الإصحَاحُ
الثَّالِثُ

 

6 –
جواهر إيماننا الغنية (3: 1-4: 9)

ا –
وجودنا في المسيح أبطل بر الناموس (3: 1-11)

1
أَخِيراً يَا إِخْوَتِي ٱفْرَحُوا فِي ٱلرَّبِّ. كِتَابَةُ
هٰذِهِ ٱلأُمُورِ إِلَيْكُمْ لَيْسَتْ عَلَيَّ ثَقِيلَةً، وَأَمَّا
لَكُمْ فَهِيَ مُؤَمِّنَةٌ.

لخص
بولس رسالته، مبرزاً شعارها مرة أخرى. قائلاً: «افرحوا معاً في المسيح». وهذا
السرور يبثه الإنجيل فينا دائماً. فلا يمكن أن المؤمن يمشي كامداً متمرمراً، بل
مسروراً وفرحاناً، لأن اللّه صالحه وغفر ذنوبه القبيحة، فيفيض منه الشكر والغبطة.
فمن يقل: اللّه لا يحب الفرحين يكذب، لأن العكس صحيح. المسيح منحنا فرحه الخاص،
ويقصد اكتمال فرحنا. كما أن إلهنا ليس حجراً صلباً بلا شعور وعواطف، بل ممتلئ
المسرة والفرح. فإيمانك بالمسيح يحررك من كل عقد وحقد، لأن إلهنا محبة.

منذ
قبول الغفران لا يفصلنا شيء من الخطأ والذنب أو الغضب أو الدينونة عن القدوس. لأنه
أصبح أبانا بالروح والحق. فللمسيحي الاستحقاق للفرح، حتى في الضيق والموت. لأن
حياته مستترة في المسيح الحي. فاقبلوا وصية الرسول، وافرحوا في الرب. لأن المؤمنين
متضامنون ومضمونون فيه.

وحتى
في أوقات الحروب الفتاكة والتشاؤم العام، ينبغي أن نفرح ونقول للبشر المساكين:
ليتكم تعرفون دواء اللّه لأمراض مجتمعنا، إنه الإنجيل الذي يقدر على شفاء كل علة
وخطية وهموم. ودم المسيح يطهرنا من كل إثم. والروح القدس يمنحك الغلبة على خطاياك.
فلست متروكاً بدون رجاء. وليس الشر في أخلاقك أقوى من ربك. أنه يجعلك من صانعي
السلام وسط الجيل الملتوي الكاذب. آمن إن اللّه شخصياً يحررك من قيود الظلمة
وشهواتك القبيحة، آمن ولا تيأس، فيجري الفرح من إيمانك في قلبك.

إن
المسيح هو المنتصر على الشر وسلطان جهنم المتصاعد في أيامنا. فاحفظ كلمة الرسول:
افرحوا «في الرب». لأن فيه تجد قوة عظيمة، وحماية من هجومات إبليس. امتحن نفسك هل
تعيش «في المسيح»؟هل دخلت رحابه وثبتَّ فيه؟ أهو مصدر انتصارك؟ هل ابتدأ فرحه فيك
بنعمته المفرحة؟ وعندئذ ترنم وترتل وتسبح وتبتهل في فؤادك، متجنباً أغاني الحب
الخداعة وأناشيد الحرب الصلبة، معترفاً بأن المسيح هو المخلص وينبوع أفراحنا. فمن
يؤمن به يعش في غبطة، ومن يتمسك به لن يموت.

الصلاة:
أيها الرب يسوع المسيح. أنت معلم فرحنا ومصدره وواهبه. وموتك على الصليب فدانا من
خطايانا القبيحة والموت الخانق والشيطان الشرير. فنحمدك ونسجد لأبينا السماوي
لأننا أصبحنا أولاداً أبديين لمحبتك. ونسبحك مع كل القديسين على كرتنا الأرضية لأن
فرحك فينا يدوم.

 

3:
2اُنْظُرُوا ٱلْكِلابَ. ٱنْظُرُوا فَعَلَةَ ٱلشَّرِّ.
ٱنْظُرُوا ٱلْقَطْعَ. 3 لأَنَّنَا نَحْنُ ٱلْخِتَانَ،
ٱلَّذِينَ نَعْبُدُ ٱللّٰهَ بِٱلرُّوحِ، وَنَفْتَخِرُ فِي
ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَلا نَتَّكِلُ عَلَى ٱلْجَسَدِ.

أثناء
إملاء هذه الرسالة ربما استخبر الرسول أو سمع أن بعض المسيحيين الذين من الأصل
اليهودي اندسوا ككلاب برية في قطيع الغنم، مفترسين ومبلبلين الحظيرة. فأخذوا يؤذون
المسرورين في المسيح ويزعجون الكنائس كلها. فعندئذ انفجر رسول الأمم، وقطع رسالة
الفرح وهاجم بأشد الكلمات مخربي الكنيسة. والمسيح سمى هؤلاء المرائين ذئاباً في
لباس حملان. لأنهم يضرون المختارين أكثر من الأعداء الكاشفي عداوتهم والهاجمين
للقتل. فأعداء الكنيسة يوحدونها، ويقوونها ويرسخونها. ولكن المرائين من الداخل
يفسدون ويمزقون الوحدة والمحبة.

فما
هو العمل الشرير والتعليم السام في رسل جهنم، الذين يغيرون فرح المؤمنين إلى آلام
مرة؟ إنهم علَّموا أن الختان مع حفظ الناموس والفرائض المتنوعة، هو الطريق الوحيد
إلى اللّه، وليس الإيمان بالمسيح المصلوب وحده. فرفعوا أعمال الإنسان فوق النعمة،
وخلطوا الخلاص في المسيح بالبر الذاتي.

أما
بولس فما اعترف بفداء آخر، إلا المبني على الصليب والروح القدس. لأن الغفران
والولادة الثانية أوجدت فينا أفقاً إلهياً جديداً. لقد اختبرنا حقيقة نعمة اللّه،
وفاز المسيح في أنفسنا. فعرف بولس أن كل صلاة وصوم وزكاة وحج وتقوى مبنية على
الفرائض الكنسية، لا تخلص الإنسان البتة. ولا تصلحه قليلاً، ولا تملأه محبة. فكل
أديان وكنائس تقوم على الشرائع والتعاليم الإنسانية، بعيدة عن روح الصليب ومضادة
له. فهي معدة من أكاذيب الشيطان، لأنها تجعل أفراداً متكلين على ذواتهم.

المسيح
وحده مخلصنا، الذي منح لنا بر اللّه وقوته مجانا. فكل عمل بشري وإرادة دنيوية
باطلة بجانب خلاصه. لا يخلصك اللّه لأنك بار أو مضح أو مصل أو متدين محترم، بل
لأنه يحبك أنت الخاطئ. واختارك بفرط مسرته وضحى بابنه لأجلك. مكافأة لإنسانيتنا
الموهوبة عند اللّه، لأنه يبررنا لأجل الإيمان وليس لأجل الأعمال. ويل للذي يبني
رجاءه على اجتهاداته وتقشفه وحسناته، فيسقط معها إلى جهنم. أما نحن فنصلي:

دم
المسيح زينتي وبره قداستي ولستُ أدخل السما إن كنت لم أنهلها أيضاً عزائي في
الحياة كذاك من بعد الممات فليكن الدم الثمين رجاي في الرب الأمين

 

3:
4مَعَ أَنَّ لِي أَنْ أَتَّكِلَ عَلَى ٱلْجَسَدِ أَيْضاً. إِنْ ظَنَّ
وَاحِدٌ آخَرُ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى ٱلْجَسَدِ فَأَنَا بِٱلأَوْلَى. 5
مِنْ جِهَةِ ٱلْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ،
مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِيٌّ مِنَ
ٱلْعِبْرَانِيِّينَ. مِنْ جِهَةِ ٱلنَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ. 6 مِنْ
جِهَةِ ٱلْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ ٱلْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ
ٱلْبِرِّ ٱلَّذِي فِي ٱلنَّامُوسِ بِلا لَوْمٍ. 7 لٰكِنْ
مَا كَانَ لِي رِبْحاً فَهٰذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَسِيحِ
خَسَارَةً.

هل تبحث عن  م التاريخ تاريخ الكتاب المقدس تاريخ إسرائيل 87

كان
بولس يهودياً أصيلاً. فوالداه ما كانا دخيلين في دين العهد القديم، بل عبرانيين
هاجرا من فلسطين إلى طرطوس. وحفظا الناموس والأحكام والتقاليد بشدة مثالية فسميا
ابنهما باسم الملك الأول الذي من سبطهم بنيامين «شاول» الذي رفع معنويات الأسباط الاثني
عشر بالسيف والعنف. وقصدا بتلك التسمية أن يعطيا لابنهما شعار الزعامة لحياته.
وختناه في اليوم الثامن، ليبني بره من البداية على أساس الجسد والناموس. فكان بولس
شرعاً ودماً يهودياً أصيلاً.

ومن
جهة موقفه الخاص كان مثالياً. لأنه لم يختر كفارة الذبائح ولا الحرية المحدثة
كطريق هين لإراحة الضمير، بل درس الشريعة وحفظ أحكام الناموس بشدة، وقصد بغيرة
متحمسة وضبط الجسد إنشاء بر كامل في ذاته وفي المجتمع، مهما كلف الأمر.

فلهذا
جن الشاب المتعصب تقريباً لما سمع أن المسيحيين من الأصل اليهودي آمنوا بالإنسان
يسوع واعتبروه المسيح المنتظر. في حين اعتبره المجلس اليهودي مضلاً ومحكوماً عليه
بالإعدام. فهاجم بآخر عنف وشدة، وكافح للّه بلا شفقة ليعيد شرف أمته ويحفظها بلا
عار. وهكذا لمع في البر الذاتي أكثر من كل الفقهاء الآخرين. ولكن عندما أراد دخول
دمشق متكبراً ومرتفعاً على فرس، أسقطه المسيح من عُلا فخره، واخترق بواسطة مجده
البهي خداع ذاته، فأشرق شخص المسيح في ظلمة شاول الحاقد، وأظهر له أن تقواه
المتزمتة هي وهم وتجديف واضطهاد وجريمة. فكان خادم اللّه بالحقيقة عدوه.

ففي
كفاحه مع الروح القدس، انقلبت حياته. فأدرك هذا الأعمى المنكسر، نعمة المسيح
المنعمة عليه. وفهم أن القدوس لا يرفضه ولا يبيده بل أعلن له اسمه، وكلمه وأرشده
ودعاه إلى الخدمة بسلطان روحه. إنها لعجيبة كبرى أن المسيح اختار عدوه ومضطهده
لإنارة العالم. عندئذ ألقى بولس كل شرفه وتقواه القديمة بعيداً عن نفسه. وبنى
حياته ومستقبله على المسيح ونعمته وحده.

فما
هو أساس حياتك؟ استقامتك وتقواك، أو دم المسيح ونعمته العظيمة؟

الصلاة:
أيها الرب يسوع المسيح، أنت حي ومجيد. اغفر لنا إن خضعنا للفساد، أو لغيرة مضادة
لروحك القدوس. أنت تحبنا وتهبنا برك، وتدعونا إلى عائلة أبيك، وخلصتنا. فأمت
كبرياءنا لنتعلق بك وحدك، ونترك كل اعتقاد خاطئ، ونسعى في خدمة الضالين.

 

3: 8
بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضاً خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ
مَعْرِفَةِ ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِهِ
خَسِرْتُ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ
ٱلْمَسِيحَ 9 وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرِّي ٱلَّذِي مِنَ
ٱلنَّامُوسِ، بَلِ ٱلَّذِي بِإِيمَانِ ٱلْمَسِيحِ،
ٱلْبِرُّ ٱلَّذِي مِنَ ٱللّٰهِ بِٱلإِيمَانِ. 10
لأَعْرِفَهُ، وَقُّوَةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلامِهِ، مُتَشَبِّهاً
بِمَوْتِهِ، 11 لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ ٱلأَمْوَاتِ.

عرف
بولس كثيراً من الناس والفلسفات والأديان والدول والجيوش والملوك وأسرار الشرائع.
وكان مفتخراً بمعلوماته. ولكن عندما عرف المسيح، رمى كل هذه المعاني تماماً
ورفضها، ليربح ويعيش في كلمة وحيدة: يسوع المسيح هو ربي. لأن معرفته تفوق كل عقل
وعلم. وقد أدرك الرسول في المصلوب محبة اللّه المتجسدة، وعرف أن المقام من بين
الأموات هو المنتصر الحقيقي في عالمنا.

فكيف
نتمسك بعد بأشياء دنيوية، واللّه قد وهبنا في إبنه كل شيء؟ ففي يسوع تكمن جميع
كنوز الحكمة والمعرفة والبر والقداسة والفداء والمحبة. فبدون المسيح، لا معنى
لحياتك. إنما هو قيمتك لا غير.

فبجانب
عظمة المسيح يظهر كل مخلوق نفاية. فاترك كل ما أحببته في دنيانا لتربح المسيح
حقاً. استسلم له ليصبح هو ربك ليس اسمياً فقط، بل عملياً أيضاً. إنك مدعو لتربح
المسيح اليوم بإيمانك.

وإن
وقفت أمامه منكسراً نادماً يرحمك ويغفر خطاياك، ويضمك إلى صدره. ويتحد معك في
روحه، لتصبح عضواً لجسده «فتوجد فيه». ما أعظم العبارة، التي تصف تماماً جوهر
إيماننا.

عندئذ
لا ترجو شيئاً من برك الذاتي، وتضحك على ما كنت تحسبه شرفك قبلاً. وترفض كل أجرة
ومكافأة متصورة. وتدرك فسادك الشامل في ضوء بر اللّه. الذي وهبه لك يسوع بواسطة
سفك دمه، لتتبرر وتتقدس إلى الأبد. فالمؤمن بالمسيح ينال جوهر بر اللّه مجاناً
بواسطة الإيمان. وهذا البر الجديد يلاشي البر الناموسي القديم، ويبطل تقوانا
المنتفخة وإنسانيتنا المتخيلة. فكل من تحرر من جودته الكاذبة يعرف المسيح ربه
ومخلصه أكثر فأكثر، ويشترك في قوة قيامته، فتجري حياة اللّه فيه. عندئذ يموت الأنا
القديم في المؤمن المسلّم، وتبقى خطيته مصلوبة في المصلوب. إن كيان المسيحي يعني
كفاحاً عنيفاً ضد الخطية، وإماتتها يومياً، ليس في قوة الأدب أو الصوم بل بالإيمان
وبالشركة مع المسيح، الذي لا يحتمل أن يظل فيك نجاسة أو كذب أو بغضة، إنما يغلبك
ويطهرك ويقويك إلى الحياة الأبدية.

وكل
من يعيش مع المسيح وفيه، يمتلئ من مقاصده ويعمل معه لفداء العالم. ويشهد لحقيقة
الخلاص، حتى تحت الضغط والاضطهاد والآلام. لأن المسيح نفسه اختبر الإحتقار والرفض
والموت لأجل عمله الخلاصي. فمن يتبعه يتبعه في الآلام أيضاً. لأن لا خلاص إلا
بالصليب، كما قال يسوع «إن أراد أحد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم
ويتبعني».

وفي
هذا الكفاح ضد الخطية في أخلاقنا والمصارعة مع الأرواح النجسة والاضطهاد من أعداء
المسيح، نشتاق إلى مجيء مخلصنا، لتظهر شركتنا معه في المجد. فنبلغ القيامة إلى
الحياة. مع العلم أن بولس لم يكن متيقناً كسولاً بنسبة خلاص نفسه الخاصة، بل عاش
حسب قوله تمموا خلاصكم بخوف ورعدة.

هل تبحث عن  هوت روحى كلمة منفعة 94

الصلاة:
أيها الرب يسوع المسيح. أنت مخلصنا وربنا وفادينا. فنشكرك من صميم قلوبنا، لأنك
وهبت لنا بر أبيك وجودته وأحييتنا بروحك. ساعدنا لنعتبر الكنوز العالمية نفاية.
ونربحك ونختبر قوتك، ونعظم إسمك قدام الناس. ونؤمن أنك ستنشلنا عند مجيئك من بين
الأموات مع كل الأحياء في روحك.

 

ب –
سباق المتبررين إلى الكمال (3: 12-16)

3:
12لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلٰكِنِّي أَسْعَى
لَعَلِّي أُدْرِكُ ٱلَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضاً ٱلْمَسِيحُ
يَسُوعُ. 13 أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي
قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلٰكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئاً وَاحِداً: إِذْ أَنَا أَنْسَى
مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ. 14 أَسْعَى نَحْوَ
ٱلْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ ٱللّٰهِ ٱلْعُلْيَا
فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. 15 فَلْيَفْتَكِرْ هٰذَا جَمِيعُ
ٱلْكَامِلِينَ مِنَّا، وَإِنِ ٱفْتَكَرْتُمْ شَيْئاً بِخِلافِهِ
فَٱللّٰهُ سَيُعْلِنُ لَكُمْ هٰذَا أَيْضاً. 16 وَأَمَّا مَا
قَدْ أَدْرَكْنَاهُ، فَلْنَسْلُكْ بِحَسَبِ ذٰلِكَ ٱلْقَانُونِ
عَيْنِهِ، وَنَفْتَكِرْ ذٰلِكَ عَيْنَهُ.

يقول
بولس لكل المتجددين المعتدّين بأنفسهم إنه هو نفسه ما زال غير كامل. بل إنه يجد
ذاته على الطريق إلى الشركة الظاهرة مع اللّه، التي ستتحقق عند مجيء المسيح ثانية.
فهذا الهدف التاريخي هو مهم له بمقدار أن شبَّه نفسه برياضي في سيرك ملعب كبير،
وهو يستعد بين المتسابقين للانطلاق. وينطلق بكل قوة ليصل إلى الهدف، وينال الجائزة
الثمينة.

لذلك
لا يجلس المسيحيون في الظل، متخيلين كسالى، ومتكلين على اللّه بدون اجتهاد. بل
يتحركون، ولهم هدف واضح، فيبذلون آخر قوة ويسرعون إلى اللّه العظيم. وهم لا ينظرون
إلى الوراء، ولا يهتمون بما كان من تخطيطات ومشاكل وذنوب ماضية، لأن الكل دُفن في
موت المسيح. فالمؤمن الساعي ينال من اللّه القوة والحكمة ليستمر في السباق الروحي.
فيصبح قديساً في المحبة ومتواضعاً في الطهارة وأميناً في خدماته.

وهذا
السباق إلى اللّه قد ابتدأ، لما أوقف المسيح المؤمنين به على خط السباق الأبدي.
فدعاهم من جماهير التافهين المتفرجين المسترخين لكي يركضوا، غير مبالين بما
يقولونه عنهم، وينتقدونهم به. والراكضون إن سقطوا، فلا يبقون في سقوطهم، بل يقومون
وينهضون فوراً، ويجرون حتى الهدف، ألا وهو الرب بالذات. إلى الأمام سر. أركض لكي
تصبح الأول في كنيستك بالمحبة والصدق والتواضع والطهارة.

يسمّي
الرسول كل المشتركين في السباق الروحي كاملين لأن المسيح طهرهم حقاً، والروح القدس
ملأهم بجوهره. فهل تركض في الطريق إلى اللّه؟ وهل يدفعك الروح القدس بهداه؟ عندئذ
تشترك في كمال اللّه، ليس لصلاحك بل لفضل دم المسيح وبره الكامل.

هل
ترتقب القيامة من بين الأموات؟ أنها تتحقق في ظهور مخلصك الذي سيعطيك إكليل
الحياة، إن ثبتَّ في سبيل النعمة. عندئذ يظهر كمال اللّه فيك. كما قال يسوع «كونوا
كاملين كما أن أباكم في السماء هو كامل».

الصلاة:
أيها الآب، نشكرك. لأنك أوقفتنا في سباق المحبة والحق والطهارة. ومنحتنا بغفران
المسيح وحلول الروح القدس فينا الشركة في كمالك. من نحن لنخدمك؟ ساعدنا لكيلا نصير
كسالى ولا نكل، بل نسعى دائماً إلى هدف الأهداف. وهو مجيء ابنك مع كل مدعوي
العالم.

 

ج –
رجاؤنا المجيد يشمل أجسادنا كذلك (3: 17-21)

3:
17كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي مَعاً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، وَلاحِظُوا
ٱلَّذِينَ يَسِيرُونَ هٰكَذَا كَمَا نَحْنُ عِنْدَكُمْ قُدْوَةٌ. 18
لأَنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَاراً،
وَٱلآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضاً بَاكِياً، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ
ٱلْمَسِيحِ، 19 ٱلَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ ٱلْهَلاكُ،
ٱلَّذِينَ إِلٰهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ،
ٱلَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي ٱلأَرْضِيَّاتِ.

ليس
تبشير بلا تقديس المبشر، لأن كل كلامك عن المسيح لا ينفع ما لم يطابق سلوكك. إن
تصرفاتك وأعمالك تتكلم أوضح من كلمات شهاداتك.

كان
بولس في المسيح قدوة صالحة. لأن قوة المقام من بين الأموات، غيرت حياته، وجبلت
سيرته إلى محبة عملية. فبولس لم يبشر بعظاته فقط، بل أيضاً بأتعابه في المهن.
فيداه تورَّمتا. وكان يسلم لرب العمل شغله متقناً أميناً، كما علمنا أن كل ما
نعمله فلنعمله من القلب كأنه للرب وليس للناس. فبهذه القاعدة المهنية، يصبح كل شغل
في المهن أو المدرسة أو المطبخ خدمة للّه وعبادة مقدسة، وليس لمجرد كسب المال.

وأكثر
من هذا فقد أشرق من الرسول الفرح وقوة المسيح. وبدون كلمات شعر الذين حوله
ببشارته. لأن الرسول مات لبره الخاص، وأنكر أمنياته البشرية والتصق بربه وتعلق
بإرادته، فأصبح أسيره. ولم يكن محبوساً حسب قرار اليهود أو الرومان، بل بمشيئة ربه
الحي. فهذا الالتصاق الكامل بيسوع يجعل حياته قدوة لنا. لأن فرح حرية بولس ثبت رغم
قيوده وضيقه.

ولم
تكن للكنيسة في بداية وجودها تقاليد أو مقاييس معينة أو مثلاً عليا ولا قدوات
صالحة. فلم يعرفوا كيف يتحقق الإيمان بالإنجيل في بحر الحياة اليومية. فما علم
يسوع تلاميذه فقط، إنما قدم نفسه أيضاً قدوة عظمى. قائلاً: «تعلَّموا مني لأني
وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم» والرسل الأمناء، عاشوا في ضبط الروح
القدس، حتى أن كل كيانهم أصبح شهادة عن الخليقة الجديدة وبشرية المستقبل، التي
ابتدأها يسوع فيهم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ف فَدَهْصور ر

وإننا
لا نعرف تماماً من هم الذين سماهم الرسول بولس أعداء صليب المسيح في مدينة فيلبي.
ولكن علينا الاعتراف، بأن كل الذين يحاولون الخلاص بناموس وصيام في قوتهم الخاصة،
ويريدون قمع الوحش الساكن فيهم بالاجتهادات والطقوس، هم معقدون ووجوههم كابية. ولا
يلمع فرح المسيح وانفراجه فيهم. وكلما حاولوا السيطرة على بطونهم، تنشب أفكارهم
وأحلامهم ضد الخلاص البشري. فكل تقشف هو عداوة لصليب المسيح مضيقاً فخره، فكأنما
الإنسان يجد خارج المسيح إمكانيات وقوى لخلاصه وتقديسه الذاتي. فما أشد خطأه
وضلاله البعيد.

ولم
يتكلم بولس في هذا النص عن المتبطرين والسكيرين الذين يجدون في بطنهم إلههم
ويعبدون شهواتهم. فإنهم يشبهون الحيوانات لا الناس. بيد أن بولس يدلنا على
الناموسيين الذين يحاولون بأساليب بشرية تقديس أجسامهم النجسة وروحهم الفاسد. فهم
منافقون وأكثر شراً من المتبطرين السكيرين لو كانوا يعلمون. فلا خلاص إلا بصليب
المسيح. والإيمان الحق به يغيرنا ويغير حتى أجسادنا فنعيش بطهارة في قدرته.
ومحبتنا له تقدسنا تقديساً حقاً.

الصلاة:
أيها الرب يسوع، نشكرك لأنك متَّ على الصليب لأجلنا، وضحيت بجسدك المقدس لأجلنا.
نعظمك ونحمدك لأن دمك يطهر أجسادنا الفاسدة. فاحفظنا من التقشف ومن التقديس
الذاتي. فنتكل عليك إن تقدسنا حسب قدرتك الإلهية، لكيلا نهلك، بل نتغير ونمتلئ
بحضورك. أنت رجاؤنا فننكر أنفسنا ونلتجئ إليك.

 

3: 20
فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، ٱلَّتِي مِنْهَا
أَيْضاً نَنْتَظِرُ مُخَلِّصاً هُوَ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ، 21
ٱلَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ
جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ ٱسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ
كُلَّ شَيْءٍ.

يوجد
نوع من الناس هم أفقر وأشد مسكنة من غيرهم. إنهم عديمو الرعوية، الذين ليس لهم وطن
ينتسبون إليه على كرتنا الأرضية. وكل دولة تطردهم. وفي حالة الضيق والاضطراب
يبغضهم الجميع.

وأما
المسيحيون فليسوا بلا وطن. إذ وطنهم الحقيقي هو في السماء. ولهم الحق أن يعيشوا
عند اللّه. ولربما يفقدون على الأرض حقوقهم المدنية ويُطرَدون من بلادهم. ولكن في
السماء تُكتب أسماؤهم في سفر الحياة بدم يسوع المسيح. فلنا قدوم إلى الآب لأجل
ذبيحة شفيعنا. وسابقاً ما كان يقدر أن يتقدم إلى اللّه إلا رئيس الكهنة. إنما الآن
فها هوذا كل مسيحي مدعو، ليقترب من القدوس ويكون كاهناً مبتهلاً ومبشراً مباركاً.
فينبغي أن تتقدم إلى العظيم، طالباً منه مزيد البركة للضالين، وتعود إلى مضطهديك
وتباركهم. فكل مؤمن حق يكون نائب اللّه في عالم الفساد وسفير المسيح للخطاة ونوراً
لامعاً في الظلمة المتصاعدة.

وكل
من يتعمق واعياً في إتمام النبوات المختصة بنهاية العالم ويقارنها بالتطورات
السياسية والإقتصادية والكونية، ير نضوج الشر عامة ونشر ملكوت الشيطان خاصة. أما
نحن فلا نيأس، بل نعرف شفيعنا وأنه يأتي أكيداً. وكلما حاول الشر ابتلاعنا، كلما
ننظر إلى المسيح بترقب أكثر، ونشتاق إلى قداسته. فليس أحد فينا عائشاً بلا تجربة،
لأنه من يمش في الشوارع، يشاهد الدعاية للأفلام النجسة والصور العارية في المجلات.
والنداءات للثورة والعصيان. والتحريض إلى البغضة والطمع والاسترخاء، تضج في آذاننا
من مكبرات الصوت. وإذا بشعورنا الباطني يمتص ويتشبع بدعوات الشر. لكنما الروح
القدس يكافح فينا مبكتاً ضمائرنا على كل فكر شرير أو كلمة باطلة أو عمل سيء. وعند
ذلك نصرخ: تعال أيها الرب يسوع، وخلصنا من أنفسنا، واحفظنا في قربك المقدس. وغيِّر
أجسادنا الضعيفة ونقِّ شعورنا الباطني، لئلا نوافق على أي نوع من تجربة.

ووعد
يسوع أهالي ملكوته مكافأة سامية، لكفاحهم الإيماني، الفائقة كل تصوراتنا. ألا وهي
مجد اللّه بالذات. حتى أن صورة الآب تظهر في أولاده. وفي هذه الحالة لا نشبه
الأرواح أو الملائكة أو الأشباح، بل المسيح بالذات. ونكون طبق الأصل لمجده. وكما
كان له في قيامته جسد ملموس ظاهر معروف، هكذا سنحصل على جسد مشابه لجسدنا القديم.
ولكن ممتلئ المجد وطهارة اللّه. ومجيء المسيح سيعلن بهاء مجيداً يفوق كل العقل
ويشملنا حتى كأننا سنعيش داخل الشمس.

وأما
يسوع فيبتدئ تغيير جسدك اليوم، إن فتحت نفسك لكلمته وروح فرحه. فلا يدعوك لانتحار
شنيع بل إلى تسليم لمحبته. عندئذ تنكر نفسك وتتجه إلى المخلص وتختبر سلطانه فلا
يصدر منك شيء صالح إذ الكل منه.

وربنا
أعلن بإحدى كلماته الأخيرة، أنه قد دفع إليه كل السلطان في السماء وعلى الأرض. فهل
تؤمن بهذه الكلمة؟ فإن تقشفك وصيامك باطل لتقديس نفسك. فاطلب من يسوع تدخله مباشرة
فيقدسك. هو الذي غلب جهنم والموت والخطية وغضب اللّه. فيستطيع أن يغلبك أيضاً إن
سلمت نفسك إليه كاملاً. المسيح قادر أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى
اللّه إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم.

الصلاة:
نعظمك أيها المخلص القدوس، لأنك القادر على كل شيء. ولم ترفضنا لحياتنا النجسة، بل
قدستنا كما ينظف الأب طفله الساقط في الوحل. وستنظفنا مرة أخرى وتربينا وتمنحنا
محبتك لنتقدس بقدرتك. ونشكرك لأنك وعدتنا أن تغير أجسادنا إلى المجد، لنشابه جسدك
المجيد، ومحبتك الملتهبة وحقك المبين. أيها الرب مخلصنا، أكمل قداستك فينا. نحن
بين يديك منتظروك. آمين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي