خطايانا وجعلنا طاهرين أمامهُ وأفرزنا شعبًا خاصًا لهُ وأهلّنا لملكوتهِ وغفر لنا
خطايانا لا، بل جعلنا مقبولين ومحبوبين في ابنهِ الحبيب فيتضح أنهُ مُنتظر منا أن
نسلك كأولادهِ. باسم الرب يسوع وبروح إلهنا، قد آمنا باسم يسوع وخضعنا لهُ كربنا
وأما الروح القدس فهو العامل فينا الذي أبلغ كلمة الله إلى نفوسنا بالقوة.

 

12
«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ.
«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ. 13
الأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ وَالْجَوْفُ لِلأَطْعِمَةِ، وَاللهُ سَيُبِيدُ هذَا
وَتِلْكَ. وَلكِنَّ الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا بَلْ لِلرَّبِّ، وَالرَّبُّ
لِلْجَسَدِ. 14 وَاللهُ قَدْ أَقَامَ الرَّبَّ، وَسَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا
بِقُوَّتِهِ. (عدد 12-14). من هنا فصاعدًا الرسول يتكلم كثيرًا عن أجساد المؤمنين
ونسبتها لله، وذلك لمُناقضة بعض الأفكار الفلسفية التي لم تزل تستولي عليهم من جهة
الجسد البشري. ذهب الفلاسفة الوثنيون إلى أن الجسد عديم النفع ولا يعتبر إلاَّ
كآلة حيوانية نستعملها مدة الحياة ثم نخلعها، ومن ثَم أنكروا قيامة الجسد. إبليس
مُحتال ودائمًا يحملنا على الضلال، وضلائلهُ مُلبَّسة صورة الحق والتواضع أيضًا.
إن قال أحد بعدم نفع هذا الجسد الضعيف الترابي المُعرض لكل البلايا يظهر على أول
وهلة أن كلامهُ حق وصادر من روح التواضع غير أن العدو أدخل فكرًا فاسدًا إلى قلوب
الناس وسترهُ تحت هذا القول، فإنهم تفلسفوا في شأن هذا الموضوع واستنتجوا أن
الأنعال الجسدية ليست مُتصفة بالمزايا الأدبية كالحلال والحرام وأن مهما عمل
الإنسان في جسدهِ لا يُسأل عنهُ من حيث أنهُ للفناء.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد قديم سفر صموئيل الثانى II Samuel 01

 

الرسول
يُصرح أولاً أن كل الأشياء تحلُّ لهُ، هذا في شأن الأطعمة أو كل ما خلقهُ الله
مناسبًا لجوف الإنسان حيث لهُ حرَّية تامة في استعمالها كعطية الله، غير أنهُ يجب
عليهِ أن يتصرف فيها باعتبار بنيان الآخرين ولا يُستعبد لشيء مما هو زائل، وأن يكن
عطية الله للإنسان كخليقتهِ الضعيفة؛ لأنهُ رتب الطعام للجوف والجوف للطعام،
ولكنهُ سيُبيدهما كليهما من جهة النسبة المُتبادلة الكائنة بينهما الآن، فإنهُ
واضح أننا لا نحتاج إلى الطعام بعد قيامتنا من الأموات، ولكنهُ واضح أيضًا أن الله
ما خلق الجسد للزنا بحيث أن الزنا مُخالف لترتيبهِ الأصلي للإنسان وضد كلمتهِ
أيضًا. فبالحقيقة الجسد للرب، أي أنهُ فداهُ، والرب للجسد، أي أنهُ يهتمُّ بهِ
باعتبار جميع احتياجاتهِ الحقيقية ثم أخيرًا يُقيمهُ الله بقوتهِ. الرسول إنما يضع
هنا بكلام مختصر بعض مبادئ عظيمة من جهة نسبتنا بعضنا لبعض في أجسادنا ونسبة
أجسادنا لله، فإنهُ مزمع أن يوضحها أكثر فيما بعد، فإنهُ يتكلم في (أصحاح7) عن
الزواج وفي (أصحاح8) عن الطعام وفي (أصحاح15) عن قيامة الأموات. غير أنهم كانوا
مُعرضين لتجربة الزنا على نوع خصوصي من جراء الفساد العمومي في مدينة كورنثوس
وتعوُّدهم عليهِ من قبل ومن ثَم يُبادر إلى أن يُنذرهم ضدَّهُ. سبق فأمرهم بعزل
الأخ الزاني وأتى بكلام عام ضد الزنا وغيرهِ من الأفعال الردية، وأما هنا فيوضح
لهم الأصول الإلهية التي من شأنها أن تجعل الزنا مُحرَّمًا على وجه خصوصي فخير لنا
أن ننتبه إلى كلامهِ، فإننا نحن أيضًا في الجسد ومهما كانت ظروفنا فلا بد من تجارب
لارتكاب الفواحش. كل مَنْ ظنَّ أنهُ فوق التجربة لا يزال في خطر أنهُ يسقط حين
يُجرَّب، وأما مَنْ شعر بضعفهِ والتجأ إلى الله بالصلاة فيُحفظ من السقوط.

 

15 أَلَسْتُمْ
تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ
الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا! 16 أَمْ لَسْتُمْ
تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ؟ لأَنَّهُ
يَقُولُ:«يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا». 17 وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ
بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ. 18 اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ
يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ، لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي
يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ. (عدد 15-18). الخالق سبحانهُ وتعالى قد رتب في الأول
النسبة الحقيقية بين الرجل والإمرأة إذ خلقهما ذكرًا وأنثا وأمر باقترانهما معًا
على وجه الحلال ولا يجوز أن يكون إلاَّ هكذا. إن كان الرجل يقترن مع امرأة ليست
مُنتسبة إليهِ شرعيًّا فاقترانهُ معها ولو كان وقتيًّا يعدُّ زنا وقد حرَّمهُ
الله. هذا قانون مطلق لجميع البشر إن كانوا من المعترفين بالمسيح أم لا. على أن
الرسول يذكر سببًا آخر خاصًّا بنا كمسيحيين ويجعل الزنا مُحرَّمًا وقبيحًا إلى
الدرجة القصوى، فإن المسيح قد قرن أجسادنا معهُ روحيًّا بسُكنى الروح القدس فيها
فلا يجوز مطلقًا أن نُدنسها بالزنا. ومن ثَم يقول لهم: اهربوا من الزنا، يعني أنهُ
ينبغي لنا أن نتجنب التجارب الآئلة إلى ذلك. معلوم إذا قربنا إلى فخاخ العدو لا
يلبث أن يصطادنا بها وإن لعابنا المُجرّب اشتعلت الأهواء فلا مناص لنا. فإذًا
ينبغي أن لا ننسى ضعفنا منتبهين إلى إنذارات الرب ومُتجنبين حتى الظروف التي من
شأنها أن تقودنا إلى الخطية المذكورة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى فليمون خادم المسيح ح

 

كل
خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد، لكن الذي يزني يُخطئ إلى جسدهِ. فقولهِ:
هي خارجة عن الجسد، يعني أنها في معزل عن الجسد من جهة تلك النسبة المتبادلة التي
رتبها الله بين الذكور والإناث. فإن خطية الزنا وحدها تفسد هذه النسبة. فالذي يزني
يُخطئ إلى الله باعتبار ترتيبهِ الأصلي للإنسان، فإنهُ نهى نهيًا مطلقًا اقتران
الذكر والأنثى إن لم يكن بحسب كلمتهِ، أي أن الرجل يترك أباهُ وأُمهُ فيكونان
جسدًا واحدًا. جميع الخطايا الأخرى كالسرقة والسكر لا علاقة لها مع هذا الترتيب.
حقًّا الله قد جعل وجههُ ضد الزنا على نوع خصوصي حتى التطلعات الشهوانية هي
مُحرَّمة (مَتَّى 28:5) انظر أيضًا (أمثال أصحاح5،20:6-35). وشهادات أخرى كثيرة في
شأن هذا الموضوع الخطير. الله في عنايتهِ المحيطة بكل شيء وفي سياستهِ المُدققة
للبشر قد أظهر غيظهُ ضدَّ الذين يفسدون أنفسهم بالزنا، فإنهُ علق بهِ أمراضًا ردية
غير قابلة الشفاء وكثيرًا ما عواقبهُ المرَّة تلحق الناس طول حياتهم وتنزع سرورهم
وإن كانوا تائبين. فلنهرب إذًا من الزنا وأسبابهِ كما من وحش مفترس أو من وباء
مُميت، ويجب أيضًا أن ننذر الآخرين منهُ إنذارات مُشدَّدة بحيث أنهم مُعرضون
لتجارب عديدة من هذا القبيل.

 

19
أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ
الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟
20 لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ
وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَِ للهِ. (عدد 19، 20). ينبغي أن نترك الجملة بين
الهلالين. انظر حاشية الإنجيل المشوهد، فإن موضوعهُ هنا هو وجوب حفظ أجسادنا طاهرة
عفيفة. سبق وقال في (أصحاح16:3): أن القديسين بجملتهم هم هيكل الله، وأما هنا
فيقول: أن جسد المؤمن هو أيضًا هيكل الروح القدس. وهذه الشهادات الصريحة مما يثبت
لنا حلول الروح القدس في المؤمنين حقيقةً:

 

أولاً-
في جسد كل واحد منهم بمفردهِ.

 

ثانيًا-
في وسطهم وهم مجتمعون باسم الرب. وهذا من الحقائق الابتدائية الواجب فهمها عند
جميع أولاد الله ومن ثَم قال لهم الرسول: ألستم تعلمون؟ فإذًا أيُّها الأخ المسيحي
الروح القدس ساكن في جسدك. فكيف ينبغي أن تسلك في كل أمورك؟ أيجوز لك أن تُحزن روح
الله القدوس، أو تُدنس هيكلهُ المقدس؟ لا شك عندي أن مقصد كثيرين بنكرانهم هذه
الحقيقة الواضحة هو أن يتخلصوا إن أمكن من المسئولية الناشئة عنها بحيث أنها توجب
علينا ليس السلوك الحسن الشخصي فقط، بل معاشرتهم بعضنا بعضًا بالنظر إلى حضور
الروح القدس فينا وفي اجتماعاتنا أيضًا. يختم الرسول بقولهِ الجميل: فمجدوا الله
في أجسادكم بناء على أن الروح القدس ساكن فينا وإننا أُشترينا بثمن ومن ثَم لسنا
لأنفسنا، فتمجيدنا الله في أجسادنا هو إيجابي وأوسع من الامتناع عن الزنا فقط
فإنهُ يحتوي على جميع تصرُّفاتنا. وهذا الجواب السديد على الأفكار الكفرية في عدم
وجود مزية الحلال والحرام في أفعالنا الجسدية. الله قد اشترانا بدم ابنهِ وهذا
الجسد الترابي لهُ الآن ويمكن بنعمتهِ أن نستعملهُ كهيكلهِ الذي يظهر بهِ مجدهُ
للآخرين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي