تَفْسِير رِسَالَةُ بُولُسَ
الرَّسُولِ إِلَى تِيطُسَ

 

إسم السفر:

رسالة بولس الرسول إلي تيطس
"
Titus "

الإختصار : تي = TIT

كتب الرسول بولس هذه الرسالة
إلى تيطس أسقف جزيرة كريت، التي اشتهر أهلها بالكذب والشراسة (1 : 12، 13). وقد
كان تيطس أممياً وواحداً من تلاميذ الرسول بولس الذين آمنوا على يديه، وقد صحب
بولس وبرنابا إلى أورشليم بعد حوالي 17 سنة من إيمان الرسول بولس. وتحتوي هذه
الرسالة على نصائح عملية للأسقف صغير السن لتساعده على قيادة الكنيسة وتحذره من
الهرطقات الموجودة في وقته. ويطلب الرسول من تيطس أن يأتي إليه ليخبره بأحوال
الكنيسة في هذه الجزيرة. وبالرغم من كون هذه الرسالة هي رسالة شخصية إلا أنه من
المحتم أنها قرأت على الكنيسة في كريت أيضاً.

 

كاتب السفر:

بولس الرسول

كان بولس قد ترك تيطس في
كريت، وهذه الرسالة كتبت من أجل إعطائه التعليمات بشأن إكمال ترتيب الأمور الناقصة
في الكنائس هناك، وبصفة خاصة من أجل إقامة شيوخ في كل مدينة (تيطس 5:1).

كتب بولس هذه الرسالة، وفق ما
يُظن، في آخر حياته، وقد دعاه الى الكتابة "التفكير في أهل كريت وكذبهم"
(راجع: المرشد الى الكتاب المقدس، ص623)، فأكّد، في أول إصحاحاتها، على أهمية الاعتماد
على الله الصادق الذي نفعل حسناً إن آمنا بمواعيده ونقلناها بثقة وبلا تلكؤ.
ويتابع بولس فيهاجم المعلّمين الكذبة "ولا سيّما الذين من الختان" الذين
يعلّمون ما لا يجب "من أجل الربح القبيح"، ويوصي تلميذه المسؤول بأن
"يكمّ أفواههم". هذا الموقف القوي يستكمله الرسول بكشفه الإيمان الحقيقي
فينتقد الذين لا تتوافق حياتُهم ومعرفةَ الله.

يجب أن يتم اختيار القادة
الروحيين بكل دقة طبقا لمواصفات معينة. فإن إهمال أي من هذه المواصفات يؤدي إلى
نتائج خطيرة. فلكي يحصل القادة على تأييد الله وعلى بركته، يجب أن يكونوا بلا لوم
في حياتهم الشخصية وأن يكونوا أمناء لكل ما هو مكتوب في الكتاب المقدس (تيطس
6:1-9).

ويحذر بولس أيضا في رسالته
إلى تيطس من أن معلمين كثيرين هم مخادعون. إذ يعترفون بأنهم يعرفون الله ولكنهم
بالأعمال ينكرونه إذ هم رجسون غير طائعين ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون (تيطس
16:1).

بعد ذلك يسرد بولس مواصفات
الشيوخ، ويعطي التعليمات للرجال والنساء المتقدمين في السن وكيف يجب أن يعلموا
بدورهم الشباب وينصحوهم أن يبتعدوا عن الشهوات الشريرة والطموحات العالمية، وأن
يعيشوا أمام الرب بطريقة تمجده – منتظرين… ظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع
المسيح (تيطس 13:2). بعد ذلك يأتي إعلان عن الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا
(تيطس 5:3-6) – لكي يعدنا لنكون ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية (تيطس 7:3).

 

تاريخ كتابه السفر:

 + كتبها بولس من مقدونية
حوالي سنة 63 أو 64 ميلادية بعد إطلاق سراحه من سجن رومية الأول.

 

محور السفر:

 + الحياة الصالحة، الأخلاق،
العلاقات الكنسية، المواطنة.

 + ربنا يسوع المسيح معلمنا
ومثالنا

 + العمل الكنسي

 

غاية السفر:

 + اتسم أهل جزيرة كريت
بالفساد وقد قام بها بعض المعلمين الزائغين ينادون بالعودة إلى التهود، فأرسل
إليهم هذه الرسالة موجها إياها إلى أسقفها القديس تيطس تلميذه، يحثه فيها على
اتباع التعاليم الصحيحة والمحافظة على حسن السير والطهارة، وفيها بعض مؤهلات
الشيوخ.

 

 مفتاح السفر:

 "مقدما نفسك في كل شيء
قدوة للأعمال الحسنة ومقدما في التعليم نقاوة ووقارا وإخلاصا" (2 : 7).

 

تيطس:

 + قيل أنه أممى (غلا 3:2) من
إنطاكية الشام ويري البعض انه ابن أخ والي جزيرة كريت من أصل أممي (غلا 2 : 3) آمن
علي يد الرسول (تى1 : 4).

 + رفيق أمين لبولس وعامل مجد
معه (2كو 6:8، 23،16).

 + وكان تيطس أحد المندوبين
من أنطاكية (أع 3:15) الذين رافقوا الرسولين بولس وبرنابا إلى أورشليم في نهاية
الرحلة التبشيرية الأولي وقت التئام المجمع الأول(غلا 2 : 1 – 3) وحضر معه مجمع
الرسل (أع 15) كمثال حي لعمل الله في حياة الأمميين.

 + كان معه في كريت حيث تركه
الرسول لتكملة الأمور الناقصة ولكي يقيم فيها قسوسا وليتولى تنظيم الكنائس التى فى
تلك الجزيرة … غالبا ما كان ذلك بعد سجنه الأول.

 + كان معه في سجنه الثاني
لكنه لم ينتظر المحاكمة بل تركه وذهب إلى دلماطية (2 تي 4 : 10).

 + يجله أهل البندقية بكونه
أحد الكارزين لهم.

 

محتويات السفر:

أولا – التنظيم الكنسى ص 1 :

 اهتم الرسول في رسائله
الرعوية بالحديث عن السيامات (أساقفة، كهنة، شمامسة) فالراعي الصالح يهتم ألا يركز
الخدمة في شخصه إنما يعمل علي اتساع الخدمة بإقامة رعاة وخدام أمناء ,

 + البركة الرسولية 1 – 4

 + سيامة الكهنة 5

 + شروط الأسقف 6 – 16

 " كل شيء طاهر للطاهرين
وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهر بل قد تنجس ذهنهم وأيضا ضميرهم 1 :
15".

ثانيا – التعليم المستقيم ص 2
:

 + بعد معالجته القواعد
الواجب مراعاتها في اختيار الرعاة في كريت علي ضوء الأخطاء الشائعة هناك قدم أمثلة
عملية للتعاليم الخاصة بكل فئة من فئات الشعب.. فالراعي يقدم لكل فئة ما يناسبها
انه كطبيب يقدم الدواء المناسب.

 + إن كان الرسول قد طالب
العبيد بالخضوع للسادة فهم لا يتممون ذلك مذلة وضعف وإنما كشهود حق

 لمخلصهم.. يعتبرهم بحياتهم
المقدسة زينة لتعليم مخلصنا الله في كل شيء (ع 10) هكذا يرفع من شأنهم كأعضاء في
جسد المسيح.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر الخروج 18

 + إذ يقول تكلم بهذه وعظ
ووبخ بكل سلطان لا يستهن بك أحد يؤكد حزم الراعي المملوء حبا وحنانا ليعمل بسلطان
الحب.

 + تعاليم للشيوخ 1 – 2

 + تعاليم للعجائز 3 – 5

 + تعاليم للأحداث 6 – 8

 + تعاليم للعبيد 9 – 10

 + التعاليم وعمل النعمة 11 –
15

ثالثا – السلوك العملى ص 3 :

(أ) – كما تشهد الكنيسة
لعريسها خلال التنظيمات الكنسية الحية القائمة علي التدبير الروحي المرتب ص 1، كذا
تشهد له خلال التعليم المستقيم المقدم لكل فئات الشعب ص 2، ويجب ترجمة الشهادة له
عمليا في العلاقات العامة.

(ب) – المسيحي كعضو في الكنيسة
المقدسة يسلك بروح الخضوع للحكام قلبيا وليس عن رياء.

 + الخضوع للرئاسات 1

 + محبة الجميع 2

 + كيف نحب ؟ 3 – 8

 + تجنب المقاومين 9 – 11

 + وصايا ختامية خاصة 12 – 15

 "ذكرهم أن يخضعوا
للرياسات والسلاطين ويطيعوا ويكونوا مستعدين لكل عمل صالح " (3 : 1).

 

تقسيم السفر:

 وهي إحدى الرسائل الثلاث
التي يطلق عليها اسم الرسائل الرعوية (انظر رسالتي تيموثاوس الأولى والثانية)،
ويمكن تقسيمها بإيجاز إلى :

(أ) تحيات بولس إلي تيطس
وأحيانا الرسول لدعوته العليا (1 : 1 4).

(ب) نوعية الرجال الذين كان
على تيطس أن يختارهم شيوخا (أو أساقفة) (1 : 5 9).

(ج) المعلمون الكريتيون
الكذبة (1 : 10 16) وصفاتهم ووجوب توبيخهم.

(د) السلوك المسيحي، ونصائح
خاصة بالشيوخ وأغطية والعبيد (2 : 1 10).

(ه) التعليم المسيحي (2 : 11 3
: 7) : ما فعلته النعمة الإلهية للمؤمنين (2 : 11 15)، وما يجب على المسيحيين من
نحو المجتمع (3 : 1 و2).كيف تختلف المسيحية عن الوثنية اختلافا كليا (3 : 3 7).

(و) نصائح ختامية لتيطس : عن
الاعمال الحسنة (3 : 8)، وعن المعلمين الكذبة (3 : 9 و10)، وعن رفقاء بولس وخططه
المستقبلية (3 : 11 15).

 

تركز هذه الرسالة الرائعة على
أهمية الأعمال الصالحة في حياة الكنيسة بأساقفتها وقسوسها وشعبها بأكمله.

وقد كتب الرسول بولس هذه
الرسالة إلى تيطس أسقف جزيرة كريت، التي اشتهر أهلها بالكذب والشراسة (1 : 12،
13). وقد كان تيطس أممياً وواحداً من تلاميذ الرسول بولس الذين آمنوا على يديه،
وقد صحب بولس وبرنابا إلى أورشليم بعد حوالي 17 سنة من إيمان الرسول بولس.

وتحتوي هذه الرسالة على نصائح
عملية للأسقف صغير السن لتساعده على قيادة الكنيسة وتحذره من الهرطقات الموجودة في
وقته. ويطلب الرسول من تيطس أن يأتي إليه ليخبره بأحوال الكنيسة في هذه الجزيرة.

وبالرغم من كون هذه الرسالة
هي رسالة شخصية إلا أنه من المحتم أنها قرأت على الكنيسة في كريت أيضاً.

 

شرح السفر

تيطس 1

يبدو أن الكنائس في كريت كانت
تعاني من نقص في القيادة المؤهلة. وقد أوصى بولس تيطس أن يكمل ترتيب الأمور
الناقصة ويقيم في كل مدينة شيوخا… وأن الأسقف كوكيل الله يجب أن يكون بلا لوم
بعل امرأة واحدة له أولاد مؤمنون ليسوا في شكاية الخلاعة ولا متمردين (تيطس
5:1-7).

يجب أن يكون الأسقف بعل امرأة
واحدة (1 تيموثاوس 2:3،12؛ تيطس 6:1). إن بعض الرعاة المطلقين يريدون أن يقنعوننا
بأن هذا يعني أن يكون زوجا لامرأة واحدة في الوقت الواحد. أي أن الخادم من حقه أن
يتزوج ويطلق ويتزوج مرة أخرى أي عدد من المرات طالما أنه يكون زوجا لامرأة واحدة
في الوقت الواحد.

إن شغل وظيفة أسقف أو شيخ أو
راع في الكنيسة يتضمن أن يكون الشخص مسئولا بصفته ممثلا ليسوع المسيح أمام كنيسته
على مستوى أعلى من العضو العادي (تكوين 24:2؛ متى 3:19-11؛ مرقس 2:10-12).

لذلك يجب أن يكون الأسقف بلا
لوم، بعل امرأة واحدة [وليس واحدة في الوقت الواحد]… صالحا للتعليم [بالقدوة
والمثال الحسن]… يدبر بيته حسنا [أي بيت؟ الأول أم الثاني أم الثالث؟] له أولاد
[لم يقل أولادها أو أولادهن] في الخضوع بكل وقار. وإنما إن كان أحد لا يعرف أن
يدبر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله؟… ليكن الشمامسة كلٌّ بعل امرأة واحدة مدبرين
أولادهم [وليس أولاد رجل آخر، أو أن رجلا آخر تكون له الوصاية على أولاده] وبيوتهم
حسنا (1 تيموثاوس 1:3-2،4-5،12).

فمن الواضح أن أي شخص يطلق
ويتزوج مرة أخرى سواء قبل أو بعد الإيمان لا يصلح أن يكون راعيا أو أسقفا أو
شماسا.

فالرجل المطلق بفسخه لعلاقة
الزواج مع زوجته، يفسخ العلاقة التي تمثل العلاقة بين المسيح وعروسه الكنيسة.

إن الطلاق تعدي على ترتيب
الله في العالم وأيضا على الكنيسة والأسرة. لهذا السبب يؤكد الله قائلا إنه يكره
الطلاق (ملاخي 16:2). وقد تكلم الرب يسوع بكل وضوح عن خطورة الطلاق قائلا: من بدء
الخليقة ذكرا وأنثى خلقهما الله… ويكون الاثنان جسدا واحدا، إذا ليسا بعد اثنين
بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان (مرقس 6:10،8-9). ولكن من البدء لم
يكن هكذا. وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوج بأخرى يزني (متى
8:19-9).

فيجب على القائد والمعلم في
الكنيسة أن يقدم المثال الصحيح للكنيسة التي هي عروس المسيح والتي تعد نفسها لمجيء
العريس. وهذا لا يعني بالطبع أن الشخص الذي قد طلق وتزوج مرة أخرى لا يمكن أن يكون
مسيحيا أمينا مخلصا ونافعا في ربح النفوس للمسيح فهو يستطيع أن يشغل أي وظيفة في
الخدمة باستثناء أن يكون ممثلا للمسيح في شكل أسقف أو شماس.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس هـ هامة ة

ويختم الرسول رسالته بتذكيرنا
بأنه: لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا… حتى إذا تبررنا
بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية (تيطس 5:3،7).

 

واحدة من مجموعة لثلاث رسائل
متناسقة (أَضِفْ اليها الرسالتين الى ثيموثاوس)، جرت العادة، منذ القرن السابع
عشر، أن يُطلَق عليها عنوان عام، وهو: "الرسائل الرعائية"، وذلك لما
تتميز به من مدلولات خاصة متشابهة وأسلوب واحد يتضمن تعليما واحدا.

 

 ولعلّ أهم ما تتميّز به هذه
الرسائل الثلاث جملة – بالنسبة الى الرسائل المقدّسة الأخرى- هو انها تضع تحديدا
واضحا لشروط اختيار الخدام في الكنيسة المحلية وطبيعة وظيفتهم ومداها، وأنها،
تاليا، تتطرّق باهتمام بالغ الى الفضائل والواجبات المطلوبة من المسؤولين فيها،
وتعنى بتربية ضميرهم الرعوي. غير أن هذا الأمر لا يمنع كون الرسائل الرعائية هي،
في مداها الطبيعي، كتابات موجَّهة الى كنائس مؤسَّسة حديثا، وذلك أن بولس، في ما
خطّها، توجَّه – من خلال تلميذَيْه تيموثاوس وتيطس – الى كل أعضاء الجماعة
(الأساقفة والكهنة والشمامسة والرجال والنساء والمتزوجين والشيوخ والشبان والعذارى
والأرامل والعبيد والأسياد) الذين كان يعرف وضعهم جيداً، وحضّهم على القيام
بواجباتهم وممارسة الفضيلة والثبات فيها ك "كنيسة الله الحي" (1تيموثاوس
3: 15) المنتظِرة "الرجاء السعيد" (تيطس 2: 13).

لا نقع، في كتاب أعمال الرسل،
على ذِكْر ل"تيطس الرسول" – كما تسميه كتبُنا الطقسية في يوم عيده غداً
(25 آب) – غير أن اسمه يظهر جليا في بعض رسائل معلمه، ونرى الى انه واحد من رفاق
بولس الأخصاء الذين كان يثق بهم جدا. ولد تيطس من أبوين وثنيين (غلاطية 2: 3)،
واهتدى الى الإيمان الحقيقي عن طريق بولس الذي يسميه ابنه (تيطس 1: 4). ونعلم من
الرسالة الى كنيسة غلاطية أن الرسول اصطحبه الى اورشليم، وذلك لتوضيح قضية
المهتدين الجدد الآتين من الأمم، ولمَ يُلزَم الختان كما تيموثاوس.

 تحلى تيطس بشخصيّة قويّة
وجذابة، مما حدا ببولس أن أسند اليه بعض المهمات الصعبة، ومنها انه اختاره لحل بعض
المشاكل العالقة في كنيسة كورنثوس، فسعى، بشكل لافت وحاسم، لإزالتها، اذ قلب الوضع
رأسا على عقب، وذلك لصالح بولس، وأنشأ علاقات طيبة مع الكورنثيين، حتى إن الرسول
شهد له تلك الشهادة الرائعة، اذ قال فيه: "الله الذي يعزي المتضعين عزّانا
بمجيء تيطس. وليس بمجيئه فقط بل ايضا بالتعزية التي تعزى بها بسببكم… ولكن فرحنا
اكثر جدا بسبب فرح تيطس، لأن روحه قد استراحت بكم جميعا… وأحشاؤه هي نحوكم
بالزيادة، متذكرا طاعة جميعكم، كيف قبلتموه بخوف ورعدة" (2 كورنثوس 7: 6-15،
راجع ايضا في الرسالة عينها 2: 31، 8 : 16، 17 و23). قدّر بولس إمكانات الرجل
ومواهبه، فأسند اليه رعاية الجماعة الناشئة في كريت، وهي جزيرة في جنوب اليونان،
وقد تركه فيها: "لكي يُكمل ترتيب الأمور الناقصة، ويقيم في كل مدينة
شيوخا" وفق ما أوصاه (1: 5).

 عرف الكريتيون، بحسب ما يذكر
كتاب أعمال الرسل، الإنجيل باكرا (2: 11)، غير أن الدعوة لم تلقَ عندهم آذاناً
صاغية، فأهل كريت كما قال أحد شعرائهم القدماء وهو ابيمنيدس الكنوسي (القرن السادس
ق.م.): "دائما كذّابون وحوش رديّة بطون بطّالة".

 

في الإصحاح الثاني يتابع بولس
وصاياه الى الجماعة فيدعو تلميذه تيطس الى أن يتكلم "بما يليق بالتعليم"
وأن يقدم نفسه "قدوة" في كلّ شيء، مما يُلزم أعضاء الكنيسة جميعاً بأن
يتحلّوا بسلوك جديد يتوافق مع مقتضيات دعوتهم ووعيهم لحقائق الإنجيل. ويحضّ الشيوخ
على أن يكونوا "ذوي وقار متعقلين أصحاء في الإيمان والمحبة والصبر"، والعجائز
على السيرة المقدّسة، والحدثات على الإخلاص في المحبة لرجالهن وأولادهن، وعلى
الصلاح والعفّة لكي "لا يجدَّف على كلمة الله"، والأحداث على التعقل،
وينهيهم عن السكر الذي كان يتعاطاه البعض الى أقصى حدّ… ويورد في الإصحاح الأخير
بعض الفرائض العامّة التي يعتبرها ملزِمة، وأوّلها الخضوع "للرئاسات
والسلاطين".

 يختم بولس هذه الرسالة ببعض
التوصيات الأخيرة، فيطلب الى تيطس ان يعلّم مؤمني كنيسة كريت ممارسة الأعمال
الصالحة وتجنّب المباحثات الغبية… والمنازعات الناموسية لأنها "غير نافعة
وباطلة"، ولا ينسى الفقراء والحضّ على محبّتهم حتى لا يكون الإيمان بلا
ثمر" (3: 14).

 رسالة صغيرة نسبيّاً تُظهر
قراءتها بوضوح كليّ مسؤولية الجميع في كنيسة اتّخذها الله باللطف والإحسان، ونقاها
بالنعمة الغنية التي وحدها تمكن الأبرار من أن ينتظروا ميراث الحياة الأبدية برجاء
كبير (3: 4-7).

 

أعمال الأسقف (تيطس
1)

يتحدث الرسول بولس عن نفسه في
هذه الرسالة أولاً كعبد لله وثانياً كرسول للرب يسوع المسيح. فالرسول بولس يحب أن
يدعوا نفسه عبداً للمسيح، فرغم أن الله أعطاه الحرية الحقيقية الكاملة إلا أنه
يتمتع بكونه عبداً للمسيح واهب هذه الحرية. فمن المزعج أن تكون عبداً لسيد قاس
يسعى لإذلالك وتقييدك. ولكن المتعة كل المتعة أن تكون عبداً بإرادتك لذاك الذي رفض
أن يلقبنا عبيد بل أبناء أحباء. هي عبودية الحب الجميل لا القسوة المذلة.

هو رسول (1 : 1) ليس كامتياز
يجعله يتكبر على الآخرين أو يهملهم بل من أجل أن يضم مختاري الله إلى الإيمان
ويعرفهم الحق الذي هو حسب التقوى.

ونرى الرسول وهو يركز عينيه
على رجاء الحياة الأبدية، فقد كان شيخاً في هذه الأيام منتظراً ملاقاة الرب
متطلعاً إلى الحياة الرائعة في السماء "على رجاء الحياة الأبدية التي وعد بها
الله المنزه عن الكذب قبل الأزمنة الأزلية" (1 : 2).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر يشوع بن سيراخ 07

وقد ترك الرسول بولس تلميذه
تيطس في كريت لكي يرتب الأمور الناقصة ويقيم القسوس في وقت كانت كريت فيه بحاجة
إلى عناية شديدة بسبب تدهور أحوالها.

كيف نتصرف في منازلنا؟ أي نوع
من المسيحيين نحن داخل بيوتنا؟ هذا هو اختبار مسيحيتنا الحقيقي، أن نسلك كما يحق
لإنجيل المسيح في بيوتنا أولاً. فالخدمة المسيحية لبيوتنا هي بداية الطريق الحقيقي
نحو خدمة الكنيسة ككل، فحينما يكون البيت مسيحياً حقيقياً يكون مجتمعنا كله
مسيحياً حسب إرادة الله.

ولذا يجب أن يكون الراعي قدوة
طيبة أمام شعبه في رعاية بيته، له زوجة واحدة طوال حياته، ولو انتقلت إلى السماء
لا يسمح له بالزواج بثانية. له أولاد مؤمنين حقاً لا يقدر أحد أن يشتكي على سلوكهم
أو تصرفاتهم. لأنه إن لم يستطع أن يرعى بيته فكيف يرعى كنيسة الله.

يجب أن يكون الراعي مثالاً
أخلاقياً على أعلى مستوى يمتنع عن كل شر وكل رغبة قبيحة وكل سلوك شائن وكل ربح
قبيح. متمتعاً بالفضائل المباركة مضيفاً للغرباء، محباً للخير، متعقلاً، باراً،
ورعاً، ضابطاً لنفسه.

يجب على الراعي أن تكون له
علاقته الحية الدائمة بكلمة الله الصادقة قادراً على الوعظ والتعليم الصحيح. بل
وأن تكون له القدرة على توبيخ الذين يحاولون خداع العقول البسيطة بتعاليم مضللة
بقصد تحقيق المكسب المادي.

وقد اهتم الرسول بذلك نظراً
لتعرض كريت إلى الكثير من المعلمين الكذبة متسببين في خراب البيوت رغبة في الربح
القبيح. هؤلاء الذين يتكلمون بالباطل ويخدعون العقول، ولا سيما الذين من الختان
(اليهود). يحاولون أن يدخلوا خرافات يهودية ووصايا لأناس ليست حسب الحق. ولذا
يدعوهم الرسول "رجسون"، "مرفوضون" (1 : 16). ويخبرهم أنه يجب
عليهم أن يتوقفوا عن تعاليمهم. ويوصي تلميذه أن يداوي أعمالهم بتوبيخ الشعب بصرامة
لكي يكونوا أصحاء في الإيمان (1 : 13).

ليس الإيمان مجرد إدعاء بأننا
نعرف الله ولكن أعمالنا تختلف كثيراً عن هذه المعرفة، نتصرف بطياشة في كثير من
الأحيان وكأن الله لا يرانا. أن نؤمن بالله هو أن نعمل حسب إرادته الصالحة، أن تثق
بوجوده في حياتنا في كل لحظة، أن نتبعه في كل خطواته.

 

أعمال أبناء
الكنيسة (2):

يعلن الرسول بولس أنه من
الضروري أن يظهر الإيمان بالأعمال في حياتنا، فيرسل كلمته إلى الأشياخ والعجائز (2
: 2، 3) موصيا تيطس أن يخبرهم بالأعمال التي يجب أن يتحلوا بها والتي ينبغي أن
يعلموا الحدثات والأحداث بها (2 : 4 – 6). ولا ينسى الرسول أن يذكر العبيد بالصفات
التي يجب أن يتحلوا بها (2: 9، 10).

فينبغي أن يتحلى الأشياخ
بالوعي والوقار والصحة، ليس الصحة الجسدية، ولكن صحة الإيمان والمحبة والصبر.

والعجائز في سيرة مقدسة،
بعيدات عن كلام النميمة الذي لا ينفع، وعن الخمر الذي يفقد العقل والإرادة، ليس ذلك
فقط بل ويكونوا قادرين على تعليم الصغيرات أيضاً لكي يكن زوجات وأمهات صالحات
ويتسبب سلوكهن الحسن في تمجيد الله كشهود للمسيح أمام مجتمع ربما يكون وثنياً لا
يعرف الله.

أما الأحداث فيجب أن يتحلوا
بالتحكم بالنفس، وألا يسيروا وراء اندفاعات الشباب التي تهلك الحياة في كثير من
الأحيان.

والعبيد يكونوا مثالاً جيداً
لسادتهم، ليعرفوا الفرق بين العبد المسيحي وغيره، يطيعونهم ويرضوهم في كل شئ ولا
يخالفون أوامرهم، أن يكونوا أمناء غير مختلسين مبينين تعاليم إلههم في كل شئ.

وفي كل هذا يكون تيطس المعلم
هو المثال والنموذج:" مقدماً نفسك في كل شئ قدوة للأعمال الصالحة ومقدماً في
التعليم نقاوة ووقاراً وإخلاصاً" (2 – 7).

 

المبادئ الثلاثة
الهامة (2 : 12 – 13):

– أن نترك حياتنا القديمة :
منكرين الفجور والشهوات العالمية.

– أن نحيا حياة جديدة: فنعيش
بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر.

– أن ننتظر مجيء الرب الثاني:
منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح.

يسوع المسيح الذي بذل نفسه من
أجل فداءنا من كل إثم، يسوع المسيح الذي يريد أن يطهرنا لنفسه شعباً خاصاً غيوراً
في أعمال حسنة.

هذا هو سلطان الراعي أن يتكلم
ويعظ ويوبخ من أجل أن يصل برعيته إلى هذه الحياة الجديدة والملكوت الأبدي دون أن
يستهن أحد به.

 

المسيحي مواطن صالح
(3):

يستحث الرسول بولس مواطني
ملكوت الله (أبناء الكنيسة المجيدة) أن يكونوا مواطنين صالحين أيضاً في مجتمعاتهم
أياً كان العلم الذي يعيشون تحته. فيجب أن يخضع المسيحي للرياسات والسلاطين مقدمين
لمجتمعاتهم ما يستطيعون من الأعمال الصالحة.

لا تقل أي شئ عن الشخص طالما
أنك لا تستطيع أن تقول عنه كلاماً طيباً، هذه وصية طيبة إذا استطعنا اتباعها أن لا
نطعن في أحد.

يجب أن يكون المسيحي رجل سلام
ومسامحة ووداعة للجميع وليس لفئة معينة من الناس.

يجب أن يتذكر المسيحي في كل
وقت أن حياته هذه بكل ما فيها من بركات وأعمال صالحة إنما هي ثمرة لعمل الرب من
أجله، فلولا عمل الرب لكنا ضائعين في حياة الجسد الفاسدة.

"ولكن حين ظهر لطف
مخلّصنا الله وإحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلّصنا بغسل
الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلّصنا،
حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية" (3 : 4 – 7).

وينهي الرسول رسالته بتحذيره
من المباحثات الغبية وتذكيره بالأعمال الحسنة ويدعوه إلى زيارته ويرسل تحيات
العاملين معه.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي