سورية

 

أولاً – جغرافيتها
:

(1)
الموقع والحدود : تعرضت حدود سورية للكثير من التغيرات عبر القرون بتغير الظروف السياسية ، فقد أطلقت كلمة “سورية” أصلا على الدولة القوية التى كان مركزها منطقة لبنان وعاصمتها دمشق . وكان الأشوريون يطلقون على هذه المنطقة الواقعة غربي الفرات “أرض الأمورو” (أي الأموريين) . ولكن علماء الجغرافيا ، بناء على المراجع القديمة – مثل سترابو والجغرافيين العرب – يعتبرون حدود سورية هي جبال طورس ونهر الفرات شمالاً ، وصحراء سيناء فى الجنوب ، والبحر المتوسط فى الغرب ، والصحراء السورية فى الشرق
.

ولكن علماء الكتاب المقدس ، وكثيرين غيرهم ، يفصلون بين سورية وفلسطين ، ويعتبرون أن سورية هي قوس الهلال الخصيب ، ويحدها من الغرب البحر المتوسط ، ومن الجنوب ما يعرف الآن بالجليل وباشان ، ومن الشرق الصحراء السورية ، ومن الشمال نهر الفرات وجبال أمانوس . وكانت تضم – فى بعض الأحيان – فينيقية . ولكننا سنعتبرها -هنا – منفصلة عن فينيقية وفلسطين ، وأنه يحدها فى الجنوب الغربي جبال لبنان التى تفصل سورية – فى هذه الناحية – عن ساحل البحر
.

(2)
أقسامها الجغرافية : تتكون سورية من عدة مناطق مختلفة . فتتكون من سهل ساحلي ، ثم سلاسل من الجبال ومن وديان خصبة غنية بزراعتها ، ومن مناطق صخرية أو رملية فى الشرق ، عبارة عن صحراء أو مناطق وعرة تكاد تنعدم فيها الزراعة
.

ويمتد ساحل البحر المتوسط الشرقي نحو أربعمائة ميل من الاسكندرونة شمالاً حتى حدود مصر جنوباً . وهو من أكثر السواحل فى العالم استقامة ، ويكاد يخلو من الخلجان الكبيرة ، كما لا تحف به الجزر . وكان يقع عليه فى سورية ، عدد من المواني الصغيرة مثل اللاذقية (لاودكية قيديماً) ، ورأس شمرا (أوغاريت قديماً) . ولم تكن سولكية (ميناء أنطاكية) سوى مرسى للسفن . وكان السهل الساحلي ، الذي لم يكن عرضه يتجاوز بضعة أميال ، قليل الأهمية فى تاريخ سورية (على عكس ما كان لفينيقية) ، فأغلبه ليس سوى شريط عريض من الكثبان الرملية التى تغطيها بعض الحشائش والشجيرات
.

وتطل على هذا السهل الساحلي ، سلسلة من الجبال تبدأ من جبال أمانوس فى الشمال ، وتمتد جنوباً حتى تصل إلى
 
جبال سيناء جنوباً . وجبال أمانوس (التى يصل ارتفاعها إلى نحو 5.000 قدم) هي فرع جنوبي من جبال طوروس ، يفصل بين سورية وأسيا الصغرى . ويقطع هذه الجبال فى طرفها الجنوبي غور نهر الأورنت (العاصي) ، وتمر به الطرق إلى أنطاكية وحلب . والممر الرئيسي فوق هذه الجبال يوجد فى “بيلان” أو “البوابات السورية” على ارتفاع 2.400 قدم . وتستمر هذه السلسلة من الجبال فى امتدادها جنوبي نهر العاصي إلى جبل عكا الذي يبلغ ارتفاعه نحو 5.750 قدما ، ويمتد إلى لاتاكيا ، ويسمى فى جنوب اللاذقية باسم “جبل الأنصارية” ، والتي يقطعها فى الجنوب نهر الكبير الذي يشكل الآن الحدود بين سورية ولبنان ، والذي تمتد إلى الجنوب منه جبال لبنان
.

  
وإلى الشرق من هذه السلسلة من الجبال ، يوجد وادٍِ عميق ، هو امتداد الأخدود العظيم ، الذى يمتد من أرمينية شمالاً إلى خليج العقبة والبحر الأحمر . ويبدأ فى سورية بالقرب من أنطاكية ، حيث يتجه نهر العاصي إلى الغرب قاطعاً سلسلة الجبال ليصب فى البحر المتوسط . والسهل الداخلي عريض وشديد الخصوبة . ومن أنطاقية يرتفع وادي العاصى ببطء بين سلسلة الجبال الغربية والهضبة المرتفعة فى شمالي سورية ، ويبلغ الارتفاع عند حماة نحو 1.015 قدماً وعند حمص 1.660 قدماً . ويسمى هذا الوادي بعد حمص “وادي البقاع” بين جبال لبنان الغربية وجبال لبنان الشرقية ، ويتراوح عرضه ما بين ستة أميال وعشرة أميال ، ويبلغ طوله نحو 75 ميلا ، وهو غني بزراعاته ومراعيه
.

وسلسلة جبال لبنان الشرقية ترتفع من الهضبة السورية جنوبي حمص ، وتسير فى مقابل جبال لبنان وتكاد تعادلها طولاً وارتفاعاً . ويشق هذه السلسلة ويقسمها إلى قسمين ، وادي “نهر بردى” (أو أبانة) الذي يروى منطقة دمشق . ويرتفع الجزء الجنوبي من هذه السلسلة الشرقية – ويعرف باسم جبل حرمون أو جبل الشيخ – إلى نحو 9.232 قدما ، وهو أعلى قمة فى سورية
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس س سير سيور الحذاء [] 2]

وتنحدر السفوح الجنوبية والشرقية لجبل حرمون انحداراً شديداً إلى هضبة حوران الشاسعة ، وسطحها بركاني خالٍ من الأشجار ، وتربتها طفلية خصبة . وتغطي الحمم البركانية منطقة تبلغ مساحتها ستين ميلا طولاً ، وستين ميلاً عرضا . وتعتبر هضبة حوران من أجود مناطق الشرق الأوسط لإنتاج القمح
.

وتتجمع مياه سلسلة جبال لبنان الشرقية لتجرى فى نهر بردى (أبانة) نحو الصحراء الشرقية (وتقع دمشق على بعد ثلاثين ميلا إلى الشرق من جبل حرمون) . وعلى هضبة يبلغ ارتفاعها نحو 2.200 قدم توجد بقعة خصيبة مساحتها نحو 150 ميلاً مربعا ، تقوم عليها مدينة دمشق ، المركز الحضاري المتقدم فى الصحراء . وينقسم نهر بردى إلى خمسة فروع فى غوطة دمشق الشهيرة لينساب بعد ذلك فى الصحراء (ويبلغ طوله نحو 45 ميلا) . كما ينبع نهر آخر من سلسلة جبال لبنان الشرقية هو نهر فرفر (العوجة) الذي يجرى إلى الجنوب من دمشق ، وعلى مسافة منها ، ويختفى فى المستنقعات اشرقى المدينة . وكان نعمان السرياني – قائد جيش ملك أرام – فخوراً بهذين النهرين اللذين يرويان موطنه (انظر 2مل 5 : 12
).

وإلى الشرق من هضبة حوران تقع الصحراء السورية امتداداً للصحراء العربية الشاسعة . وتقع فى هذه المنطقة مدينة “بالميرا” (وهي تدمر القديمة مركز القوافل العظيم) على بعد نحو 135 ميلاً إلى الشمال الشرقي من دمشق . وقد أقيم حديثاً سد على نهر الفرات وعلى بعد نحو 25 ميلا من مصب نهر البلخ ، لري المناطق الشمالية فى سورية ، ولكن البحيرة المتكونة من السد ستغطى أطلال مدينة كركميش القديمة
.  

 

ثانياً – تاريخها
:

(1)  –
فى العصور القديمة : حكم سورية فى العصور الأولى الكنعانيون والأموريون والهكسوس والميتاني والحثيون ، وبصورة خاصة المصريون فى عصر الإمبراطورية التى بدأت بالأسرة الثامنة عشر . ولا يتسع المجال هنا لسرد كل تفاصيل هذه الحقبة من التاريخ القديم ، (الرجا الرجوع إلى مادة “الحثيين” وقد قامت فيها مدن عظيمة كما تدل على ذلك الحفريات الأثرية فى ألالة (3100 – 1200 ق.م.) بالقرب من منحنى نهر العاصي شرقي أنطاكية ، وفى حلب وكركميش وماري
.

(2)    –
الأراميون
:

(
أ)   تاريخهم : كان الأراميون (وهم من نسل سام بن نوح – تك 10 : 22و23) من البدو الذين انتشروا من الأطراف الشمالية للصحراء العربية السورية إلى مناطق الهلال الخصيب ، فاستقروا فى المنطقة العليا من بلاد بين النهرين منذ عصر الآباء كما يدل على ذلك تاريخ اسحق ويعقوب ، ونقوش شخص اسمه “نارام – سن
” (Naram – Sin) .
وكان مركز أرام النهرين (تك 24 : 10) أو فدان أرام (تك 25 : 20 ، 28 : 2) هو حاران (المذكورة فى الكتاب المقدس) . وربما كان الأراميون قد زحفوا إلى شمالي سورية ووسطها قبل ذلك . ولكن الأحداث التى وقعت فى القرن الثاني عشر قبل الميلاد ، قدمت لهم فرصة لا مثيل لها للاستقرار فى المنطقة ، فكانت قوة الحثيين قد انهارت ، وضاعت الامبراطورية المصرية فى غربي أسيا ، ولم يكن الإسرائيليون سوى مجموعة من القبائل تحت حكم القضاة
.

وكانت أقوى الممالك الأرامية فى سورية ، التى ظهرت فى القرن الحادي عشر قبل الميلاد هي “أرام صوبة” التى نعلم الآن أنها كانت إلى الشمال من دمشق ، والأرجح أنها كانت فى منطقة حمص . ولابد أن دمشق كانت فى ذلك الوقت جزءاً من “مملكة صوبة” . أما ممالك المعكيين والجشوريين (تث 3 : 14 ، يش 12 : 5 ، 13 : 11و13) ، وطوب (قض 11 : 3و5) فيغلب أنها كانت فى شرقي الأردن إلى الجنوب من دمشق
.

(
ب
)     
علاقاتهم بدواد وسليمان : عندما ظهرت قوة إسرائيل فى عهد داود ، تحالف حانون ملك عمون مع الممالك الأرامية فى صوبة ورحوب وطوب ومعكة (2صم 10 : 8) ، التى كانت تخشى – ولاشك – نمو القوة الإسرائيلية . وقد هزم داود الأراميين هزيمة منكرة وقتل كثيرين من صوبة ودمشق ، ووضع حامية عسكرية فى دمشق (2صم 10 : 18و19 ، 8 : 3-6). ولما هزم داود صوبة (التى تقع إلي الشمال من دمشق كما سبق القول) ، أرسل توعي ملك الحثيين فى حماة هدايا – بيد يورام ابنه – إلى داود اعترافا منه بسيادة داود على تلك المناطق التى فتحها
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ل لاشع 1

وقد وسَّع سليمان المملكة التى ورثها عن داود أبيه ، وحكم كل المنطقة من مصر إلى الفرات بما فى ذلك شرقي الأردن (2أخ 9 : 26) ، بل بسط نفوذه أيضا على فينيقية . وقد أتاح له موقعه الجغرافي أن يكون الوسيط التجاري بين بلاد العرب ومصر وفينيقية والممالك الأرامية والحثية فى سوريا وأسيا الصغرى
.

(
جـ) علاقتهم بالمملكة بعد انقسامها : لم تكن كل شعوب فلسطين وسورية أتباعا مسالمين للملك العظيم فى أورشليم (سليمان) ، فواضح أن صوبة تمردت عليه فاضطر إلى إخضاعها (2أخ 8 : 3) وعندما بدأت المملكة فى الانحلال فى أواخر حكم سليمان ، تزعم رزون حركة عصيان واستولى على دمشق (1مل 11 : 23و24) وأقام أسرة ملكية جديدة كانت خصماً لإسرائيل . ويبدو أنه بموت سليمان بدأت كل الولايات الخاضعة له فى إعلان استقلالها
.

وبعد تمرد رزون على سليمان ، حكم بعده ابنه طبريمون ثم حفيده بنهدد الأول (1مل 15 : 18). وواضح أن رزون وضع أساس العداء بين الممالك السورية والعبرانيين منذ البداية (1مل 11 : 25). ومع أن مملكة دمشق تزايدت فى القوة ، إلا أن فرصتها الكبرى ، جاءتها بقيام النزاع بين إسرائيل ويهوذا . فعندما وجد آسا ملك يهوذا نفسه فى مأزق ضيق بسبب غزو بعشا ملك إسرائيل ليهوذا ، أرسل هدية كبيرة لبنهدد ملك سورية طالبا منه النجدة ، فزحف الملك السوري على إسرائيل وأخذ عدداً من المدن فى الشمال
.

وفى أواخر حكم أخآب (حوالي 855 ق.م.) ، زحف بنهدد على إسرائيل ولكنه انهزم . وحاول أن يثأر لنفسه فى العام التالي فزحف مرة أخرى ولقي هزيمة أشد ، وأصبح أخآب فى موقف يستطيع فيه إذلال منافسه الشمالي ، ولكنه فضل أن يعفو عنه ، إذ رأى أنه يجب تجنيد كل القوى لمواجهة الزحف الأشوري على المناطق الغربية (1مل 20). وهكذا زحف الأعداء الألداء (أخآب وبنهدد) جنبا إلى جنب لملاقاة شملنأسر الثالث فى “كركر” شمالي حماة ، وانتصر الأشوريون فى تلك المعركة ، ولكنها لم تكن فاصلة ، لأنه بعد ذلك بخمس سنوات وجد شلمنأسر أنه من الضرورى أن يزحف مرة أخرى على سورية ، فاستطاع أن يهزم حلفا من اثني عشر ملكاً بزعامة بنهدد ملك دمشق وإرهولنو ملك حماة (845 ق.م.) وبعد ذلك بنحو سنتين ، قتل حزائيل بنهدد واغتصب العرش وأسس أسرة ملكية جديدة فى سورية
.

وخلال السنوات القليلة التالية ، استطاع شلمنأسر أن يهزم حزائيل مرتين ، ولكن جدت مشاكل أخرى شغلت الأشوريين ، فكفوا عن الزحف على سورية . وهنا أراد حزائيل أن ينتقم من ياهو ملك إسرائيل ، فاستولى على كل ما كان له فى شرقي الأردن وجلعاد وباشان (2مل 10 : 32و33) وهكذا أذل حزائيل إسرائيل . بعد ذلك زحف جنوباً وهزم الملك يهوآش ملك يهوذا (2مل 12 : 17و18). ولكن كان نجم سورية قد أوشك على الأفول ، فمات حزائيل (فى حوالي 800 ق.م.) ، وعاد الأشوريون إلى الزحف إلى سورية ، كما استطاع يهوآش ملك إسرائيل أن يهزم بنهدد الثاني – ابن حزائيل – ويستعيد ما سبق أن استولى عليه حزائيل (2مل 13 : 24و25). وواصل يربعام الثاني ابن يهوآش ملك إسرائيل الانتصار على سورية ، حتى صارت دمشق وحماة خاضعتين لإسرائيل بعض الوقت (2مل 14 : 28
).

والأرجح أن دمشق استقلت مرة أخرى عن إسرائيل فى حوالي 750 ق.م. فى عهد ملكها رصين . ثم تولى عرش أشور تغلث فلاسر الثالث (744 – 727 ق.م.) وأراد أن يستعيد لأشور مجدها ، فدفع رصين ملك دمشق ومنحيم ملك إسرائيل الجزية له . وبينما انشغل الأشوريون بأعداء آخرين على الحدود الشمالية الغربية ، زحف رصين ملك أرام وفقح ملك إسرائيل لتأديب آحاز ملك يهوذا لرفضه الانضمام إليهما فى صراعهما مع أشور ، وحاصرت جيوشهما أورشليم ، وزحفوا جنوبا نحو عصيون جابر على خليج العقبة ، وقتلوا أعداداً كبيرة من يهوذا (2أخ 28 : 5-8). ودفع اليأس آحاز ملك يهوذا إلى إرسال بعثة إلى تغلث فلاسر ، معترفا بخضوعه لأشور ، مع إرسال هدية ثمينة له (2مل 16 : 7و8). ورحب ملك أشور بهذه الفرصة ، فنزل على أعداء يهوذا ودمر حدائق دمشق الغناء وقضى على مملكتها فى 732 ق.م. (2مل 16 : 9
).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين بسام مدنى 01

(
د) السيادة الأجنبية : وظلت سورية جزءاً من الإمبراطورية الأشورية إلى يوم سقوطها على يد البابليين فى 612 ق.م. ، فأصبحت سورية جزءاً من الإمبراطورية البابلية الجديدة إلى يوم سقوطها على يد الفرس في 539 ق.م. حيث أصبحت دمشق عاصمة الولاية الخامسة فى الإمبراطورية الفارسية . ولكننا لا نعلم سوى القليل عنها فى أيام الإمبراطوريتين البابلية والفارسية
.

(
هـ) امبراطورية السلوقيين : عندما زحف الإسكندر الأكبر على الإمبراطورية الفارسية ، أخضع سورية لحكمه مع سائر ممتلكات فارس . وعند موته فى 323 ق.م. ترك وراءه مجموعة من القواد الطامعين ، حاول كل منهم أن يستولي على إمبراطورية الإسكندر ، فحدث نوع من الفوضى ، انتهى بأن تولى بطليموس حكم مصر والقيروان وقبرص وفلسطين ، وتولى أنتيجونوس حكم مكدونية ، وأسس سلوقس الأول أسرة مالكة فى بابل فى 312 ق.م. وفى أوج عظمة الإمبراطورية السلوقية ، بسطت سلطانها على كل الإمبراطورية الفارسية ما عدا مصر . وفى عهد سلوقس الثاني (264 – 226 ق.م.) فقد السلوقيون جزءاً كبيراً من إمبراطوريتهم ، فقد خرجت من يدهم إيران بثورة من البارثيين

(
الفرتيين). ولكن أنطيوكس الثالث (223 – 187ق.م.) نجح فى استعادة إيران ، ومد حدود ملكه إلى نهر السند مرة أخرى . وفى 198ق.م هزم بطليموس وأخذ منه فلسطين . ولأجل هذا النجاح حاز لقب “الكبير” ، ولكن سرعان ما تجاوز أنطيوكس حدوده ، فاشتبك مع قوة روما الصاعدة ، وهكذا فقد كل أملاكه غربي جبال طوروس واضطر إلى دفع تعويض كبير
.

وفى أيام أنطيوكس الرابع إبيفانس (175 – 164ق.م.) اشتد ساعد سورية مرة أخرى فبدأت بالحرب ، لأنه إذ علم أنطيوكس أن مصر تستعد لمحاربته ، بادر بالهجوم على بطليموس فيلوماتر واستولى على كل منطقة الدلتا ما عدا الإسكندرية . وعندما اضطرته روما إلى أن يعود أدراجه ، انصرف إلى نشر الثقافة اليونانية مما أثار ثائرة المكابيين ، فقامت الثورة اليهودية فى 168ق.م. وأدت إلى استقلال اليهود واستقطاع بعض الأملاك السلوقية . وأخذت الإمبراطورية السلوقية بعد ذلك فى الاضمحلال ، حتى ضم بومبي ما بقي منها إلى الإمبراطورية الرومانية فى 64ق.م
.

(
و) الحكم الروماني : كان من أهم مظاهر الإدارة السلوقية ، هو تأسيس المدن لتكون مركز لنشر الثقافة اليونانية ، ومقراً للحاميات العسكرية . وكان من أهم تلك المدن أنطاكية وميناؤها سلوكية على البحر المتوسط . وقد أصبحت أنطاكية – فيما بعد- ثالث المدن فى الإمبراطورية الرومانية ، بعد روما والإسكندرية ، كما أصبحت من أكبر المراكز المسيحية . وكانت مسقط رأس الإرساليات المسيحية ، فقد بدأ منها الرسول بولس رحلاته التبشيرية الثلاث (أع 13 : 1-4 ، 15 : 35و36 ، 18 : 2و23). وقد دُعي تلاميذ المسيح “مسيحيين” فى أنطاكية أولا (أع 11 : 26) ، كما أن فيها ثارت مشكلة علاقة المؤمنين من الأمم بناموس موسى ، وما أدى إليه ذلك من انعقاد المجمع فى أورشليم ، الذي تقرر فيه أن الأمم ليسوا تحت الناموس (أعمال 15
).

وكانت سورية تحت الحكم الروماني ، فى أزهى عصورها نظاماً وازدحاما بالسكان ، فبعد ما كان قد عمها من فوضى ، استتب فيها الأمن والسلام ، وانتقلت عاصمة الحكم من دمشق إلى أنطاكية . وبلغت أوج ازدهارها فى القرن الثاني بعد الميلاد ، فكثير من المناطق الجرداء الآن ، كانت تغطيها المدن الزاهرة ، وكانت تنمو فيها الفواكه والخضر والحبوب ، كما كانت تستخدم فيها وسائل متقدمة للزراعة والري . ومن الصناعات الرئيسية التى كانت فيها : صناعة المنتجات الجلدية ، والكتان والنبيذ . وكان من أهم مصادر ثروتها المتاجر العظيمة التى كان تمر بها القوافل على طرقها المعبَّدة وموانيها الزاخرة . وبالإضافة إلى آلاف القرى التى كانت تنتشر فى الريف (الذي قلما تأثر بالثقافتين اليونانية والرومانية) ، كانت هناك المدن الكبرى العامرة التى كانت مراكز للثقافة اليونانية . وكانت أعظم مدنها – بلا شك – أنطاكية العاصمة ، ولكن كانت هناك أيضا سلوكية ، وبيريه (حلب الحالية) ، ولاودكية ، وأباما ، وإبيفانيا (حماة الحالية) ، وإمصا (حمص الحالية) ، وهليوبوليس (بعلبك) بمعابدها الفخمة ، ودمشق ، وبالميرا (تدمر) . (ويمكن أيضا الرجوع إلى مادة “أرام” ومادة “أنطيوكس” وإلى “سلوكية

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي