الإصحَاحُ
الأَوَّلُ

 

 1 –
مقدمة لرسالة كورنثوس الثانية (2 كورنثوس 1 : 1 – 11)

في
هذه الآيات نجد ثلاثة أقسام:

تحية
(آيتا 1، 2)

شكر
على تعزيات الله (3 – 7)

شكر
على النجاة (8 – 11)

 

 (أ)
تحية

1بُولُسُ،
رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللّهِ، وَتِيمُوثَاوُسُ الأَخُ، إِلَى
كَنِيسَةِ اللّهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ، مَعَ الْقِدِّيسِينَ أَجْمَعِينَ الَّذِينَ
فِي جَمِيعِ أَخَائِيَةَ. 2 نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلامٌ مِنَ اللّهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ (2كورنثوس 1: 1، 2).

 

يقدّم
الرسول بولس نفسه لأهل كورنثوس باعتبار أنه رسول يسوع المسيح، وذلك بمشيئة الله،
لأن المسيح نفسه عيّنه ليعلّم الدين المسيحي وليؤسس الكنيسة. وهو رسول لا من الناس
ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله (غلاطية 1: 1).

 

ويقول
الرسول بولس إن تيموثاوس الأخ يكتب معه. لم يكن تيموثاوس أخاً لبولس، لكنه كان
ابنه في الإيمان (أعمال 16: 1 – 3). ولكن بولس يعتبره أخاه. وهذا يعلمنا ضرورة
احترام المؤمنين لبعضهم، إذ يقدّمون بعضهم بعضاً في الكرامة. وهذا يعلمنا أننا
نحتاج لأن نتكمَّل بواسطة الإخوة، فليس أحد كاملاً بذاته – وهذه هي خدمة شركة
المؤمنين.

 

ويدعو
بولس كنيسة كورنثوس «كنيسة الله» لأن الله دعا أعضاءها من العالم لينضمّوا إليه
ويصبحوا هيكله المنظور في العالم، وأعضاء جسده. فالله سيد الكنيسة وصاحب الكنيسة
والذي تنتمي إليه الكنيسة. وكل شركة للمؤمنين بالمسيح هي الكنيسة، لأنه حيثما
اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه فهناك يكون في وسطهم، ويحل الروح القدس في قلوبهم. فهل
أنت عضو إيجابي عامل في عائلة أبيك السماوي؟

 

ويكتب
الرسول بولس إلى «القديسين أجمعين الذين في أخائية». وليس إنسان قديساً من نفسه،
ولكنه يتقدس في قوة الروح القدس عندما يحل روح الرب في المؤمن، فيثبت في مصالحة
المسيح ويتجدد بواسطة النعمة. إن دم المسيح يطهر من كل إثم، والروح القدس هو الذي
يقدس الإنسان للمسيح.

 

يكتب
الرسول بولس هذه الرسالة إلى أهل كورنثوس وإلى جميع المؤمنين في أخائية. كانت
اليونان منقسمة إلى قسمين: القسم الشمالي المعروف بمكدونية، والقسم الجنوبي
المعروف بأخائية. ولما كانت كورنثوس عاصمة الإقليم الجنوبي «أخائية» فالرسول يوجّه
هذا الخطاب إلى أهل كورنثوس وإلى أهل أخائية.

 

ويعبّر
الرسول بولس عن تحيته لمؤمني كورنثوس عندما يقول «نعمة لكم وسلام من الله أبينا
والرب يسوع المسيح». والنعمة هي جمال الحياة، مجاناً، لشخص لا يستحق. فالله يُنعِم
علينا من محبته وصلاحه، ثم يمنحنا سلامه نتيجة لهذه النعمة التي تضمن لنا المصالحة
مع الله. النعمة والسلام من الله أبينا الذي خلقنا، ولكنه أبونا بنوعٍ خاص لأنه
ولدنا ثانية بعمل الروح القدس، فصرنا أولاده بالتبنّي وورثة الملكوت السماوي.

 

والنعمة
والسلام لنا من يسوع المسيح ربنا لأنه صاحب السلطان المطلق، ولأنه اشترانا بدمه
الثمين، ولأننا قدّمنا نفوسنا له، وفتحنا قلوبنا لشخصه، حباً فيه وشكراً له.

 

كانت
«النعمة» التحية المعتادة لليونانيين وكان «السلام» التحية المعتادة لليهود.
والرسول بولس يحيّي الاثنين معاً. ونلاحظ أن الرسول يضع يسوع المسيح في نفس
المستوى الذي يضع فيه الله أبانا، ذلك أن المسيح مساوٍ للآب في الجوهر، فقد قال
«أَنَا وَ?لآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30).

 

 (ب)
شكر على تعزيات الله

3مُبَارَكٌ
اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ
تَعْزِيَةٍ، 4الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ
نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى
نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ. 5لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا،
كَذلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا. 6فَإِنْ كُنَّا نَتَضَايَقُ
فَلأَجْلِ تَعْزِيَتِكُمْ وَخَلاَصِكُمُ، الْعَامِلِ فِي احْتِمَالِ نَفْسِ
الآلاَمِ الَّتِي نَتَأَلَّمُ بِهَا نَحْنُ أَيْضًا. أَوْ نَتَعَزَّى فَلأَجْلِ تَعْزِيَتِكُمْ
وَخَلاَصِكُمْ. 7فَرَجَاؤُنَا مِنْ أَجْلِكُمْ ثَابِتٌ. عَالِمِينَ أَنَّكُمْ
كَمَا أَنْتُمْ شُرَكَاءُ فِي الآلاَمِ، كَذلِكَ فِي التَّعْزِيَةِ أَيْضًا"
أَيْضاً (2كورنثوس 1: 3 – 7).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حورس س

 

تتكرر
كلمة تعزية عشر مرات في هذه الآيات الخمس. والتعزية هي عمل الروح القدس، فهو الروح
المعزي (يوحنا 16: 7) بمعنى الشخص الذي يقف إلى جوار إنسان يسنده ويقويه. الله
أبونا هو إله كل تعزية وهو أبو الرأفة، بمعنى أنه مصدر الرحمة ومصدر كل تعزية.

 

ويؤكد
الرسول بولس أنه كما تكثر آلام المؤمنين تكثر تعزيتهم بالمسيح، لأن آلامهم هي في
سبيل المسيح، فإن كل من يشترك في الألم لأجل المسيح سيشترك في التعزية التي يهبها
المسيح. وهكذا يستطيع المؤمنون أن يشاركوا غيرهم في نعمة التعزية التي يمنحها الله
لهم. ولا يذكر لنا الرسول بولس كيف يعطي الله تعزيته لأولاده. لا شك أن الله
يستخدم طرقاً متنّوعة مع أبنائه المختلفين بحسب الظروف التي يجدون أنفسهم فيها.
كثيراً ما تجيئنا التعزية من قراءة الكتاب المقدس. وأحياناً يعّزينا بأن يرفع عنا
الضيقة. وفي بعض الأحيان يعطينا قوة من الروح القدس تمكّننا من مواجهة المصاعب
والآلام. وفي بعض الأحيان يرسل إلينا واحداً من المؤمنين بكلمة تشجيع من اختبار
مرَّ به أو من تعليم علَّمه الله له. على أنه مهما كانت الطريقة التي نجد تعزيتنا
بها، فإن الله من خلف هذه كلها صاحبُ القلب المحب الذي في رأفته يعزي ويشجع ويقوي
وسط الآلام.

 

هل
أخذت تعزية من الرب؟ هل تحاول أن تشارك فيها غيرك؟

إن
تعزيات الله لنا تكفينا في كل أنواع آلامنا، فتكثر تعزيتنا أيضاً. ويقول الرسول
«إن رجاءنا من أجلكم ثابت». نعم إن لنا رجاءً عظيماً في المسيح لا يتزعزع أبداً
مهما كانت المتاعب، وهو يعلم يقيناً أن الذين يشتركون في الآلام يشتركون في
التعزية.

 

(ج)
شكر على النجاة

8فَإِنَّنَا
لاَ نُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ضِيقَتِنَا الَّتِي
أَصَابَتْنَا فِي أَسِيَّا، أَنَّنَا تَثَقَّلْنَا جِدًّا فَوْقَ الطَّاقَةِ،
حَتَّى أَيِسْنَا مِنَ الْحَيَاةِ أَيْضًا. 9لكِنْ كَانَ لَنَا فِي أَنْفُسِنَا
حُكْمُ الْمَوْتِ، لِكَيْ لاَ نَكُونَ مُتَّكِلِينَ عَلَى أَنْفُسِنَا بَلْ عَلَى
اللهِ الَّذِي يُقِيمُ الأَمْوَاتَ، 10الَّذِي نَجَّانَا مِنْ مَوْتٍ مِثْلِ هذَا،
وَهُوَ يُنَجِّي. الَّذِي لَنَا رَجَاءٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنَجِّي أَيْضًا فِيمَا
بَعْدُ. 11وَأَنْتُمْ أَيْضًا مُسَاعِدُونَ بِالصَّلاَةِ لأَجْلِنَا، لِكَيْ
يُؤَدَّى شُكْرٌ لأَجْلِنَا مِنْ أَشْخَاصٍ كَثِيرِينَ، عَلَى مَا وُهِبَ لَنَا
بِوَاسِطَةِ كَثِيرِينَ.

(2كورنثوس 1: 8 – 11).

 

يقدم
الرسول شكراً لله لنجاته من الضيقة التي أصابته في أسيا. لقد كان ضيقه ثقيلاً جداً
فوق قدرته على الاحتمال حتى يئس من الحياة، بل شعر أنه محكوم عليه بالموت. وعندما
وصل إلى هذه الدرجة من الضيق، تعلَّم أن لا يتكل على نفسه، بل على الله الذي يُقيم
الأموات. ويقول «إن الله أنقذنا من هذا الموت وسينقذنا منه». إن له رجاءً في الله!

 

لا
ندري ما هي الضيقة التي أصابت بولس. هل كان يقصد آلاماً أخرى صادفته هناك؟ ظن
البعض أن هذه الضيقة الشديدة التي جعلت بولس ييأس من الحياة هي المرض الذي أصاب
جسمه، وقال عنه إنه شوكة في الجسد (2كورنثوس 12: 7). مهما كان ذلك الضيق فقد كان
أكثر من طاقة بولس، حتى انه اقتنع أنه لن يعيش، كأن عليه حكماً بالإعدام. على أن
هذا لم يجعل بولس يفشل أو ييأس، بل علّمه كيف يلقي اتكاله تماماً على الله، الذي
أقامه من موت خطيته وأقامه من ضيقات كثيرة سابقة. فالذي نجّاه من موت مثل هذا هو
ينجي من الموت الحاضر، وسينجي من كل ضيقة قادمة.

 

عزيزي
القارئ، هل تجوز في ضيقة؟ أرجو أن تتذكر ضيقة سابقة مررْتَ بها وأنقذك الله
منها… وأرجو أن يمتلئ حاضرك بالسلام وأنت ترى معاملة الله الماضية معك. وأرجو أن
تمتلئ بالرجاء في المستقبل، واثقاً بالمسيح وأنت تتأمل في إله الماضي الذي سندك،
وتتطلع إلى إله المستقبل الذي يسندك، الذي هو إله الحاضر الواقف إلى يمينك.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر المزامير 25

 

ويقدم
الرسول بولس شكراً لأهل كورنثوس لأنهم ساعدوه بالصلاة من أجله، فقد رأى لصلوات
الكنيسة فعالية عظيمة، فطلب أن يصلّوا من أجله، وأن يرفعوا صلاة شكر لله من أجل
نجاته من الخطر. وهذا يعلمنا أن نصلي لأجل الآخرين، وأن نطلب صلواتهم لأجلنا.

 

 2 –
تأكيد الضمير الصالح (2كورنثوس 1: 12 – 2: 4)

في هذه
الآيات يؤكد الرسول بولس أن ضميره مستريح لأن لديه ضميراً صالحاً. استمع الرسول
إلى هجوم البعض ضده، الذين قالوا إن كلامه غير صحيح وإنه خفيف، يَعِدُ ولا يفي
الوعد – يقول إنه سيزور كورنثوس ولكنه لا يزورها. وهذا الشخص الطائش لا بد أن
تعاليمه الدينية ستكون طائشة وخفيفة. ولذلك كتب الرسول هذه الآيات دفاعاً عن نفسه
وعن رسالته.

 

أحياناً
نستمع انتقاداً، من الأفضل أن نحتمله في سكوت. لكن في مرات أخرى يجب أن نجاوب، لأن
عدم الإجابة يعطل خدمة الله.

 

كان
الرسول قد وعد بزيارة كورنثوس وتأخر، فهاجمه الأعداء بأنه غير مُخْلص في كلامه.
وفي هذه الآيات يذكر بولس التهمة، ويوضح سبب التأخير بأنه لم يكن يريد أن يُخجلهم
لو جاء. نجد في هذا الجزء أربعة أقسام:

 

ضمير
الرسول مستريح (1: 12 – 14)

قَصَد
الرسول أن يزورهم (1: 15 – 17)

يؤكد
الرسول أمانته (1: 18 – 22)

 

يوضح
الرسول سبب عدم زيارته لهم (1: 23 – 2: 4)

(أ)
ضمير الرسول مستريح

12لأَنَّ
فَخْرَنَا هُوَ هذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِي بَسَاطَةٍ وَإِخْلاَصِ
اللهِ، لاَ فِي حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِي نِعْمَةِ اللهِ، تَصَرَّفْنَا فِي
الْعَالَمِ، وَلاَ سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ. 13فَإِنَّنَا لاَ نَكْتُبُ
إِلَيْكُمْ بِشَيْءٍ آخَرَ سِوَى مَا تَقْرَأُونَ أَوْ تَعْرِفُونَ. وَأَنَا
أَرْجُو أَنَّكُمْ سَتَعْرِفُونَ إِلَى النِّهَايَةِ أَيْضًا، 14كَمَا
عَرَفْتُمُونَا أَيْضًا بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ أَنَّنَا فَخْرُكُمْ، كَمَا
أَنَّكُمْ أَيْضًا فَخْرُنَا فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ.
(2كورنثوس 1: 12 – 14).

 

يؤكد
الرسول أن ضميره مستريح في هذا الموضوع، وقد سبق أن قال لمجمع اليهود «إِنِّي
بِكُلِّ ضَمِيرٍ صَالِحٍ قَدْ عِشْتُ لِلّهِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ» أعمال 23: 1).
وهو هنا يقول إن ما يفتخر به هو شهادة ضميره، فضميره يشهد له بأن سيرته في هذا
العالم، وخصوصاً بين أهل كورنثوس، هي سيرة مقدسة وتقوى، لا بحكمة بشرية بل بنعمة
الله. ففي كورنثوس – كما في كل مكان في العالم – قدَّم الرسول رسالة الإنجيل بوضوح
وبساطة في قوة الروح القدس. وفي كورنثوس قام بخدمة نفسه ولم يثقل عليهم في شيء من
الماديات، ولذلك فإنه يرجو أن يعرفوه حتى النهاية فيفرحوا به، ويفرح هو بهم في يوم
يسوع المسيح (الذي هو يوم الاختطاف) عندما يقف كل المؤمنين في حضرة الله.

 

الذي
يستريح ضميره يفرح حتى إذا ذمّه الناس! والذي يتعب ضميره يحزن حتى إن مدحه الناس!
فليكن شعارنا قول بولس «أَنَا أَيْضاً أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِماً
ضَمِيرٌ بِلا عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللّهِ وَالنَّاسِ» (أعمال 24: 16).

 

ويقول
الرسول إن أهل كورنثوس يفهمونه الآن بعض الفهم، لكن عندما سيفهمونه تماماً
سيفتخرون به كما سيفتخر هو بهم في يوم الاختطاف.

 

عزيزي
القارئ، هل يمكن أن تكون أنت موضع ثقة رجل الدين في كنيستك، وهل تصلي من أجله
منتظراً أن تفتخر به في يوم الاختطاف – يوم الرب يسوع؟

 

 

 (ب)
قَصَد الرسول أن يزورهم

15وَبِهذِهِ
الثِّقَةِ كُنْتُ أَشَاءُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ أَوَّلاً، لِتَكُونَ لَكُمْ
نِعْمَةٌ ثَانِيَةٌ. 16وَأَنْ أَمُرَّ بِكُمْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، وَآتِيَ
أَيْضًا مِنْ مَكِدُونِيَّةَ إِلَيْكُمْ، وَأُشَيَّعَ مِنْكُمْ إِلَى
الْيَهُودِيَّةِ. 17فَإِذْ أَنَا عَازِمٌ عَلَى هذَا، أَلَعَلِّي اسْتَعْمَلْتُ
الْخِفَّةَ؟ أَمْ أَعْزِمُ عَلَى مَا أَعْزِمُ بِحَسَبِ الْجَسَدِ، كَيْ يَكُونَ
عِنْدِي نَعَمْ نَعَمْ وَلاَ لاَ؟
 (2كورنثوس 1: 15 – 17).

هل تبحث عن  م التاريخ كنيسة أنطاكية تاريخ كنيسة أنطاكية 40

 

كان
بولس ينوي أن يسافر بحراً من أفسس إلى كورنثوس في طريقه إلى الجزء الشمالي من
اليونان المعروف باسم مكدونية، وقد ذكر الرسول هذا القصد في كورنثوس الأولى 16: 5.
وغالباً يكون قد أبلغهم بهذا شفوياً بواسطة تيطس. كان بولس يريد أن ينتهي من خدمته
بمكدونية، ويتَّجه بعد ذلك إلى اليهودية في الجنوب، ماراً بكورنثوس مرة أخرى. ولكن
بولس سافر من أفسس إلى مكدونية مباشرة دون أن يمرّ بهم، ونتيجة لذلك فقد اتهمه أهل
كورنثوس بالخفَّة، وقال آخرون إنه يقوم بتخطيط خدمته لله حسب رغبته الجسدية، وليس
بحسب إرادة الله. وقال البعض إنه غير مُخْلص يقول: نعم! نعم، ولكنه يقصد: لا! لا.

 

 (ج)
يؤكد الرسول أمانته

18لكِنْ
أَمِينٌ هُوَ اللهُ إِنَّ كَلاَمَنَا لَكُمْ لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلاَ. 19لأَنَّ
ابْنَ اللهِ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، الَّذِي كُرِزَ بِهِ بَيْنَكُمْ بِوَاسِطَتِنَا،
أَنَا وَسِلْوَانُسَ وَتِيمُوثَاوُسَ، لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلاَ، بَلْ قَدْ كَانَ
فِيهِ نَعَمْ. 20لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ «النَّعَمْ»
وَفِيهِ «الآمِينُ»، لِمَجْدِ اللهِ، بِوَاسِطَتِنَا. 21وَلكِنَّ الَّذِي
يُثَبِّتُنَا مَعَكُمْ فِي الْمَسِيحِ، وَقَدْ مَسَحَنَا، هُوَ اللهُ 22الَّذِي
خَتَمَنَا أَيْضًا، وَأَعْطَى عَرْبُونَ الرُّوحِ فِي قُلُوبِنَا.
(2كورنثوس 1: 18 – 22).

 

يؤكد
بولس أنه كان أميناً تماماً معهم، وأن الاتهامات التي وجَّهوها ضده باطلة،
ويذكّرهم بأن المسيح المخلّص الذي كرز هو لهم به، وكرز معه سلوانس وتيموثاوس، ليس
فيه «نعم ولا»، بل فيه «نعم» فقط. أي أن المسيح كله حق. وقد تبرهن لهم صدق ما قاله
المسيح، لأنه أنجز ما وعدهم به. ولما كان المسيح هو الحق، فلابد أنه يختار آلات
إعلان حقِّه للبشر من أهل الحق، وليس من أهل الخفَّة والتقلُّب. فالمسيح الأمين،
الشاهد الأمين الصادق (رؤيا3: 14) يختار أشخاصاً يجعلهم أمناء وشهوداً صادقين.
وبهذا يؤكد بولس أنه ليس خفيفاً ولا منافقاً لكن حياته ثابتة في الله، الأمر الذي
يَصدُق مع كل المؤمنين. لذلك فإنه يقول «الذي يثبّتنا معكم في المسيح، ومسيحنا هو
الله».

 

لقد
مسحنا الله (كما مَسَحَ الأنبياء والكهنة والملوك في القديم) ليؤكد أنه منحنا قوة
الروح القدس. ويقول الرسول إن الروح القدس ختمنا. والختم يعني أن المختوم مُلْك
لصاحب الختم، كما يعني إثبات صحة الرسالة، وحفظ الشيء المختوم على حاله. وقد ختم
الروح القدس كل المؤمنين ليُثِبت صحة ملكيَّتهم للرب، وليحفظهم دوماً ملكاً للرب.
ولذلك يقول الرسول «لكِنَّ أَسَاسَ اللّهِ الرَّاسِخَ قَدْ ثَبَتَ، إِذْ لَهُ هذَا
الْخَتْمُ. يَعْلَمُ الرَّبُّ الَّذِينَ هُمْ لَهُ» (2تي 2: 19).

 

ثم أن
الله أعطى عربون الروح في قلوبنا. والعربون أول جزء من الثمن، ومعناه أن بقية
الثمن سوف يُدفَع. وسكَنُ الروح القدس في قلوب المؤمنين علامة على تأكيد خلاصهم
الأبدي، بدليل أن الروح القدس في قلوبهم، ولذلك يقول الرسول «اَلرُّوحُ نَفْسُهُ
أَيْضاً يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلادُ اللّهِ. فَإِنْ كُنَّا
أَوْلاداً فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضاً، وَرَثَةُ اللّهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ.
إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضاً مَعَهُ» (رومية 8: 16،
17).

 

(د)
يوضّح الرسول سبب عدم زيارته لهم

23وَلكِنِّي
أَسْتَشْهِدُ اللهَ عَلَى نَفْسِي، أَنِّي إِشْفَاقًا عَلَيْكُمْ لَمْ آتِ إِلَى
كُورِنْثُوسَ. 24لَيْسَ أَنَّنَا نَسُودُ عَلَى إِيمَانِكُمْ، بَلْ نَحْنُ
مُوازِرُونَ لِسُرُورِكُمْ. لأَنَّكُمْ بِالإِيمَانِ تَثْبُتُونَ. (
2كورنثوس 1: 23).

 

كان
الرسول قد عزم فعلاً على زيارتهم، لكنه غيّر الخطة، لأنه أشفق عليهم. فلو أنه ذهب
اليهم في حالة خطئهم لأحزنهم واشتدّ عليهم، ولذلك أجّل الزيارة حتى يُصلحوا الخطأ
الموجود فيهم. وهو يقول إنه ليس رئيساً عليهم ولا مشرفاً على إيمانهم، فإن الإيمان
أمر شخصي بين الفرد وبين الرب، والرب هو الذي يجعلهم بالإيمان يثبتون. ليس الخادم
الحقيقي لله سيداً للذين يخدمهم، لكنه يعاونهم ليحبوا الله وليجدوا فرحهم فيه.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي