عبادة أوثان

 

عبادة الأوثان هى تقديم الأحترام – اللائق بالله وحده ولا سواه – ليى شيء من صنع الإنسان ، أو ليى مخلوق من سائر المخلوقات ، أو الأجرام السماوية ، أو قوى الطبيعة ، أو سائر الرموز والمعاني المجردة
.

(
أ ) كيف نشأت : يعلن لنا الكتاب المقدس جليا . أن عبادة الأوثان دخيلة على الإنسان الذي خلقه الله على صورته لكي يتعبد له وحده ولا سواه . ولكن الخطية التي دخلت ‘إلى العالم بسقوط آدم ، قد أعمت بصيرة الإنسان وأضلته عن الحق ، فزاغ عن الله ، وأصبح كل تصور أفكار قلبه شريرا ( تك 6: 3و 5 ) ، فغنهم ” لما عرفوا لم يمجدوا أو يشكروه كإله ، بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي ، وبينما هم يزعمون أهم حكماء ، صاروا جلاء ، وأبدلوا مجد الله الذى لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى ، والطيور والدواب والزحافات دون الخالق الذي هو مبارك إلى الأبد ، آمين ” ( رو1 : 21- 25
) .

لقد مال الإنسان الساقط إلى عبادة إله منظور ملموس ، أو ما يرمز إلى هذا الإله ، وعلى مدى تاريخ الإنسان ، اتخذت هذه النزعة في الإنسان صوراً متعددة
.

واعتقد الإنسان بحيوية المادة ، أي أن بالمادة روح
(animism ) 
، وهكذا اعتبرها جديرة بأن
 
تكون موضوعاً للعابدة ، فعبد الأحجار والأشجار ، والأنهار والينابيع وغيرها
.

كما عبد الكائنات الحية مثل : العجول كرمز للقوة والخصوبة والتكاثر . والحية كرمز لتجدد الحياة لأنها تغير جلدها كل سنة . والطيور مثل الصقر والنسر و العقاب كرموز للحمكة وقوة البصر . وكثيراً ما كان الإنسان يحجمع بين هذه الصور الحيوانية وبين صورة الإنسان ، فيكون للمعبود جسم إنسان . ورأس صقر أو نسر أو تمساح أو غير ذلك . كما عبد الأجرام السماوية من شمس وقمر ونجوم . وعبد عناصر وقوى الطبيعة مثل العواصف والرياح ، والنار والماء والأرض ، فكن لكل منها إله يعبده
.

       
وكثيراً ما ألهَّ الإنسان قوة الخصوبة متمثلة في الإلاهة الأم ، مثل ديانا أو أرطاميس _ انظر أع19 : 24 و 28 و35 ) ، وقد تضمن ذلك عبادة الجنس وتمجيد الدعارة . كما كان هناك ميل عام لعبادة البطولة التي كانت تشمل أجداد القبيلة أو العشيرة
.

كما أن الطوطمية شملت عبادة الكثير من الرموز المقدسة التي كانت تتخذها العشيرة أو القبيلة شعارا لها ، مثل حيوان مفترس ، أو طير كاسر ، أو الجمع بين شيء من هذا القبيل وجسم الإنسان
.

كما أن المذهب المثالي ، اتجه إلي عبادة المفاهيم المجردة ، مثل الحكمة والعدالة والجمال 00، كما كانت الشعوب تؤله ملوكها ، لأنهم كانوا يملكون سلطة الحياة والموت على رعاياهم . فكانت عبارة ” يحيا الملك ” أو ” يحيا الإمبراطور ” تعني أكثر من مجرد تمني العمر الطويل له ، إذ كانت تعتبر نوعاً من التعبد
.

       
والإنسان هو المخلوق الذي يملك القدرة على صنع الصور والتماثيل ، لذلك ارتبطت عبادة الأوثان بتقدم الإنسان في الفنون والحرف ، فاستطاع أن يصور المعاني المجردة كالجمال والعدالة ، في تماثيل رائعة ، ثم يخر ويسجد لها ، ويحرق أماها البخور ، ويغشيها بالفضة والذهب ، ويرصعها بالأحجار الكريمة ، أو يكسوها بفاخر الثياب المزخرفة ، ويقِّبلها قبلات الاحترام
 
والتعبد ، ويضعها في المحراب الخاص بها ، ويستشيرها باعتبارها تجسِّد الحكمة الإلهية ، أو تمثل حضور الإله ، ويستطلع منها المستقبل في الأمور السياسية أو الحربية أو سائر شئون الحياة
.

وعبادة الأوثان في معناها الواسع ، قد تشمل فلسفات الإنسان الباطلة ، من المذاهب الطبيعية والإنسانية والعقلانية ، التي تسلب الله مجده (رو 1: 23 ) ، ويدخل تحت هذه التنجيم والسحر والاتصال بالأرواح
.

(
ب) عبادة الأوثان في الأمم المحيطة بإسرائيل : دخلت عبادة الأوثان أساساً من المصريين والكنعانيين والبابليين والأشوريين . فقد ترك قدماء المصريين الكثير من النقوش والتماثيل التى تدل على أنهم عبدوا العديد من الآلهة ، بل كانوا يعتبرون ملوكهم تجسيدا للآلهه . وعلاوة على هؤلاء البشر ، فإنهم عبدوا العجل والتماسيح والسمكة والشجرة والصقر وغيرها ، باعتبار أن أرواح الآلهة تسكنها
.

كما أن الكنعانيين عبدوا ” البلعيم ” بصورها العديدة ، باعتبارها آلهة الخصوبة والعربدة
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ص صوّر يصوّر ر

وكان أهم الآلهة عند البابليين
 
والأشوريين آلهات الشهوة والتناسل مثل عشتار . ويبدو أن البابليين كانوا مغرمين باستيراد الآلهة من الشعوب المجاورة ، أو من الأمم التي أخضعوها ووضعوها تحت الجزية ، فأصبح لهم آلهة لكل شيء : للتعليم ، وللحرب وللنار ، وللأمومة أوللبتولية وللخصوبة ، وللجو وللريح وللماء وللأرض وللعالم السلفي ، علاوة على الشمس والقمر والنجوم . ولم يكن الأشوريين بأقل منهم وثنية ، علاوة
 
على ما اكتسبوه من شهرة بأنهم كانوا أكثر شعوب الشرق الأوسط القديم قسوة وصادية
.

(
ج) تاريخ الوثنية في إسرائيل : عاش إبراهيم في عالم وثني ، وكانت رحلته إلى الغرب هروباً من وثنية أور الكلدانيين ، والبحث عن موطن يستطيع فيه أن يعبد الله الواحد الحقيقي
.

والنهي عن عبادة الأوثان أحد الثوابت المطلقة القليلة في الشريعة اليهودية ( مع الزنا بالمحارم والقتل ) . فعبادة ” يهوه ” – الخالية من كل أثر للصور والتماثيل – كانت إعلاناً بأن
  “
يهوه ” ليس أعظم من الطبيعة فحسب ، بل هو المهيمن عليها وغير مقيد بها، وثمة عبارات عبرية للسخرية من الوثنية ، وللدلالة على ما فيها من انحطاط وفحش وحماقة جلية
.

والشريعة اليهودية تحرم أي محاولة لتصوير الله ، فالوصيتان الأولى والثانية من الوصايا العشر ، تنهيان نهياً باتاً عن عبادة الصور والتماثيل وأي إله آخر ( انظر خر20 : 1 –6 ، تث 5
:  7
و 8 ، لا 19 : 4 ) . وكانت عبادة الأوثان تعتبر خيانة عظمى عقوبتها الموت ( تث 17 : 2 –7
) .

كما أن الأنبياء يبدون عداء – لا هوادة فيه – ضد عبادة الأوثان . فالأوثان ليست إلا من صنع يدي الإنسان ( عا 5 : 26 ، هو 13 : 2 ، إش 2 : 8 ) ، شبه مخلوقات ( تث 4 : 16 –19 ) ، مصنوعة من مواد ميتة ( هو 4 : 12 ، إش 44: 9و10 ، مز 115 ) ، فعبادتها حماقة واضحة ، إذ يجب أن تكون العبادة لله وحده لا سواه حيث أنه هو الخالق الحي لكل شيء ، وهو روح لا يمكن تصويره في أي شكل
.

ومع ذلك عبد الإسرائيليون ” يهوه ” في بعض الأشكال والرموز ( مثلما عبدوا الحية النحاسية – 2مل 18 : 4 ) ، كما عبدوا آلهة الأمم المجاورة
.

وتبدأ قصة عبادة الأوثان بين العبرانيين ، بقصة سرقة راحيل لأصنام لابان أبيها ( تك 31 : 19 ) . ولكن لم تكن هذه الأصنام توضع في مستوى واحد مع إله إبراهيم وناحور ( تك 31 : 53 ) . ولعل راحيل لم تكن تهتم بهذه الأصنام كموضوع للعبادة ، إذ أن ما تم اكتشافه في “نوزي ” ، يدل على أن امتلاك أصنام العائلة يعني وراثة رياسة العائلة . فلعل راحيل كانت تحاول نقل رياسة أسرة أبيها إلى زوجها يعقوب
.

وكان للسنين الطويلة التي قضاها بنو إسرائيل في مصر أثرها عليهم ، فقد فُتنوا بأوثانها
      (
انظر يش 24 : 14 ، حز 20 : 7و 8 ) مع أن الرب ” صنع بآلهتهم
  (
آلهة مصر ) أحكاماً ” ( عد 33 : 4
) .

وفي أثناء غياب موسى عن الشعب المخِّيم عند جبل سيناء ، طلب بنو إسرائيل من هارون أن يصنع لهم آلهة
 
تسير أمامهم ( خر 32 : 1 ) . ولاشك في أن أفكارهم التي تشبَّعت بتقديس العجول في مصر ، كانت وراء صناعة العجل المسبوك ( خر 32 : 4 ) ، ووراء استجابة السريعة بعبادته حالما ” نادى هارون وقال : ” غداً عيد للرب . فبكروا في الغد وأصعدوا محرقات وقدموا ذبائح سلامة . وصلى الشعب للأكل والشرب ثم قاموا
 
للعب ” ، للغناء والرقص ( خر 32 : 5 و6 و18 19 ) ، فكان ذلك أشبه بالاحتفال بالعجل أبيس . وقد أثار ذلك غضب الرب وغضب موسى ، لأنهم قالوا : ” هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر ” ( تك 32 : 4 ) . كما أن هارون قال لهم : ” غداً عيد للرب ( يهوه ) ” (تك 32 : 5 ) ، وهكذا ” أبدلوا مجدهم بمثال ثور آكل عشب ” ( مز 106 : 19 و 20
) .

كما حدث ارتداد وقتي في شطيم ، عندما فُتن بنو إسرائيل ببنات موآب ” وسجدوا لآلهتهن ” ( عد 25 : 1 – 5
) .

وعندما دخل بنو إسرائيل أرض كنعان ، اتصلوا بأشكال عديدة من الوثنية ، ومع أن
 
الله كان قد أمرهم قائلاً : ” تخربون جميع الأماكن حيث عبدت الأمم التي ترثونها آلهتها على الجبال الشامخة وعلى التلال ، وتحت كل شجرة خضراء
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مَرارة ة

وتهدمون مذابحهم ، وتكسرون أنصابهم ، تحرقون سواريهم بالنار ، وتقطعون تماثيل آلهتهم ، وتمحون اسمهم من ذلك المكان ” ( تث 12 : 2 و3 ) . ولكنهم لم يستجيبوا على الدوام لهذه الوصية (قض 2 : 12 و 14
) .

واكن ليوآش الأبيغرري – أبي جدعون – مذبح للبعل ، أمر الرب جدعون أن يهدمه ( قص 6 : 25 – 32 ) . كما أن ” الأفود ” الذي صنعه جدعون ، صار فخاً لكل بيته ، بل لكل إسرائيل ( قض 8 : 27 ) . وحالما مات جدعون ، تحول بنو إسرائيل إلى عبادة ” بعل بريث ” ( أي ” بعل العهد ” – قض 8 : 33 ، 9: 4
) .

وتعطينا قصة ميخا ( قض 17 و 18 ) دليلاً على مدى انحدار الكثيرين من بني إسرائيل إلى عبادة الأوثان ( قض 17 : 1 – 6 ) ، فنجد لاوياً
– 
من السبط المفرز لخدمة الرب – يصبح كاهناً لأصنام ( انظر تث 27 : 15 ) . وعندما تولى صموئيل القضاء لبني إسرائيل ، وجد من اللازم أن يوبخ الشعب ، طالما منهم أن يرجعوا للرب بكل قلوبهم ، وأن ينزعوا الآلهة الغريبة من وسطهم ( 1صم 7 : 3 و 4
) .

وقد أعد سليمان المسرح لارتداد عظيم وعبادة الأوثان ، وذلك بزواجه بعدد كبير من النساء الأجنبيات ، اللواتي جئن معهن بآلهتهن الكاذبة . فكانت هناك عشتورث إلهة الصيدونيين ، وملكوم رجس العمونيين ، وكموش رجس الموآبيين وغير ذلك . وقد بنى لهذه الآلهة مرتفعات على قمم جبل الزيتون حتى سميت إحدى القمم باسم ” جبل الهلاك ” ( 1مل 11 : 5-8 ، 2مل 23 : 13 و 14
) .

وكان رحبعام بن سليمان من أم عونية ، فكانت ديانتها سبباً في أسوأ مظاهر العبادات الوثنية الداعرة ( 1مل 14 : 21 – 24 ) . وقد أقام يربعام – الذي كان قد عاد حديثاً من منفاه في مصر – عجلي ذهب في دان وبيت إيل ، وقال للشعب عنهما : ” هوذا آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر ” ( 1مل 12 : 26 – 33 ) . فصاروا يتعبدون لهما ، لا للرب ( انظر عاموس 4 : 4 و 5 ) حتى إن هوشع النبي يطلق على هذه العبادة ” خطية إسرائيل ” ( هو 10 : 5 8
) .

وكان من أعظم من شجعوا على عبادة الأوثان – في تاريخ بني إسرائيل- الملك ” أخآب ” وزوجته الصيدونية ” إيزابيل ” ( 1مل 21 : 25 و26 ) . فهو لم يكتف ببناء مذبح لبعل الصيدونيين – ملكارت – بل عكف على اضطهاد أنبياء الرب ( 1مل 16 : 31 – 33
). 
وفي أيامه تحدى إيليا النبي أنبياء البعل وأنبباء السوارىي، ليعلن لإسرائيل من
” 
هو الله ” الحقيقي ( 1مل 18
) .

وقد سار الملوك الذين تعاقبوا على إسرائيل ، على نهج يربعام بن نباط ، حتى أصبح نهجه يعرف باسم ” طريق ملوك إسرائيل ” ( 2مل 16 : 3 ، انظر أيضاً 17:7 – 18 ) . وهكذا استمر الارتداد في مملكة إسرائيل إلى أن قضى عليها الأشوريون ( 2مل 17 : 21- 23
) .

وكان آحاز أول الملوك الذين أدخلوا عبادة الأوثان إلى المملكة الجنوبية – مملكة يهوذا – إذ بنى مذبحاً على مثال المذبح الذي رآه في دمشق ، في مكان المذبح النحاسي في الهيكل في أورشليم ( 2مل 16 : 10 – 15 ) . كما أنه ” عبَّر ابنه في النار ” ( 2مل 16 : 3 ) ، وقدم ذبائح لآلهة دمشق ( 2أخ 28 : 23
) .                      

وكان منسى بن حزقا من أشر ملوك يهوذا وأطفالهم حكماً ، ومع أنه رجع إلى الرب قبيل مماته ( 2 أخ 33: 10 – 17 ) ، الإ أنه لم يستطع إزالة نتائج خطاياه الكثيرة التي ارتكبها ( 2مل 21
  : 1 –9
، إرميا 32 : 34 ) . وكان من نتيجة ذلك أنه بعد توبته وموته ، أعاد ابنه آمون بناء مذابح البعل والسواري وعمل الشر في عينى الرب وعبد الأصنام وسجد لها ( 2مل 21 : 19 – 22
) .

ولكن كما حدث في أيام إيليا النبي ، في المملكة الشمالية ( 1مل 19 : 18 ) من وجود بقية تقية لم تسجد للبعل ، هكذا حدث في أيام الملوك الأشرار في يهوذا ، فكانت هناك بقية تقية للرب في يهوذا
.

وكان أشر أنواع الوثنية ، هي تلك التي تزعَّمها الأنبياء الكذبة مع بعض الكهنة الضالين ( 2مل 23 : 5 ) ، فالكهنة ” لم يقولوا أين هو الرب 000 والأنبياء تنبأوا و ببعل ، وذهبوا وراء ما لاينفع ” ( إرميا 2 : 8 ، انظر أيضاً 2 أخ 15 : 3
) .

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد جديد رسالة يوحنا الرسول الأولى القس منيس عبد النور ر

ويبدو أنه كانت هناك محاولات للجمع بين عبادة الله الحقيقي والطقوس الوثنية ( 2 مل 17 : 32 ، إرميا 41 : 5 ) . وكان من الطبيعي أن الاختلاط والتزاوج مع الأمم الوثنية ، كان الخطوة الأولى نحو الوثنية ( خر 34 : 14 – 16 ، تث 7 : 33، 4 ، عز 9 : 2 ، 10 : 18 ، نح 13 : 23 – 27
) .

ويصف حزقيال النبي حجرة – في أورشليم – رسم على حائطها كل شكل دبابات وحيوان نجس ، وكل أصنام بيت إسرائيل ( حز 8 : 7 – 12 ) ، ولا شك أنهم اقتبسوها مما رأوه في مصر . كما يبدو أنهم جعلوا من الحية النحاسية صنماً وقدموا لها البخور ( 2مل 18 : 4 ) . كما أنهم ” عبَّروا بنيهم وبناتهم في النار ( 2مل 17 : 17
) .

وكان السبى البابلي عقاباً مباشراً على عبادتهم الأوثان (إرميا 11 : 9 -14 ، 25 : 8 – 11) كما سبق أن أنذر الرب حزقيا الملك ( إش 39 : 6
) .

ومع أن السبي كان ضربة قاضية على النزعة الوثنية في إسرائيل ، إلا أنه في أيام الإسكندر الأكبر وخلفائه ، واجه اليهود قضية عبادة الأوثان مرة أخرى ( 1 مك 1 : 41 – 64 ) ، وقد فضَّل الكثيرون منهم الموت على عبادة الأوثان ( 1مك 2 : 23
–  26
و 45 – 48
) .

كما أثار وضع هيرودس النسر الروماني الذهبي على أحد أبواب الهيكل ، عاصفة من الاحتجاج كما يذكر يوسيفوس
.

(
د) عبادة الأوثان في العهد الجديد : كانت وصية الرب لتلاميذه قبل أن ينطلق صاعداً إلى السماء : ” اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها ” ( مر 16 : 15 انظر أيضاً مت 28 : 19
) .

وعندما بدأ التلاميذ في القيام بالكرازة بالإنجيل في العالم اليوناني الروماني الذي كان يعج بالأوثان ، كان من المحتم أن يحتك المسيحيون الأوائل بالوثنية الأممية . فقد وجد الرسول بولس مدينة أثينا ” مملوءة أصناماً ” ( أ‘ 17 : 16 ) . وكان أحد المذابح مكتوباً عليه : ” لإله مجهول ” فاتخذ الرسول بولس من ذلك باباً للكرازة بالإنجيل . كما حدث في أفسس أن أثارت كرازة الرسل شغباً بزعامة صناع هياكل الفضة لأرطاميس ( أع 19 : 23 – 29 ) .و يتردد الكثير من عبارات العهد القديم عن الأوثان في أقوال الرسول بولس . فالأوثان لا وجود لها في الحقيقة لأننا ” نعلم أن ليس وثن في العالم ، وأن ليس إله آخر إلا واحداً ” ( 1كو 8 : 4 ، انظر أيضاً أع 19 : 26
) .

وعبادة الأوثان عبادة أرضية دنسة ( كو 3 : 5 ، في 3 : 19 ) ، وفاجرة ( كو 5 : 10 و11 ) ، ، لا ينتج عنها إلا الفوضى الأخلاقية والاجتماعية ، مما يستحلب الدينونة والموت ( رو 1 : 18 – 32 ) . ولتجنب التلوث بها ، يجب على المؤمنين أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام ( أع 15 : 20 ، 1كو 10 : 14 ، انظر أيضاً 1يو 5 : 21
) .

كما نتج عن احتكاك المسيحيين الأوائل بالعالم الوثني ، لزوم مواجهة قضايا كثيرة كتلك التي تتعلق بولائم الأمم ، والأكل مما ذُبح للأوثان ( أع 15 : 20 ، 1 بط 4 : 3 ، رؤ 2 : 14 و 20 ) ، وبخاصة في كورنثوس ( 1كو 8 : 10
) .

أما من جهة الأكل مما ذُبح للأصنام ، فإن الرسول بولس يؤكد أنه مع أن الذبائح التي تُقَّدم للأوثان، هي في حقيقتها ذبائح للشياطين ، إلا أن اللحوم ليست نجسة فى ذاتها ، وأكلها جائز ، ولكن حيث إنه قد يسبب عثرة لبعض المؤمنين ، وحيث أن مثل هذا التصرف لا يبني جسد المسيح ، فمن الحكمة الامتناع عن أكلها ( أع 15 : 29 ، 1كو 8 ، 10 : 14 –30 ، انظر أيضاً رؤ 2 : 14 و 20 ، خر 34 : 15
) .

وعبادة الأوثان عند الرسول بولس ، ما هي إلا عَرَض لمَرَض أعمق وأخطر ، هو القلب النجس والإرادة العاصية ، ولذلك يتكلم مجازاً عن كل ما لايتفق مع مشيئة الله بأنه عبادة أوثان . فالذي يحب ذاته ، يجعل من ذاته صنماً يعبده ( رو 1 : 18 – 32 ، غل 5 : 19 – 21 ) ، وكذلك ” الطمع الذي هو عبادة الأوثان ” ( كو 3 : 5
) .

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي