حكمة

Sagesse

المقدمة

العهد
القديم

أولاً:
حكمة بشرية وحكمة بموجب الله

1. منشأ الحكمة في بني إسرائيل:

2. الحكمة المقصودة في هذا البحث:

3. نحو الحكمة الحقيقية:

ثانياً:
مظاهر الحكمة

1. فن للنجاح في الحياة:

2. تأمّل في الوجود:

3. العلاقة ما بين الحكمة والوحي:

ثالثاً:
حكمة الله

1. تجسيد الحكمة:

2. الحكمة الإلهية:

3. نشاط الحكمة الإلهية:

4. مواهب الحكمة:

العهد
الجديد

أولاً:
يسوع والحكمة

1. يسوع معلم الحكمة:

2. يسوع حكمة الله:

ثانياً:
حكمة العالم والحكمة المسيحية

1. رذل حكمة العالم:

2. الحكمة الحقيقية:

ثالثاً:
مظاهر الحكمة المسيحية

1. حكمة ووحي:

2. حكمة وحياة خلقية:

 

 

المقدمة

تشترك
كل ثقافات الشرق القديم في البحث عن الحكمة. وقد تركت لنا مصر، وبلاد ما بين
النهرين (العراق) تراثاً غنياً في آداب الحكمة. وأما أسطورة الحكماء السبعة فهي
ذائعة الصيت. تتوخّى، هذه الحكمة هدفاً عمليّاً: أن يتصرف الإنسان بفطنة ومهارة
لينجح في الحياة. يتطلب ذلك نظرة فاحصة عن العالم، كما أنه يقود أيضاً إلى تنظيم
قواعد أخلاقية لا تخلو من ارتباط بالدين (لاسيّما في مصر). في القرن السادس ق. م.،
يتجه هذا التأمل في بلاد اليونان اتجاهاً يغلب عليه الطابع النظري، وتتحول الحكمة
إلى فلسفة. فإلى جانب العلم الذي لا يزال في طور الجنين، والفنون التي تبدأ في
النمو، تؤلف الحكمة عنصراً هاماً من عناصر المدنية. فهي بمثابة الثقافة الإنسانية
للشعوب القديمة.

في
الكتاب المقدس، تتخذ كلمة الله هي أيضاً صورة حكمة. وهو أمر له أهميته، ولكن ينبغي
أن نفسره تفسيراً صحيحاً. إن ذلك لا يعني أن الوحي في مرحلة ما من مراحل نموه، قد
تحول إلى ثقافة إنسانية. فالحكمة الملهمة، حتى عندما تمتلك ما هو جليل في الحكمة
البشرية؟ فإنها تختلف عنها تماماً في طبيعتها. إن هذا الأمر الذي نستشفه في العهد
القديم، يصبح واضحاً في العهد الجديد.

العهد
القديم

أولاً:
حكمة بشرية وحكمة بموجب الله

1. منشأ الحكمة في بني إسرائيل:

باستثناء
يوسف (تكوين 1 4: 39- 40) وموسى (خروج2: 10، راجع أعمال 7: 21 -22)، لم يتعرف بنو
إسرائيل على حكمة الشرق، إلا بعد استقرارهم في أرض كنعان، ولا بدّ من أن ننتظر
بزوغ العهد الملكي، لنشاهد انفتاحهم على تلك الثقافة الإنسانية السائدة في عصرهم.

يأخذ
سليمان المكان الأول في هذا المضمار: "إن حكمة سليمان فاقت حكمة كل الشرقيين،
وحكمة كل مصر" (1 ملوك 5: 9- 14، ر 1 جع 10: 76 و 23- 24). وتشير كلمة
"الحكمة" هنا في آن واحد، إلى ثقافته الشخصية وفنه الفريد في حسن
القيادة. ولا تخلق هذه الحكمة الملكية أي مشكل بالنسبة إلى المؤمن، فهي هبة من عند
الله، نالها سليمان بصلاته (1 ملوك 3: 6- 14). ذلك تقدير فيه كثير من التفاؤل، نجد
له صدى في أماكن أخرى: فحيثما كان كتبة البلاط يتدرّبون على ممارسة شتّى ضروب
الحكمة (راجع العناصر القديمة في كتاب الأمثال 15 إلى 22، 25 إلى 29). كان
المؤرخون الملهمون يثنون على يوسف المدبَر المدرب. الحاصل على حكمته من عند الله
(تكوين" 41 و 47
).

2. الحكمة المقصودة في هذا البحث:

إلاّ
أن هناك حكمة وحكمة: حكمة حقيقية، وهي التي من عند الله فهو تعالى الذي يهب
الإنسان " قلباً قادراً على التمييز بين الخير والشر" (1 ملوك 3: 9).
على أن البشر جميعاً، على غرار أبيهم الأول، مجربون بتجربة اغتصاب هذه الميزة
الإلهية، أي اكتساب "معرفة الخير والشر" (تكوين 3: 5- 6) بقواهما الخاصة.
وحكمة باطلة، وهي التي تجذبهم نحوها الحيّة بحيلها (تكوين 3: 1). تلك هي حكمة
الكتبة الذين يحكمون قي كل شيء، طبقاً لوجهات نظر بشرية، و"يحولون إلى كذب
شريعة الرب" (إرميا 8: 8). وتلك هي حكمة المستشارين الملكيين الذين يتبعون
سياسة محض بشريّة (راجع إشعيا 29: 15- 17
).

يقاوم
الأنبياء هذه الحكمة الأخيرة: "ويل للذين هم حكماء في أعين أنفسهم، عقلاء
أمام وجوههم " (إشعيا 5: 1 2). وسيعمل الله على إبادة حكمتهم (إشعيا 29: 14).
إنهم سيسقطون في الفخ، لأنهم رذلوا كلمة الرب (إرميا 8: 9). لأن هذه الكلمة هي
المنبع الوحيد للحكمة الحقيقية، وهي التي سوف تتعلمها الأرواح التي ضلّت الطريق،
بعد إنزال العقاب بها (إشعيا 29: 24). وأما الملك، ابن داود، الذي سيملك " في
آخر الأزمنة فسوف يحوزها حيازة كاملة، ولكنه سيستمدها من روح " الرب (إشعيا
11: 2). وعلى هذا النحو، ينبذ التعليم البنوي تجربة الجهد الإنساني الذي يدعي
الإكتفاء الذّاتي: إن خلاص الإنسان هو من عند الله وحده
.

3. نحو الحكمة الحقيقية:

قد
أيّد خراب أورشليم وعد الأنبياء، فقادت حكمة المستشارين الملكيين الكاذبة إلى
الخراب والدمار، وما أن أزيل هذا الإلتباس، حتى تمكّنت الحكمة الحقيقية من
الإزدهار بحرية في بني إسرائيل. ويقوم أساسا على الشريعة الإلهية التي تجعل من شعب
إسرائيل الشعب الوحيد الحكيم والفهيم (تثنية 4: 6). أما مخافة الرب فهي رأس هذه
الحكمة وكمالها. (أمثال 9: 10، سيراخ 1: 14- 18، 19: 20
).

هل تبحث عن  م الإنسان خبرات فى الحياة شكل هرمي ي

إن
الكتبة الملهمين، دون أن يهملوا، في حال من الأحوال، تطلعات هذه الحكمة الدينية،
سوف يدمجون فيها من الآن وصاعداً، كل ما قد يقدمه التأمل البشري من خبرات مفيدة.
وتظهر في كتب الحكمة المنشورة أو المؤلفة بعد السبي ثمرة هذا الجهد. ولا غرو، إن
الفكر الإنساني، بعد شفائه من ادعاءاته المتعجرفة، قد أخذ يزدهر على ضوء الإيمان.

ثانياً:
مظاهر الحكمة

1. فن للنجاح في الحياة:

يتميز
الحكيم برغبته في معرفة الطبيعة (1 ملوك 5: 13). إنه يعجب بها، وعلى ضوء إيمانه،
يرىَ فيها يد الله القديرة (أيوب 36: 22 إلى 37: 18، 38 إلى 41 " سيراخ 42: 15
إلى 43: 33). إلا أن ما يشغله. فوق كل اعتبار آخر. هو أن يعرف كيف يعيش حياته،
ليحظى بالسعادة الحقيقية. ويستحق لقب حكيم أيضاً كل إنسان خبير في صناعته (إشعيا
40: 20، إرميا 9: 16، 1 أيام 22: 15)، إلا أن الحكيم أيضاً هو الخبير الماهر في فن
حسن التصرف. ينظر إلى العالم من حوله نظرة ثاقبة، ومتحررة من الأوهام ويعرف ما في
العالم من شرور، دون أن يرضى عنها (راجع أمثال 13: 7، سيراخ 13: 21- 23). والحكيم،
وهو الخبير في النفس البشرية، يعرف ما يخفيه قلب الإنسان، ما يفرحه وما يحزنه
(راجع أمثال 13: 12، 14: 13، جامعة 7: 2- 6). على أنه لا يكتفي بدور الرقيب هذا.
فهو كمربّ موهوب بالفطرة، يضع قواعد السلوك لتلاميذه، من حيث الفطنة، والإعتدال في
الرغبات، والعمل، والتواضع، والرصانة، والقناعة والصراحه في الكلام الخ… فكل
آداب الوصايا العشر متضمنة في نصائحه العملية. وبوحي من الروح الاجتماعية الواضحة
في كتاب التثنية وكتب الأنبياء، يلقي "الحكيم النصائح الخاصة بالصدقة (سيراخ
7: 32 34، طوبيا 4: 117)، وتقديس العدالة (أمثال 11: 1، 17: 15)، والعناية
بالفقراء (أمثال 14: 31، 17: 5، سيراخ 4: 1- 10). ثم يدعّم نصائحه، مستشهداً
بالخبرة، ولاسيما خبرة الشيوخ، إلا أن إلهامه العميق يأتيه من مصدر آخر أعظم بكثير
من الخبرة. ولما كان قد حصل على هذه الحكمة بجهد شاق، فإنه لا يبغي شيئاً سوى
تسليمها إلى غيره (سيراخ 51: 13 30)، داعياً تلاميذه إلى التدرّب بشجاعة على هذه
الصناعة الشاقة (سيراخ 6: 18- 37
).

2. تأمّل في الوجود:

لا
ينبغي أن ننتّظر من معلم الحكمة الإسرائيلي تفكيراً نظرياً (ميتافيزيقياً) عن
الإنسان، وطبيعته، وقواه، الخ. إلا أنه، عوضاً عن ذلك، يمتاز بشعور حاد بخصوص وضعه
في الوجود، ويبحث باهتمام عن مصيره. كان الأنبياء يعطون أهمية خاصة لمصير شعب الله
ككل، وكلام حزقيال عن المسئولية الفردية لا يمثل إلا الإستثناء عن القاعدة (حزُقيال
14: 12، 2، 18، 33: 10 – 20
).

لا
ينبغي أن ننتّظر من معلم الحكمة الإسرائيلي تفكيراً نظرياً (ميتافيزيقياً) عن
الإنسان، وطبيعته، وقواه، الخ. إلا أنه، عوضاً عن ذلك، يمتاز بشعور حاد بخصوص وضعه
في الوجود، ويبحث باهتمام عن مصيره. كان الأنبياء يعطون أهمية خاصة لمصير شعب الله
ككل، وكلام حزقيال عن المسئولية الفردية لا يمثل إلا الإستثناء عن القاعدة
(حزُقيال 14: 12، 2، 18، 33: 10 – 20). وأما "الحكماء" فإنهم، دون أن
يهملوا التأمل في المصير الجماعي لشعب العهد (سيراخ 44 إلى 50، 36: 117. حكمة 10
إلى 12، 15 إلى 19)، يولون اهتمامهم الأكبر إلى حياة الأفراد
.

يرقّ
قلبهم إزاء عظمة الإنسان (سيراخ 24016 الى 17: 14). كما إزاء ضعفه (سيراخ 40: 1-11)،
وشعوره بالعزلة (أيوب 6: 11- 30، 19: 13 -22)، وقلقه " تجا5 الألم (أيوب 7،
16)، والموت (جامعة 3، سيراخ 41: 41)، كذلك إزاء انطباع الفراغ الذي يشعر به خلال
حياته (أيوب 14: 121، 17، جامعة 1: 4- 8، سيراخ 18: 8- 14)، واضطرابه إزاء الله
الذي يبدو له تارة ككائن يفوق إدراكه (أيوب 10)، وأخرى كأنه غائب عنه (23، 30 20 –
23
).

في
هذا الإطار، لا يمكن إغفال مسألة الجزاء، ولاسيما لأن المفاهيم التقليدية تقود إلى
إنكار العدالة (أيوب 9: 22- 24، 21: 7- 26، جامعة 7: 15، 8: 14، 9: 2-3). ولكن لا
بدّ من جهود طويلة، لكي تجد
المسألة حلّها في الإيمان بالقيامة"
(دانيال 12: 2- 3) والحياة الأبدية (حكمة 5: 15)، بتجاوز الجزاء الأرضي الذي طالما
يخيب الآمال.

3. العلاقة ما بين الحكمة والوحي:

لما
كان "الحكماء" يفسحون مكاناً هكذا رحباً للخبرة والتأمل البشري، كان من
الواضح أن يكون لتعليمهم صبغة خاصة تختلف عن الكلمة" النبوية، الصادرة عن
إلهام إلهي لا يخفى على النبي نفسه. ذلك لا يمنعه من إثراء العقيدة أيضا، بإلقائه
على المشاكل المطروحة أمامه ضوء الكتب المقدسة التي طالما تأملها طويلاً (راجع ابن
سيراخ 39: 1- 3
).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر طوبيا 13

غير
أنه في الأزمنة اللاحقة، تتلاقى النبوة والحكمة في أدب الرؤى، لتعلمنا أسرار
المستقبل. فإذا كان دانيال يكشف الأسرار" الإلهية (دانيال 2: 28- 30 و 47)،
فإنه يقوم بهذا غير مدفوع بحكمة بشرية (2: 30)، بل لأن الروح الإلهي الذي يسكن فيه
يهبه حكمة فائقة (5: 11 و 14)0 إن حكمة العهد القديم، ذات الطابع الديني، تأخذ هنا
شكلاً مميزاً، كان التقليد العبراني القديم يوحي به (راجع تكوين 41: 38- 39). يبدو
الحكيم حينذاك وكأنه ملهم من الله على غرار النبي.

ثالثاً:
حكمة الله

1. تجسيد الحكمة:

يصل
تقديس الحكمة عند كتبة ما بعد السبي إلى أن يلذ لهم، لإبرازها بوضوح أكبر، أن
يجسدوها على هيئة شخص (ذلك منذ أمثال 14: 1). في المحبوبة التي ينبغي البحث عنها
باشتياق (سيراخ 14: 22- 24) والأم الرؤوم (4 1: 26- 27)، والعروس التي تطعم خبز
العقل وتسقي ماء الحكمة (15: 32)، والمضيفة الكريمة التي تدعو إلى مأدبتها (أمثال
9: 1- 6)، بعكس المرأة الماجنة، التي ليس بيتها إلا رواق الموت (9: 1813
).

2. الحكمة الإلهية:

وعلينا
ألا نفهم هذا التجسيد كمجرد أسلوب أدبي. فلحكمة الإنسان أصل إلهي يستطيع الله أن
يمنحها لمن يشاء، لأنه تعالى هو الحكيم بالذات. وعلى ذلك يشاهد الكتبة الملهمون،
في الله، هذه الحكمة التي منها تصدر حكمتهم. وهي كائن إلهي يوجد منذ الأزل ويدوم
مدى الأزل (أمثال 8: 22- 26، سيراخ 24: 9
).

ولما
كانت الحكمة قد خرجت من فم العلي كنسمة منه أو ككلمة (سيراخ 24: 3)، فهي
"بخار قوة الله وصدور مجد القدير الخالص، فلذلك لا يشوبها شيء نجس، لأنها
ضياء النور الأزلي، ومرآة عمل اللّه النقية، وصورة جودته" (حكمة 7: 25- 26).
إنها تسكن في السماء (سيراخ 24: 7)، تجلس على عرش الله (حكمة 9: 4)، وتحيا في
علاقة حميمة معه (8: 3
).

3. نشاط الحكمة الإلهية:

ليست
هذه الحكمة مبدأ جمود. إنها تشترك في كل ما يصنعه الله في العالم. لقد كانت حاضرة
عند الخلق وكانت تلعب أمامه (أمثال 8: 27- 31، راجع 3: 19- 20، سيراخ 24: 5)، وهي
تواصل تدبير العالم (حكمة 8: 1) وعلى مرّ تاريخ الخلاص يبعثها الله في رسالة إلى
الأرض. ولقد استقرت في بني إسرائيل، وفي أورشليم مثل شجرة حياة (سيراخ 24: 7-19)،
مبدية ذاتها بشكل، واقعي في الشريعة (سيراخ 24: 23- 34). منذ ذاك وهي تقيم في ألفة
بين الناس (أمثال 8: 31، باروك 3: 37- 38). تلك الحكمة هي العناية التي توجّه
التاريخ (حكمة 10: 1 إلى 11: 4)، وتضمن للناس الخلاص (9: 18). إنها تلعب دوراً
يماثل دور الأنبياء، ملقية توبيخها على الأغرار الذين تعلنهم بالدينونة (أمثال 1: 20-
33)، داعية أبناء الطاعة للتمتع بكل خيراتها (أمثال 8: 1- 21و 32- 36)، والجلوس
إلى مائدتها (أمثال 9: 4- 6، سيراخ 24: 19- 22
).

ويعمل
الله بواسطتها كما يعمل بواسطة روحه (راجع حكمة 9: 17)، وإذن، فلا فرق بين قبولها
والإنقياد للروح. على أن كل هذه النصوص، والتي لم تجعل من الحكمة شخصاً إلهياً
بالمعنى الذي يقدمه العهد الجديد، إلا أنها تتعمق في البحث عن صميم سر حياة الله
الواحد، وتعد لوحي أكثر دقة.

4. مواهب الحكمة:

ليس
من المستغرب أن تكون هذه الحكمة للناس كنزاً يفوق كل ما سواه (حكمة 7: 7- 14).
وبرا أنها هي ذاتها هبة من عند الله (8: 21)، فهي الموزعة لكل الخيرات (أمثال 8: 21،
حكمة 7: 11): حياة وسعادة (أمثال 3: 13- 18، 8: 32- 36، سيراخ 14: 25- 27)، أمان
(أمثال 3: 21- 26)، نعمة ومجد (4: 8- 9) غنى وبر (8: 18- 20)، وجميع الفضائل (حكمة
8: 7- 8)… فكيف لا يحاول الإنسان أن يتخذها له عروساً (8: 2)؟ فهي التي، في
الواقع، تصنع أصدقاء الله (7: 22-28). لا فرق بين معاشرتها ومعاشرة الله نفسه.

عندما
سيعمل العهد الجديد على التطابق بين الحكمة والمسيح. ابن الله وكلمته، فإنه يجد في
هذا التعليم الإعداد الدقيق لوحي كامل: إن الإنسان، باتحاده بالمسيح، يشترك في الحكمة
الإلهية ويجد نفسه قد دخل في عشرة حميمة مع الله
.

العهد
الجديد

أولاً:
يسوع والحكمة

1. يسوع معلم الحكمة:

لقد
قدّم يسوع نفسه لمعاصريه بمظاهر متعددة: ظهر كنبي يحثّ على التوبة، إلا أنه أعظم
من نبي (متى 12: 41)، قدم نفسه كمسيا، إلا أنه لا بد له من أن يمر بآلام عبد الرب،
قبل أن يتمتع بمجد ابن الإنسان (مرقس 8: 29- 31)، وظهر أخيراً كمعلم، ولكن ليس على
طريقة الكتبة (مرقس 1: 21 – 22
).

على
أن خير ما يذكر بطريقة تعليمه، نجده في طريقة معلمي الحكمة في العهد القديم: إنه
عن طيب خاطر يستخدم أسلوبهم في العبر والأمثال، ويقدم مثلهم لتابعيه قواعد سلوك
للحياة (راجع متى 5: 7). لا يخطئ شهود العيان في فراستهم، إذا ما تعجبوا من هذه
الحكمة التي لا نظير لها، والمؤيدة بصنعٍ المعجزات (مرقس 6: 2)، وهذه الحكمة
يلاحظها أيضا لوقا منذ صبا المسيح (لوقا 2: 40، 52). ويقدّم يسوع، من جهته، حكمته
كموضوع مثير للتفكير: "ملكة الجنوب… جاءت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان،
وههنا أعظم من سليمان " (متى 12: 42
).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر نشيد الأنشاد 02

2. يسوع حكمة الله:

ما
من شك في أن يسوع، باسمه الخاص، يعد تابعيه بهبة الحكمة (لوقا 21: 15). وبعد أن
رفضه جيله غير المؤمن، وقبله ذوو القلوب المطيعة لله، يختم تعليمه عن الحكمة بهذا
القول العجيب: ولكن الحكمة قد برّها جميع نبيها" (لوقا 7: 35 أو 9 زكتها
أعمالها" (متى 11: 19). وينكشف إسلوبه بوضوح أعظم، عندما يطبق على نفسه
الأسلوب الذي كان ينسبه العهد القديم إلى الحكمة الإلهية: " تعالوا إلي…
" (متى 11: 28- 30، راجع سيراخ 24: 19)، من يأتني لا يرجع أبداً، ومن يؤمن بي
لا يعطش أبداً" (يوحنا 6: 35، راجع 4: 14، 7: 37، إشعيا 55: 1- 3،. أمثال 9: 1-
6، سيراخ 24: 19 -22
).

تتعدى
هذه النداءات ما نتوقعه من حكيم بين نظرائه الحكماء، إنها تجعلنا نستكشف سر شخصية
الابن (راجع متى 11: 25- 27//). وهذا القصد لم يخف على الرسل الذين يسمون يسوع في
كتبهم "حكمة الله (1 كورنتس 1: 24 و.3)، وذلك لأنه لا يشرك الناس في الحكمة
فحسب، بل وأيضاً لأنه هو بالذات الحكمة.

ولذا
عندما يتكلم الرسل عن وجوده السابق عند الآب، يستخدمون الألفاظ نفسها التي كانت
تستخدم فيما مضى لتعريف الحكمة الإلهية: أو بكر كل خليقة، وصانع الخلق (كولسي 1: 15-
17، راجع أمثال 8: 22- 31)، ضياء مجد الله وصورة جوهره (عبرانِيين 1: 3، راجع حكمة
7: 2625). إن الإبن هو حكمة الآب كما هو أيضاً كلمته (يوحنا 1: 1- 3). كانت هذه
الحكمة الشخصية مجربة في الله، وإن كانت تسوس العالم، وتوجّه التاريخ، وقد ظهرت
بطريق غير مباشر في الشريعة وفي تعليم " الحكماء". أما الآن فقد ظهرت في
يسوع المسيح. وهكذا في شخصه، تبلغ كل نصوص العهد القديم الحكمية هدفها النهائي.

ثانياً:
حكمة العالم والحكمة المسيحية

1. رذل حكمة العالم:

في
اللحظة التي تتجلّى فيها "الحكمة" على هذا الوجه الأسمى، تتجدد الدرامة
التي سبق الأنبياء وأبرزوا معالمها. تحوّلت حكمة هذا العالم إلى حماقة، منذ تجاهلت
الله الحيّ (رومة 1: 21 -22، 1 كورنتس 1: 1 2). وقد بلغت أقصى جنونها عندما
"صلب الناس رب المجد " (1 كورنتس 2: 8). من أجل ذلك، فقد رذل الله حكمة
الحكماء هذه (1: 19- 20، 3: 9 1- 20)، لأنها حكمة " دنيوية بشرية
شيطانية" (يعقوب 3: 15). فحتى يسخر الله بها، جزم أن يخلّص العالم بجهالة
الصليب (1 كورنتس 1: 17- 25). ولذا عندما يكرز المبشرون بإنجيل الخلاص،، فهم لا
يحتاجون إلى الحكمة البشرية، أو الثقافة، أو جمال الأسلوب (1 كورنتس 1: 17، 2: 1-
5): إن حماقة الصليب لا تحتمل الغش ولا الإلتباس.

2. الحكمة الحقيقية:

إذن
يبلغ إعلان الحكمة الحقيقية بطريقة غريبة وغير متوقعة. فلا يهبها الله للحكماء والفهماء،
بل للصغار (متى 11: 25). فإذلالاً للحكماء المتكبرين، اختار الله ما يعتبره العالم
حماقة (1 كورنتس 1: 27). وعلى هذا النحو، ينبغي أن نصير حمقى في نظر العالم، لكي
نصير حكماء بحسب الله (3: 18). لأن الحكمة المسيحية لا تكتسب بالجهد البشري، بل
بوحي من الآب (متى 11: 25- 27). وهي، في حد ذاتها، شيء إلهي، عجيب وخفي، ومن
المحال سبر غورها بالعقل البشري (1 كورنتس 2: 7- 9، رومة 11: 33- 35، كولسي 2: 3).
وإن كانت هذه الحكمة قد ظهرت في تحقيق الخلاص التاريخي (أفسس 3: 10)، فلا يمكن
منحها إلا بواسطة روح الله، لأولئك الذين ينقادون له (1 كورنتس 2: 10 -16، 12: 8،
أفسس 1: 17
).

ثالثاً:
مظاهر الحكمة المسيحية

1. حكمة ووحي:

يوجد
تقارب واضح بين الحكمة المسيحية، كما وصفناها، وبين ما جاء في كتب الرؤى اليهودية،
فهي ليست قبل كل شيء قاعدة سلوك، بل إعلان لسر الله (1 كورنتس 2: 6- 8)، وهي قمة
المعرفة الدينية التي يطلبها بولس من الله للمؤمنين (كولسي 1: 9)، والتي يستطيع
هؤلاء أن يعلّموها بعضهم بعضاً (3: 16) "بكلام مأخوذ عن الروح " (1
كورنتس 2: 13
).

2. حكمة وحياة خلقية:

ومع
ذلك فوجه الحكمة الخلقي لا يستبعد تماماً. فعلى ضوء وحي المسيح، حكمة الله، تكتسب
كل قواعد السلوك التي كان العهد القديم يلحقها بالحكمة بموجب الله ملء معناها.
وتشمل هذه القواعد لا الواجبات الرسولية المرتبطة بالعمل فقط (1 كورنتس3: 10،2
بطرس 3: 15)؟ بل وكل ما يتعلق بالحياة المسيحية اليومية (أفسس 5: 15، كولسي 4: 5).
حيث ينبغي الاقتداء بسلوك العذارى الحكيمات، لا العذارى الجاهلات (متى 25: 121).
وهذه الإرشادات الخلقية العملية التي يختم بها القديس بولس رسائله، تقوم هنا مقام
تعليم الحكماء القدامى. ويبدو هذا الأمر بوضوح أكثر في رسالة القديس يعقوب الذي،
بهذا الصدد بالذات، يقابل الحكمة الكاذبة "بالحكمة التي تنزل من فوق "
(يعقوب13: 3 -17). فهذه الأخيرة تتطلّب استقامة خلقية كاملة على المرء أن يجهد في
المطابقة بينها وبين أعماله، مع التماسها من الله في الوقت نفسه كعطية (يعقوب 1: 5
).

هذا
هو الاتجاه الوحيد الذي يسمح لثمار الثقافة الإنسانية بالاندماج في الحياة والفكر
المسيحيين. يجب على الإنسان الخاطئ أن يصلب نفسه ويرفض حكمته المتعالية، إن شاء أن
يولد ثانيةً في المسيح. إنه إذا ما صنع ذلك سيتخذ جهده البشري بجملته معنى جديداً،
لأنه يتم تحت إرشاد الروح.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي