بنهدد

 

اسم
ثلاثة من ملوك أرام (سورية) وردت أسماؤهم في الأسفار التاريخية من الكتاب المقدس.
و " هدد " هو إله العواصف عند الآراميين، والأرجح أنه هو نفسه "
رمون " (2مل 5: 18)، وفي الأشورية " رَمَّانو " أي "
المرعد"، وكان هيكله في دمشق. واسم " بنهدد " او " ابن هدد
" يتفق مع العادة المألوفة في الأساطير السامية من اعتبار الملك ابن الأله
القومي، كما يقال عن " ميشع " إنه " ابن كموش "، وان الموآبين
هم " أبناء كموش ". ويبدو أن اسم بنهدد أصبح لقباً مميزاً لملوك أرام (عا
1: 4، إرميا 49: 27)
.

أولا
بنهدد الأول: هو " ابن طبريمون بن حزيون ملك أرام الساكن في دمشق " (امل
15: 18). ويحتمل جداً أن" حزيون " هو نفسه " رزون " (امل 11: 23،
25) الذي أسس مملكة دمشق وبدأ العداء مع إسرائيل، ذلك العداء الذي أصبح وراثياً
بينهما.

1- تأسيس مملكة أرام (سورية): في ذلك الوقت كان
الأراميون قد استطاعوا تحرير أنفسهم من سيطرة الحثيين، وجعلوا من دمشق عاصمة لهم،
وأقاموا مستوطنات قوية في السهول الواقعة غربي نهر الفرات. وفي الوقت الذي ارتقى
فيه بنهدد العرش، كانت أرام قوة في تلك المنطقة من غربي أسيا. وعلى استعداد
لانتهاز كل فرصة للتوسع ومد سيطرتها.

2- أرام ويهوذا: سنحت تلك الفرصة باستنجاد أسا ملك
يهوذا بملك أرام ضد بشعا ملك إسرائيل، فلقد كانت مملكتا إسرائيل في عداء مستمر منذ
انفصالهما، وكان بعشا قد امتد بحدوده في الجنوب إلى الرامه على بعد خمسة أميال من
أورشليم، وأراد أن يحصن ذلك الموقع المتقدم. ولم يكن من اليسير على آسا أن يسكت
على وجود مدينة حصينة للعدو تطل على عاصمته، كما لم يحتمل مذلة اقتراب عدوه منه
إلى هذا الحد. وهنا تذكر بنهدد، و " أخذ آسا جميع الفضة والذهب الباقية في
خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك، ودفعها ليد عبيده وأرسلهم الملك آسا إلى بنهدد
" طالباً منه أن ينقض عهده مع بعشا ملك إسرائيل، ويعقد حلفا معه، حتى يتمكن
آسا من طرد عدوه. وهنا وجدها بنهدد فرصة سانحة لتوسيع مملكته، فنقض عهده الذي عمله
مع يربعام وبعشا " وضرب عيون ودان وآبل بيت معكة وكل كنروت مع كل أرض نفتالي
" في شمالي إسرائيل، فاضطر بعشا إلى الانسحاب من الرامة ليقيم في عاصمته ترصة
(1مل 15: 16 21). وهكذا تنفست يهوذا الصعداء، ولكنها دفعت الثمن غالياً، فقد دفع
اسا لبنهدد كل كنوزه، ولعله دفع شيئاً من استقلاله أيضاً.

3-قصر نظر آسا: ولمَا بدا من آسا من قصر نظر بوضعه
نفسه تحت التزام لبنهدد، واستناده على أرام ولم يستند على الرب الهه، أرسل الرب
إليه حناني الرائي ليوبخه (2 أخ 16: 1 10). لقد وسع بنهدد مملكته بهذا العمل،
ويبدو أنه قد صار له نوع من النفوذ على مملكتي إسرائيل.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر حكمة سليمان الأنبا مكاريوس أسقف عام 17

ثانيا
بنهدد الثاني:

1- والأرجح أنه ابن بنهدد الأول والمعروف في الآثار
باسم " هدد عزر " أو " هدد إدري ". ويظهر لأول مرة على صفحات
الكتاب المقدس في الاصحاح العشرين من سفر الملوك الأول، وقد جمع " كل جيشه
واثنين وثلاثين ملكاً معه (من التابعين له) وخيلاً ومركبات وصعد وحاصر السامرة
وحاربها " (امل 20: 1)، وكانت السامرة عاصمة إسرائيل الجديدة التي كان قد
بناها عمري منذ عهد قريب (امل 16: 24 28)، وأوشك أخآب ملك إسرائيل على التسليم
لولا المطالب المهينة التي أرسل بها بنهدد إليه، فاضطر أخآب للمقاومة التي شجعه
عليها شيوخ الشعب، وبناء على مشورة أحد الأنبياء، شن أخآب غارة مفاجئة على بنهدد
ومن معه وهم يسكرون في الخيام، وهزمهم هزيمة منكرة حتى أن بنهدد نفسه نجا بصعوبة
على فرس من الفرسان (امل 20: 17 21)
.

1- الحملات ضد إسرائيل: في السنة التالية، أراد
الأراميون أن يثأروا لهزيمتهم قائلين: " إنِّ آلهتهم الهة جبال لذلك قووا
علينا، ولكن إ ذا حاربناهم في السهل فإننا نقوى عليهم، (امل 20: 23). وكان النبي
قد حذر أخآب ملك إسرائيل من عودة الأراميين، وهكذا كان أخآب مستعداً لملاقاتهم.
ونزل الجيشان أحدهما مقابل الآخر لمدة سبعة أيام، "وكان بنو إسرائيل نظير
قطيعين صغيرين من المعزي "، وأما الأراميون فملأوا الأرض. وفي اليوم السابع
اشتبكت الحرب بالقرب من " أفيق "، ومرةأخرى انكسر الأراميون كسرة شديدة،
وأثبت " الرب " أنه إله الجبال وإله السهول أيضاً. واحد بنهدد أسيراً،
ولكنه استنجد بمروءة أخاب وشهامته وحلمه، وتوسل إليه أن يبقي على حياته.

2- تحالفة مع أخآب: استجاب أخآب لتوسلات بنهدد وعفا
عنه وعقد معه صلحاً، على أن يردله المدن التي أخذها أبوه من إسرائيل، وإن يجعل
الإِسرائيلون لهم أسواقاً في دمشق كما جعل الأراميون لهم أسواقاً في السامرة (امل
20: 1 34). وقد استنكر النبي هذه المعاهدة، وأنذر آخآب بأن الرجل الذي أفلته من
يده، هو رجل قد حرمِّه الرب، وسيكون هلاك أخآب وشعبه على يديه، وبناء على المعاهدة،
أقاموا ثلاث سنين بدون حرب بين أرام وإسرائيل (امل 22: 1)
.

3-التاريخ الكتابي وتأييد الآثار له: هذه المعاهدة
وما أعقبها من سنوات السلام، تؤيدها بشكل عجيب الكتابات الاثرية وبخاصة على عمود
شلمنأسر الثاني، حيث نعلم أن هذا الملك في السنة السادسة من ملكه
(854 ق.م.) عبر
الدجلة ثم عبر الفرات على قوارب من جلود الغنم ووصل إلى " هالمان " (حلب)
في سوريا، والتقى في كركر بالحشود المتجمعة من جيوش دمشق وحماة وإسرائيل والولايات
التي أتحدت جميعها لصد تقدمه غرباً. ويذكر أسماء " اهابو سيرالي " (أي
آخاب ملك إسرائيل)، " وداد إدري " (أي هدد عزر وهو بنهدد الثاني) ملك
دمشق، مع ذكر المركبات والخيل والمشاة وقد احتشدت كلها ضد شلمنأسر. وتحمل بنهدد
وطأة الهجوم، وكانت نتيجة المعركة استئصال شأفة الجيوش المتحالفة وقتل 14.000 رجل.
ولاشك في أن مساندة إسرائيل لبنهدد في هذه المعركة، جاءت نتيجة المعاهدة المعقودة
بينه وبين اخاب، وان هذا التجمع ضد شلمنأسر حدث في أثناء السنوات الثلاث من السلام
بينهما.

هل تبحث عن  م الأباء ترتليان الدفاع عن الإيمان 45

4-نقض التحالف: يبدو أن الكارثة التي حلت بالحلفاء،
جعلت عقد تحالفهم ينفرط، فأول ذكر بعد ذلك في الكتاب المقدس لملك أرام، جاء
بمناسبة دفاعه عن مدينة راموت جلعاد لصد هحوم أخآب عليها أو كان حليفه في هذا
الهجوم يهوشافاط ملك يهوذا، ولكن محاولتهما لم تنجح في استرداد المدينة من أرام
رغم اضمحلال قوة أرام في ذلك الوقت، وكانت النتيجة وبالاً على أخآب، ولم يكن مع
بنهدد في راموت جلعاد اثنان وثلاثون ملكاً، بل كان معه اثنان وثلاثون قائداً من
رؤساء المركبات عوضاً عن الملوك (امل 22و 2، 29 31)
.

5-بنهدد وأليشع النبي: وبعد أن انصرم حبل السلام
بين أرام وإسرائيل، دارت رحى الحرب بينهما بصورة تكاد تكون مستمرة، برزت فيها صورة
النبي أليشع، الذي شفى نعمان السرياني قائد جيش بنهدد من برصه، وكشف لملك إسرائيل
أماكن حشود بنهدد، وضرب بالعمى جيشاً ثقيلاً جداً أرسله بنهدد مع حيل ومركبات لإلقاء
القبض على أليشع في دوثان، ثم قاد أليشع هذا الجيش إلى السامرة، وجعل ملك إسرائيل الذي
أراد الفتك بهم أن يكرمهم ويردهم إلى سيدهم بسلام (2 مل 6: 8 23)
.

6-ارتعاب الأراميين أمام السامرة: بعد ذلك بزمن،
حشد بنهدد جيوشه مرة أخرى وحاصر السامرة، فحدث فيها جوع شديد حتى أن الأمهات أكلن
أولادهن. وأرسل ملك إسرائيل أحد رجاله ليفتك بأليشع، ولكن أليشع أمر بغلق الباب
عليه وحصاره، ثم أعلن أليشع أنه في الغد ستفيض المدينة بالخير، وهو ما حدث فعلا،
فإن بعض البرص وقد دفعهم اليأس جاءوا إلى محلة الأراميين، واكتشفوا أن الأراميين
قد تركوا خيامهم وهربوا في رعب شديد، ظانين أن ملك إسرائيل قد استأجر عليهم ملوك
المصريين والحثيين لفك الحصار عن السامرة (2مل 6: 24 7: 2)
.

7-مقتل بنهدد: هناك ملحوظة أخرى عن بنهدد في
حوليات شملنأسر، فقد سجل أنه في السنة الحادية عشرة من ملكه هزم حلفا من اثني عشر
ملكاً من الحثيين مع بنهدد الذي كان على رأسهم، وأنه قتل 10.000 رجل، ولا تذكر هذه
الحادثة في الكتاب المقدس، ولكن لابد أن هذا قد حدث قبيل المأساة التي أودت بحياة
ملك أرام. فقد مرض بنهدد وأرسل قائده حزائيل إلى النبي أليشع الذي كان في زيارة
لدمشق ليسأله عما إذا كان سيشفى من مرضه. فتنبأ أليشع بموت الملك، ثم بكى وهو يحكى
لحزائيل ما سيفعله بملكه وبشعب إسرائيل، فاستنكر حزائيل ذلك، ولكنه انطلق من أمام
اليشع، وفي الغد قتل سيده غدراً وأنهي بذلك حياة ملك من أعظم ملوك أرام.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس هـ هوداياهو و

ثالثاً
بنهدد الثالث: وهو ابن حزائيل الذي اغتصب عرش أرام بعد اغتياله لملكه بنهدد الثاني،
ومع أنه لم يكن من عائلة بنهدد، إلا أنه عند موت أبيه، اعتلى العرش واتخذ لنفسه
هذا اللقب.

2- معاصروه: كان بنهدد الثالث معاصراً لأمصيا ملك
يهوذا، ويهوآحاز ابن ياهو ملك إسرائيل، ورمّان نيراري الثالث ملك أشور. وكانت قوة
إسرائيل قد ضعفت في أيام يهو آحاز، وكان حزائيل ونهدد الثالث الآلتين اللتين
استخدمهما الرب لقصاص الأمة. ولم يكن لدى يهوآحاز
"أكثر من
خمسين فارساً وعشر مركبات وعشرة آلاف راجل، لأن ملك أرام قد أفناهم ووضعهم كالتراب
للدوس " (2مل 13: 7). وعندما وصل ضعف إسرائيل إلى أقصى مداه بسبب مضايقات ملك
أرام وهو بنهدد الثالث وقتئذ أرسل الرب لهم مخلصاً فخرجوا من تحت يد الأراميين،
"وأقام بنو إسرائيل في خيامهم (أو بيوتهم كأمس وماقبله (2مل 13: 5). ويبدو أن
هذا المخلص الذي يتحدث عنه الكتاب هو رمَّان نيراري الثالث ملك أشور في ذلك الوقت.

2- الأشوريون في الغرب: تسجل النقوش رماّن نيراري
الثالث انتصاراته في حملته على الغرب، فيذكرأحد النقوش: " من الفرات إلى أرض
الحثيين، وكل الأقليم الغربي بما فيه صور وصيدون، وبلاد عمري
((إسرائيل)، وأدوم، وفلسطين
حتى البحر الكبير الذي عنده تغرب الشمس، كل هذه قد أخضعتها، ووضعت عليها نيري،
وفرضت عليها الجزية. لقد زحفت على أرام (سوريا) دمشق، وحاصرت " ماري "
ملك أرام في دمشق في مدينة ملكه "، ثم يواصل الحديث عن اخضاع الملك والغنائم
التي أخذها من عاصمته. والمعتقد عموماً الأن، ان
"ماري
" ومعناها في الأرامية " السيد " إنما هو بنهدد الثالث بن حزائيل.

3-سقوط دمشق في يد رمّان نيراري الثالث: وباستيلاء
الأشوريين على دمشق وانهيار الدولة الأرامية التي كان على رأسها " ماري
" (بنهدد الثالث)، أمكن لإِسرائيل ويهوذا أن تستعيدا قوتهما وازدهارهما، فحدث
أن عاد " يوآش بن يهوآحاز وأخذ المدن من يد بنهدد بن حزائيل، التي أخذها من
يد يهوآحاز أبيه بالحرب، ضربه يوآش ثلاث مرات واسترد مدن إسرائيل " (2 مل 13:
25). وأمكن إسرائيل أن تتنفس بحرية لفتره ما. واستعاد يربعام الثاني ملك إسرائيل
كل ممتلكات بلاده كما كانت في عصرها الذهبى، ولكن نار الحرب التي أرسلها الرب على
بيت حزئيل والتي أكلت قصور بنهدد (عاموس 1: 4، إرميا 49: 27) كانت في انتظار الوقت
الذي فيه يتفرغ الأشوريون لتجديد حملاتهم على الغرب ويسبون السامرة وإسرائيل
" إلى ماوراء دمشق " (عا 5: 27)
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي