سبت

 

أولا – منشأ السبت:

( أ ) نظريات مختلفة :

(1) النظرية الفلكية : فيرى الكثيرون أن منشأ السبت
ارتبط أساساً بمنشأ الأسبوع، وكان المعتقد فى القرن التاسع عشر، أن استخدام
الأسبوع المكون من سبعة أيام، نشأ أصلاً عن توقير القدماء للكواكب السبعة . وكانت
هذه الكواكب عند الفلكيين البابليين هى : الشمس والقمر والمريخ وعطارد والمشترى
والزهرة وزحل، وأطلقوا على الأيام السبعة أسماء هذه الكواكب بالترتيب ( وهو ما
تعكسه أسماء أيام الأسبوع فى اللغات اللاتينية )، ولكن ليس ثمة دليل على أن هذه
الأسماء قد استخدمت قبل بداية العصر المسيحي . كما أننا لا نعلم – على وجه اليقين-
أن معرفتهم بهذه الكواكب السبعة قد أدت بهم إلى جعل " الأسبوع" سبعة
أيام ، ولذلك فقد انهارت هذه النظرية قبل انقضاء القرن التاسع عشر
.

(2) نظرية المصدر البابلي الشامل : وكانت هذه
النظرية هي أكثر النظريات انتشاراً فى ختام القرن التاسع عشر وبخاصة بين النقاد
المتحررين ، وهي تقول إن السبت العبري قد أُخذ عن البابليين ، فقد اكتشف – فى ذلك
القرن – عدد كبير من الألواح البابلية المكتوبة بالخط المسماري. وفى العديد من هذه
الألواح جاءت كلمة " شبتوم". وكانت هذه الكلمة تستخدم للدلالة على اليوم
الخامس عشر من الشهر أي وقت " البدر " من الشهر القمري الذى كان
مستخدماً فى بابل، ويوصف فى أحد هذه الألواح بأنه " يوم تسكين القلب " أو
يوم " تهدئة الإله
"
.

       وتدل بعض الألواح
البابلية الأخرى على أن أيام السابع والرابع عشر والحادي والعشرين والثامن
والعشرين، من بعض الشهور، كانت تعتبر أيام شؤم أو شر ، فكان يمتنع فيها على الملك
أن يأكل اللحم المشوي على الفحم أو أي طعام مسته النار، كما كان يمتنع عليه ركوب
مركبته أو تغيير ثيابه، أو مناقشة شؤون الدولة . كما كان يمتنع على الكهنة أن
يستشيروا الآلهة، وعلى الأطباء أن يعالجوا المرضى. وجاء فى مجموعة من الألواح
الفخارية البابلية الأخرى وجوب تقديم ذبائح خاصة للآلهة فى الأيام المذكورة
.

وبينما توجد وجوه شبه بعيد بين النواهي الخاصة بالطعام وبالسفر والتى
كانت تُفرض على الملك البابلي فى الأيام المذكورة ، وبعض الشرائع الكتابية
المتعلقة بيوم السبت، فإن الاختلافات بين تلك الأيام البابلية والسبت الهيوي تفوق
بكثير جداً أوجه الشبه. فكانت الأيام تُحسب اعتباراً من أول الشهر ، أما السبت
اليهودي فكان يحفظ فى اليوم السابع من الأسبوع مهما كان موقعهة من الشهر . كما أن
النواهي البابلية أُختصت بفئات معينة من الناس، بينما كان السبت اليهودي يوم راحة
لكل الشعب. كما لم يكن البابليون يكفون عن العمل فى الأيام المذكورة ، بل كانوا
يعتبرونها أفضل الأيام للعمل، بينما لم يكن مسموحاً بأي نوع من العمل فى أيام
السبت اليهودي. علاوة على ذلك فإن كلمة
 
"
شبتوم  " لم تكن تطلق على
كل هذه الأيام، بل كانت تقتصر دلالتها على اليوم الخامس عشر من الشهر
.

كما كانوا يبنون نظرية المنشأ البابلي ليوم " السبت " ليس
فقط على وجوه الشبه المزعومة بين أيام " الشؤم " البابلية وبين يوم
السبت ، بل أيضاً على وجوه الشبه بين ما جاء بالألواح البابلية عن الخليقة وقصة
الخليقة فى الكتاب المقدس. ويقول " ألكسندر هيدل
"        ( Heidel) إنه رغم وجود
الشبه بين الرواية البابلية والإصحاحين الأولين من سفر التكوين، إلا أنها تختلف
اختلافاً جوهرياً عن القصة الكتابية عن الخليقة، ويخلص إلى أنه لا دليل إطلاقاً
على استعارة أي شئ منها فى القصة الكتابية. ويقول " والتر ماير
" ( Maier) بأكثر حزم ويقين : " إذا
كانت ثمة علاقة بين الملحمة البابلية والإصحاح الأول من سفر التكوين ، فلابد أن
القصيدة المسمارية ما هي إلا صورة باهتة مشوهة وغامضة وأسطورية، تردد صدى الحق
المعلن فى الكتاب المقدس
".

  (3) نظرية العيد القمري: وهي
نظرية أخرى لها صلة بنظرية المصدر البابلي الشامل، وهي أن السبت اليهودي هو بقايا
عيد قمري قديم، قد يكون مأخوذاً عن بابل، أو غير مأخوذ عنها، إذ يرون أن لها ما
يؤيدها فى الكتاب المقدس، فكثيراً ما يجمع الكتاب المقدس بين السبت ورأس الشهر، فى
كل مرة يذكر فيها رأس الشهر ( 2مل 24: 23، إش 1: 13، عاموس 8: 5). ويرون أيضاً أن
ما جاء فى سفر اللاويين ( 23: 11و15) يدعم هذه النظرية، فقد أمر الرب أن يحسبوا
لخدمة الترديد من " غد السبت " ، وهو بناء على التقليد اليهودي ، "
غد" أول يوم من أيام الفصح الذي كان يوافق دائماً يوم " البدر " . وإذا
صح هذا التقليد، لكان المقصود هنا ليس يوم السبت الأسبوعي، بل هو يوم " البدر
" أي يوم اكتمال القمر
.

       وكانت أوجه القمر
الأربعة تتوالى كل سبعة أيام تقريباً. والمعتقد أنه فى هذه الأيام الأربعة كانت
تقدم الذبائح لإله القمر، كما أنها أصبحت فيما بعد أياماً للراحة من العمل. وهناك
بعض الاعتبارات التى يؤيدون بها وجود نوع من التشابه بين حفظ أيام أوجه القمر،
وحفظ يوم السبت الأسبوعي
:

(1)                    
كان
التقويم قديماً يتبع حركة القمر
.

(2)        كان اليهود يحتفلون
برأس الشهر بالصوم وتقديم الذبائح، والأرجح أيضاً بالامتناع عن العمل ( 1صم 20: 18-34،
2مل 4: 23
).

(3)       كانت عند اليهود
أيام سبوت معينة تتوافق مع يوم اكتمال القمر، وهى أعياد الفصح وعيد المظال وعيد
الفوريم ( أستير 9 : 21

).

(4)       إن كلمة " شبتوم"
التى كان يستخدمها البابليون للدلالة على اليوم الخامس عشر من الشهر القمري ، أي
يوم اكتمال القمر ، تقابل لغوياً كلمة " سبت" العبرية
.

ولكن السبت اليهودي لم يكن يرتبط بأوجه القمر، بل كان يحل دورياً كل
سبعة أيام، بغض النظر عن موقعه من الشهر القمري أو السنة الشمسية. ويتساءل " ملجرام
"

( Millgram ) : كيف يمكن أن يتحول احتفال
الساميين برأس الشهر ويوم اكتمال القمر ، أو الاحتفال بأوجه القمر الأربعة كأيام
شر أو شؤم، إلى يوم السبت الأسبوعي الذى يتميز بالمسحة الإنسانية ؟

إن النتيجة الوحيدة التى يمكن الوصول إليها ، هي أن الأسبوع اليهودي
المكون من سبعة أيام، بما فيه من يوم للراحة الإنسانية، هو أمر تنفرد به الديانة
اليهودية ، وهو من أثمن ما قدمته الديانة اليهودية للحضارة البشرية
.

ب- التعليم الكتابي
:

(1) تقديس اليوم السابع منذ الخليقة: فالكتاب المقدس
يؤكد أن الله نفسه هو الذى قدس يوم السبت، إذ يصف الإصحاحان الأولان من سفر
التكوين عمل الله فى الخليقة على مدى ستة أيام، واستراح فى اليوم السابع، " وبارك
الله اليوم السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذى عمل الله خالقا"
( تك 2: 2و3). وإن كانت لا تذكر هنا لفظة " سبت"، لكن ذُكر الفعل الذى
اشتقت منه، وهو " استراح" ، فكلمة " سبت" تعني " راحة
" .

وما جاء عن " السبت" بعد ذلك يعزز ذلك. فالوصية الرابعة من
الوصايا العشر كما جاءت فى سفر الخروج تقول: " اذكر يوم السبت لتقدسه.. لأن
فى ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها. واستراح فى اليوم السابع.
لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه" ( خر 20: 8-11). وما قاله الرب يسوع من أن "
السبت إنما جُعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت" ( مرقس 2: 27)، إنما
  يعودان بتقديس " السبت "
إلى ما قبل شريعة موسى، إلى قصد الله الأصلي، وأن السبت نشأ بنشأة الإنسان
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد إنجيل متى عبد المسيح 07

وهكذا يتضح أن الأصل الإلهي للتعليم الخاص بيوم " السبت " نشأ
من بداية تاريخ البشرية ، فمنذ ذلك التاريخ المبكر ، لم يكتف الله بأن يقدم مثالاً
لحفظ اليوم السابع ، بل باركه وقدسه، أي أفرزه لخير الإنسان وفائدته. ولا يذكر
الكتاب شيئاً عن حفظ الآباء الأوائل ليوم السبت، وإن كان قد تكرر ذكر " سبعة
أيام" مراراً فى قصة نوح والطوفان ( تك 7: 4و10، 8: 10و12). وورد ذكر كلمة "
أسبوع " فى قصة يعقوب وراحيل ( تك 29: 27). وسواء كان الآباء قد عرفوا "
السبت " وحفظوه أو لم يعرفوه، فإن الله أعلن لموسى أن حفظ السبت يرجع إلى
ختام أيام الخليقة
.

(2) الأمر بخصوص المن: أول مرة وردت فيها كلمة "
السبت" فى الكتاب المقدس، جاءت فى التعليمات المتعلقة بجمع " المن"
( خر 16: 23)، عندما كان بنو إسرائيل فى برية
        " سين ". فبناء
على أمر الرب، قال موسى للشعب أن يجمعوا فى اليوم السادس ضعف ما كانوا يلتقطون كل
يوم ( خر 16: 5). وعندما أخبر رؤساء الجماعة موسى، أنهم نفذوا أمر الرب ، قال لهم:
هذا ما قال الرب: " غداً عطلة سبت مقدس للرب " ( خر 16: 22و23). وفى
الغد أمر موسى الشعب أن يأكلوا ما احتفظوا به من الأمس " لأن للرب اليوم سبتاً.
اليوم لا تجدونه فى الحقل. ستة أيام تلتقطونه ، وأما اليوم السابع ففيه سبت. لا
يوجد فيه" ( خر 16: 25و26). ورغم هذا الأمر الصريح ، خرج بعض الشعب فى اليوم
السابع ليلتقطوا فلم يجدوا ، وهنا قال الرب لموسى: " إلى متى تأبون أن تحفظوا
وصاياي وشرائعي ؟ انظروا : إن الرب أعطاكم السبت، لذلك هو يعطيكم فى اليوم السادس
خبز يومين. اجلسوا كل واحد في مكانه. لا يخرج أحد من مكانه في اليوم السابع. فاستراح
الشعب فى اليوم السابع" ( خر 16

27-30).

       ويدل هذا على أن
يوم " السبت
كان معروفا
لإسرائيل قبل إعطاء الشريعة فى سيناء، إذ أن بني إسرائيل لم يصلوا إلى سيناء إلا
فى الشهر التالي ( خر 16: 1مع 19: 1). بل إن هذه الأقوال تدل على أن هذه لم تكن
المرة الأولى لمعرفة بني إسرائيل بشريعة يوم السبت ، فإن أمر الرب لم يكن مفاجأة
لهم، وبخاصة فى ضوء توييخه لهم على عصيانهم لوصاياه وشرائعه ، إذ أن هذا معناه أن
شريعة السبت كانت معروفة لهم من قبل ، إذ يقول لهم : " إلي متى تأبون أن
تحفظوا وصاياي وشرائعي " ؟ ( خر 16: 28
).

(3) الوصية الرابعة من الوصايا العشر : والوصية
الرابعة نفسها تدل على أنها لم تكن المرة الأولى للأمر بحفظ السبت ، إذ أنها تستهل
بالقول: " اذكر يوم السبت " ( خر 20: 8) ، مما يدل على أن " السبت "
كان معروفاً من قبل ولكنه نُسى أو أُهمل. وتذكر الوصية أن السبب فى تقديس يوم
السبت هو أن الله " استراح فى اليوم السابع" ( خر 20: 9-11) وهكذا رجعت
الوصية إلى الأصل الأول ليوم السبت
.

لقد جعلت الوصية الرابعة من السبت أمراً مختصاً بشعب إسرائيل، وجزءاً
هاماً من العهد الذى قطعه الله مع إسرائيل في سيناء ، فكان العهد يتكون من " الكلمات
العشر" التى تكلم بها الرب نفسه من على الجبل ( تث 4: 13، 5 :2-21). وللوصية
الرابعة موقع مركزي فى الوصايا العشر فهي تربط بين الوصايا المتعلقة بالواجبات نحو
الله ، وتلك المتعلقة بالواجبات نحو الإنسان
.

ويتصدر الوصايا العشر القول : " أنا الرب إلهك الذي أخرجك من
أرض مصر " (خر 20: 2، تث 5: 6) وهذه الكلمات لا تنطبق بمعناها الحرفي إلا على
بنى إسرائيل . كما أن التعبيرات نفسها تدل على أنها موجهة بالتحديد إلى بنى
إسرائيل ، والوصية الخامسة تشتمل على وعد بطول الأيام " على الأرض التى يعطيك
الرب إلهمك " (خر 20: 12، تث 5: 16 ). كما أن الوصية الرابعة – كما جاءت فى
سفر التثنية – تتضمن أن السبب فى حفظ بني إسرائيل للسبت ، هو أن الله قد أخرجه من
العبودية فى أرض مصر (تث 5: 15) . كما أن حفظ السبت كان علامة على ولاء بني
إسرائيل للرب ( خر 31: 13، انظر أيضاً نح 9: 14). كما أنه كان يميز بني إسرائيل عن
غيرهم من الأمم. وليس ثمة أدنى شك فى أن الوصية – فى أساسها وتطبيقها – كانت موجهة
إلى بنى إسرائيل
.

وفى نفس الوقت ، تشمل الوصية الرابعة على مبادئ يمكن تطبيقها على كل
الشعوب، فهى تبين الواجب الأدبي على الإنسان من نحو عبادة خالقه، التى يلزمها
أوقات وأماكن معينة مع التوقف عن أعمال الحياة العادية . كما أنها تبين حاجة
الإنسان الأساسية للراحة يوماً فى الأسبوع ، فتاريخ الإنسان يثبت حاجته إلى تجديد
طاقاته الجسدية والذهنية بتخصيص يوم فى الأسبوع للعبادة الروحية . والوصية المختصة
بحفظ السبت كانت توفر لبني إسرائيل كل هذه الاحتياجات
.

ثانياً – تاريخ السبت
:

أ-السبت فى الشريعة الموسوية : إن أحكام حفظ  السبت فى الشريعة الموسوية بسيطة ، فكان يجب حفظ اليوم السابع من كل
أسبوع ، وكان هذا واجباً محتماً على الجميع: العبيد والإماء والبهائم وجميع أفراد
البيت والنزلاء الذين داخل أبوا ب البيت اليهودي، فكان يجب على الجميع أن يكفوا عن
العمل فى ذلك اليوم ( خر 20: 8-11، تث 5: 12-15
).

ويتأكد الجانب الانساني للتحرر من العمل فى يوم السبت – بصورة خاصة –
فى سفر التثنية، حيث يشير إلى أن حفظ السبت يرجع إلى إنقاذهم من العبودية فى أرض
مصر ( تث 5: 14 و15 ) ، كما كان محظوراً حظراً تاماً جمع المن فى يوم السبت ( خر 16:
27-29)، وكذلك إشعال النار فى يوم السبت ( خر 35: 3). وكانت عقوبة تدنيس يوم السبت
بعمل أي عمل فيه هي الموت ( خر 31: 14) . والرجل الذي وُجد يجمع حطباً في يوم
السبت، رجم حتى الموت ( عد 15: 32-36
).

       ولكن لم يكن
السبت يوم كسل وخمول، فكان الكهنة يقومون بخدماتهم فى خيمة الشهادة، فكان يلزم
ترتيب خبز الوجوه على المائدة فى كل يوم سبت ( لا 24: 8). كما كان يجب تقديم محرقة
إضافية كل سبت فضلاً عن المحرقة الدائمة وسكيبها ( عد 28: 9و10). وكان الختان يتم
فى يوم السبت لو وقع فيه اليوم الثامن من مولد الطفل ( لا 12: 13، انظر أيضاً يو 7:
22). ويدخل السبت فى مواسم الرب التى فيها " ينادون محافل مقدسة " ( لا 23:
1-3)، فكان يعتبر عطلة محفلاً مقدساً ( لا 23: 3 ). ومعنى هذا أنه كان يوماً فيه
تجتمع كل جماعة إسرائيل للعبادة، فكان يوم السبت يوم راحة من العمل، ويوم عبادة فى
مقدس الله
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى 00

ب-السبت فى الأسفار التاريخية والنبوية فى العهد القديم :

يرد ذكر يوم السبت لأول مرة فى الأسفار التاريخية، فى تساؤل زوج
المرأة الشونمية التى كانت تستضيف أليشع النبى كلما مَّر بشونم. وكانت قد طلبت من
زوجها أن يرسل لها أحد الغلمان وإحدى الأتن لتذهب إلى رجل الله، " فقال لها
لماذا تذهبين إليه اليوم ؟ لا رأس شهر ولا سبت " وقد جاء ذكر " السبت "
عارضاً، ولكنه يدل على أن العادة كانت الكف عن العمل، وزيارة النبي فى يوم السبت
.

ولابد أن زيارة النبي فى يوم السبت كانت مقصورة على عدد قليل من
الناس . ولكن هناك دليلاً على أن زيارة الهيكل فى يوم السبت كانت أعم، ففي سفر
أخبار الأيام عدد من الإشارات إلى القيام ببعض العبادات فى الهيكل فى يوم السبت ( 1أخ
9: 32، 23: 31، 2أخ
       
2: 4
، 8
: 13
، 23:
4
، 31:
3).
كما
أن النبي إشعياء فى إدانته للرياء فى العبادة، يبدو أنه يشير إلى أنه كانت تعقد
اجتماعات فى الهيكل فى يوم السبت ( إش 1: 13
).

فإشعياء يشجب حفظ السبت شكلياً فى زمانه ( 1: 12 و13)، ويقرر أن حفظ
السبت حقاً هو رجوع الإنسان عن طرقه وعن عمل مسرته ، والتلذذ بالرب ( 58: 13و14). كما
رفع أنبياء آخرون أصواتهم احتجاجاً على إساءة استخدام السبت ( إرميا 17: 21و22، حز
22: 8، عاموس 8: 4و5) واعتبروا تدمير أورشليم وسبى الشعب، حدثاً – ولو جزئياً على
الأقل – نتيجة لتدنيس السبت ( إرميا 17: 27، حز 20: 23و24) . وقد تنبأ هوشع بأن
الرب سيبطل كل أفراح إسرائيل وأعيادهم ورؤوس شهورهم وسبوتهم وجميع
  مواسمهم لعدم أمانتهم ( هو 2:
11). ولكن واضح أن ذلك لن يكون إلى الأبد ( انظر إش 66: 23، حز 44: 24
).

وفى قترة السبي، أصبح للسبت أهمية أكثر من سائر الأعياد الدينية ،
حيث أنه لم يكن يرتبط بالهيكل فى أورشليم ، بينما كانت الأعياد الأخرى ترتبط- بشكل
ما – بوجود الهيكل . وفى فترة العودة من السبي ، برزت أهيمة حفظ السبت، وبخاصة في
الإصلاحات التي قام بها نحميا ، فقد أزعجه انتشار تدنيس اليوم المقدس إذ كان الناس
يشتغلون فى الحقول، ويجمعون الحصاد، ويبيعون ويشترون جهاراً فى يوم السبت، فوبخ
عظماء يهوذا وأمر بغلق أبواب أورشليم فى يوم السبت ( نح 13: 15- 22
).

(ج) السبت فيما بين العهدين : فى السنين التى
أعقبت إصلاحات عزرا ونحميا ، وضع خلفاؤهم من الكتبة مجموعة مفصلة من القواتين
والأحكام لحفظ السبت، كان الهدف منها صيانة وحماية يوم السبت ، كما تحمي القشرة
النواة، لضمان حفظ الناموس بكل دقة. وأدى بهم بحثهم فى كل الأحوال الواقعية
والمفترضة، إلى وضع تسع وثلاثين مادة تنهي عن القيام بأي نشاط زراعي أو صناعي أو
منزلي ، ما لم يكن لابد منه بحكم الظروف القاهرة
.

وقد أثمرت جهود الكتبة فى خلق الاحترام اللازم ليوم السبت، فأصبح حفظ
السبت متأصلا فى الضمير اليهودي، يحرص عليه كل فرد، حتى إنه في زمن المكابيين ،
فضل الكثيرون أن يموتوا عن أن يدنسوا السبت، فامتنعوا عن القتال دفاعاً عن أنفسهم
فى يوم السبت. ولكن متتيا قائد الثورة ضد طغيان أنطيوكس الرابع، أفتى لهم بأنه
مسموح لهم بحمل السلاح فى يوم السبت للدفاع عن أنفسهم ( 1مك 2: 31-41
).

وكان لفتوى متتيا أهميتها، إذ فتحت الباب أمام فتاوى كثيرة للدوران
حول أحكام حفظ السبت وحرفية الناموس، وقد أدى ذلك إلى تفسيرات خيالية واسعة. فمثلا
كان تفسير المعملين اليهود للأمر : " اجلسوا كل واحد فى مكانه – لا يخرج أحد
من مكانه فى اليوم السابع " ( خر 16: 29). هو أن أي رحلة في يوم السبت، يجب
ألا تتجاوز ألفي ذراع بعيداً عن محل إقامته. وكانوا يعتبرون المكان الذي يضع فيه
الإنسان من الطعام ما يكفي وجبتين، هو محل إقامته. وعليه فكان فى إمكان المسافر أن
يقطع ألفي ذراع أخري بعد ذلك المكان. وبالمثل إذا كانت بضع عائلات تعيش فى بيوت
خاصة تفتح على ساحة مشتركة،وضعت – قبل السبت – طعاما فى تلك الساحة، فإن حمل
الطعام من بيت لآخر لا يعتبر كسراً للناموس
.

وكان من أبرز معالم تلك الفترة، نشأة المجمع، الذى أصبح المركز
الديني لليهود، ليس فى الأماكن البعيدة جداً عن أورشليم فحسب ، بل وفى الأماكن
المجاورة للهيكل فى أورشليم. وأصبح من المعتاد الاجتماع فى المجمع فى يوم السبت ( انظر
لو 4: 16)، وأضحى السبت اليهودي يوماً للعبادة
  التى ارتبطت بالمجمع ارتباطاً شديداً .  

(د) السبت فى العهد الجديد :

( 1) يسوع والسبت : فى بداية العهد الجديد، كان
المعنى الحقيقى للسبت قد أحاط به الغموض نتيجة للكمية الضخمة من الأحكام التى
وُضعت لحفظه، حتى أصبح حفظ السبت سطحياً وشكلياً . فأصبح الناس حريصين على
الشكليات أكثر من الحاجات الماسة للإنسان . فكان لابد أن يحدث النزاع بين يسوع
وقادة اليهود حول السبت. وكان
 
من
عادة يسوع أن يذهب إلى المجمع فى يوم السبت ( مرقس 1: 21 ، 3: 1 ، لو 4: 16 ، 13: 10).
وأيد فى تعليمه صحة وسلطان ناموس العهد القديم ( مت 5: 17- 20، 15: 1- 16 ، 19: 16-
19، 22: 35- 40 ، لو 16: 17). ولكن لم يكن تأكيده على حفظ الناموس حفظاً سطحياً،
بل على الإتمام الصادق لمشيئة الله التى هى أساس الناموس ( مت 5: 21- 48، 19: 3-9).
وأراد يسوع أن يوضح المعنى الحقيقي للسبت، ببيان الغرض الأصلي
  منه، بقوله : " إن
السبت إنما جُعل لأجل الإنسان ، لا الإنسان لأجل السبت" ( مر 2: 27
).

       وفى ست مناسبات
مختلفة، حدث نزاع بين يسوع وأفكار اليهود بخصوص السبت، فدافع عن تلاميذه لقطفهم
السنابل في السبت، بالإشارة إلى داود ورجاله وكيف أكلوا " خبز التقدمة الذي
لم يكن أكله له ولا للذين معه بل للكهنة فقط " ( مت 12: 1-4، مرقس 2: 23- 27،
لو 6: 1-4). وهكذا وضع الرب يسوع وصية السبت فى مستوى واحد مع الناموس الطقسى الذى
كا ن ينهى عن أكل الخبز المقدس إلا للكهنة. وعلَّم أن حاجة الإنسان لها الأسبقية
عن الالتزامات الناموسية. كما ذكَّر ناقديه: " أن الكهنة.. فى الهيكل يدنسون
السبت وهم أبرياء" ( مت 12: 5). وكان يشير بذلك إلى قيام الكهنة بختان
الأطفال فى يوم السبت إن وافق ذلك اليوم الثامن من مولدهم – كما سبق القول ( لا 12:
3، يو 7: 22و23). وهكذا كان للناموس الطقسي – بضرورة ختان الطفل فى اليوم الثامن –
الأسبقية على شريعة السبت. وفى تلك المناسبة قال يسوع : " إن السبت إنما جُعل
لأجل الإنسان ، لا الإنسان لأجل السبت " ( مرقس 2: 27)، مما يدل على أنه كان
ينظر إلى السبت على أنه سد لحاجة الإنسان وخيره، وليس التزاماً ناموسياً ثقيلاً. وفى
تلك المناسبة أيضاً أكد يسوع أنه " هو رب السبت أيضاً
"

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم أخنوخ الثانى 21

( مت 12: 8، مرقس 2: 28، لو 6: 5).

ولقد أعلن يسوع غضبه على أولئك اليهود الذين كانوا فى مجمع كفرناحوم
وأبدوا اهتمامهم بحفظ السبت شكلياً، أكثر من اهتمامهم بإنسان محروم من استخدام يده
. وشفى يد الرجل فعلاً ( مرقس 3: 1-5). وفى مناسبة أخرى اغتاظ رئيس المجمع لأن
يسوع شفى امرأة كان بها روح ضعف منذ ثماني عشرة سنة ، فدافع يسوع عما فعله بالقول :
" يا مرائى ألا يحل كل واحد منكم فى السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضى به
ويسقيه؟ " ( لو 13: 10-17). ومرة أخرى عندما شفى يسوع إنساناً مستقيماً أمام
عيون الناموسيين والفريسيين الذين كانوا يراقبونه، دافع عن عمله بسؤالهم: من منهم "
يسقط حماره أو ثوره فى بئر ولا ينتشله حالاً فى يوم السبت؟ " ( لو 14: 1-6
).

ويسجل إنجيل يوحنا المناسبتين الباقيتين لمخاصمة قادة اليهود ليسوع
لقيامه بعمل شفاء فى السبت. وكانت المناسبة الأولى عندما شفى الرجل الذي كان به
مرض منذ ثمان وثلاثين سنة، عند بِركة بيت حسدا. أما الثانية فكانت عندما شفى الرجل
المولود أعمى . وفى المناسبة الأولى، دافع عن حقه فى شفاء الرجل بأن أباه لم يكف
عن العمل قائلا لهم " أبي يعمل حتى الآن ( ما فيه خير البشرية)" ( يوحنا
5: 1-17).وفى المناسبة الثانية دان عمى الفريسيين الروحي ( يوحنا 9: 1-7و40و41
).

وفى جميع هذه الحالات، أظهر يسوع أنه يضع حاجة الإنسان فوق ممارسة
حفظ السبت شكلياً. ولم يفعل يسوع، ولم يقل ما يحمل على الظن بأنه أراد أن يحرم
الإنسان من الامتيازات التى يتيحها له يوم الراحة. ومن ناحية أخرى، لا يمكن
  الزعم بأن يسوع أراد أن يجعل
من السبت اليهودي أمراً دائماً أو سارياً على جميع الناس. ولا تسجل الأناجيل
الأربعة أنه ذكر – ولو مرة واحدة – الوصية الرابعة. وبتأكيده المبادئ الكامنة وراء
الناموس، أي روح الناموس والقصد منه، بدلا من الأحكام الشكلية والسطحية، أعد
الطريق لإبطال كل نواميس العهد القديم الطقيسة وفرائضه الشكلية
.

(2) الرسول بولس والسبت: كان المسيحيون الأوائل من
اليهود الأمناء، فكانوا يتعبدون يومياً فى الهيكل فى أورشيلم ( أع 2: 46، 5: 42)،
ويخدمون فى المجامع ( أع 9: 20 ، 13: 14 ، 14: 1 ، 17: 1و2 و10 ، 18: 4). وكانوا
يحترمون ناموس موسى ( أع 21: 20). وظل المسيحيون من اليهود يحفظون السبت. وعندما
دخل الأمم إلى المجتمع
 
المسيحي،
نشأت مشكلة فيما يتعلق بصلتهم بالناموس اليهودي. فكان هناك من يتمسكون بضرورة
خضوعهم لطقس الختان وحفظ ناموس موسى بما فيه وصية السبت ( أع 15: 1و5، غل 2: 3-5).
وكان هناك آخرون- على رأسهم بولس – يؤكدون أنه لا يلزم المتجددين من الأمم أن
يتهودوا أولاً. وكان بولس يرى أنهم حيث قبلوا الروح القدس بدون حفظ الناموس
اليهودى ، فلا يلزمهم أن يخضعوا للطقوس اليهودية ليحيوا حياة البر ( غل 3: 2، انظر
أيضاً 3: 15-27
).

لقد كان الرسول بولس يعتبر الناموس نير عبودية تحرر منه المؤمن ( غل 5:
1). وفى حديثه عن الناموس، لم يفرق الرسول بولس بين الناموس الأدبي والنامس
الطقسي، فكلاهما جزء من العهد العتيق الذي أُبطل فى المسيح ( 2كو 3: 14). ولاشك فى
أن " السبت" كان جزءاً من الصك الذى " كان علينا فى الفرائض الذي
كان ضّداً لنا، وقد رفعه ( الله ) من الوسط مسمراً إياه بالصليب " ( كو 2: 14).
وقد ورد ذكر السبت مع الأعياد والأهلة " التى هي ظل الأمور العتيدة" ( كو
2: 16و17) و " حفظ أيام وشهور وأوقات وسنين" هو استعباد " للأركان
الضعيفة الفقيرة" ( غل 4: 9و 10، وانظر أيضاً كو 2: 20). " فحفظ أيام "
هو أحد خصائص الإنسان " الضعيف فى الإيمان " ( رو 14: 1-5
).

ولا يجد الرسول بولس سبباً لفرض السبت اليهودي على المسيحيين ، فقد
تحرر المسيحي من عبء الناموس. وروح المسيح يمنحه القوة لإتمام مشيئة الله بدون
حاجة إلى هذا الحفظ الخارجي لمطالب الناموس. كما يقول كاتب الرسالة إلى
العبرانيين، إن السبت اليهودي، لم يكن سوى رمز " لراحة الله" التى هي
ميراث لكل شعب الله ( عب 4: 1-10)، ولا يشير على قرائه بحفظ السبت، بل بالحري
يحثهم بالقول: " فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة " ( عب 4: 11
).

(هـ) السبت فيما بعد عصر العهد الجديد : يُجمع
آباء الكنيسة الأوائل من القرنين الثاني والثالث على أن المسيحيين غير مقيدين
بالسبت اليهودي. ويجزم البعض منهم بأنه قد أُبطل تماماً، ويبرز البعض الآخر صفته
الرمزية
.

يكتب إغناطيوس تلميذ الرسول يوحنا وأسقف أنطاكية، فى رسالته إلى الكنيسة
فى مغنيسيا فى أوائل القرن الثاني : " لا يخدعكم أحد بتعاليم أو بخرافات
عتيقة، لأننا إن كنا ما زلنا نعيش حسب الناموس اليهودي، فإننا بذلك نعترف بأننا لم
نحصل على النعمة " . ثم يردف بالقول بأن قراءة : " قد نشأوا تحت النظام
العتيق، ولكن أصبح الآن رجاء جديد ، فلم يعودوا يحفظون السبت
".

ويشرح يوستنيوس الشهيد – من أوائل المدافعين عن المسيحية – فى منتصف
القرن الثاني، فى حوراه مع تريفون – لماذا لا يحفظ المسيحيون ناموس موسى، ولا
يمارسون الختان، ولا يحفظون السبت.ويؤكد
:

(1)   أن حفظ السبت الحقيقي فى
العهد الجديد هو حفظ سبت دائم من الابتعاد عن الخطية
.

(2)   أن الأبرار القدماء ، آدم
وهابيل وأخنوخ ونوح وأمثالهم أرضوا الله بدون أن يحفظوا السبت
.

(3)        
أن
الله فرض السبت على الإسرائيليين بسبب شرهم وصلابة قلوبهم
.

كما أن إيريناوس – أسقف ليون، فى النصف الأخير من القرن الثاني – كان
يرى أن السبت مجرد رمز لملكوت الله فى المستقبل " الذي فيه سيجلس الإنسان،
الذي ثابر على خدمة الله، على مائدة الله" . ويذكر إبراهيم مثالاً للشخص الذى
آمن بالله " بدون ختان وبدون حفظ السبت" . ويكتب أكليمندس السكندرى ، فى
ختام القرن الثانى : " إن السبت بالامتناع عدم الشر ، يبدو أنه يدل على ضبط
النفس
".

       ويقول ترتليانوس
، فى بداية القرن الثالث: " لا علاقة لنا بالسبت أو بالأعياد اليهودية
الأخرى، وبالأحرى مع الأعياد الوثنية " .ويقول فى موضع آخر إن الذين يناضلون
من أجل استمرار الالتزام بحفظ السبت، عليهم إثبات أن آدم وهابيل وأخنوخ ونوح وملكي
صادق أيضاً قد حفظوا هذه الأشياء. ويردف ذلك بالقول إن السبت كان رمزاً للراحة من
الخطية، وللراحة النهائية فى الله . وكان الغرض منه ومن كل طقوس الناموس أن تستمر
إلى أن يأتي المشرِّع الجديد الذى سيأتي بالحقائق التى تشير إليها هذه الظلال
.

       ومازال اليهود
غير المسيحيين يحفظون السبت إلى الآن . وفى العصور الأولى حفظ بعض المسيحيين
اليهود اليوم السابع مع الاجتماع للعبادة فى اليوم الأول من الأسبوع، ولكن تأثيرهم
على المسيحية سرعان ما تضاءل بعد خراب أورشليم فى 70م. إن شهادة آباء الكنيسة قبل
مجمع نيقية هى أن " السبت" كان فريضة يهودية غير ملزمة للمؤمنين
المسيحيين، ففي أول الأسبوع قام الرب من بين الأموات، وأظهر نفسه لتلاميذه ( يو 20:
26)، وأرسل الروح القدس فى يوم الخمسين ( أع 2: 1) وهكذا أصبح منذ البداية أعظم
الأيام ، فهو " يوم الرب" ( رؤ 1: 10) الذى كان يجتمع فيه المسيحيون
للعبادة ( أع 20: 7، 1كو16: 2
).

الرجا الرجوع إلى " يوم الرب"

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي