بابل

 

وهى
بالعبرية " بابهل "، وبالآشوري البابلي " باب – إيلي " و
" باب إيلاني " بمعنى " باب الله " أو " باب الآلهة
"، وترجمت إلي السامرية باسم " كا – دنجرا " أي " باب الله
"، وهي تسمية فلكلورية.

1- الأسماء التي عرفت بها المدينة: " بابل
" هو اسم العاصمة الكبرى لمملكة بابل التي هي " شنعار " المذكورة
في سفر التكوين (10: 10، 14: 1)، وقد سميت المدينة باسم "تندير" أو
"مركز الحياة"، و " إيريدوكى" أي "المدينة الفاضلة
" أو الفردوس " على اعتبار أن بابل هي جنة عدن، و " سو –
أنَّا" أي " اليد العالية
" (بمعنى ذات الأسوار العالية، لأن "يد" "دفاع"
مترادفتان). ويحتمل أن يكون سبب هذه التسميات المختلفة جاء نتيجة دمج المناطق
المتطرفة كلما امتدت حدود مدينة بابل.

2- التاريخ المرجح لتأسيسها: يذكر سفر التكوين (10:
9) أن مؤسس بابل هو نمرود، ولكن البابليين يقولون إن مردوخ هو الذي بنى المدينة،
كما بنى أيضاً إرك ونيفر (كلنة) بمعابدها المشهورة. إن تاريخ تأسيس بابل غير معلوم
على وجه الدقة، ولكنة يرجع بلا شك إلى العصور المبكرة، فهي قد تماثل نيفر (كلنة
 ) في القدم (ويقول
المستكشفون الأمريكيون لهذا الموقع، إن الطبقة السفلي من عهود سكناها، ترجع إلي
السنة 8000 ق.م.). وقد يرجع التأخير في اتخاذ بابل عاصمة للبلاد إلي أن حكامها في
الفترة الأولى كانت تنقصهم القوة والنفوذ، ولكن بمجرد بلوغها هذه المكانة، احتفظت
بها إلى النهاية، كما أصبح إلهها الأعظم مردوخ على رأس آلهة بابل، ويرجع ذلك إلى
مكانة بابل كعاصمة وباعتبارها مركزاً لعبادته، بالإضافة إلى موقع برج بابل العظيم
بها، والذي يروى عنه الكثير من الغرائب.

3- أسوارها وأبوابها كما وصفها هيرودوت: يقول
هيرودت إن المدينة كانت تقع في وسط سهل عظيم، وأنها كانت مربعة الشكل طول ضلعها
120 غلوة (الغلوة نحو8/1 ميل) أي أن محيطها كان 480 غلوة، ومعنى هذا أن كل جانب
كان يبلغ طوله حوالي 14 ميلاً، ومحيطها حوالي 56 ميلاً، ومساحتها حوالي 196 ميلاً
مربعاً. ولكن نظراً لكبر هذه المساحة، والافتقار إلي وجود بقايا الأسوار، فمازالت
هذه الأرقام موضع شك. ويقول هيرودوت إن المدينة كان يحيط بها خندق واسع عميق ملئ
بالماء، يليه سور يبلغ سمكه 50 ذراعاً ملكية وارتفاعه 200 ذراع، ويخترقه مائة مدخل
عليها بوابات وقوائم نحاسية، (وباعتبار أن الذراع تساوى ثمانية عشرة بوصة وثلثي
البوصة، فإن ارتفاع أسوار بابل لم يكن يقل عن 311 قدماً، وباعتبار أن الذراع
الملكية تساوى 21 بوصة، فإن سمكها كان يعادل 87 قدماً تقريباً). ومما يدعو للدهشة
أنه بالرغم من أن بابل كانت مقصد اً للبنائين من كل المناطق المحيطة بها لمدة ألفي
عام، إلا أن تلك المباني الشاسعة من الطوب قد اختفت دون أن تترك آثاراً تذكر.

4- موقعها، أقسامها، شوارعها ومعابدها: لقد بنيت
المدينة على شطي الفرات، وكان يوجد عند التقاء السور بالنهر، استحكامات دائرية على
الشاطئين، وكانت المنازل في بابل تتكون من ثلاث أو أربع طباق، وكانت الطرق في
المدينة مستقيمة تتقاطع على ما يبدو في زوايا قائمة كما يجري في المدن الكبيرة
الآن. وكانت الطرق المؤدية إلي النهر تنتهي ببوابات نحاسية لحراستها، وكان يوجد
سور ثان داخل السور الأول الخارجي، ولم يكن يقل عن الأول متانة، ولكنه كان يضم في
أحضانه مساحة أصغر، وكان كل قسم من قسمي المدينة يحوى مبنى كبيراً، ففي أولهما كان
قصر الملك، تحيط به حصون قوية، والمبنى الأخر هو هيكل" زيوس بيلوس" الذي
كان له بوابات نحاسية، ويبلغ طول كل ضلع من أضلاعه، غلوتين (أو ربع الميل تقريباً).
وكان في داخل هذا الفناء المقدس، برج طول ضلعه غلوة واحدة، تعلوا سبعة أبراج أخرى
متدرجة. وكان هناك درج صاعد حول هذه الأبراج، في منتصفه مكان لاستراحة الزائرين.
وقد أقيم فوق قمة البرج مقصورة كبيرة بها أريكة ومنضدة ذهبية، ولم يكن بالمقصورة
أي تماثيل، ولم يكن مسموحاً لأحد بالمبيت فيها ليلاً، سوى مرأة من الشعب يختارها
الإله وفي مقصورة أخري تحتها، كان يوجد تمثال ذهب للإله زيوس جالساً على كرسي من
ذهب، وموطئ للقدمين من الذهب أيضاً،وعلى مقربة منه منضدة ذهبية كبيرة، وكان وزن
الذهب جميعه في هذه المقصورة 800 وزنة، وكان يوجد خارج المقصورة مذبح ذهبي صغير،
كانت تقدم عليه الحيوانات الرضيعة فقط، وكان هناك مذبح آخر (غير ذهبي) لتقدمه
الحيوانات البالغة.

5- إنجازات سميراميس ونيتوكريس: أرجع هيرودوت الفضل
في الأعمال المتعلقة بالمياه في بابل، إلى ملكتين هما سميراميس ونيتوكريس، فقد
قامت الأولى بإنشاء شواطئ ترابية لتمنع فيضان النهر من أن يغمر السهل ويحوله إلى
بحر من المياه. أما نيتوكريس فقد غيرت مجرى النهر بحيث يعرج ثلاث مرات على بلدة
" أندريكا
" لذلك كانت الرحلة عبر هذه البقعة تستغرق ثلاثة أيام، وقد رفعت ضفتي النهر
وحفرت بحيرة كبيرة في أعلى بابل، حولتها فيما بعد إلي مستنقع لتعوق جريان النهر.
وكانت تعرجات النهر الكثيرة بالإضافة إلي المستنقع، تقع على أكثر الطرق المؤدية
إلي ميديا لكي تعوق الماديين عن التحرش بمملكتها واستطلاع شئونها. بالإضافة إلي
ذلك، كان لها إنجازات أخرى منها جسر عبر الفرات، وقبر بني خصيصاً لها عند أهم
مداخل المدينة.

وكان
هيرودوت وتسياس شاهدي عيان لعظمة بابل عندما بدأ مجدها في الأفول.

6- القصور وجدرانها المزخرفة كما وصفها تسياس: بناء
على ما كتبه تسياس، كان محيط المدينة 360 غلوة
( وليس
480
 )
على عدد أيام السنة البابلية -وبذلك كان أقل من 42 ميلا، وكان يربط
المنطقتين الشرقية والغربية جسر يبلغ طوله خمس غلوات (أي 1.080 ياردة) وعرضة 30
قدماً، وكان هناك قصر ملكي عند كل من طرفي الجسر، وكان القصر الشرقي أكثرهما فخامة،
وكان يحمى هذا القصر ثلاثة أسوار يبلغ محيط السور الخارجي 60 غلوة (أي نحو سبعة
أميال)، ومحيط الأوسط – وكان دائريا – 40 غلوة (أي أربعة أميال ونصف الميل)، أما
الداخلي فكان محيطه 20 غلوة (أي ميلين ونصف الميل)، وكان ارتفاع السور الأوسط 300
قدم، وارتفاع أبراجه 420 قدماً. أما ارتفاع السور الداخلي فكان أكثر من ذلك، فقد
ذكر تسياس أن الحائطين الأوسط والداخلي كانا مصنوعين من الآجر الملون المزين
بمناظر الصيد ومطاردة النمور والأسود، مع صورتين لسيدة ورجل، كانا – في رأيه –
نينوس وسميراميس. أما القصر الغربي فكان أصغر وأقل زخرفة، ويحيط به سور واحد محيطه
30 غلوة (ثلاثة أميال ونصف الميل) تزينه أيضاً مناظر الصيد، وتماثيل برونزية
لنينوس وسميراميس وجوبيتر بيلوس (بيل – مرودخ) ويقول إنه بالإضافة إلي الجسر، وكان
يوجد نفق أسفل النهر.

7- معبد بيلوس والحدائق المعلقة: يبدو أنه يتحدث
هنا عن معبد بيلوس وكيف كانت تعلوه ثلاثة تماثيل، أولها لبيل مردوخ وارتفاعه
أربعون قدماً، والثاني لأمه
" رهيه " (دوكينا أو دوكي التي
يذكرها الدمشقي)، والثالث لزوجة – بيل مردوخ " جونو " أو " بلتيس
" (زر – بانيتو). ويبدو أنه يصف الحدائق المعلقة الشهيرة بأنها كانت مربعة،
طول ضلعها أربعمائة قدم، ترتفع في شكل مصاطب مدرجة، وكانت أعلاها مزروعة بأشجار من
أنواع مختلفة. ومتى كان الأمر كذلك، فمعناه أنها كانت أشبه ببرج معبد تغطيه الخضرة.
أما النقوش الآشورية فتعطينا صورة مغايرة (أنظر البند / 27 من هذا البحث)
.

8- أوصاف أخرى: أما حجم المدينة كما تذكرة المراجع
الأخرى، فإن بليني ينقل عن هيرودوت، أن محيطها كان 480 غلوة، ويقول سترابو إنه كان
385، وكرتيوس 368، وكليتاركوس 365. ومع أن الفارق بين أكبرها وأصغرها فارق محسوس،
إلا أن ذلك هو ما ينتظر من تقديرات مستقلة بعضها عن بعض، إذ من المشكوك فيه أن
يكون أحد منهم قد قام بقياسها فعلاً . ويقول " ديودوروس " إن جزءاً
صغيراً مما داخل الأسوار، كان مأهولاً بالسكان في زمنه (وكان معاصراً ليوليوس قيصر
وأوغسطس قيصر)، ولكن يبدو أنه في عصره كانت قد حدثت هجرة كبيرة من المدينة، أخلت
الجزء الأكبر من الزراعة، كما يقول. ومما يسترعى الانتباه أن " كرتيوس "
يقول إن نحو تسعة أعشارها – حتى في أوج ازدهارها – كانت تغطية الحدائق والمنتزهات
والفراديس والحقول والبساتين، وهو ما تؤيده الألواح الأثرية. ومع أنه ليس ثمة ما
يؤيد ارتفاعات الأسوار التي تذكرها هذه المصادر المختلفة، إلا أن الاسم الذي يطلق
على المدينة وهو " سور أنَّا " (أي ذات الأسوار العالية) يدل على أنها
اشتهرت بارتفاع أسوارها الحصينة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس الكنيسة القبطية عهد جديد إنجيل لوقا 08

9- رواية نبوخذراصر: تعتبر رواية نبوخذراصر عن بابل،
أفضل الروايات وأنفعها. ويبدو من تلك الرواية أنه كان هناك تحصينان دفاعيان، هما: "
إمجور – إنليل "، و " نميتي – إنليل “ ومعناهما: " إنليل كان
كريماً "، و " أساسيات إنليل " على الترتيب. وينسب نبوخذراصر هذه
التحصينات التي كانت تحمي المدينة الداخلية فقط على ضفتي الفرات شرقاً وغرباً، إلى
أبية " نبوبولاسار "، كما ينسب إليه حفر الخندق وإقامة " السورين
القديمين " على جانبيه، وإقامة سد على قناة
" أرهطو
"، كما بنى أرصفة للسفن على ضفتي الفرات – ولعل هذا ما يشير إليه الكتَّاب
الإغريق – لكنه لم يكمل العمل. وفي داخل بابل، شق طريقاً تصل ما بين "
دوازاجا " – حيث كانت تعلن الطوالع – و " آي – إبور – سابو " مكان
الاحتفالات في بابل، والذي كان يقع عند بوابة " بلتيس " أو " ماه
"، وكانت تسير في هذه الطريق المهرجانات السنوية للإله مردوخ وغيره من الآلهة.

10- عمائر نبوخذراصر في بابل: أكمل نبوخذراصر – بعد
اعتلائه العرش – السورين العظيمين، وبطن الخنادق بالآجر، وزاد في سمك السورين
اللذين قد بناهما أبوه. وبنى هو سوراً مازالت بعض آثاره باقية في الجانب الغربي من
بابل. كما رفع مستوى " آي – إبور – سابو " من البوابة المقدسة إلي بوابة
" نانا " مع الطريق بين البوابتين. وكانت البوابتان مصنوعتين من خشب
الأرز المغطى بالنحاس (أو البرونز)، على مثال بوابات " إمجور
بيل " (في مدينة
بالاوات) في أشور (من عهد شلمنأسر الثاني – نحو 850 ق.م). والأرجح أن بوابات بابل
لم تكن من البرونز المصمت، رغم ما يقوله هيرودوت. أما الأعتاب فكانت كلها من هذا
المعدن لندرة الأحجار، أو لأن الأحجار أقل متانة. وكانت تحرس هذه البوابات تماثيل
لثيران وثعابين ضخمة أو تنانين غربية الشكل من نفس المعدن. كما بنى نبوخذراصر
سوراً على الضفة الشرقية للنهر بطول 4,000 ذراع، شبيه بارتفاع جبل " ليمنع
اقتراب العدو من المدينة، وكان لهذا السور أيضاً أبواب من خشب الأرز المغطى
بالنحاس. وأضاف لهذه التحصينات حفر بحيرة كبيرة جداً شبيهة بالبحر العريض تحيط بها
حواجز وسدود.

11- القصور الملكية: اتجه هذا الملك العظيم بعد ذلك
إلى بناء القصور الملكية، فقد أثرت فيضانات النهر في القصر الذي عاش فيه نبوبو
لاسار أبيه، والذي قضى فيه على الأرجح نبوخذر اصر أيام صباه، وقد رممت بقايا هذا
الصرح العظيم _ الذي كان يمتد من الحائط المسمى إمجور إنليل إلى القناة الشرقية
المسماة
"ليبل
هيجالا "، ومن ضفاف الفرات إلي شارع المهرجانات " آى إبور سابو " ترميماً
كاملاً بالآجر المحروق وبالقار. كما تمت تعلية المداخل التي انخفضت بسبب رفع مستوى
هذا الشارع إلى الارتفاع المناسب، كما ارتفع بجميع المباني حتى جعلها تشبه
"الجبل" (مما يدل على أنها كانت تتكون من أكثر من طابق
).

وقد
بنيت أسقف القصر من خشب الأرز، أما الأبواب فكانت من خشب الأرز المغطى بالبرونز،
وكانت الأعتاب مصنوعة من البرونز، أما داخل القصر فكان مزينا بالذهب والفضة
والأحجار الكريمة وغيرها من المواد الثمينة.

12- المبنى السريع: ويذكر نبوخذراصر أن السور
الرئيسي "إمجور
_
إنليل " كان يبعد 490 ذراعاً من " نيمتي إنليل " التي
بني سدين قويين لحمايتها من الأعداء، بالإضافة إلى حائط خارجي "شبيه بالجبل
". وكان هناك مبنى كبير بين السدين، يستخدم كحصن أو كقصر، ويتصل بالقصر
القديم الذي بناه أبوه. وبناء على ما ذكره نبوخذراصر والذي أكده بيروسوس (كما
اقتبسه يوسيفوس ويوسابيوس) قد اكتمل كل هذا البناء في 15 يوماً، وكان يماثل في
زخارفه، القصر الآخر، وكانت تدعم شرفات الحصن كتل من المرمر أحضروها على ما يبدو من
آشوري. كما كانت تحيط بهذا الحصن استحكامات أخرى.

13- المعابد التي رممها نبوخذاصر: لقد رمم نبوخذراصر،
بل بالحرى أعاد بناء بعض المعابد نذكر منها معبد " أي كوا " ومقصورة
مرودخ في "الايساجيلة
" (معبد بيلوس)، وكذلك الحرم المسمى " دو أزاجا " الذي كان
يقام فيه مهرجان رأس السنة، في الثامن والتاسع من شهر نيسان، احتفالاً " بملك
آلهة السماء والأرض "، وهناك كانت تُعلن التنبؤات عن مستقبل ملك بابل وشعبه.

وإذا
كان ترميم " الايساجلية " أمراً بالغ الأهمية، فإن هناك مالا يقل عنه
أهمية، وهو ترميم "أي تيمين آن كى " والمسمى برج بابل في داخل المدينة.

وهناك
معابد أخرى كثيرة رممها نبوخذراصر في بابل، أو أعاد بناءها، منها " إي
_ماه" للآلهة " نين ماه " بالقرب من "بوابة اشتار "،
ومعيد من الحجر الجيري الأبيض " لسين " إله القمر، و"إي _ ديتور _
كالاما" أي" " بيت قاضى الأرض
" " لشماس"
إله الشمس، وإي _ سا تيلا
" لآلهة الشفاء "جولا " وآي _ هورساج _ ايللا " أي "
بيت الجبل المقدس
".

14- اتساع الأعمال المعمارية لنبوخذراصر: إن
الإنجازات التي قام بها هذا الملك كما سجلها هو وكما كتبه بعض الكتاب اليونانيين كانت
وافرة جداً، حتى إنه كان يتمشى على قصره منتفخاً بالكبرياء قائلاً: " أليست
هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي" (دانيال
30: 4). وإذا كان قد تباهى بما عمله هو، فإنه أيضاً أرجع الفضل في الكثير من الإنشاءات
إلى أبيه نبوبولاسار، ومع هذا يجب أن لا نأخذ ما كتبه عن بناء أبيه للأسوار حرفياً،
لأن كل الاحتمالات تشير إلي أنه قام بتجديدها فقط، وإن كان قد قام بإضافة بعض
التحصينات كما فعل نبوخذراصر بنفسه.

15- بعض التفاصيل عن المدينة: هناك مصادر أخرى
مختلفة – بجانب نقوش نبوخذراصر – تحمل وصفاً دقيقاً لطبوغرافية بابل، من بينها
الألواح التي تذكر مناطق وأحياء مختلفة من المدينة مثل " تي " في داخل
بابل، ومدينة " سولا " في داخل بابل، " والمدينة الجديدة "
بداخل بابل أيضاً والواقعة على القناة الجديدة.

وكان
بالمدينة العديد من " الهوسيتو " – والتي قد تعني " المزارع "
– مثل " هوسيتو – أدينا – مردوخ " أي " مزرعة أدينا مردوخ "
وغيرها. كما تذكر أيضاً البوابات مثل بوابة " شماس " وبوابة "
يوراس " وبوابة " زاجاجا " والتي يبدو أنها كانت تقع في "
مقاطعة بابل "، وكان أمامها ميدان مثل الذي كان أمام بوابة
" إنليل".

16- تفاصيل أخرى عن بابل من مصادر أخرى: بناء على ما
جاء بقوائم أشورية وبابلية عن البوابات، فإن الشوارع كانت تحمل أسماء مرتبطة
بأسماء البوابات المؤدية إليها. فمثلاً كانت بوابة زاجاجا – أحد آلهة الحرب – تؤدي
إلى طريق سمي " شارع زاجاجا، الذي يطرد أعداءه ". أما بوابة مردوخ فكانت
تؤدي إلى شارع" مردوخ، راعى بلاده ". بينما سمي الشارع الذي تؤدي إليه
بوابة عشتاروت " بشارع عشتاروت، حامية شعبها " وبالمثل كانت سائر بوابات
المدينة كالبوابات التي تحمل أسماء إنليل، أدو (هدد أو ريمون)، " شماس "
إله الشمس، " سين " إله القمر وغيرها تؤدي إلى شوارع تحمل أسماء هذه
البوابات، ولكن بعض شوارع بابل والوارد ذكرها في تلك الألواح، وصفت بأوصاف معينة،
مثل " الشارع الواسع عند البوابة الجنوبية لمعبد إي – تور – كالاما "،
مما يدل على أنه لم يتبع نفس النظام في تسميتها. وإذا صح ما ذكره هيرودوت من أن
شوارع بابل كانت مستقيمة ومتعامدة، فإن هذا ينطبق في الغالب على الجزء الواقع خارج
أسوار المدينة القديمة (الداخلية) ويرجح أن ذلك راجع إلى حكمة أحد ملوك بابل أو
حكامها. ووجدت تفاصيل أخرى عن الشوارع في بقعه " المركز " (انظر فقرة 22
من هذا البحث)، وفي غيرها من الأماكن، ويبدو منها أن البابليين كانوا يميلون إلى
أن تكون حجرات منازلهم مربعة الشكل، ولابد أن هذه الشوارع كانت تشكل مستطيلات لها
مظهر فريد.

هل تبحث عن  م الخلاص حتمية التجسد الإلهى 06

17- الاكتشافات الحديثة: وقد جذبت المدينة الداخلية
أنظار المكتشفين من الإِنجليز والألمان، وقد جعل منها الأخيرون هدفاً لسلسلة من
الحفائر المنظمة. وفي الحقيقة كانت منازل الغالبية العظمى من الشعب كالحرفيين
والتجار والعمال، تقع خارج الأسوار التي تشير إليها النقوش الملكية، وكانت هذه
المنازل تبنى من اللبن (غير المحروق، والذي كانت تبنى منه أيضاً بعض أجزاء من
المعابد والقصور) مما أدى إلى اختفاء أطلالها بأسرع مما لو كانت قد بنيت بالآجر (الطوب
المحروق). وعلى أي حال، فإن أطلال المنازل التي بنيت بالآجر المحروق في بابل وأشور
كادت تختفي، وذلك لأن تلك الأطلال سواء كانت من المحروق أو اللبن كانت تستغل لبناء
منازل جديدة في المناطق المجاورة.

18- وصف أطلال الأسوار الشرقية: تبعد أطلال بابل عن
بغداد بحوالي 80 – 90 كيلو متراً(أي حوالي 50 ميلاً أو أقل). وإذا اقتربت منها،
فأول ما يقع عليه البصر هو ذلك التل الضخم الذي يحدد موقع أطلال القصر الشمالي،
وبعد ذلك تصل إلى أطلال الأسوار التاريخية والتي مازالت ترتفع بضع ياردات فوق سطح
الأرض، وتنحدر تدريجياً نحو السهل، ويمتد الحائط في شمالي بابل إلى الشرق نحو 875
ياردة، ثم يغير اتجاهه نحو الجنوب لمسافة 930 ياردة، ثم نحو الجنوب الشرقي لمسافة
حوالي الميلين (نحو 3,300 متر)، تعقبها ثغرة يتجه بعدها نحو الجنوب الغربي لمسافة
نحو الميل وربع الميل (كيلو مترين) ليختفي بعد ذلك في الحقول الواسعة. وتبعاً لقول
فسباخ، فإن " هذا بلاشك هو السور القديم للمدينة "، ومازال طرف السور من
الجهة الشمالية محتفظاً بامتداده في المجرى القديم للفرات الذي ردمته رمال الصحراء
على مر العصور، وفي أيام مجد بابل كان نهر الفرات يسلك طريقاً أكثر استقامة مما هو
عليه الآن في هذا الجزء، ولكنه يعود بعد ذلك إلى مساره القديم لمسافة نحو 600 متر
جنوبي بابل، ليغير اتجاهه تغييراً حاداً إلى الغرب، وتبلغ المسافة بين الجزء
الظاهر من السور في الشمال إلى نهايته الظاهرة في الجنوب حوالي ثلاثة أميال.

19-الأسوار الغربية: أما في الضفة الغربية للنهر
فإن الأجزاء المتبقية من السور، تقتصر على الزاويتين والأجزاء المجاورة لهما،
ويبدأ شمالاً عند منتصف المسافة التي يقطعها نهر الفرات داخل المدينة، ثم يتجه نحو
الغرب لمسافة 547 ياردة (أي 500 متر) ثم ينحني بزاوية قائمة نحو جنوبي الجنوب
الشرقي، ثم يتجه ثانية شرقاً نحو الفرات، ولكنه ينتهي في السهول قبل أن يصل إلى
النهر. وتبلغ المسافة بين الزاويتين نحو الميل ومائتين وثماني ياردات
(1,800
متر). ويبعد السور عن الفرات بمسافة لا تتعدى خمسة أثمان الميل (كيلو
متراً واحداً)، وبذلك يكون الجزء الغربي من المدينة على شكل مستطيل مساحته حوالي
1,8 من الأميال المربعة، أما الحي الشرقي – ببروزه نحو الشمال – فمساحته ستة أميال
مربعة وربع الميل. ويقول فردريك دتز إن بابل كانت تضارع في مساحتها مدينة ميونخ أو
درسدن حالياً، وهو تقدير قام على أساس امتداد الأطلال الموجودة حالياً، وكما ذكرنا
سابقاً، من المرجح أنه كانت هناك ضواح خارج الأسوار مما يعلل ما ذكره القدماء عن
اتساع المدينة الشاسع.

20- القصور: يطلق العرب على الجزء الشمالي من
الأطلال اسم بابل مع أنه لا يعدو أن يكون أطلال قصر من القصور، يبلغ ارتفاعه
حالياً نحو ثلاثين متراً، ومازال في الإمكان تمييز المستطيل الخارجي بسهولة،
وجوانبه تواجه الجهات الأصلية، وأطولها هما الشمالي والجنوبي. وكان سور المدينة في
الشمال والشرق يحمي هذا المبنى تماماً (وكانت مساحته نحو 100 متر مربع)، كما كان
يحميه الفرات من الغرب. والطريق الحالي المتجه للجنوب تكتنفه الحدائق وكروم النخيل
وتقع وراءه بقعة وعرة تضم أطلال مبان قديمة يبدو أنها كانت قليلة الارتفاع، ثم بعد
المرور بكرم آخر من النخيل، نشاهد أطلالاً هائلة شديدة الانحدار نحو الشرق والجنوب،
ومتدرجة نحو الشمال والغرب. وهي أطلال " القصر " الذي يسمى أيضاً "
المقلوبة " وهو القصر العظيم لنبوبو لاسار وابنه نبوخذراصر، والذي يذكره
نبوخذاصر كثيراً في سجلاته، وأطول أضلاعه يكتنف قاع مجرى الفرات القديم، ويبلغ
طوله نحو 300 متر، وسطحه غير مستوي تتخلله مرتفعات يبلغ علوها خمسة عشر متراً
وبجانبها منخفضات عميقة. ومازالت توجد في الشمال الغربي أسوار ضخمة من طوب أصفر
صلد، ذات ارتفاع ملحوظ. وإلي الجنوب منها يمتد سهل إلى مسافة نصف كيلو متر واحد،
لا تتخلله سوى بضعة أكوام قليلة الأهمية، وينتهي في الجنوب بتل آخر ضخم من الأطلال
يسمى " إيشان عمران بن علي " ويبلغ طوله من الشمال إلى الجنوب 600 متر،
ومن الشرق إلى الغرب 400 متر، ومتوسط ارتفاعه 25 متراً، وبالقرب من المنتصف يوجد
ضريحان مقببان يسمى الأول " إبراهيم الخليل " (والأرجح أن كلمة "
الخليل " إضافة متأخرة لاسم شخص آخر يدعى إبراهيم) ويسمى الثاني " عمران
بن علي " ومنه أخذت الأطلال اسمها الحالي.

21-موقع برج بابل العظيم: بالقرب من الطرف الجنوبي
للسهل الذي تقوم عليه قرية جمجيمة، يوجد منخفض مربع يبلغ عمقه عدة ياردات، وطول
ضلعه نحو مائة متر، وفي وسط هذا المنخفض: – الذي لا تواجه جوانبه الجهات الأصلية
تماماً – ترتفع منصة من طوب اللبن (المجفف في الشمس) إلى ارتفاع ثلاث عشرة قدماً،
وطول ضلعها نحو ستين متراً، وجوانبها موازية للحدود الخارجية للمنخفض، ويسمى هذا
المنخفض " الصحن "، وهو يمتلئ جزئياً بمياه الرشح، وفي منتصف ضلعه
الجنوبي، توجد حفرة مستطيلة يبلغ طولها نحو خمسين متراً وتمتد إلي الخرائب المسماة
" عمران

".

22- الأطلال المركزية والجنوبية: يوجد الكثير من
التلال في الجهة الشرقية من القصر و " المقلوبة "، يطلق عليها اسم
" الحمراء " نسبة إلى أكبرها في الجنوب الشرقي الذي يسمى " أيشان
الحمراء " أي " الخرائب الحمراء " لطوبها الأحمر. ويلاصق الزاوية
الجنوبية الشرقية للقصر، خرائب تسمى " المركز "، وإلى الجنوب من ذلك
يوجد تل طويل غير منتظم الشكل يحمل اسم " أيشان الأسور " أو
" الخرائب
السوداء ". ومن كل هذه الأسماء العديدة للبقايا الأثرية الرئيسية في موقع
بابل، يمكن إدراك أن المباني في أقدم أحياء المدينة القديمة كانت كثيرة جداً،
ولاشك في أن المنطقة كانت تعتبر في غاية الأهمية، حتى رؤى أن الأسوار المحيطة بها
غير كافية لحمايتها، لذلك أقيمت استحكامات منفصلة إلى الشرق تمتد من الشمال إلى
الجنوب كحماية إضافية.

أما
الأطلال على الجانب الغربي من النهر فقليلة الأهمية، والأرجح أن تغيير مجرى النهر
هو الذي أدي إلى تدمير بعض المباني على الأقل.

23- جولة في بابل: مازال الأمر يستلزم الكثير من
العمل حتى يمكن رسم صورة كاملة لأقدم أحياء بابل، ولكن يمكننا أن نقول شيئاً عن
المشاهد التي كان يمكن رؤيتها في أهم أجزاء المدينة، التي نعرف من رواية هيرودوت
أنه كان مسموحاً للغرباء بزيارتها، ولو أنه يبدو أنه كان يلزم الحصول على تصريح
بذلك مقدماً.

كان
القادم من " بوابة يوراس " إلى الشرق من الفرات – يجد نفسه في " آي
– إبور – سابو " أو " شارع المهرجانات " الذي كان امتداداً للطريق
الملكي خارج السور الداخلي ممتداً من الجنوب، وكان هذا الطريق يسير في محاذاة قناة
" أراهطو"
على الضفة الغربية، وبعد قليل يجد السائر معبد " نينب " الصغير إلى
اليمين (على الجانب الآخر للقناة)، و " ايساجيلة “ معبد بيلوس العظيم إلي
اليسار. وكان هذا المعبد الشهير مكرساً لمردوخ وغيره من الآلهة المرتبطين به
وبخاصة زوجته " زير – بانيتو " (أو " جونو ")، و" نبو
" أي المعلم، والذي يحتمل أنه هو الذي غرس الإيمان بمردوخ. ومعبد مردوخ الذي
كان يسمى " ايكوا " يقول عنه نبوخذراصر إنه كان مزخرفاً زخرفة فاخرة،
وقد جلب ذلك الملك إلى الهيكل نفسه هدايا ثمينة مما فرضه على البلاد التي خضعت له.
وكان يتصل " بايساجيلة " في الشمال الغربي بواسطة ممر مرصوف، وربما عن
طريق سلم أيضاً، معبد البرج " إي – نبمن – آن – كي " الذي يحدد موقعه
الآن منخفض – وليس برجاً – كما ذكرنا آنفاً، حيث استخدمت قوالبه – كما يقال – في
ترميم قناة " هندية ". وكان هذا البناء العظيم نصباً رائعاً يشاهد من
مسافة بعيدة فقد كان ارتفاعه يربو على 300 قدم، ويظن أن الأدوار التي كان يتكون
منها، كانت ملونة مثل أدوار البرج المشابه الذي كشفت عنه الحفريات الفرنسية في
" خورزاباد " (دير – سارو – أوكن
 ) في أشور.
وكانت الممرات أو الشوارع تربط هذا المبنى بشارع المهرجانات " أي – ابيور –
سابو

"
(الذي
من المفروض أن يسير فيه السائح) فإذا استمر في السير شمالاً فإنه يعبر قناة
متعامدة على الطريق تسمى " ليبل – هيجالي " أي " ليته (الإله)،
يأتي بالخصوبة "، ثم يجد السائح نفسه في مواجهة " القصر " الملكي،
ويقول فسباخ إن مساحته لم تكن تقل عن أحد عشر فداناً، وكان مقسماً – كما نعرف من
نقوش نبوخذراصر – إلي قسمين يصل بينهما " دهليز "، وكان شديد الزخرفة –
كما عرفها البابليون – فكانت الحوائط الداخلية مبطنة بالطوب المزجج الملون وغيره
من المواد.

هل تبحث عن  م الأباء أثنياغوروس 25

وإذا
سار السائح مع الجانب الشرقي للقصر، فإنه يصل إلى " بوابة أشتار " وهى
بوابة ضخمة كانت مزخرفة بالطوب المزجج في أيام نبوخذراصر، ومزدانه برسوم للأسد
والثور وتنين بابل. وإلى اليمين من هذه البوابة، كان يرى هيكل الآلهة " نين –
ماه "، زوجة مرودخ، وكان مشيداً من القوالب اللبن المجففة في الشمس وبها آثار
من اللون الأبيض، وكان مزاراً مشهوراً عند البابلييين، وكانت " نين – ماه
" إلهه "التكاثر "، فهي نفسها " أرورو " التي ساعدت
مردودخ في خلق الجنس البشري، لذلك كانت لها مكانة رفيعة عند البابليين.

24- بوابة أشتار والقصر الأوسط: من الجلي أن بوابة
أشتار كانت جزءاً من تحصينات بابل القديمة، ولكن لا يعلم تماماً الجزء الذي كانت
تضمه من المدينة. وفي أيام نبوخذراصر كانت تخترق السور على الضفة الغربية للنهر،
وبعبور هذه البوابة، يرى السائح – وإلى الغرب منه – القصر الأوسط، وهو بناء ضخم
شيده نبوخذراصر في خمسة عشر يوماً – كما يقول مفاخراً – وإن كان يبدو أنها من قبيل
المبالغة، متى اعتبرنا ضخامة الأسوار التي يبلغ سمك بعضها عدة ياردات، وهو يقول
عنه إنه كان " حصناً أشبه بالجبل "، وقد بنى على قمته، لسكناه قصراً
عظيماً كان يتصل بقصر أبيه إلي جنوب السور الفاصل بينهما، ويحتمل أن هذا القصر الأخير
هو الذي بني في خمسة عشر يوماً، وليس كل البناء بما فيه الحصن، وكان شامخاً "
كأشجار الغابة " ومزيناً بالأرز وكل أنواع الأخشاب الثمينة. وكانت بواباته من
النخيل والأرز والسرو والأبنوس والعاج مغشاة بالنحاس، ويحيط بها إطار من الفضة
والذهب. وكانت الأعتاب والمفصلات من البرونز، وكان الإفريز حول القمة في لون
اللازورد، لقد كان بيتاً يحظى بالإعجاب، وليس من المستبعد أن يكون هو القصر الذي
كان يتمشى عليه عندما أشار إلي " بابل العظيمة " التي بناها (دانيال 4: 28
و 29)
.

25- شارع المهرجانات: كان شارع " آي – إيبور –
سابو " – الذي نتخيل السائح سائراً فيه – طريقاً مزيناً يليق بمرور موكب
الآلهة العظام به، وكان عرضه يترواح بين 11 – 22 ياردة، وكان مرصوفاً بحجارة
طبيعية منتظمة القطع والوضع، ومن الحجر الجيري – وحجارة حمراء داكنة بها عروق
بيضاء، بينما كانت جدرانه مغطاة بطبقة من الطوب مزخرفة بألوان كثيرة ورسوم للأسد،
البعض فيها بارز النحت، وكانت النقوش التي عليها باللون الأبيض فوق أرضية من
الأزرق اللامع. وكانت هناك شوارع أخرى كثيرة في بابل لم يتحدد مسارها بعد.

26 _ غرفة الأقدار: كانت قناة مرودخ في نهاية شارع
المهرجانات ومتعامدة عليه، وكانت تتصل مباشرة بنهر الفرات، وفي تلك البقعة كانت
توجد " غرفة الأقدار
" (باراك شميت) حيث كان يجرى سنوياً استطلاع رأي الآلهة، وكان يلاصقها
" معبد التقدمات " (بيت نيكا) أو بيت المهرجان (بيت أكيتي). ومازالت
هناك أمور كثيرة يلزم استجلاؤها عن هذه الأماكن، ولكن يبدو أنه _ قبل عصر
نبوخذراصر _ كانت غرفة الأقدار مزخرفة بالفضة فقط، ولكنه غشاها تماماً بالذهب
النقي، وفي تلك النقطة يبلغ شارع المهرجان أقصى اتساعه. ولا نعلم الآن تماماً موقع
معبد التقدمات.

27-القصر الشمالي والحدائق: لا نعلم أيضاً على وجه
اليقين ما الذي كان يوجد على الجانب الآخر من قناة " أراهطو " التي
تنثني عند تلك النقطة إلى الشمال الغربي وتصب في الفرات، ولكن في أقصى الطرف
الشمالي من المدينة كان يقع القصر الذي تدل علية الآن الذائب التي يطلق عليها اسم
" بابيل "، وهو قصر بناه نبوخذراصر أيضاً، وإن كان ذلك موضع شك. ووجود
آثار لآبار في ذلك الموقع، جعل هرموزاد رسام يظن أنه من المحتمل أن يكون المكان هو
موقع الحدائق المعلقة، ولكن الأمر يحتاج إلي مواصلة البحث والتنقيب، وإن كان
الأرجح أنها لم تكن في ذلك الموقع، وفي تلك الحالة يكون هو القصر الموجود رسمه على
لوح في القسم الآشوري في المتحف البريطاني، والذي تحيط به ثلاث حوائط مزينة بأعمدة
تستند على ظهور أسود سائرة. وعلى لوح مجاور يوجد رسم مبنى صغير مزدان بالأعمدة
ولكنه يقوم على تل، ويوجد إلي يسار اللوح صورة منحوتة لملك وأمامه مذبح إشارة إلي
تكريم الآلهة له، والتل كثيف الأشجار التي يحتمل أنها أشجار زيتون وحور وغير ذلك،
وإلي اليمين توجد سلسلة من القناطر تعلوها أشجار. وتمتد قنوات الري إلي مسافات
طويلة في الشمال، وإلى مسافات قصيرة في اليمين، وحيث أنها ترجع إلى عصر أشور
بانيبال (حوالي 650 ق. م.) وتشير إلى عمليات هذا الملك ضد أخيه " شماس _ سوم
_ أوكن " ملك بابل، فواضح أن شيئاً بالحدائق المعلقة كان موجوداً قبل عصر
نبوخذنصر، ولعلها أول نقطة وصل إليها الجيش الآشوري في زحفه، ولابد أن هذا البستان
المرسومة صورته بتلاله وقنواته وأشجاره الكثيفة قد جعل من القصر وما يحيط به أجمل
بقعة في بلاد بابل وموضع إعجاب كل من زار المدينة.

28- إشارات تاريخية إلي المباني البابلية: مازال
التاريخ المعماري لمدينة بابل في حاجة إلى مزيد من الاستكشاف، ولكن هناك بعض
الحقائق أصبحنا نلم بها وبخاصة عن أهمها وهو معبد " ايساجيلة " مقر
عبادة مرودخ. ومن المعروف أن حصن بابل العظيم قد بنى في السنة الخامسة "
السومو لا ايلا "، وفي السنة الثانية والعشرين له تم عمل عرش من الذهب والفضة
مسكناً لمرودخ العظيم (باراماها). وبعد ذلك صنع " أبيل _ سن " في عامه
السابع عشر عرشا " لشمالي بابل "، كما صنع حمورابي في أعوامه الثاني
والثالث عشر والرابع عشر عروشاً للآلهة " نانار " (إله القمر)، "
وزر _ بانيتو " (زوجة مرودخ) وأشتار. ثم وضع " سمسو _ لونا " (ابنه)
في السنة السادسة من ملكه، تمثالاً لشخص يصلى أمام مرودخ في " الايساجيلة
"، ثم أردف ذلك بأن وضع في السنة الثامنة من ملكه قضيباً لامعاً وهاجاً من
الذهب والفضة أمام مرودخ، وهكذا جعل "ايساجيلة " تلمع كنجوم السماء كما
يقولون. وبتجاوز الكثير مما صنعه ملوك عديدون في تزيين معابد المدينة، لا يسعنا
إلا أن نذكر ما عمله " أو جكريم " (حوالي 1480 ق. م.)، فهذا الملك الذي
كان ينتمي للأسرة " الكاشية " لم يقتصر على إعادة تماثيل مرودخ
وزربانيتو إلي المعبد، بل جدد المعبد ومحرابه، وأكثر من التقدمات فيه. ثم بعد زمن
طويل، وبعد أن دمر سنحاريب المدينة، قام ابنه آسرحدون، وحفيداه "شماس _ سوم _
أوكن " ملك بابل و" أشور بانيبال ملك أشور بتجديد المعابد والقصور، وقد
سبق أن ذكرنا ما قام به نبوبولاسار ونبوخذراصر. وفي عام 330 ق. م. (في أيام
الاسكندر الأكبر)حاولوا _ عن طريق العشور التي دفعها الأتقياء _ إزالة أكوام
القمامة التي تراكمت حول " اسانجيل " (ايساجيلة)، ولكنهم لم يفلحوا
تماماً في إتمام ما كانوا يبغون. وفي عام 269 ق.م نجد أنطيوكس سوتر يدعى _ كما
ادعى نبوخذراصر وغيره من ملوك بابل _ بأنه أعاد بناء ايساجيلة، وإزيدا (في بورسيبا)،
ومع أن المعابد قد تهدمت تقريباً في العصور التالية، إلا أنه يبدو أن الخدمات
استمرت فيها حتى العصر المسيحي، فقد ظلت الديانة البابلية والفلسفة البابلية موضع
تقدير حتى القرن الرابع الميلادي. وقد بدأ اضمحلال مدينة بابل عند تأسيس سلوقية
على نهر الدجلة في أيام سلوقس نيكانور (بعد 312 ق. م.) فبدأ أهل بابل يهجرونها إلي
الموقع الجديد، وأصبحت المنازل المنهدمة في العاصمة القديمة مأوى للصوص والمجرمين،
ويقال إن ملوك السلوقين قد هدموا تلك الجدران بعد ذلك لهذا السبب، وأزالوا كل أثر
للمنازل المأهولة، ومن حسن الحظ أن القصور التي أعاد بناءها نبوخذراصر كانت متينة
البنيان فلي تسهل إزالتها وظلت باقية إلى اليوم.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي