أرمينية

 

1- جغرافيتها: هي أرض أراراط ومعناها بالسومرية
" منطقة الجبال العالية " وتسمي في الأشورية
" أورطو
" أو
"
أورارطو
" "
وأوراستو " وتسمى في الهيروغليفية أرمينيين (أو أرض منى)، وفي
اليونانية " أرمينية " . وقد أطلق " هبكاتوس الميليتي " (حوالي
250 ق . م) على شعبها اسم
" الأرمينيين " . وتسمي في الكتاب
المقدس " أرض أراراط " (تك 8: 4، 2 مل 19: 37، إش 37: 38، إرميا 51: 27)
. وكانت أرمينية الكبرى يحدها من الشمال نهر " كور " (كورش) وجبال إبريا
وكولكيس وموسكيسى، ويحدها من الغرب أسيا الصغرى ونهر الفرات، ومن الجنوب بلاد
النهرين وأشور، ومن الشرق بحر قزوين وميديا (أما أرمينية الصغرى فتقع بين نهري
الفرات والهالز) . وكان اسم أراراط يطلق أصلاً على المنطقة الوسطى
.

 

ومعظم
أرمينية هضبة يتراوح ارتفاعها ما بين 8.000
 ، 3.000
قدم فوق سطح البحر، وتنحدر نحو الفرات وكورش وبحر قزوين . ويبلغ
ارتفاع جبل ماسيز (ويطلق عليه غالباً اسم أراراط الأعظم) 16.969 قدما، أما أراراط الأصغر
فيبلغ ارتفاعه 12.840 قدماً، وكلاهما من أصل بركاني، وكذلك جبل أراجدس (الأجوز)
الذي يبلغ ارتفاعه 13.436 قدماً، كما أن الينابيع الكبريتية والزلازل خير شاهد على
ذلك النشاط البركاني . أما أكبر الأنهار فهي الفرات والدجلة وأراس (أو أراكس)،
ويشتهر النهر الأخير بشدة انحداره وفيضاناته الجامحة، ويتصل أخيراً بنهر كورش
ليصبا في بحر قزوين . وبحيرات فان وأورمية وسيفان هي في حقيقتها بحار داخلية .
ويخترق الكثير من سلاسل الجبال والسيول الجارفة والنهيرات المتسعة هذا الإقليم مما
يجعل الانتقال بين أطرافه أصعب من الوصول إليها من البلاد المجاورة . ومن هنا كان
من العسير توحيد أجزائها، ومن السهل غزوها . وكان لهذا تأثيره المؤلم على تاريخ
أرمينية . وقد ذكر زينوفون أن شعبها يعيش في بيوت تكاد تختفي تحت سطح الأرض،
ومازال بعض ذلك موجوداً حتى اليوم . وكان يحكم كل قرية زعيمها حسب العادات القديمة
. كما أن زينوفون يجيد وصف قسوة الشتاء القارس، أما في الصيف فالجو في بعض الأجزاء
شبيه بجو إيطاليا أو أسبانيا . وجزء كبير من أرمينية شديد الخصوبة، وتربي فيها
قطعان كبيرة من الماشية والخيل، كما تنمو الحبوب والزيتون والفاكهة بوفرة، كما
أنها غنية بمعادنها ويغلب أنها موطن الورود والكروم
.

 

 

2- تاريخها القديم:

 

1- الأرمينيون التورانيون: تذكر هذه البلاد لأول
مرة في الكتاب المقدس في سفر التكوين (8: 4) فعلي أحد جبالها " أراراط "
استقر فلك نوح، وثم ذكرها سرجون الأول ملك " أكد " حوالي 3800 ق.م. بين
البلاد التي فتحها . وفي الأساطير البابلية القديمة تبدو أرمينية كبلاد بعيدة
مجهولة في الشمال، تغطيها الجبال العالية والغابات الكثيفة، وفيها المدخل إلى
العالم السفلي (كانت تسمى البلاد التي لا عودة منها)، وعلى حدودها يرتفع جبل
" نيزير " الذي تقطنه الآلهة والذي عليه استقرت سفينة " ست –
نابستيم "، " وجبل العالم " هذا هو جبل " جودي " جنوبي
بحيرة " فان " . ثم جاء العصر الفرعوني، وبعد أن انتصر تحتمس الثالث في
السنة الثالثة والعشرين من ملكه (حوالي 1458 ق. م) على بلاد النهرين وليديا، قدم
له رؤساء أرمينيون وغيرهم فروض الطاعة
.

 

ومما
يستلفت النظر أن يذكر منذ هذا التاريخ المبكر، اسمها الذي مازالت تعرف به . ويذكر
تحتمس الثالث أن شعب " أرمنين " دفع له الجزية عندما كان يقيم في نينوى،
ويقول إنه في بلادهم " تستقر السماء على أعمدتها الأربعة " . وفي بهو
سيتي الأول في معبد الكرنك، نرى رجالاً أرمينيين يقطعون الأشجار ليفتحوا طريقاً
وسط غاباتهم أمام جيوش ذلك الملك . والأرجح أن رمسيس الثاني في حربه ضد "
خيتاشيرى " ملك الحثيين، قد غزا أرمينية . ويذكر رمسيس الثالث عدداً كبيراً
من البلاد التي فتحها والمنقوشة أسماؤها على جدران مدينة هابو، والمعتقد أنها كانت
في أرمينية . كما غزا الملك الأشورى " يورسبال – أشور " (حوالي 1190 –
1170 ق . م) أرمينية ويضف المنطقة الوسطى (أورارطو الأصلية بالقرب من بحيرة فان)
بأنها بلاد " ألمانا " (مني المذكورة في إرميا 51: 27) " ونهري
" (أي الأنهار) وأشكوزا (أشكناز) الخ . ثم غزاها أيضاً " تغلث فلاسر
الأول " (حوالي
1110
– 1090
ق . م) .
وفي 883 ق . م . زحف " أشور ناصر بال " إلى أورارطو، ثم
يذكر أن الأرمينيين كانوا يقدمون له في الجزية المركبات والخيل والبغال والفضة
والذهب والأطباق النحاسية والثيران والغنم والخمر والثياب المبرقشة والأنسجة
الكتانية . وكم من مرة ذهب إليها بالنار والسيف، ولكنها كانت تعود كل مرة إلى
العصيان . واستمرت الحرب سجالاً في أيام شلمناصر الثاني (860 – 825 ق.م) وعلى
امتداد قرون بعده، فقد اتحد الأرمينيون وأسسوا مملكة قوية (بزعامة " البيناش
" حول بحيرة فان) فاستطاعوا المقاومة
. وفي سنة 606 ق . م . كان لهم
دور في تدمير نينوى، ثم في تدمير بابل فيما بعد . ويصف شلمناصر الثاني القوارب
المجدولة من الأغصان الطرية والتي تمخر عباب بحيرة فان . والصفائح البرونزية التي
اكتشفت في " بالاوات " تصور الأرمينيين في ثياب شبيهة بثياب الحثيين (الذين
خضعوا لهم في بعض الأحيان) في أردية قصيرة مشدودة عند الخصر، وأحذية للجليد محددة
ومرفوعة في مقدمتها، كما يلبسون خوذات وسيوفا وحراباً وتروساً مستديرة صغيرة .
ويقول سايك إن وجوههم شبيهة بالوجوه الزنجية، ومن المحتمل أنهم كانوا منغوليين
.

 

ومؤسس
مملكة البيناش هو " ساردوريش الأول " حوالي 840 ق . م . وشيد عاصمته
توشباش (وهي فان حالياً)، وقد حكم معظم أرمينية ودافع عنها ضد الأشوريين، ويبدو
أنه سدد ضربة قوية لشلمناصر الثاني في سنة 833 ق . م وأدخل الحروف المسمارية،
واستخدم اللغة الأشورية في كتاباته الأثرية . وقد أدخل ابنه " ايشبوينش
" الأبجدية المقطعية الأشورية، وهي تشبه الجورجانية من بعض الوجوه . وجاء
بعده الملك منواش وترك كتابات أثريه في كل نواحي أرمينية تقريباً، ذكر فيها
انتصاراته على الحثيين وغيرهم
.

 

وقد
بلغت مملكة البيناش أوج مجدها في عهد الملك
" ارجشتيش
الأول " الذي نجح في صد هجمات شلمناصر الثالث (783 – 772 ق.م) على بلاده،
ولكن في عهد ابنه سحق تغلث فلاسر الرابع (748 – 727 ق . م) الأرمينيين في معركة
فاصلة بالقرب من " كوما جين " في 743 ق . م . وقد فشل " فول "
في الاستيلاء على فان في 737 ق . م، ولكنه خرب البلاد طولاً وعرضاً . وبدأ "
روساشن الأول " على رأس الاتحاد الأرميني صراعاً عنيفاً في 716 ق.م مع سرجون (722
– 705 ق . م) الذي استطاع في 716 ق . م أن يستولي على فان ويأسر عائلة روساشن الذي
ظل هارباً شريداً خمسة أشهر، انتحر في نهايتها، ولكن أخاه ارجشتيش الثاني استطاع –
إلى حد ما – أن يستعيد استقلال بلاده . وقد آوى خليفته أريميناش أدرملك وشرآصر
ابني سنحاريب عندما هربا إليه بعد أن قتلا أباهما سنحاريب (680 ق . م
– 2 مل 19: 37، إش 37: 38)،
وعندما حاولا غزو أشور في نفس السنة، هزمهم آسرحدون الأول هزيمة نكراء . وقد خرب
الكيمرانيون
(679
– 677
ق . م) أرمينية من نهر كورش إلى جنوبي بحيرة فان، وقد خضع روساشن
الثاني (حوالي 660 – 645 ق . م) وابنه اندوريش الثالث (حوالي 640 ق . م)
. أو بعدها بقليل) لأشور
بانيبال (668 – 626 ق . م)
. وافتخر نبوخذ نصر (604 – 561 ق . م) بأنه قد وصل
إلى فان في فتوحاته، مع أنه يبدو أن الأرمينيين كان لهم يد في تخريب نينوى في 606
ق . م . ويذكر النبي إرميا (51: 27) ممالك أراراط ومني وأشكناز (حوالي 595 ق . م)
وأنها ستعاون في القضاء على بابل (في 528 ق . م) إذ يبدو أن كورش كان قد أخضعهم أو
ضمهم إلى جانبه بعد إستيلائه على إكبتانا (أحمثا، في 549 ق . م) . ثم حل
الأرمينيون الآريون شيئاً فشيئاً محل التورانيين
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ب بعليا داع ع

 

ديانتهم:
كان الإله الأعلى للأرمينيين التورانيين هو " هالدش " الذي كان أباً
لسائر الآلهة، وكانوا يطلقون على أنفسهم: " أبناء هالدش العظيم " فقد
كان هو " وتشباش " إله الجو، " وأردينيش " إله الشمس، يكونون
" مجمع الآلهة العظام " كما تذكر أسماء " أيوش " إله الماء و
" أياش " إله الأرض، و " شلاردش " إله القمر، " ساردش
" إله السنة، واثنين وأربعين إلهاً آخرين . وكانت " سارى " هي
الآلهة الانثي (بالمقابلة مع إشتار) كما كانت العبادة تقدم لأرواح الموتى
.

 

2- الأرمينيون الأريون: إن أسلاف الأرمينيين
الحاليين (الذين يسمون أنفسهم " الهايك " أو " السادة ")
لعلهم استقروا في تلك البلاد في القرن الثامن قبل الميلاد، إذيذكر سرجون ملكاً على
جزء من أرمينية كان له اسم آري: " بجاداتي " (ثيودور) وقد جاءوا من
فريجية (كما يقول هيرودوت)، وكانوا يرتدون الملابس والأسلحة الفريجية، ويتحدثون
باللغة الفريجية . ويطلق عليهم في الكتاب المقدس اسم: " بيت توجرمة " (تك
10: 3، 1 أخ 1: 6، حز
27: 14، 38:
6)
وأشكناز (تك 10: 3، 1 أخ 1: 6، إرميا 51: 27 – وهم الأشكوزا في
الأشورية)

وهكذا يسميهم أيضاً مؤرخوهم في العصور المتأخرة . ويذكر زينوفون أن
الميديين قد فتحوا أرمينية . كما يذكر استرابو أنهم يرتدون الثياب الميدية، ومع
ذلك فإن فتيات أرمينية لم يستطيعوا فهم مترجم زينوفون الفارسي . وثلاثة من الأربعة
الأرمينيين الذين ذكرهم داريوس لهم أسماء آرية . وقد انضم الأرمينيون إلى القائد
الميدي " فرافارتش " في عصيانه ضد داريوس الأول
(519 ق . م) .
وقد استمرت الحرب في أرمينية حتى سلمت في النهاية (517 ق . م) وأصبحت تكوّن
الولاية الثالثة عشرة في مملكة داريوس . ثم انقسمت بعد ذلك إلى ولايتين (هما
أرمينية الكبرى وأرمينية الصغرى) . وكان الحكم في أرمينية وراثياً في أسرة "
ويدارنا " (أو هيدارنس) لمعاونتهم في القضاء على فرافارتش . وقد وصف زينوفون
البلاد وسكانها وقسوة الشتاء فيها . ويروي هيرودوت أن الأرمينيين كانوا ينقلون الخمر
وغيره في زقاق من الجلد على قوارب مصنوعة من الأغصان المجدولة، إلى بابل . ويقول
زينوفون إنهم والكلدانيين كانوا يتجرون مع الهند . كما يذكر استرابو قوافلهم التي
كانت تخترق أواسط أسيا، وكان على والي فان (مرزبان أرمينية) أن يقدم سنوياً 20.000
من الخيول الصغيرة لملك فارس في العيد الكبير للإله ميثرا . كما خدم عدد كبير من
الجنود الأرمينيين في جيش جزركسيس عند غزوه لبلاد اليونان، واشترك منهم 40.000 من
المشاة، و 7.000 من الفرسان في معركة " أربلا " (331 ق . م)، وقد أصبحت
أرمينية جزءاً من إمبراطورية الإسكندر الأكبر، ثم جزءاً من دولة السلوقيين (301 ق .
م) تحت حكم مرزبان أرميني اسمه " أرتواسدس "، ثم ثارت أرمينية بعد
انهزام أنطيوكس في مغنيسيا (190 ق . م) وشجع الرومان الواليين على إعلان نفسيهما
ملكين، وقد استخدم " أرتكسياس " ملك أرمينية الكبرى، ما قدمه له هانيبال
من معونة في تحصين عاصمته أرتكستا (189 ق . م) . ولكن انطيوكس أبيفانس خلع
ارتكسياس في 165 ق . م، ولكنه أعاده للملك بعد أن أقسم يمين الولاء له، وقد أعقب
ذلك اضطرابات مدنية، فقد استدعى النبلاء البارثيين في عهد الملك " ميثريديتس
الأول " (150 ق . م) الذي صار سيداً لكل الإمبراطورية الفارسية، فعين أخاه
" فالارسيس " ملكاً على أرمينية، وبذلك بدأ حكم الأسرة الأرساسية، الذي
استمر حتى سقوط الامبراطورية البارثية (226 بعد الميلاد) . وكان ملوك أرمينية
يعتبرون الملوك البارثيين سادتهم . وأعظم ملوك أرمينية كان الملك " تجرانس
الأول " (96 – 55 ق . م) فقد كان جندياً بارعاً استطاع أن يستعيد لأرمينية
مكانتها السابقة في أسيا، وقد أذل البارثيين، وانضم إلى ميثريديتس السادس في حربه
ضد الرومان، وحكم سوريا لأكثر من أربع عشرة سنة، وبنى عاصمة له " تجرانوكرتا
" بالقرب من ماردين، واتخذ له اللقب الأشوري الفارسي " ملك الملوك
"، وقد هزم " لوكولوس
" " تجرانس " في 69 ق . م . ودمر
عاصمته " تجرانوكرتا "، وقد خضع تجرانس لبومبي بالقرب من أرتاكستا
" 66 ق . م) ودفع 6.000 وزنة ليحتفظ بأرمينية فقط . وفي أيامه ازدهرت الفنون
والآداب اليونانية في أرمينية، وأصبحت أرمينية – الخاضعة لروما – دويلة حاجزة بين
الأمبراطوريتين الرومانية والبارثية . وقد انضم ابن تجرانس وخليفته "
أرتواسدس " إلى البارثيين في غزوهم لسوريا بعد هزيمة كراسوس في سيناكا (53 ق .
م)، وسبب بخيانته خسارة كبيرة لجيش أنطونيوس في 36 ق . م، فأخذه أنطونيوس مكبلاً
بالأغلال إلى مصر حيث أمرت كليوبترا بقتله في 32 ق . م . وقد ظلت أرمينية طويلاً
بعد ذلك خاضعة لروما، عندما لم تستطع أن تنضم إلى البارثيين . وقد عانت كثيراً من
الشد والجذب والمكايد بين القوتين . ولا يوجد دليل على القصة الأرمينية المتأخرة
من أنها كانت خاضعة لأبجاروس ملك إدسا (الرها) في حياة الرب يسوع المسيح على الأرض،
وأن تداوس الرسول قد كرز بالإنجيل هناك، وإن كان ليس ثمة ما يمنع من صحة الجزء
الثاني من القصة . وفي 66 بعد الميلاد، هزم تريداتس الأخ الأكبر لملك بارثيا
وولوجيزس الجيوش الرومانية بقيادة بوتوس، وذهب براً إلى روما حيث خلع عليه نيرون
حلة ملكية، وهكذا حل السلام بين روما وبارثيا، وظلت أرمينية مرتبطة ارتباطاً
وثيقاً ببارثيا إلى أن جاءت حملة تراجان في 116 بعد الميلاد
.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس بولسية عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى 15

 

 

أرمينية
– الديانة الأرمينية الأرية:

 

وهي
تشبه الديانة الفارسية إلى حد بعيد، وإن كانت لم تعترف بزرادشت وديانته الثنائية،
ومن هنا نستطيع أن ندرك مدى ارتباط " الأفستا " (كتاب الزرادشتيين
المقدس) بإصلاح زرادشت . كان " أرامازد " (أهو رامازدا) خالق السماء
والأرض هو أبو جميع الآلهة العظام، وكانت زوجته سباندارامت " (سبنتا أراميتي)
آلهة الأرض، التي اعتقدوا – بعد ذلك – أنها تسود على العالم السفلي، وكان بين
معاونيها الجنيان هاروت وماروت الإلهين الحارسين لجبل ماسيز (الذي يطلق عليه
حالياً " أراراط ")، ويبدو أن عبادة أرامازد قد تضاءلت لتحل محلها عبادة
آلهة أدني، وكانت من أهمهم ابنته " أباهيت " التي بنيت لها معابد في
أماكن كثيرة، وكانت كثيراً ما تصنع تماثيلها من المعادن النفيسة، وكان يطلق عليها
الكثير من الألقاب مثل " الأم الذهبية "، " آلهة التمثال الذهبي
"، وكانت تقدم لها أبقار بيضاء وأغصان خضراء باعتبارها " آلهة الخصب
والإثمار "، كما لم تخل عبادتها من الدعارة الدينية . وكانت تليها في الأهمية
أختها " أستغيك " (أي النجمة الصغيرة) أو كوكب الزهرة آلهة الجمال، زوجة
البطل المتأله " واهان " الذي قفز من السماء والأرض والبحر
 ، وقضى على التنانين وغيرها من الكائنات الشريرة . وكانت "
نانا " أختا أخرى لهما، وقد أصبح اسمها فيما بعد مرادفاً لاسم " أثينا
" وكان رمز أخيها " مهر " أو (مثرا)
الشمس في السماء، والنار المقدسة على الأرض، وكان كلاهما موضوعين للعبادة، وكانت
النار توقد في معابده مرة كل سنة . وكان رسول أرمازد وكاتبه هو " تير "
الذي يسجل أفعال الناس في كتاب الحياة، ويقود الناس بعد الموت إلى أرمازد للدينونة،
كما أنه يكتب " قدر " الناس على جباههم من قبل مولدهم . وموضع العقاب هو
" دوزاخ " . وكانت الذبائح تقدم للشمس والقمر على قمم الجبال، كما كانت
تقدس الأنهار والينابيع والكثير من الأشياء الطبيعية، وكانوا يصلون ووجوههم إلى
الشرق . كما كانوا يستطلعون الغيب من حركات الأوراق في غابة "سونا "
المقدسة . وكانت " أرماوير " هي العاصمة الدينية
.

 

ومن
بين الكائنات الروحية الأدنى، كان " أرلزخ " الذي كان يلحس جراح
المقتولين في المعركة ليعيد لهم الحياة . وتتحدث الأساطير الأرمينية عن تنانين
ضخمة تظهر أحياناً في شكل الناس، وأحيانا في شكل ديدان أو زحافات خرافية، وعفاريت
وثيران بحرية، وأسود ضخمة … الخ . وكانوا يعتقدون – كما كان الأمر نفسه في فارس –
أن الشياطين تصنع سهاماً من قلامات أظافر الإنسان لتؤذيه بها، لذلك كان يجب تخبئة
هذه القلامات مع الأسنان وقصاصات الشعر في مكان مقدس
.

 

 

الأرمينية
– ترجمات الكتاب المقدس:

 

أولاً
– الأرمينية القديمة:

 

1- الظروف المحيطة: تحولت أرمينية إلى المسيحية –
إلى مدى بعيد – على يدي جريجوري لوزا فورتش (أي المضيء – الذي كرس لهذه الخدمة في
302 م، وتوفي في 332 م) . ولكن لأنه لم تكن هناك كتابة أرمينية، كانت الكتب
المقدسة تقرأ في بعض الأماكن باليونانية، وفي بعضها الآخر بالسريانية، وتترجم
شفاهاً للشعب . وكان تدريس هذه اللغات، وتدريب معلميها، تقوم بهما المدارس التي
أسسها جريجوري والملك تريداتس في العاصمة " فاغارشابات " وغيرها من الأماكن
. وإذا كانت قد وجدت أي مسيحية في أرمينية، فقد كان ذلك بتأثير النفوذ السوري
القادم من إدسا وساموستا . وقد أدخل جريجوري النفوذ اليوناني والثقافة اليونانية،
ولكنه احتفظ بروابط الاتحاد مع سوريا أيضاً . وعندما أصبح سابور ملك فارس سيداً
لأرمينية (378 م)، لم يضطهد المسيحيين بقسوة صارمة فحسب، بل حاول أيضاً – لأسباب
سياسية – أن يمنع كل اتصال بين أرمينية والعالم البيزنطي، فأغلق نائبه الأرميني
المرتد " مروزهان " المدارس، وحرم تعليم اليونانية وأحرق كل الكتب
اليونانية، وبخاصة الكتب المقدسة، ولكنه عفا عن الكتب السورية كما كان الحال في
فارس نفسها، ومع ذلك فقد كان رجال الدين عاجزين عن شرحها للشعب . ولم يستطع
الاضطهاد أن يمحو المسيحية، ولكن كان هناك الخوف من أن تنمحي لعدم وجود كلمة الله،
ولذلك بذلت محاولات كثيرة لترجمة الكتاب المقدس إلى الأرمينية . ويقال إن فم الذهب
في أثناء نفيه في القوقاز (404 – 407 م) اخترع أبجدية أرمينية، وترجم المزامير،
ولكن يحوم الشك حول صحة هذه الرواية، ولكن عندما تخلى أركاديوس عن معظم أرمينية
لسابور حوالي 396 م، كان يجب أن يتم شيء، لذلك عزم " مصروب ماشتوتس "
المشهور " وإسحق الجاثليق " (أسقف السريان) على ترجمة الكتاب المقدس .
وكان مصروب كاتباً في البلاط، فكان يعرف اللغات البهلوية والسريانية واليونانية،
وهي اللغات الثلاث التي كانت تصدر بها المراسيم الملكية . أما إسحق فقد ولد في
القسطنطينية وتعلم فيها كما في قيصرية لذلك كان خبيراً باللغة اليونانية علاوة على
تضلغه في السريانية والبهلوية التي أصبحت لغة البلاط في أرمينية، ولكن لم تكن أي
أبجدية من هذه الأبجديات الثلاث بكافية للتعبير عن ألفاظ اللسان الأرميني، فكان من
اللازم أن توضع لها أبجدية خاصة بها
.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم وصايا الآباء وصية يهوذا 25

 

2- المترجمون: انعقد مجمع الأشراف والأساقفة وكبار
رجال الدين في " فاغارشابت " في سنة 402 م، وحضر الاجتماع الملك "
ورمشابوه " وطلب المجمع من إسحق أن يترجم الأسفار المقدسة إلى اللغة الدارجة .
وفي 406 م كان مصروب قد نجح في اختراع أبجدية – وهي مازالت عملياً مستعملة – وقد
قامت أساساً على تحوير الحروف اليونانية والبهلوية، وإن كان البعض يظن أن "
البالمرية " (التدمرية) كان لها بعض الأثر . وبدأ هو واثنان من تلاميذه في
ساموستا بترجمة سفر الأمثال، ثم العهد الجديد من اليونانية، ولما لم يجد مخطوطة
يونانية واحدة في البلاد، ترجم إسحق دروس الكنيسة من السريانية ونشر هذه الترجمة
في 411 م، وأرسل اثنين من تلاميذه إلى القسطنطينية لإحضار بعض النسخ من الكتاب
المقدس باليونانية، وقد حضر هذان الرجلان مجمع أفسس في 431 م، ولعل "
ثيودوريت " قد علم منهما ما ذكره عن وجود الكتاب المقدس في الأرمينية . وقد
أحضر له رسولاه بعض نسخ الكتاب المقدس باليونانية من المكتبة الامبراطورية في
القسطنطينية، ومما لا شك فيه أن بعضها كان مما كتبه يوسابيوس بأمر قسطنطين . وقد
انتهي مصروب ماشتوتس وإسحق ومعاونوهم من الترجمة الأرمينية القديمة لكل الكتاب
المقدس في 436 م . ولا شك في أن " لكروز " كل الحق في أن يقول عنها
" إنها ملكة الترجمات " ولكن مما يؤسف له أن العهد القديم (كما سبق
القول) ترجم نقلاً عن الترجمة السبعينية وليس عن العبرية . أما أسفار الأبوكريفا
فلم تترجم، إذ لم يترجموا سوى أسفار العهد القديم الاثنين والعشرين (وهي التسعة
والثلاثون سفراً المعروفة لنا الآن)، كما يقول " موسى الخوريني "، وكان
ذلك بتأثير البشيطة السريانية
.

 

حذف
الأسفار اوكريفا إلى الأرمينية إلا في القرن الثامن ولم تقرأ في الكنائس الأرمينية
إلا في القرن الثاني عشر . وقد ترجم سفر دانيال عن ترجمة تاودوسيون وليس عن
الترجمة السبعينية غير الدقيقة . ولقد تبعوا النص الإسكندراني في أغلب الأحيان،
ولكن ليس دائما ً
.

 

3- التنقيح: يقال إن الترجمة الأرمينية قد نقحت في
القرن السادس لكي توافق الترجمة البشيطة السريانية، ولعله من هنا جاءت إضافة
العبارة: " كما ا{سلني الآب أرسلكم أنا " إلى متى (28: 18) كما في
الترجمة السريانية ولو أن العبارة موجودة في موضعها الصحيح في إنجيل يوحنا (20: 21)،
كما يذكر اسم " يسوع باراباس " في متى (27: 16 و 17)، وهي قراءة يقول
أوريجانوس إنه وجدها في مخطوطات قديمة جداً، كما أنها تحتوى على لوقا 22: 43 و 44 .
كما أضيفت العبارة من " أريستون الشيخ " بعد مرقس 16: 20، وهي عبارة
ذكرت أيضاً في المخطوطة الأسجمادزينية التي صدرت في 986 م، ولكن " نسل "
وآخرون (في نقد العهد الجديد اليوناني) يغفلون ملاحظة أن هذه الكلمات خطتها يد
أخرى في تاريخ لاحق، وأنها عبارة لا دليل على صحتها، وأنها قليلة الأهمية
.

 

4- نتائج تداولها: سرعان ما تداولت الأيدي ترجمة
مصروب، وأصبحت هي الكتاب القومي العظيم، ويقول لعازر فاربتسي " المؤرخ الذي
كان معاصراً لها، إنه محق في وصف النتائج الروحية – التي عمت كل بلاد أرمينية –
بما جاء في إشعياء من أن " الأرض تمتليء من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر
" (إش 11: 9) . ولكن بسبب هذه الترجمة كادت الكنيسة بل الأمة كلها أن تهلك في
الاضطهادات الرهيبة التي استمرت – مع وجود بعض فترات من الهدوء – أكثر من ألف
وخمسمائة سنة
.

 

5- النسخ المطبوعة: تأخر طبع هذه الترجمة بعض الشيء،
فقد طبع سفر المزامير في روما في 1565 م، وقام الأسقف " أوسكان " من
أريفان بطبع الكتاب كله في أمستردام في 1666 م نقلاً عن مخطوطة ناقصة جداً، ثم طبع
مرة أخرى في القسطنطينية في 1705 م، ثم في البندقية في 1733 م، وكانت نسخة الدكتور
" زهراب " للعهد الجديد في 1789 م أفضل كثيراً . ثم طبعت نسخة نقدية في
البندقية في 1805 م، وأخرى في سيرامبور في 1817 م، ثم ظهرت ترجمة للعهد القديم (مع
النص العبري في أسفل كل صفحة) في القسطنطينية في 1892 م
.

ثانياً
– الترجمات الأرمينية الحديثة:

توجد
لهجتان واسعتا الانتشار للغة الأرمينية الحديثة، استلزمتا أن ينشر الكتاب المقدس
بهما، حيث أن اللغة الأرمينية القديمة (التي تسمى " جرابر " أي المكتوبة)
لم تعد معروفة للعامة، وقد تولت الإرساليات الأمريكية القيادة في ترجمة الكتاب
المقدس إلى هاتين اللهجتين
.

 

1- الأرمينية الأرارطية: وقد نشرت جمعية التوراة
البريطانية في موسكو، الترجمة الأولى للعهد الجديد باللغة الأرمينية الأراراطية،
والتي قام بها " ديتريتش " في 1835 م وسفر المزامير في 1844 م، وباقي
أسفار العهد القديم في القسطنطينية في 1896 م
.

 

2- الأرمينية القسطنطينية: نشرت جمعية "
التوراة البريطانية "، ترجمة العهد الجديد باللغة الأرمينية القسطنطينية،
والتي قام بها " زهراب " في باريس في 1825 م، وقد اعتمدت هذه الترجمة
على الترجمة الأرمينية القديمة . ثم ظهرت ترجمة منقحة بواسطة " أدجر "
في سميرنا في 1842 م . وفي 1846 م نشرت الإرساليات الأمريكية في أرمينية، ترجمة
للعهد القديم ثم نشرت جمعية التوراة الأمريكية طبعات منقحة من هذه الترجمة
.

 

ثالثاً
اللغة الأرمينية:

يرى
علماء فقه اللغات الآن أن اللغة ليست مجرد لهجة أو فرع من اللغة الفارسية القديمة
أو الإيرانية القديمة، لكنها فرع قائم بذاته من العائلة الآرية أو الأوربية
الهندية، تقف في منتصف الطريق تقريباً بين اللغة الإيرانية واللغات الأوربية، فهي
تشبه – في إضعافها لنطق حرفي
T & D (التاء والدال) ثم إسفاطهما أخيراً بين حروف المد – اللهجات
الكلتية . ومنذ القرن الخامس أسقطت التمييز بين الجنسين في الأسماء وإن كانت قد
احتفظت بالتصاريف
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي