الإصحَاحُ
الثَّانِي

 

1وَلكنِّي
جَزَمْتُ بِهذَا فِي نَفْسِي أَنْ لا آتِيَ إِلَيْكُمْ أَيْضاً فِي حُزْنٍ. 2
لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُحْزِنُكُمْ أَنَا، فَمَنْ هُوَ الذِي يُفَرِّحُنِي إِلا الذِي
أَحْزَنْتُهُ؟ 3 وَكَتَبْتُ لَكُمْ هذَا عَيْنَهُ حَتَّى إِذَا جِئْتُ لا يَكُونُ
لِي حُزْنٌ مِنَ الذِينَ كَانَ يَجِبُ أَنْ أَفْرَحَ بِهِمْ، وَاثِقاً
بِجَمِيعِكُمْ أَنَّ فَرَحِي هُوَ فَرَحُ جَمِيعِكُمْ. 4 لأَنِّي مِنْ حُزْنٍ
كَثِيرٍ وَكَآبَةِ قَلْبٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ بِدُمُوعٍ كَثِيرَةٍ، لا لِكَيْ
تَحْزَنُوا، بَلْ لِكَيْ تَعْرِفُوا المَحَبَّةَ التِي عِنْدِي وَلا سِيَّمَا مِنْ
نَحْوِكُمْ (2كورنثوس 1: 23 – 2: 4).

 

كان
الرسول قد عزم فعلاً على زيارتهم، لكنه غيّر الخطة، لأنه أشفق عليهم. فلو أنه ذهب
اليهم في حالة خطئهم لأحزنهم واشتدّ عليهم، ولذلك أجّل الزيارة حتى يُصلحوا الخطأ
الموجود فيهم. وهو يقول إنه ليس رئيساً عليهم ولا مشرفاً على إيمانهم، فإن الإيمان
أمر شخصي بين الفرد وبين الرب، والرب هو الذي يجعلهم بالإيمان يثبتون. ليس الخادم
الحقيقي لله سيداً للذين يخدمهم، لكنه يعاونهم ليحبوا الله وليجدوا فرحهم فيه.
والإنجيل يوصي رجال الدين بالقول « ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللّه التِي بَيْنَكُمْ
نُظَّاراً، لا عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلا لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ
بِنَشَاطٍ» (1بطرس 5: 2). لقد أراد الرسول أن يزورهم، ولكنه لم يكن يريد لزيارته
أن تكون ثقيلة محزنة، بل مفرحة لهم وله، ولذلك أخّر الزيارة ليمنحهم فرصة ليصلحوا
أخطاءهم. إذاً لم يرفض الرسول زيارتهم ثانية، لكنه لم يكن يريد زيارته الثانية أن
تكون زيارة حزينة.

 

وفي
2: 4 يكشف الرسول بولس عن مشاعره وهو يكتب لهم الرسالة الأولى – كان فيها توبيخ
شديد، لكن هذا التوبيخ كان مليئاً بالدموع والمحبة. يقول «كتبت إليكم وقلبي يفيض
بالكآبة والضيق، وعيني تسيل منها الدموع، لا لتحزنوا بل لتعرفوا كم أنا أحبكم».
وهكذا يجب أن يوبخ المعلّم المسيحي سامعيه، فلم يكن بولس يقصد أن يُخِجل أهل
كورنثوس أو أن يُحزِنهم، لكنه في محبته الكاملة لهم أراد أن يصلح أمورهم.

هل تبحث عن  هوت طقسى طقس أسبوع الآلام م

 

 3 –
نداء في صالح الخاطئ التائب (2كورنثوس 2: 5 – 13)

5وَلكنْ
إِنْ كَانَ أَحَدٌ قَدْ أَحْزَنَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحْزِنِّي، بَلْ أَحْزَنَ
جَمِيعَكُمْ بَعْضَ الحُزْنِ لِكَيْ لا أُثَقِّلَ. 6 مِثْلُ هذَا يَكْفِيهِ هذَا القِصَاصُ
الذِي مِنَ الأَكْثَرِينَ، 7 حَتَّى تَكُونُوا – بِالعَكْسِ – تُسَامِحُونَهُ بِالحَرِيِّ
وَتُعَّزُونَهُ، لِئَلا يُبْتَلَعَ مِثْلُ هذَا مِنَ الحُزْنِ المُفْرِطِ. 8 لِذلكَ
أَطْلُبُ أَنْ تُمَكِّنُوا لَهُ المَحَبَّةَ. 9 لأَنِّي لِهذَا كَتَبْتُ لِكَيْ
أَعْرِفَ تَزْكِيَتَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ طَائِعُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ؟ 10 وَالذِي
تُسَامِحُونَهُ بِشَيْءٍ فَأَنَا أَيْضاً. لأَنِّي أَنَا مَا سَامَحْتُ بِهِ –
إِنْ كُنْتُ قَدْ سَامَحْتُ بِشَيْءٍ – فَمِنْ أَجْلِكُمْ بِحَضْرَةِ المَسِيحِ،
11 لِئَلا يَطْمَعَ فِينَا الشَّيْطَانُ، لأَنَّنَا لا نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ. 12
وَلكنْ لَمَّا جِئْتُ إِلَى تَرُوَاسَ، لأَجْلِ إِنْجِيلِ المَسِيحِ وَانْفَتَحَ
لِي بَابٌ فِي الرَّبِّ، 13 لَمْ تَكُنْ لِي رَاحَةٌ فِي رُوحِي، لأَنِّي لَمْ
أَجِدْ تِيطُسَ أَخِي. لكنْ وَدَّعْتُهُمْ فَخَرَجْتُ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ
(2كورنثوس 2: 5 – 13).

 

في
الأصحاح الخامس من الرسالة الأولى تحدَّث الرسول عن شخص بينهم ارتكب خطية الزنا،
وقال لهم «اعْزِلُوا الخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ» (1كو 5: 13). وقد قام أهل كورنثوس
بعزل هذا المؤمن الذي أخطأ، وأبعدوه عنهم وابتعدوا عنه. كان الرسول بولس حزيناً
على هذا المؤمن الذي أخطأ، كما كان هو سبب حزن للكنيسة كلها. ويبدو أن مقاطعة
أعضاء كنيسة كورنثوس لهذا المؤمن الذي أخطأ كانت شديدة، حتى أنه حزن على خطيته.
فطلب الرسول بولس منهم أن يغفروا له، ليؤكدوا له – بمحبتهم – أن الله قبل توبته
وأعاده الى الشركة مع المؤمنين. عندما طلب الرسول بولس من أهل كورنثوس أن يعزلوا
الرجل الخاطئ كان يريد له أن يتعلم الطاعة، وها هو الآن يطلب منهم أن يغفروا له
وأن يقبلوه لأنه تاب. وإنْ كانوا هم قد غفروا له فإن بولس يغفر له أيضاً، كما في
محضر المسيح. وعلى المسيحيين أن يكونوا حذرين لئلا يغتنم الشيطان فرصة، فإننا نعرف
أفكاره، وأفكار الشيطان هي كالآتي:

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر الأمثال 11

 

يحاول
الشيطان أن يجرب المؤمن بشهوة الجسد، وهو يرجو أن يدمّر حياته الروحية، ويدمر
شهادته للمسيح.

 

عندما
يخطئ المؤمن يبدأ الشيطان يذكرّه بأن خطيته كبيرة، وأن حالته ميئوس منها، ويقول له
إنه قد ابتعد عن الرب، ولا يستحق أن يعود للرب، و لا أمل في توبته.

 

والشيطان
يأتي إلى الكنيسة ويحاول أن يجعل الناس يأخذون طريقاً من اثنين: إما أن يهملوا
المخطئ ويتسامحوا معه في خطيته.. أو أنهم يَقْسون على المخطئ ويكونون باردين من
نحوه ومتعالين عليه. عادة يحاول الشيطان أن يبعد الخاطئ عن الإحساس بالذنب لئلا
يتوب، ولكنه يزيد على المؤمن الإحساس بالذنب حتى ييأس ويفشل تماماً.

 

بعد
أن تحدث بولس عن غفران المؤمنين في كورنثوس وقبولهم للزاني الذي تاب، يمضي فيتحدث
عن زيارته لترواس بعد أن ترك أفسس. فقد منحه الله فرصاً عظيمة للكرازة، ولو أنه لم
يستمتع بذلك، لأنه كان حزيناً بسبب عدم لقائه بتيطس الذي كان يرجو أن يتقابل معه
في ترواس ويسمع منه عن أحوال كنيسة كورنثوس. ولذلك سافر بولس شمالاً الى مكدونية
وهو يرجو أن يقابل تيطس هناك. وسوف نقرأ أكثر في الأصحاح السابع عن اللقاء الذي
جرى بين تيطس وبولس.

 

4 –
نصرنا يستمر عندما نعلن معرفة الله (2كورنثوس 2: 14 – 17)

14وَلكنْ
شُكْراً لِلّه الذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي المَسِيحِ كُلَّ
حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. 15 لأَنَّنَا
رَائِحَةُ المَسِيحِ الذَّكِيَّةِ لِلّه، فِي الذِينَ يَخْلُصُونَ وَفِي الذِينَ
يَهْلِكُونَ. 16 لِهؤُلاءِ رَائِحَةُ مَوْتٍ لِمَوْتٍ، وَلأُولئِكَ رَائِحَةُ
حَيَاةٍ لِحَيَاةٍ. وَمَنْ هُوَ كُفْؤٌ لِهذِهِ الأُمُورِ؟ 17 لأَنَّنَا لَسْنَا
كَالكَثِيرِينَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ اللّه، لكنْ كَمَا مِنْ إِخْلاصٍ، بَلْ كَمَا
مِنَ اللّه نَتَكَلَّمُ أَمَامَ اللّه فِي المَسِيحِ (2كورنثوس 2: 14 – 17).

 

في
هذه الآيات ينقل إلينا الرسول بولس صورة ما يحدث للقائد المنتصر في روما. فعندما
كان القائد الروماني يعود منتصراً من بلد بعيدة وقد هزم الاعداء وكسب الأرض، كان
كبار رجال روما يحكمون أنه بطل منتصر، ويقيمون له احتفالاً عظيماً، ويعلنون يوم
رجوعه يوم أجازة عامة يتجمَّع الناس فيها من كل مكان ليحتفلوا بالنصر. وكنت ترى
صفاً طويلاً من الأسرى يمثلون الشعب الذي هُزم وهم مقيَّدون بالسلاسل، يحملون في
أيديهم المباخر ينبعث منها البخور العطر، ثم يجئ القائد ومن خلفه صف طويل آخر من
الأسرى يحملون المباخر. كان الصف الأمامي هو صف الأسرى الذين ينالون الحرية، وكانت
رائحة البخور بالنسبة لهم رائحة حياة. أما الذين يجيئون بعدهم فهم صفّ الموت،
يرمونهم إلى الوحوش لتفترسهم، فكانت رائحة البخور بالنسبة لهم رائحة موت… يسير
القائد منتصراً، أمامه رائحة حياة لمن ينالون الحياة، وخلفه رائحة موت لمن سيهلكهم
الموت.

هل تبحث عن  م الأباء أثناسيوس الرسولى رسائل القيامة 22

 

والفكرة
التي يريد بولس أن يوضحها هنا هي أن الله يقودنا في النصر. فالمسيح هو القائد
المنتصر. ونحن الذين نسير مع المسيح أسرى محبته (لأن صليبه قد جذبنا إليه) نحمل
رائحة حياة، لأن المسيح الفادي وهبنا الحياة. وكل من يحيا يُظِهر المسيح به رائحة
معرفته، الرائحة التي تنبعث من الشهادة له. أما الذين يرفضون الإنجيل فسيكون لهم
ذلك رائحة موت، فإنهم يسمعون عن شخص عاش في زمن بعيد ومات في الماضي السحيق، ولا
يفتحون قلوبهم له، فيهلكون!

 

ويدرك
بولس أهمية الرسالة العظيمة التي يعلنها، فهي تجلب الحياة لمن يقبلها، وتتسبَّب في
الهلاك لمن يرفضها. ثم يتساءل «ومن هو كفؤ لهذه الأمور؟» فما أكبر المسئولية ونحن
نعلن الرسالة، لأننا إما أن نقود الناس إلى الموت، أو نقودهم إلى الحياة! ويقول
بولس إنه بكل أسف جاء معلمون كذبة غشّوا كلمة الله عندما خلطوا الحق بالضلال، ولو
أنه هو بكل إخلاص تكلم أمام الله في المسيح. ويجاوب الرسول على سؤاله «من هو كفؤ
لهذه الأمور؟» في 2كورنثوس 3: 5 عندما يقول: «ليس أننا كُفاة من أنفسنا.. بل كفايتنا
من الله».

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي