جلجثة

 

وهي
مشتقة من الكلمة الارامية " جولجالتا " التي تعني " جمجمة "،
وقد ترجمت في ثلاث مواضع " بموضع الجمجمة " (مت 27: 33، مرقس 15: 22،
يوحنا 19: 17)، وفي لوقا " الموضع الذي يدعى جمجمة " (23: 33). ويتضح
لنا من العهد الجديد انها كانت تقع خارج المدينة (عب 13: 12). ولكن على مقربة منها
(يو 19: 20). ومن الواضح ايضا انها كانت تقع على قارعة طريق عام (مت 27: 39) يجتاز
فيها القادمون من الحقول (مرقس 15: 21)، كما انها كانت ترى عن بعد من بعض الاماكن (مرقس
15: 40، لوقا 23: 49)
.

اولا
الاسم: قد تعود تسمية هذا الموقع " بالجلجثة " او " الجمجمة "
إلي الاسباب الاربعة الاتية:

(1) كونها الموضع الذي كانت تلقي فيه الجماجم أي انها كانت الموقع المخصص
لتنفيذ احكام الاعدام. وقد نشا هذا الاعتقاد منذ عصر جيروم (396 420 م)، الذي يرفض
ما سنتعرض له في السبب الثالث، حيث انه يقول: " كان هناك موضع خارج المدينة
حيث كانت تقطع رؤوس المجرمين المحكوم عليهم بالاعدام، ومن هنا جاءت تسميته
"بالجمجمة ". قد بني عدد من الكتاب هذه الفكرة فيما بعد. ولكن يعترض
البعض على هذا الراي بانه ليس ثمة دليل على انه كان هناك في القرن الاول موضع مخصص
يقوم فيه اليهود بتنفيذ احكام الاعدام. وحتى لو ان مثل هذا المكان كان موجودا
فانهم كانوا يسمحون بدفن الجثث (مت 27: 58، يوحنا 19: 38) بحسب ما جاء في الناموس
اليهودي (تث 21: 23)، وتبعا للعادات المالوفة كما يقول يوسيفوس.

(2) نشا حديثا اعتقاد وجد قبولا لدى الكثيرين بان هذه التسمية تعود إلي شكل
التل الذي يشبه " الجمجمة "، ولكننا لا نجد اثرا لهذه الفكرة لدى الكتاب
الاوائل، سواء من اليونانيين او من اللاتينيين. كما انه لم يرد في البشائر مطلقا
ما يدل على ان الطلب حدث على مكان مرتفع. ويقول ابيفانيوس بوضوح (من القرن الرابع):
انه لا يوجد بالمكان شيء يطابق هذه التسمية فهو ليس قائما على تل ليطلق عليه
" موضع الجمجمة " باعتباره يشغل موضع الراس بالنسبة للجسد البشري
".

وقد
بدا التقليد بتسميته " جبل الجلجثة " منذ القرن الرابع، فاقيمت على
الموضع كنيسة القبر المقدس. اما فكرة مطابقة شكل التل للجمجمة فلم تنشا الا حديثا.
وقد جمع " جوته

" (Gothe)
ما بين السببين الثاني والثالث في فكرة واحدة معتبرا ان هناك مرتفعا
ما يشبه الجمجمة، درج الناس على النظر اليها على اعتبارها جمجمة اول انسان. اما
اغرب الاعتقادات، فهو ما اتى بها الجنرال غوردون، من ان التشابه مع الجمجمة هو في
محيط المنطقة كما يتضح من اول وهلة عند النظر إلي خريطة اورشليم.

هل تبحث عن  هوت عقيدى قانون الإيمان قانون الإيمان 11

(1) اما السبب الثالث فيرجع إلي تقليد قديم يعود إلي ما قبل المسيحية، بان
جمجمة ادم وجدت هناك. واول من ذكر هذا التقليد هو اوريجانوس (185 253 م) الذي عاش
في اورشليم عشرين عاما، حيث كتب يقول: " لقد سمعت تقليدا يقول بان جسد ادم
الانسان الاول قد دفن في نفس الموضع الذي صلب فيه المسيح ". وقد إشار إلي نفس
هذا التقليد اثناسيوس وابيفانيوس وباسيليوس القيصري وفم الذهب وغيرهم من الكتاب،
وما زال هذا التقليد يتردد إلي يومنا هذا، حيث يشار إلي وجود قبر ادم وجمجمته في
كهف محفور اسفل الجلجثة. ويعد هذا اقدم تفسير لاسم " الجلجثة " وبالرغم
مما يبدو من غرابته لارتباطه بادم، الا انه قد يكون اكثرها قربا من الحقيقة.

(2) هناك نظرية اخرى تخرج عن دائرة الاحتمال وهي ان مدينة " ايلياء
كابيتولينا " (اورشليم الجديدة) التي بناها الامبراطور هادريان، كانت تقوم
فوق المكان الذي تقوم عليه كنيسة القبر المقدس، ومن هنا جاء اسم " الجلجثة
"، وهي نظرية تعنى انه لم يطلق على الموقع هذا الاسم، الا في القرن الثاني،
وكل الإشارات اليه في الاناجيل ادخلت اليها في ذلك القرن. وهي نظرية لا تتفق مطلقا
مع التاريخ والمنطق السليم.

ثانيا
الموقع: لم يعطنا العهد الجديد أي علامة تشير إلي مكان الصلب (والذي يرتبط به ايضا
مكان القبر). وقد افترض الذين لا يسلمون بالتقليد، اماكن كثيرة تمتد إلي جميع جهات
المدينة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. وهناك رايان سائدان: (1) ان مكان الصلب وبالتالي
القبر نفسه لا بد وان يكونا في حدود منطقة كنيسة القبر المقدس.

(1) من المرجح ان تكون المنطقة المعنية هي ذلك التل الدائري المعشب بالبارز
فوق ما يسمى " بكهف إرميا " والواقع إلي الشمال الشرقي من بوابة دمشق
الحديثة.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس أخبار سارة عربية مشتركة عهد قديم سفر العدد 03

ولا
يمكن ان ندخل هنا في تفاصيل هذا الموضوع الذي يحتاج إلي سلسلة طويلة من الابحاث
الدقيقة المعقدة، الا ان كتاب " الجلجثة والقبر المقدس " " لسير
تشارلز ويلسون " يقدم عرضا رائعا له. ونكتفي هنا بذكر بعض النقاط:

(1) بالنسبة للنظرة التقليدية، يمكن القول بانه من غير المعقول تماما ان
يتعرض مثل هذا المكان المقدس، وبخاصة " القبر " للنسيان التام. صحيح انه
تم طرد اليهود والمسيحيين من اليهود إلي خارج اورشليم بعد الثورة العظمى الثانية (130
133 م)، الا انه كان لدى المسيحيين من الامم حرية العودة، وبالتالي لم تكن ثمة
فترة طويلة تسمح بفقدان اثر مثل هذا المكان. وفي الواقع هناك تقليد بان الوثنيين
قد عمدوا إلي تدنيس المكان باقامة مبانيهم فوقه لمضايقة المسيحيين. ويكتب يوسابيوس
(من عصر قسطنطين) عما كان شائعا في ذلك الوقت من وجود القبر اسفل معبد افروديت،
كما بيدي ملاحظاته عن اكتشاف الاماكن التي كانت موضع التكريم والتبجيل باعتبارها
الجلجثة والقبر، واقامة الكنائس فوقها. ولم تفقد هذه الاماكن الاحترام والتبجيل
منذ عهد قسطنطين حتى الان (ارجع إلي مادة " اورشليم " في المجلد الاول
من هذه الدائرة)
.

ومن
الصعب على الزائر لاورشليم ان يدرك مدى التغيير الذي حدث في مركز اورشليم، فقد كان
اولا في الاكمة والسفوح الجنوبية التي كانت مكتظة بالمساكن في عهد المسيح، ولكنها
اصبحت شبه خالية، وانتقل مركز المدينة منذ القرن الرابع إلي كنيسة القبر المقدس.

وليس
هناك من الاسباب ما يمنع من التسليم بان مكان الصلب هو المكان الذي يشير اليه
التقليد. وكما يقول سير ويلسون في ختام كتابه: "ليس هناك أي اعتراض بشان
المكان (المختص بالجلجثة والقبر) من القوة بحيث يزعزع ثقة الذين يؤمنون كل الايمان
بصحة الاماكن التي قدستها صلوات اعداد لا تحصى من الحجاج منذ زمن قسطنطين
".

(2) يبدو ان " تل الجمجمة " او " التل الاخضر " قد
استرعى اولا انتباه "اوتو ثينيوس " (1842)، ولكنه وجد في الكولونيل
كوندر ودكتور سيلا ميريل القنصل الامريكي في اورشليم اعظم مدافعين. ولكن بفحص
الامر، نجد:

(أ) موقعه المرتفع الرائع، الذي لا بد ان يشد انتباه أي زائر ويثير
خياله، فخضرة التل الناضرة وهي اول منطقة خضراء في كل ما يحيط بالمدينة لا بد ان
تؤثر في العقل الباطن لاي انسان نشا منذ صباه على التفكير في " التل الاخضر
البعيد " كما تقول الترنمية الانجليزية المشهورة ولكنا عندما نفحص الموضوع
تاريخيا، لا نجد ادنى سبب للظن بان صلب يسوع وهو واحد من مئات عديدين قد تم في مثل
هذه البقعة التي اضفي عليها تقدير الناس منذ امد بعيد، هذه الاهمية البالغة، بل
ليس هناك دليل مطلقا على ان الصلب قد حدث فوق تل، وبالحرى فوق مثل هذا المكان
الرائع.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر المزامير بولس فغالى 34

(ب) ويشد انتباه الكثيرين التشابه بين هذا الموقع وبين الجمجمة
البشرية. ولكننا نستطيع القول بلا تردد، ان اهم وجوه التشابه وهي محجرا العينين
والقمة المستديرة،ليست إشياء قديمة، فمحجرا العينين حدثا نتيجة اعمال التنقيب التي
ترجع إلي نحو قرنين من الزمان. بل لعل كل تكوين التل، بمنحدره الحاد إلي الجنوب،
وكمية التراب التي تراكمت على القمة حتى ارتفاع عشرة اقدام او اكثر، هي من فعل
السنين بعد زمن العهد الجديد.

(ج) ان قرب الموقع من اسوار المدينة، والطريق الشمالي العظيم، هو الذي
يجعل الموقع ملائما الان، ولكن لم تكن الاوضاع هكذا في ايام العهد الجديد، الا اذا
ثبت ان السور الشمالي الحالي قد بني على خط مسار السور الثاني (ارجع إلي مادة
" اورشليم " في المجلد الاول من هذه الدائرة)
.

(د) يبني البعض حجتهم على ان ذلك الموضع كان المكان التقليدي عند
اليهود لتنفيذ احكام الرجم، ولكن هذا التقليد المزعوم لا اساس له من الصحة. ولو
فرض انه كان مكان الرجم، فليس ذلك بدليل على انه "الجلجثة ". فالرجل
الشرقي باحترامه العظيم للمواقع التقليدية، لا بد ان يتاثر بوجود كنيسة القبر
المقدس التي يقول التقليد انها تغطي مكان القبر والجلجثة وغيرها من المواقع المقدسة.
اما السائح الغربي فهو يريد معاينة اورشليم وكل ما يحيط بها ليستكشف انسب الاماكن
لاعظم ماساة في التاريخ، فيشد انتباهه ويثير خياله " تل الجمجمة "، وكلا
الفريقين راض عن رايه.

اما
الذهن المتجرد من هذه التاثيرات، عندما يفحص كل ما لها وما عليها، يجد نفسه مضطرا
لان يقول: انه رغم انه لا دليل على أي من الرايين، فان الحجة الاقوى مع الموقع
التقليدي.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي