الإصحَاحُ
السَّادِسُ
1أَيُّهَا
ٱلأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي ٱلرَّبِّ لأَنَّ هٰذَا
حَقٌّ. 2أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، ٱلَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ
بِوَعْدٍ، 3لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ ٱلأَعْمَارِ
عَلَى ٱلأَرْضِ.
بعد أن
أوضح الرسول أن الزواج في المسيحية ليس مجرد وسلية لراحة الزوجين. بل هو قبل كل
شيء تعاون وزمالة يجد فيها الزوجان فرحاً، انتقل إلى واجبات الأولاد نحو والديهم:
(1)
«أطيعوا والديكم» هذا أول ما أوجبه الله على الأولاد. ومما لا ريب فيه أن الطاعة
البنوية، من أهم أركان الحياة في العائلة. فعندما تنعدم الطاعة من قلوب الأولاد
نحو والديهم، ينهدم أهم ركن في حياة العائلة والكنيسة والمجتمع.
في
رسالته إلى أهل رومية، ندد بولس بالخطايا الشنيعة، التي كان الوثنيون يرتكبونها،
ومن بينها عدم إطاعة الوالدين (رومية 1: 30). وفي رسالته الثانية إلى تيموثاوس،
أنبأ بالأمراض الخلقية التي ستنتشر في الأزمنة الأخيرة، ومنها عدم طاعة الوالدين
(2 تيموثاوس 3: 2). وقد ذكرها جنباً إلى جنب مع خطية التجديف.
«أطيعوا
والديكم في الرب» هذا هو إطار الطاعة المطلوبة «في الرب» أي أنه على الأولاد أن
يعتبروا أن الطاعة للوالدين هي طاعة للرب يسوع المسيح.
ومما
يجب ذكره هو أن الكلمة «في الرب» تحذر الوالدين من الطلب إلى أولادهم، بأن يقوموا
بأعمال تاخالف شريعة الرب. كأن يطلبوا إليهم أن يسرقوا أو يقتلوا أو يكذبوا، أو
يدنسوا يوم الرب إرضاء لهم. لهذا يجدر بكل ولد قبل المبادرة إلى تنفيذ رغبة
والديه، أن يتحقق ويتأكد من أن ما أمر به غير مخالف لمشيئة الرب. ويجب أن يصلي حتى
الرب يرشده في كل شيء.
«لأن
هذا حق» أي أن الطاعة للآباء، ليست استحساناً أو شيئاً كمالياً. بل هي حق إلهي،
رسمه الله في شريعته الأدبية. وعلى الأبناء أن يعرتفوا بهذا الحق.
(2)
مما يجب الالتفات إليه هنا، هو أن اله أمر بإكرام الوالدين، كما أمر بإكرام الرب.
وقد أثبت الرسول هذه الحقيقة، بتقديم الوصية الخامسة كشاهد، التي هي إحدى الوصايا
التي كتبت بأصبع الله على لوحين من حجر (خروج 20: 12، تثنية 5: 16) وقد صادق عليها
الرب يسوع في جوابه لوالديه، (متى 15: 4).
ولهذه
الوصية أهمية خاصة، وهي أنها أول وصية اقترنت بوعد. أي الوعد ببركة خاصة للمطيع،
بأن يكون له خير وطول عمر. ولكن هذا لا يمنع من أن بعض أولاد الطاعة، يكونون قصار
الأعمار، وإنما الوعد بإطالة عمر الشباب المطيع لوالديه، يقرر كقاعدة عامة.
وقد
عرف بالاختبار أن من الخطايا التي تقصر الحياة، إباء الأولاد أن يسمعوا نصح
والديهم، وعدم إطاعتهم التوجيهات التي يشير بها الأباء عليهم لنفع نفوسهم.
وفي
الكتاب المقدس أمثلة على ذلك، منها ولدا عالي الكاهن وأبيشالوم ابن داود الملك.
فهؤلاء إذ لم يكترثوا لوصايا الأب، ماتوا وهم في شرخ الشباب. وكان موتهم فاجعاً
جداً.
الصلاة:
أيها الرب الإله، ساكن الأبد القدوس اسمه، نشكرك لأنك في المسيح يسوع قد أعلنت أنك
آب سماوي لجميع الذين يطلبونك بالحق. بارك كل آب وكل أم وكل ولد ببركة الطاعة
لوصاياك.آمين.
4وَأَنْتُمْ
أَيُّهَا ٱلآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ
بِتَأْدِيبِ ٱلرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ.
توجد
مشكلة قائمة في العلاقة بين الآباء وأبنائهم. فإذا كان الأب متساهلاً في تهذيب
ابنه، نشأ الابن عديم التربية لا يصلح لموجهة الحياة. فكم من أولاد يتبعون طرق
العالم الغرار، بدون تبصر ولا تحفظ! لأن أباءهم انشغلوا عنهم في مجالات أخرى بكل
أنانية حتى في المجال الديني، بدلاً من أن يكرسوا لهم قسماً من الوقت لتربيتهم
وإعدادهم للحياة الأفضل.
وهناك
خطر آخر لا يقل خطورة، وهو القساوة في المعاملة. فقد تأكد بالاختبار أن الآب إذا
كان صارماً متشدداً، لا يعرف أن يعامل ابنه إلا بالتأنيب والتهديد والردع والزجر،
ينشأ الولد معقداً ضعيف الشخصية، منطوياً على ذاته.
في
رسالته إلى كولوسي قال بولس: «أَيُّهَا ٱلآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا
أَوْلاَدَكُمْ لِئَلاَّ يَفْشَلُوا» (كولوسي 3: 21). ويقيناً أن لا شيء يهيج الغيظ
في قلوب الأولاد، مثل إظهار الغيظ عليهم. ويندر أن يستفيد الولد شيئاً من القصاص،
الذي يأتيه الوالد وهو مغتاظ. ومن أشد الأسباب إثارة للغيظ، هو المحاباة حين يؤثر
الأب أحد أولاده أكثر من إخوته. ولنا في قصة يوسف وإخوته أكبر مثال على الغيظ
المدمر الذي امتلأت به نفوس إخوته. لأن أبا الأسباط، أثر يوسف عليهم، فباعوا يوسف
للإسماعليين وكذبوا على أبيهم، مدعين أن الذئب قد افترسه (تكوين 37: 1-36).
إن من
أولى واجبات الوالدين تجاه أولادهم، أن يهيئوا لهم الجو العائلي اللطيف، الذي يستطيعون
أن يجدوا فيه ما يرضيهم. فيعتبرونه ويحبونه فوق كل شيء.
قد
يزعم أحدهم أنه في حبه لابنه وغيرته علي مستقبله،يوجه له نقداً حازماً، لأجل تقويم
اعوجاجه. غير عالم أن التصرف على هذا النحو لا يصلح للتعبير عن المحبة. اذكر على
سبيل المثال العبارة المؤثرة، التي كان يقولها جون نيوتن: أنا أعرف أن أبي يحبني،
ولكنه على ما يبدو لي لم يشأ أن ألمس هذا الحب.
إن
الخطورة من وراء هذه المعاملة الصارمة هي أن يصير الابن يائساً فاقداً الروح
المعنوية. في الحقيقة أن واجب الآباء والأمهات، لا يجوز أن ينحصر في التهذيب
والتأديب. بل عليه أن يمتد أيضاً إلى التشجيع. بمعنى أن التأديب والتشجيع، يجب أن
يسيرا معاً.
وكلما
ازداد الآب فهماً وتقديراً لمركزه كان من الواجب عليه أن يتجنب إغاظة ابنه لئلا
يفشل في حياته. والأب الحكيم، هو من يقدم لابنه التأديب والتشجيع بأجزاء متساوية.
«وربوهم
في تأديب الرب وإنذاره» فالسلطة الأبوية على الأبناء، هي من الشرائع الأولى التي
أعطيت، وليس من موسى بل من الخالق نفسه. ولا يستطيع أحد أن يتعدى حدودها بدون أن
يحصد عواقب وخيمة.
كم هي
دقيقة وخطيرة مسؤولية الحفاظ على الأولاد وتوجيههم في السبل السوية! ولكن إذا كان
الوالدان مؤمنين بالحق، فلن تكون ثمة حواجز أمام صلواتهما. لأن الاثنين في ا
تحادهما معاً. وفي استعمال اللهجة الواحدة بالروح الواحد، يستطيعان بقوة شركتهما
ان يدفعا الأولاد في طريق الرب، الذي يسره أن يكافئ إيمانهما وطاعتهما.
الصلاة:
شكراً لك يا ربنا الصالح لأجل الآباء المؤمنين الذين يستطيعون بما وهبوا من حكمة
السماء، أن يربوا نسلاً يسلك في النور. وزع من هذه الحكمة على آباء كثيرين. آمين.
5أَيُّهَا
ٱلْعَبِيدُ، أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بِخَوْفٍ
وَرِعْدَةٍ، فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ – 6لاَ بِخِدْمَةِ
ٱلْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي ٱلنَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ ٱلْمَسِيحِ،
عَامِلِينَ مَشِيئَةَ ٱللّٰهِ مِنَ ٱلْقَلْبِ، 7خَادِمِينَ
بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ. 8عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا
عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ ٱلْخَيْرِ فَذٰلِكَ يَنَالُهُ مِنَ
ٱلرَّبِّ، عَبْداً كَانَ أَمْ حُرّاً. 9وَأَنْتُمْ أَيُّهَا
ٱلسَّادَةُ، ٱفْعَلُوا لَهُمْ هٰذِهِ ٱلأُمُورَ،
تَارِكِينَ ٱلتَّهْدِيدَ، عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً
فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ.
ينتقل
بولس إلى أصعب المشاكل الاجتماعية جميعاً، وهي العلاقة بين العبد والسيد. ومن
المعلوم أن العبيد في زمن بولس كانوا كثيرين في كل البلاد، سيما في الأمبراطورية
الرومانية. وقد كان الرق في ذلك الزمن أمراً يقره القانون، ولهذا لم يقاومه المسيح
ولا رسله نصاً. ولكنهم علموا بأن كل الناس أخوة. وهذا ينافي الاسترقاق، ويحمل على
إبطاله في العالم. وبولس في جهاده وتعليمه أسس المسيحية، لم يجد نجاحاً أعظم من
هذا الذي أصابه في معالجة الاسترقاق، وبهذا اقتحم قلعة الوثنية، التي لم يسبق أن
تزعزعت. لأن تعاليم الرسول في هذا المجال، رفعت العلاقة بين السادة والعبيد إلى
مستوى الأخوة في ا لمسيح، الذي هو نفسه تطوع ليكون كالذي يخدم (لوقا 22: 27).
ونرى
أن بولس تكلم بإسهاب في هذه المشكلة. ولعل كلامه المستفيض فيها، يعزى إلى أحاديث
طويلة متشعبة، أجواها الرسول مع أنسيموس العبد الأبق، الذي بعد أن قضى وقتاً
طويلاً معه أعاده إلى سيده فيلمون.
(5-8)
يصر الرسول الكريم على أن العبد يجب أن لا ينظر إلى وظيفته كمركز منحط، وأنه يجب
أن يكون عاملاً حي الضمير. وفي واقع الأمر يريد الرسول أن يقول، أن مسيحية العبد
يجب أن تجعل منه خادماً أفضل خلقاً وأكثر كفاية. ونلاحظ أن الرسول في تعليمه، اتخذ
المسيح ثلاث مرات مثالاً:
1.
«أيها العبيد أطيعوا سادتكم.. كما للمسيح». أي معتبرين خدمتكم لسادتكم قسماً من
الخدمة للمسيح، الأمر الذي يجعلها شريفة.
2.
«لا بخدمة العين كمن يرضي الناس، بل كعبيد المسيح» أي أنه لا ينبغي للعبد أن يكتفي
بخدمة العين، فلا يع مل إلا إذا كانت عين سيده عراقبه. بل كعبد المسيح، معتبراً أن
المسيح يراقبه ويجازيه على قدر أمانته وإتقانه العمل. ولا ريب في أن سيرة المسيح،
هي مثال لكل الخدم. لأنه مع كونه رب المجد، أخل نفسه آخذا صورة عبد (فيلبي 3: 7).
3.
«خادمين بنية صالحة كما للرب» هذه العبارة تحتوي ضمناً النهي للخدم عن الحقد على
السادة والتذمر على الله، الذي أنزل الخادم تلك المنزلة. وكلمة «كما للرب» تعني
قبول الأمر وكأن الرب قد قسمه بحكمته ومحبته. وهذا يحمل الخادم على الأمانة في
العمل والصبر على العناء. وتذكره برسالة يسوع الذي جاء «لا ليُخدم، بل ليَخدم
ويبذل نفسه فدية عن كثيرين».
(9)
أما السادة فقد أمرهم الرسول، بكل ما أمر به العبيد من العمل بمقتضى الضمير
المسيحي، والمبادئ المتعلقة بإتمام مشيئة الله وبساطة القلب، معتبرين أنفسهم تحت
سيادة الله كالعبيد، وإنهم تحت المسؤولية أمام الله في كل أعماله.
وخلاصة
القول أن المسيحية، التي مثالها المسيح في كل شيء، تلزم السيد أو رب العمل أن
يعامل الذين تحت سلطته لا كسلع، بل كأشخاص يقدم لهم المساواة والتقدير. وليس لسيد
أو رب عمل أن يقول هذا عملي وأنا حر فيه، بل يجب ان يقول هذا عمل الله وانه عينني
وكيلاً عليه. ويجب أن أديره وفقاً لمشيئة الله، الذي أنا مسؤول أمامه.
وهذا
المبدأ يلزم السيد والعامل أن يؤدي كل منهما ما عليه، كما لو كان يؤديه لأجل
المسيح. وبكلمة أخرى إننا نعمل لكي نأتي بكل عمل ونقدمه للمسيح.
الصلاة:
يا رب إلهنا الحي، نشكرك لأجل الحرية التي اشتراها لنا المسيح بدم صليبه. فاعطنا
أن نثبت في هذه الحرية فلا نستعبد للشر، ونؤدي واجباتنا بكل أمانة متمثلين
بالمسيح. آمين.
10أَخِيراً
يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ.
11ٱلْبَسُوا سِلاَحَ ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا
أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ.
كان
الرسول قد وصف الفداء الذي اشتراه يسوع بأنه مجاني. لكن هذا لا يمنع من أن يبقى
على المؤمن جهاد طويل شديد قبل أن يتمتع بفوائد الفداء كاملاً. لقد عرفنا في ما
سبق أن الله باركنا بكل بركة روحية في السماويات، وأننا أبناء التبني الذين فداهم
الله بالدم، وختمهم بالروح القدس، وأحياهم مع المسيح، وأقامهم وأجلسهم معه في
السماويات. أما بالنسبة لحياتنا هنا قدام الناس، فنحن عمله مخلوقين في المسيح
لأعمال صالحة، قد أعدها الله لكي نسلك فيها. هذا الخلق يسير في درب الكمال، وإعداد
كل عضو في كنيسة المسيح ليوم مجيئه.
من
مقدس البيت كما يجب أن يكون في الله، ينقلنا الرسول الملهم إلى ساحة الحرب. لأن
حياة وخدمة ابن الرب تتم في بلاد معادية، في وسط قوات الظلمة. والرب يعد شعبه
للجهاد. إنه يقدسه بواسطة كلامه (يوحنا 17: 17). ثم يعطيه القوة لكي يغلب، ومن
يغلب فسيعطيه المسيح أن يجلس معه في عرشه (رؤيا 3: 21).
(10)
«تقووا في الرب» هذا هو سر القوة، الرب. وهو مستعد لإعطاء جنوده المحاربين هذه
القوة، وفقاً لقول المسيح: «لٰكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُّوَةً مَتَى حَلَّ
ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْكُمْ» (أعمال 1: 8). إذا ما علينا إلا أن
نتقلد هذه القوة، وحيئنذ يطيب لنا أن نقول مع بولس: «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي
ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي يُقَّوِينِي» (فيلبي 4: 13).
قد
يقول أحدهم: نحن ضعفاء ولا قبل لنا بالصراع ضد قوات الشر الروحية. ولكن الله يقول
لكل مستضعف: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُّوَتِي فِي ٱلضُّعْفِ تُكْمَلُ»
(2 كورنثوس 12: 9).
(11)
نحن عرضة دائماً لهجمات عدة الصلاح إبليس. وقد قال بطرس: «اُصْحُوا
وَٱسْهَرُوا لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ
مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (1 بطرس 5: 8). فحيال هذه الهجمات العنيفة
المستمرة، طلب إلينا الرسول أن نتقلد سلاح الله الكامل ضد هجمات الشرير. التي لا
تترك للمؤمن هوادة. وغاية العدو منها أن يحولنا عن المسيح. وسلاحه الأول هو
الخديعة، التي يعرف كيف يحوكها. لذلك كان تحذير الرسول للكورنثيين: «وَلٰكِنَّنِي
أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ ٱلْحَيَّةُ حَّوَاءَ بِمَكْرِهَا،
هٰكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ ٱلْبَسَاطَةِ ٱلَّتِي فِي
ٱلْمَسِيحِ» (2 كورنثوس 11: 3). ومما لاريب فيه أن إبليس يتقن الخداع ويعرف
كيف يموهه بالغيرة على المؤمن مستخدماً الأنبياء الكذبة المندسين بين المسيحيين،
والذين لم يخل منهم عصر. هؤلاء قال الرسول: «هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ
مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ ٱلْمَسِيحِ. وَلاَ
عَجَبَ. لأَنَّ ٱلشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ
مَلاَكِ نُورٍ! فَلَيْسَ عَظِيماً إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضاً يُغَيِّرُونَ
شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ» (2 كورنثوس 11: 13-15).
ولكن
الرسول في حكمته، التي أعطيها من فوق، يشجع المؤمنين في كل عصر قائلاً لهم: «لَمْ
تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ
أَمِينٌ، ٱلَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ،
بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ ٱلتَّجْرِبَةِ أَيْضاً ٱلْمَنْفَذَ،
لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا» (1 كورنثوس 10: 13).
الصلاة:
أبانا السماوي نعترف بأننا ضعفاء، ولا قبل لنا بالكفاح ضد قوات الشرير الروحية،
المتسلطة في هذا العالم. لذلك نسألك أن تلبس جميع أولادك قوة الأعالي، لكي يحاربوا
حربك. آمين.
12فَإِنَّ
مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ
ٱلسَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ ٱلْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هٰذَا
ٱلدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي
ٱلسَّمَاوِيَّاتِ. 13مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ ٱحْمِلُوا سِلاَحَ
ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي
ٱلْيَوْمِ ٱلشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ
تَثْبُتُوا.
ككل
قائد حكيم، أراد الرسول أن يبين للمؤمنين ما أمامهم من الخطر وعظمة قوة العدو،
فالمصارعة التي دعينا لدخولها، ليست مع بشر دم ولحم بل مع قوات منظمة في عالم
الروح. ليست كما يتوهم البعض مجرد تأثيرات وهواجس، لكنها شخصيات روحية شريرة، تعمل
تحت قيادة إبليس.
ويقول
البعض أن هذه الحرب، لا تخص أولاد الله. هذا خطأ جسيم ودليل على جهل ما في الكتب
المقدسة. فمسيحنا له المجد حين أعطى نموذج الصلاة الربانية، ضمنه هذه العبارة «لكن
نجنا من الشرير» وهذا يعني أن أولاد الله عرضة لهجمات قوات الشر. والذي لا يؤمن
بهذه الحقيقة مغلوب سلفاً من إبليس الشرير، الذي يعرف كيف يموه الحقائق على الناس
لكي يضلهم.
وفي
تعبير آخر أن الذي يتوهم أن المؤمن لا يمكن أن يجرب أو يهاجم روحياً من القوات
الروحية المعادية، يعيش في اللاحقيقة، أو على الأقل يتناسى قول المسيح لتلاميذه:
«اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (متى 26: 41). وقد عرف
رجال الله بالاختبار أو أوضاع المؤمنين في المسيح، هي بالأحرى تهيج غضب العدو.
ويخبرنا تاريخ الكنيسة أن قوات الشر تضافرت ضد كنيسة المسيح وحاولت أن تقضي عليها
في مهدها، وما زالت جاهدة ضدها.
وهوذا
الآن نداء ينطلق من الرسول الكريم، مهيباً بأولاد الله لكي يلاحظوا أنفسهم ويسلكوا
كما يليق بدعوتهم. فالمعركة قائمة ولا يجوز لمؤمن أن يتهرب من خوضها، أو يتوهم
أنها ليست معركة المفديين. بل يجب أن يسهر ويصلي، لكي لا يقع في النوم أو السلبية.
وبذلك يصبح لقمة سائغة في فم إبليس، الذي يعرف كيف يصيده بكائده.
(13)
«احملوا سلاح الله الكامل» احملوا كل قطعة لأنها جميعها معدة للحرب، وهي ماضية
جداً بحيث تصلح للمقاومة في اليوم الشرير، حين يركز عدو الصلاح كل قواه على أضعف
نقطة في حياتنا الروحية، لينال منا. إن الأمر اليومي للمعركة هو الكلمة الرسولية
«قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ» (يعقوب 4: 7).
استعمل
الأسلحة، التي جهزك الله بها ضد قوات الشر. عالماً هذا، أن كل سلاح لا يستعمل معرض
للصدأ. ولهذا يهيب بك الرسول اليوم أن تحمل السلاح الكامل، وتقاوم العدو لكي تغلب.
وبعد أن تتمم الغلبة، أن تثبت، حتى إذا شن العدو هجوماً معاكساً تكون على أهبة
للقتال لدحره وتحطيم هجومه.
يا
ابن النور، قف منتصباً بسلاح الله ولا تتزعزع! لعلك أصبت بجراح دامية في أثناء
المعمعة، ولكن لا تخف لأن نورك لم يطفأ. يا مفدي الرب، لعل طول الكفاح أضناك،
ولكنك لم تصرع! لا تخش، فأنت جالس في السماويات في المسيح. لذلك مهما حمى وطيس
المعركة وكان الضرب عنيفاً، فأنت تبقى حياً قوياً في الرب. ولكن احرص في حياتك وفي
ممارسة خدمتك على أن لا تنسى أن العدو أكثر منك دهاء، وما من أحد يقدر أن يعاركه
سوى يسوع الرب. لذلك لا تحارب وحيداً، بل اثبت في يسوع، ويسوع يقودك في موكب نصرته
كل حين. وما عليك إلا أن تستصرخ اسمه المبارك.
داوم
على شركتك مع الرب يسوع، عد إليه دوماً، وتنشط في حضوره. فهو يعرف الكل، وقد وعد
بأن يتابع عمله فيك وبك.
الصلاة:
يا رب إلهي انظر اليّ في الحرب التي دُعيت لخوضها ضد قوات الشر الروحية. علّم يدي
القتال، وشدد عزيمتي لأجل الكفاح معطياً لي روح السهر باسم يسوع. آمين.
14فَٱثْبُتُوا
مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِٱلْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ
ٱلْبِرِّ، 15وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِٱسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ
ٱلسَّلاَمِ. 16حَامِلِينَ فَوْقَ ٱلْكُلِّ تُرْسَ ٱلإِيمَانِ،
ٱلَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ
ٱلشِّرِّيرِ ٱلْمُلْتَهِبَةِ. 17وَخُذُوا خُوذَةَ ٱلْخَلاَصِ،
وَسَيْفَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي هُوَ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ.
حين
كتب بولس هذه الرسالة، كان سجيناً مقيداً بسلسلة مع الجندي الروماني المكلف
بحراسته. فلا عجب إذن إن هو اقتبس أسماء ستة من الأسلحة من عدة حارسه، مضيفاً
إليها سلاحاً سابعاً وهو الصلاة:
1.
منطقة الحق – كانت منطقة الجندي الروماني من الجلد، عليها صفائح صغيرة من الحديد
وبها يعلق السيف. وكان شد المنطقة فوق الثياب علامة التأهب للقتال. أما منطقة
الجندي المسيحي فهي الحق.
من
الناحية العلمية، هذه الوصية بارتداء منطقة الحق، تعني ضمناً أن كل تحركاتنا وكل
أقوالنا، يجب أن تعبر عن الحق. معتزلين كل ما يمت بصلة إلى الرياء، أو عدم الولاء
للرب. هذا هو سلام المسيحي الأول، الواجب ان يركز عليه كل اهتمام إلى جانب التقوى.
المسيحي الحقيقي هو من كان محقاً في تصرفاته، وفي أعماله وفي أقواله. إنه يتجنب
الغموض والدس واللف والكذب والنميمة والأحكام المتجنية. لأن كل عضو في جسد المسيح
الذي هو كنيسته، مدعو لأن يكون مثالاً للقدوة في ما يختص بالحق.
2.
درع البر – هذا سلاح له أهمية كبرى، لأنه يقي القلب. نقرأ في رسالة أخرى قوله:
«وَأَمَّا نَحْنُ ٱلَّذِينَ مِنْ نَهَارٍ، فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ
ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ» (1 تسالونيكي 5: 8) فقلوبنا تحتاج إلى
الحفظ. وقديماً قال سليمان: «فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ ٱحْفَظْ قَلْبَكَ
لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ ٱلْحَيَاةِ» (أمثال 4: 23) فلنشدد قلوبنا لأن في
هذه الحرب الروحية، لا يصح أن نبدي أي ضعف أمام العدو. لأن حبنا لله يجب أن يكون
مصاناً، ليبقى نقياً وحراً من كل عاطفة غريبة. فدرع البر إذن هو القسم الرئيسي من
سلاح جندي الرب.
إن
التسربل بدرع البر في المعنى الروحي، هو أن نسلك بحسب كلام الحق، لكي نميز بين
الخير والشر. وبذلك نؤمن أفضل وقاية لقلوبنا في أثناء المعركة اليومية. لأن حواسنا
تكون قد صارت مدربة (عبرانيين 5: 14).
3.
حذاء استعداد إنجيل السلام – إن كان الحذاء في حالة غير جيدة يكون المشي به صعباً.
ولهذا يحرص قادة الجيوش على تزويد جنودهم بأحذية متينة. أما الجندي المسيحي فمجهز
بحذاء عجيب هو التأهب ا لذي يولده الإنجيل في قلب من يسمعه ويقبله، فيصبح متأهباً
لتبليغ بشائر الإنجيل السارة إلى النفوس الواقعة في أسر الظلام. فيرحب به الجميع،
مرددين ذلك النشيد القديم: «مَا أَجْمَلَ عَلَى ٱلْجِبَالِ قَدَمَيِ
ٱلْمُبَشِّرِ، ٱلْمُخْبِرِ بِٱلسَّلاَمِ، ٱلْمُبَشِّرِ
بِٱلْخَيْرِ، ٱلْمُخْبِرِ بِٱلْخَلاَصِ» (إشعياء 52: 7).
وعملاً
بهذا المبدأ، اتخذ بولس صفة القائد وأصدر أمره اليومي لتلميذه تيموثاوس: «وَأَمَّا
أَنْتَ فَٱصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. ٱحْتَمِلِ ٱلْمَشَقَّاتِ.
ٱعْمَلْ عَمَلَ ٱلْمُبَشِّرِ. تَمِّمْ خِدْمَتَكَ» (2 تيموثاوس 4: 5).
4.
ترس الإيمان – بهذا السلام يصبح الكيان كله معطة. إنه سلاح لا بد منه، لأنه سهام
إبليس الملتهبة عنيفة جداً، وطيرانها سريع، بحيث تصيبنا قبل أن نراها. فكم هو أمين
الرب في التحذيرات، التي يوجهها إلى ابنه المحارب!
لقد
وردت كلمة ترس لأول مرة في سفر التكوين، والترس بالمعنى الروحي هو الله نفسه،
بدليل قوله لإبراهيم: «لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ
كَثِيرٌ جِدّاً» (تكوين 15: 1). وهذه الحقيقة عن الحماية الإلهية اكتشفها كاتب
المزامير وتمتع بها، وكتب عنها بمداد الاختبار، إذ قال: «اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ
ٱلْعَلِيِّ فِي ظِلِّ ٱلْقَدِيرِ يَبِيتُ. أَقُولُ لِلرَّبِّ:
«مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلٰهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ». لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ
مِنْ فَخِّ ٱلصَّيَّادِ وَمِنَ ٱلْوَبَإِ ٱلْخَطِرِ.
بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ
حَقُّهُ. لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ ٱللَّيْلِ، وَلاَ مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي
ٱلنَّهَارِ» (مزمور 91: 1-5).
5.
خوذة الخلاص – من المعروف أن الخوذة تستعمل لوقاية الرأس الذي هو مركز الأفكار.
فإذا سيطر القلب الشرير على الأفكار، تصبح هذه آلة شريرة ترتفع منها الظنون ضد
معرفة الله. لذلك كانت لخوذة الخلاص هذه الأهمية بين مجموعة الأسلحة. والخوذة تعني
ضمناً اكتمال المعرفة الخلاصية واختبار كل ما يتعلق بخلاص الله. والرسول يطلب هنا
من المحارب أن يرتديها في صلواته كل يوم من أجل وقاية أفكاره وحفظها في ملء
النقاوة.
فيا
جند الرب، يا أولاد التبني، أيها المختومون بروح الموعد القدوس، احرصوا دائماً على
ارتداء خوذة الخلاص!
الصلاة:
أيها الآب القدوس، نشكرك لأجل هذا الدرس الذي أوحيت به لرسولك لتعليمنا. علمنا كيف
نستخدم هذه الأسلحة ضد قوات الشر، التي تحاول الفتك بقداستنا كمقدمة لإهلاكنا،
قوّنا ضدها. ولك المجد الدائم. آمين.
18مُصَلِّينَ
بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي ٱلرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ
لِهٰذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ
ٱلْقِدِّيسِينَ، 19وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ
ٱفْتِتَاحِ فَمِي، لِأُعْلِمَ جِهَاراً بِسِرِّ ٱلإِنْجِيلِ،
20ٱلَّذِي لأَجْلِهِ أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ، لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ
كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ.
بعد
أن استعرض الرسول الأسلحة الدفاعية، التي أعدها الله لأولاده، لكي يحاربوا ضد قوات
الشر الروحية. وبعد أن عدد مزايا كل قطعة وكيفية استعمالها، انتقل إلىالأسلحة
الهجومية وهي:
1.
سيف الروح – الذي هو كلمة الله. «لأَنَّ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ حَيَّةٌ
وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى
مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ
وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ»
(عبرانيين 4: 12). يا لها من تعزية كبرى! أن الله يتعامل معنا بكلمته. وكلمته ليست
مجرد حرف، بل هي كلمة حية وفعالة بالروح القدس.
تقبل
كلمة الله بكل قلبك وفي ضميرك. لأنه بفعلها ينقي قلبك وتتحرر وتصير إلى شبه سيدك.
وكسيدك تنتضي سيف الروح هذا في ساعة التجرية، فتهزم العدو بالقول: مكتوب… (متى
4: 1-11).
إن
الكنيسة المسلحة بسيف الروح تستطيع دحر العدو ونهب أمتعته، كما حصل في أيقونية حين
نادى بولس وصحبه بكلمة الحق إنجيل الخلاص. إذ يخبرنا لوقا الطبيب، أن جمهوراً
كبيراً آمن (أعمال 14: 1).
كم
يجب أن نشكر الله لأجل عنايته في إلهام الرسول الكريم، أن يصف حالة العالم الحاضر
في جهله وفساده. وأن يهيب بالمؤمنين أن يجاهدوا من أجل النفوس الهالكة. وبما أن
يوم النعمة ما زالت فيه ساعات، يجب على المؤمنين أن يبذلوا قصارى جهدهم لأجل نشر
إنجيل الخلاص. إن حاجة الساعة تضع الضرورة على كنيسة المسيح، لكي تجند كل طاقاتها،
رعاة ومبشرين، حتى أبسط عضو فيها، لكي تعلن تحت كل سماء اسم يسوع الذي هو فوق كل
اسم، والذي ليس بأحد غيره الخلاص. ولنذكر أننا قد دعينا جميعاً، لكي نفتدي الوقت،
لأن الأيام شريرة.
أنت
يا مؤمن في أرض مسيطر عليها عدو النفوس، والرب دعاك للجهاد. لذلك تقلد سيفك وخض
المعركة ضد قوات الظلمة.
2.
سلاح الصلاة – كان الدندي الذي ربط مع بولس بالسلسلة لأجل حراسته، يجهل كل شيء عن
هذا السلام المقتدر كثيراً في فعله. ولكن بولس إضافة إلى مجموعة الاسلحة وأوصى
المؤمنين باستعماله في المعركة، إذ قال: مصلين بكل صلاة وطلبة في كل وقت في الروح.
والواقع
أنه بدون الصلاة تكون أسلحة المسيحي غير كاملة، ولكن بها تكون كاملة وفعالة. وتتيح
للمحارب أن ينتصر. إنها تشحذ كل الأسلحة الأخرى وتجعلها ماضة. وبالتالي تجعل
المحارب غير قابل للغلبة في وسط المعمعة. الصلاة في روحها، تعني عدم استقلالنا عن
الله، فمن يصلي إذا يشرك الله في جهاده، وهذا لا بد له أن ينتصر.
أنت
تعلم أن الحرب الروحية قد حقت وإن لم تخضها تحسب هارباً، والهارب يكون مستوجب
الحكم. وفي وسعك أن تخوض غمارها بمقاومة الأفكار الردية، وبرفض كل روح مضل. وإن
ثبت في المسيح، يمكنك أن تنتصر. لأنك في المسيح بوركت بكل بركة روحية في السماويات
«ساهرين لهذا بعينه بكل مواطبة وطلبة» هذا تحذير ضمني من غياب الصلاة المجاهدة
والمواظبة في حياة المؤمنين. وفي العبارة إشارة إلى قول الرب يسوع: «إِنِ
ٱتَّفَقَ ٱثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى ٱلأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ
يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي ٱلَّذِي فِي
ٱلسَّمَاوَاتِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ٱجْتَمَعَ ٱثْنَانِ أَوْ
ثَلاَثَةٌ بِٱسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (متى 18: 19 و20).
هذا هو امتياز المحاربين المصلين، أن الرب يحضر بينهم ويتشفع بصلواتهم.
الصلاة:
أيها الآب رب السماء، نشكرك لأجل الصلاة بالروح، التي تقتدر لفعلها، لأنك تستجيبها
بالبركات والنعم. اسكب على المؤمنين روح الصلاة في هذه الأيام، حتى تقاد صلواتهم
بالروح والحق. آمين.
21وَلٰكِنْ
لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ أَيْضاً أَحْوَالِي، مَاذَا أَفْعَلُ، يُعَرِّفُكُمْ
بِكُلِّ شَيْءٍ تِيخِيكُسُ ٱلأَخُ ٱلْحَبِيبُ وَٱلْخَادِمُ
ٱلأَمِينُ فِي ٱلرَّبِّ، 22ٱلَّذِي أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ
لِهٰذَا بِعَيْنِهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَحْوَالَنَا، وَلِكَيْ يُعَزِّيَ
قُلُوبَكُمْ. 23سَلاَمٌ عَلَى ٱلإِخْوَةِ، وَمَحَبَّةٌ بِإِيمَانٍ مِنَ
ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.
24اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ رَبَّنَا يَسُوعَ
ٱلْمَسِيحَ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. آمِينَ.
عهدنا
ببولس أنه لا يحتسب لنفسه، ولا يطلب شيئاً لذاته (أعمال 20: 24) ولكنه في ختام
تعليمه الخاص بالحرب الروحية خرج على هذا المبدأ، إذ توسل إلى الأفسسيين أن يرفعوه
بصلواتهم، لكي يستطيع أن يعرّف الأمم بكل مجاهرة وحرية وثقة بسر الإنجيل، الذي من
أجله صار سفيراً في سلاسل.
لم
يخبرنا التاريخ عن خادم للمسيح، استطاع أن يجاري بولس في أمانته لله، أوفي شجاعته
بالوقوف في وجه البدع. أو يماثله في تواضعه بين القديسين. لأنه بعد أن أغدق على
الأفسسيين من غنى المسيح الذي لا يُستقصى، لم يحسب أن عمله قد انتهى. فقد شعر
بالضرورة لمتابعة جهاده في سبيل انتشار إنجيل الله. لذلك يسأل مختاري الله لكي
يصلوا لأجله. إن لم يتوقف أبداً، ولم يسكت أبداً. وكأنه لم يكن في وسعه الرضى
طالما توجد نفوس هالكة، يجب أن تخلص، أو أرض تحت الشمس لم يمتلكها مخلصه الحبيب.
«سفير
في سلاسل» يا لها من لوحة منقطعة النظير! سفير ملك الملوك مقيد. ولكن هذا هو
الإنجيل، المليء بالمفارقات التي تظهر الحقيقة بأكثر جلاء. وبما أننا في أرض
غريبة، شاء الرب أن يقلد بولس السلطة، ويكلفه تمثيل سيده المرفوض من الناس، قبل أن
يتمجد في السماء. والذي وعد بأنه سوف يأتي مع ملائكة قوته، في نار لهيب معطياً
نقمة للذين لا يعرفون الله، وللذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح، الذين سيبعاقبون
بهلاك أبدي من وجه الرب ومن مجد قوته، متى جاء ليتمجد في قديسيه ويتعجب منه في
جميع المؤمنين (2 تسالونيكي 1: 8-10).
كان
لبولس أن يفتخر بسلاسله حقاً، لأنها كانت تعني حرية كلمة الله. وقد عبر عن ذلك
بقوله للفيلبيين: «ثُمَّ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنَّ
أُمُورِي قَدْ آلَتْ أَكْثَرَ إِلَى تَقَدُّمِ ٱلإِنْجِيلِ، حَتَّى إِنَّ
وُثُقِي صَارَتْ ظَاهِرَةً فِي ٱلْمَسِيحِ فِي كُلِّ دَارِ
ٱلْوِلاَيَةِ وَفِي بَاقِي ٱلأَمَاكِنِ أَجْمَعَ. وَأَكْثَرُ
ٱلإِخْوَةِ، وَهُمْ وَاثِقُونَ فِي ٱلرَّبِّ بِوُثُقِي، يَجْتَرِئُونَ
أَكْثَرَ عَلَى ٱلتَّكَلُّمِ بِٱلْكَلِمَةِ» (فيلبي 1: 12-14).
«صلوا…
لكي يعطى لي كلام عند افتتاح فمي» بهذه الملحوظة تختتم الرسالة المجيدة. فما
تسلمناه من الرب، يجب ان نعطيه. وما تعلمناه يجب أن نعلنه. وما عمله الرب فينا يجب
أن نخبر به شهادة لعمل نعمته.
(21-22)
قل ختام الرسالة أراد بولس أن يخبر أحباءه الأفسسيين أنه يرسل إليهم تيخيكس، الذي
وصفه بالأخ الحبيب والخادم الأمين في الرب. وهذا يعني أنه كان أخا لبولس في
الإيمان، وخادماً للإنجيل ولعله خدمه في الجسديات.
(23-24)
«سلام على الأخوة» هذه تحية اعتاد الرسول أن يوجهها إلى المكتوب إليهم. والسلام
يتضمن كل فوائد النعمة، وقد قدم الكل في إطار المحبة. وطلب الكل من الله الآب
وابنه يسوع المسيح.
وأخيراً
ختم الرسالة بالبركة الرسولية، فطلب فيها نعمة المسيح الخاصة، للذين يحبونه في عدم
فساد. وهذا أجمل ختام لأجمل رسالة خطتها براعة بولس.
الصلاة:
أيها السيد الرب، تشكرك قلوبنا لأجل هذه الرسالة المجيدة، التي فيها عرفنا محبتك
في المسيح في أجلى مظاهرها. رسخ في أذهاننا كل ما ورد فيها من تعليم، لتكون لنا
المرشد في سلوكنا. آمين.