سرجون

 

واسمه بالأكادية في 
الوثائق
المسمارية هو "شاروكين" ومعناه "الملك الشرعي" أو "الذي
ثبَّته (الإله)" . ولا يذكر اسم سرجون
–   في الكتاب المقدس إلا مرة واحدة (إش20: 1).

ولم يكن اسم "سرجون" معروفاً في الوثائق القديمة ، إلى أن
كشفت أعمال التنقيب الأثرية عن السجلات المسمارية منذ 1843م ، فأصبح معروفاً الآن
أنه ظهر في بلاد بين النهرين ، في العصور القديمة ثلاثة حكام باسم سرجون ، اشتهر
منهم اثنان شهرة واسعة فى أيامهما
.

وسنتناول هنا تاريخ هذين الحاكمين إذ أن لهما مساساً بالتاريخ
الكتابي
:

(1)   سرجون الأكادي : وهو أول
حاكم سامي حكم كل بلاد بين النهرين . وتسجل النقوش المسمارية ، الأشورية والبابلية
، أسطورة عن نشأته أشبه ما تكون بقصة مولد موسى (خر1: 22-2: 10) . فيقال إن أم
سرجون حبلت به وولدته سرًّا ، ثم وضعته في سفط من الحلفاء وطرحته في النهر الذى
التقطه منه "عكس" السِّقاء ورباه كابن له . ولما بلغ أشده ، أصبح
سياسياً داهية وقائداً عسكرياً محنكاً . عمل أولاً ساقياً "لأورزابابا" آخر
ملوك "كيس" . وسرعان ما خلعه سرجون وتخلص من منافسه الآخر "لوجالزاجيزى"
ملك "أرك" ، وأسس الأسرة الحاكمة الأكادية الأولى ، ونقل عاصمته من "كيس"
إلى "أكد" (حوالي 2360 – 2180 ق.م). وقد ظل حاكماً فيها ستاً وخمسين سنة
. فكانت مملكته أول إمبراطورية عالمية في التاريخ . فقد أخضع كلاً من سومر حتى
الخليج الفارسي ، وبعد ذلك قام بعدة غزوات جعلت منه أسطورة على فم الجميع . وقد
ظلت أمجاده ومفاخره تسجل حتى عصر نبونيدس ، أي على مدى أكثر من ألفي عام بعد وفاته
. وأشهر هذه الملاحم هي المعروفة باسم "شار تمحاري" (أي "ملك الحرب").
وقد جاء فيها أن تجَّار ما بين النهرين – الذين كانوا يمارسون تجارتهم في بلاد
الأناضول – قد استنجدوا بسرجون ، فلبى دعوتهم وفتح تلك البلاد
.

وبمقارنة تاريخ سرجون هذا مع العبارة الموجزة : "وكوش ولد نمرود
الذي ابتدأ يكون جباراً في الأرض . وكان ابتداء مملكته بابل وأرك وأكد وكلنة في
أرض شنعار . من تلك الأرض خرج أشور وبنى نينوى ورحوبوت عير وكالح ، ورسن بين نينوى
وكالح . هي "المدينة الكبيرة" (تك10: 8-12) ، يعتقد بعض العلماء أن
سرجون الأول هو نفسه "نمرود" ، ولكن ليس ثمة دليل قاطع على هذا
.

(2)   سرجون الثاني ملك أشور من 722
– 705 ق.م . وهو ابن تغلث فلاسر الثالث وخليفة أخيه شلمنأسر الخامس . وقبل اكتشاف
نقوسَّه وحل رموزها ، كان بعض العلماء يخلطون بينه وبين سلفه شلمنأسر الخامس (الذي
كان يعتبر خطأ أنه الرابع) . كما أن البعض الآخر خلط بينه وبين ابنه سنحاريب . ولكن
في 1843م ، شرع "بول إميل بوتا
"
(Paul – Emile Botta) –
القنصل الفرنسي في الموصل بالعراق – في النتقيب في "خورزاباد"
التي ثبت أنها المدينة القديمة "دارشاروكين" (أي "قلعة سرجون")
، وهي تقع على بعد اثني عشر ميلاً إلى الشمال الشرقي من الموصل ، على الضفة
الغربية لنهر الدجلة ، مقابل أطلال نينوى . وأسفر التنقيب عن الكشف عن قصر سرجون
الثاني . وهكذا مهد الطريق للكشف عن تاريخ سرجون نفسه واعطائه مكانته اللائقة في
التاريخ . وتبلغ المساحة التي يقوم عليها القصر نحو 25 فداناً . والقصر نفسه هو
أفضل القصور الملكية الأشورية احتفاظاً بكيانه ، وهو قائم فوق أسوار المدينة ،
وكان يحتوى على أكثر من مائتي حجرة ، وثلاثين فناء . وكانت الحوائط بالغة الزينة
وجميلة النقوش
.

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم وصايا الآباء وصية موسى 06

واستكمل "فيكتور بلاس" (Victor Place) التنقيب عن قصر سرجون ، وأخذ بعض اللوحات التي
عليها نقوش بارزة ، ونقلها بحراً عن طريق نهر الدجلة إلى البصرة ، ومنها إلى متحف
اللوفر بباريس
.

وفي القرن الحالي قامت بعثة معهد الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو – تحت
إشراف هنرى فرنكفورت
(Henri Frankfort) – ببعض الاستكشافات
في "خورزاباد" . وبعد أعمال "بوتا" بسنتين قام "أوستن
هنري لايارد
" (Austen Henry
Layard) –
أحد رواد الأثريين البريطانيين – بالتنقيب في "كالح" (وهي
نمرود الحديثة) على بعد عشرين ميلاً إلى الجنوب الشرقي من الموصل ، وهناك اكتشف
القصور الملكية للعديد من الملوك الأشوريين ، ومن بينها قصر آخر لسرجون الثاني . ونتيجة
لجهود هؤلاء الأثريين وغيرهم ، أمكن معرفة تاريخ سرجون وعصره
.

فبعد قليل من اعتلاء شلمنأسر الخامس عرش أشور (في 727 ق.م.) امتنع
هوشع -آخر ملوك إسرائيل – عن دفع الجزية لأشور ، وحاول أن يعقد مع مصر محالفة
دفاعية ضد العدو المشترك . وقد أسفر سوء تقدير هوشع لقوة أشور وقوة مصر ، عن أوخم
العواقب لإسرائيل . فلم تكن حالة مصر في ذلك الوقت تسمح لها بتقديم مساعدة حقيقية
لهوشع . وهكذا حدث في 724 ق.م أن زحف شلمنأسر على إسرائيل ، فلم يجد إلا مقاومة
ضئيلة ، فاحتل الأشوريون كل البلاد ما عدا العاصمة ، فقد كانت "السامرة"
حصينة ، واستطاعت أن تقاوم الحصار ثلاث سنوات ، ولكنها سلَّمت أخيراً في 722 / 721
ق.م
.

ومازال الفاتح الحقيقي للسامرة موضع خلاف ، ومعظم العلماء يقبلون ما
ذكره سرجون في نقوشه من أنه في بداية حكمه حاصر السامرة وفتحها وسبى 27.290 نفساً
من سكانها . ولكن بعض العلماء الآخرين لاحظوا أن ما جاء في سفر الملوك الثاني (17:
3-6) يؤيد – كحقيقة ثابتة – أن شلمنأسر هو الذي استولى على السامرة ، باعتبار أنه
من غير المحتمل أن "ملك أشور" في العدد السادس يمكن أن يشير إلى ملك آخر
غير المذكور في الأعداد السابقة . علاوة على أن السجلات البابلية تؤيد ما جاء
بالكتاب المقدس في هذا الصدد، فتسجل أن شلمنأسر دمر مدينة "سامارين" (السامرة؟
).

هل تبحث عن  م الأباء كتب البتولية فى فكر الآباء 09

وقد يكون حل هذه المشكلة هو ما جاء في سفر الملوك الثاني (18: 10) حيث
نجد كلمة "أخذوها" (أي أخذوا السامرة) مسندة إلى ضمير الجمع ، الذي قد
يعود إلى الأشوريين الغزاة ، كما يمكن أن تعود إلى شلمنأسر وشريكه الذي يرجح أنه
هو "سرجون" . وعلى أي حال ، فإن دعوى "سرجون" بأنه هو الذي
فتح السامرة لا تخلو من مبالغة
.

وبعد تدمير السامرة أعيد تنظيم إدارة إسرائيل ، واعتبرت البلاد مجرد
ولاية أشورية باسم "سامريا" يحكمها حاكم أشوري
.

وحالما اعتلى سرجون العرش ، واجه ثورات في أجزاء عديدة من
إمبراطوريته الشاسعة . ففي 721 ق.م. ثار عليه "مردوخ أبلا إيدينا" (مرودخ
بلادان) بالاتحاد مع العيلاميين . وقد نجح في ثورته مما شجع غيره من المنشقين في
أجزاء أخرى من الإمبراطورية . وقد تولى مرودخ بلادان حكم ولاية بابل ، مستقلاً
لمدة أكثر من عشر سنوات، فلم يستطع سرجون أن يخلع هذا المغتصب إلا بعد أن تخلص من
المتاعب في الغرب، فطرده من البلاد إلى حين
.

وفي 720 ق.م. قامت الثورات في حماة وعزة ودمشق والسامرة نفسها ،
واستطاع سرجون أن يقضي على هذه الثورات (في ولايات الشمال) في موقعة "قرقر"
، ثم زحف جنوباً حتى وصل إلى رفح حيث أوقع هزيمة نكراء "بسيبو" "ترتان"
(أي قائد) جيوش فرعون مصر، الذي أرسله لنجدة "هانُّو" ملك غزة . ونقرأ
في سفر الملوك الثاني (2مل17: 24) أن ملك أشور أتى بقوم من بابل وحماة وغيرهما
وأسكنهم في السامرة حيث اختلطوا بالباقين بها من الإسرائيليين ، ومنهم جميعاً جاء
السامريون
.

وفى 717 ق.م. ثار "ميتا" (ميداس) – ملك موسكو الفريجية في
أسيا الصغرى -متحالفاً مع الحاكم الحثي – من قبل أشور – على كركميش في سوريا ، ضد
سيطرة سرجون. ولكن سرجون استطاع الانتصار عليهما وتدمير كركميش وسبي سكانها إلى
أشور . وفي نفس الوقت تقريباً ، هاجم سرجون "أورارتو" (أراراط) وحطم
شوكة تلك الدولة التي كانت قد أخذت في الضعف
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يُفنا ا

ولعل انشغال سرجون بالأحوال في الولايات الشمالية ، شجع الولايات
الجنوبية لبذل محاولة أخيرة لتحرير أنفسهم من نير أشور . فثار "أزورى" ملك
أشدود و معه سائر الولايات الفلسطينية، بوعد من ملك مصر (من الأسرة الخامسة
والعشرين) – ضد سرجون فى714/713 ق.م. ولكن سرجون استطاع- فى هجوم خاطف – القضاء
على الثائرين في 711ق.م. وبخاصة لأن ملك مصر لم يسرع لنجدة ملك أشدود ( أش 20: 3).
واضح أن يهوذا –نزولاً على نصيحة إشعياء النبي- لم تشترك فى ثورة أشدود (اش 20: 1-6)
وهكذا نجت من الخطر فى ذلك الوقت
.

وفى 710 ق.م. حقق سرجون انتصارات  فى كل مكان ، فخضعت له فى كل سوريا وفلسطين ومعظم سلسلة جبال زاجروس.
وكانت أراراط تضمد جراحها ، كما كان المصريون يسالمونه، ولكن العلاميين والفريجيين
كانوا يعادونه ،لكنهم لم يجرؤا على محاربته. وظلت بابل – تحت حكم مردوخ بلادان-شوكة
فى جنبه. ولكن فى710 ق. م.زحف عليها للمرة الثانية وانتصر عليها نصرة فاصلة، هرب
على أثرها مردوخ بلادان إلى عيلام. أخذت شهرة سرجون فى ازدياد، وفشلت كل جهود
الأعداء فى النيل من الإمبراطورية الأشورية، التى بلغت أوج عظمتها وقوتها فى
السنوات الأخيرة لسرجون
.

وكان سرجون يحب –كقائد حربي- أن يعيش فى كالح (نمرود) العاصمة
الحربية للأمبراطورية، فاعاد تشييد قصر أشور ناصربال وأقام فيه. ولكن كبرياءه
دفعته إلى بناء قصر له فى مدينته هو

Mospaa .
وفى 717ٌق.م. وسع أساسات قصره " قلعة سرجون"(دار شاروكين) بالقرب
من خورزاباد،
  واستغرق البناؤن
فى بنائها عشر سنوات
.

وقد قضى سرجون سنواته الأخيرة فى سلام نسبى، فاستطاع فى أثنائها أن
يقوم بتلك المباني العظيمة، ووجه التفاته إلى تسجيل غزواته وأعماله العظيمة. ولكنه
لقي حتفه فى705 ق.م. قتيلاً فى مناوشة على الحدود فى أسيا الصغرى، ودُفن بعيداً عن
وطنه، وخلفه أبنه سنحا ريب على
عرش أشور.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي