إرسالية

 

مقدمة

العهد
القديم

أولاً:
المرسلون من الله

ثانياً:
إرسالية إسرائيل

ثالثاً:
التمهيد للعهد الجديد

العهد
الجديد

أولاً:
إرسالية ابن الله

ثانياً:
المرسلون من قبل الابن

ثالثاً:
إرسالية الروح القدس

 

—————————————

 

مقدمة

إننا
نجد، حتى في بعض الديانات غير المسيحية، فكرة الإرسال الإلهي. ففضلاً عن محمد،
الذي يصرّح بأنه "رسول الله" وأنه يكمّل سلسلة أنبياء الكتب المقدسة،
نجد الفكرة بنوع ما في الوثنية اليونانية. وهذا أبيكتيت
Epictete يصوّر نفسه
"مرسل الآلهة، ووصيّهم، وداعيتهم"، و"نذير الإله، وكمثال يحتذى
به" لكي يحيي عند الناس، بتعليمه وشهادته، الروح الإلهية الكامنة فيهم،
فاعتقد أنه تسلَّم رسالته هذه من السماء. كما أن أمين السرّ في الديانات السرّية
مكلّف برسالة هي أن يجعل نفسه "مرشداً لمن هم أهل من الناس، حتى ينال الجنس
البشري بواسطته الخلاص من عند الله". ولكن في الكتاب المقدس، ترتبط عقيدة
الإرسال الإلهي باعتبارات تختلف جداً عن ذلك. فهي كلها تتعلق بتاريخ الخلاص، وتفرض
وجود نداء صريح من قبل الله، يظهر بشكل واضح في كل حالة خاصة. وهي تنطبق على
جماعات كما تنطبق على أفراد. ثم إنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمفاهيم قضاء الله
الأزلي والدعوة، وتعبّر عنها اصطلاحاتٌ تدور في فلك فعل "أرسل
".

 

العهد
القديم

أولاً:
المرسلون من الله

1. يظهر الإرسال الإلهي بأجلى بيان في حال الأنبياء
الذين يتقدّمهم موسى (راجع إرميا 7: 25) "إني أرسلك…" حيث تحدّد تلك
الكلمة محور كلّ دعوة نبوية (راجع خروج 13: 10، إرميا 1: 7، حزقيال 2: 3- 4، 3: 4-
5). وعلى هذا النداء الإلهي، يجيب كلّ منهم بحسب تكوينه الخاص: نرى إشعيا يقدّم
نفسه "هاءنذا، فأرسلني" (إشعيا 6: 8)، بينما يثير إرميا الاعتراضات
(إرميا 1: 6)، أما موسى فيطلب علامات تثبت إرساليته (خروج 3: 11- 13)، ويحاول أن
يتخلّص منها (4: 13) ويشكو منها مرّ الشكوى (5: 22). إلاّ أنهم جميعاً في نهاية
الأمر يبدون الطاعة (راجع عاموس 7: 14- 15)، باستثناء حالة يونان الخاصة (يونان 10:
1- 3) فهو يرفض إرساليته العالمية الشاملة، مستنكراً إمكانية الخلاص للأمم.
ويتميّز النبي الحقيقي بشعوره الواعي باستلام رسالة خاصة. وهكذا يختلف عمن يقولون
"كلام الله" بينما لم يرسلهم الله، كما هي حالة أولئك الأنبياء الكذَبة
الذين يقاومون إرميا (إرميا 14: 14- 15، 23: 21 و32، 28: 15، 29: 9). وبمعنى أوسع،
يمكن الكلام عن إرسالية إلهية بالنسبة لجميع من يلعبون، في تاريخ شعب الله دوراً
رتّبته لهم العناية الإلهية. ولكن لا يمكن الاعتراف لأحد بمثل هذا الإرسال، حتى
يشهد له أحد الأنبياء.

 

2. تتعلق إرسالية جميع المرسلين من قبل الله بقصده
الخلاصي. ومعظم تلك الإرساليات ترتبط ارتباطاً مباشراً بشعب إسرائيل. ولكنّ ذلك
يترك مجالاً لأعمال جد متنوعة. فالأنبياء مرسلون لحثّ القلوب على التوبة والإنذار
بالعقوبات، أو التبشير بالمواعيد: فيرتبط دورهم ارتباطاً وثيقاً بكلمة الله، التي
هم مكلّفون بإعلانها للناس. فيما هناك إرساليات غيرها تخص بنوع أقرب مصير إسرائيل
التاريخي: يرسل الله يوسف ليهيء دخول أبناء يعقوب إلى مصر (تكوين 45: 5)، ويكلّف
موسى بإخراجهم من مصر (خروج 3: 10، 7: 16، مزمور 105: 26). وكذلك الحال بالنسبة
لجميع رؤساء شعب الله ومحرريه: يشوع، والقضاة، وداود، وزعماء النهضة اليهودية بعد
السبي، وقادة المقاومة المكابيّة. وحتى إن كان لا يتحدث أصحاب التاريخ المقدس
صراحة عن إرسالية بالنسبة لهم، إلاَّ أنه ينظر إليهم كمرسلين حقيقيين من الله،
فبهم يتقدم تدبير الخلاص نحو هدفه النهائي. والعناية الإلهية قادرة على أن تسخّر
حتى بعض الوثنيين للقيام بدور خاص: يختار آشور لإيقاع العقاب بإسرائيل من أجل
خيانته (اشعيا 10: 6) ويرسل قورش لهدم بابل وتحرير اليهود (اشعيا 43: 14، 48: 14-
15). ويتحقق التاريخ المقدس بفضل تداخل كل هذه الإرساليات الخاصة التي تتضافر
لبلوغ ذات الهدف.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر الأمثال 09

 

ثانياً:
إرسالية إسرائيل

1. ينبغي التحدّث أيضاً عن إرسالية خاصة بشعب
إسرائيل، لا سيما إذا ذكرنا الرابطة الوثقى القائمة دائماً ما بين الإرسالية
والدعوة. فدعوة إسرائيل تحدّد إرساليته في تدبير الله. فهو المختار بين جميع الأمم،
وهو الشعب المقدس، الشعب الكهنوتي المكرّس لخدمة الله (خروج 19: 5- 6). وهذا يعني
أنه يؤدي هذه الوظيفة باسم سائر الأمم. إلاّ أنه مع تقدم الوحي ونموه، تتطلّع
الأقوال النبوية إلى الزمن الذي فيه سوف تنضم جميع الأمم إلى إسرائيل، بالاشتراك
في عبادة الله الأوحد (راجع اشعيا 2: 1- 3، 19: 21- 25- 45: 20- 25، 60): فإسرائيل
مدعوّ إذاً لأن يصبح منارة البشرية جمعاء. وكذلك، مادام أؤتمن على التدبير الإلهي،
فعليه أن يشرك سائر الشعوب فيه، ونجد أصول هذه الفكرة منذ دعوة إبراهيم (راجع
تكوين 12: 3)، وهي تزداد دقة بمقدار ما تتوضح مقاصد الله المعلنة بالوحي.

 

2. وابتداء من السبي نلاحظ أن إسرائيل قد أدرك
رسالته إدراكاً واضحاً. فهو يعلم أنه "عبد يهوه"، مرسلاً من قبله بصفته
رسولاً (اشعيا 41: 9). وهو، تجاه الأمم الوثنية، الشاهد المكلّف بأن يعرّفهم
بوحدانيته تعالى (43: 10 و12، 44: 8). فالدعوة القومية تؤدي هنا إلى الشمولية
الدينيّة. فلم يعد الغرض السيطرة على الأمم الوثنية (مزمور 47: 4)، وإنما هدايتها
إلى الحق. لذلك فإن شعب الله يتفتح لقبول الآتين من الوثنية (اشعيا 56: 3 و6- 7)،
وعلى كتبه المقدّسة تهبُّ روح جديدة: فكتاب يونان يعالج موضوع إرسالية نبوية في
سبيل الوثنيين، وفي كتاب الأمثال، نرى الحكمة الإلهية ترسل جواريها لدعوة جميع
الناس إلى وليمتها (أمثال 9: 3- 25). ويميل إسرائيل في النهاية إلى أن يصبح الشعب
المرسل، وهذا ما أدركته خاصة الأوساط الإسكندرية التي في سبيل ذلك قامت بترجمة
الكتب المقدسة إلى اليونانية: "الترجمة السبعينية
".

 

ثالثاً:
التمهيد للعهد الجديد

1. نجد موضوع الإرسال الإلهي يظهر من جديد في
النبوات الاسكاتولوجية (الخاصة بآخر الأزمنة) التي تمهد الطريق صراحة إلى العهد
الجديد. فهذه إرسالية العبد الذي يعيّنه الله "ليكون عهداً للشعب ونوراً للأمم"
(اشعيا 42: 6- 7، راجع 49: 5- 6)، وهذه إرسالية النبي المبهم الذي يبعثه الله
ليبشر المساكين (اشعيا 61: 1- 2). وهذه أيضاً إرسالية ملاكٍ يهيئ الطريق أمام الرب
(ملاخي 3: 1)، وإرسالية إيليا الجديد. (ملاخي 4: 5). وإرسالية الوثنيين المهتدين
إلى الإيمان الذين يكشفون عن مجد الله أمام أخوتهم من الأمم (اشعيا 66: 18- 19).
وسوف يبيّن العهد الجديد كيفية تحقيق هذه النبوات.

 

2. وأخيراً، فإن التفكير اللاهوتي عن الكلمة
والحكمة والروح يجسّد بصورة غير متوقعة هذه الحقائق الإلهية ولا يتردد في التكلم
عن إرساليتها: يرسل الله كلمته حتى ينفّذ مقاصده في هذه الدنيا (اشعيا 55: 11،
مزمور 107: 20، حكمة 18: 14- 16)، ويرسل "حكمته" حتى تساعد الإنسان في
جهوده (حكمة 9: 10),ويرسل روحه حتى يجدد وجه الأرض (مزمور 104، 3، حزقيال 37: 9-
10) ويعرّف الناس إرادته (حكمة 9: 17)، هذه العبارات تمهّد أيضاً للعهد الجديد،
الذي سيتخذها لشرح إرسال ابن الله وحكمته، وإرسال روحه القدوس إلى الكنيسة.

 

العهد
الجديد

أولاً:
إرسالية ابن الله

1. بعد ظهور يوحنا المعمدان، آخر الأنبياء وأعظمهم،
وهو الرسول الإلهي، إيليا الجديد الذي تنبأ عنه ملاخي (متى 11: 9- 14)، يتقدم يسوع
المسيح، إلى الناس، باعتباره المرسل من الله بكل معنى الكلمة، ذاك الذي تحدث عنه
اشعيا (لوقا 4: 17- 21، راجع اشعيا 61: 1- 2). وبعد مثل الكرامين القتلة يثبت
اتصال إرسالية يسوع بإرسالية الأنبياء، ولكن مع الفارق الأساسي بين الحالتين. فبعد
أن أرسل ربُّ الأسرة عبيده، أرسل أخيراً ابنه (مرقس 12: 2- 8//). لذلك فإن من
يقبله أو ينبذه، إنما يقبل أو ينبذ ذلك الذي أرسله (لوقا 9: 48، 10: 16//)، أي
الآب نفسه الذي أسلمه كلّ شيء في يده (متى 11: 27). هذا الإدراك الواعي بإرساليته
الإلهية، الذي يوحي بعلاقات حميمة بين الآب والابن، تَظهر صراحةً في عبارات لها
دلالتها الخاصة: "قد أرسلت…"، "قد جئت…"، "جاء ابن
الإنسان…"، ليبشّر بالإنجيل (مرقس 1: 38//)، ليكمل الشريعة والأنبياء (متى 5:
17//)، ليلقي ناراً على الأرض (لوقا 12: 49)، لا ليمل سلاماً بل سيفاً (متى 10: 34//)،
لا ليدعو الأبرار، بل الخاطئين (مرقس 2: 17//)، ليبحث عن الهالك فيخلّصه (لوقا 19:
10)، ليخدم ويفدي بنفسه جماعة كثيرة (مرقس 10: 45//)… إن جميع نواحي عمل الفداء
الذي أتمّه يسوع، تتصل هكذا بإرساليته التي تسلمها من الآب من بدء الكرازة في
الجليل إلى ذبيحته على الصليب. وفي تدبير الآب، تبقى هذه الإرسالية مع ذلك محدودة
الأفق، إذ ان يسوع المسيح لم يرسل إلا للخراف الضالة من آل إسرائيل (متى 15: 24).
وسوف تدرك هذه الخراف، بعد اهتدائها، الإرسالية التي أعدَّتها العناية الإلهية
لإسرائيل، وهي الشهادة عن الله وملكوته أمام جميع أمم العالم.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبى خادم الرب 02

 

2. يذكر الإنجيل الرابع بتواتر حقيقة إرسال الابن
من عند الآب، خلال كل خطب يسوع وأحاديثه 40 مرة، (راجع مثلاً 3: 17، 10: 36، 17: 18،
…).

ذلك
لأن رغبة يسوع الوحيدة كانت بأن يعمل إرادة الذي أرسله (4: 34، 6: 38- 40)، وأن
يتم أعماله (9: 4)، وأن يقول ما سمعه عنه (8: 26). فبين يسوع والآب الذي أرسله
تقوم وحدة حياة (6: 57، 8: 26 و29)، إلى حدّ أن كلّ موقف يُتّخذ تجاه يسوع يُعتبر
متخذاً تجاه الله نفسه (5: 23، 12: 44- 45، 14: 24، 15: 21- 24). أما عن الآلام
التي هي إكمال عمله، فإن يسوع يرى فيها رجوعاً إلى الذي أرسله (7: 33، 16: 5، راجع
17: 11). وموضوع الإيمان الذي يطلبه من الناس هو أنّه مرسل من الآب (11: 42، 17: 8
و21 و23 و25). وهذا ما يتضمن في الوقت نفسه الإيمان بالابن على أنه المرسل (6: 29)
والإيمان بالآب على أنه أرسله (5: 24، 17: 3). فعن طريق إرسال الابن على الأرض،
ظهر للناس جانب أساسي من سرّ الحياة الإلهية: فالله الحق الواحد (تثنية 6: 4، راجع
يوحنا 17: 3)، إنما بإرساله ابنه كشف عن نفسه أنه الآب.

 

3. ولا وجه للدهشة إذا وجدنا أن الرسل يولون في
كتاباتهم مكانةً مركزية لإرسالية الابن هذه: لقد أرسل الله ابنه في ملء الزمن
ليفتدينا ويمنحنا التبني (غلاطية 4: 4، راجع رومة 8: 15). أرسل الله ابنه إلى
العالم مخلصاً وكفارة عن خطايانا، حتى نحيا به: ذلك هو الدليل الأسمى لمحبته لنا
(1 يوحنا 4: 9، 10: 14). ويصبح يسوع هكذا المرسل الحقيقي بالمعنى الأكمل (يوحنا 9:
7)، ورسول اعتراف إيماننا (عبرانيين 3: 1
).

 

ثانياً:
المرسلون من قبل الابن

1. تمتد إرسالية يسوع عن طريق مرسليه الخصوصيين وهم
الاثنا عشر، الذين لهذا السبب بالذات يحملون لقب المرسل. وفي أثناء حياته يرسلهم
يسوع يتقدمونه (راجع لوقا 10: 1) ليعلنوا ملكوت الله ويشفوا المرضى (لوقا 9: 1-
2//)، وهذا هو موضوع إرساليته الشخصية. فهم الفعلة الذين يرسلهم ربّ الحصاد إلى
حصاده (متى 9: 38//، راجع يوحنا 4: 38). وهم العبيد الذين يرسلهم الملك لإحضار
المدعوين لعرس ابنه (متى 22: 3//). وينبغي ألاّ ينخدعوا بخصوص المصير الذي ينتظرهم:
ما كان رسول أسمى من مرسله (يوحنا 13: 16)، وكما عامل العالم السيد، هكذا سيعامل
عبيده (متى 10: 24- 25). ويرسلهم يسوع "كالخراف بين الذئاب" (10: 16//).
إنه يعلم أن "الجيل الفاسد" سوف يضطهد من يرسلهم ويسلمهم إلى الموت (23:
34//). المعاملة التي يعاملون بها سوف تعود عليه هو نفسه، وبالتالي على الآب: "من
سمع إليكم سمع إليّ، ومن أعرض عنكم أعرض عني، ومن أعرض عني أعرض عن الذي
أرسلني" (لوقا 10: 16)، "من قبلكم قبلني، ومن قبلني قبل الذي
أرسلني" (يوحنا 13: 20). فالواقع أن إرسالية الرسل ترتبط أوثق ارتباط
بإرسالية يسوع: "كما أرسلني الآب، أرسلكم أنا أيضاً" (20: 21). وهذا
الكلام ينير المعنى العميق لإرسال الاثني عشر الأخير، عند ظهور المسيح لهم بعد
القيامة: "اذهبوا…". فهم يذهبون إذاً ليبشروا بالإنجيل (مرقس 16: 15)،
وليتلمذوا جميع الأمم (متى 28: 19)، وليقدّموا شهادتهم في كل مكان (أعمال 1: 8).
وبذلك سوف تبلّغ إرسالية الابن فعلاً إلى جميع الناس، بفضل إرسالية رسله وكنيسته.

هل تبحث عن  م الأباء إغريغوريوس النيصيصى حياة موسى 04

 

2. يأخذ كتاب الأعمال الاتجاه نفسه، عندما يقصّ
علينا دعوة بولس. فالمسيح بعد قيامته، يستخدم مجدّداً العبارات التقليدية الخاصة
بالدعوات النبوية، ويقول لإنائه المختار: "اذهب، إني مرسلك إلى مكان بعيد،
إلى الوثنيين" (أعمال 22: 21)، وهذا الإرسال نحو الوثنيين يندرج مباشرة في خط
إرسال "عبد يهوه" (أعمال 26: 17، راجع أشعيا 42: 7 و16). فقد جاء هذا
العبد المذكور الذي يبعث مرسليه إلى كل الأمم ليحملوا إليها رسالة الخلاص التي سبق
هو وأعلنها "للخراف الضالة من آل إسرائيل" دون سواهم (متى 15: 24). على
هذه الإرسالية التي تسلمها على طريق دمشق، سوف يعتمد بولس دائماً لتبرير صفته
كرسول (1 كورنتس 15: 8- 9، غلاطية 1: 12). وإذ هو واثق من امتداد البشارة العالمي،
فسينقلها إلى الوثنيين، ليصل منهم على طاعة الإيمان (رومة 1: 5)، وسيقدّر قيمة
إرسالية كل حاملي البشارة (10: 14- 15): فبفضلها، ينشأ الإيمان بكلام المسيح (10: 17).
وعلاوة على إرسالية الرسل الشخصية، تقوم الكنيسة ككل بمهمتها الإرسالية التي ترتبط
بإرسالية الابن.

 

ثالثاً:
إرسالية الروح القدس

1. للقيام بهذه المهمة الإرسالية، لم يعتمد الرسل
والمبشّرون بالإنجيل على قواهم البشرية وحدها وإنما يؤدّون مهمتهم بقوة الروح
القدس. ففي سبيل تحديد دور الروح بدقة، لابدّ من التحدّث مرة أخرى عن الإرسالية
بالمعنى الأنفذ لهذا اللفظ. فعندما أشار يسوع إلى حلول الروح المقبل في حديثه بعد
العشاء السري، وضّح بقوله أنّ المؤيّد (البارقليط)، الروح القدس. الذي سيرسله الآب
باسمي سوف يعلّمكم جميع الأشياء (يوحنا 14: 26)، "ومتى جاء المؤيّد الذي
أرسله إليكم من لدن الآب… فهو يشهد لي" (15: 26، راجع 16: 17). فيشترك الآب
والابن في إرسال الروح. ويركز لوقا على عمل المسيح، بينما يقصر عمل الآب على الوعد
الذي قطعه، مستشهداً بأقوال الكتب المقدسة: "سأرسل إليكم ما وعد به أبي"
(لوقا 24: 49، راجع أعمال 1: 4، حزقيال 36: 27، يوئيل 3: 1- 2
).

 

2. هذا هو فعلاً معنى العنصرة التي تشكّل التجلّي
الأول لإرسالية الروح والتي ستبقى ببقاء الكنيسة. وقد جعل الروح من الاثني عشر
شهوداً ليسوع (أعمال 1: 8). وهو معطى لهم حتى ينجزوا مهمتهم كمرسلين (يوحنا 21: 21-
22). وبتأييده، سوف يكرزون بالإنجيل من الآن وصاعداً (1 بطرس 1: 12)، كما سوف يعمل
جميع المبشرين في كافة الأزمنة.

فإرسالية
الروح مرتبطة أساساً بسرّ الكنيسة ذاته، عندما تعلَن الكلمة لإنجاز مهمتها
الإرسالية. كما أنها العامل الرئيسي في تقديس البشر. لأننا إن كنا في المعمودية،
ننال التبنّي، فلأن الله يرسل في قلوبنا روح ابنه الذي به نصرخ "أبّا،
أبتاه" (غلاطية 4: 6)، وهكذا تصبح إرسالية الروح موضوع الاختبار المسيحي.
وبذلك يتم كشف سر الله: بعد إعلان الابن، كلمة الله وحكمته، قد ظهر الروح بدوره
كشخص إلهي بدخوله في تاريخ البشر الذين يحوّلهم من الباطن. طبقاً لصورة ابن الله.

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي