حكم
الكنيسة

 

ليس
من السهل أن نتعرف بدقة مطلقة على نوعية ادارة الكنيسة في العهد الجديد بكافة
جوانبها، ولكن هناك ملامح عامة محددة:

أولأ:
المدخل للموضوع:

إن
أفضل مدخل لهذا الموضوع هو الكلمة اليونانية "إكليسيا
" (ekklesia) المترجمة
"كنيسة"، فا ستعراض تاريخ هذه الكلمة وعلاقتها بالكلمات العبرية
المترجمة أحياناً كنيسة، وهى "قاهال" أو "إدهاه"، يساعدنا على
الوصول إلى المعنى الذى يستخدم فيه العهد الجديد كلمة " إكلسيا "، فهناك
معنيان متميزان للكلمة، معنى عام ومعنى محلي:

1) الكنيسة العامة: والمسيح هو "رأس فوق كل شيء للكنيسة التي هي
جسده" (أف 1: 22)، "كنيسة أبكار مكتوبين في السموات" (عب 12: 23)،
فتذكر الكنيسة هنا بمعناها الواسع الشامل لجميع المفديين في الأرض وفي السماء وعلى
مدى كل العصور (أنظر أف 1: 22، 3: 10، 5: 22- 27، كو 1: 24
).

2) الكنيسة المحلية: والشواهد الكتابية هنا محيرة جداً، يأتي بعضها في
صيغة المفرد، وبعضها في صيغة الجمع، بعضها يشير إلى كنيسة بعينها، والبعض الآخر
بدون تخصيص، لكن في كل هذه الأحوال نجد الإشارة إلى كنيسة محلية، فنقرأ أن بولس
وبرنابا "اجتمعا في الكنيسة"، والمقصود بها هنا هي الكنيسة في أنطاكية
(أع 11: 26). كما أنهما – بولس وبرنابا أيضاً – انتخبا لهم قسوساً في كل
كنيسة" (أع 14: 23) أي في كل كنيسة من الكنائس التي أسساها.

ونجد
في الأصحاحين الثاني والثالث من سفر الرؤيا الرسائل إلى كنائس آسيا السبع. كما
نقرأ أن الكنائس كانت "تتشدد في الإيمان" (أع 16: ه) كا نجد الإشارة إلى
الكنيسة المحلية في العديد من الشواهد (انظر أع 8: 1، 15: 4، 16: 5، 17: 20، رو 16:
4، 1كو 1: 2، 4: 6، 11: 16، غل 1: 2 و 22… إلخ
).

والكنيسة
المحلية هى موضوع الحكم في الكنيسة، فالحكم في الكنيسة يقتصر كل الجماعة المحلية
فقط.

 

ثانياً:
الترتيب الداخلىللكنيسة:

هناك
عدة نقاط يمكن استخلاصها فيما يختص ببناء الكنائس في العهد الجديد، وبحياتها:

(1) أعضاء الكنائس: كانت الكنائس تتكون من الأشخاص
الذين أعلنوا إيمانهم بالمسيح واختبروا التجديد ثم اعتمدوا (أع 2: 41 و 44 و 47، 8:
12، رو 1: 8، 6: 4، 10: 9 و10، 1كو 1: 2، كو 1: 2 و 4، 1تي 6: 2… إلخ) حيث يدعى
هؤلاء "القديسين" و"أبناء الله" و"الإخوة المؤمنين"
أو "الأمناء" و"المقدسين في المسيح يسوع
".

(2) تنظيمات محددة: إنها جماعات مستديمة منظمة وليست
جماعات وقتية مفككة من أفراد. فمن المستحيل أن يخطر على بالنا أن كنيسة أنطاكية
كانت مجموعة مفككة من أناس تجمعوا لغرض عابر. كما أن رسائل الرسول بولس إلى رومية
وكورنثوس وفيلبي وتسالونيكى، إنما هى رسائل إلىجماعات دائمة ودقيقة التنظيم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ن نِعِمَّا ا

(3) الخدام: وكان يقوم بالخدمة في هذه الكنائس نوعان
من الخدام: خدام على المستوى العام، وخدام على المستوى المحلي.

(أ) خدام على المستوى العام: وفي مقدمتهم "الرسول" (1كو 12:
28 ؛ أف 4: 11)، وكانت علاقة الرسول بالكنائس علاقة عامة. و لم يكن حتماً أن يكون
الرسول واحداً من الأحد عشر رسولاً، فبالإضافة إلى متياس (أع 1: 26)، دعي أيضاً
البعض رسلأ مثل "بولس وبرنابا" (1كو 9: 5 و 6)، ويعقوب أخي الرب (غل 1: 19)،
وأندرونكوس ويونياس (رو 16: 7). وكان المؤهل اللازم في جميع الحالات – لمن يدعى رسولاً
– هو أن يكون قد رأى الرب بعد قيامته (أع 1: 22، 1كو 9: 1) والمؤهل الآخر هو أن
يكون قد صنع "علامات الرسول" (2 كو 12: 12، أنظر أيضاً 1كو 2: 9)، كان
عليه أن يشهد بما رأى وسمع وأن يبشر بالإنجيل (أع 1: 8، 1كو 1: 17)، أن يؤسس كنائس
ويهتم بأمورها بصفة عامة (2كو 11: 28
).

وواضح
من طبيعة المؤهل الرئيسي المطلوب أن عمل الرسول كان يختص بعصر معين في بداية
الكنيسة، ولكن خدمة الرسل باقية في رسائل العهد الجديد.

يأتي
بعد ذلك "النبي"، وكانت علاقته بالكنائس أيضاً ذات طبيعة عامة، و لم يكن
من الضروري أن يكون قد رأى الرب، ولكن كان من ضروريات خدمته الروحية، أن يكون صاحب
إعلانات من الله (أف 3: 5)، ولا توجد أدنى إشارة إلى أن وظيفته كانت وظيفة إدارية
بأي حال من الأحوال.

وبعد
"النبى" يأتي "المبشر" و"المعلم" فالمبشر هو كارز
متجول، أما المعلم فصاحب موهبة خاصة قادر على التعليم.

ثم
تأتي بعد ذلك مجموعة من المواهب الخاصة، من مواهب "الشفاء"
و"الأعوان" و"التدابير" و "الألسن". ولعل مواهب
"الأعوان والتدابير" يقصد بها خدمة الشمامسة والأساقفة الذين سنتحدث
عنهم فيما بعد.

(ب) خدام محليون: كانت هناك وظيفتان متميزتان في الكنيسة المحلية لهما
صفة الدوام في كنائس العهد الجديد، حيث يكتب الرسول بولس إلى "جميع القديسين
في المسيح يسوع الذين في فيلبي مع أساقفة وشمامسة" (في 1: 1
).

وأكثر
الألقاب استخداما للأساقفة هي "الشيخ
" (Presbuteros) ويدعى
أيضاً (راعياً) (أف 4: 11). ويتضح من سفر الأعمال (17: 20- 28) أن الشيخ والقسيس
والأسقف والراعى هي جميعها ألقاب لشخص واحد، حيث يحث الرسول "قسوس"
كنيسة أفسس على "رعاية الكنيسة التي أقامهم" الروح القدس فيها
أساقفة" (أنظر تي 1: ه و7، 1بط 5: 1 و 2
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ح حَيّات مُحْرقة ة

لقد
كان عمل الشيوخ – على وجه العموم- عملاً روحيا، لكنه كان يشمل الإشراف عل جميع
شؤون الكنيسة (1تي 3: 2، 5: 17
).

أما
الوظيفة الثانية في الكنيسة المحلية، فلا يذكر لنا العهد الجديد عنها سوى القليل.
فليس من المؤكد أن وظيفة الشماس قد نشأت بتعيين "السبعة" الذين نقرأ
عنهم في الأصحاح السادس من سفر أعمال الرسل. ولو عقدنا مقارنة بين المؤهلات التى
رأى الرسل ضرورة توفرها في "السبعة"، وتلك التي يذكرها الرسول بولس (1تي
3: 8- 13)، لبدا لنا أن الضرورة التى نشأت في أورشليم والتى أدت الى إقامة
"السبعة" كانت هى حقاً المناسبة التي نشأت فيها وظيفة الشماس في الكنيسة.
كان العمل الذي عُهد به إلى "السبعة" عمل دنيوي، هو
"خدمة
الموائد" لكي يريحوا الرسل من عبء هذا العمل. ويبدو أن الشمامسة قد حملوا عبء
عمل شبيه بهذا بالنسبة للشيوخ.

(4) الوظائف الكنسية: لقد قام الشيوخ والشمامسة
بأسمى الخدمات للكنيسة:

(أ) فكانوا يقبلون الأعضاء، فقد أناط الرب بالكنيسة – مسبقاً –
مسئولية الحكم الفاصل في التأديب الكنسي. فعندما تتخذ الكنيسة قراراً يصبح أمراً
نافذاً. فلم يكن ثمة توجيه لرفع الأمر إلى جهة أعلى. وقد كان في كنيسة كورنثوس رجل
أدين بخطية مشينة ضد الطهارة، فأعطى بولس التعليمات الموجزة الخاصة لإجراء التأديب
اللازم (1كو 5: 5). وكان على الكنيسة أن تعمل بمقتضى ما كتبه لهم الرسول بولس، وأن
يتم ذلك وهم "مجتمعون" أي أن الحكم يجب أن يصدر عن الكنيسة مجتمعة معاً.
ويشير الرسول إلى نفس القضية إشارة يتبين منها أنهم قد عملوا بمشورته، وأن ذلك تم
بناء على رأي الأغلبيه ("الأكثرين" – 2 كو 2: 6). كما ينصح الرسول
بإعادة العضو المستبعد بعد أن أعلن توبته. فاستبعاد الأعضاء واستعادتهم يجب أن
يتما بمعرفة الكنيسة مجتمعة، وهذا بالطبع ينسحب أيضاً على قبول الأعضاء الجدد لأول
مرة.

(ب) اختيار الخدام الآخرين: يصدق هذا على حالة "السبعة" (أع
3: 6-13 أنظر حالات أخرى مثل: أع 15: 22، 1 كو 16: 3، 2 كو 8: 1 – 6، في 2: 25).
ويبدو – من أول وهلة – أن ما جاء في سفر الأعمال (14: 23) وفي الرسالة إلى تيطس (1:
ه) يتوافق مع ما جاء في الشواهد الكتابية السابقة، ففي سفر الأعمال (14: 23) نجد
بولس وبرنابا قد
"انتخبا
شيوخاً في كل كنيسة من الكنائس التي أسساها"، ولكن هناك البعض من أقدر
العلماء – رغم تمسكهم بالنظام الأسقفي أو المشيخي لإدارة الكنيسة – يؤكدون أن بولس
وبرنابا قد أقاما الشيوخ الذين انتخبتهم الكنائس، وأن بولس وبرنابا أقاما أولئك
الشيوخ بموافقة أعضاء الكنائس المعنية. أما الكلمة المترجمة يقيم
(Katasteses) في الرسالة
إلى تيطس (1: ه) فأيسر في فهمها لأنها تحمل معنى التعيين أكثر من معنى الانتخاب.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م ماقص ص

(ج) ممارسة الفرائض: أعطى الرسول بولس التعليمات لكنيسة كورنثوس بخصوص
حفظ "عشاء الرب" (1كو 11: 20-34)، ولم يعطها لأي خادم أو مجموعة من
الخدام، بل إلى الكنيسة. والفريضتان (العشاء الرباني والمعمودية) – من الناحية
الكنسية – على مستوى واحد، فإذا كانت إحداها قد أوكل أمرها الى الكنائس، فلا بد أن
يكون الأمر مماثلاً مع الأخرى.

(5) هيئات مستقلة ذاتياً: كان تدبير شؤون الكنيسة
موكولاً لكل كنيسة، ويكتب الرسول بولس إلى الكنيسة في كورنثوس: "ليكن كل شيء
بلياقة، وبحسب ترتيب" (1كو 14: 40). ويتضمن هذا الأمر الشامل أن تتولى كل
كنيسة شؤونها بنفسها.

 

ثالثاً:
السلطة الخارجية:

بالدراسة
المتفحصة لهذا الموضوع، نجد أنه ليس في العهد الجديد أى مبرر للرتب الكنسية، والتي
على أساسها تنشأ سلسلة من الرتب المتصاعدة لإدارة شؤون الكنائس، يتكون منها نظام
عريض ضخم يسمى "الكنيسة". كما لا نجد مطلقاً أي أساس لوجود سلسلة
متصاعدة من المحاكم للنظر في قضية نشأت أصلاً في كنيسة محلية، بل نرى – على العكس
من ذلك – أن كل كنيسة محلية قد أوكل لها المسيح تدبير شؤونها الخاصة، وأنه منح كل
كنيسة الأهلية للقيام بكل عمل يتعلق بشؤونها.

وكما
أنه لا سيادة لأي سلطة كنسية خارجية على الكنائس، فيجب بالحري ألا تتدخل أي سلطة
مدنية في شؤون الكنيسة. لقد
علَّم الرب يسوع المسيحين أن يكونوا مواطنين
صالحين (مت 22: 15 – 22)، وكذلك فعل الرسل (رو 13: 1 – 7، 1بط 13: 2- 16). كما أن
الرب يسوع علَّم بأن ملكوته هو ملكوت روحي: "مملكتى ليست من هذا العالم"
(يو 18: 36)، فيتبع ذلك أنه حين تتماس حياة الكنيسة مع الحياة المدنية للمجتمع،
يكون للسلطة المدنية الحق أن تتدخل فيما يخصها.

 

رابعاً
– العلاقات التعاونية:

بينما
تستقل كل كنيسة محلية عن الأخرى – حسب تعليم العهد الجديد- بمعنى أنه لا سلطة
لكنيسة على كنيسة أخرى، إلا أن هناك علاقات تعاون بين الكنائس، مثلما نجد ذلك في
كثير من الشواهد (انظر رو 15: 26 و 27، 2كو 8، 9، غل 2: 10، 3 يو 8). إن مبدأ
التعاون – البادي في هذه الحالات – لا حدود له، فيمكن أن تتعاون الكنائس في أمور
التأديب بطلب المشورة وتقديمها. وباحترام إجراءات التأديب عند الكنائس الأخرى. وفي
المجال الفسيح للكرازة بالإنجيل للأمم، يمكن للكنائس أن تتعاون بالعديد من الطرق.
وليس هناك دائرة من دوائر العمل المسيحي لا يمكن أن تتعاون الكنائس فيها طواعية
وإلى أبعد حد من أجل خلاص البشرية وخير العالم، تقدمه.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي