تَفْسِير رِسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ غَلاَطِيَّةَ

 

إسم السفر:

رسالة
بولس الرسول إلى أهل غلاطية
Galatians

الإختصار
: غل =
GA

+ واضح
أن الرسالة إلى أهل غلاطية كتبها الرسول بولس لمؤمنين قادهم الرسول بولس إلى
الإيمان، وكانوا في خطر داهم هو خطر خلط إنجيل الحرية المسيحية الذي كرز لهم به
بعناصر من الناموسية اليهودية، التي كان الختان من أهمها، وكذلك حفظ الأعياد
والمواسم اليهودية (غل 4: 10)، وربما أيضا للشرائع اليهودية المختصة بالطعام. ومن
الواضح أيضاً أن كنائس غلاطية قد زارها التهوديون الذين ألقوا ظلالاً من الشك على
مكانة بولس الرسولية وأصروا على أنه بالإضافة إلى الإيمان بالمسيح الذي يكرز به
بولس فمن الضرورى أن يختتن الإنسان وأن يخضع لسائر متطلبات الشريعة اليهودية للفوز
بالخلاص.

+ وعندما
وصلت هذه الأخبار إلى الرسول بولس، كتب هذه الرسالة على الفور ليدحض هذا التعليم
الذي خلط النعمة بالناموس، فكان إنجيلاً مختلفاً عن الإنجيل الذي بشرهم به باسم
المسيح. وفي الحقيقة لم يكن هذا التعليم إنجيلاً (خبراً ساراً) بالمرة وأوصى
قُرّاءه أن يثبتوا في الحرية التي قد حررهم بها المسيح ولا يضعوا أعناقهم مرة أخرى
تحت نير عبودية.

 

كاتب السفر:

بولس
الرسول

إن
الدلائل الداخلية والخارجية جميعها تؤيد بشدة نسبة الرسالة إلى الرسول بولس، مما
يستبعد أدنى شك في ذلك، حتى أن عتاة النقاد يُقروُّن بأن الرسالة إلى غلاطية هي
إحدى الرسائل الأربع التي تحمل بوضوح طابع الرسول بولس (مع الرسالة إلى رومية
والرسالتين إلى كورنثوس)، فالكاتب يقول عن نفسه "بولس" (غل 1: 1، 5: 2).
كما أن لغة ومفردات وأسلوب الرسول بولس واضحة بشدة في الرسالة بصورة طبيعية تعكس
قلب الرسول وفكره، مما يستحيل معه أن تكون منحولة أو مزيفة، بل بالحرى تعتبر
معياراً تقاس عليه الرسائل الأخرى المنسوبة للرسول بولس. 

وليس
ثمة إشارة لها قيمتها من العصور القديمة تنكر أن الرسول بولس هو كاتبها، أو تنكر
عليها موقعها القانوني في الكتاب المقدس، وقد ورد ذكرها في أقدم قوائم الأسفار
المقدسة، كما أنها توجد في أقدم المخطوطات، وتذكر ويُستشهد بها في كتابات آباء
الكنيسة، بل وكتابات الهراطقة. فالرسالة إلى غلاطية تسجل أقوال الله الموحى بها
للرسول بولس.

 

تاريخ كتابه السفر:

+ إما
في أعقاب رحلته الثانية (حوالي عام 55 م) أو أثناء رحلته الثالثة (حوالي 57 م).
كتبها بولس الرسول فى افسس

كُتبت
غل إلى الغلاطيين بالمعنى الحصري. بشّرهم بولس سنة 50 (أع 16 :6) وزارهم سنة 53
(اع 18 :23)، أي بعد مجمع اورشليم (48-49؛ رج أع 15 :5ي). ان القرابة بين غل و2كور
ورو تجعل غل قبل رو وبعد 2كور، أي : نهاية 56 في افسس أو 57 في كورنثوس. غل رسالة
ظرفية. دوِّنت حين وصلت إلى بولس أخبارٌ (او رسالة) من الغلاطيين انفسهم : هناك
مسيحيون من أصل يهودي يعارضون سلطة بولس ويريدون أن يفرضوا شريعة موسى والختان على
مسيحيين من أصل وثني. ثانيا : المضمون. غل هي في الوقت ذاته رسالة هجومية
وتعليمية. اللهجة شخصية، تارة حادة وتارة ناعمة. هناك نداء إلى القلب مع توسيعات
تعليمية واخلاقية. (أ) قسم اول (ف 1-2) من نوع السيرة. يدافع بولس عن عمله الرسالي
: نال لقبه كرسول، وتعليمُه هو من الله نفسه ومن يسوع المسيح. ولكنه أراد، رغم
ذلك، أن يجعل سلطات اورشليم تعترف به. أما في أنطاكية فوقف في وجه بطرس بالنسبة
إلى التبرير. (ب) في قسم ثان (ف 3-4) يقدم بولس براهينه ضد الذين يريدون أن يخضعوا
لشريعة موسى. نجد في افكاره كلمتين متعارضتين : المسيح والشريعة، الايمان
والاعمال، الحرية والعبودية، البر (التبرير) والخطيئة، ويمكن أن نلخّص الموضوع على
الشكل التالي : الايمان يحرّر من اعمال الشريعة. الشريعة تندّد بالخطيئة ولكنها لا
تلغيها. وبما أنها لا تقدر أن تبرّر، فهي تحفظ في العبودية أولئك الذين يخضعون
لها. كانت مفيدة حين كانت مربيّة، وبفشلها هيّأت الدرب للمسيح. أما الذين صاروا
أبناء الله بالايمان والعماد بالمسيح فقد تحرروا من الشريعة. فاذا استعادوا نير
الشريعة أنكروا هذا التحرير. في المسيح ليس الختان شيئا وليس عدم الختان شيئا (5
:6؛ 6 :5). ليس يهودي ولا يوناني. كذلك ليس من تمييز بين رجل حرّ وبين عبد، بين
رجل وامرأة (3 :27-28). فبين الله وأبنائه الذين تبنّاهم، أقام المسيح نوعاً
جديداً من العلاقات يتميّز بهذه الكلمة : أبَّا، أيها الآب (4 :6). ويحرّض بولس
قرَّاءه أن لا يتركوا الله خاضعين لطقوس وثنية أو يهودية (5 :10). ويتابع بولس
برهانه بطريقة رمزية : إن هاجر الأمة تمثّل اورشليم الحالية، أما سارة الزوجة
الحرة التي كانت عاقرا (إش 54 :1)، فهي تمثّل اورشليم العليا. إنها أم المؤمنين
(غل 4 :21-31). هذا العبور من نظام الشريعة إلى نظام الايمان هو تحوّل كتحوّل
الانسان من الطفولة إلى النضوج، ومن وضع العبد إلى وضع الابن الذي يرث الموعد.
واختبار الروح والمواهب لدى الغلاطيين لا يرتبط بالشريعة. فهذا التحوّل هو سر موت
وحياة (1 :20). فالوثنيون المهتدون الذين يخضعون للشريعة يعودون تحت سلطة عناصر
الكون (4 :3-9). أعطيت الشريعة بواسطة الملائكة. اما الايمان بالمسيح فلا يعرف
الاّ وسيطاً واحدًا، هو وحيد كالله نفسه (3 :19) وهو في الوقت نفسه محرّر (5 :1).
(ج) في القسم الثالث (ف 5 – 6). تعود إلى البروز المعارضةُ بين الجسد (الدم)
والروح. فالايمان يعمل بالمحبة، ووصية المحبة تتضمن الشريعة بكمالها (غل 5
:13-14). لا تزال المعارضة حاضرة بين الروح والجسد (5 :17). الروح الذي يحرّرنا من
الشريعة يبعدنا أيضا عن اعمال الجسد (اللحم). اعمال الجسد هي الزنى وعبادة الاوثان
والبغض… (5 :9-21). وهذه الاعمال تعارض ثمار الروح، واول ثمرة هي المحبة (5
:22-23). اذًا هناك شريعة المسيح لابناء الروح (6 :1-2). وتساءل الشراح : أما
يتوجّه هذا القسم نحو اخلاقية منفلتة يكرز بها المتهودون؟ لقد اراد بولس ان يسبّق
على تفسير خاطئ لحرية الروح (5 :13) وأن يدافع عن نفسه ضد أعداء يقولون عنه انه
لااخلاقي. ثالثا : وحدة الرسالة وصحتها. كل الشراح يقولون بوحدة غل وبصحة نسبتها
إلى بولس الرسول. ولا يشذ عن هذه القاعدة الا الجذريّون الذين ينكرون كل رسائل
بولس.

ولا
يمكن تحديد هذين الأمرين على وجه اليقين. فمن يفترضون أنها أرسلت إلى الكنائس في
شمالي غلاطية، يقولون إنها كتبت بعد رحلة الرسول بولس الكرازية الثانية ابتداء من
52م فى أفسس إلى 57-58م وأنها أرسلت إلى مكدونية أو من أخائية أما من يرون أنها
كُتبت إلى الكنائس في جنوبى غلاطية، فتختلف أراؤهم من 48-49م من أنطاكية سورية إلى
57-58م من مكدونية أو أخائية، كما يقول الفريق الأول. ويتوقف تحديد التاريخ بأكثر
دقة على تحديد مواعيد زياراته لأورشليم المذكورة في الأصحاحين الأولين من الرسالة.
ففي دفاعه عن الإنجيل الذي يكرز به، وأنه ليس بحسب إنسان، بل بإعلان مباشر من الرب
يسوع المسيح، يقول إنه بعد تجديده لم يستشر "لحماً ودماً،" ولا صعد إلى
أورشليم الى الرسل الذين كانوا قبله، بل انطلق إلى العربية. ثم رجع إلى دمشق. وبعد
ثلاث سنين صعد إلى أورشليم ليتعرف ببطرس، ومكث عنده خمسة عشر يوماً، ولكنه لم ير
غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب (غل 1: 11-19).

وكانت
هذه هي زيارته الأولى لأورشليم ثم بعد أربع عشرة سنة صعد أيضاً إلى أورشليم مع
برنابا وتيطس (غل 2: 1).

ولا
شك في أن زيارته الأولى هي المذكورة في أع 9: 26-30. أما زيارته الثانية، فيظنها
كثيرون أنها المذكورة في الأصحاح الخامس عشر من سفر الأعمال حين انعقد المجمع من
الرسل والمشايخ.

ولكن

1-
إذا كان ما جاء في الرسالة إلى غلاطية (2: 1-10) يشير إلى ما جاء في أعمال الرسل
(15: 2-29)، فليس من السهل التوفيق بين الروايتين.

2-
يصعب الاقتناع بأن ما جاء في غلاطية (2: 1-10) يتعلق بمقابلة خاصة من بولس وبرنابا
مع يعقوب وبطرس ويوحنا قبيل انعقاد المجمع العام في أورشليم، إذ لو كان الأمر كذلك
لاستحال تفسير تجاهل الرسول بولس لقرارات المجمع في الرسالة إلى غلاطية، إذ كان في
تلك القرارات فصل الختام بالنسبة للقضية.

3-
ولكن من المنطقي تعليل عدم ذكر قرارات المجمع في الرسالة إلى غلاطية بأن المجمع لم
يكن قد انعقد قبل كتابتها.

4- لو
أن زيارة الرسول لأورشليم المذكورة في الرسالة إلى غلاطية (2: 1) هي زيارته التي
انعقد فيها المجمع في أورشليم، لوجد مقاوموه فرصة للطعن في مصداقيته، إذ يكون قد
تجاهل زيارته المذكورة في أعمال الرسل (11: 30، 12: 25) وليس من المقبول القول بأن
زيارته هذه هي نفسها الزيارة التي انعقد فيها المجمع، في ضوء الدقة التاريخية
الشديدة التي يشهد بها جميع العلماء للوقا كاتب سفر أعمال الرسل. وهناك دلائل قوية
على أن زيارته المذكورة في غلاطية (2: 1) هي الزيارة المذكورة في أعمال الرسل 11:
30 وأن الرسالة إلى غلاطية كُتبت قبل الزيارة التي انعقد فيها المجمع في أورشليم
حوالي 48/49م.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد سفر أعمال الرسل يوسف عبد النور 03

 

لمن كُتب السفر:

وجَّه
الرسول بولس رسالته إلى "كنائس غلاطية" وهي عبارة لا تخلو من غموض، لأن
كلمة غلاطية كان لها مفهومان في القرن الأول الميلادى. فكانت تدل إمَّا على غلاطية
التي استوطنها الغاليون في الهضبة الوسطى من أسيا الصغري، أو على ولاية غلاطية
الرومانية التي كانت أوسع كثيراً من غلاطية "الكلتية" (أو الشمالية) فلو
كانت الرسالة قد كُتبت إلى غلاطية الشمالية (كما يرى ليتفوت وكثيرون من قدامى
المفسرين) فلابد أن تكون هذه المنطقة هي المنطقة التي زارها الرسول بولس في زيارته
المذكورة في أع 16: 6، 18: 23 (أو على الأقل في أحد هذين الفصلين). ولكن على
الأرجح أن لهذين الفصلين مرمى آخر، فليس ثمة دليل واضح على أن الرسول بولس زار
غلاطية الشمالية، بينما هناك دليل قاطع على أنه زار غلاطية الجنوبية، وذلك في
رحلته الكرازية الأولى مع برنابا (أع 13: 14 – 14 : 23)، وأسس فيها كنائس في
أنطاكية بيسيدية وإيقونية ولسترة ودربة ولابد أنه أرسل رسالته إلى هذه الكنائس.

ويعترض
البعض على ذلك بأنه لم يكن من اللائق سيكولوجياً أن يخاطب الرسول بولس قرَّاءه
بالقول "أيها الغلاطيون" (غل 3: 1) لو أنهم لم يكونوا
"غاليين" أصلاً. ولكن لو أنهم كانوا ينتمون إلى جماعات عرقية مختلفة
(مثل الفريجيين والليكاؤنيين)، فما هو الاسم المشترك الذي كان يمكن أن يخاطبهم به
ليشمل الجميع، إلا هذا الاسم السياسي الذي أطلقته روما على الولاية التي كونتها من
هذه الأصول العرقية المختلفة ؟

 

محور السفر:

 +
الناموس، الإيمان، الحرية، الروح القدس

 +
ربنا يسوع المسيح محررنا

 +
الخدمة القانونية

 +
الناموس والحياة الجديدة

 

موضوع السفر:

وإن
كان المجال لا يتسع لتحليل الرسالة منطقياً، فلا أقل من أن نورد موجزاً لدفاع
الرسول بولس عن الإنجيل الصحيح. ويمكن إيجاز ذلك في تسع نقاط:

1-
الإنجيل الذي كرز لهم به بولس هو الإنجيل الذي قبله بإعلان مباشر من المسيح، وقد
وصل لسامعيه بسلطان المسيح وليس بسلطان بولس (1: 11-14).

2-
ادَّعى البعض رداً على قول بولس إنه قبل إرساليته من المسيح رأساً، أن أي إرسالية
صحيحة يجب أن تأتي عن طريق أورشليم، ولذلك فإن تعليم بولس غير صحيح لأنه لا يطابق
تعليم أورشليم. ويجيب بولس على هذا الادعاء بوصف زياراته لأورشليم، بين زمن تجديده
وزمن كتابة الرسالة ليبين لهم أن قادة الكنيسة في أورشليم لم يرسلوه، بل بالحري
أقروا أنه رسول للأمم، وهو ما قبله من المسيح رأساً (غل1: 15-2:.1).

3-
إذا كان القبول أمام الله يمكن الحصول عليه بالختان وحفظ الشرائع اليهودية، لكان
موت المسيح بلا سبب ولا جدوى منه (2: 21).

4-
الحياة المسيحية – كما عرفها المؤمنون الغلاطيون من الاختبار الشخصي – هي عطية من
روح الله،وعندما حصلوا عليها، حصلوا في نفس الوقت على البراهين القاطعة بوجود
الروح القدس وعمله في وسطهم. وإذا كانوا قد بدأوا حياتهم المسيحية على هذا المستوى
الرفيع، فمن المستحيل تصور أن يواصلوا هذه الحياة على المستوى الأدنى، مستوى أعمال
الناموس (غل 3: 2-5).

5-
كان التهوديون يُصرون على حتمية الختان، مستشهدين بمثال إبراهيم، ويقولون حيث إن
الختان كان ختم عهد الله معه، فلا يمكن أن يكون لشخص أغلف أي نصيب في ذلك العهد
بكل البركات التي ترتبط به. ولكن أبناء إبراهيم الحقيقيين هم الذين يتبررون
بالإيمان كما تبرر إبراهيم، وهؤلاء هم الذين يتمتعون بالبركات التي وعد الله بها
إبراهيم، فقد تم وعد الله لإبراهيم فى المسيح، وليس فى الناموس، ولذلك فبركات هذا
العهد يتم التمتع بها، ليس بحفظ الناموس (الذى صار بعد زمن طويل من إعطاء العهد،
ولا يمكن أن يبطل الموعد أو يؤثر فيه) بل بالإيمان بالمسيح (غل 3: 6-9 و15 – 22).

6- إن
الناموس يوقع اللعنة على كل من يفشل في حفظ كافة دقائق الناموس، فالذين يتكلون على
الناموس يعرضون أنفسهم لخطر هذه اللعنة، ولكن المسيح – بموته على الصليب – حمل
اللعنة عوضاً عن المؤمنين به، وهكذا خلصهم من لعنة الناموس، فأصبح الواجب على شعبه
الآن عدم العودة لوضع أنفسهم تحت الناموس واللعنة المترتبة عليه (3: 10-14).

 

غاية السفر:

 +
جاء إلي غلاطية بعض من الداعين إلى العودة للديانة اليهوديه وقد شككوا بعض
المؤمنين في رسولية القديس بولس وطالبوهم بختان الجسد وحفظ الناموس حرفيا لهذا كتب
الرسول عن الإيمان بالصليب والدخول إلى " الحياة الجديدة " مع عدم
الرجوع إلي حرفية أعمال الناموس ودافع عن رسوليته حتى لا يتشككوا في كرازته. ويصرح
بولس فى هذة الرسالة بأن الايمان بالمسيح كاف لتبرير الانسان وخلاصه، وأن الختان
غير لازم للخلاص(غلا6:5) وفيها معنى الحرية المسيحية (غلا5)

جدّد
بولس قراءة تاريخ شعب الله فأظهر المسيح غاية الزمان ومِلأه (4:4)، هذا الذي كان
أهل غلاطية يقبلونه ويؤمنون به قَبْل أن يتغيّروا ويهملوا الحرية التي ذاقوها
ببشارة الإنجيل (4: 8-20). وليبعدهم عمّا يضلّهم، كتب لهم تفسيرا رمزيا عن زوجتَي
ابراهيم: سارة وهاجر، فرسم دور العهدين، وذلك أن الواقعين تحت نير الشريعة هم
اولاد ابراهيم من جاريته هاجر، اما نحن المسيحيين فإننا أبناء سارة بالروح أحرارا
وورثة وننتمي الى اورشليم السماويّة (4: 21-31).

 لقد
أسخط بولس هذا التشويش المعثر، فتمنّى لو أن الذين أثاروه بمناداتهم بختان باطل
"يَجُبُّون أنفسهم"، اي يفسدون برتب وثنية مُذلة. ودعا اهل غلاطية الى
الحرية التي يهبها المسيح بالروح القدس ليعيشوا، بلا تفلّت، رهن إرادة الله بكل
محبة وإيمان ورجاء (5: 1-12). وقدّم لقرّائه لائحتين متوازيتين: أعمال الجسد
(19-21)، وثمر الروح (22-24)، وأرفقهما بوصايا دعا فيها اهل غلاطية الى أن يسلّموا
حياتهم اليومية للروح القدس، فازدرى بالعُجب بالنفس وكل تحدّ وحسد، وحضّهم على أن
يحملوا "أثقال بعض" ليتمّوا "شريعة المسيح" التي هي محبة
"جميع الناس" (ولا سيما اخوتنا في الإيمان) وإشراكهم "في جميع
الخيرات" (5: 25-6: 10). وأنهى بولس رسالته بالافتخار "بصليب ربنا
يسوع" الذي به عرفنا، بشكل جازم وأخير، أن الله يحبّنا الى الأبد.

 

كنيسة غلاطية

الرسالة
الى كنيسة غلاطية رسالة الى كل كنيسة، في كل جيل، لتعرف كيف تبتعد عن كل فكر غريب
منحرف وتحفظ ذاتها بخضوعها لإنجيل الحبّ والحرية والتجدّد.

تقع
غلاطية -التي خصّها بولس برسالته- على هضاب آسيا الصغرى (في ما يسمّى غلاطية
الشمالية، وهي المنطقة الواقعة بين كبادوكية والبحر الاسود والممتدّة الى جوار
انقرة)، وقد سُمّيت بهذا الاسم لأن سكانها الأصليّين أتوا من "غالية"
(فرنسا الحالية). زار بولس المنطقة خلال رحلته التبشيرية الثانية (اعمال 16: 16)
فأسس كنيستها، وعاد اليها في رحلته الثالثة (اعمال 18: 23) من اجل تثبيت إيمان
الجماعة التي ابتدأت تتأثر ب"قوم يلقون البلبة" ويهددون كيان الإنجيل
الواحد (1: 7).

لا بد
أن نذكر بدءا أن ثمة من يقول بأن بولس وجّه رسالته الى كنائس غلاطية الرومانية
(انطاكية بيسيدية، ايقونية، لسترا ودربة) التي أسّسها خلال رحلته التبشيريّة
الاولى (اعمال 13: 14…). غير أن هذا الرأي، الذي ظهر في القرن الفائت، اخذ يضعف
امام الخيار الذي حمله تقليد الكنيسة الاولى، والذي بينّا مضمونه في افتتاح هذا
المقال. ولعلّ السبب الرئيس الذي دفع معظم المفسرين الى العودة الى التقليد
القديم، هو أن المنطقة التي وجّه اليها بولس رسالته لا يقطنها الا مسيحيون هم،
حصراً، من اصل وثني (4: 8، 5: 2)، وهذا تاريخيا ينطبق على غلاطية القديمة. اما
غلاطية الجنوبية فقد حوت يهودا كثيرين أقاموا في انطاكية بيسيدية (اعمال 13 :43)
وايقونية (14: 1).

 

مفتاح السفر:

 "وأما
من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي
وأنا للعالم لأنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئا ولا الغرلة بل الخليقة
الجديدة" (6 : 14، 15)

+
غلاطية ولاية تقع في القسم الأوسط من آسيا الصغرى خضعت للدولة الرومانية، وفي سنة
7 ق.م انضم إليها عدة مقاطعات تحت أسم " ولاية إنطاكية "

+
زارها الرسول بولس في رحلتة التبشيريه الأولي" إنطاكية بيسيدية ولستره ودربة
(أع 13، 14) كما زارها مع سيلا وتيموثاوس (أع 16 : 6) وأيضا في رحلته التبشيرية
الثالثة (أع 18 : 23) حيث كان يجمع العطاء من أجل قديسى أورشليم (1 كو 16 : 1)

وجّه
بولس رسالته -لعله خطّها في آخر إقامته الطويلة في أفسس في بدء شتاء 56-57، وذلك
قبل أن يكتب الرسالة الى رومية بستة اشهر، الأمر الذي يفسر التشابه الكبير الذي
بينهما -الى كنائس متجاورة (نجهل عددها وبنيتها) عرف أنها ابتدأت تصغي الى بعض المتهوّدين
الذين حاولوا أن يفرضوا على مؤمنيها "انجيلا آخر" لا يرضي الله، اذ
قالوا بأن الإيمان بالرب يسوع لا يكفي للخلاص، وألحّوا على ممارسة الشرائع
اليهودية (الختان…) لاستحقاق هذا الخلاص (ثمة أخطار أخرى كانت تهدّد جماعة
غلاطية أوجبت الكتابة اليهم، ولعلّ أهمها التنديد بسلطة بولس والمطالبة بحرية لا
يقيّدها شيء).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر الأمثال عبد المسيح 01

 

 عرف
بولس الخطر المحدق بهذه الكنيسة الفتيّة فأراد أن يذكّرها بسعيها الاول الذي ابتدأ
"حسنا" (5: 7)، ويعيدها الى الحقيقة (حقيقة الله الذي أنقذ العالم
وجدّده بابنه يسوع، الذي فيه وحده تتوحّد البشرية وتصل الى كمالها) التي أنارت
سبيلها قبلا.

 

محتويات السفر:

اولا
: مقدمة ص 1

 إذ
حدث تشكك بواسطة الذين هم من أصل يهودي أكد الرسول رسوليته أنها بإعلان يسوع ودعوة
الآب له

 1 –
البركة الرسولية 1 – 5

 2 –
التحول عن الإنجيل 6 – 10

 3 –
إعلان المسيح له 11 – 17

 4 –
شركته مع الرسل 18 – 24

ثانيا
: مشكلة التهود ص 2

 إذ
يتحدث عن مشكلة التهود يؤكد الرسول شركته الحقة مع الكنيسة وخضوعه لها.. وتشاوره
مع بقية الرسل مع التزامه بحق الإنجيل لهذا ما يكتبه ليس رأيا خاصا إنما هو إيمان
الكنيسة كلها وفق الإنجيل

 +
شركته الكنسية 1-2

 +
التزامه بحق الإنجيل 3 – 10

 +
مقاومته لبطرس 11 – 15

 +
البر بالإيمان لا بأعمال الناموس 16 – 21

ثالثا
: عجز أعمال الناموس ص 3

 لكي
يرد علي القائلين بالعودة إلى التهود، ركز الرسول علي الإيمان بالصليب والامتثال
بإبراهيم رجل الإيمان

 +
الصليب لا أعمال الناموس 1 -5

 +
تبرير إبراهيم بالإيمان لا بأعمال الناموس 6 – 9

 +
الناموس يكشف الخطية فنسقط تحت اللعنة 10 – 14

 +
الناموس لم يبطل وعد إبراهيم 15 – 18

 +
حقق الإيمان ما عجز الناموس عنه 19 – 29

رابعا
: الطفولة والنضوج الروحي ص 4

 –
العودة إلي حرفية أعمال الناموس هو نكوص من الرجولة الروحية إلي الطفولة

 –
كنا تحت الناموس كالقصر وفي هذا لا نختلف عن العبيد ليس لنا حق التصرف لكننا
بالإيمان صرنا أبناء وورثة

 +
بالناموس كنا قصر لكننا في المسيح يسوع صرنا أبناء الله 1 – 8

 +
أبوة بولس لهم 9 – 20

 +
بين الحرية والعبودية سارة وهاجر 21 – 31

خامسا
: الحرية المسيحية ص 5

 – في
الإيمان المسيحي نلنا الحرية لا بمعني كسر الناموس وإنما السمو فوق أعمال الناموس

 –
الإيمان لا يحتقر الناموس بل حقق ما عجز عنه.

 +
حرية الروح عوض عبودية الناموس 1 -12

 +
الحرية تكمل الناموس ولا تحطمه 13- 15

 +
الحرية هي سمو وليس إباحية 16 – 26

سادسا
: وصايا عملية ص 6

 +
إصلاح الغير بالوداعة 1 – 5

 +
المثابرة في الجهاد 6 – 10

 +
الافتخار بالصليب كخبرة عملية

 –
بالختان عن محبة العالم 11 – 14

 –
كسر التجديد 15 – 16

 –
كحمل سمات الرب 17

 –
البركة الرسولية 18

 

مجمل السفر:

(1)
التحيات (1: 1-5).

(2)
الإنجيل الجديد ليس إنجيلاً (1 :6-10)

(3)
من تاريخ حياة الرسول ودفاعه عن نفسه (1 :11-2 :14).

– أخذ
بولس إرساليته من المسيح رأساً (1 :11-17).

– قام
بولس بزيارته الأولى لأورشليم عقب تجديده (1: 18-24).


رحلة أخرى للرسول بولس إلى أورشليم (2 :1-10).


لماذا قاوم الرسول بولس الرسول بطرس في أنطاكية (2 :11-14).

(4)
إنجيل النعمة لا يشجع على الخطية (2: 15-21).

(5)
تذكير الغلاطيين باختبارهم الشخصي (3 :1-6).

(6)
عهد الله لإبراهيم كان سابقاً لناموس موسى (3 :7 -22).

(7)
النضج المسيحي :

– نحن
الآن أبناء ناضجون (3 :23-29).


العودة إلى الطفولة (4 :1-7).


العودة إلى العبودية (4 :8-11).

(8)
تذكيرهم مرة أخرى باختبارهم الشخصي (4 :12-20).

(9)
الحرية المسيحية – أورشليم العليا وأورشليم الحاضرة (4 :21-5 :1).

(10)
بالإيمان وليس بالأعمال (5 :2-12).

(11)
حرية وليست إباحية (5 :13-26).

(12)
دعوة للمعاونة المشتركة (6 :1-5).

(13)
الزرع والحصاد (6 :6-10).

(14)
ما خطَّه بولس بيده (6 :11-18).

– لبولس
يتناول القلم بيده (6: 11).


الافتخار الكاذب والافتخار الصادق (6 :12-16).


العلاقات الحقيقية لخادم المسيح (6: 17).


التحية الختامية (6 :18)

ويوجه
بولس هذه الرسالة إلى كنائس غلاطية (غلاطية 2:1). وهي تشمل أنطاكية بيسيدية،
وإيقونية، ولسترة، ودربة – وهي أماكن في مقاطعات مختلفة وإن كانت كلها داخل إقليم
غلاطية الروماني.

والرحلة
التبشيرية الأولى التي قام بها بولس وبرنابا في هذه المنطقة مسجلة في سفر الأعمال
أصحاح 13 و14. أما رحلة بولس التبشيرية الثانية إلى إقليم غلاطية، فقد كانت مع
سيلا (أعمال 40:15-41؛ 1:16-2،5-6).

وقد
بلغ إلى مسامع بولس أن المعلمين الكذبة يقنعون بعض الكنائس بأن الختان وحفظ الأيام
والشهور والمواسم والسنين لازم للمسيحية الحقيقية.

وفي
هذه الرسالة، يشرح بولس الفرق بين المسيحية الحقيقية وبين التدين، ويقول أن جميع
الأديان الأخرى مرفوضة (غلاطية 8:1-9). وهو يعلن أن خلاصنا يعتمد فقط على ربنا
يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير (غلاطية
3:1-4).

ويشير
بعد ذلك إلى أن الأعمال الصالحة، مهما بلغت درجة صلاحها، لا يمكن أن تجعل من الشخص
مسيحيا. فهو يكتب قائلا: إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس (غلاطية
16:2). لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، لأن كلكم الذين اعتمدتم
بالمسيح قد لبستم المسيح (غلاطية 26:3-27) وقد أصبحتم خليقة جديدة (غلاطية 19:4؛
15:6).

تقدم
أيضا هذه الرسالة تحذيرا قويا لكل من يستمر في ممارسة أعمال الجسد التي هي زنى،
عهارة، نجاسة، دعارة، عبادة الأوثان، سحر، عداوة، خصام، غيرة، سخط، تحزب، شقاق،
بدعة، حسد، قتل، سكر، بطر… أن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله. ويختم
قائلا أن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات (غلاطية 19:5-21،24).

 

شرح السفر

غلاطية 1 – 3

يفتتح
بولس رسالته بتأكيد "مفاجئ" على سلطته، يجعلنا نستشف خيوط الأزمة منذ
البدء، فهو رسول "لا بمشيئة انسان بل بمشيئة يسوع المسيح…". ونجده،
بدل الإطراء الذي اعتدنا عليه في افتتاح رسائله، يعنّف الغلاطيين لانشغالهم بتعليم
لا نفع فيه. ويتابع (11) الدفاع عن دعوته، فيعود الى كلمات الأنبياء، (ارميا،
اشعيا) ودعواتهم، ليؤكد، بعد أن يسقط كل التهم، أن سلطته معطى إلهي (13-24). ثم
يذكرهم بأن الإنجيل الذي يشككون به هو الذي يهب الخلاص لكل البشر، لأن محوره
المسيح الذي أحبنا "وجاد بنفسه" من أجلنا (2: 15-21)، وحررنا من أعمال
الشريعة القديمة (راجع قرارات مجمع اورشليم، اعمال الرسل 15: 5-29)، وهو وحده
يبرّر كل مَنْ يؤمن به (اليهود والوثنيين).

الرسالة
إلى الغلاطيين من أهم وأعظم رسائل الرسول بولس، فهي تحتوى على خلاصة ما كان
يُعلِّم به، وهو ما كان قد قبله بإعلان إلهي (غل 1: 12). ويطلق الكثيرون على هذه
الرسالة : "موجز الرسالة إلى رومية،" وفي الحقيقة تبدو "الرسالة
إلى رومية" تفصيلاً للرسالة إلى غلاطية. فمن المقارنة بين الرسالتين، يتبين
لنا أنهما متشابهتان في الهدف والمحتوى. فكلتاهما تبرزان بقوة تعليم الرسول بولس
عن التبرير بالإيمان، والتحريضات الأخلاقية التي هي ثمر إنجيل المحبة.

 

وقد
كانت الرسالة إلى غلاطية موضع التقدير الكبير من رجالات الكنيسة العظام على مدى
القرون، فقد كانت للكثيرين مصدر قوة وإرشاد. وقد وجد فيها رجال الإصلاح إعلاناً
للحرية المسيحية وإحياء للحق الكتابي، فكانت أثيرة عند مارتن لوثر إذ وجد فيها
تقوية لإيمانه وحياته، وسلاحاً لا يُفل لدعوته الإصلاحية. وقد حاضر عنها كثيراً،
كما كتب شرحاً لها يُعد من أهم كتبه التي كان لها أقوى الأثر في إثبات أبرز أركان
حركة الإصلاح، وهو التبرير

 

بالإيمان
وحده.

ويقول
دكتور وليم رمزي العالم الانجليزي الشهير : "إن رسالة غلاطية رسالة فريدة
وعجيبة تضم في ثنايا أصحاحاتها الستة القصيرة خلاصة الإنجيل المحرِّر بصورة قد لا
يضارعها سفر آخر" ويقول "فارار" (
Farrar) "إن ما تضمه هذه الصفحات القليلة، قد أحدث من الأثر ما
ترددت أصداؤه وستظل تتردد إلى الأبد – إنها "العهد الأعظم" (
Magna Charta). للتحرير
الروحي" وقال عالم آخر : "إن رسالة غلاطية هي "الحجارة
الملساء" التي تناولها رجال الإصلاح من الوادي (كما فعل داود) وضربوا بها
الجبار البابوي في العصور الوسطى"، فقد كانت حجر الزاوية وشعار المعركة
للإصلاح البروتستانتى. ويقول دكتور "مريل تني" (
Merril
Tenney
): "قليل من الكتب كان له من التأثير القوي في التاريخ
البشرى، ما يضارع ما لهذه الرسالة الصغيرة، إذ كان من الممكن أن تظل المسيحية
مذهباً آخر من المذاهب اليهودية، وأن يظل العالم الغربي في وثنيته، لو لم تكتب
الرسالة إلى غلاطية، لأن الرسالة إلى غلاطية تحوى بذار الحرية المسيحية التي فصلت
بين المسيحية واليهودية، ودفعت بالكرازة بالإنجيل إلى هذه الآماد البعيدة، لقد
كانت حجر الزاوية للإصلاح البروتستانتى، فقد كان تعليمها عن الخلاص بالنعمة وحدها،
هو الموضوع البارز في كرازة رجال الإصلاح" فقد هزت نغمة التحرير أوتار قلوب
الملايين من البائسين، فلا توجد كلمات عن قيمة الإنسان والمساواة وشمول النعمة،
تضارع هذه الكلمات: "بعد ما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب، لأنكم جميعاً
أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم
المسيح. ليس يهودى ولا يونانى ليس عبد ولا حر، ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعاً واحد في
المسيح يسوع" (غل 3: 25-28). فليس ثمة دفاع أقوى مما في الرسالة إلى غلاطية،
عن التبرير بالإيمان وحده، والحرية الروحية ضد كل أشكال الناموسية. لقد كانت
الرسالة إلى غلاطية على الدوام هي القلعة التي ارتدَّت عنها كل السهام التي وُجهت
إلى قلب الإنجيل، ألا وهو الخلاص بالنعمة بالإيمان: "لأن جميع الذين هم من
أعمال الناموس، هم تحت لعنة، لأنه مكتوب : ملعون كل ما لا يثبت في جميع ما هو
مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به. ولكن أن ليس أحد يتبرر بالناموس عند الله فظاهر
لأن البار بالإيمان يحيا. ولكن الناموس ليس من الإيمان، بل الإنسان الذي يفعلها
سيحيا بها… المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا"

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مثال ل

 

(غل
3: 10-13) وبالاختصار نجد في الرسالة إلى غلاطية، تعليم الرسول بولس عن التبرير
بالإيمان، الذي ساعد الكثيرين على فهم محبة الله وعمل الرب يسوع المسيح، فالحياة
الجديدة ليست ناموسية أو إباحية، ولكنها حرية تحكمها النعمة، ويوجهها روح الله في
المحبة. وستظل على الدوام المانع القوي من خلط إنجيل النعمة بالناموسية، والمدافع
القوي عن الحية المسيحية.

 يعود
بولس في الإصحاح الثالث الى خبرة الغلاطيين (1-5)، فيذكّرهم بأن الذي يهبهم الروح
ويجري بينهم المعجزات لا يفعل ذلك لانهم "يعملون بأحكام الشريعة"، وإنما
لأنهم أطاعوا "خبر الإيمان". ثم يقدم لهم برهانين: أولهما كتابيّ 6-14
(لا نعجب من أن الوثنيين يعرفون العهد القديم اذ كان هو الكتاب الذي تقرأه الكنيسة
الاولى وتشرحه في كل اجتماعاتها) ليبيّن حقيقة الإنجيل الذي بشّرهم به، والثاني
قانونيّ 15-18. وفي التفصيل نذكر أن اليهود كانوا يعتبرون أن أبناء الأمم يصبحون
اولاد ابراهيم بخضوعهم لطقس الختان. هذا ما جعل بولس يعود الى الكتب القديمة ليؤكد
أن الأمم باتوا أولاد ابراهيم وورثة له بمشاركتهم في ايمانه، وذلك أن الله قَبِلَ
ابراهيم وبرّره (بالإيمان) قَبْلَ أن أُعطيت الشريعة بزمن طويل (تكوين 15: 6).
وظيفة الشريعة انها كانت تحرس الناس وتؤدبهم، ولما "جاء الإيمان لم نبقَ في
حكم الحارس" (25)، اذ حررنا المسيح، وبتنا "جميعا" (اليهود
والوثنيون) أبناء الله بالإيمان به بالمعمودية التي أنهت كل اعتبار للعرق والوضع
والجنس.

 

يأتي
ذكر إبراهيم ثمان مرات في أصحاح 3 ويذكرنا الكتاب بإيمانه بوعد الله من جهة النعمة
المخلصة والذي أعطي له ولنسله قبل إعطاء الناموس لموسى ب 500 سنة. إن نعمة الله
أكثر من مجرد إحسان وإنما هي تشمل الرحمة والمحبة.

إن
نعمة الله المخلصة تظهر في طول أناته مع بني إسرائيل المتمردين إذ أخرجهم من
العبودية في مصر، ثم قدم لهم الطعام والإرشاد طول الطريق، وفي النهاية أعطاهم
القدرة على امتلاك أرض الموعد. ولكن المعنى الكامل لنعمته يظهر في حياة وموت
وقيامة المسيح. فإن إيمان اليهودي والأممي على حد سواء، مثل إيمان إبراهيم، يؤدي
إلى الطاعة: ليس أحد يتبرر بالناموس عند الله… لأن البار بالإيمان يحيا (غلاطية
11:3؛ رومية 17:1؛ عبرانيين 38:10؛ حبقوق 4:2). فالتبرير معناه أن يكون الإنسان
بارا روحا وعملا. وهذا يعني أنه لا يمكن الفصل بين الإيمان والأمانة.

المسيح
افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا (غلاطية 13:3). لا يستطيع ناموس موسى
أن يعطي حياة أبدية ولكن المسيح أصبح بديلنا على الصليب – أي أخذ مكاننا.

كان
الناموس اليهودي – المعطى من الله لموسى – ثلاثي الأوجه: طقسي، وقضائي، وأدبي.
الناموس الطقسي يشمل الفرائض المتعددة التي يجب اتباعها في عبادة الله. والناموس
القضائي يصف القوانين التي تحكم الأمة اليهودية والهدف منها محاكمة المذنبين. أما
الناموس الأدبي فهو ينطبق ليس فقط على اليهود، بل على الجنس البشري كله.

كان
المسيح هو المتمم للفرائض الطقسية إذ أنها كانت مجرد رموز وظلال لشخصه. ففي
المسيح، تحرر الأمم وكذلك اليهود من لعنة الناموس وتم إحضارهم إلى علاقة عهد مع
الله الواحد الحقيقي كما سبق وأنبأ قائلا: وأعطيهم قلبا واحدا وأجعل في داخلكم
روحا جديدا وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم، لكي يسلكوا في فرائضي
ويحفظوا أحكامي ويعملوا بها ويكونوا لي شعبا فأنا أكون لهم إلها (حزقيال 19:11-20؛
2 كورنثوس 3:3).

أما
المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول في الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه
عن واحد (غلاطية 16:3).

لأن
كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح (غلاطية 27:3). ففي المعمودية، نحن
نلبس المسيح – فتغمرنا طبيعته ونحصل على خدمة المصالحة – لتوصيل كلمته إلى العالم.

فإن
كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة (غلاطية 29:3).

شواهد
مرجعية: غلاطية 6:3 (انظر تكوين 6:15)؛ غلاطية 8:3 (انظر تكوين 3:12)؛ غلاطية 10:3
(انظر تثنية 26:27)؛ غلاطية 11:3 (انظر حبقوق 4:2)؛ غلاطية 12:3 (انظر لاويين
5:18)؛ غلاطية 13:3 (انظر تثنية 23:21).

 

غلاطية 4 – 6

تشمل
قائمة أعمال الجسد 17 خطية (غلاطية 19:5-21). ويأتي الزنى على رأس هذه القائمة؛ إن
الزنى بلا شك هو من أكثر الخطايا المدمرة في وقتنا الحالي – فهو يدمر القلوب،
ويدمر البيوت، ويدمر الحياة. إنه خطية ضد الله وضد المسيح. فالمؤمنون هم العروس،
امرأة الخروف (رؤيا 9:21) ويجب أن يكونوا مخلصين في حبهم له كإخلاص الزوجة لزوجها.

والخطية
الثانية في القائمة هي العهارة، وهي تشمل جميع الخطايا الجنسية، وتشمل الاتصال
الجنسي بين أي رجل وامرأة في غير إطار الزواج، وأيضا الممارسات الشاذة للجنس،
كالعلاقة بين أفراد الجنس الواحد.

والخطية
الثالثة هي النجاسة أي عدم الطهارة وهي مرتبطة عادة بالشرور الجنسية، ولكنها تشمل
أيضا كل ما ينجس أفكارنا وأجسادنا وأرواحنا.

والخطية
الرابعة في القائمة هي الدعارة، وتحمل معنى عدم الانضباط وتتضمن السلوك الشهواني
والخلاعة وعدم اللياقة، لكنها تعني أيضا اشتهاء الملذات بصرف النظر عن إرادة الله
وعن تأثير ذلك على الآخرين.

والخطية
الخامسة هي عبادة الأوثان. وهي لا تعني فقط استخدام التماثيل المنحوتة في العبادة،
كما فعل هارون، أو مثل العبادة التي أدخلها يربعام إلى إسرائيل (خروج 1:32-4؛ عدد
2:25؛ قضاة 7:3؛ 1 ملوك 28:12-33؛ 2 ملوك 12:17)، ولكنها تعني أيضا السماح لأي شيء
أو أي شخص يحصل على اهتمامنا الأول بدلا من الله. فعبادة الأوثان قد تشمل أشياء
عديدة مثل العمل الذي نقوم به أو شخصا ما أو الملذات باختلاف أشكالها. فمع أن هذه
قد لا تكون شرا في حد ذاتها، إلا أنها إذا شغلت الوقت والإخلاص اللذين يستحقهما
الرب وحده فهي تصبح عبادة أوثان.

ولا
ننسى السحر، والذي يشمل قراءة الأبراج، وقراءة الكف، والتنويم المغناطيسي، وسائر
أعمال العرافة التي تحل محل الصلاة وانتظار قيادة الرب. والكلمة المترجمة
"سحر" تعني حرفيا تعاطي المخدرات إذ أنه يرتبط عادة بممارسة السحر
والعرافة.

وتشمل
القائمة أيضا العداوة، الخصام، الغيرة، السخط، التحزب، الشقاق، البدعة (غلاطية
20:5). الخصام هو عدم الوفاق مع الآخرين أما الغيرة فهي الرغبة الدائمة في التفوق
على الغير. هذه الصفات كلها تبدأ بالأنانية داخل القلب.

والحسد
والقتل (غلاطية 21:5) مرتبطان. فالحسد هو الذي قاد إلى أول جريمة قتل في الجنس
البشري (تكوين 3:4-8). والحسد معناه الحقد والخبث والنية السيئة – وعدم حب الخير
للآخرين. لقد كان بدافع الحسد أن أسلم رئيس الكهنة المسيح إلى بيلاطس ليصلبه (متى
18:27؛ مرقس 10:15).

وتختتم
القائمة بالسكر والبطر وأمثال هذه (غلاطية 21:5). فلا يمكن للإنسان أن يكونوا تحت
تأثير الخمر والروح القدس في نفس الوقت. إن الخمر لا تدمر فقط الشخص الذي
يتعاطاها، ولكنها تستطيع أيضا أن تدمر عائلات بأكملها.

ويحذرنا
الروح القدس، بواسطة بولس، من أن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله
(21:5). لذا علينا مسئولية كبيرة وهي أنه إن انسبق إنسان فأخذ في زلة فأصلحوا أنتم
الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضا (غلاطية 1:6).

شواهد
مرجعية: غلاطية 27:4 (انظر إشعياء 1:54)؛ غلاطية 30:4 (انظر تكوين 10:21)؛ غلاطية
14:5 (انظر لاويين 18:19).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي