طرسوس – طرسوسي

 

تقع مدينة طرسوس على نهر كيدنوس في كيليكية في الركن الجنوبي الشرقى من أسيا الصغرى ، وعلى بعد نحو عشرة أميال من ساحل البحر المتوسط ، وعلى ارتفاع نحو ثمانين قدما فوق سطح البحر ، مما يجعل جوها لا يشجع على الازدهار ، ولكن على بعد نحو ميلين إلى الشمال ، تبدأ التلال في الارتفاع التدريجي حتى تتصل بجبال طورس ، وعلى بعد عشرة أميال من المدينة السفلى ، قامت مدينة طرسوس العليا ، التي كانت تعتبر منتجعاً صيفياً لعدد كبير من سكان المدينة الأولى ، إذ كان الجو المعتدل للمدينة العليا يخفف من حالة الجو في المنطقة المنخفضة . وعلى بعد عشرين ميلاً إلى الشمال من المدينة العليا ، يوجد الممر المعروف باسم ” بوابات كيليكية ” ، وهي معبر ضيق في جبال طورس تمر به الطريق التجارية بين أسيا الصغرى وسورية . وكان وقوع طرسوس على هذا الطريق الرئيسي سبباً في ثرائها
  .

ومع أن نهر كيدنوس كان صالحاً للملاحة إلى وسط مدينة طرسوس ، وقد سارت فيه كليوبترا في موكبها الملكي الفاخر عند ذهابها لمقابلة أنطونيوس ، فإن غالبية السفن كانت ترسو على الميناء على بعد نحو خمسة أو ستة اميال إلى الجنوب من المدينة حيث كانت توجد بحيرة ” رجما ” التي تغذيها مياه الينابيع . وكانت منشآت الميناء وأرصفتها تحيط بالمدينة من كل جانب ، ما عدا الجانب الجنوبي . وكانت هذه المنشآت وقناة كيدنوس أيضاً ، دليلاً على المهارة البالغة في إقامتها وإدارتها ، فقد استدعت الأحوال – بعد ذلك – إنشاء قناة مساعدة للتخفيف من الفيضانات . وقد أصبحت هذه القناة – التي
 
حُفرت في عهد جستينان ( 527 – 563 م ) – هى المجرى الرئيسي للنهر
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس و وثق واثق ثقة ة

وتعتبر طرسوس – بتاريخها الذي يرجع إلى نحو ستة آلاف سنة مضت – من أقدم مدن العالم ، فكثيرون من العلماء يرون أنها هي ” ترشيش ” المذكورة مع ياوان وأليشه وكتيم ودودانيم ( تك 10 : 4 ) ، وأن ترشيش هذه غير ترشيش المذكورة بعد ذلك في أسفار الملوك والأنبياء ( الرجا الرجوع إلى ” ترشيش

والأرجح أن طرسوس كانت عاصمة ” كيزواتنا ” ( الاسم القديم لكيليكية ) في زمن الحثيين . وقد استولى عليها شلمنأسر الثالث ملك أشور في 832 ق.م كما هو مسجل على مسلته السوداء المحفوظة في المتحف البريطانى . وفي 696 ق. م . نهبها سنحاريب . وفي القرن السابع قبل الميلاد ، أقام فيها تجار الإغريق مستعمرة يونانية ليكونوا قريبين من مناجم الفضة والحديد في جبال طورس
.

وقد عبرت بها الجحافل الفارسية بقيادة كورش الأصغر في 401 ق.م . في زحفه الشهير ضد أخيه ارتحشستا . وقد نهب المرتزقة الإغريق في جيشه مدينة طرسوس ، التي يصفها زينوفون ، بأنها كانت مدينة عظيمة مزدهرة فيها قصر الملك سينيزس
( Syennesis  )

وفي 333 ق. م زحف عليها الاسكندر الأكبر بعد أن عبر ” بوابات كيليكية ” ، واستولى عليها قبل أن تستطيع الجيوش الفارسية تدميرها عند الانسحاب منها بقيادة دارا الثالث الذى أوقع به الاسكندر الأكبر هزيمة
 
منكرة في موقعة أسوس الشهيرة التي انتهت بها الامبراطورية الفارسية . وقد مُنحت طرسوس حكماً ذاتياً في أيام السلوقيين خلفاء الاسكندر
.

ويرد ذكر طرسوس في عهد السلوقيين في سفر المكابين الثاني ( 4 : 30 و 31 ) في 171 ق. م عندما تمرد أهلها وأهل ” ملَّو ” ( المجاورة لها ) ، لأن أنطيوكس الرابع ( إبيفانوس ) جعلهم هبة لأنطيوكس محظيته ، فبادر أنطيوكس إلى إطفاء الفتنة ، ومنح طرسوس نوعاً من الحكم الذاتي كما يظهر ذلك من صكها العملة الخاصة بها
.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد قديم سفر اللاويين Leviticus 22

وفي 64 ق . م . ضمها القائد الروماني بومبي إلى الامبراطورية الرومانية . وفي 50 ق. م . كان شيشرون رجل الدولة الشهير ، حاكماً لها . وقد جعلها أنطونيوس مدينة حرة في 41 ق. م . مكافأة لها على وقوفها – في 43 ق . م . – ضد كاسيوس أحد منافسيه . كما أعفاها من الضرائب . وقد أيد هذا أيضا أوغسطس قيصر بعد موقعة أكتيوم في 31 ق . م التي أصبح بعدها السيد الوحيد ، اللامبراطورية الرومانية
.

وفي القرن الأول الميلادى ، كانت طرسوس عاصمة كيليكية ، والمدينة الوحيدة الكبيرة فيها . فعلاً على ثروتها التجارية والزراعية . وكانت تزهو بجامعتها العظيمة التي كانت تنافس جامعتي أثينا والاسكندرية ، حتى أنها كانت تسمى ” أثينا شرقي البحر المتوسط ” فكانت موطناً لأثينودورس الرواقي الذي كان رفيقاً لكاتو الأصغر و لأثينودورس الكاناني ( نسبة إلى مدينة ” كانان ” ) الذي كان معلماً ومشيراً لأوغسطس قيصر ، ونسطور معلم مارسيللوس ابن أخت أوغسطس ولطيباريوس أيضاً ، وأنتيباتر الذي أصبح رئيساً لإحدى مدارس أثينا . كما كانت تشتهر بصناعة نسج الكتان وصناعة الخيام . وقد تعلم شاول الطرسوسي ( بولس الرسول ) هذه الصناعة كعادة اليهود اليهود في تلك العصور ( أع 18 : 3
) .

وقد وُلد الرسول بولس في طرسوس ( أع 21 : 39 ) ، فاكتسب الجنسية الرومانية
     (
أع 16 : 38 ، 22 : 28 ) . ويقول الرسول عنها إنها ” مدينة غير دنية ” ( أع 21 : 39 ) . وإليها أرسله الأخوة من قيصرية لينجو من القتل ( أع 9 : 30 ) . وإليها ذهب برنابا ليدعو الرسول بولس ليشاركه في الكرازة للأمم في أنطاكية ( أع 11 : 25 و 26 ) ولابد أن الرسول بولس زارها في رحلته الكرازية الثانية عندما ” اجتاز في سورية وكيلكية يشدد الكنائس ” ( أع 15 : 41 ) ، ومنها عبر إلى ليكأونية . كما لابد أنه زارها في بداية رحلته الكرازية الثالثة ، إذ إنه ” بعدما صرف زماناً ( في أنطاكية ) خرج واجتاز بالتتابع في كورة غلاطية وفريجية يشدد جميع التلاميذ ” ( أع 18 : 22 و 23
) .

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م ماكيريون ن

وفي أواخر القرن الرابع ، انقسمت ولاية كيلكية إلى جزءين ، وأصبحت طرابلس عاصمة للجزء الرئيسي . وفى النصف الثاني من القرن السابع استولى عليها العرب الذين ظلوا يحتلونها طيلة القرون الثلاثة التالية ، وجعلوا منها قاعدة لهم في هجماتهم على هضبة الأناضول والامبراطورية البيزنطية . وفى 965 م استولى عليها وعلى سائر كيليكة الامبراطورية البيزنطي ينسفورس بوكاس ، ولكنها وقعت في أواخر
 
القرن التالي في يد الأتراك ، وبعد ذلك في يد الصليبين ، فحكمها أمراء من أرمينية . ثم استولى عليها المماليك سلاطين مصر ، ومنهم أخذها الأتراك العثمانيون في بداية القرن السادس عشر عندما هزموا السلطان الغوري في موقعة ” مرج دابق ” في 1517 م ، واستولى على مصر نفسها . ومنذ ذلك التاريخ أصبحت كيليكية جزاًء من تركيا
.

ولم يبق من مجدها السابق سوي آثار قليلة أهمها معبد يوناني روماني يعرف بقبر ساردنابالوس
( Sardanapalus  ) .

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي