رسالة

 

(1) رسائل العهد الجديد: الرسالة هى خطاب مكتوب فهى
تضم كل اشكال المراسلات المكتوبة الشخصية والرسمية وهذا أمر شائع لاشكال منذ أقدم
العصور . وباطلاق كلمة " رسالة " على الواحد والعشرين خطابا التى تشكل
نصف العهد الجديد تقريبا، أصبح للكلمة معنى فنى محدد فهى تشير – فى الاستخدام
العام لها – إلى ما كتبه خمسة (أو ستة) من الكتبة إلى كنيسة معينة أو إلى الكنائس
عموما، أو إلى فرد ما أو إلى مجموعة من المؤمنين
.

لقد
كتب الرسول بولس ثلاثة عشرة رسالة منها، كما كتب يوحنا ثلاثا منها، وكتب بطرس
رسالتين، وكل من يعقوب ويهوذا رسالة واحدا، وأما الرسالة إلى العرانيين فلا يذكر
كاتبها

.

(2) خصائص مميزة: تقسم الرسائل بعامة إلى رسائل
الرسول بولس، والرسائل الجامعة أى العامة . وتنقسم رسائل الرسول بولس إلى قسمين: الرسائل
المكتوبة إلى كنائس، والرسائل المكتوبة إلى أفراد، وتعرف بالرسائل الرعوية، وهى
الرسالتان إلى تيموثاوس (الأولى والثانية) والرسالة إلى تيطس، ويضيف اليها البعض
الرسالة إلى فليمون . ويتميز العهد الجديد عن كل الكتابات المعتبرة مقدسة فى كل
ديانات العالم، بأنه يتكون فى معظمه من رسائل أما الكتب الدينية للعبادات الشرقية
مثل " الفيدا

" (vedas –
كتاب الهندوس) و " الأفستا " (zend avesta –كتاب
الزرادشتية) وكتابات كونفوشيوس وغيرها فجميعها تنقصها المخاطبة الشخصية المباشرة .
أما رسائل العهد الجديد فهى – بصفة خاصة – انتاج حياة روحية جديدة، وعصر روحى جديد،
فهى تنتاول الحق، ليس فى صورة مجردة، بل فى ثورة واقعية محددة، اذ تتعامل مع
اختبارات النفس الداخلية وخلجاتها، فهى رسائل نابضة نابعة من قلب ملتهب، من الرسل
وشركائهم فى الخدمة إلى رفقائهم من المؤمنين فى ذلك العصر . فالتلاميذ المختارون
الذين شهدوا الأحداث لتى أعقبت قيامة الرب يسوع، والذين نالوا القوة من الروج
القدس (أع 1: 8) فى يوم الخمسين وما بعده، صاروا روحيا نوعاً جديداً من البشر، ولا
يشبههم فى التاريخ الروحى للبشرية سوى أنبياء العهد القديم . وعليه فالرسائل التى
كتبها أناس اختبروا الفداء العظيم وما صاحبه من تحرر عقلى مذهل، وإحياء للنفس،
كانت نوعاً جديداً من الكتابة الموجهة للنفوس مباشرة، فهى تربط بين الحقائق الحيه
لعصر القيامة، وبين المبادئ الاساسية للتعليم الجديد لحياة الفرد والجماعة لكل
المؤمنين . وهذا الهدف الخاص هو سبب الشكل الذى ظهرت عليه الرسائل الرسولية .
ويتضح منطق هذا الهدف بجلاء فى المنهج الذى يتبعه الرسول بولس فى رسائله، فبعد
التحية الافتتاحية فى كل رسالة، يضع بوضوح تام الأساس التعليمي الذى يبني عليه
الواجبات العملية للحياة المسيحية اليومية، ويلى ذلك – حسب امقتضيات كل حالة –
الرسائل الشخصية والتحيات العاطفية والتوجيهات، بما يلائم هذا الشكل المألوف من
الرسائل

.

وفى
الرسائل روعة وجمال وصراحة وحيوية وقوة لا مثيل لها فى سائر الكتابات المعتبرة
مقدسة فى أنحاء العالم . و لا يرتفع إلى مستوى هذه الرسائل، أو التفوق عليها سوى
الأحاديث الشخصية التى نطق بها الرب يسوع . ولأن هذه الرسائل مكرسة تماماً للحياة
الروحية العملية، فقد صارت مع تعليم المسيح أساساً للحياة الروحية للكنيسة
المسيحية فى كل العصور التالية، ولهذا فهى الكنيسة ذات أهمية حقيقة أكثر من كل
الكتابات اللاهوتية ابتداء من " أوريجانوس إلى شلوير ماخر
" (scheiermacher) كما
يقول " شاف

" (schaff)
فى كتابة: " تاريخ الكنيسة المسيحية " . وليس هناك من
الكتابات ما يوضح – مثل الرسائل – طبيعة عمل الفداء واختبارته، وليس هناك ما يماثل
الروح البادية فى رسائل الرسوليين بولس ويوحنا – بصفة خاصة – فرسائلها أبلغ
إنسانية وأصدق عواطفا وأشد حيوية من أن تكون مجرد معالجات رسمية أو محاورات شكلية،
فهذه الرسائل تنبض بالمحبة للحق، وتخفق بأعمق الحب النفوس . فصدق هذه الرسائل
وصراحتها وقوتها العاطفية، تجعل كتاتبتهما أنبياء للحق، ومبشرين بالنعمة، ومحبين
للبشر، وكارزين بالصليب، ومن ثم فإن قيمة هذه الرسائل كسير روحية لكاتبيها تجل عن
القياس ولأن الرسائل هى أكثر اشكال الكتابة تلقائية وحرية، وكانت رسائل العهد
الجديد هى دم الحياة للمسيحية، فهى تقدم لنا دراسات لاهوتية، وتعليما وحقا وحكمة
بلغة الحياة وستظل تنبض بالحيوية التى تبعث الحياة وتجددها حتى آخر الدهر . (وللاستزادة
من معرفة تاريخ ومحتويات وخصائص كل رسالة.

هل تبحث عن  بدع وهرطقات بدع حديثة شهود يهوه بدعة الأدفنتست السبتيين وشهود يهوة 10

(3) كتابة الرسائل فى القديم: بينما تتميز رسائل
العهد الجديد عن سائر الكتابات الأدبية من نفس النوع فى النمط والنوعية وأسلوب
الكتابة، وتتفوق عليها، إلا أنها تنتمى إلى نوع من كتابة الخطابات الشخصية
المألوفة فى كل العصور . فأقدم الكتابات المعروفة فى العالم هى الخطابات، ما لم
نسثن بعض سلاسل الأنساب فى النقوش البابلية والشورية وترجع بعض هذه النقوش الملكية،
بفن الكتابة إلى 3800 ق. م، بل ولعلها ترجع إلى ما قبل ذلك . كما كشفت الحفريات عن
كمية ضخمة من الخطابات من الموظفين إلى البلاط، وعن مراسلات بين شخصيات ملكية أو
بين صغار الموظفين ترجع إلى زمن حمورابى ملك بابل (حوالى 2275 ق. م) وقد انذهل
العالم المتمدن من حجم تلك المراسلات الدولية المدونة على ألواح تل العمارنة (من
1480 ق.م)، والتى اكتشفت فى مصر فى 1887 م بين أطلال قصر أمينوفيس الرابع

(أختانون) ويتزامن هذا الكم من الرسائل
السياسية مع زمن خروج بنى إسرائيل من أرض مصر تقريبا
.

(4) الرسائل فى العهد القديم: وكما نتوقع، يفيض
العهد القديم بالأدلة على وجود مراسلات مكثفة فيما بين دول الشرق القديم . وقد
كانت هناك خدمات بريدية فى عصر أيوب، ويتضح ذلك من قوله: " أيامى أسرع من
عدَّاء
"

(اى 9: 25) اذ كان العداءون يعملون سعاة لتوصيل
البريد والرسائل الملكية فى بلاد فارس قديما . والمثال الواضح لهذه الخدمة
البريدية عن طريق السعاة هى الرسائل التى أرسلها أحشويروش الملك فى زمن الملكة
أستير إلى كل البلدان فى مملكته من الهند إلى الحبشة، فحملها السعاة على ظهور جياد
سريعة (أستير 3: 13 و 15، 8: 10 و 14) ويقول هيرودوت أن هؤلاء السعاة أو العدائين
كانوا يستبدلون بغيرهم كل اربعة فراسخ، رغبة فى سرعة الوصول. وقد أرسل الملك حزقيا
رسائله إلى إفرايم ومنسى بنفس الطريقة (2 أخ 30: 1 و 6 و 10) ومن الأمثلة الأخرى
للرسائل والخطابات فى العهد القديم، رساله داود إلى يوآب بخصوص أوريا الحثى، والتى
حملها أوريا نفسه (2 صم 11: 14 و 15) ورسائل ايزابل التى كتبتها باسم أخاب لشيوخ
وأشراف يزرعيل بخصوص نابوت (1 مل 21: 8- 9)، كتاب بنهدد ملك أرام الذي أرسله إلي
يهورام من آخاب ملك إسرائيل بيد نعمان قائد جيشه بخصوص مرض نعمان (2 مل 5: 5 – 7) .
وكذلك رسائل ياهو إلى السامرة إلى رؤساء يزرعيل الشيوخ (2 مل 11: 1و 2و 6و 7.
ورسالة سنحاريب إلى حزقيا ملك يهوذا (2 مل 19: 14، إش 37: 14، 2 أخ 32: 17) .
ورسائل برودخ بلادان بن ملك بابل إلى حزقيا لتهنئته بالشقاء مع هدية (2 مل 20: 12،
اش 39: 1
) .

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر المزامير 08

وكانت
رسالة إرميا بالمشورة الجادة الصادقة المملوءة بعواطف المحبة، إلى المسبيين فى
بابل تكاد تشبه رسائل العهد الجديد فى الغرض والروح، فقد كانت رسالة رعوية فى
حماستها النبوية، وقد سجلت بالكامل، مع الاشارة إلى رسائل شمعيا النحلامى النبى
الكاذب (ارميا 29: 1 – 32)
.

وكان
سبى بابل دافعا عظيما لتبادل الرسائل بين العبرانيين المسبيين، وبين الشرق وفلسطين،
كما يتضح ذلك من أسفار عزرا ونحميا، مثل المراسلات المتبادلة بين اعداء اليهود فى
فلسطين وارتحشستا ملك فارس باللغة الأرامية (عز 4: 7 – 23)، وكذلك رسالة تتناى
" الوالى إلى الملك داريوس (عز 5: 6 – 17)، ورسالة أرتحشستا إلى عزرا (عز 7: 11
– 26)، وإلى آساف حارس فردوس الملك (نح 2: 8) ثم تبادل الرسائل بين عظماء يهوذا
وطوبيا، ورسائل طوبيا إلى نحميا (نح 6: 5 و 17 و 19)
.

(5) الرسائل فى أسفار الأبوكريفا: تتضمن أسفار
الأبوكريفا فى العهد القديم عينات من الرسائل الشخصية والرسمية تكاد تشبه فى شكلها
الادبى رسائل العهد الجديد فهى تبدأ – مثل رسائل العهد الجديد – بالتحية أو السلام
(1 مك 11: 30 و 32، 12: 6 و 20، 15: 2 و 16) وفى رسالتين من هذه الرسائل، تختم
الرسالة بتحية ختامية والسلام " (2 مك 11: 27 – 33 و 34 – 38، انظر 2 كو 13: 11)،
وكان ذلك شائعا فى كتابة الرسائل فى العصر الهيلينى
.

(6) كتابة الرسائل فى زمن العهد الجديد: وأوضح مثال
للمراسلات الرسمية فى زمن العهد الجديد، هى رسالة الأمير كلوديوس ليسياس إلى فيلكس
الوالى بخصوص بولس (اع 23: 25 – 30)، وشبيه بذلك رسالة الرسل والمشايخ إلى الإخوة
الذين من الأمم فى أنطاكية وسورية وكيليكية (أع 15: 23 – 29) وفى هاتين الرسالتين
– رسالة كلوديوس ليسياس، ورسالة الرسل والمشايخ نجد – لأول مرة – مع رسالة يعقوب (يع
1: 1) ن الصيغة اليونانية للتحية: " يهدى سلاماً " أو يهدون سلاماً
" .

ويعتقد
الكثيرون من العلماء أن رسالة الرسل والمشايخ (أع 15: 23 – 29) هى أقدم الرسائل فى
العهد الجديد ن وهى رسالة رعوية فى جوهرها أرسلها المجمع الرسولى فى اورشليم إلى
الكنائس فى أنطاكية وسورية وكيلكية،
وقد تضمنت توجيهات تتعلق
بأساس الشركة المسيحية، شبيهة بما كتبه الرسول بولس فى رسائله
.

كما
كانت رسائل رئيس الكهنة فى أورشليم التى يمتدح فيها شاول الطروسوسي، يقدمه إلى
مجمع دمشق، نموذجا لرسائل التوصية المعتادة (اع 9: 2، 22: 5 انظر ايضا 28: 21
 ، 18:
27)
ويشير الرسول بولس إلى رسائل التوصية (2 كو 3: 1، 1 كو 16: 3)
واستخدم هى نفسه هذه الرسائل (رو 16: 1 – 3) كما ذكر أنه تلقى رسائل من بعض
الكنائس (1 كو 7: 1)
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ك كلوديوس س

ومن
الرسائل الهامة، الرسائل السبع التى أرسلها الرسول يوحنا بأمر الرب المقام إلى
الكنائس السبع فى أسيا (رؤ 2: 1 – 3: 23) وفى الحقسقة نجد أن كل سفر الرؤيا ينتمى
بشكل محلوظ إلى كتابات الرسائل فهو يبدأ بتحية البركة الرسولية وينتهى بالبركة
التى يختم بها عادة الرسول بولس رسائله . وهذا الطابع الشخصى المباشر هو ما يميز
كتابات العهد الجديد فى الروح والشكل عن ائر الكتابات المعتبرة مقدسه. وفي هذا
الصدد فإن الأناجيل وأعمال الرسل والرسائل كلها سواء فى أنها نتاج ودليل عصر روحى
جديد فى تاريخ البشرية
.

(7) الرسائل تتميز عن الخطابات: هناك خط دقيق فاصل
بين الخطاب والرسالة، ليس فى الاسلوب والجوهر والموضوع فحسب، بل فى الدور الروحى
السامى للرسائل الرسولية . فالخطاب يتميز بأنه سري وشخصى جدا . أما الرسالة فاعم
فى الهدف، وأكثر ملاءمة للانتشار، إن كان الرسول بولس فى كتابته للكنائس يخاطبها
بتلقائية وبصورة شخصية عاطفية ودية حميمة تماماً كما في المراسلات العادية ورسائل
العهد الجديد تتسامى تماما كما فى المراسلات . ورسائل العهد الجديد تتسامى وتتميز
بفضل سلطانها الروحى وفاعليتها الروحية ومن ثم أصبح لكلمة " رسالة "
معنى وخصائص تميزها تماماً عن كلمة " خطاب " . ويرجع هذا التميز
والتسامى إلى وجود العنصر الالهى – اى الوحى – مما يضفى عليها حيوية وقوة ويحفظها
دائما قوية و " حية وفعالة " . وكل كتابات أخرى مصيرها إلى الزوال، أما
هذه فثابته إلى الأبد
.

(8) رسائل آباء الكنيسة: لقد كان تأثير رسائل العهد
الجديد واضحاً جداً على الكتابات المسحية فى العصور الأولى، حتى إن كتابات الآباء
وغيرها من الكتابات – التى نسبت لهم زوراً– اتخذت فى غالبتها صورة الرسائل
الكتابية . ففى كتابتهم إلى الكنائس أو الأفراد، حاول الآباء الرسوليون – بقدر
الامكان – المحافظة على شكل الرسالة وصفاتها وأسلوبها
.

(9) الرسائل الأبوكريفية: ظهرت الرسائل المزيفة
المنسوبة إلى الرسل أو إلى الآباء الرسوليين، بغزارة بعد عصر الآباء وانتشرت بكثرة
. ولعل هذا الاتجاه المبكر لإخفاء هذه الكتابات الزائفة وغيرها من الكتابات
الهرطوقية تحت اسم أحد الرسل، أو تحت ستار الأسفار المقدسة، كان السبب فى تلك
الأناثيما أو اللعنة . التى اعلنها الرسول يوحنا فى سفر الرؤيا: " لأنى أشهد
لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه
الضربات المكتوبة فى هذا الكتاب، وان كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف
الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب فى هذا الكتاب (رؤ 22: 18
و 19)

.

ومن
الصعب افتراض أن كل كتابات الرسل وخطاباتهم قد نجت من الدمار والضياع، فالرسول
بولس يشير مراراً إلى رسائل كتبها ولكن لا وجود لها اليوم (1 كو 5: 9، 2 كو 10: 9
و10 اف 3: 3) كما كتب الرسول بولس إلى الكنيسة فى كولوسي رسالة طلب فيها منهم ان
يتبادلوها مع رسالة أرسلها إلى الكنيسة فى لادوكية والتى من لاودكية يقرأونها هم
أيضا (كو 4: 16)
.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي