أرض

Terre

مقدمة

العهد
القديم

أولاً:
سر تكوين الأرض

1.الله
خالق الأرض ومالكها:

2. الإنسان، سيد الأرض:

3.الأرض
ملعونة بسبب الخطيئة:

ثانياً:
شعب الله وأرضه

1. اختبار الآباء:

2. عطية الأرض:

3. درامة إسرائيل في أرضه:

أ)
شريعة الأرض:

ب)
تجربة وخطيئة:

ج)
تحذيرات وعقوبات:

4. مواعيد للمستقبل:

العهد
الجديد

أولاً:
يسوع والأرض

ثانياً:
الشعب الجديد والأرض

ثالثاً:
الأرض في الرجاء المسيحي

 

 

مقدمة

تتوقف
حياة الإنسان كليّاً على الخيرات الكامنة في الأرض وعلى خصب تربتها. فالأرض هي
الإطار الذي أعدته العناية الإلهيّة لحياته: "سماء السماوات للربّ والأرض
جعلها لبني البش" (مزمور 115: 16). ولكن ليست الأرض إطار حياة الإنسان فحسب،
بل هناك بينها وبينه رباط حميم. إن الإنسان ناتج من هذه "آداماه" (تكوين
2: 7، 3: 19، راجع أشعيا 64: 7، إرميا 18: 6) التي يستمدّ منها اسمه: آدم. وقد
أدركت جميع الحضارات القديمة هذا الرباط الصميم بين الأرض والإنسان، إلى حدّ أنها
عبّرت عنه بصورة جدّ واقعية: بصورة الأرض- الأم أو الأرض- الزوجة. وهكذا فعل أيضاً
إسرائيل. واستخدم الله اختبار الإنسان في ارتباطه مع الأرض، داخل اطار العهد، لكي
يجعله يكتشف العلاقات التي يريد أن يقيمها معه من خلالها.

ولذا،
فلا عجب أن نرى الأرض وخيراتها المادية تشغل مكاناً هاماً في الوحي: فهي تشترك مع
الإنسان في كلّ تاريخ الخلاص، منذ البدء وحتّى انتظار الملكوت الآتي.

العهد
القديم

أولاً:
سر تكوين الأرض

1.الله
خالق الأرض ومالكها:

"في البدء" خلق الله السماوات والأرض (تكوين
1: 1). يقدّم الكتاب المقدّس مشهدين متتاليين لهذا التكوين، السابق على ظهور
الإنسان ولكن المعدّ من أجله. فمن جهة، يفصل الله المياه عن اليبس الذي يسميه
"أرضاً"، ثم يملأه من الخلائق (1: 9- 25). ومن جهة أخرى، تظهر الأرض
كصحراء خاوية وجدباء (2: 4- 6)، فيجعل منها الله جنة ليضع فيها الإنسان. على كلّ
حال، فالأرض تخضع كلّية الله، هي ملكه: "للرب الأرض" (مزمور 24: 1، 89: 12،
راجع لاويين 25: 23). ولأن الله خالق الأرض، فله حقّ مطلق علها: هو وحده يتصرّف في
خيراتها (تكوين 2: 16- 17)، يقرّر قوانينها (خروج 23: 10) ويجعلها تثمر (مزمور 65،
104). هو سيّدها (أيّوب 38: 4- 7، اشعيا 40، 12 و21: 26). وهي موطئ قدميه (اشعيا
66: 1، أعمال 7: 49). ومثل كلّ الخليقة، عليها أن تسبّحه بترنيم (مزمور66: 1- 4،
96، 98: 4، دانيال 3: 74) يتّخذ شكله وأسلوبه على لسان الإنسان (مزمور 104
).

2. الإنسان، سيد الأرض:

إذا
كان الله قد أخذ الإنسان من الأرض وأخرجه منها نافخاً فيه نفس الحياة، فهذا ليعهد
إليه بها ويجعله سيّداً عليها. على الإنسان أن يتسلّط على الأرض (تكوين 1: 28- 29).
وهي كجنة جعله الله منظّماً لها (2: 8 و15، سيراخ 17: 1- 4). ومن ذلك، تأتي هذه
العلاقة المتبادلة في التأثير بينهما، تلك العلاقة التي كثيراً ما نلمسها في الكتب
المقدّسة. فمن جهة، يطبع الإنسان بعمله سمته على الأرض، ومن جهة أخرى، تظهر لنا
الأرض بمثابة واقع حيويّ يشكّل نوعاً ما نفسيّة الإنسان.

يقتبس
الإنسان دائماً في تفكيره وكلامه صوراً مستمدة من الأرض: "ازرعوا لكم بالعدل
تحصدوا على حسب الرحمة… لماذا حرثتم النفاق؟" (هوشع 10: 12- 13) وفي مثل
الحارث (اشعيا 28: 23 …)، يوضّح اشعيا، عن طريق قوانين الزراعة، الاختبارات
المؤدية للخصوبة الروحية، بينما يشبّه صاحب المزامير نفسه القلقة بأرض متعطشة إلى
الله (مزمور 63: 2، 143: 6
).

3.الأرض
ملعونة بسبب الخطيئة:

إذا
كان الرابط بين الإنسان والأرض وثيقاً لهذه الدرجة، فمن أين أتت هذه العداوة بين
الإنسان والطبيعة العقوق، التي يختبرها جميع الأجيال بالتوالي؟ لم تعد الأرض بعد
جنّة للإنسان. لقد تدخّلت بينهما محنة غامضة، فأفسدت الخطيئة العلاقات بينهما.

حقّاً
إن الأرض لا تزال مضبوطة بنفس القوانين التي وضعها الله في البداية (تكوين 8: 22)،
ويشهد نظام العالم هذا لحكمة الخالق (رومة 1: 9- 20، أعمال 14: 17). ولكنّ الخطيئة
قد جلبت على الأرض لعنة حقيقيّة، جعلتها تنبت "شوكاً وحسكاً" (تكوين 3: 17-
18). فصارت لذلك مكان الاختبار والمحن، حيث يتألم الإنسان إلى أن يعود أخيراً إلى
الأرض التي أخذ منها (3: 19، حكمة 15: 8). وهكذا، لا يزال التضامن بين الإنسان
والأرض يتأكد في السرَّاء والضرَّاء.

ثانياً:
شعب الله وأرضه

إنّ
الأرض، التي تشترك مع الإنسان في أصولها، سوف تحتفظ بدورها في وحي الكتاب المقدّس:
فتظلّ بطريقتها الخاصّة، في قلب تاريخ الخلاص.

1. اختبار الآباء:

بين
بابل، الأرض الغريبة المهدِّدة التي يختار الله منها إبراهيم (تكوين 11: 31، 12: 1)،
ومصر، أرض التجربة ومكان العبوديّة التي سوف يُخرج الله منها نسله (خروج 13: 9 …)،
سوف يجد الآباء في كنعان وطناً لهم، يظلّ بالنسبة لذريتهم أرض الميعاد، تلك الأرض
التي "تدرّ لبناً وعسلاً" (خروج 3: 8). وفي الواقع، يعد الله إبراهيم
بهذه الأرض (تكوين 12: 7)، فيعبرها آباء إسرائيل على أثر إبراهيم، قبل أن تصبح
ميراثهم (تكوين 17: 8) إذ ليسوا بعدُ إلا غرباء يحلّون فيها بصفة مؤقتة، لا يقودهم
إليها سوى احتياج قطعانهم.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد قديم سفر يشوع بن سيراخ Sirach 06

إلاّ
أنّهم، أكثر من المراعي والآبار، يجد الآباء في هذه الأرض المكان الذي يتجلّى لهم
فيه الله الحيّ. فالبلّوط (تكوين 18)، والآبار (26: 15- 17، راجع 21: 3- 4)،
والمذابح المقامة (12: 7)، هي شهود تحفظ ذكرى هذه التجلّيات. وتحمل بعض هذه
الأمكنة الاسم الإلهي: بيت ايل "بيت الله" (28: 17- 19)، وفنوئيل
"وجه الله" (32: 31). ويحصل إبراهيم على الحيازة القانونية لأول قطعة من
أرض الميعاد هذه بشراء مغارة المكفيلة (23: 9)، وسوف يطلب اسحق ويعقوب ويوسف أن
يدفنوا فيها، معتبرين هكذا كنعان وطناً لهم.

2. عطية الأرض:

لقد
جدّد الله وعده (تكوين 26: 3، 35: 12، خروج 6: 4)، ممّا قد ثبّت في قلب
العبرانييّن رجاءهم في الأرض التي سوف يستقرّون فيها. سيخرجهم الله من مصر، أرض
الغربة (راجع تكوين 46: 3)، ولكن، حتّى يصلوا إلى أرض الميعاد لابدّ لهم من أن
يتجرّدوا التجرد التام ومن أن يمرّوا "بالخلاء المستوحش" (تثنية 37: 10).
"إن إسرائيل قد اصطفاه الله من بين جميع الأمم التي على وجه الأرض"
(تثنية 7: 6)، فلا يجوز له أن يمتلك إلاّ الله. وبعد تطهيره، يمكنه بقيادة يشوع،
أن يغزو كنعان "المكان الذي لا عوز فيه لشيء ممّا في الأرض" (قضاة 18: 10
).

ويتدخل
الله في غزو هذه الأرض، إلى حدّ أنه يمكن القول إنّ إسرائيل قد أحرزها "بدون
تعب" منه (يشوع 24: 13). هو الله الذي يعطي شعبه هذه الأرض (مزمور 135: 12).
فهي عطية مجّانية، ونعمة أسوة بالعهد الذي تنبع منه (تكوين 17: 8، 35: 12، خروج 6:
4 و8). وذلك يملأ إسرائيل حماساً، لأن الله لم يخيّب آماله: "إن الأرض أرض
جيّدة جدّاً جدّاً" (عدد 14: 7، قضاة 18: 9)، تتعارض كلّ التعارض مع الصحراء
الجافّة القديمة التنوع: إنها الجنّة الأرضية المستعادة.

ولذا،
فقد تعلّق الشعب فوراً "بهذه الأرض الصالحة، أرض ذات أنهار ماء وعيون… أرض
حنطة وشعير وكرم وتين ورمّان، أرض زيت وعسل، أرض لا تأكل فيها خبزك بتقتي"
(تثنية 8: 7- 9). فهي الأرض التي أعطاها الله لشعب إسرائيل كميراث (تثنية 15: 4)،
هذا الإله الذي لا يريد الشعب أن يعبد غيره (يشوع 24: 16- 18
).

وتصير
هذه الأرض وخيراتها ذكرى دائمة لمحبّة الله وأمانته لعهده. من يحوز الأرض يحوز
الله: لأنّ الله ليس إله الصحراء فحسب، بل قد أصبحت أرض كنعان مقامه. كلّما مرّت
الأجيال، رسخ في ذهن إسرائيل رباط الله بأرضه، حتّى إنّ داود يرى من المحال أن
يكون الله معبوداً في الغربة. فإنما الغربة هي أرض آلهة أخرى (1 صموئيل 26: 19)،
وإنّ نعمان ليحمل إلى دمشق حفنة من تراب أرض إسرائيل حتّى يمكنه أن يتعبّد في دمشق
لله (2 ملوك 5: 17
).

3. درامة إسرائيل في أرضه:

أ)
شريعة الأرض:

أعطى
الله الأرض لإسرائيل "ملكاً" له (تثنية 12: 1، 19: 14)، ملكاً يحقق له
السعادة، ولكن، ليس بدون جهد من جهته: فالعمل شريعة مفروضة على من يريد الحصول على
البركات الإلهيّة. ولا تتساهل الكتب المقدّسة إزاء الكسالى الذين "يغطّون
أثناء الحصاد" (أمثال 10: 5، 12: 11، 24: 30- 34). إن إسرائيل، المؤتمن من
الله على زراعة الأرض يبقى فيها غريباً وضيفاً (لاويّين 25: 23، مزمور 119: 19)،
وعليه أن يقوم بالتزامات مختلفة.

ففي
أوّل الأمر، لابدّ له من أن يقدّم لله تسبيحه وشكره، ويظهر له خضوعه. هذا هو معنى
الأعياد الزراعيّة (خروج 12: 14…) التي تشرك حياة إسرائيل التعبّدية بالمدار
السنوي نفسه: أعياد الفطير والبواكير وجمع الحصاد. فضلاً عن ذلك، فإنّ التصرّف في
ثمار الأرض يخضع لأحكام واضحة: فما فضل من الحصاد فهو نصيب المسكين والغريب (تثنية
14: 29، 24: 19- 21). وحتّى لا يستنزف الشعب موارد الأرض، لابدّ من إراحة الأرض
وتركها في السنة السابعة (خروج 23: 11). وتأخذ شريعة الأرض طابعاً دينياً
واجتماعياً معاً يظهر سلطان الله على الأرض التي هي ملكه
بلا نزاع. ومراعاة هذه
الأحكام تميّز إسرائيل عن المزارعين الوثنييّن الذين يحيطون به.

ب)
تجربة وخطيئة:

وهنا
سوف يصطدم إسرائيل بالاختبار والتجربة. إنه ربط بأرضه نشاطه وحياته: وحياته تستقر
حول حقله وبيته وامرأته (تثنية 20: 5- 7). وإذ أصبح حضرياً ومالك أرض، فإنه يميل
تلقائياً إلى تصور الله بموجب أبعاد حقله وكرمه. ويقوم إسرائيل باختبار الأرض،
الأم والأرض، الزوجة، بالمعنى الوثني الجاري في تلك العصور. ففي الوقت الذي يقتبس
فيه من الكنعانييّن أساليب الزراعة، يميل إلى تبنّي أخلاقهم الدينيّة، والوثنيّة
والماديّة، إلى حدّ أن الله يصبح غالباً ما بالنسبة إليه بعلاً (سيّد الأرض) حارس
الخصوبة وضامنها (قضاة 2: 11
).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير خادم المسيح 14

نفهم
من ذلك رد الفعل العنيف لجدعون (6: 25- 32) وللأنبياء من بعده، عندما يندّدون
"بالذين يصلون بيتاً ببيت ويقرنون حقلاً بحقل" (أشعيا 5: 8). فهم
يحذّرون من أخطار الاستيطان والتملّك حيث يرون مصدراً للاختلاس (راجع 1 ملوك 21: 3-
19) والاغتصاب (ميخا 2: 2) وأنواع الإجحاف، والفوارق بين طبقات الشعب، والإثراء
الداعي إلى الكبرياء والحسد (راجع أيّوب 24: 2- 12
).

كيف
يستطيع الله القدّوس أن يحتمل هذا؟ فمن الواضح أنّ إسرائيل، لم يرَ في أرضه علامةَ
جودة الله، فيرفع قلبه إليه تعالى، ولم يجد فيها فرصة حوار مع الله، بل تعلّق
بالأرض بطريقة أنانيّة مثل جميع أعضاء البشريّة الخاطئة، وتبرز هذه الدعوة للحوار
في الصورة المعبّرة التي استعملها الأنبياء، ليست صورة الأرض المرأة بل صورة
الأرض- الزوجة (هوشع 2: 5، اشعيا 45: 8، 62: 4، راجع نشيد 4: 12، 5: 1، 6: 2 و11).
وتشير الأرض في هذه الحالة إلى البشر، لأنّه إذا كان الله زوجها، فليس هذا بالنظر
إلى الأرض، ولكن بالنظر إلى البشر (راجع 2 مكابيّين 5: 19
).

ج)
تحذيرات وعقوبات:

ولكنَّ
إسرائيل لم يفهم بعد هذا كله. ولذا، إزاء هذه الأوضاع، تعقب تحذيرات الأنبياء
الصيحات المتوجّعة الواردة في كتاب التثنية: "احذر أن تنسى الربّ إلهك"!
(تثنية 6: 13، 8: 11، 11: 16). فالواقع أنّ الشعب الذي حظي بهذه المدن العظيمة (6:
10- 11)، قد نسي من أين أتته هذه البركة: "ذلك لأن يهوه أحبّ آباءك… أدخلك
هذه الأرض" (4: 37- 38، 31: 20
).

كانت
هذه المسيرة الطويلة عبر البلدان الغريبة كفيلة بأن تجعل إسرائيل يفهم أن الأرض
هبةٌ من الله ويختبر محبته تعالى؟ "اذكر جميع الطرق التي سيّرك فيها الرب
إلهك في البرية هذه الأربعين سنة ليذلّك… ويعلم ما في قلبك" (8: 2). يفرض حق
الرب على الأرض مطالب متشدّدة: فلابدّ من أن يبقى الإنسان متواضعاً وأميناً،
ومطيعاً (5: 32 إلى 6: 25). وإذا تصرّف هكذا فسوف ينال البركات: "يبارك ثمر
أرضك وقطعان غنمك" (28: 4 …)، لأنها "أرض يتعهّدها الربّ… وعينا الربّ
إلهك عليها دائماً من أول السنة إلى آخرها" (11: 12
).

وبالعكس،
تحلّ اللعنة على إسرائيل إذا انحرف (تثنية 28: 33، هوشع 4: 3، ارميا 4: 23- 28).
فهو مهدّد بأعظم عقاب ألا وهو فقدان الأرض: "تُستأصلون من على الأرض التي
أنتم صائرون إليها" (تثنية 28: 63). ويوضّح الأنبياء بقوّة هذا التهديد
(عاموس 5: 27، هوشع 11: 5، ارميا 16: 18) الذي يتحقّق أخيراً كعقاب إلهي قاس في
وسط ضيقات الحرب والسبي.

4. مواعيد للمستقبل:

ولكن،
مهما كان العقاب جذرياً، فلا ينظر إليه الأنبياء، كعقاب مطلق ونهائي. بل سوف يكون
محنة مطهّرة مثلما كانت محنة البرية في الماضي. يبقى في الأفق رجاء يتحلّى موضوعه
بجميع سمات الاختبار السابق، وتلعب الأرض في هذا الرجاء دوراً أساسياً. هذه الأرض هي
أولاً أرض إسرائيل، حيث يعيد الله ثانية الشعب الجديد. وبعدما تتطهر وتتقدس تماماً
(حزقيال 47: 13 إلى 48: 35، زكريّا 14)، ستسمّى هذه "الأرض المقدسة"
(زكريا 2: 16، 2 مكابيين 1: 7، حكمة 12: 3)، عروس الرب، مثل أورشليم عاصمتها
(إشعيا 62: 4
).

ولكن
بجانب الأرض المقدسة، ستشترك الأرض كلها معها في الخلاص، باتخاذها أورشليم مركزاً
دينياً لها (اشعيا 2: 2- 4، 66: 18- 21، مزمور 47: 8- 10)، سوف تصبح الأرض،
"أرض ملذّات" (ملاخي 2: 12) لبشريّة جديدة، حيث تنضمّ الأمم إلى إسرائيل
لاستعادة الوحدة الأولى. وأفضل من ذلك، لن نجد تصويراً مناسباً لهذه الأرض
المتجدّدة إلاّ في رواية أصل العالم. إذ إِن "السماوات الجديدة والأرض
الجديدة" التي يخلقها الله حينذاك (اشعيا 65: 17) تعطي لمقرّ البشر سمات
الجنة الأولى، بما كان له من خصب وأوضاع حياة عجيبة (عاموس 9: 13، هوشع 2: 23- 24،
اشعيا 11: 6- 9، ارميا 23: 3، حزقيال 47: 1- 2، يوئيل 4: 18، زكريّا 14: 6- 11
).

ومن
وجهة النظر هذه، تأخذ ملكيّة الأرض معنى اسكاتولوجياً. والذي يبرز هذا المعنى أكثر
فأكثر هو الانتقال من الوضع الجماعي إلى الوضع الفردي، الذي بدأ اشعيا بالكلام عنه
(57: 13، 60: 21)، وتتوسّع فيه "الحكماء": "فالأرض" تشير في
الوقت نفسه إلى الأرض التي وعد بها الله إبراهيم وذريّته، وإلى حقيقة أخرى أسمى من
الأولى، وإن كانت غير موضحة بعد. هذا هو نصيب الإنسان البارّ الذي يضع كل إيمانه
في الله (مزمور 25: 13، 37: 3…). وهكذا نرى إسرائيل يرتفع من الاهتمامات الأرضية
إلى تطلّعات أكثر روحانية فينضج بالكفاية لتقبّل رسالة يسوع: "طوبى للودعاء،
فإنّهم يرثون الأرض" (متّى 5: 4
).

العهد
الجديد

أولاً:
يسوع والأرض

يتمتع
يسوع مع الله بالسيادة المطلقة على الأرض (كولسي 1: 15- 16، أفسس 4: 10)، "به
كان كلّ شيء وبغيره لم يكن شيء" (يوحنّا 1: 3). وقد "أولي كلّ سلطان في
السماء والأرض" (متّى 28: 18). ولكن، بصفته إنساناً بين الناس، فهو مرتبط
بالأرض بكلّ كيانه.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ج جبهة ة

1. أتى يسوع ليعلن للبشر رسالة خلاص شامل، ولكنّه
يعلنها بأسلوب مميّز لبلاد خاصة وحضارة معيّنة. إن مشاهد فلسطين وعاداتها قد كيّفت
بنوع ما مخيّلة مبدعها. ولذا، فهو يلجأ غالباً في أمثاله إلى صور مقتبسة منها: صورة
الزارع والحصاد، صورة الكرمة والتينة، صورة الزؤان وحبّة الخردل، صورة الراعي
والنعاج، وصورة الصيد الذي يمارسه الصيّادون في البحيرة … وذلك فضلاً عن التعاليم
التي يلقيها بمناسبة مناظر الحياة: "انظروا إلى طير السماء… إلى الزنبق"
(متّى 6: 26- 28)، إلى السنابل المقطوفة (متّى 12: 1- 8)، إلى التينة اليابسة
(متّى 21: 29
).

2. ولكن، بتجاوز هذه الصور، يقدّم يسوع تعليماً عن
موقف الإنسان إزاء الحقائق الأرضية. وها هي شهوة التملّك تصبح عنده توقاً إلى
امتلاك الخيرات الروحيّة (متّى 5: 4)، ويستبدل ملكوت السماوات بملكوت الأرض (متّى
5: 3) الذي كان يرمز إليه مسبّقاً. فمن الآن وصاعداً، يتوجب على الإنسان أن يفضّل
المسيح والإنجيل على حقوله (مرقس 10: 29- 30). وهكذا قد تجاوزنا نهائياً الطابع
المادي لمواعيد الأنبياء. وهذا لا يعني ادانة أمور هذه الأرض التي نعيش فيها, ولكن
ترجع إلى مكانها الصحيح، وهو الثانوي بالنسبة إلى انتظار الملكوت (متّى 6: 33
).

وإن
سارت الأمور على هذا المنوال، يستقرّ كل شيء في النظام، وتتمّ مشيئة الله
"كما في السماء كذلك على الأرض" (متّى 6: 10). بهذه الطريقة التي تبدو
متناقضة، يعيد يسوع إلى أرض البشر قيمتها المقدّسة، هذه الأرض التي هي صنع يديه
وعلامة حضوره ومحبتّه. وإن كان البشر قد استخدموها وسوف يستخدموها ليعرضوا عن الله،
و"يدفنوا فيها وزنتهم" (متّى 25: 18)، فالمسيح يتولاّها بمحبّة (راجع
كولسي 1: 20)، ويجعلها جديرة بأن تحمل سرّه: فيبلغ به الأمر إلى أن يأخذ ثمرة
الأرض خبزاً (مزمور 104: 14) ليترك لنا حضوره بالجسد تحت علامة محسوسة.

3. جاء إلى الأرض ليلقي ناراً (لوقا 12: 49). وحتّى
يشعلها، اتخذ تلاميذه الأول من بين سكان أرض الجليل وعبر الأردن، وجعل منهم
"ملح الأرض" (متّى 5: 13). وهكذا ينغرس الإنجيل راسخاً في ركن خاص من
أركان عالمنا، في صلب هذه الأرض المقدّسة التي سبق الله وأعطاها لإسرائيل. وفي هذا
المكان أيضاً، في أورشليم، العاصمة، ينصب صليبه ليشعل به الأرض كلّها: حينئذ،
"إذا رفعت من هذه الأرض، جذبت إليّ الناس أجمعين" (يوحنا 12: 32). وهكذا
ستظلّ الأرض المقدّسة، المركز الجغرافي الذي ينطلق منه الخلاص ليصل إلى البشريّة
جمعاء.

ثانياً:
الشعب الجديد والأرض

1. من الآن فصاعداً، قد أعيد قصد الخلاص الشامل
الذي خطّه الله في البدء. سوف ينتشر الإنجيل من أرض إسرائيل إلى العالم أجمع، بحسب
المنهاج الذي أشار به يسوع: "تكونون لي شهوداً في أورشليم واليهودية كلها
والسامرة، حتى أقاصي الأرض" (أعمال 1: 8، راجع متّى 28: 16- 18
).

2. وبهذا، يحقق يسوع العبور، ليس فقط من أرض
إسرائيل المحصورة في حيّز محدود إلى كلّ العالم، ولكن أيضاً من الأرض المادية إلى
ما كانت ترمز إليه، أي إلى الكنيسة وملكوت السماء. قد سبق وآمن شعب العهد القديم
بالمواعيد لامتلاك أرض الراحة، إلا أنه لم يكن الامتلاك هذا إلا رمزاً للخلاص
الآتي. ونحن الآن بالإيمان ندخل أرض الراحة (عبرانيين 4: 9)، هذا المقر السماوي
حيث يقيم يسوع منذ قيامته والذي نتذوّق عربونه مسبقاً في كنيسته.

3. وفي هذه النظرة الجديدة، نكتشف المعنى الذي
يتعلّق منذ الآن بالعمل البشري وبالخدمة الطقسيّة الدينية. فعلى أثر يسوع قد دخل الشعب
الجديد منذ الآن بالرجاء في أرض الراحة التي خصّه الله بها من قبل. وهذا أمر من
شأنه أن يحدث تحويلاً شاملاً في نشاطه وحياته. إذ لا يزال مطلوباً منه أن
"يخضع الأرض"، ويظل عرضة للانغماس في السعادة التي توفّرها له الأرض
(لوقا 12: 16- 34). لكنه الآن وقد شخص بصره إلى المسيح الذي صعد إلى السماء، فعليه
أن "يرغب في الأمور التي في العلى، لا في الأمور التي في الأرض" (كولسي
3: 2)، وذلك لا عن احتقار، ولكن "ليستفيد من هذا العالم وكأنه
لا
يستفيد" (1 كورنتس 7: 31
).

إن
المؤمن بتعلقه بالسماء لا يتنكّر للأرض، ولكنه يبلغ بها إلى هدفها ويعطيها معناها
الحقيقي. فهو بصلاته الطقسية، يمنح صوتاً للأرض وكل ما فيها، وكل ما تنتجه بفضل
العمل البشري. بهذه الطريقة، يرفع الإنسان نوعاً ما الأرض ويعلو بها نحو الله. لأن
الشعب الجديد لم يفقد جذوره الأرضية، بل بالعكس هو "يملك على الأرض"
(رؤيا 5: 10)، وطالما هو يقوم بمسيرته على هذه الأرض، فلا يمكنه أن يصمّ آذانه عن
"أنين" الخليقة الماديّة التي تنتظر هي أيضاً الخلاص (رومة 8: 22
).

ثالثاً:
الأرض في الرجاء المسيحي

إن
الأرض تشترك بالواقع في تاريخ الشعب الجديد، مثلما اشتركت من قبل في درامة البشرية
الخاطئة. فهي "تنتظر… تجلّي أبناء الله… ولن نقطع الرجاء لأَنها هي أيضاً
ستعتق من عبوديّة الفساد لتشارك أبناء الله حريتهم ومجدهم" (رومة 8: 19- 21).
ولما كانت متضامنة مع الإنسان منذ البدء، فهي تظلّ مرتبطة به إلى النهاية. فهي
مثله يشملها الفداء، ولو بطريقة سرية، لأن الأرض، في حالتها الراهنة،
"تزول" (متى 24: 35). "وسوف تحترق بما فيها من الأشياء
المصنوعة" (2 بطرس 3: 10). ولكنّ لا يتمّ ذلك حتّى تحلّ محلها "أرض
جديدة" (رؤيا 21: 1) "يقيم فيها البر" (2 بطرس 3: 13)، ننتظرها
بموجب الوعد الإلهي.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي