شـمشـون

 

       
هو اسم البطل الإسرائيلي ، ابن منوح من سبط دان ، ومن أواخر قضاة إسرائيل ، فهو قبل صموئيل (قض 13 : 24-16 : 31) . ولا يمكن الجزم بمعني اسمه ، فقد يكون مشتقاً من الكلمة العبرية “شمش” بمعني “شمس” أو “مثل الشمس” ، أطلقه عليه أبواه توقعاً لِمَا سيكون عليه كنذير للرب . أو قد يكون مشتقاً من الكلمة العبرية “شمام” بمعني “يدمِّر” ، ويكون معني شمشون “المدمِّر
” .

والأرجح أن شمشون وُلد في بداية القرن الحادي عشر قبل الميلاد في زمن القضاة ، وفي بداية سيطرة الفلسطينيين علي بني إسرائيل (قض 13 : 1) ، في مدينة صرعة التي تقع مقابل بيت شمس في الجهة الأخري من وادي سورق ، بالقرب من الحدود الفاصلة بين بني إسرائيل والفلسطينيين في تلك الأيام . وكانت “بيت شمس” وقتئذ في يد بني إسرائيل (1 صم 6 : 12-16) ، ولكن البقايا الأثرية في الطبقة الثالثة (1200-1000 ق . م. ) تدل علي أنها كانت ترزح تحت نير الفلسطينيين
.

1-
مولد شمشون
:

       
لم يكن لأبويه ولد لأن أمه كانت عاقراً ، وكان ذلك يعتبر عاراً ، وبخاصة علي الأم (انظر تك 30 : 23) . وكان لولادة الابن فرحة لأنه يحمل اسم العائلة ، كما أن الابن يعاون أباه في المجتمع الزراعي ، علاوة علي أن الابن يعاون أباه في المجتمع الزراعي ، علاوة على أن الابن كان في زواجه أقل تكلفة من الابنة التي كان يلتزم والدها بتقديم عطية كبيرة كهدية زواج . فلا عجب أن نقرأ عن الاهتمام الكبير بولادة ابن لامرأة عاقر ، مثلما حدث مع سارة (تك 16 : 1 ، 18 : 1-15 ، 21 : 1-3) ، ومع رفقة (تك 25 : 21-26) ، ومع راحيل (تك 30 : 1 و 2 و22-24)، ومع حنة (1 صم 1) ، ومع أليصابات أم يوحنا المعمدان (لو 1 : 5-25
).

وحيث أن ولادة ابن لأم عاقر كان أمراً نادراً ، لذلك كثيراً ما كان يقوم ملاك بالتبشير بذلك . وقد أعلن ملاك لإبراهيم زوج سارة ، ولزكريا زوج أليصابات أن زوجتيهما العاقرتين ستلد كل منهما ابنا . أما في حالة شمشون ، فلم يأت الملاك أولا إلى منوح بل إلي زوجته التي لم يذكر اسمها . فلما أخبرت زوجها ، صلي للرب ليرسل إليهما ملاكه مرة أخري ، فاستجاب الرب له ، وجاءه الملاك وأعطاه التعليمات اللازمة لتنشئة الولد ، فأصعد منوح محرقة للرب ، فصعد الملاك عنهما في لهيب المذبح وهما ينظران (قض 13 : 8-21
) .

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مملكة إسرائيل ل

وقد قال لهما الملاك إن الصبي سيكون نذيراً للرب من البطن . وكان علي النذير أن يبتعد عن كل مصدر للنجاسة ، وأن يمتنع عن الخمر والمسكر وكل ما يخرج من جفنة الخمر ، والا يعلو موسى رأسه (عد 6 : 2-21) . وقد كرر الملاك هذه التعليمات ثلاث مرات تأكيداً للأمر (قض 13 : 5 و 7 و 14) ، لأنه يجب أن يكون مكرساً تماماً للرب ، وحتي إن الملاك أوصي المرأة نفسها ألا تشرب خمراً ولا مسكراً ولا تأكل شيئاً نجساً (قض 13 : 4
) .

2-
حياة شمشون
:

       (
أ) كانت حياة شمشون سلسلة من كسر هذه النواهي الثلاثة للنذير. وقد بدأت أول حلقة من هذه السلسلة بأن نزل إلي تمنة (14 : 1-4) . وكانت تمنة مدينة فلسطينية ، ولكنها لم تكن تبعد سوي أميال قليلة عن بيت شمشون في صرعة . وكان الانتقال من إسرائيل إلي أرض الفلسطينيين أمراً سهلا ، لأن الفلسطينيين كانوا يسيطرون علي القسم الجنوبي الغربي من إسرائيل (قض 15 : 11) ، وفي تمنة أحب امرأة من بنات الفلسطينيين ، وطلب من أبويه أن يأخذاها له زوجة . ورغم معارضة أبوية لمخالفة ذلك للشريعة ، فأنهما نزلا معه إلي تمنة وخطباها له زوجة . وحدث عند نزوله إلي تمنة للمرة الثانية و “إذا
 
بشبل أسد يزمجر للقائه ، فحل عليه روح الرب فشقه كشق الجدي ، وليس في يده شيء” (14 : 5 و 6) . وفي نزوله إليها مرة أخري بعد أيام لكي يأخذ زوجته ، مال لكي يري رمة الأسد فوجد بها عسلاً ، فأخذ منه علي كفيه وأكل ، وأعطي أباه وأمه فأكلا دون أن يقول لهما عن مصدر العسل . وكان في ذلك أول تدنيس لنذره بلمسه جثة ميتة ، وهو يعلم ذلك ، بدليل أنه أخفي الأمر علي والديه (قض 14 : 6 و 9
) .

وكانت رحلته الرابعة إلي تمنة لكي يتمم زواجه بامرأته (14 : 10-20) ، وهناك عمل “وليمة”-حسب المتبع-وكلمة “وليمة” في العبرية تتضمن شرب الخمر التي كان يستطيبها الفلسطينيون ، ومع أنه لا يذكر صراحة أن شمشون نفسه شرب منها ، إلا أن القرينة تدل علي ذلك ، وهكذا كسر الالتزام الثاني للنذير
.

وفي وليمة العرس ، حاجي شمشون الفلسطينيين أحجية لم يستطيعوا حلها إلا بعد أن أجبروا زوجته علي أن تتملقه لتعرف الأحجية وتخبرهم بها لئلا يحرقوها وبيت أبيها بالنار . فظلت تبكي لديه سبعة أيام الوليمة ، فأخبرها في اليوم السابع “لأنها ضايقته فأطهرت الأحجية لبني شعبها” الذين-بدورهم-أخبروا بها شمشون ، فاضطر أن ينزل إلي أشلقون ويقتل ثلاثين رجلا من الفلسطينيين ليعطي حللهم لمظهري الأحجية . و”حمي غضبه فترك زوجته وصعد إلي بيت أبيه” (14 : 19
) .

هل تبحث عن  م الأباء كيرلس الأسكندرى مثل وكيل الظلم م

وعندما عاد إلي تمنة لزيارة امرأته ، منعه من الدخول إلي حجرتها لأنه كان قد أعطاها لصاحبه زوجة (15 : 1 و 2) ، وعرض عليه أن يأخذ أختها الصغيرة . فغضب شمشون وانتقم لنفسه بأن اصطاد ثلاث مئة ابن آوي ، وجعل ذنباً إلي ذنب ووضع مشعلاً بين كل ذنبين في الوسط . ثم أضرم المشاعل ناراً وأطلقها بين زروع الفلسطينيين في أيام الحصاد ، فأحرق الأكداس والزرع وكروم الزيتون . ولما علموا السبب ، اغتاظوا وأحرقوا امرأة شمشون وأباها بالنار ، ولكن شمشون انتقم منهم بأن ضربهم ضربة عظيمة (قض 15 : 1-8
) .

وصعد الفلسطينيون ونزلوا في يهوذا وأجبروا رجال يهوذا علي أن يحتالوا علي شمشون حتى يوثقوه ويسلموه لهم . فلما نزل رجال يهوذا إليه ورووا له ما حدث من الفلسطينيين ، أسلمهم لكي يوثقوه بعد أن تعهدوا أن لا يقعوا هم عليه . “فأوثقوه بحبلين جديدين” وذهبوا به إلي الفلسطينيين الذين صاحوا للقائه ، فحل عليه روح الرب ، فكان الحبلان اللذان علي ذراعيه ككتان أُحرق بالنار ، ووجد لحي حمار طرياً فأخذه وضرب به ألف رجل منهم (15 : 9-16
) .

وشعر بالعطش الشديد ، وصلي للرب ، فشق الله الكفة التي في لحي ، فخرج منها ماء ، فشرب وانتعشت روحه ، فسمي المكان “عين هقوري” أي “نبع الصارخ” (أو المنادي
) .

(
ب) شمشون في غزة : رغم أن شمشون نشأ في أسرة تخاف الله بدليل ظهور ملاك الرب لوالديه أكثر من مرة ، ورغم أنه كان يعلم تماماً أنه نذير لله عليه أن يحيا حياة الانفصال والانفراز لله ، وقد زوده الله بقوة خارقة ليستخدمها في إتمام مقاصد الله ، إلا أنه كان مغلوباً علي الدوام من شهواته الجنسية ، فقد نزل بعد ذلك إلي غزة ودخل إلي امرأة زانية هناك ، فأحاط به الفلسطينيون وكمنوا له الليل كله عند باب المدينة منتظرين أن يقتلوه عند ضوء الصباح ، ولكن شمشون قام في منتصف الليل وقلع مصراعي باب المدينة والقائمتين ووضعها علي كتفيه وصعد بهما إلي رأس الجبل . وكان في ذلك اهانة عظيمة لأهل غزة ، لأن “أبواب المدينة” هي رمز قوتها ومنعتها (16 : 1-3
) .

(
جـ) شمشون ودليلة : بعد ذلك أحب شمشون امرأة في وادي سورق-الذي يقع علي بعد بضعة أميال من صرعة ، موطنه الأصلي-اسمها “دليلة” . فجاء إليها أقطاب الفلسطينيين الخمسة (قض 3 : 3) ، ووعدوها بأن يعطيها كل منهم ألفا ومئة شاقل فضة ، أي أن يعطوها خمسة آلاف وخمس مئة شاقل ، وهو مبلغ كان يعتبر ضخماً جداً بمعايير تلك الأيام . ولعلها لم تكن فلسطينية الأصل ، حتى إنهم عرضوا عليها مثل هذه الرشوة الضخمة ، التي تدل علي أهمية شمشون في نظرهم . وهناك من يري أنها كانت-ولابد-فلسطينية لتجاوبها السريع معهم
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر أخبار الأيام الأول 22

واستخدمت دليلة كل مهارتها ودلالها في اغراء شمشون ليخبرها بسر قوته . ولكنه خدعها ثلاث مرات ، ورغم أنه اكتشف هدفها وأنها تريد تسليمه للفلسطينيين ، إلا أنه ظل مخدراً بسحرها ، وسار كالأعمي إلي الفخ الذي أمسك به (أم 7 : 22 و 23) . وأمام الحاحها واغراءاتها ، كشف لها أخيراً كل ما بقلبه وأنه نذير للرب لم يعل موسى رأسه . فاستدعت أقطاب الفلسطينيين وأنامت شمشون “علي ركبتها ، ودعت رجلا وحلقت سبع خصل رأسه” ففارقته قوته لأن الرب قد فارقه لتدنيسه نذره” (قض 16 : 4-20
) .

(
د) نهاية شمشون : أخذه الفلسطينيون من حجر دليلة ، وقلعوا عينيه ونزلوا به إلي غزة ، وأوثقوه بسلاسل نحاس ، وجعلوه يطحن في بيت السجن
.

وفي السجن ابتدأ شعر رأسه ينبت ، ولاشك في أن ضميره أيضاً بدأ يستيقظ ويندم علي خطاياه وتدنيسه لنذره . وأراد الفلسطينيون أن يذبحوا ذبيحة عظيمة لداجون إلههم ، لأنهم ظنوه أنه هو الذي دفع ليدهم شمشون عدوهم . ولما طابت قلوبهم ، جاءوا بشمشون من بيت السجن ، وأوقفوه بين أعمدة المعبد الكبير لكي يلعب أمامهم كمهرج . وكان هناك جميع الأقطاب ، وعلي السطح نحو ثلاثة آلاف رجل وامرأة يتفرجون علي لعبه . فطلب شمشون من الغلام الماسك بيده أن يجعله يستند علي الأعمدة التي البيت قائم عليها . ورفع شمشون قلبه للرب ليمنحه القوة للانتقام لعينيه من الفلسطينيين ، وانحني بقوة علي العمودين المتوسطين فسقط البيت علي الأقطاب وعلي كل الشعب ، فكان الموتي الذين أماتهم في موته أكثر من الذين أماتهم في حياته ، وهكذا مات شمشون بعد أن قضي لإسرائيل عشرين سنة (قض 16 : 20-31
) .

ورغم كل أخطاء شمشون ، نجده يُذكر بين أبطال الإيمان في الأصحاح الحادي عشر من الرسالة إلي العبرانيين (عب 11 : 32) ، فقد قام بكل بطولاته بالاتكال علي
قوة الله ، كما ظهر إيمانه أيضا في صلاته الأخيرة عند موته
.

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي