ختان

 

كانت
عادة استئصال الغرلة وما زالت سائدة بين كثير من الأجناس في أجزاء مختلفة من
العالم في أمريكا وأفريقيا واستراليا كما كانت هذه العادة شائعة بين الساميين
الغربيين، من عبرانيين وعرب وموآبيين وعمونيين وأدوميين ومصريين، لكنها لم تكن معروفة
عند الأشوريين والبابليين. وكان الفلسطينيون في كنعان استثناء بالنسبة للمنطقة ككل.
لذلك كان يطلق عليها دائماً وصف "الغلف" أي غير المختونين. وكان الختان بصفة
عامة شرطاً أساسياً للتمتع بامتيازات دينية وسياسية معينة (خر12: 48،حز44: 9).
ولأن الدين كان يلعب في العالم القديم دوراً هاماً في الحياة، فيمكن القول بأن
الختان مثله مثل كثير من العادات الغريبة التي لا يعرف مرماها الأصلي قد نشأ كطقس
ديني. وقبل أن نعدد النظريات المختلفة التي حاولت استكشاف أصل ومعنى الختان، يحسن
بنا أن نستعرض بعض الإشارات الهامة التي وردت في العهد القديم عن الختان:

(أولاً) الختان في العهد القديم: عند إقامة العهد بين يهوه وأبرام،
كان الختان علامة العهد، حيث قال له الرب: "أقيم عهدي بينى وبينك وبين نسلك
من بعدك … لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك … وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من
بعدك في أجيالهم. هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: يختن
منكم كل ذكر، فتختنون في لحم رغلتكم،فيكون علامة عهد بيني وبينكم. ابن ثمانية أيام
يختن منكم كل ذكر في أجيالكم. وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من
نسلك … فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً. وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في
لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي"(تك17: 7 14
).

ولم
يكن مسموحاً للنزيل والغريب أن يأكلا من الفصح ما لم يختتنا: "وإذا نزل عندك
نزيل وصنع فصحاً للرب فليختن منه كل ذكر ثم يتقدم ليصنعه .. أما كل أغلف فلا يأكل
منه" (خر12: 48). وقد صنع يشوع سكاكين من صوَّان وختن بني إسرائيل في تل
القلف .. ودعي اسم المكان "الجلجال" (أي الدحرجة يش5: 1 9). فكان الختان
علامة مميزة لنسل إبراهيم. واستخدامهم آلات عفا عليها الزمن كسكاكين الصوَّان،
لدليل على مدى تمسكهم بهذا الأمر
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ق قُوشيّا قوشايا ا

كما
أن قصة قيام صفورة امرأة موسى بختان ابنها، تدل على أهمية الختان، كما أن ختان
الابن كان فيه نجاة موسى لأنها قالت له: "إنك عريس دم لي"(خر4: 24و25)،وكأن
ميثاق زواجها قد تأيد بسفك الدم من ابنها في عملية الختان.

(ثانياً) نظريات المنشأ: يمكن ترتيب النظريات التي ظهرت حول منشأ
الختان كما يلي:

(1) نظرية هيرودوت: يرجح هيرودوت عند كلامه عن
الختان عند قدماء المصريين أن الدافع إليه كان دافعاً صحياً، إلا أن تعليل نشأة
الختان بأسباب غير دينية، إنما هو تجاهل لمكانة وأهمية الدين في حياة الإنسان
البدائي.

(2) الختان علامة قبلية: وكثيراً ما كانت علامات
الوشم تؤدى نفس الغرض مع أنها كانت في الأصل على الأرجح طلاسم سحرية. وكانت علامة
القبيلة تجعل من الممكن لأحد أفراد القبيلة أن يتعرف على أي فرد آخر من قبيلته
وهكذا يتجنب إيذاءه أو قتله، كما كانت تمكِّن إله القبيلة من التعرف على أفراد
القبيلة الموضوعة تحت حمايته الخاصة. لقد جعل الرب على قايين علامة لكي لا يقتله
كل من وجده (تك4: 15). ويظن البعض بناء على ما جاء بنبوة إشعياء (44: 5) أن علامة
صاحب العمل كانت تنقش "توشم" على يد العبد، وكأن النبي يقول إن اليهود
كانوا يكتبون على أيديهم ما يدل على أنهم ينتمون إلى يهوه. ويقول الرب عن أورشليم:
"هوذا على كفَّي نقشتك، أسوارك أمامي دائماً" (إش49: 16). ومن جهة أخرى
ينهي الرب عن كتابة شيء على أجسامهم قائلاً: " لا تجرحوا أجسادكم لميت،
وكتابة وشم لا تجعلوا فيكم
" (لا19: 28)، إذ كان ذلك أمراً شائعاً
في الديانات الأخرى. وكانت علامة الوشم هذه تعمل عادة في أماكن ظاهرة حتى تسهل
رؤيتها، ولكن في بعض الأحيان كان يلزم إخفاؤها لتكون معلومة فقط لأفراد القبيلة
.

(3) كان الختان طقساً للاحتفال: بوصول الشخص إلى
مرحلة البلوغ، ومنحه الحق في الزواج والتمتع بكافة الحقوق المدنية.

(4) بما أن عادة تقديم الذبائح البشرية كانت في
طريقها إلى الانقراض، كانت تعتبر التضحية بجزء يسهل انتزاعه من الجسم، تقدمه أو
ذبيحة بديلة.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر إشعياء 36

 (5) كان الختان عملية مقدسة: وكان
"سفك الدم" شرطاً لازماً لصحة أي عهد بين القبائل أو الأفراد،فقد كان
ذلك يعني تبادل الدم بين الأطراف المتعاقدة، ومن ثم إقامة رابطة جسدية بينهم، ولم
يكن أي ارتباط مبني على علاقة دموية،قابلاً للانتهاك. وبنفس المنطق كان من المفروض
أن يتقاسم إله القبيلة في دم الذبيحة فتنشأ بينه وبين القبيلة رابطة مقدسة. وليس
من الواضح تماماً لماذا كان الختان ضرورياً في مثل هذه المراسم. ولكن تجدر بنا
الإشارة إلى أن عملية التناسل قد أثارت دهشة ورهبة الإنسان البدائي. إن ازدهار
القبيلة كان يعتمد على نجاح رابطة الزواج، ومن الطبيعي أن يختار ذلك الجزء من
الجسم الذي له علاقة باستمرار وجود القبيلة وزيادة عددها، لتثبيت العلاقة بعهد
الدم. ولتأكيد هذا التفسير الأخير، يقولون إن الختان كان هو علامة التصديق على عقد
العهد بين يهوه وإبراهيم.

ولكن
مما ينقض الرأي الثالث المذكور آنفاً، أن الختان عند اليهود كان يتم في اليوم
الثامن من مولد الطفل، ولكنهم يزعمون أن ذلك ربما كان تجديداً ابتدعه اليهود
لجهلهم بالمغزى الأصلي للختان، ولما كان الختان يعطي للفرد المختتن حق التمتع
بامتيازات انتماؤه إلى القبيلة،فمن الطبيعي أن يتلهف الآباء على أداء هذا العمل
الأساسي في وقت مبكر من الحياة.

وعندما
نفحص الافتراضات الثاني والثالث والرابع المذكورة آنفاً نجد أنها في الحقيقة أشكال
مختلفة لنظرية واحدة. ولا شك في أن الختان كان في أساسه عملاً دينياً، فالعضوية في
القبيلة، والتمتع بحقوق المواطنة، والمشاركة في ممارسات القبيلة الدينية.. كل هذه الامتيازات
يرتبط بعضها ببعض. وكل من مرَّ بطقس الدم يدخل في دائرة العهد بين القبيلة وإله
القبيلة، وله أن يتمتع بكل امتيازات المجتمع القبلي. لقد كان من الضروري أن يقوم
يشوع بختان الإسرائيليين بسبب ما كان يمكن حدوثه من اختلاط بينهم وبين الشعوب
الكنعانية، وذلك للاحتفاظ بالعلامة المميزة لعهد إبراهيم (يش5: 2 9
).

(ثالثاً) المغزى الروحي: يتضح المغزى الروحي للختان من القول: "ويختن
الرب إلهك قلبك وقلب نسلك لكي تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا"
(تث30: 6).ولا نظن أن نبياً مثل إرميا، يعلق أهمية كبيرة على عمل سطحي كالختان، لو
لم يكن مغزاه الروحي العميق، ولذلك يوبخ قومه بشدة بأنهم لا يفضلون المصريين أو
الأدوميين أو الموآبين أو العمونيين لأنهم "غلف القلوب" (إرميا9: 26).
ويستخدم الرسول بولس لفظ "القطع" للدلالة على الختان الظاهري في الجسد،
غير المصحوب بتغيير روحي في القلب (في3: 2). كما يكتب في رسالته إلى الكنيسة في
رومية: "لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهودياً، ولا الختان الذي في الظاهر في
اللحم ختاناً … وختان القلب بالروح لا بالكتاب (أي بالحرف) هو الختان الذي مدحه
ليس من الناس بل من الله" (رو 2: 28و29
).

هل تبحث عن  هوت دفاعى المخطوطات ت

ولقد
أثارت قضية الختان جدلاً طويلاً بين المسيحيين الأوائل، فقد طالب المسيحيون
التهوديون بضرورة الختان، وكان ذلك امتدادا للنظرية التخصصية الصارمة (التي تقول
بأن الخلاص بالمسيح مقصور على النخبة المختارة فقط) والتي ظهرت في أثناء فترة
القهر الطويلة في العهدين اليوناني والروماني. وطبقاً لهذا الرأي،فإن الخلاص من
اليهود ولليهود، وكان يلزم أن يصير الإنسان يهودياً أولاً، قبل أن يستطيع ان يكون
مسيحياً. ووافق بولس الرسول على ختان تيموثاوس"من أجل اليهود"فقط (أع 16:
3) لكنه رأى أن المبدأ في خطر، فأثبت في معظم رسائله عدم جدوى ما يقوله التهوديون
.

(رابعاً) الاستخدامات المجازية: نجد في كثير من فصول الكتاب المقدس،
أمثلة للاستخدام المجازي "للختان"، فالرب يقول: " فمتى دخلتم الأرض
وغرستم كل شجرة للطعام تحسبون ثمرها غرلتها، ثلاث سنين تكون لكم غلفاء لا يؤكل
منها" (لا19: 23) لأنها من أرض كان أهلها يعبدون البعليم، "وفي السنة
الرابعة يكون كل ثمرها قدساً لتمجيد الرب" (لا19: 24
).

ويصف
موسى نفسه في تواضع قائلاً للرب: "ها أنا أغلف الشفتين "(خر6: 30).أما
إرميا فيعنف شعبه لأن "أذنهم غلفاء فلا يقدرون أن يصغوا" (إرميا6: 10)،
ولأن"كل بيت إسرائيل غلف القلوب " مثل سائر الأمم(إرميا9: 26
).

والقلب
الأغلف (أي غير المختون) هو القلب المغلق الذي لا يتأثر بأي كلام صالح، كما ان
الأذن الغلفاء لا تقدر أن تصغي (إرميا6: 10)، والشفاه الغلفاء هي التي تتعثر في
القول. ويأمرهم الرب قائلاً: "اختنوا غرلة قلوبكم ولا تصلبوا رقابكم
بعد" (تث10: 16). كما يخاطب استفانوس اليهود بالقول: "يا قساة القلوب
وغير المختونين بالقلوب والأذان. أنتم دائماً تقاومون الروح القدس. كما كان آباؤكم،
كذلك أنتم" (أع7: 51
(

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي