صوم

 

الصوم هو الإمساك عن الطعام والشراب لفترة من الزمن أو هو مدته
:

أولاً : في العهد القديم
:

(
أ ) سيكلوجية الصوم
:

الإمساك عن الطعام أو الشراب أو كليهما في اوقات الحزن او الضيق أمر شائع بين كثير من الشعوب . ونقرأ في الكتاب المقدس عن كثيرين امتنعوا عن الطعام في أوقات التوتر الشديد ، كما في الغيرة والغضب والحيرة ، مثل حنة أم صموئيل ، التي أمام تعيير ضرتها لها ” بكت ولم تأكل ” ( 1 صم 1 : 7 ) . وكما فعل يوناثان بن شاول الملك ، عندما غضب لأن أباه حاول ان يقتل داود ( 1 صم 20 : 34 ) وعندما رفض نابوت اليزرعيلي ، ان يبيع اخاب الملك كرمه ، رجع أخاب إلي بيته مكتئباً مغموماً .. و” لم يأكل خبزاً ” ( 1 مل 21 : 1 – 4 ) . وكل هذه الحالات – التي ذكرناها – من الامتناع عن الأكل لم يكن لها علاقة بالدين
.

أما الصوم المرتبط بالعبادة – في الكتاب المقدس – فكثيراً ما كان مصحوباً بالحزن ولبس المسوح واتلرماد ، ويبدو أن هذا النوع من التذلل له أساس سيكلوجي ، وكأنه يقول لله : ” أنا تائب ونادم ، ولست متعالياً أو متكبراً ، فلا حاجة بك لإذلالي أكثر من ذلك ” بل لعله يتضمن أيضا استرحام الإله . ونجد هذا واضحاً في حالة داود عندما مرض ابنه الذي ولدته بثشبع عقب خطيته معها ، فسأل الله من أجل الصبي وصام صوماً وبات مضطجعاً على الأرض ، ولما مات الولد قام واغتسل وادهن وبدل ثيابه وسجد في بيت الرب ، ” ثم جاء الى بيته وطلب فوضعوا له خبزا فأكل ” فلما رأى دهشة عبيده ، قال لهم : ” لما كان الولد حياً ، صمت وبكيت لأني قلت : من يعلم ربما يرجمني الرب ويحيا الولد ، والآن قد مات ، فلماذا أصوم ؟ ( 2 صم 12 : 16 – 23
) .

كما قد يكون الصوم تعبيرا عن الاتضاع امام الرب ، كما يقول الرب لإيليا النبي عن آخاب عندما جعل مسحاً على جسده وصام واضطجع بالمسح : ” هل رأيت كيف اتضع اخاب أمامي ، فمن اجل انه قد اتضع امامي ، لا أجلب الشر في أيامه ” ( 1 مل 21 : 27 – 29
)

ولا يذكر الكتاب شيئا عن صيام الاباء ، وأول مرة يذكر فيها الصوم ، هي عن موسى عندما صام ” اربعين نهاراً وأربعين ليلة ، وهو على جبل سيناء ” ( خر 34 : 28 ، تث 9 : 9 ) وتكرر ذلك بعد أن كسر لوحي الشريعة ( تث 9 : 18
) .

(
ب ) مناسبات الصوم
:

(
أ ) يوم الكفارة حيث كان على بنى إسرائيل أن يذللوا نفوسهم ( لا 16 : 29 – 34 ، 23 : 27 – 32 ، عد 29 : 7 ) و لاشك في أن ” تذليل النفس ” يتضمن ” الصوم ” إذ أن كلمة ” الصوم ومشتقاتها ” لا تذكر مطلقاً في أسفار موسى الخمسة . وقد جاء في مخطوطات قمران أن الكاهن الشرير يجعلهم يعثرون في ” يوم الصيام ” ( في إشارة إلى يوم الكفارة ) فقد كان هو اليوم الوحيد الذي أمرت الشريعة بالصوم فيه
.

وقد جاء في ” المشنا ” اليهودية ، انه ممنوع – في يوم الكفارة – الأكل أو الشرب أو الاستحمام أو الادهان أو لبس النعال أو المعاشرة الزوجية ، وإذا حل يوم الكفارة في يوم سبت ، يكون للصوم الأولوية ( مشنا ” مناهوت ” 11 : 9
) .

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ث ثواب ب

وحيث أن هذا الصوم كان بالغ الأهمية ، وكان يقع دائماً في فصل الخريف ، كان حلوله ينذر بقرب قدوم الشتاء ، ولذلك نقرأ أنه : ” لما مضى زمان طويل وصار السفر في البحر خطراً ، اذ كان الصوم ( يوم الكفارة ) أيضا قد مصى ” ( أع 27 : 9 ) ، فقد كان الرومان يعتبرون انه من الخطر السفر بحراً بعد اليوم الحادي عشر من سبتمبر ، ويجب ان يمتنع بتاتا بعد اليوم الحادي عشر من نوفمبر ، ولا يستأنف الا في اليوم العاشر من مارس ، بينما كان بعض معلمي اليهود يعتبرون أنه يمكن السفر بحراً من عيد الفصح حتى عيد المظال
.

 

(
ب ) وقت الشدة
:

بالاضافة إلى الصوم في يوم الكفارة – الذي أمرت الشريعة – كان اليهود يصومون في أوقات أخرى – لم تأمر بها الشريعة – وبخاصة في أوقات الشدة والضيق ، وكان البعض منها عاماً والبعض الآخر فردياً
:

( 1 )
في زمن الحرب أو التهديد بالحرب : فقد صام بنو إسرائيل في بيت إيل عند حروبهم ضد بني بنيامين ( قض 20 : 26 ) ، وفي المصفاة عند حربهم مع الفلسطنيين ( 1 صم 7 : 6 ) ، ولم يأكل شاول الملك ” طعاماً النهار كله والليل ” قبل زيارته لعرافة عيد دور ( 1 صم 28 : 7 – 20
) .

وكان يمكن فرض الصيام على المحاربين في وقت القتال ( قض 20 : 26 ، 1 صم 7 : 6 ) ، ولو أنه لا دليل على أنه كان أمراً مطلوباً دائماً ، وقد لعن شاول كل رجل يأكل خبزاً الى أن ينتقم من أعدائه ، وقد تعرض يوناثان ابنه للقتل لأنه خالف أمر أبيه ، لولا أن تدخل الشعب لانقاذه ( 1 صم 14 : 24 – 45
) .

( 2 )
وقت المرض : فقد صام داود وبكى عندما مرض ابنه ، ولكن لما مات الولد اغتسل وادهن وبدل ثيابه وسجد في بيت الرب ، ثم طلب طعاما وأكل ( 2 صم 12 : 16 – 23 ) ويقول المرنم عن اعدائه إنه : ” في مرضهم كان لباسي مسحا أذللت بالصوم نفسي ” ( مز 35 : 13
) .

( 3 )
وقت النوح : فقد صام رجال يابيش جلعاد سبعة أيام من أجل مقتل شاول ( 1 صم 31 : 13 ، 1 أخ 10 : 12 ) كما صام داود والشعب الى المساء أيضا لأجل شاول ويوناثان ( 2 صم 1 : 12
) .

( 4 )
وقت الندم والتوبة : فقد كانت المصائب تعتبر دليلاً على غضب الله ، فكان الندم والتوبة وسيلة الخلاص منها ، فقد صام أخابّ واتضع أمام الرب عندما أنذره إيليا بالمصير الذي ينتظره لقتله نابوت اليزرعيلي ( 1 مل 21 : 27 ) ، كما كان الصوم الذي صامه بنو إسرائيل وعليهم مسوح وتراب في ايام عزرا تعبيراً عن الندم والتوبة ( نح 9 : 1
) .

( 5 )
وقت الخطر الداهم : فعندما أتى الموآبيون والعمونيون على يهوشافاط ، نادى بصوم في كل يهوذا ( 2 أخ 20 : 3 ) كما نادى يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا ، بصوم في الشهر التاسع من السنة الخامسسة من ملكه ( إرميا 36 : 9 ) ، ونادى عزرا بصوم ليطلب رعاية الرب له وللشعب الراجع من بابل إلى وطنه ، فقد كانت الرحلة محفوفة بمخاطر كثيرة ، ولم يشأ ان يطلب من الملك جيشاً وفرساناً لحمايتهم ( عز 8 : 21 و 22
) .

هل تبحث عن  م الأخرويات الله والشر والمصير 2

وصام نحميا عندما سمع عن الحالة في أورشليم ( نح 1 : 4 ) وصام اليهود عندما علموا ان هامان استصدر من الملك احشويورش مرسوماً بإبادتهم ( اش 4 : 3 ) وصامت أستير ومردخاي ومن معها ، قبل دخولها الى الملك ( أس 4 : 16 ) ، كما أوجبت هي ومردخاي صوم يومي الفوريم ( أس 9 : 31 ) كما نادى يوئيل الشعب ان يقدسوا جميعهم – شيوخا وشباباً ، بل وأطفالاً ورضعاً ، وعريساً وعروساً – صوماً ( يؤ 1 : 14 ، 2 : 12 – 16
) .

( 6 )
في ذكرى الحوادث : ففي أثناء السبي وبعده حفظوا أصواماً في ذكرى اليام التي حاقت بهم فيها الكوارث : اليوم العاشر من الشهر الخامس ، الذي أحرق فيه الهيكل ( انظر إرميا 52 : 12 و 13 ) ، واليوم الثاني من الشهر السابع ، اليوم الذي اغتيل فيه جدليا بن اخيقام ( 2 مل 22 : 23 – 25 ، ارميا 41 : 1 و 2 ) ، واليوم العاشر من الشهر العاشر الذي بدأ فيه البابليون حصار أورشليم ( 2 مل 25 : 1 ) واليوم التاسع من الشهر الرابع الذي فيه سقطت المدينة في أيدي البابليين ( 2 مل 25 : 3 و 4
) .

وجاء رجال بيت إيل إلى زكريا النبي يسألونه عن صواب الصوم في هذه الأيام المذكورة ، فقال لهم زكريا إن إجراء العدل وعمل الإحسان والرحمة ، كل إنسان مع أخيه ، وعدم التفكير في الشر في قلوبهم أهم في نظر الرب من الصوم ( زك 7 : 1 – 14 ) . كما قال لهم إن صوم هذه الأيام سيتحول ” ويكون لبيت يهوذا ابتهاجاً وفرحا وأعياداً طيبة ” ( زك 8 : 19
) .

( 7 )
الصوم استعداداً لاستقبال الإعلان من الله : كما حدث مع موسى ( خر 34 : 28 ، تث 9 : 9 و 18 ) ، ومع دانيال ( 9 : 3
) .

(
جـ ) مدة الصوم
:

كان الصوم عادة لمدة يوم واحد من شروق الشمس إلى مغربها ( قض 20 : 26 ، 1 صم 14 : 24 ، 2 صم 1 : 12 ، 3 : 35 ) وربما كان لليلة واحدة ( دانيال 6 : 18 ) واستمر صوم استير ثلاثة أيام ليلاً ونهاراً ويبدو أن هذه كانت حالة خاصة ( اس 4 : 16 ) ، وصام أهل يابيش جلعاد سبعة أيام لموت شاول ( 1 صم 31 : 13 ، 1 أخ 10 : 12 ) وصام داود سبعة أيام عند مرض إبنه ( 2 صم 12 : 16 – 18
)

وقد صام موسى أربعين يوما ( خر 34 : 28 ، تث 9 : 9 ) ، وكذلك صام إيليا

( 1
مل 19 : 8
) .

ويقول دانيال : ” كنت ناتئحا ثلاثة اسابيع أيام ولم آكل طعاما شهيا ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر ، ولم أدهن حتى تمت ثلاثة اسابيع ايام ” ( دا 10 : 2 و 3 ) ، ولكنه لا يسمى ذلك صوما
.

(
د ) إظهار الصوم
:

بدأ الناس يتباهون بصومهم ، وهو ما هاجمه الأنبياء وأقوى هجوم على ذلك هو ما جاء في نبوة اشعياء عنجدما قال للناس : ” لماذا صمنا ولم تنظر ، ذللنا انفسنا ولم نلاحظ ؟ ” ( اش 58 : 3 ) ، فيقول لهم الرب : ” أمثل هذا يكون صوم أختاره ؟ يوما يذلل فيه الإنسان نفسه ، يخبئ كالأسلة رأسه ويفرش تحته مسحا ورماداً ، هل تسمى هذا صوماً ويوماً مقبولا للرب ” ؟ ( إش 58 : 5 ) أما الصوم المقبول عند الرب فهو ” حل قيود الشر ، فك عقد النير واطلاق المسحوقين أحراراً وقطع كل نير ـ أليس أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلي بيتك ، إذا رأيت عرياناً أن تكسوه ؟ ( اش 58 : 6 و 7 ) . كما دعاهم يوئيل أن يمزقوا قلوبهم لا ثيابهم وأن يرجعوا ألى الرب ( يؤ 2 : 13 ) وقال الرب على فم إرميا النبي عن الشعب المرتد :” حين يصومون لا أسمع صراخهم .. ” ( إرميا 14 : 12
) .

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ن نبوخذ نصر 1

ثانيا – في العهد الجديد
:

علم يوحنا المعمدان تلاميذه أن يصوموا كثيراً( مرقس 2 : 18 ، لو 5 : 33 ) ، ومع أن الرب يسوع صام في البرية

(
مت 4 :2 ، لو 4 :2 ) – وكان من الواضح من التجربة الأولى أنه لم يكن لديه ما يأكله فى وسط البرية التى لم يكن بها سوى الرمال والأحجار – إلا أن الكتبة والفريسيين اعترضوا عليه قائلين : ” لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيين وأما تلاميذك فلا يصومون ؟ ” فكان رده عليهم : ” هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا ما دام العريس معهم ؟ ولكن ستأتى أيام حين يرفع العريس عنهم ، فحينئذ يصومون ( مت 9 : 14 و15 ، مرقس 2 : 18 و19 ، لو 5 : 33- 35
) .

وقد وبخ الرب يسوع صوم الرياء والتظاهر قائلاً : ” ومتى صمتم فلا يكونوا عابسين كالمرائين ، فإنهم يغيرون وجههم لكي يظهروا للناس صائمين . الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم . وأما أنت فمتى صمتم ، فادهن رأسك واغسل وجهك ، لكى لا تظهر للناس صائماً ، بل لأبيك الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية ” ( مت 6 :16-18 ) . ويقول الفريسى فى المثل الذى ذكره الرب لقوم واثقين بأنفسهم أهم أبرار يحتقرون الآخرين : ” 000 أصوم مرتين فى الأسبوع ” ( لو 18 :9-12 ) . فقد كان الفريسيون يصومون يومى الاثنين والخميس من كل أسبوع
.

وكثيرا ما تجتمع الصلاة والصوم معاً ، فقد كانت حنة النبية ، تعبد الله فى الهيكل ” بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً ” ( لو 2 : 37 ) . وهناك أنواع من الشياطين لا تخرج إلا بالصلاة والصوم ( مت 17 :21 ، مرقس 9 :29
) .

وقد صار بولس بعد أن ظهر له الرب فى الطريق إلى دمشق ( أع 9 :9 ) . وكان كرنيليوس صائما لمدة أربعة أيام عندما ظهر له الملاك ( أع 10 :30
) .

وعندما قال الروح القدس للتلاميذ فى أنطاكية : ” أفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه ، فصاموا حينئذ وصلوا ” ( أع 13 :1-3
) .

وقد أتفق بعض اليهود الذين كانوا مع بولس فى السفينة مدة أربعة عشر يوماً ( أع 27 :33 ) . ويكتب الرسول بولس للزوجين : ” لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ” ( 1 كو 7 :5
) .

ويقول إنه كان يخدم الله : ” فى صبر كثير 000 فى أتعاب ، فى أسهار ، فى أصوام 00 ” ( 2كو 6 : 5، انظر أيضاً 2 كو11 :27 ) . ويرى البعض أن هذه الأصوام كانت اضطرارية لعدم وجود ما يأكله ( انظر مت 15 :32
)  .

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي