بركة

Benediction

أولاً:
غنى البركة

ثانياً:
مصطلحات البركة

1. البركة:

2. بَارَكَ:

3. مُبارَك:

ثالثاً:
تاريخ البركة

1. حتى ابراهيم:

2. بركة الآباء:

3. البركة والعهد:

4. الأنبياء والبركة:

5. أناشيد البركة:

رابعاً:
مباركون في المسيح

1. مبارك الآتي:

2. كأس البركة:

3. بركة الروح القدس:

 

 

أولاً:
غنى البركة

لا
تشير البركة، غالباً، إلا إلى أكثر صيغ الدين سطحية، وإلى عبارات من التمتمة،
وممارسات خالية من المعنى، يزداد تمسك المرء بها بقدر ما يقل إيمانه. ومن ناحية
أخرى، فالتقليد المسيحي الحي نفسه لم يحتفظ من بين عبارات البركة الواردة في
الكتاب المقدس، إلا بأقلها ثراء في المعنى، واضعاً تلك التي هي أكثر أهمية في عداد
أنواع النعمة والشكر. ومن هنا كان عدم الاكتراث فعلاً لكلمات البركة، بل وللحقيقة
التي يمكن أن تعنيها هذه الكلمات.

ومع
ذلك، فإن آخر حركة مرئية للمسيح على الأرض، وهي رفع يديه مودعاً بركته لكنيسته،
(لوقا 24: 50- 51)، هي ما أثبتته معالم الفن المسيحي في بيزنطة والكاتدرائيات. وإن
الإسهاب في تفصيل غنى البركة في الكتاب، هو في حقيقة الأمر إظهار لآيات السخاء
الإلهي، وللطابع الديني لما يثيره من إعجاب لدى المخلوقات.

البركة
هي عطية تتعلق بالحياة وسرّها، وهي عطية تعبّر عنها الكلمة وسرها. إن البركة كلمة
على قدر ما هي عطية، نطق بقدر ما هي خير. (راجع اللفظ اليوناني
eu-logia واللاتيني bene-dictio)، لأن الخير الذي تأتي به ليس شيئاً محدداً وليس عطية معيّنة، هذا
الخير ليس من عداد ما نملك ونحوز، بل من مستوى ما نكون عليه، إذ إنه لا يتعلق بفعل
الإنسان بل بصنع الله. والبركة تعني التعبير عن العطية الخلاقة والمحبة، سواء قبل
أن تحدث في الوجود، في شكل الابتهال بالصلاة، أو بعد أن يتم حدوثها، في شكل رفع
الشكر. ولكن بينما تذكّر صلاة البركة مقدماً السخاء الإلهي، فإن الشكر ينظر إليه
وقد ظهر بالفعل.

ثانياً:
مصطلحات البركة

يستخدم
أصل واحد في اللغة العبرية (كما في الفرنسية: برغم الوهن الذي أصاب الكلمة فيها): وهو
الكلمة العبرية: برك. وتمتّ هذه الكلمة إلى الركبة وإلى السجود، ولعله أيضاً إلى
القوة الحيوية للأعضاء الجنسية للدلالة على كل صور البركة، بكل مستوياتها. فثمة
كلمات ثلاث بالعبرية تعبّر عن البركة باعتبارها في الوقت نفسه شيئاً معطى، وعطاء
الشيء، وأسلوب تقديم هذه العطية: الاسم "براكاه" والفعل
"باريك"، والصفة "باروك
".

1. البركة:

تنطوي
هذه الكلمة، حتى في أكثر معانيها الدنيوية والمادية، أي في معنى "هدية"،
على نوع دقيق بالغ الوضوح من اللقاء بين إنسان وآخر. فالهدايا المقدمة من ابيجائيل
لداود (1 صموئيل 25: 14- 27)، ومن داود لرجال يهوذا (1 صموئيل 30: 26- 31)، ومن
نعمان بعد شفائه إلى أليشاع (2 ملوك 5: 15)، ومن يعقوب لعيسو (تكوين 33: 11)، تهدف
جميعها إلى ترسيخ وحدة أو مصالحة. ولكنّ أكثر مناسباتِ استخدامِ الكلمة تواتراً،
إلى حد كبير، واردة في إطار ديني. فحين تُختار كلمة بركة للدلالة حتى على نواحي
الفن الأكثر مادية، فإنما ذاك يكون لإسنادها إلى الله وإلى سخائه (أمثال 10: 6 و22،
سيراخ 33: 17)، أو أيضاً إلى تقدير رجال الخير. (أمثال 11: 11، 28: 20، سيراخ 2: 8).
وتوحي البركة بصورة الرفاهية السوية، ولكن بصورة السخاء أيضاً نحو البائسين (سيراخ
7: 32، أمثال 11: 26)، و دوماً تذكّر بصورة عطف الله.

هذه
الوفرة، وهذا الهناء هما ما يسميه العبرانيون السلام، وغالباً ما تتّحد الكلمتان
معاً، إلا أنه إذا كانت كلتاهما تبرزان الاكتمال عينه في الغنى، فإن غنى البركة
الجوهري هو غنى الحياة، والخصوبة. إن البركة تُزهِر (سيراخ 11: 22 في النص العبري)
كجنة عدن (سيراخ 40: 17). ورمزها المفضل هو الماء (تكوين 49: 25، سيراخ 39: 22)،
والماء نفسه بركة أساسية لا غنى عنها (حزقيال 34: 36، ملاخي 3: 10). وكما يوحي
الماء في الوقت ذاته بالحياة التي يغذيها على الأرض، أنه يوحي أيضاً، نظراً إلى
مصدره السماوي، بسخاء الله، وبمجّانية عطاياه، وبقدرته المحيية. وتجمع نبوة يعقوب
بشأن يوسف كل هذه الصور: الحياة الخصبة، والماء، والسماء: "بركة السماء من
العلو، وبركات الغمر الراكد أسفل، وبركات الثديين والرحم" (تكوين 49: 25)0 إن
هذه الحساسية إزاء سخاء الله في عطايا الطبيعة، تُعِدُّ إِسرائيلَ لاقتبال مآثر
نعمته.

2. بَارَكَ:

يتضمن
الفعل تشكيلة من الاستعمالات بالغة التنوع، ابتداء من التحية العابرة الموجهة إلى
المجهول عابر الطريق (2 ملوك 4: 29)، والصيغ المعتادة للمجاملة (تكوين 47: 7 و10،
1 صموئيل 130: 10)، إلى أسمى هبات الإنعام الإلهي. وفي أغلب الأحيان، فإن الذي
يبارك هو الله، وتبث بركته الحياة دوماً (مزمور 65: 11، تكوين 24: 35، أيوب 1: 10).
لذلك فإن الكائنات الحية وحدها هي المؤهلة لاقتبالها، أما الأشياء الجامدة فإنها
تُكرَّس لخدمة الله وتُقدّس بحضوره، ولكنها لا تُبارَك.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أموريون ن

والآب
هو، بعد الله، مصدر الحياة، ولديه القدرة على أن يبارك. وبركته فعّالة، أكثر من
أية بركة أخرى، كما أن لعنته رهيبة (سيراخ 3: 8)، ولا بدَّ أن إرميا كان قد بلغ
منتهى التَعَب حين تجاسر ولعن الإنسان الذي بشّر أباه بأن ابناً ولد له (إرميا 20:
15، راجع أيوب 3: 3
).

ويحدثُ
غالباً، في مفارقة فريدة، أن يبارك الضعيفُ القويّ (أيوب 29: 13، مزمور 72: 13- 16،
سيراخ 4: 5)، وأن يتجاسر الإنسان فيبارك الله. ذلك أنه إذا لم يكن لدى
الفقير"شيء يعطيه للغني، وإذا لم يكن لدى الإنسان شيء يعطيه لله، فإن البركة
تقيم بين الكائنات تياراً حيوياً ومتبادلاً يسمح للأصغر بأن يبصر كرم القوي يفيض
عليه. فليس مخالفاً للعقل أن نبارك الله، وهو "المتعالي بركةً" (نحميا 9:
5)، فالأمر يتمثّل ببساطة في اعتراف بكرمه وتقديم الشكر له، وهذا هو الواجب الأول
(رومة 1: 21
).

3. مُبارَك:

وهو
اسمُ المفعول: يُعتَبَر الأكثر قوة بين ألفاظ البركة جميعاً. إنه يكوِّن مركز
الصيغة النموذجية للبركة الإسرائيلية: "مبارك فلان…!". هذه الصيغة وهي
ليست مجرد إثبات، ولا تمنياً محضاً، بل تنطوي على الحماسة أكثر مما تنطوي عليه
السعادة وتنطلق كصيحة أمام شخصية أعلن الله تواً بها قدرته وسخاءه، واختارها
"من بين الجميع": ياعيل، "على جميع الساكنات في الأخبية"
(قضاة 5: 24)، إسرائيل، "فوق جميع الشعوب" (تثنية 7: 14)، مريم،
"في النساء" (لوقا 1: 42 راجع يهوديت 13: 18)0 انه إعجاب أمام ما يستطيع
الله أن يصنعه في مختاره. إن الشخص المبارك هو في العالم بمثابة وحي من الله، فهو
إليه ينتمي بصفة خاصة، إنه "مبارك من يهوه"، كما أن بعض الأشخاص هم
"قديسو يهوه". ولكن، في حين أن القداسة التي تكرّس لله، تفصل عن العالم
الدنيوي، فإن البركة تجعل من الشخص الذي يعيّنه الله نقطة تجمّع ومصدر إشعاع.
فالقديس والمبارَك ينتميان كلاهما إلى الله، ولكنّ القديس يُعلن بالأحرى عظمة الله
التي لا تُدرَك، بينما يعلن المبارك سخاءه الذي لا ينفد.

وكما
أن الصيحة: "مبارك فلان…!" ننطلق متواترة وتلقائية، فإن الصيغة
المقابلة: "مبارك الله!" تنطلق أيضاً مثلها عن الدهشة التي يختبرها
الإنسان أمام مبادرة يكشف فيها الله قدرته. وهي لا تبرز عظمة المبادرة بقدر ما
تبرز ملاءمتها العجيبة، وصفتها كعلامة. ولنقلها مرةً أخرى: إن البركة هي استجابة
الإنسان لوحي الله (راجع تكوين 14: 20 ملكيصادق، تكوين 24: 27 أليعازر، خروج 18: 10
بترو، راعوت 4: 14 بوعز إلى راعوت
).

وأخيراً
فإن الصيحتين: "مبارك فلان…!" و"مبارك الله!" تترابطان
وتتجاوبان في أكثر من مناسبة: "مبارك أبرام من الله العلي مالك السماوات
والأرض!- وتبارك الله العلي الذي دفع أعداءك إلى يديك" (تكوين 14: 19-20،
راجع 1 صموئيل 25: 32- 33، يهوديت 13: 17- 18). وفي هذا التناغم الكامل، تظهر
الطبيعة الحقيقية للبركة. إنها انفجار كله إعجاب أمام مَنْ اختاره الله، ولكنها لا
تقتصر على الإنسان المختار، بل تتصاعد حتى الله الذي أعلن ذاته في هذه العلامة. إن
الله هو المبارك بالذات، وهو يحوز ملء كل بركة. فإذا بورك، فلا محلّ للظن بأن
شيئاً ما من أي نوع يضاف إلى غناه، وإنما معناه هو استسلام الإنسان لحمية ذلك
الوحي، مع دعوة الكون لحمده. إن البركة هي دائماً اعتراف علني بالقدرة الإلهية
وشكر على سخائها.

ثالثاً:
تاريخ البركة

إن
تاريخ إسرائيل كله هو تاريخ البركة التي وُعِد بها إبرهيم (تكوين 12: 3) والممنوحة
للعالم في يسوع "الثمرة المباركة" " لبطن مريم المبارك" (لوقا
ا: 42). على أن الاهتمام الموجه في كتابات العهد القديم إلى البركة، يشتمل على
العديد من الفروقات البسيطة، بحيث تتضمن البركة معانيَ شتى.

1. حتى ابراهيم:

بعد
أن بارك الخالق في البداية (تكوين 1: 28) الرجل والمرأة، إذا بهما يثيران
بخطيئتهما لعنة الله. ومع ذلك، فإنه إذا كانت الحيّة (3: 14) والأرض (3: 17) قد
لُعِنَتَا، فإن الرجل والمرأة لم يُلعَنا. فبعملهما،وبمعاناتها، بل غالباً بثمن
مشقّات الألم ستواصل الحياة مسيرتها(3: 16- 19). وبعد الطوفان، تُمنح الإنسانية
قدرة وخصوبة بواسطة بركة جديدة (9: 1). على أن الخطيئة لا تكف عن تفتيت
الإنسانية
وتحطيمها: ففي مقابل بركة الله إلى سام، هناك لعنة كنعان (9: 26
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يابين ن

2. بركة الآباء:

وعلى
العكس من ذلك، فإن بركة ابراهيم هي من طراز جديد. فليس من شك في أنه سيكون
لابراهيم أعداء في عالم ما زال منقسماً، وسيظهر الله له أمانته بأن يلعن أي شخص
(بصيغة المفرد) يلعنه. ولكن هذه الحالة ينبغي أن نظلّ استثنائية، وقصد الله يتجه
إلى مباركة "جميع أمم الأرض" (تكوين 12: 3). وكل ما يرويه كتاب التكوين
هو تاريخ هذه البركة.

أ)
إن البركات الصادرة من الآباء هي ذات طابع أكثر قدماً، وتظهرهم على أنهم يستمطرون
على أبنائهم، بصفة عامة، ساعة رحيلهم من الدنيا، قوى الخصوبة والحياة، "ندى
السماء ودسم الأرض" (تكوين 27: 28)، وفيض اللبن و"دم العنب" (49: 11
و12)، والقوة لسحق مقاوميهم (27: 29، 49: 8- 9)، وأرضاً يقيمون فيها (27: 28، راجع
27: 39، 49: 9) وتخليد اسمهم (48: 16، 49: 8…) وبأسهم. وندرك في هذه المقطوعات
ذات الإيقاع، في هذه الروايات، حلم القبائل البدوية الباحثة عن موطن، المندفعة
للذود عن استقلالها، الواعية وقتئذ مع ذلك بأنها تكوّن جماعة حول بعض رؤساء وعشائر
محظوظة (راجع تكوين 49). وفي الجملة، هو حلم البركة، كما يتوق إليها تلقائيا بنو
البشر، وهم على استعداد لاكتسابها بجميع الوسائل، بما فيها العنف والخديعة (27: 18-
19
).

ب)
و يقيم كتاب التكوين فوق هذه الكلمات المعادة وتلك الروايات الشعبية، الوعود
والبركات التي نطق بها الله نفسه، لا ليتنصل منها، ولكن كي يضعها في مكانها
المناسب داخل إطار عمل الله. وثمة في بركات الله. إشارةً إلى اسم قوي (تكوين 12: 2)،
وذرية بلا عدد (15: 5)، وأرض للإقامة فيها (13: 14- 17). ولكن هنا يتولى الله
بذاته زمام مستقبل خاصته، فيغير اسمهم (17: 5 و15)، ويجعلهم يجتازون التجربة (22: 1)
والإيمان (15: 6)، ومنذئذ يحدد لهم وصية (12: 1، 17: 10)0 انه يقصد فعلاً إشباع
رغبة الإنسان، ولكن بشرط أن يكون ذلك داخل الإيمان.

3. البركة والعهد:

هذه
الرابطة بين البركة والوصية هي أصل العهد ذاته: فالشريعة هي الوسيلة لتوفير الحياة
لشعب "مقدس لله" وبالتالي "مبارك من الله". وهذا ما تعبّر عنه
رتب العهد. فالعبادة هي، طبقاً للعقلية الدينية وقتذاك، الوسيلة المفضلة لضمان
توفّر البركة الإلهية، وتكون، بفضل الاتصال بالأماكن والأزمنة والطقوس المقدسة،
الوسيلة لتجديد -ما هي إلا قوة ضعيفة هزيلة- القوة الحيوية للإنسان وللعالم الذي
يعيش فيه. وطبقاً لدين يهوه، لا تكون العبادة صحيحة إلا في إطار العهد والأمانة
للشريعة. وإن بركات قواعد العهد (خروج 23: 25)، والإنذارات لجماعة شكيم أيام يشوع
(يشوع 24: 19)، والبركات العظمى في تثنية الاشتراع (تثنية 28: 1- 14) هذه جميعها
تفترض أساسا ميثاق عهد يعلن مطالب إرادة الله، ثم انضمام الشعب إليها، وأخيراً طقس
العبادة الذي يثبّث الاتفاق ويسبغ عليه قيمة مقدسة.

4. الأنبياء والبركة:

لا
يعرف الأنبياء قط لغة البركة. فمع أنهم رجال الكلمة وفاعليتها (اشعيا 55: 10- 11)،
ورغم علمهم بأنهم مدعوّون ومختارون من قبل الله، ضمن آيات لعمله، (إشعيا 8: 18)،
فإن عمله فيهم باطني عميق، بالغ الثقل، ضعيف الوضوح والانتشار، لدرجة أنه لا يثير
فيهم وحولهم صيحة البركة. ورسالتهم، التي تقوم على التذكير بشروط العهد، وشجب
مخالفتها، لا تدفعهم إلى المباركة. ومن بين الأساليب الأدبية التي يستخدمونها، فإن
أسلوب اللعنة مألوف لديهم، بينما أسلوب البركة مجهول عملياً.

ومما
يستلفت النظر في المقام الأول، أن نرى في بعض الأحيان، في عمق لعنة ذات طابع
تقليدي، ظهور صورة أو تأكيد يعلن بأن وعد البركة يظل قائماً صحيحاً، وأنه من اليأس
ستنطلق الحياة بمثابة "زرع مقدس" (إشعيا 6: 13). وهكذا ينطلق الوعد بحجر
الزاوية في صهيون في وسط اللعنة ضد الحكام الحمقى الذين يحسبون أن المدينة منيعة
(إشعيا 28: 14- 19)، كما أن النبوة العظمى في حزقيال عن انسكاب الروح، وهي الحافلة
بصور البركة، الماء، والأرض والحصاد، تنتهي، بحسب منطق إلهي، بدينونة إسرائيل
(حزقيال 36: 16- 38
).

5. أناشيد البركة:

تكوّن
البركة أحد الموضوعات الكبرى لصلاة إسرائيل، فهي الجواب على كل عمل الله – الذي
يقوم على الوحي. وهي قريبة جداً من الشكر، والحمد أو الاعتراف، وقائمة على الأساس
نفسه، ولكنها أكثر منها كلها قرباً من الحدث الذي يكشف الله فيه عن ذاته، وتحتفظ
بصفة عامة بنبوة أكثر بساطة: "تبارك الرب فإنه جعل لي رحمته العجيبة"
(مزمور 31: 22)، "الذي لم يجعلنا لأسنانهم فريسة" (مزمور 124: 6)،
"الذي يغفر جميع آثامك" (مزمور 103: 2). وحتى ترنيمة الفتية الثلاثة في
الأتون، التي تدعو الكون لأن يرنّم بمجد الرب، لا تغفل صنيع الله الذي أتمّه تواً:
"لأنه أنقذنا من الجحيم" (دانيال 3: 88
).

رابعاً:
مباركون في المسيح

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر أخبار الأيام الأول 16

الله
الآب، الذي لم يضنَّ بابنه، بل أسلمه إلى الموت من أجلنا، كيف لا يهب لنا معه كل
شيء (رومة 8: 32)؟ ففيه منحنا كل شيء، فصرنا لايحوزنا شيء من هبات النعمة (1
كورنتس 1: 7)، وأصبحنا "مع ابراهيم المؤمن" (غلاطية 3: 9 راجع 3: 14)
"مباركين لكل بركة روحية" (أفسس 1: 3). وفيه نقدم الحمد للآب على عطاياه
(رومة 1: 8، أفسس 5: 20، كولسي 3: 17). إن حركتَيْ البركة: النعمة التي تنزل،
والشكر الذي يتصاعد. يلقيان في يسوع المسيح. فليس ثمة شيء يجاوز هذه البركة، وجمع
المختارين المتجمّعين تجاه العرس وتجاه الحمل ليرنموا لنصرتهم النهائية، يصيحون
بصوت جهير: لله "البركة والمجد والحكمة والشكر… إلى أبد الدهور!"
(رؤيا 12: 7
).

وهكذا،
فان لم يكن العهد الجديد كله سوى البركة الكاملة يتلقاها الله ويرجعها إليه، لكان
مع ذلك أبعد من أن يبقى دوماً ممتلئاً بألفاظ التبريك، نظراً إلى أنها نادرة
نسبياً ومستعملة في مواضع معيّنة. ذلك يكفي لتحديد دور البركة الكتابية تحديداً
دقيقاً.

1. مبارك الآتي:

لا
تقدم الأناجيل سوى نموذجاً واحداً لبركة موجهة إلى يسوع، ذلك هو صيحة الجمع وقت
دخوله أورشليم، تبجيل آلامه: "مبارك الأتي" (متى 21: 9//) وليس ثمة شخص
توفرت فيه مثل يسوع صورة المبارك، الذي يعلن الله في بعلامات باهرة، قدرته وصلاحه
(راجع أعمال 10: 38). إن مجيئه في العالم يثير موجة من البركات: لدى أليصابات
(لوقا 1: 42)، ولدى زكريا (1: 68) ولدى سمعان (2: 28)، ولدى مريم نفسها (دون
التصريح بلفظ بركة 1: 46- 47)، إنه هو بداهةً مركز تلك البركات: أليصابات تهتف: "مباركة
ثمرة بطنك (1: 42). ولكن، فيما عدا النموذج الفريد في يوم الشعانين، لم يبارك أحد
المسيح نفسه مباشرة. وليس غياب البركة هذا من باب الصدف لعله يعكس المسافة التي
قامت تلقائياً فرسخت بين يسوع والبشر. فإن باركنا أحداً نكون بشكل ما متحدين به.
وقد يفيد غياب البركة أيضاً نقص الاكتمال في وحي المسيح، ما دام عمله لم يبلغ بعد
غايته، والغموض الذي يظل محيطاً بشخصه حتى موته وقيامته. وعلى العكس من ذلك، في
كتاب الرؤيا، حينما يأتي الحمل الذبيح ليتولى سلطانه على العالم بتسلّمه الكتاب
الذي فيه مصائر الكون مختومة، تهتف له السماء كلها: "الحمل الذبيح هو الأهل
لأن ينال القدرة… والمجد والبركة" (رؤيا 5: 12 و13) ويكون للبركة هنا نفس
اتساع المجال والوزن اللذين لمجد الله.

2. كأس البركة:

نطق
يسوع ببركة، قبل أن يكثّر الخبزات (متى 14: 19//)، وقبل أن يوزع الخبز الذي صار
جسده (متى 26: 26//)، وقبل أن يكسر الخبز في عماوس (لوقا 24: 30). ونحن أيضاً
"نبارك كأس البركة" (1 كورنتس 10: 16). فهل تعني البركة في هذه النصوص
إشارة خاصة أو صيغة معينة متميزة عن الكلمات الإفخارستية بالذات، أم أنها تشكل
مجرد عنوان للكلمات التي تليها؟ أليس في ذلك ما يهمنا. فالواقع أن العبارات الواردة
بشأن الإفخارستيا توثق الرابطة بين البركة ورفع الشكر، وفي هذه الرابطة تمثل
البركة الجانب الطقسي والمرئي الإشارة والصيغة، بينما يعبر الشكر عن مضمون
الإشارات والكلمات. إن هذا الطقس، من بين جميع الطقوس التي أمكن الرب إتمامها في
حياته، هو الوحيد الذي يوفر لنا الاحتفاظ به، لأنه طقس العهد الجديد (لوقا 22: 20).
وتجد البركة فيه تمامها الكامل، إنه عطية يُعبّر عنها في قول نافذ فوراً. إنه
العطية الكاملة من الآب إلى أبنائه، أي كل نعمته، كما هو العطية الكاملة من الابن
إذ يقدم حياته للآب، وكل شكرنا نرفعه متحداً بشكره، إنه عطية الخصوبة، سر الحياة
ووحدة الشركة.

3. بركة الروح القدس:

إن
كانت عطية الإفخارستيا تتضمن كل بركة الله في المسيح، وإن كان فعل يسوع الأخير هو
البركة التي يستودعها كنيسته (لوقا 24: 51)، وتلك التي يحركها فيها (لوقا 24: 53)،
فإن العهد الجديد، مع ذلك، لا يقول في أي موضع أن يسوع المسيح هو بركة الآب. ذلك
أن البركة، في واقع الأمر، هي دائماً إلهية، الحياة التي يتم قبولها واستيعابها.
والهبة هي، في المقام الأول، الروح القدس. ليس بمعنى أن يسوع المسيح مُعطًى لنا
بأقل مما يعطى الروح القدس، ولكن الروح يُعطَى لنا ليكون فينا العطية التي ننالها
من الله. وعبارات العهد الجديد واضحة الدلالة. إن المسيح لنا، هذا حقيقي، ولكنّ
الحقيقة بنوع أخص أننا نحن للمسيح (راجع 1 كورنتس 3: 23، 2 كورنتس 10: 7). وأما عن
الروح فيقال بخلاف ذلك مرات عديدة إنه يُعطَى لنا (مرقس 13: 11، يوحنا 3: 34،
أعمال 5: 32، رومة 5: 5)، وإننا نناله (يوحنا 7: 39، أعمال 1: 8، رومة 8: 15)،
وإنه حالّ فينا (رومة 8: 9، رؤيا 3: 1)، لدرجة أنه يرد الحديث تلقائياً عن
"هبة الروح القدس" (أعمال 2: 38، 45: 10، 11: 7). إن بركة الله، بالمعنى
الكامل للكلمة، هي روحه القدوس. هذا، وإن هذه الهبة الإلهية، التي هي الله نفسه،
تحمل كل سمات البركة. فمواضيع البركة العظمى هي: الماء الذي
يحيى، والولادة والتجديد،
الحياة والخصوبة، الملء والسلام، الفرح وشركة وحدة القلوب، هذه كلها هي أيضاً ثمار
الروح القدس.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي