أمم

Nations

مقدمة

العهد
القديم

أولاً:
سر الأصول الأولى

1. وحدة البشر وتنوعهم:

2. العواقب الاجتماعية للخطيئة:

ثانياً:
إسرائيل والأمم خلال التاريخ

1. الأم المعادية لله:

أ)
التهديد السياسي:

ب)
الاغواء الديني:

2. الأمم في تدبير الله:

أ)
الأمم في وجه الله:

ب)
باكورة للأمم:

ثالثاً:
إسرائيل والأمم في النبوءة

1. دينونة الأمم:

2. خلاص الأمم:

رابعاً:
مسبّقات

1. الاحتكارية اليهودية:

2. الدعاية اليهودية:

العهد
الجديد

أولاً:
يسوع والأمم

1. كلمات ومواقف متعارضة:

أ)
تصرفات انفرادية:

ب)
تطلعات عالميّة:

2. علاج التناقض:

ثانياً:
حمل الإنجيل للأمم

1. الجماعة الأولى والوثنيون:

أ)
تصاعد في توسع الكنيسة:

ب)
مجمع أورشليم:

2. بولس رسول الأمم:

أ)
الأمم بالنسبة للإنجيل:

ب)
اليهود والأمم في الكنيسة:

ثالثاً:
الفكر المسيحي

1. الأناجيل:

أ)
الإزائية:

ب)
أما القديس يوحنا:

02 الرؤيا:

أ)
دينونة الأمم المعادية:

ب)
خلاص الأمم التي اهتدت:

 

 

مقدمة

ينقسم
الجنس البشري في تصوّر العهد القديم إلى قسمين، يخصص أسلوب الكتاب المقدس لكليهما
تسميات مختلفة. فمن جهة إسرائيل، شعب الله (عام بالعبرية و
laos باليونانية)
ويختصّ بالاختيار، والعهد، والوعود الإلهية، ومن جهة أخرى، الأمم (العبرية جويم
وباليونانية
ethne).

وهذا
التمييز ليس بحسب الجنس فقط أو من الناحية السياسية، ولكنه ديني قبل كل شيء.
فالأمم تشمل معاً "من لا يعرفون الله" (الوثنيين)، ومن لا يشتركون في
حياة شعبه (الغرباء). وفي العهد الجديد، يتطور مفهوم شعب الله ويتسع، حتى ليصبح
الكنيسة، جسد المسيح. ولكن في مواجهة هذا الشعب الجديد، المتفتح على كل البشر لا
تزال الإنسانية تبدو منقسمة إلى قسمين: اليهود والأمم (جوييم بالعبرية (راجع رومة
1: 16, 15: 7- 12). و إن الجدلية التي تدور بين إسرائيل والأمم تساير هكذا تسلسل
تاريخ الخلاص كله. فمن جهة يتداخل تدبير الله في التاريخ البشري بفضل اختيار
إسرائيل وفرزه، ومن جهة أخرى يستهدف تدبير الله هذا دائماً خلاص الإنسانية بأسرها.
وعلى هذا الاعتبار تتأرجح الرؤية باستمرار بين التخصصية والعالمّية، إلى حين يجيء
المسيح ليجمع شمل إسرائيل والأمم في إنسان واحد جديد (أفسس 2: 14- 16
).

العهد
القديم

أولاً:
سر الأصول الأولى

في
بداية العهد القديم، يتردد نداء الله خلال عالم منقسم تتصادم فيه الأجناس والأمم
والحضارات. وهذا الواقع التاريخي الأساسي يطرح تساؤلات عديدة: هل كان الله يريد
هذا الوضع؟ وإلا فما عساه يكون سببه؟ ليس للكتاب المقدس إجابة علمية يردّ بها على
ذلك. ولكنه مع ذلك ينقب في هذا السر القديم للمجتمع الإنساني، ليلقي عليه ضوء
الوحي.

1. وحدة البشر وتنوعهم:

إن
وحدة الجنس البشري تبدو في خلفية التصورات المخططة في كتاب التكوين. فالله قد فطر
البشر جميعاً من أصل واحد (أعمال 17: 26). فليس هناك تطابق في الطبيعة المجردة فقط،
بل أيضاً في وحدة الدم، فجميع السلالات تنطلق من آدم وحواء، وبعد الطوفان تعود
فتبدأ من نوح (تكوين 9: 18- 19). ومع ذلك فالوحدة لا تعني التماثل في الصورة دون
أي فوارق. فلا بد لبني البشر من أن يتكاثروا ويملأوا الأرض (تكوين 1: 28). وهذا
الأمر يفترض تنوعاً تصاعدياً بين الأم والأجناس، ينظر إليه الكتاب المقدس على أنه
وفق إرادة الله (تكوين 10، تثنية 32: 8- 9
).

2. العواقب الاجتماعية للخطيئة:

ومع
ذلك فالوضع الحالي للإنسانية لا يتجاوب مع المقاصد الإلهية. ذلك لأن الخطيئة قد
تدخلت خلال التاريخ: فقد تمنى آدم وحواء أن "يصيرا كآلهة" (تكوين 3: 5)،
والبشر المجتمعون في أرض شنعار أرادوا بناء "برج رأسه إلى السماء" (11: 4)
وفي الحالتين يلاحظ التطرف المجدّف عينه، وهناك نتيجة واحدة يعلنها في الحالتين
حكم إلهي (3: 14-24، 11: 5 – 8). والوضع البشري كما نختبره اليوم، هو العاقبة
العملية لذلك فمن أجل ذلك يتحقق هذا التنوع في جنسنا من خلال مناخ الخطيئة فيؤدي
إلى الأحقاد الدموية (قايين وهابيل 4: 1 – 16). وإلى فقدان الوحدة الروحية (بلبلة
الألسن 11: 7- 9
).

تلك
هي الظروف التي في ظلها تنشأ الأمم في التاريخ موصومة بالعار المزدوج: الوثنية
التي تسلخها عن الله، والكبرياء التي سيجعلها تتصاع فيما بينها. تلك خلفية اللوحة
التي خرجت من خلالها دعوة إبراهيم: فإذا كان الله يختاره وسط الأمم الوثنية (يشوع
24: 2)، فلكي يجعل منه اباً لشعب جديد سيصبح شعبه، ولكي تصير كل عشاثر الأرض في
النهاية مباركة به (تكوين 12: 1- 3
).

ثانياً:
إسرائيل والأمم خلال التاريخ

لا
ينكر إسرائيل قرابته بحسب الطبيعة مع بعض الأمم المجاورة. فسلالات الأجداد تؤكد
ذلك بالنسبة لأسماعيل (تكوين 16)، وأهل مدين (25: 1- 6)، وموآب وبني عموّرة (19: 30-
38)، والآراميين (29: 1- 14)، والأدوميين (36). وفي عصر المكابيين سيبحث اليهود
لأنفسهم عن قرابة مع الأسبرطيين (1 مكابيين 12: 7 و21). ولكن موقف إسرائيل من
الأمم تمليه بواعث من نوع آخر: تعليم العهد وتدبير الخلاص.

1. الأم المعادية لله:

استودع
الله إسرائيل قيماً أساسية بسبب دعوته كأمة: معرفة الله الحقيقي وعبادته، ورجاء
الخلاص المتضمن في العهد والوعود. وعلى أساس ذلك كله تضغط الأمم بتهديد مزدوج: الاستعباد
السياسي والاغواء الديني.

هل تبحث عن  بدع وهرطقات بدع حديثة تيس عزازيل رواية عزازيل ل

أ)
التهديد السياسي:

فما
أقلّ الحقبات التي لا يرى إسرائيل فيها وجوده مهدداً. فالكبرياء والطمع يحركان
الأمم، وتتفجّر الصراعات لدواعي الهيبة أو من أجل تملك الأراضي. ولأن دوّامة
السياسة الدولية تحيط به، ينبغي لإسرائيل أن يدافع بصلابة عما أؤتمن عليه من وديعة.
وقد عرف استعباد مصر، ثم جعلته حروب الله يواجه الكنعانيين والمدينيين والفلسطينيين…
وقد انقلبت الأوضاع لفترة أيام داود (راجع 2 صموئيل 8)، وتمتع سلطان إسرائيل بنوع
من المجد، ولكنّ الأحوال ما لبثت أن تدهورت: عداء الممالك الصغيرة المجاورة وطمعها،
ورغبة في التسلط لدى الجبابرة الدوليين، مصر وآشور وبابل… وكانت الفترة الملكية
مليئة بتلك المواجهات الدامية، التي ينكشف أحياناً وجهها الصحيح: كما في زمن
الخروج (خروج 5 إلى 14)، فالأمم الشامخة التي تعبد آلهة غير حقيقية، تود أن تقاوم
الرب الحي (2 ملوك 18: 32 – 35، 19: 1- 7 و 12- 19). ويتكرر الأمر نفسه في زمن
أحدث، عندما يحاول أنطيوكس أبيفانوس تطعيم اليهودية بالهلّينية (1 مكابيين 1: 29-
24). ومن هذه الزاوية لا يمكن أن تتأسس علاقات بين إسرائيل والأمم الا على مستوى
عدائي.

ب)
الاغواء الديني:

وفي
مواجهة شعب الله تقوم الأمم الوثنية المطبوعة تارة على الاغواء، وأخرى على
الاستعباد. ولأن إسرائيل ينحدر من أجداد وثنيين (يشوع 24: 2)، فإنه يميل جداً إلى
محاكاتهم. وفي زمن القضاة، نراه ينزلق إلى الوثنية الكنعانية (قضاة 2: 11- 13).
ونجد سليمان، مشيد الهيكل الذي باسمه يقيم معابد للآلهة القومية في الأقاليم
المجاورة (1 ملوك 11: 5- 8). وخلال القرون التالية، تضاف إلى الشعائر الكنعانية
العبادات القائمة في آشور، السلطة الحاكمة (2 ملوك 16: 10- 18، 21: 3- 7، حزقيال
8). وفي فترة المكابيين ستصبح الوثنية اليونانية مركز إغراء كبير بسبب مكانتها
الثقافية. لذلك سيحاول أنطيوكس أبيفانوس أن يفرضها فرضاً على البلاد (1 مكابيين 1:
43- 61). وهذا ما يفسر لنا تعليمات كتاب التثنية: يتعين على إسرائيل أن ينسلخ
جذرياً عن الأمم الأجنبية، حتى لا تتسلل إليه عدوى وثنيتها (تثنية 7: 1- 8
).

2. الأمم في تدبير الله:

ومع
ذلك فأننا نقع في خطأ إذا ما تصورنا تعليم العهد القديم عن الأمم مقصوراً على هذا
الموقف من المناهضة والانفصالية. فالله رب الجميع، وكل الأمم يرتبط مصيرها به دون
استثناء، حتى إن طلائعها تنضم إلى إسرائيل وتقيم عبادة أصيلة لله.

أ)
الأمم في وجه الله:

إن
لله نياته على جميع الأمم: فهو الذي أخرج إسرائيل من أرض مصر كما أخرج الفلسطينيين
من كفتور، والآراميين من قير (عاموس 9: 7). وكان من شأن هذا اليقين الهام، ان يحظر
كل قومية دينية. ولكن في مقابل ذلك لا بد للأمم من أن تعرف أنها واقعة مثل إسرائيل
تحت وطأة دينونة الله الأوحد (عاموس 1: 3 إلى 2: 3). ومن هذا المنعطف المزدوج يؤكد
العهد القديم من وقته ان تدبير الخلاص هو تدبير عالمي ومع ذلك فدور الأمم في مسيرة
الخلاص يظل سجالاً: فتارة نراها تعذب إسرائيل لاعتبارها أداة لغضب الله (إشعيا 8: 6-7،
10: 5، إرميا 27)، وتارة أخرى نراها، كما حدث مع كورش، مكلفة برسالة خلاصية (إشعيا
41: 1- 5، 45: 1- 6). وعلى كل فلا نستهيننَّ بالقيم الانسانية التي تحملها الأمم: فهذه
القيم هي بحد ذاتها عطايا من الله، وعليه يستطيع إسرائيل أن يفيد منها: فالعبرانيون
الهاربون ينهبون المصريين (خروج 12: 35- 36)، والذين يجتاحون أرض كنعان يستفيدون
من حضارته (تثنية 6: 10- 11)، وكل
حقبة تحقق اقتباسات جديدة من
الثقافة الدولية (راجع 1 ملوك 5: 9- 14، 7: 13- 14
).

ب)
باكورة للأمم:

ولكن
ستظل كل هذه الأسهامات في خطة تدبير الله، رغم كل شيء، خارجية في طابعها: فالأمم
لا تسفيد من الافضال الالهية، كما يفيد إسرائيل. وهناك مع ذلك استثناءات: ففي
الواقع، يقدم البعضُ من اعضاء الأمم لله عبادةً حقيقية يقبلها: ملكيصادق (تكوين 14:
18- 20)، و يترو (خروج 18: 12)، ونعمان (2 ملوك 5: 17)… ويندمج البعض الآخر من
أعضاء الأمم في شعب العهد: تامار (تكوين 38)، راحاب (يشوع 6: 25)، وراعوت (راعوت 1:
16)، من أجداد يسوع (متى 1: 2- 5)، ثم عشيرة أهل جبعون (يشوع 9: 19- 27)، والغرباء
المقيمون الذين يمارسون الختان (خروج 12: 48- 49، عدد 15: 15- 16). إنها البشارة
البعيدة المدى بالعالمية التي سوف يجعل الله شعبه مفتوحاً عليها.

ثالثاً:
إسرائيل والأمم في النبوءة

لم
يعد تصوّر النبوءة محكوماً بالاختبار، بل الأمر هنا تحقيق مثالي لتدبير الله يلمّح
به الأنبياء لختام الأزمنة. وبحسب ما تمثل الأمم من قيم، فهي تظهر في هذا المشهد
إما للخضوع لدينونة الله، وإما للإفادة من خلاصه.

1. دينونة الأمم:

إن
تصريحات النبؤات ضد الأمم معهودة لدى جميع الأنبياء (إشعيا 13- 21، إرميا 46- 51،
حزقيال 25-32). وهي تنطوي على معنى خاص في الفترة المتأخرة، حينما يبدو سحق الطغاة
الوثنيين شرطاً ضرورياً لتحرير إسرائيل. وعندما يجيء يوم التحرير، فإن الله سيهزم
جوج ملك ماجوج، نموذج الطاغية الدموي (حزقيال 38، 39). وسيواجه الله كل السلطات
العدوّة (يوئيل 4: 9- 14، زكريا 14: 1- 5 و 12- 14)، وسيهلك مدنها (إشعيا 24: 7-
13)، فيحكم على ملوكها (إشعيا 24: 21- 22
).

إن
قصة يهوديت النموذجية، ورؤيا دانيال، مبنيتان على هذا الموضوع (راجع دانيال 7، 11:
21- 45)، الذي يخلع عليه إضطهاد أنطيوكس صفة واقعية مفجعة.

2. خلاص الأمم:

ولكنّ
لهذه اللوحة جانباً آخر. ففي الواقع لن يكون الخلاص النهائي وقفاً على بني إسرائيل
دون سواهم. فإذا كانت الخطيئة قد حطمت منذ البداية وحدة الجنس البشري، فإن اهتداء
الأمم النهائي ينبغي أن يسمح بإعادة كيانها. وها هي تقصد إلى القدس لتتعلم ناموس الله،
فتكون للعودة إلى السلام العالمي (إشعيا 2: 2- 4) 0 إن الأمم تتّجه نحو الله الحي
(إشعيا 45: 14- 17 و20- 25)، وتشترك في عبادته (إشعيا 60: 1- 16، 25: 26 وزكريا 14:
16). فمصر وأشور ستهتديان، ويكون إسرائيل همزة الوصل بينهما (إشعيا 19: 16- 25).
والله يضع نهاية لشتات بابل، فيجمع حوله الأمم وكل الألسن (إشعيا 66: 18- 21).
وجميع الشعوب تعترف به ملكاً، وكلهم يجتمعون مع شعب إبراهيم (مزمور 47)، والجميع
ينعتون صهيون بلقب الأم (مزمور 87). إن عبد الله يلعب بالنسبة إليهم، كما بالنسبة
لإسرائيل، دور الوسيط (إشعيا 42: 64). وهكذا فلا بد وأن يجتمع مجدداً في اليوم
الأخير، شعب واحد لله سوف يستعيد العالمية الشاملة الأولى: وإن كانت الشريعة قد
خلعت على إسرائيل صفة الاحتكار في الظاهر، إلا أن النبوءة تعود إلى السر الأصلي
بتطلعات واسعة الآفاق.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس د دُهْم م

رابعاً:
مسبّقات

إن
اليهودية اللاحقة للسبي، وقد ورثت كلاً من الشريعة والنبؤات، تتأرجح بين هذين
الاتجاهين اللذين يستجيبان لضرورتين متناقضتين.

1. الاحتكارية اليهودية:

فأولى
الضرورتين هيٍ الإنغلاق إزاء الوثنية: ألم تكن عدوى عقليتها وشعائرها سبباً
للمصائب الماضية جميعها؟ ولذلك فإن التجديد في اليهودية في عهد نحميا وعزرا يتحقق
في مناخ من الانفرادية المشدّدة (عزرا 9، 10، نحميا 10: 13). وإن كانت الروح تأخذ
في التوسع قليلاً بحد ذلك، أن أزمة اليهود المكابية تسبب تراجحاً إلى القومية
الدينية، سوف يمتد دوره لقرنين بعد ذلك في الطائفتين الفرّيسية والأسّينية.

2. الدعاية اليهودية:

ولكن
في الفترة نفسها وبفعل تناقض تفسره المتطلبات التكاملية للإيمان اليهودي، تأخذ
الطائفة الإسرائيلية في الإنفتاح على الوثنيين ذوي النيات الطيبة، أكثر منها في أي
وقت مضى. فأخذوا يِشجبون التطرف في الوطنية الدينية، فينتقد كاتب سفر يونان هنا
التعصب نقداً ساخراً. ويتحدد وضع رسمي للمهتدين الذين يودون الانضمام لإسرائيل
(إشعيا 56: 1- 8). ويروون في لهجة مجاملة كيف أقبل البعض على ذلك في الماضي، أمثال
راعوت الموآبية (راعوت 1: 16)، وأحيور العمّوني (يهوديت 5: 5 إلى 6: 20)… وتتميز
يهودية الاسكندرية في هذا الشأن. بمبادراتها: فهي تترجم الكتاب المقدس إلى
اليونانية، وتخطط عرضاً إقناعياً، مما ورد في سفر باروك (باروك 6)، وفي سفرالحكمة
(حكمة 13 إلى15)، بعض نماذج عنه. وعليه فقد أدرك إسرائيل عن وعي دعوته كشعب شاهد
وشعب مبشّر.

العهد
الجديد

أولاً:
يسوع والأمم

مع
يسوع يُفتح عهد آخِرالأزمنة (مرقس 1: 15). ولعله كان من المتوقع أن يظهر منذ حياته
العامة وهو يسلك طريق العالمية الذي مهدت له تصريحات الأنبياء وأقوالهم. على أن
الأمور قد عرضت فعلاً في صورة أقل بساطة من ذلك.

1. كلمات ومواقف متعارضة:

أ)
تصرفات انفرادية:

ان
يسوع حتى أثناء تواجده في أرض غريبة، لا يخرج عن حدود اليهودية في إعلان الإنجيل
وإتمام المعجزات: "لم أرسل إلا إلى الخراف الضالة من آل إسرائيل" (متى
15: 24)،"فلا يحسن أن يؤخذ خبز البنين، فيلق إلى جراء الكلاب" (مرقس 7: 27).
ويوصي بذلك رسله الإثني عشر الذين يبعث بهم للرسالة: "لا تسلكوا طريقاً إلى
الوثنيين" (متى 10: 5- 6
).

ب)
تطلعات عالميّة:

وعلى
نقيض ذلك، بينما يصطدم بالمقاصد السيئة من جانب "الخراف الضالة"، نراه
لا يتوانى عن الامتداح والإعجاب بالغرباء الذين يؤمنون به: قائد المائة في
كفرناحوم (متى 8: 10) والأبرص السامري (لوقا 17: 17- 19)، والكنعانية (متى 15: 28).
ففي ملكوت الله، يكون هؤلاء باكورة الأمم. على أن نمو ملكوت الله في المستقبل سوف
يشهد مضاعفة في عددهم، وسيهرع الجمع من كل صوب نحو وليمة آخر الأزمنة، في حين أن
الإسرائيليين الأعضاء في الملكوت بحكم المولد، سيستبعدون منها (لوقا 13: 28- 29).
ويا له من تطلع مفاجئ حيث نجد الوضع القديم لليهود والأمم وقد انقلب فيما يتعلق
بامتيازات العهد: فكرمة الرب سوف تنزع من رؤساء إسرائيل، وتسلّم إلى كرّامين آخرين
(متى 21: 43
).

2. علاج التناقض:

وليس
من تناقض بين الانفرادية والعالمية لدى يسوع. ولكنه يتواءم مع المراحل المتتالة
بوضع آخذ في التطور. ففي البداية كان يسوع يسعى لهداية إسرائيل ليجعل منه حامل
البشارة بالملكوت، في تطلّعه نحو عالمية شاملة. فهو لذلك لم يخرج عن إطار شعبه.
ولكن قساوة اليهود تتعارض مع هذه الخطة. حالته سوف يكيّف مجرى قصده الخلاصي تبعاً
لذلك: فبعد أن لفظ يسوعَ شعبُه، سيسفك دمه "من أجل جماعة كثيرة لغفران
الخطايا" (متى 26: 28)، وهذه التضحية ستفتح مدخل الملكوت لجميع البشر عندما
يقطع العهد في آخر الأزمنة.

وبعد
ذلك سوف يستطيع الجنس البشري اكتشاف وحدته الداخلية مجدّداً، ما دام رباطه بالله
سيعقد مجدداً. ولأجل ذلك، فحينما تكمل ضحيّة الفداء بقيامته المجيدة، سيولي يسوع
الإثني عشر رسالة مسكونية: إعلان الإنجيل إلى الخلق أجمعين (مرقس 16: 15)، مع
تولية تلاميذه بشارة جميع الأمم (متى 28: 19)، وتأديتهم الشهادة حتى أقاصي الأرض
(أعمال 1: 8). وفي أضواء القيامة سوف تحقّق انفرادية الشعب اليهودي تخطيها نهائياً
إلى الزوال.

ثانياً:
حمل الإنجيل للأمم

1. الجماعة الأولى والوثنيون:

أ)
تصاعد في توسع الكنيسة:

بالرغم
من دلالة العنصرة على الصفة العالمية، حيث يعلن تمجيد الله " في جميع اللغات "
(أعمال 2: 8- 11)، إلا أن الجماعة الأولى تقتصر ابتداء على البشارة في إسرائيل،
ومنه ينبغي أن ينطلق الخلاص ليعم العالم بأسره. ولكن بدافع من قوة الروح، أخذت
الكنيسة تخرج تدريجبأ عن هذه الدائرة: فيتولى فيلبّس البشارة في السامرة (أعمال 8)،
ويعمّد بطرس كرنيليوس قائد المائة وهو من المهتدين الذين لم يندمجوا بعد في
إسرائيل بالختان (أعمال 10). وأخيراً في أنطاكية تعلن بشارة السيد المسيح إلى
يونانيين آمن منهم عدد كبير (أعمال 11: 20- 21). بل ان دعوة بولس توفر للكنيسة
الأداة المختارة التي كانت تحتاج إليها في بشارة الأمم بالإنجيل (أعمال 9: 15، 22:
15 و21، 26: 17)، وفق ما ورد في النبؤات (أعمال 13: 47، راجع إشعيا 49: 6
).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد قديم سفر أخبار الأيام الثانى II Chronicles 32

ب)
مجمع أورشليم:

إن
توسع الكنيسة هذا يثير تساؤلاً أساسياً: هل لا بد من فرض شريعة اليهودية على
الوثنيين الذين يدخلون الإيمان؟ عندما التأم مجمع أورشليم، يتمسك بولس بشدة بأن لا
يفرض عليهم مثل هذا العبء (أعمال 15: 1- 5، غلاطية 2). ويؤيده بطرس، بينما يعلن
يعقوب أن اهتداء الوثنيين يتفق مع تعاليم الكتاب المقدس (أعمال 15: 7- 19). وهكذا
يخرجون في النهاية، على ضوء التجربة، بالنتائج المنطقية المترتبة على موت يسوع على
الصليب وقيامته: ففي الكنيسة، وهي شعب الله الجديد، تنال الأمم وضعاً مساوياً لوضع
اسرائيل، وبذلك تثّبتت دعوة بولس الخاصة باعتباره رسولاً للوثنيين (غلاطية 2: 7- 9
).

2. بولس رسول الأمم:

تحترم
رسالة بولس مع ذلك ترتيب الأوضاع القائمة على العهد القديم؛ لأنه هو الآخر يوجه
بشارة الإنجيل أول ما يوجهها إلى اليهود، وهو لا ينتقل إلى الوثنيين إلا عندما
يصطدم برفض اليهود (أمثال 13: 45- 47، 18: 5- 6، 19: 8- 10، راجع رومة 1: 16، 2: 10)
ولكنه من جهة أخرى يشرح بوضوح ما هو وضع الأمم بالنسبة إلى الإنجيل.

أ)
الأمم بالنسبة للإنجيل:

إن
الناس المنتمين للأمم الوثنية، شأنهم شأن اليهود. يقعون تحت غضب الله (رومة 1: 18).
وقد جعلهم الله يعرفونه عن طريق خليقته (1: 19- 20، أعمال 14: 17)، ولكنهم تنكروا
له (رومة 1: 21- 22)، وكان قد عرّفهم بشريعة بواسطة الضمير (2: 14- 15)، ولكنهم
استسلموا لشهواتهم المنحرفة نتيجة كفرهم (1: 24- 32). غير أن الله يريد اليوم أن
يجعل لهم رحمة أسوة باليهود، بشرط أن يؤمنوا بالإنجيل (1: 16، 3: 21- 31، 10: 12).
ولهؤلاء وأولئك يأتي الأيمان بالتبرير: فحسب شهادة الكتاب المقدس، ألا يكون أولاد
إبراهيم الحقيقيين، ورثة البركة التي وعد الله بها. هم أهل الايمان؟ (غلاطية 3: 6
– 9). فالشعب المستفيد الآن من هذا الوعد يشمل في نفس الوقت المختونين وغير
المختونين، وهكذا يصبح ابراهيم أباً لعدد كبير من الأمم (رومة4
).

ب)
اليهود والأمم في الكنيسة:

إذن
تعود وحدة الإنسانية فتتوثق في يسوع المسيح. لم يعد هناك يهودي، ولا يوناني
(غلاطية 3: 28). فاليهود والوثنيون قد تصالحوا منذ أن سقط جدار الحقد بينهم. فهم
يكوّنون بشرية جديدة واحدة، بناء واحداً، حجر زاويته المسيح، جسداً واحداً رأسه
المسيح (أفسس 2: 11 – 22) 0 إن سر الوحدة هذا يتحقق منذ الآن في الكنيسة في انتظار
اكتماله في السماء. ومع ذلك فالتقسيم السابق للإنسانية إلى اثنين، لا يزال يحكم
جدلية التاريخ المقدس. ففي زمن أول، يستبعد الله إسرائيل القاسي فيما عدا
"بقية"، وكان هذا من أجل أن يجلب الخلاص للأمم الوثنية، بتطعيمها على
جزع إسرائيل (رومة 11: 1- 24)، ومن أجل إثارة الحمية في إسرائيل متى يرجع فيندم
(11: 11). وفي الزمن الثاني، عندما تكون الأمم بأسرها قد دخلت في الكنيسة، فإن
إسرائيل كله سيخلص بدوره (11: 25 – 29) فتنتهي الدروب الإلهية إلى الخلاص النهائي
لجميع الأمم التي انضمّت إلى إسرائيل في شعب الله (15: 7 – 12
).

ثالثاً:
الفكر المسيحي

1. الأناجيل:

أ)
الإزائية:

نرى
الإنجيليين الثلائة الأولين عندما يجمعون الذكريات عن مرور يسوع على الأرض،
يوضّحون كل على طريقته، اهتمامهم بخلاص الأمم. فعند مرقس نرى العرض كله يتجه نحو
شهادة قائد المائة الوثني الذي يعلن إيمانه تحت أقدام الصليب: "كان هذا الرجل
ابن الله حقاً" (مرقس 15: 39
).

أما
بالنسبة لمتى الذي يبرز وجود نساء وثنيات خلال سلالة انتساب يسوع (متى 1: 2- 6)،
فإن المسيح يظهر منذ طفولته أنه ملك للأمم (2: 1- 11)، فهو يبدأ رسالته في
"جليل الأمم" (4: 15- 16)، وآخر كلماته تقوم على الأمر ببشارة الأمم (28:
19). وعند لوقا يرجع انتساب يسوع إلى سلالة آدم أبي الجنس البشري بأسره الذي يأتي
يسوع لخلاصه أجمع (لوقا 3: 23- 28)، ولذلك فإن سمعان الشيخ يحيّ فيه "نوراً
لهداية الأمم ومجداً لشعبه إسرائيل" (2: 32)، وأخيراً فكتاب الإنجيل والأعمال
المزدوج يظهر أن الخلاص المكتسب في أورشليم بفضل ذبيحة يسوع. سيمتدّ ابتداء منها
حتى "أقاصي الأرض" (أعمال 1: 8
).

ب)
أما القديس يوحنا:

فيبدو
لديه قدر أقل من مثل هذا الاهتمام، لأنه يعنى بالأكثر بمصير اليهود الذين لا
يؤمنون (يوحنا 12: 37- 43). فبعد أن كانوا شعب الله، يصبحون بسبب قساوتهم أمة
مماثلة للأمم الأخرى (11: 48- 50، 18: 35). على أنه مقابل ذلك، في أثناء حياة يسوع
نفسها، نجد أشخاصاً يقتربون منه بإيمان، فيشكّلون باكورة الأمم (4: 53، 12: 20-
32). وأخيراً بفضل موته تتحقق المصالحة العالمية. فسيموت ليس فقط من أجل أمته،
ولكن حتى يجمع في الوحدة كل أبناء الله المشتتين.

02 الرؤيا:

باعتبارها
نبوءة مسيحية، تهتم الرؤيا أسوة بالأنبياء السابقين بوضعين للأمم بالنسبة إلى
تدبير الله.

أ)
دينونة الأمم المعادية:

يجد
شعب الله الجديد أمامه- شأنه شأن إسرائيل- أمماً وثنية تعاديه (راجع رؤيا 11: 2)
وذلك هو ما تعنيه الوحوش التي تجعل البشر يعبدونها (13)، وما تعنيه بابل الزانية
المجدّفة التي تسكر من دم الشهداء (17).. إن هذه 1 القوات تعلن الحرب على المسيح
في آخر الأزمنة (17: 13- 14، 19: 19، 20: 7- 9). فهي مستودع سلطان الشيطان. ومن
أجل ذلك ستحاكم وتباد (14: 6- 11، 18)، وسوف تهزم في صراعها ضد المسيح (17: 14، 19:
15 و 20 -21
).

ب)
خلاص الأمم التي اهتدت:

ولكن،
مقابل الإنسانية الخاطئة التي تذهب هكذا إلى هلاكها، ها هي الإنسانية الجديدة التي
خلصها الحمل بدمه: انها جمهرة من جميع الأمم والأجناس والشعوب والألسنة (7: 9- 17)،
تحييّ في الله ملك الأمم (15: 3- 4)، وستسكن أورشليم الجديدة إلى الأبد (21: 24-
26). إن العهد الجديد ينتهي برؤيا الرجاء هذه، حيث الجنس البشري المفتدى يستعيد
أخيراً وحدته: "يا ملك الأمم، أنت الذي تبتغيه الأمم! حجر الزاوية الذي إليه
ينتهي كل شيء! تعالَ وخلّص الإنسان الذى عجنته من طين!" (أنديفونة 22 ديسمبر/
كانون الأول في الطقس اللاتيني
).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي