الإصحَاحُ
الأَوَّلُ

 

1بُولُسُ،
رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ، إِلَى
ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلَّذِينَ فِي أَفَسُسَ، وَٱلْمُؤْمِنِينَ فِي
ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. 2نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ
أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.

«بولس»
كلمة يونانية الأصل معناها صغير. وقد عرف رسول الأمم بهذا الاسم، بعد تجديده
وقبوله يسوع المسيح رباً ومخلصاً وكان قبلاً معروفاً باسم شاول. وقد أطلق الرسول
الكريم اسم بولس على نفسه بعيد اهتداء الوالي سرجيوس بولس، الذي قبل الإيمان على
يديه (أعمال 13: 5-7) ومن هنا نستنتج أن بولس الرسول اتخذ لنفسه اسم أول رجل تجدد
على يديه.

«في
المسيح» هذه الكلمة هي مفتاح رسائل بولس. وهي تحدد بإيجاز مكان المؤمن بوضعه في
أعلى مستوى.

في
نظري أن كلمة «مسيحي» تعني أكثر من السلوك بتهذيب، وأكثر من التمرس الخارجي في
عضوية الكنيسة، وأكثر من التردد على بيت العبادة. إنها حياة المسيح فينا. ودعوة
المسيحي بحسب العهد الجديد، أكثر من الحصول على الصفح عن الخطايا، وأكثر من امتلاك
الفرح بالمصالحة مع الله. دعوة المسيحي أن يكون المؤمن في المسيح. أن يكون له
الأمتياز الذي أشار غليه الرب يسوع حين قال: في ذلك اليوم تعرفون أني في أبي وأنتم
فيّ وأنا فيكم (يوحنا 14: 20).

وفي
تعبير آخر أن المسيحية الصحيحة ترينا النعمة معتبرة في يسوع المسيح. وهذا ما أوضحه
بولس في رسائله. ففي رسالته إلى أهل رومية. يرينا المؤمن مبرراً في يسوع المسيح
(رومية 2: 19-26) وفي رسالتيه إلى أهل كورنثوس، يرينا المؤمن مقدساً في يسوع
المسيح (1 كورنثوس 1: 2، 3: 17 و2 كورنثوس 7: 1) وفي رسالته إلى أهل غلاطية يرينا
المؤمن مصلوباً في يسوع المسيح (غلاطية 2: 20 و6: 14) وفي رسالته إلى أهل أفسس
يرينا المؤمن ممجداً في يسوع المسيح (أفسس 1: 3 و15-23) وفي رسالته إلى أهل فيلبي
يرينا المؤمن مكتفياً في يسوع المسيح (فيلبي 1: 31 و4: 19) وفي رسالته إلى أهل
كولوسي يرينا المؤمن مكملاً في يسوع المسيح (كولوسي 2: 9-10) وفي رسالتيه إلى أهل
تسالونيكي يرينا المؤمن منتصراً في يسوع المسيح (1 تسالونيكي 1: 9-10 و4: 13-15، و2
تسالونيكي 1: 4-13 و2: 13).

فالمسيحية
الصحيحة بالنسبة لك، هي أن تدرك أن يسوع بالنعمة التي وهبها لك، لا يخلصك فقط من
دينونة جهنم، بل أيضاً يعطيك أن تحيا بحياته. وبهذا المعنى تتجدد هويتك، فيراك
الله في المسيح. يراك قريباً منه قرب ابنه الحبيب بالذات.

هذا
هو وضع المؤمن المخّلص بالنعمة تجاوباً مع الإيمان. وأنه لمن البديهي، أن يكون
الحاصل على هذا الامتياز مدعواً لكي يتمم خلاصه بخوف ورعدة (فيلبي 2: 12) بمعنى أن
هذا الوضع الممتاز يتطلب من المؤمن أن يشدد السهر لكي تكون تصرفاته على الأرض
منسجمة مع هذا الوضع السماوي الذي صار إليه في المسيح يسوع.

«القديسين
في أفسس والمؤمنون في المسيح يسوع» إن العبارتين قديسين ومؤمنين، لا تعينان صنفين
من الناس. بل تعنيان فريقاً واحداً.

فكلمة
قديس تصف المسيحي في سموا دعوته واختياره. وكلمة مؤمن تصفه في علاقته بالمسيح.
ويستفاد من إيراد العبارة في المسيح، بعد كلمة المؤمنين أن المسيح هو موضوع
الإيمان. وتدل على ما بين المؤمنين والمسيح من اتحاد حيوي وثيق في روح واحد.

«نعمة
لكم وسلام» هذا هو المناخ الذي يحيا فيه أولاد الرب. وقد صاروا إليه بالنعمة
الإلهية التي في يسوع وفقاً لقوله: «سَلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي
أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي ٱلْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا» (يوحنا
14: 27). المعروف بالاختبار أن العالم، لا يعطي شيئاً إلى ويسترجعه. ولكن النعمة
الإلهية، تفعل خلاف ذلك. فهي ليس فقط ترفع حكم الدينونة عن المؤمن،بل أيضاً تفيض عليه
بالخيرات السماوية دون أن تسترجع شيئاً، سوى صدى المحبة والتعبد من الأبناء الذين
وهبم الله كل شيء.

الصلاة:
أيها الرب، إننا نعظم اسمك الكريم، ونرفع إليك قلوبنا بالشكر والحمد، لأجل النعمة
التي صيرتنا قديسين وبلا لوم قدامك في المحبة ونسألك باسم المحبوب أن تزداد النعمة
فينا لكي نتمم خلاصنا بخوف ورعدة. آمين.

3مُبَارَكٌ
ٱللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي
بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي
ٱلْمَسِيحِ، 4كَمَا ٱخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ
ٱلْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي
ٱلْمَحَبَّةِ،

(3-4)
إن كانت الرسالة تصعدنا إلى قمة الإعلان، فإن هذا المقطع منها يعين موضوع الرسالة
كلها. وهو يبدأ بالتسبيح لله. لكأن التسبيح عندئذ يصبح سلاحاً روحياً فعالاً ليبدد
من الذهن كل ضباب القلق.

هذا
ما اختبره داود وشهد به، حين قال: «أَدْعُو ٱلرَّبَّ ٱلْحَمِيدَ
فَأَتَخَلَّصُ مِنْ أَعْدَائِي» (مزمور 18: 3) وأوصي به حين قال: «اِذْبَحْ
لِلّٰهِ حَمْداً، وَأَوْفِ ٱلْعَلِيَّ نُذُورَكَ، وَٱدْعُنِي
فِي يَوْمِ ٱلضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي» (مزمور 50: 14 و15).

ولا
أدل على أهميته من كون إعلان المسيحية بدأ به. فحين أعلنت السماء تجسد ابن الله
صدحت جماهير من الجند السماوي بأروع تسبيحة عرفها الزمان: «المجد لله في الإعالي
وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة». وأيضاً ابن الله نفسه لما أكمل عمل الفداء
وعاد إلى مجده الأسنى (يوحنا 6: 62) كان السرور الموضوع أمامه أن يقتاد إلى ذلك
المجد كثيرين من الأبناء، ليشتركوا في تسبيحة المجد. وقد أخبرنا كاتب الرسالة إلى
العبرانيين أن المسيح يدعوهم أخوة، قائلاً للآب: «أُخَبِّرُ بِٱسْمِكَ
إِخْوَتِي، وَفِي وَسَطِ ٱلْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ» (مزمور 2: 12).

هكذا
بولس حين تراءت لعيني ذهنه هذه الامتيازات التي للمؤمنين في المسيح، ومن فرط ما
أخذ به من الإعلان. انفصل عن كل ما حوله وطفق يسبح الله ويحمده بهذا النشيد المجيد
المؤلف من مقطعين: يبدأ كل منهما بالبركة، ويختم بذكر اسم المسيح.

في
الأول يبارك المؤمنون الله بالحمد له والشكر على البركات، التي وهبت لهم بواسطة
المسيح. وفي الثاني يبارك الله المؤمنين بإغداق كل بركة روحية في السماويات في
المسيح عليهم.

لدى
التأمل في الآية الكريمة نرى أن الرسول أضفى على بركات الله المهداة لنا ثلاثة
أوصاف.

1.
طبيعة البركات: قال: «بكل بركة روحية» وفي تمتاز عن البركات التي وُعد بها متقو
العهد القديم، في كون البركات الموهوبة لنا روحية خالدة، وتلك زمنية زائلة. فقد
قال الله لأتقياء العهد القديم: «مُبَارَكاً تَكُونُ فِي ٱلْمَدِينَةِ،
وَمُبَارَكاً تَكُونُ فِي ٱلْحَقْلِ. وَمُبَارَكَةً تَكُونُ ثَمَرَةُ
بَطْنِكَ وَثَمَرَةُ أَرْضِكَ وَثَمَرَةُ بَهَائِمِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ
غَنَمِكَ» (تثنية 28: 3 و4) أما البركات المهداة لأتقياء العهد الجديد، فهي أرقى
وأسمى، بقدر ما الروح أسمى من المادة. فقد قال الرب: «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ
بِٱلرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. طُوبَى
لِلأَنْقِيَاءِ ٱلْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ ٱللّٰهَ.
طُوبَى لِصَانِعِي ٱلسَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ ٱللّٰهِ
يُدْعَوْنَ» (متى 5: 3-9).

2.
دائرة هذه البركات: قال: في السماويات فمع أن مختاري الرب يعيشون على الأرض، إلا
أن سيرتهم في السماويات (فيلبي 3: 20) وهم يطلبون ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين
الله (كولوسي 3: 1) وهذه البركات محفوظة في السموات بحيث لا يمكن أن تفنى أو تتدنس
أو تضمحل (1 بطرس 1: 4). واهتماماتهم ليست أرضية بل سماوية. لأن حياتهم مستترة مع
المسيح في الله (كولوسي 3: 3).

3.
أساس هذه البركات: قال: «في المسيح» وهنا نرى أن الرسول قد ركز تفكيره في المسيح،
الذي آمن واعترف به «أنه ظهر في الجسد» (1تيموثاوس 3: 16) وحين جمع هذه البركات في
المسيح، أوضح لنا أنها ليست مستحدثة، بل هي ب ركات معدة منذ الأزل. ولذلك فهي
أكيدة محققة في المسيح. وكما أن الله وبهنا في المسيح كل البركات الروحية، «هكذا
اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة» ومعنى هذا
أن اختيار المفديين لم يكن اتفاقاً، أو بناء على استحقاقهم، بل بمقتضى قصد الله
الأزلي. ويقيناً أنه لعظيم سر التقوى الذي كان في قلب الله وأعلنه لنا كمن فيه
اختيارنا قبل تسيس العالم. وهذا يزيد خلاصنا قيمة، ويستلرم ثباتنا في القداسة
والتواضع. وبكلمة أخرى أن الاختيار كما علمه بولس هو رسالة خاصة بعث بها الله إلى
أبنائه لكي يثبتهم في الإيمان ويحفظهم من كل ارتداد. وفي ذات الوقت لميقصد به قد
حجر صدمة يعثر به الذين لم يؤمنوا. صحيح أنه مبني على مسرة الله، إلا أنه لا يمكن
أن يلغي الإرادة البشرية. لأن الناس ليسوا دمى صماء، يدفعون إلى أعمالهم دفعاً. بل
هم خلائق عاقلة مدركة، بحيث يستطيع أي منهم أن يقبل يسوع بالإيمان، فيخلص به،
ويصير قديساً وبلا لوم قدامه في المحبة.

الصلاة:
يا رب إلهنا الصالح شكراً لك وحمداً لأجل البركات الموهوبة لنا في المسيح. اسكب
علينا روح الشكر لأجل حسناتك التي أغدقتها على البشر بغناء كثير. نسألك أن تنير
أذهان مواطنينا حتى يدركوا أبعاد محبتك للخاطئ الأثيم الذي تشاء أن يرجع إليك
ويحيا. آمين.

5إِذْ
سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ
مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، 6لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ ٱلَّتِي أَنْعَمَ بِهَا
عَلَيْنَا فِي ٱلْمَحْبُوبِ.

(5)
في هذه الآية، يتكلم الرسول عن حلقة ثانية سلسلة البركات الروحية، وهي التبني.
فالله في مجده شاء أن يتبنانا له بواسطة المسيح. قد يبدو هذا التبني متعارضاً مع
طرق الله التي تعامل بها مع جماعة العهد القديم، الذين قامت بنوتهم على انتسابهم
إلى رجال تعاهدوا مع الله. بخلاف بنوة العهد الجديد القائمة على الإيمان بالمسيح،
وفقاً لقول الإنجيل: «وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ
سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ ٱللّٰهِ، أَيِ
ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ،
وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ
ٱللّٰهِ» (يوحنا 1: 12 و13).

إن
قصد الله من هذا التعيين أن يصير المؤمنون إلى صورة المسيح كما نقرأ في الرسالة
إلى رومية: «لأَنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ
لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ
إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ» (رومية 8: 29).

أجل
هكذا صارت المسرة أمام الله أنه بعد ما نقض إسرائيل عهده مع الله برفض المسيح، أن
الله افتقد أولاً الأمم ليأخذ منهم شعباً على اسمه (أعمال 15: 14). وفي كلمة أخرى
أن الله بهذا التعيين أزال الامتيازات العرقية، معطياً فصاعداً امتياز التبني لكل
الذين يغتسلون من خطاياهم بدم ابنه الحبيب مهما كان ماضيهم ملوثاً. هذا هو التدبير
ا لإلهي الوحيد، وخارجه لا يوجد أي رجاء للأمم، ولا خلاص للعالم، ولانجاة
للهالكين. فليكن اسم الرب مباركاً، «لأنه باركنا بكل بركة روحية في السماويات» من
حيث يأتي روحه القدوس، ليمكث في قلوبنا. وبالمناسبة يجب أن نذكر: (أ) أن الله
اختارنا للقداسة، لأنه عيننا للتبني. فالقداسة إذن شرط للتبني، ويستحيل بدونها.
(ب) أن وسيط التبني هو يسوع المسيح. ففيه اختارنا الله وعيننا للتبني. فيه رآنا الله
منذ الأزل، أي قبل أن نوجد. فأحبنا واخترانا للقداسة، وتبنانا لنفقسه. متعجباً:
«أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا ٱلآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ
ٱللّٰهِ! مِنْ أَجْلِ هٰذَا لاَ يَعْرِفُنَا ٱلْعَالَمُ،
لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ» (1 يوحنا 3: 1) باعث التبني، «حيث سرة مشيئته» فكما أن
المحبة الإلهية هي باعث الاختيار، كذلك المسرة الإلهية هي باعث التبني. وهذا مطابق
لقول المسيح «نَعَمْ أَيُّهَا ٱلآبُ، لأَنْ هٰكَذَا صَارَتِ
ٱلْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ» (متى 11: 26).

ولكن
هذه المسرة ليس فيها شيء من الظلم لأحد. ونحن نؤمن بأنها مبنية على غاية من الحكمة
والمحبة الإلهيتين، فإذا علمنا أن الله حكم بأمرها، كفانا أن نعتقد بأنه عن عدل،
وأنه أ فضل ما يمكن حدوثه. لأن الله منزه عن الشطط في أعمال قضائه. وحين يتعذر
علينا إدراك مقاصد الله، فلنذكر أن أفكار الله تعلو جداً عن أفكارنا (إشعياء 55:
9).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر حزقيال 43

حين
قال الرسول: «لاَ تُشَاكِلُوا هٰذَا ٱلدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ
شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ
ٱللّٰهِ ٱلصَّالِحَةُ ٱلْمَرْضِيَّةُ ٱلْكَامِلَةُ»
(رومية 12: 2) كان يرسخ في الأذهان أن كلا من الاختيار والتعيين للبنوة هو من
النعمة. بمعنى أنه ليس لأحد حق أن يختاره الله، أو يعينه للتبني.

ومما
يجب ملاحظته هو أن الاختيار لم يلحق ضرراً بأحد من بني البشر. لكنه أسعد الملايين
الكثيرة، الذين لولاه لكانوا أشقياء إلى الأبد. وإن كان للمفديين أن يفرحوا
بالاختيار لأنه أ صل سعادتهم. وإنما علة هلاكهم الخطايا التي ارتكبوها باختيارهم،
ولم يشاءوا الخلاص من مغبتها بقبول المخلص.

(6)
في هذه الآية بيان لغاية الاختيار الأخيرة العظمى وهي مدح مجد نعمة الله، فإنه عين
المختارين للتبني، ليجدوا في شرفهم وسعادتهم سبباً كافياً لمدح نعمة الله.

إن
نعمة الله في أساسها مجانية، وليس لها من دافع خارجي. بمعنى أنها لا تنال
بالاستعطاف والدموع والأنات، بل دافعها من ذاتها. وهي مجانية تماماً، بحيث لا يمكن
شراؤها، لا بالذهب ولا بالأعمال الحسنة، ولا بالصلوات الحارة، فهي ينبوع كل
الحسنات، ومبعث كل الصلوات. والذي يستحق الاعتبار هنا، هو أن ما تبين من كون مسرة
الله وحده لأن هذه المسرة، تعم أتقياء الناس والملائكة أيضاً، إذ يجدون في ذلك علة
للتسبيح والحمد.

وكذلك
الاختيار يظهر عظمة النعمة، باعتبار كونها صفة اإلهية، تملأ قلوب جميع الذين يرون
أثرها من الملائكة والقديسين فرحاً. وتطلق ألسنتهم بالمديح لمجد الله، لما فيها من
الجلال والجمال واللطف غير المحدود. ومما يجب الإشار إليه، هو أن الأسباب التي
تحمل الملائكة والقديسين على مدح عمل نعمة الله كثيرة جداً، منها:

1.
أنه موضوع رجاء وحيد للخاطي، فلو لم يختره الله للخلاص، بل تركه لنفسه لهلك لا
محالة.

2.
أنه ينبوع كل البركات، التي صارت إلى أبناء البشر، في الماضي والحاضر والمستقبل
وإلى الأبد.

3. إن
غايات الاختيار والتبني جديرة بتقديم المديح لله، لأن منها ينبع الصفح فالغفران،
فالقداسة فالسماء.

أما
وسيط النعمة فهو المحبوب يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية عن الجميع. لذلك فالله لا
يظهر رحمته للناس، إلا لأجل يسوع المسيح وبواسطته. لأننا بالنظر لأنفسنا نحن
جميعاً أبناء الغضب، ولكن كمتبنين صرنا بالنعمة أبناء الرضى.

الصلاة:
أبانا الذي في السموات، نشكرك لأجل وسيط النعمة، ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذي
بذل نفسه فدية عن الجميع. حتى الجميع ينالوا باسمه غفران الخطايا، ويصيروا أبناء
لك. تقبل شكرنا باسمه.

7ٱلَّذِي
فِيهِ لَنَا ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا، حَسَبَ
غِنَى نِعْمَتِهِ، 8ٱلَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ،
9إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ ٱلَّتِي
قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، 10لِتَدْبِيرِ مِلْءِ ٱلأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ
كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ، مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى
ٱلأَرْضِ، فِي ذَاكَ.

(7-8)
في الأزلية، حين اختار الله للقداسة الذين سيؤمنون بابنه، كان ينظر إليهم من خلال
الحجاب «المشقوق من أعلى إلى أسفل» ومن خلال دم الابن، الذي به فقط يمكن أن يفتدي
الخاطي. ومعنى هذا أن الله تبنانا لنفسه بثمن فائق. لقد دفع حياة ابنه الوحيد، لكي
يشترينا. لذلك فجميع المستهينين بذبيحة المسيح سيضربون بدينونة الله العادلة.
لأنهم باستهانتهم داسوا ابن الله، وحسبوا دم العهد الذي قدس به دنساً، وازدروا
بروح النعمة (عبرانيين 10: 29) بل كيف ننجو نحن إن أهلمنا خلاصاً هذا ثمنه؟ وهل
يظن أحد أن الله في نعمته، أقل قداسة منه في ناموسه؟ وهل يعتبر احتقار دم ابنه
الذي عينه للفداء جريمة، أقل من التعدي على الوصايا المنقوشة في ألواح حجر؟ لا!!!
أنه لا يتوجد إهانة يمكن أن توجه إلى الله الحي، أكبر من إهانة ابن محبته، واعتبار
عمله الكفاري باطلاً!

لهذا
حري بك أن تفكر ملياً في ما ينطوي عليه رفض المسيح. إنه أكبر من كل الشرور المنهي
عنها. بدليل قول المسيح: «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلدَّيْنُونَةُ: إِنَّ
ٱلنُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَأَحَبَّ ٱلنَّاسُ
ٱلظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ
شِرِّيرَةً» (يوحنا 3: 19) فاحذر من الأفكار الباطلة التي يحاول أعداء المسيح أن
يدسوها في هذه الأيام. للتشويش على الإيمان المسلم مرة للقديسين.

إنهم
يقولون أن إنجيل نعمة الله المؤسس على دم المسيح. يصلح بالأولى أن يكون ديانة
الجزارين، وليس ديانة المفكرين. آه! يا صديقي كم هو مهين لجلال الله أن يقال شيء
كهذا! أنه الجحود عينه، والجاحد سيرجفه الله بغضبه، وسيوقفه للدينونة، ومخيف هو
الوقوع في يدي الله الحي!

تأكد
أن الخلاص لا يرتكز على الشعور بالبركة، أو الانفراج، بل على ذبيحة المسيح التي
قدمها، «وأكملت إلى الأبد كل المقدسين» بحيث لم تعد ثمة حاجة إلى تكرارها، لأن الآب
السماوي قبلها وأيدها بقيامة ابنه. وارتفاعه بالجسد الجريح إلى السماء وجلوسه على
عرش الله، حيث يشفع فينا بجراحاته، لنكون مقبولين من الآب. وهكذا صارت الكلمة «فيه
لنا الفداء، بدمه غفران الخطايا» فيا للفداء من نعمة فائفة! لأن به نلنا ليس فقط
غفراناً كاملاً عن خطايانا، بل أيضاً نلنا الحرية. لأن المسيح إذ افتدانا، محا عنا
صك العبودية وصيرنا من أحبائه (يوحنا 15: 15). كنا قبلاً مبيعين تحت الخطية،
مستعبدين للعالم وملكاً للشيطان. فجاء يسوع يطلبنا في سوق النخاسة. ولكي يفتدينا
الله، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب (فيلبي 2: 7 و8). وهكذا اختيارنا الذي
رآه الله في الأزلية صار حقيقة في جلجثة، حين قال المسيح: «قد أكمل» ومنذئذ دخل
الله في اختبار كل من آمن بالفداء العظيم.

(9-10)
في هاتين الآيتين يذهب الرسول إلى موضوع، يتجاوز خلاص المؤمن. إذ ينقلنا إلى
الأبدية، إلى سر إرادة الله في قصده المترئف من أجل الإنسان. ليخبرنا أن الله شاء
أن ينفذ هذا القصد في ملء الأزمنة بالمسيح يسوع، الذي فيه جمع كل ما في السموات
وما على الأرض، ليكون الكل على نسق واحد، وتحت رأس واحد. هذا هو القصد النهائي في
الفداء، أن يجمع الله كل شيء في المسيح. صحيح أن الفداء في فعله الابتدائي، يقصد
به خلاص المؤمنين، إلا أنه في معناه الكمالي، يتناول جميع الأشياء ما في السماء
وما على الأرض. «لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ
فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ،
وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ
ٱللّٰهِ ٱلآبِ» (فيلبي 2: 10 و11).

الصلاة:
أيها الرب الإله والقدوس الحق. إن قلوبنا تطفح بالتسبيح لجلالك الأقدس. لأنك لم
تفتدنا بأشياء تفنى، بل مما لا يفنى، بدم المسيح يسوع ربنا. ونشكرك لأنك لأجل هذا
الدم الثمين غفرت لنا خطايانا. ونسألك باسم هذا الفادي أن تثبتنا في حريتنا التي
اشتراها لنا المسيح. آمين.

11ٱلَّذِي
فِيهِ أَيْضاً نِلْنَا نَصِيباً، مُعَيَّنِينَ سَابِقاً حَسَبَ قَصْدِ
ٱلَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ، 12لِنَكُونَ
لِمَدْحِ مَجْدِهِ، نَحْنُ ٱلَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي
ٱلْمَسِيحِ.

(11)
بهذه الآية يبلغ بولس قمة المعلنات السماوية، التي شرع يفضي بها إلى الأفسسيين.
فبعد أن بين ما يحصل عليه المؤمن من امتيازات: الاختيار والتبني ومعرفة الفداء
والشركة في فوائده وبركاته، بدأ الكلام عن الميراث الذي يناله مختاروا الله. وقد
عبر عنه هنا بكلمة نصيب، وعبر عنه في كولوسي بميراث القديسين في النور (كولوسي 1:
12).

والفكرة
الأساسية التي ركز عليها الرسول، هي أن يذكر المؤمنين، ويرسخ في أذهانهم الامتياز
الذي لهم في السماويات. وتلتقي هذه العبارة بالكلمات التي كتبها بطرس للمؤمنين في
الشتات، إذ قال: «مُبَارَكٌ ٱللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ
ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ ٱلْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا
ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مِنَ
ٱلأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ،
مَحْفُوظٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ» (1 بطرس 1: 3 و4) وهذه هي ميزات
ميراث القديسين: (أ) لا يفنى، أي لا يزول كالميراث الأرضي وقد أشار إليه الرسول
بكلمة «إكليل لا يفنى» فهو أبدي يستحق أن نجاهد من أجله ونضبط أنفسنا (1 كورنثوس
9: 25) (ب) لا يتدنس، لأن وارثه، يتقدم دائماً في سبيل المعرفة والقداسة والرغبة
في خدمة الله (ج) لا يضمحل، لأنه مجيد لا يزول بهاؤه، خلافاً للمقتنيات الأرضية
التي يعتريها البلى فيزول جمالها. (د) محفوظ في السموات، لأنه عين من الله من أجلنا،
والذي عينه حافظه، منذ الأزل، المسيح قال أنه يمضي لكي يعده (يوحنا 14: 2).

يقول
الكتاب العزيز أن المسيح وارث لكل شيء (عبرانيين 1: 2) وارث هذه الخليقة، التي
نقيم فيها، وكل الكون التابع الله. وهذا الوارث لكل شيء قال: «مَنْ يَغْلِبْ
يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلٰهاً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ
ٱبْناً» (رؤيا 21: 7).

وإننا
نجد فكر الميراث موصوفاً وصفاً جميلاً في رسالة رومية، حيث يقول الرسول: الروح
نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فإن كنا أولاداً. فإننا ورثة أيضا. ورثة
الله، وارثون مع المسيح. فالوراثة تسير جنباً إلى جنب مع النبوة. ولكن الروح القدس
يحدثنا هنا عن الوراثة، قبل الحديث عن أي شيء آخر، سوى ذكر الآب والابن. فيا لها
من فكر جميل! فقبل أن يصنع الله شيئا، وقبل أن يكون في الوجود شيء سواه، وفي كماله
المطلق كان له وارث. وارث يرث كل مجده، الذي سيعلن، وكل ممتلكاته التي ستخلق. وارث
لكل العصور الآتية، واحدها بعد الآخر. كل شيء يجب أن يتركز في هذا الوارث الإلهي.
وكل شيء يجب أن يكون في سلطانه. وفي تلك الأزلية عينها، شاء الله أن يرث المؤمنون
الحقيقيون هذا المجد المعد عن طريق اتحادهم بالوارث الأوحد، يسوع ابن الله.

هكذا
يعلم الكتاب، أن كل الذين يشتركون الآن في روح المسيح كإخوت. سوف يشتركون معه في
مجده كإخوة. وذلك وفقاً لإرادته حي قال في صلاته الشفاعية: «أَيُّهَا ٱلآبُ
أُرِيدُ أَنَّ هٰؤُلاَءِ ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي
حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي،
لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 17: 24). هؤلاء
لهم وعده بامتياز الجلوس معه في عرشه، وفقاً لقوله: «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ
أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضاً وَجَلَسْتُ مَعَ
أَبِي فِي عَرْشِهِ» (رؤيا 3: 21) وشكراً لله لأن عرش المسيح عظيم عال ومتسع بحيث
يكفي لجلوس جميع الظافرين الممجدين.

ثق
بهذا يا أخي لأنه ليس أعظم من مواعيد المسيح! وليس من أحد غير المسيح يستطيع أن
يحقق المواعيد. فإن فيه قد وهبت كل المواعيد العظمى والثمينة. وهو يملك حق إجلاس
المؤمنين معه في عرشه، لأنه افتداهم بدمه، وغلب عنهم. فهم فيه منتصرون.

(12)
هللويا شكراً وحمداً وتسبيحاً للغالب المجيد الذي شاءت مبحبته أن يقتادنا في موكب
نصرته. وشاءت نعمته الغنية باللطف أن نجلس معه في عرشه المجيد! وغايته أن نكون منذ
الآن خلائق جديدة، تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعة مع إلهها. وبذلك تتم
الكلمة «لنكون لمدح مجده» أي نكون بسلوكنا كأولاد نور واسطة لمدح جلاله. وفقاً
لقوله: «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ
يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي
فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متى 5: 16).

هذا
هو ميراث مختاري الله، وقد رآه داود بعين الإيمان قبل انتقاله، فكتب لنا هذه
العبارة: «ٱلرَّبُّ نَصِيبُ قِسْمَتِي وَكَأْسِي» (مزمور 16: 5) وأنت أيضاً
إن قبلت يسوع نصيباً صالحاً، يصير لك الله ميراثاً. وكم يطيب لك عندئذ أن تسبح
قائلاً: مبارك الله ميراثي، حصتي نصيبي!

الصلاة:
أيها الآب رب السماء والأرض، إني أبارك اسمك القدوس وأحمدك من كل قلبي لأجل هذه
الحقيقة التي أعلنها رسولك، وهي أنني كنت في فكرك قبل تأسيس العالم، وشاءت نعمتك
أن يكون الرب يسوع نصيبي وقسمة حياتي. اقبل شكر قلبي لأجل خاطره. آمين.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ص صدقيا الملك ك

13ٱلَّذِي
فِيهِ أَيْضاً أَنْتُمْ، إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ، إِنْجِيلَ
خَلاَصِكُمُ، ٱلَّذِي فِيهِ أَيْضاً إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ
ٱلْمَوْعِدِ ٱلْقُدُّوسِ، 14ٱلَّذِي هُوَ عَرْبُونُ مِيرَاثِنَا،
لِفِدَاءِ ٱلْمُقْتَنَى، لِمَدْحِ مَجْدِهِ.

ما أن
فرغ الرسول من كلامه عن المؤمنين من أصل يهودي، «الذين سبق رجاؤهم» وهو واحد منهم،
حتى انتقل حالاً إلى المسيحيين من أصل أممي، الذين لهم أيضاً في المسيح رجاء حي.
صحيح أنهم لم يتعلموا أمور المسيح من النبوات كاليهود. ولكن الله أرسل من بشروهم
بالإنجيل وقد سمى الإنجيل «كلمة الحق» لأن كل ما تضمنه من تعليم هو حق سماوي، وليس
فيه شيء من التقاليد اليهودية، أو الفلسفة اليونانية. وقد عبر عنه بولس في مكان
آخر «بقوة الله للخلاص» (رومية 1: 16) وشهد له المسيح نفسه، حين قال في صلاته
الشفاعية: «قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ» (يوحنا 17: 17) فكلمة
الحق هذه أتت سامعيها بنبأ الخلاص العظيم، ليس في زمن بولس وحسب، بل أيضاً في كل
زمان. وصيرت كل من قبلها شريك الميراث السماوي.

وكم
هو جميل أن تكون البركة الإلهية الممنوحة للمؤمنين الذين قبلوا إنجيل الله، ختم
الروح القدس. هذه البركة تعطينا ثلاثة امتيازات: (أ) برهان اختيار الله لنا (ب)
عربون التبني والميراث (ج) ضمان الفداء العظيم الذي به نصير مشابهين صورة ابن الله
(رومية 8: 29).

وهذا
الختم المبارك يناله المؤمن، حالما يقبل يسوع مخلصاً. أي أنه جواب الله على
الإيمان. وهناك حقيقة بجي أن نلاحظها، وهي أن للفداء الذي أكمله يسوع بالنسبة لكل
مؤمن من قيمة عند الله عظيمة بمقدار أن الله طبعه بخاتمه الإلهي، كامتياز لا يمكن
أن يزول. وعلى سبيل المثال أذكر أنه إن كان خاتم أحشويرش ملك فارس الذي وضعه على
مرسوم صيره شرعة لا يمكن أن ترد (أستير 8: 8) فكم بالحري يكون ختم الله، حين يوضع
على حياة إنسان فداه المسيح يطبع بسمة أبدية، بحيث لا يمكن أن تزول ملكية الله
عنه؟!

هذا
الختم الإلهي، لا تبصره أعيننا، ولكننا موقنون بوجوده، لأن الله الصادق الأمين وعد
بأن «تَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ،
لِنَنَالَ بِٱلإِيمَانِ مَوْعِدَ ٱلرُّوحِ» (غلاطية 3: 14) وهذا ما
أشار إليه بطرس ف يخطابه يوم الخمسين حين قال: «لأَنَّ ٱلْمَوْعِدَ هُوَ
لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ ٱلَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ
يَدْعُوهُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا» (أعمال 2: 39).

تأمل
في هذا الأصحاح الأول من رسالة أفسس، تر أنه مفعم بمعاني الضمان التي تجعل المؤمن
ثابتاً. وفي نفس الوقت تحول نظره عن ذاته وتضع في صميمه أكثر من شعور شخصي بالهدوء
والسلام، إذ تثير فيه اليقين بسلامة وضعه الروحي الآتية إليه من الله.

(14)
لقد آمنا بالمسيح فختمنا بختم الله، وأحيطت السماء علماً أننا أصبحنا ملكاً لله،
وصرنا محفوظين في عنايته الأبوية. هذا «هو عربوت ميراثنا» أن الله أعطانا روحه
ضامناً الحق الذي صار إلينا في المسيخ. وفي هذا الصدد يقول الرسول أيضاً:
«أَخَذْتُمْ رُوحَ ٱلتَّبَنِّي ٱلَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا
ٱلآبُ!» (رومية 8: 15) فإن كان اله قد أعطانا هذا الامتياز العظيم، فالأحرى
بنا أن نرد له صدى محبته إجابة لاختيارنا.

حين
مد أعداء يسوع فخاخهم، للإيقاع به عن طريق أسئلة ماكرة حول دفع الجزية لقيصر، طلب
إليهم السيد الرب أن يروه عملة الجزية، فقدموا له ديناراً. فتأمل قطعة النقود
ملياً، ثم سألهم: لمن هذه الصورة والكتابة؟ فأجابوه إنها لقيصر. فقال لهم: إذا
أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله! وأنت يا أخي حامل ختم الله، هلا أعطيت ما لله
لله!!!

قد
تؤدي تصرفاتنا أحياناً إلى أحزان أو إطفاء الروح القدس. ولكن نبقى مختومين بالختم
الإلهي، الذي هو عربون المستقبل الموضوع أمامنا، هنا على الأرض، وفي أبدية السماء.
فهو ثابت لا يمكن أن يضمحل. لانه منذ أن وضع الرب سمته علينا، صرنا في يده
الحافظة، بحيث لا تستطيع قوة ولا سلطة في الوجود أن تأخذنا من يده (يوحنا 10: 38).
قد تمر بنا فترات ضعف فلا نكون بلا لوم، لهذا أوصانا بطرس قائلاً: «لِذٰلِكَ
بِٱلأَكْثَرِ ٱجْتَهِدُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا
دَعْوَتَكُمْ وَٱخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ» (2 بطرس 1: 10) وقال بولس:
«يَعْلَمُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِينَ هُمْ لَهُ. وَلْيَتَجَنَّبِ
ٱلإِثْمَ كُلُّ مَنْ يُسَمِّي ٱسْمَ ٱلْمَسِيحِ» (2 تيموثاوس 2:
19).

هل
ادركنا الآن لماذا اختارنا الله، وعيننا للتبني؟ الكلمة الرسولية أوضحت ذلك.
فمقابل ما أعده الله لنا من بركات روحية في المسيح، يجب أن نحيا في البر وقداسة
الحق. لأنه بدون قداسة، لا يقدر أحد أن يرى الرب. ولكن للاسف، فمع وجود هذه
الامتيازات الروحية، إلا أن معظم المدعوين مسيحيين لا يتمتهون بها. لأنهم بنوا
حياتهم الإيمانية على الحكمة البشرية والتقليد، الأمر الذي عطل فيهم عمل النعمة.

وأما
أنت أيها الأخ فابن نفسك على إيمانك الأقدس واحفظ نفسك في محبة لاله منتظراً رحمة
ربنا يسوع للحياة الأبدية (يهوذا 20 و21).

الصلاة:
أيها السيد رب الكل، القادر على كل شيء. أسألك متوسلاً أن تحفظني في عنايتك. وأن
تنزع مني كل ما يحزن الروح القدس، أو يطفئ عمله في حياتي. آمين.

15لِذٰلِكَ
أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ سَمِعْتُ بِإِيمَانِكُمْ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ،
وَمَحَبَّتِكُمْ نَحْوَ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ، 16لاَ أَزَالُ شَاكِراً
لأَجْلِكُمْ، ذَاكِراً إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي، 17كَيْ يُعْطِيَكُمْ
إِلٰهُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَبُو ٱلْمَجْدِ، رُوحَ
ٱلْحِكْمَةِ وَٱلإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ،

(15)
في الآيات السابقة تكلم الرسول عن الأمور الموجودة في السماء. أما في الآيات
التالية، فيتكلم عن الأمور الآتية من السماء، لتعمل في حياتنا هنا على الأرض. وقد
أتاح لنا في ما تقدم أن نعلم بأن وضعنا في المسيح مضمون تماماً. وقد برز هذا
الضمان في أربع كلمات: مختارون في المسيح لنكون قديسين وبلا لوم، معينون بالنعمة
للتبني، مفديون بدم المسيح، مختومون بالروح القدس. وهذا الضمان المربع باق معنا
إلى أن نرى الرب كما هو.

لقد
ظن اليهود أن مجرد كونهم من ذرية إبراهيم، يعطيهم حق بنوة الله، متجاهلين بذلك
دعوة الإيمان، التي تلقاها إبراهيم وأطاعها، فصار له إيمانه براً (رومية 4:
21-23). صحيح أنهم كمتعاهدون مع الله، صارت لهم المواعيد. ولكن هذه المواعيد كانت
في المسيح. فلما رفضوا المسيح وصلبوه، ضحوا ليس فقط بامتيازاتهم الأرضية، بل أيضاً
بحقوقهم في التعاهد مع الله وكل الوعود الإلهية. ونجم عن ذلك أن قلب الله جرح برفض
ابنه، كان لا بد أن يعبر عن حبه في اتجاه آخر. ففاض كنهر نعمة في اتجاه جميع
الأمم. مبتدأ من أورشليم (لوقا 24: 47). وفي المسيح أعطي للجميع خلاصاً كاملاً
مجيداً مضموناً، للحاضر والمستقبل وإلى الأبد. وهذا الخلاص يشركهم في كل البركات
المعدة في المسيح. صارت الكلمة: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ
خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا
ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2 كورنثوس 5: 17).

أمام
كل هذا الغنى المعلن، يقف الرسول بولس ويضع توسلاته بين هلالين، مصلياً بكل طلبة
لأجل الذين كتب إليهم. وكان الداعي إلى هذه الصلاة الحارة، هو الأخبار السارة التي
تلقاها عن عمل إيمانهم المثمر لمجد الرب. مما أبهج قلبه، وحمله على رفع آيات الشكر
التي فرحت قلب الرسول، كانت محبتهم لجميع القديسين، والتي هي وليدة إيمانهم
بالمسيح، الذي أحبهم وبذل نفسه فدية عنهم.

وتتألف
صلاة الرسول من عنصرين: العنصر الأول هو الشكر المستمر لأجل إيمانهم العامل
بالمحبة. والعنصر الثاني هو الذكر الدائم في صلواته، لأجل تقدمهم ونموهم في
المسيح. هذا مثال رائع في المحبة يليق بنا أن نتبعه. أن نصلي من أجل الآخرين. وكم
هو جميل في الواقع أن نقتدي بالرسول الكريم مفتتحين أدعيتنا بكلمات الشكر التي
تجعل الصلاة مقتدرة كثيراً في فعلها.

هذا
النوع المتشفع من الصلاة يمت بصلة إلى صلاة الرب يسوع التي رفعها إلى الآب في وادي
قدرون، باعتبار كونه ر ئيس كهنتنا العظيم. وقد همس بها في اذني الآب من أجل خاصته
الذين أعطوا له من العالم. لقد سأل أن يكونوا معه في المجد الذي له مع أبيه قبل
كون العالم (يوحنا 17: 24) بهذا الروح جثا بولس ورفع من أعماقه آيات الشكر لله
لأجل أحباء الله في أفسس، وسأل بركات جديدة من أجلهم. وهذا الروح عينه حرك عواطف
الشكران في قلب الرسول الكريم مرات عديدة منها: رومية 1: 8، 1 كورنثوس 1: 4، أفسس
1: 15-16، فيلبي 1: 3-5، كولوسي 1: 3-5، 1 تسالونيكي 1: 2-3، 2 تسالونيكي 1: 3،
فليمون 4-5.

(16)
كأني بالرسول المغبوط وهو متخذ صورة الكاهن راح يذكر أحباءه أمام عرش النعمة،
شاكراً وسائلاً كي يعطيهم أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته. لاحظ أنه هنا
يتقدم إلى أبي المجد. وإذا ما تتبعنا هذا الفكر من خلال ما قاله الروح القدس عن رب
المجد (1 كورنثوس 2: 8) نرى رب ا لمجد نفسه يصلي لأجلنا، بتقديم الطلبة إلى أبي
المجد (يوحنا 17) ومتى أقرنا الطلبة بما قاله بطرس: لأن روح المجد والله يحل عليكم
(1 بطرس 4: 14) يظهر لنا امتياز فائق، وهو أن ثالوث المجد يهتم بالأبناء المتبنين
والمفديين بدم المسيح، والمختومين بالروح القدس، والمدعوين الآن لكي يحققوا
ميراثهم.

(17)
قال الرسول الكاهن «أن يعطيكم…» هذا هو الواقع في ظل النعمة، أن الله يعطي
أبناءه، تجاوباً مع الإيمان. والأبناء في تجاوبهم مع النعمة يتيحون لها أن تتفاضل
في حياتهم فتنمهيم في معرفة الله. هذه الحقيقة أعلنت لبطرس، فأوصى المؤمنين قائلاً
انموا في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح (2 بطرس 2: 18). فالله أبو المجد في
محبته ينزل المن الجديد من السماء في اتجاه حاجة المؤمنين، وقد قال الرسول يعقوب
أنه يعطي الجميع بسخاء ولا يعير (يعقوب 1: 5) ونلاحظ في طلبة بولس أن العطايا
الصالحة تنبع من المسيح المدخر فيه كل كنوز الحكمة والعلم… والذي فيه يحل كل ملء
اللاهوت جسدياً (كولوسي 2: 3 و9).

الصلاة:
أيها الرب سيدنا، ما أعظم اسمك في كل الأرض. اللهم نشكرك من صميم قلبي لأجل رسلك
الأطهار الذين أنذرونا وعلمونا، وبلغونا رسالتك. أعطنا أن نقتدي بسيرتهم وأن نسلك
بموجب إرشاداتهم.

18مُسْتَنِيرَةً
عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ
غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي ٱلْقِدِّيسِينَ.

تتكلم
هذه الآية عن الغاية القصوى والكمالية في صلاة الرسول. وهي أن يحاط المؤمنون علماً
برجاء دعوة أن الله العليا في المسيح يسوع. ما هي إذاً هذه الدعوة التي يعلق
الرسول عليها رجاء، هذا مقداره بالنسبة للمستقبل. وهذه قوته بالنسبة للحاضر؟ إنها
الدعوة الإلهية، التي تتيح لنا الاشتراك في مواعيد وقوة الإنجيل، وفي غنى المسيح،
الذي لا يستقصى، والذي دعانا نحن لكي نكرز به بين الأمم. إن الرجاء المتعلق بهذه
الدعوة، مؤكد ومضمون لنا. لأن الله بواسطة غنى مجده، يمنحنا أن نتأيد بالقوة بروح
الله في الإنسان الباطن. ليحل المسيح بالإيمان في قلوبنا لؤصلنا في المحبة، فندرك
مع جميع القديسين إبعاد محبة الله الفائقة المعرفة. وهكذا يستطيع الله بقوته
العاملة فينا أن يعمل بلا نهاية، فوق ما نطلب أو نفكر.

وعلاوة
على ذلك، فهذه الدعوة مع الرجاء المتصل بها، ستلمع أكثر فأكثر في كفاحنا ضد قوات
الظلمة، التي تتصدى لسير المسيحي. وتحاول أن تعرقل نمو ونضوج الكنيسة. لأن هذه
الدعوة السماوية تظهر وتتثبت في أبان الكفاح، الذي يكبر ويتسع أكثر فأكثر، إلى حين
يرن البوق الأخير. حينئذ نترك السيف، لكي نأخذ الإكليل. وعندئذ تنال الجراحات
والإهانات جزاءها، لأن نظرة الإيمان إذ ذاك تترك المكان للحقيقة. وفقاً لقول
الرسول: «قَدْ جَاهَدْتُ ٱلْجِهَادَ ٱلْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ
ٱلسَّعْيَ، حَفِظْتُ ٱلإِيمَانَ، وَأَخِيراً قَدْ وُضِعَ لِي
إِكْلِيلُ ٱلْبِرِّ، ٱلَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذٰلِكَ
ٱلْيَوْمِ ٱلرَّبُّ ٱلدَّيَّانُ ٱلْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي
فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ» (2 تيموثاوس 4: 7
و8).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر أيوب 35

هكذا
كان مبحث صلوات رئيس كهنتنا العظيم في المجد أنه يثير فينا الشوق لامتلاك ميراثنا
والتمتع به، وبانتظار ذلك ينبغي أن نسلك هنا بصورة تليق بدعوتنا، التي دعينا بها
بكل تواضع ووداعة.

وتتكلم
الآية عن غنى مجد الميراث الإلهي في القديسين. ومما تجب ملاحظته في هذا المقام، هو
أن كل كتبابات العهد الجديد، تغوص جذورها في العهد القديم. ففي سفر الخروج يقول
الله لأتقيائه: أنتم لي خاصة (خروج 19: 5) وهذا القول يماثله ما أوحى إلى بطرس:
«وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ
مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ ٱقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ
ٱلَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ ٱلظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ ٱلْعَجِيبِ»
(1 بطرس 2: 9).

فكلمة
الرسول بولس إذاً، ترمي إلى ما هو أهم من ميراث الله في القديسين. لأنه أي شيء في
البشر، يليق بأن يكون ميراثاً لله؟ ولكن الله في حبه العجيب، افتدى الإنسان بدم
المسيح، وبرره وقدسه وأعطاه امتياز الشركة في القداسة الإلهية. وهذا القداسة
المجيدة المكتملة، هي مجد ميراث الله في القديسين. ولعل هذا ما أراده الرسول
الكريم بكلمة «حرية مجد أولاد الله» (رومية 8: 11) إذ يكونون حينئذ قديسين وبلا
لوم قدامه في المحبة، فمن اليديهي إذا أن المؤمنين الذين جملهم الله بالخلاص
(مزمور 49: 4)، واختارهم للقداسة وعينهم للتبني بالنعمة، وختمهم بالروح القدس،
يكونون ميراثه وهو ميراثهم.

لا
نبخس ربنا يسوع حقه الذي له علينا لأجل أكلة عدس، كما فعل عيسو الذي حسب مستبيحاً.
ولا نزدري بأي من امتيازاتنا المتعلقة ببكوريتنا. في هذا الاتجاه، يحض بولس أهل
كولوسي، قائلاً لهم: «شَاكِرِينَ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ
مِيرَاثِ ٱلْقِدِّيسِينَ فِي ٱلنُّورِ، ٱلَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ
سُلْطَانِ ٱلظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ٱبْنِ
مَحَبَّتِهِ» (كولوسي 1: 12 و13).

هل
عرفت غنى مجد ميراث الله في القديسين؟ إنني أتمنى بتوق الروح أن تكون منهم. وهذا
ميسور لك، بقبول يسوع مخلصاً. لأن الكتاب العزيز يقول: أما كل الذين قبلوه فأعطاهم
سلطاناً أن يصيروا أولاد الله.

الصلاة:
أيها السيد رب الجنود. أعترف أمامك بجهالتي ولا أكتم إثمي، سائلاً ومتوسلاً أن
تقبل توبتي. وتنير عيني ذهني لكي أعلم ما هو رجاء دعوتي. أعطني قوة لكي أسلك كما
يحق للدعوة التي دعوتني بها. آمين.

19وَمَا
هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ ٱلْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ
ٱلْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ 20ٱلَّذِي عَمِلَهُ
فِي ٱلْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ
يَمِينِهِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ، 21فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ
وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ ٱسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هٰذَا
ٱلدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ أَيْضاً.

(19)
جميل من الرسول أنه طلب لأجل أحبائه الأفسسين أن يعرفوا ما هو رجاء دعوة الله،
وغنى مجد ميراثة في القديسين، «وعظمة قدرته الفائقة نحوهم». ولكن الأجمل أنه سأل
من أجلهم ضارعاً أن يعرفوا كل هذه الأشياء في صلتها بالمؤمنين. إنها فعلاً طلبة
عظيمة، ولعل أعظم ما فيها بالنسبة لنا كمؤمنين هي علاقتها بنا.

إن
رؤى الرسول المغبوط، والوساطة الناجمة عنها بلغت هنا ذروة الإعلانات التي يرغب في
أن نحاط علماً بها. وحين صلى هكذا، كان يحذر من خطر محدق بكل الذين يتفاخرون
بكونهم الأقرب من الحقيقة. لأن الحقائق الأكثر علواً وقداسة بالنسبة لهم يمكن أن
تجمد بأبسط المعارف العقلية التي حشوا بها أدمغتهم. مما يجعل كل شيء في خدمتهم
مجرد كليشهات أو مجموعة أقوال بلا قوة. وقد أشار صاحب الإعلان إلى هذا الفخ حين
قال لكنيسة اللاودكيين، إن الذهب، أي ذهب المعرفة الكتابية، يجب أن يصفى بالنار
(رؤيا 3: 18).

فالله
في اهتمامه بنا لا يريد أن تكون معرفتنا عقلية بسيطة، وإنما يشاء أن تكون معرفة
حقيقية روحية. لندرك ما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا المؤمنين، التي لم يعرف
الرسول سوى بعضها (1 كورنثوس 13: 9) ولكن الله يشاء أن نعرفها ددرجة تلو درجة، إلى
أن تغمرنا هذه المعرفة، وتوجهنا في حياتنا العملية أحسن توجيه.

في
هذه الأيام، حيث تعمل القوى البشرية متحالفة مع قوى الشر، يحسن بك أن تلاحظ دعوتك
منجهة المعرفة. فلا تصدق كل روح تعليم، بل امتحن الأرواح، هل هي من الله، لأن
أنبياء كثيرين قد خرجوا إلى العالم. بهذا تعرف روح الله: «كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ
بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي ٱلْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ
ٱللّٰهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ
أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي ٱلْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ ٱللّٰهِ» (1
يوحنا 4: 2 و3).

كل
شاب مسيحي حصل على توجيه نقي، يعلم بأن الإنسان ليس مجرد جسد ونفس. أي أنه ليس
حياة جسدية، ولا حياة نفسانية، بل هو قبل كل شيء كائن روحي، وقد قال الرسول إنه
هيكل للروح القدس (1 كورنثوس 6: 9) فالروح المبارك الساكن في قلب المؤمن (يوحنا
14: 17) يدخل المؤمن في شركة المسيح (1 كورنثوس 6: 17) هذا هو المناخ الروحي الذي
دعينا لكي نعيش فيه، والذي فيه يشعر المؤمن بأن الله فعلاً اختاره. ولهذا فهو يحرص
على أن يجعل دعوته واختياره ثابتين. وقد عرف بالاختبار أن كل مسيحي أخذ روح
التمييز تنفصل حياته شيئاً فشيئاً عن الجسدانيات والنفسانيات لتحلق في عالم الروح.
لأن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله، لأن عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه (1
كورنثوس 2: 14-16).

(20)
إن قيامة المسيح هي الحجر المركزي في المسيحية. ومن هذه الزاوية يجب أن نذكر أن في
قيامة جسد المسيح، التي هي عربون قيامة جسدنا عملاً روحياً، أقام المسيح به كل
المتحدين به، من فساد إلى مجد ومن اللعنة والانكسار، إلى البركة والانتصار. وكلما
تأملنا في قيامة المسيح من بين الأموات، وجلوسه في يمين الآب، نرى في ذلك مثال
التغيير الذي حدث لنا في حالنا الروحية منذ أن قبلنا المسيح مخلصاً، والذي سيتم في
المجد، حين بالبر ننظر وجهه ونستيقظ بشبهه (مزمور 17: 15).

(21)
هذه الآية تصف المسيح في سمو رفعته «فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة واسم». وقد
أتى بولس بهذا الوصف، ليحقق للمؤمن فوائد الفداء التي ينالها كل مؤمن باتحاده
بالمسيح.

وبقوله:
«ليس في هذا الدهر فقط، بل في المستقبل أيضاً» أراد الرسول أن يتحدى الأجيال
بسلطان المسيح المطلق. وهذا يوافق قوله في رسالة فيلبي: «لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ
ٱللّٰهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ
لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي
ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ،
وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ
ٱللّٰهِ ٱلآبِ» (فيلبي 2: 9-11).

فعرش
المسيح متعال جداً فوق كل رياسة، وسلطته واسعة جداً، فوق كل سلطان. ورفعته أزلية
أبدية، في الحاضر والمستقبل وإلى الأبد.

الصلاة:
عظيم أنت يا رب في ذاتك. كل شيء في سلطانك. من قدم أسست الأرض وهي عمل يديك. لك
ينبغي التسبيح. وباسمك يليق الحمد اقبل شكر قلوبنا لأجل مراحمك التي هي لنا كل
يوم. أدم لنا هذه المراحم لأجل خاطر يسوع. آمين.

22وَأَخْضَعَ
كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْساً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ
لِلْكَنِيسَةِ، 23ٱلَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ ٱلَّذِي يَمْلأُ
ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ.

(22)
في هذه الآية يصف الرسول الملهم بالروح القدس، الدرجة الثالثة في رفعة المسيح
«إخضاع كل شيء له» وكأنه يقول: هكذا حقق فادي البشرية ذلك النصيب الأكمل، الذي
أراده وأعده الله للإنسان الكامل، الملخوق على صورة الله في البر وقداسة الحق.
وذلك وفقاً للكلمة الإلهية: «وَبَارَكَهُمُ ٱللّٰهُ وَقَالَ لَهُمْ:
أَثْمِرُوا وَٱكْثُرُوا وَٱمْلأُوا ٱلأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا»
(تكوين 1: 28) هذا الامتياز تكشف ذات يوم لرجل الله داود، فقال متعجباً: «فَمَنْ
هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَٱبْنُ آدَمَ حَتَّى
تَفْتَقِدَهُ… تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ
تَحْتَ قَدَمَيْهِ» (مزمور 8: 4-6).

ورب
سائل يقول: إن ان الله قد أعطى هذه الامتيازات للإنسان. فلماذا يسمح للتجارب
والضيقات أن تقع على أولاده؟ لأنه يريد أن نعرف ربنا يسوع المسيح في «قُّوَةَ
قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ» (فيلبي 3: 11) ولكي
نشترك في قداسته (عبرانيين 12: 10). بهذا التدريب الذي سماه كاتب الرسالة إلى
العبرانيين تأديباً، ندرك ماذا يعني العمل الكامل الذي أتمه فادينا على الصليب.
هذا ما أشار إليه الرسول حين قال: «إِذْ جَرَّدَ ٱلرِّيَاسَاتِ
وَٱلسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ» (كولوسي 2: 15).
وهذا يوافق قول يوحنا: «لأَجْلِ هٰذَا أُظْهِرَ ٱبْنُ
ٱللّٰهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ» (1 يوحنا 3: 8).

اذكر
هذا أن المسيح لكي يكسر القيود التي كبلك بها سلطان الشر، ويرسلك في الحرية، احتمل
موت الهوان على الصليب. لذلك فالمناسبة تهيب بك أن تلاحظ دعوتك فلا تتجاهل قوة عدو
النفوس ولا تترك الكفاح ضده، سواء كان ذلك حباً بالنوم، أم بسبب نفسير خاطئ لبعض
نصوص الكتاب المقدس. فهذا معناه الاستسلام لانجذابات العدو، التي إن لم نصدها
تقودنا إلى الغفلة والتحجر في الشكليات.

يا
أولاد الله، لا تخافوا من الجهاد؟ لأن الجهاد يعلمكم، أن تعرفوا عظمة إلهكم
الفائقة نحوكم. ويقودكم إلى معرفته الكاملة في شركة الود مع مخلصكم، الذي ديعتم
لتكونوا متشابهين صورته. وبالتالي لتكونوا معه لتنظروا مجده. لأنكم بفدائه صار لكم
الوعد بالشركة في ميراثه. هذا الاختبار الروحي، في حياة الذي يسلك كما يليق بالرب،
يتيح لنا أن يثبت في الرب ويكون لنا وعد يسوع للمنتصرين في لاودكية: «مَنْ
يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي» (رؤيا 3: 21).

(23)
يختم الرسول المغبوط صلاته، متكلماً لأول مرة عن هذا السر العظيم الذي لكنيسة يسوع
المسيح. فيعلن لنا أنها كاملة في فكر الرب. وعليها أن تكون كذلك في أفكار أولاده.
وما أجمل مناخ «كنيسة الله التي اقتناها بدمه» الذي فيه نتنفس هواء السماء البالغ
النقاوة! هذا المناخ متأت عن كون يسوع هو الرأس والكنيسة أعضاء جسده. ونحن كأعضاء
في هذا الجسد ا لمقدس، دعينا لكي نحفظ وحدانية الروح برباط السلام.

في
الأصحاح الثاني من هذه الرسالة، يمتد بنا الرسول إلى حقيقة الخراب الأرضي، الذي
يشاء الرب أن نسلك حياله بطريقة لائقة بالدعوة التي دعينا بها. وكأولاد نور علينا
أن نحيا كما يحق لهذه الرؤى السماوية التي وضعها الرسول أمامنا، متحملين في ذات
الوقت قسطنا من الآلام ووضع النفس، التي تنتابنا ونحن نرى الخراب والشكوك والظنون
التي يعاني منها العالم الذي نعيش فيه، والذي دعينا لكي نسلك فيه كأولاد نور
متمسكين بكلمة الحياة.

وهناك
حقيقة تجب الإشارة إليها وهي إن كنا قد ارتدينا القوة التي سألها الرسول في صلاته
من أجل أحبائه الأفسسيين، وإن كنا قد اختبرناها فعلاً، فإن الجدير بنا أن نتخلص من
الشكليات السائدة في المسيحية الاسمية، والتي جمدت نشاط الكنيسة لأجل نشر ملكوت
المسيح. وأن لا نتساهل أمام أي فكر يتجنى على الحق والاستقامة اللذين في المسيح.

الصلاة:
أيها السيد الرب إلهنا. نشكرك للدعوة التي دعوتنا بها، لكي نكون أعضاء في كنيسة
المسيح التي هي جسده وهو رأسها. أعطنا القوة لكي نعيش في نقاوة قلب وطهارة سيرة
كما يليق بقديسين. آمين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي