فلسطين

 

أولاً: الأحوال الطبيعية:

(أ) المعالم الجغرافية: تقع فلسطين في الركن الجنوبي الغربي من أرض الشام. وتبلغ مساحة فلسطين غربي نهر الأردن من دان إلى بئر سبع، نحو 6.000 ميل مربع. ويبلغ طولها من جبل حرمون إلى الجنوب نحو 150 ميلاً، ويتراوح عرضها ما بين عشرين يملاً في الشمال إلى ستين ميلاً في الجنوب. أما في شرقي الأردن فقد ضمت إليها مساحة تبلغ نحو 4.000 ميل مربع. وأهم معالمها الجغرافية هي:

(1) يقسمها أخدود وادي الأردن العميق، وهو فالق جيولوجي قديم يمتد إلى البحر الميت حيث يبلغ عمق أعمق نقطة فيه نحو 2.600 قدم تحت سطح البحر المتوسط.

(2) لسلسلة الجبال غربي وادي الأرن –والتي تعتبر امتداداً لجبال لبنان- سفوح شديدة الانحدار إلى الشرق، ونتوءات طويلة إلى الغرب، حيث تكوِّن الأراضي المنخفضة منطقة متميزة، تتسع تدريجياً نحو الجنوب. بينما توجد بين هذه المنطقة والبحر المتوسط سهول شارون وفلسطين التي تمتد إلى التلال الرملية والجروف المنخفضة التي تحف بساحل خالٍ من المواني الطبيعية.

(3) في الجليل الأعلى –في الشمال- ترتفع سلسلة الجبال إلى نحو 4.000 قدم فوق سطح البحر المتوسط. أما في الجليل الأسفل –إلى الجنوب- فتوجد تلال مستديرة يقل اراتفاعها عن 1.000 قدم فوق سطح البحر، وسهل اسدرالون المثلث الشكل، والذي يخترقه نهر قيشون، الذي يجري من منابعه في جبل جلبوع في الشرق، إلى نتوء جبل الكرمل في الغرب.

(4) في السامرة نجد الجبال شديدة الوعورة، ولكن ثمة سهل صغير بالقرب من دوثان يتصل بسهل اسدرالون، وآخر يمتد إلى الشرق من شكيم، على ارتفاع نحو 2.500 قدم فوق وادي الأردن. وترتفع سلسلة الجبال الرئيسية في اليهودية نحو حبرون، ثم تهبط إلى مستوى سهول بير سبع على ارتفاع نحو 1.000 قدم فوق سطح البحر) بين هذه السلسلة والبحر الميت. وهي منطقة جرداء لا ماء فيها. ولكن الجبال (التي يبلغ متوسط ارتفاعها نحو 3.000قدم فوق سطح البحر) تمتليء بالينابيع العذبة التي تجود عليها زراعة الكروم والتين والزيتون. أما أخصب الأراضي فتوجد في الأراضي المنخفضة وبخاصة في اليهودية وفي السهول التي تجود فيها زراعة القمح، وفي سهل اسدرالون وسهل شارون.

(5) وفي شرقي الأردن توجد هضبة باشان (ويبلغ متوسط ارتفاعها 1500 قدم فوق سطح البحر)، وتجود فيها زراعة القمح. وإلى الجنوب منها توجد منطقة جلعاد الجبلية التي ترتفع إلى نحو 3.000 قدم فوق سطح البحر عند جبل هوشع، وتنحدر شيئاً فشيئاً نحو الشرق إلى البرية ويروي السفوح الغربية شديدة الانحدار، نهر اليبوق وكثير من الروافد دائمة الجريان. ومنطقة الغابات في شمالي جلعاد تكوِّن منظراً من أبدع المناظر في الأرض المقدسة. وتوجد إلى الجنوب من جلعاد هضبة موآر (نحو 2.700 قدم فوق سطح البحر)، وهي الآن صحراء جرداء ولكن تزرع فيها الحبوب والكروم في بعض الأمكنة. وتوجد هضبة أقل ارتفاعاً (نحو 500 إلى 1.000قدم فوق سطح البحر) بين الهضبة الرئيسية وجروف البحر الميت، وهي تقابل برية يهوذا إلى الغرب من البحر الميت.

(ب) موارد المياه: تتوفر المياه في فلسطين فيما عدا المناطق الصحراوية المذكورة آنفاً، والتي لا تكوّن إلا جزءاً صغيراً من المساحة الكلية. ويصب نهر الأردن في البحر الميت الذي لا مخرج له، والذي يحتفظ بمستواه عن طريق البخر، ولذلك فهو شديد الملوحة، وينخفض سطح المياه فيه إلى نحو 1300 قدم تحت سطح البحر المتوسط. وينخفض سطح الماء في بحر الجليل إلى نحو 680 قدماً تحت سطح البحر، ومياهه عذبة وغنية بالأسماك، ويتغذى نهر الأردن ليس من ثلوج جبل حرمون فحسب، بل من جملة روافد تتدفق إليه من الجانبين. كما توجد جملة نهيرات في سهل شارون مثل نهر التمساح عند الكرمل. وفي الجبال حيث يوجد حجر الدولوميت الجيري على السطح، يوجد العديد من الينابيع الدائمة. وفي التلال المنخفضة حيث تغطي هذه الأحجار الجيرية أحجار طباشيرية أقل صلابة، تكون مصادر المياه من الآبار والأحواض. وفي سهول بير سبع، يسهل الوصول التي المياه الجوفية بحفر آبار قليلة العمق، وبخاصة بالقرب من جرار التي سيأتي الحديث عنها فيما بعد.

(جـ) الأحوال الجيولوجية: الرجا الرجوع إلى مادة “جيولوجية فلسطين”

(د) الحيوانات والنباتات: فيما يتعلق بالحيوانات والنباتات والزراعة فيكفينا هنا أن نقول إنها عملياً مازالت كما جاء وصفها في الكتاب المقدس. وقد قُضي على الأسد والثور الوحشي في العصور التاريخية المتتالية ولكنها تركت وراءها عظامها في حصباء الأردن وفي الكهوف. وانسحب الدب تدريجياً إلى حرمون ولبنان. وقد أدخل العرب الجاموسة منذ الفتح الإسلامي. ومازالت فلسطين بلاد الحبوب والخمر والزيتون، وتشتهر بفاكهتها، ومازالت أشجارها ونباتاتها هي المذكورة في الكتاب المقدس، فلم يحدث في ذلك أي تغيير يذكر منذ نحو أربعين قرناً. وإلى مادة “زراعة” بالمجلد الرابع من هذه الدائرة).

(هـ) المناخ: إن مناخ فلسطين شبيه بمناخ أي إقليم من أقاليم البحر المتوسط مثل قبرص وصقلية وجنوبي إيطاليا. ورغم وجود بعض الحميات التي ينقلها البعوض في مناطق السهول، فمناخها أفضل من مناخ دلتا النيل أو بلاد بين النهرين، فلا تشتد الحرارة صيفاً إلا لبضع أيام قليلة بين الحين والآخر عندما تهب الرياح الجافة من الصحراء الشرقية (وبخاصة في شهر مايو). أما في باقي أيام الصيف، فيهب نسيم البحر محملاً بالرطوبة بدءاً من العاشرة صباحاً وحتى المساء، مما يسبب خصوبة السفوح الغربية للجبال. أما في الصحاري العارية فمما يلطف الجو هبوط الحرارة من 90ْ فهرنهيت نهاراً إلى 40ْ فهرنهيت ليلاً، وترفع الرياح الشرقية درجة الحرارة إلى 105ْ فهرنهيت، فتصبح الليالي شديدة الوطأة. وفي وادي الأردن، تصل درجة الحرارة في الخريف في الظل إلى 120ْ فهرنهيت. ويغطي الضباب الجبال، مما يزيد من حجم حبات العنب. أما في الشتاء فقد تغطي الثلوج سلاسل الجبال لبضعة أيام، ولكنها تذوب في الصيف، حتى على جبل حرمون نفسه، الذي يرتفع إلى نحو 9.000 قدم فوق سطح البحر. وقد لا يوجد ثمة إقليم آخر –من جبال الألب حتى المناطق المدارية- يتفاوت فيه المناخ بهذه الصورة، ومن ثم أيضاً تتنوع حيواناته ونباتاته بمثل هذه الدرجة أيضاً سواء في أوربا أو في أفريقية.

(و) الأمطار: يتراوح متوسط المطر في فلسطين بين 20 إلى 30 بوصة سنوياً. والفصل المطير هو الشتاء كما في سائر أقاليم البحر المتوسط. ويبدأ “المطر المبكر” مع عواصف نوفمبر الرعدية وينقطع في أبريل. وتغزر الأمطار في ديسمبر ويناير وفبراير –ما عدا في سنوات الجفاف- وفي غالبية السنين، تكون كميات المطر كافية لأغراض الزراعة. وببدأ حرث الأرض في الخريف. وقلما تتسبب عواصف الصيف في تلف الحبوب. وتنضج الفواكه في الخريف، ولكن قد يؤذيها أحياناً ظهور أسراب الجراد. ويبدو أنه لم يحدث أي تغيير في المناخ أو موسط سقوط الأمطار منذ عصور الكتاب المقدس، كما يتضح ذلك مما جاء بالكتاب.

(ز) الجفاف والمجاعة: يذكر العهد القديم حدوث فترات من الجفاف وما كان يتبعها من مجاعات في مختلف العصور (انظر مثلاً تك 12: 10، 26: 2، 41: 50، لا 26: 20، 2صم 21: 1، 1مل 8: 35، إش 5: 6، إرميا 14: 1، يؤ 1: 10-12، حجي 1: 11، زك 14: 17). كما تذكر “المشنا” اليهودية حدوث الجفاف في فصل الخريف الذي يمتد إلى الفصل المطير في الربيع. وكانت الأمطار الغزيرة، تعتبر عند اليهود، بركة من الله، أما الجفاف فكان علامة على عدم رضاه (تث 11: 14، إرميا 5: 24، يؤ 2: 23). وكان حدوث العواصف الرعدية أمراً نادراً في شهر مايو، موسم الحصاد (1صم 12: 17، 18). ومع ذلك فما زالت هذه العواصف تحدث كظاهرة استثنائية جداً.

وعبارة “كبرد الثلج في يوم الحصاد” (أم 25: 13)، لا تشير إلى عاصفة ثلجية، إذ يشبه بها “الرسول الأمين”، ولكن الإشارة إلى استخدام الثلج في تبريد الخمر للحصادين، وهو الأمر الذي مازال يحدث عادة في دمشق.

والإشارة إلى وجود “الحمى” على شواطيء بحر الجليل (مت 8: 14)، تدل على أن هذه المنطقة كانت غير صحية، ومازال الحال كذلك في فصل الصيف. ولعل سوء أساليب الري في سهل شارون، قد زاد من انتشار الملاريا أكثر مما كانت عليه قديماً. ولكن بمقارنة نباتات فلسطين اليوم بالمذكورة في الكتاب المقدس، نرى أنه لم يحدث –بوجه عام- تغيير في المناخ.

 

ثانياً: فلسطين في الأسفار الخمسة الأولى:

(أ) الأماكن التي زارها إبراهيم: يذكر سفر التكوين مواقع كثيرة زارها الآباء العبرانيون. وكان السكان في زمن إبراهيم –أساساً من القبائل السامية التي جاءت في بابل، بما فيهم من كنعانيين (سكان المنخفضات) بين صيدون وغزة ووادي الأردن ومن أموريين (سكان المرتفعات) في الجبال (تك 10: 15-19، عد 13: 29). وكانت لغتهم قريبة من العبرية، فلم يكن الأمر في حاجة إلى ترجمان إلا في مصر (تك 42: 23). وتدل الاكتشافات الأثرية من أختام اسطوانية وغيرها، على أن حضارة فلسطين كانت شبيهة بحضارة بابل.

(1) شكيم: أول مكان أشير إليه في حياة الآباء هو شكيم، حيث كانت “بلوطة مورة” أو (البلوطة العالية) (حسب الترجمة السبعينية)، وهناك دفن يعقوب –بعد ذلك- أوثان زوجاته، وهناك أيضاً نصب يشوع حجراً كبيراً “عند مقدس الرب” (تك 12: 6، 35: 4، يش 24: 6). ويحدد التقليد السامري الموقع بالقرب من “البلوطة” عند أقدام جبل جرزيم. “وكان الكنعانيون حينئذ في “الأرض” (تك 12: 6) في زمن إبراهيم، ولكن أبناء يعقوب قضوا عليهم بعد ذلك (تك 34: 25). وارتحل إبراهيم من شكيم إلى الجنوب وبنى مذبحــاً للرب بـين بيت إيل وعاي إلى الشرق من مدينة “لوز” التي مازال اسمـها يــتردد صداه في نبع “لوزة” (انظر تك 12: 8، 13: 3، 28: 11، 19، 35: 2).

(2) النقب: عند رجوع إبراهيم من مصر بقطعانه الكثيرة (تك 12: 6)، استقر في منطقة الرعي بين بير سبع وقادش الغربية (3: 1، 20: 1)، وتسمى هذه المنطقة بالعبرية “النقب” (أي الإقليم “الجاف”) على حافة الأرض المزروعة. ومن شرقي بيت إيل يمكن رؤية وادي الأردن الأسفل، فمن هناك “رفع لوط عينيه” (13: 10). واختار هذه المنطقة الخصبة الغنية بالحشائش لقطعانه، ولابد أن “مدن الدائرة” كانت في هذه المنطقة. وأن سدوم كانت قريبة من النهر حيث أن رحلة لوط إلى صوغر (19: 12) لم تستغرق سوى ساعة أو اثنتين (انظر العددين 15، 23) من الدائرة إلى سفوح جبال موآب. ولم تكن هذه المدن تُرى من حبرون، بل من قمة التل الواقع إلى الشرق منها، حيث استطاع إبراهيم أن يرى “دخان الأرض يصعد كدخان الأتون” (19: 28).

وكانت أول أرض امتلكها إبراهيم “حقل ومغارة المكفيلة التي أمام ممرا” (تك 13: 18، 18: 1، 23: 19). ومازال التقليد يشير إلى “قبر المكفيلة” تحت مسجد حبرون. كما نصب إبراهيم خيامه تحت “بلوطات ممرا” (18: 1)، وهناك استقبل ضيوفه من الملائكة الذين استراحوا “تحت الشجرة” (18: 8). ومازالت هناك شجرة بلوطة عتيقة قائمة في الأرض المسطحة غربي المدينة، وهي شجرة قلما تنمو في جبال يهوذا. وفي كل هذه اللمسات العابرة، نستطيع أن نتعرف على فلسطين التي عاش فيها الآباء.

(3) غزوة أمرافل: يبدو أن فلسطين كانت ولاية متطرفة من امبراطورية حمورابي ملك بابل في أيام إبراهيم. وكانت غزوة أمرافل شبيهة بغزوات ملوك أشور لفرض الجزية على صغار الملوك. وكانت طريق الغزو (تك 14: 5-8) تمر بباشان وجلعاد وموآب إلى قادش (ويرجح أنها في “البتراء”). وكانت العودة عن طريق صحراء يهوذا إلى سهول أريحا، وهكذا لم تتعرض حبرون للهجوم عليها (انظر عد 13). وكانت مطاردة إبراهيم وحلفائه من الأموريين، بمحاذاة وادي الأردن إلى “دان”، ومنها إلى شمالي “دمشق” (عد 15).

أما “شاليم” التي بارك ملكها إبراهيم عند عودته من كسرة كدر لعومر، فكان السامريون وكذلك جيروم يظنون أنها المدينة القريبة من وادي الأردن التي زارها يعقوب بعد ذلك (والمترجمة في العربية إلى “أتى .. سالماً” بدلاً من أتى إلى “ساليم”، تك 14: 18، 33: 8- ولكن ارجع إلى مادة “أورشليم”

(4) جرار: انتقل إبراهيم إلى أرض الجنوب “وتغرب في جرار” (تك 20: 1) وهي الآن “أم جرار” على بعد سبعة أميال إلى الجنوب من غزة. والآبار التي حفرها في هذا الوادي، لابد كانت آباراً ضحلة أشبه بتلك التي مازال العرب يحفرونها للحصول على المياه من تحت سطح الأرض في نفس المنطقة، بينما يغلب أن تلك الآبار التي كانت في بئر سبع، وأضاف إليها اسحق بئراً (26: 23- 25) كانت أعمق. وهناك الآن في بئر سبع ثلاث أبار مبنية، ولكن من الواضح أنها بناء حديث. أما غرس “الآثل” في ذلك المكان (21: 33) فلمحة قوية، إذ أن هذه الشجرة تجود في الأرض المنخفضة الجافة.

ومن بئر سبع، ارتحل إبراهيم إلى “أرض المريا” (“الأرض المرتفعة” حسب الترجمة السبعينية) ليقدم اسحق ذبيحة (22: 2). وكان جبل المريا –في رأي اليهود- في أورشليم، بينما يقول السامريون إنه كان في جرزيم بالقرب من بلوطة مورة- وهي قمة لا تكاد تُرى”في اليوم الثالث.. من بعيد” (عد 4).

(ب) الأماكن التي زارها اسحق: إذ كان اسحق يعيش في نفس المنطقة الرعوية في قادش الغربية (25: 11)، في جرار (26: 2) عانى مثل أبيه في سنة الجوع، ولاقى نفس المتاعب من الفلسطينيين. وفي جرار زرع قمحاً (26: 12)، وما زالت المنطقة صالحة لمثل هذه الزراعة، ثم انسحب إلى الجنوب الشرقي، إلى رحوبوت شمالي قداش، حيث ما زالت توجد آبار قديمة مثل التي في بئر سبع (26: 22) ثم عاد أخيراً إلى بئر سبع.

(جـ) الأماكن التي زارها يعقوب: عندما هرب يعقوب من بئر سبع من وجه عيسو أخيه، وتوجَّه إلى حاران (28: 1)، نام في المكان الذي كان إبراهيم قد أقام فيه مذبحاً بالقرب من بيت إيل، وأقام هناك عموداً تذكارياً (28: 18). وقد أعاد إقامته في نفس المكان بعد ذلك بعشرين سنة (35: 14) عندما ظهر له الرب مرة أخرى (35: 9).

(1) من حاران إلى سكوت: تثير رحلة عودته من حاران غإلى جلعاد سؤالاً هاماً، فالمسافة تبلغ نحو 350 من حاران إلى جلعاد أو “رجمة الشهادة” (31: 48) في المصفاة، الأرجح أنها هي “صوف” في شمالي جلعاد. ويذكر الكتاب أن لابان قطع هذه المسافة في سبعة أيام (31: 23)، وهو ما يمكن أن يحدث لجماعة تمتطي الجمال، ولكن لم يصل خبر هروب يعقوب إلى لابان إلا في اليوم الثالث (31: 22)، ولابد أن يمضي وقت قبل أن يستطيع لابان جمع إخوته. ولابد أنه لزم ومواشيه وقطعانه ثلاثة أسابيع للارتحال. ومن المثير حقاً أنه بالقرب من المصفاة، مازال هناك نصب أشبه بالعمود” (عد 45). توجد حوله “رجمة تذكراية” (يجر سهدوثا).

وارتحل يعقوب من هذا المكان إلى “محنايم” (الأرجح أنها “المحمة”) إلى الجنوب من نهر اليبوق –المكان الذي أصبح فيما بعد عاصمة لجنوبي جلعاد (تك 32: 1و2، 1مل 4: 14)، ولكنه حالما سمع أن عيسو قادم إليه من أدوم ارتد عبر النهر (تك 32: 22). وبعد ذلك ارتحل إلى سكوت (33: 17)، ويُعتقد أنها “دير الله” في شمالي النهر.

(2) من الأردن إلى حبرون: بعد أن عبر يعقوب الأردن عند إحدى المخاضات في تلك الجهة، اقترب من شكيم، ونصب خيامه في شاليم (أو ساليم) على الجانب الشرقي من السهل الخصيب الذي يمتد إلى شكيم، واشترى أرضاً من الحويين (33: 18-20). ولا يذكر سفر التكوين أنه حفر بئراً هناك، ولكن ضرورة حفر بئر في منطقة مليئة بالينابيع، لا تفسير لها إلا بحسد الحويين له واستئثارهم بحقوق استخدام المياه. ومازالت البئر التي حفرها يعقوب موجودة إلى الشرق من شكيم (انظر يوحنا 4: 5و6)، وهي لا تبعد كثيراً عن البطمة التي طمر يعقوب تحتها الأصنام (تك 35: 4) أو آلهة لابان (تك 31: 30)، وكانت –بلا شك- تماثيل صغيرة مثل تلك التماثيل التي كثيراً من تسفر عنها الحفريات في فلسطين. ثم ارتحل يعقوب عن طريق بيت إيل وبيت لحم إلى حبرون (35: 6، 19، 27). ولكن يبدو أن بعض أبنائه الكبار ظلوا في شكيم يرعون الإنام، إذ أرسل يعقوب ابنه يوسف بعد ذلك من حبرون إلى شكيم (37: 14) ليفتقد إخوته هناك، ولكنه وجدهم قد ارتحلوا إلى دوثان.

(3) دوثان: تقع دوثان (37: 17) في سهل على الطريق التجاري الرئيس من مصر إلى دمشق، والذي يقطع السهل المنخفض عند هذه النقطة، ويجتاز سهل يزرعيل ثم يعبر الأردن إلى باشان. ومازالت البئر (بئر يوسف) موجودة في “تل دوثان”. واختار الإسماعيليون من مديان وجلعاد هذه الطريق الممهدة، بقوافلهم من الجمال المحملة بلساناً وأطياباً من جلعاد. وكانت تتوفر بالمنطقة المراعي لإطعام قطعان يعقوب. وكانت منتجات فلسطين وقتئذ تشمل العسل والكثيراء واللاذن والفستق واللوز (تك 43: 11). وبعد ذلك ببضعة قرون يذكر تحتمس الثالث –فرعون مصر- أن جيوشه كانت تأكل في كنعان العسل والبلسان مع الزيت والخمر والقمح والذرة والشعير والفاكهة.

(4) البلاد التي كانت لها علاقة بيهوذا بن يعقوب: إن قصة يهوذا وثامار ترتبط بمنطقة في التلال المنخفضة في اليهودية فعدلام وكزيب (عين كذبة) وتمنة، لا تبعد كثيراً عن بعضها (تك 38: 1و 5و 12). وتوجد تحته في منطقة رعي، حيث تقابل يهوذا مع جزازي غنمه. فجلست ثامار في مدخل “عينايم” (أو عينام –يش 15: 34)، ولعلها هي “كفرعنا” على بعد ستة أميال إلى الشمال الغربي من تمنة، فظنها يهوذا زانية أو نذيرة لعشتاروث (تك 38: 15و 21). ونعرف من قوانين حمورابي أنه كان يعترف رسمياً بمثل أولئك النذيرات. كما أن ذكر خاتم يهوذا وعصاه (عد 18). يذكرنا بالعادات البابلية كما يصفها هيرودوت. وقد كشف التنقيب في أرض فلسطين عن كثير من الأختام الاسطوانية منذ العصور القديمة، في جازر وفي غيرها.

(5) جغرافية سفر التكوين: لا توجد أي صعوبة جغرافية في سفر التكوين، بل يكشف السفر عن معرفة دقيقة بجغرافية فلسطين، كما أن الإشارات إلى المحاصيل الطبيعية والعادات، تتفق تماماً مع الاكتشافات العلمية. ولكن ثمة صعوبة واحدة تحتاج إلى إيضاح، فقد ذكر أن “أطاد” على الطريق من مصر إلى حبرون وأنها كانت في “عبر نهر الأردن” (تك 50: 10)، ولكن هذه العبارة في اللغة الأشورية، تعني “عبر النهر العظيم” في إشارة واضحة إلى نهر النيل كنا كان يسمى في الأشورية والعبرية.

(6) في سفر الخروج واللاويين: يرتبط سفر الخروج بمصر وبرية سيناء وإن كانت القوانين الزراعية الواضحة التي جاءت به (الأصحاحات 21- 23)، والشبيهة بقوانين حمورابي، تناسب الأحوال بعد غزو جلعاد وباشان، قبل عبور الأدرن. وفي الأصحاح الحادي عشر من سفر اللاويين، نجد قائمة بأسماء حيوانات، غالبيتها حيوانات صحراوية مثل “الوبار” (لا 11: 5، مز 104: 18، أم 30: 16)، بينما الخنزير (لا 11: 7)، واللقلق والببغا (لا 11: 19) تنتمي إلى وادي عربة والأدرن. أما الهدد (لا 11: 19) فيوجد في جلعاد وفي فلسطين الغربية. وفي الأصحاح الرابع عشر من سفر التثنية يذكر اليحمور والوعل والرئم والثيتل والمهاة، وهي توجد في العربة وفي البراري.

(7) في سفر العدد: نجد في سفر العدد وصفاً للاستيلاء على المنطقة الشرقية. وغالبية المدن المذكورة ما زالت معروفة (عد 21: 18-33). وذكر الكروم في موآب يتفق مع اكتشاف الكثير من معاصر الخمور المحفورة في الصخر بالقرب من حشبون. ورؤية بلعام لإسرائيل، وهم يقيمون في شطيم (عد 22: 41)، وهو واقف على قمة “الفسجة أو جبل نبو، ثبت أنه أمر ممكن منذ أن اكتشف “جبل نبا”، حيث اكتشفت أضرحه بدائية تذكرنا بمذابح بالاق. وتوصف هضبة موآب بأنها “أرض مواش” (عد 32: 3و4) ومازالت حتى الآن صالحة للرعي. وصير الغنم التي ترك فيها بنو إسرائيل مواشيهم ونساءهم وأولادهم، في أثناء ذهابهم للحرب مع إخوتهم في غربي الأردن (32: 16) كانت تنتشر في منطقة تمتد من “بيت يشموت” (سويمة)، قرب الطرف الشمالي الشرق للبحر الميت، إلى “آبل شطيم” (مرج السنط)، وهو سهل ترويه عدة جداول مياه، فيتحول إلى بساط سندسي من الحشائش في فصل الربيع.

(8) في سفر التثنية:

(أ) الأوصاف الطبيعية: ينطبق وصف “أرض جيدة” (تث 8: 7) بصفة خاصة على جبل جلعاد الذي توجد به جداول مياه دائمة الجريان، أكثر مما في الجزء الغربي من فلسطين، فهي كما يصفها الكتاب “أرض أنهار من عيون وغمار تنبع في البقاع والجبال. أرض حنطة وشعير وكرم وتين ورمان، أرض زيتون زيت وعسل” (تث 8: 7و8).

وفلسطين نفسها ليست غنية بالمعادن، ولكن يمكن تفسير القول “أرض حجارتها حديد، ومن جبالها تحفر نحاساً” (تث 8: 9) بأنه كانت توجد مناجم حديد بالقرب من “بيروت” في القرن العاشر الميلادي، ومناجم نحاس في “فونون” شمالي “البتراء” في القرن الرابع الميلادي كما يذكر جيروم.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس تفاسير أخرى عهد قديم سفر أخبار الأيام الأول وليم ماكدونلد د

وفي التثنية (11: 29و 30، انظر أيضاً 27: 4و 11و 13، يش 8: 30) نقرأ لأول مرة عن جبلي “عيبال وجرزيم”، وأنهما “بجانب بلوطات مورة”. وعيبال هو جبل اللعنات (ويرتفع 3.077 قدماً فوق سطح البحر)، وجرزيم هو جبل البركات (ويرتفع 2.085 قدماً فوق سطح البحر) وهما أعلى قمم السامرة. وتقع شكيم في وادٍ خصيب بين الجبلين.

وهكذا نجد أن أول مركز مقدس لإسرائيل قام في المكان الذي بنى فيه إبراهيم أول مذابحه، وحيث حفر يعقوب بئره، وحيث دُفن يوسف، وهو المكان الذي دعاه يشوع “مقدس الرب” عند أقدام جبل جرزيم (يش 24: 26).

ويسجل الأصحاح الأخير من سفر التثنية رؤية موسى لجميع أرض الموعد من فوق جبل نبو (تث 34: 1-3)، وأوصاف هذا الجبل تنطبق تماماً على “جبل نبا” إلاَّ فيما يختص برؤية دان والبحر الغربي، إذ لا يمكن رؤيتها منه، والأرجح أن “إلى” يقصد بها “الاتجاه” وليس الحد. ولا توجد قمة أخرى في سهول شطيم يمكن منها رؤية وادي الأردن من صوغر إلى أريحا، وحتى جبال جلبوع وتابور وسفوح جلعاد.

(ب) علم الآثار: بالإضافة إلى هذه الأوصاف الطبيعية، فإن الاكتشافات الأثرية، تتفق تماماً مع ما جاء في سفر التثنية (12: 3)، من قول الرب لهم عن شعوب كنعان: “تهدمون مذابحهم، وتكسرون أنصابهم، وتحرقون سواريهم بالنار، وتقطعون تماثيل آلهتهم”، فقد نفذ بنو إسرائيل ذلك، فلا يوجد أثر لمذابح الكنعانيين البدائية وأنصابهم وسواريهم إلا في موآب والأطراف البعيدة من جلعاد وباشان والجليل، وهي الأجزاء التي لم تصل إليها إصلاحات ملوك يهوذا الأتقياء. فالألواح المنحوتة الباقية في دمشق وفي فينيقية وسورية، والتي تمثل آلهة الكنعانيين والحثيين، لا يوجد ما يماثلها في الأرض المقدسة.

وعندما نقرأ عن الحجارة التي كانت تحدد تخوم الحقول، لا نظن أنها كانت مجرد قطع من الأحجار، لأنها كانت –في حقيقتها- تماثيل ونصباً مثل التي وجدت في ولاية بابل، والتي ترجع إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، والتي يوجد عليها وصف دقيق لحدود الحقل، واللعنة على كل من يحاول نقل التخم (تث 17: 18).

(ثالثاً) في اسفار العهد القديم التاريخية:

(ا) في سفر يشوع: سفر يشوع هو أكثر أسفار العهد القديم ارتباطاً بالجغرافية، والغالبية العظمى من الستمائة الاسم للأماكن والأنهار والجبال في فلسطين المذكورة في الكتاب المقدس، توجد في هذا السفر.

(1) الدقة الطبوغرافية: لقد حقق دكتور روبنسون (
Robinson
) ما بين 1838- 1852 من موقع نصف هذه الأسماء، كما اكتشف نحو 150 موقعاً جديداً (1872 / 78، 1881/ 82) عند مسح البلاد بمعرفة “كوندر” (
C.R. Conder
). وأضاف مستر “كليرمونت جانو” (
Clermot ganneau
) بعض المواقع، منها عدلام وجازر، وأضاف “القس هندرسون” (
A.

Henderson


) “قرية يعاريم” “والقس برتش” (
W. F. Brich
) “صوغر” في “تل الشغورة”.

وهكذا تم تحديد مواقع أكثر من ثلثيها، وما زال معظمها يحتفظ بالأسماء القديمة. ولا يمكن لأحد أن يدرس هذه الطبوغرافية، إلاَّ ويدرك مدى معرفة كتبة أسفار الكتاب المقدس معرفة شخصية بهذه البلاد. ولا يمكن أن نصدق أن كاهناً عبرانياً، كان يعرف وهو في بابل هذه المعرف الدقيقة بكل هذه الأجزاء من البلاد مذكورة حسب ترتيبها الجغرافي، وأن الحدود الفاصلة بين أنصبة الأسباط، تتمشى مع الخطوط الطبيعية من وديان وسلاسل جبال. كما نجد وصفاً دقيقاً لكل منطقة. كما لا يمكن الزعم بأن هذه الطبوغرافية تشير إلى الأحوال بعد العودة من السبي، التي تختلف عن ذلك اختلافاً واضحاً. ففي زمن الملك داود، لم يكن شمعون يستوطن الجنوب (أخ 4: 24). كما أن نصيب دان شغله أناس من بنيامين بعد العودة من السبي (1أخ 8: 12و13، نح 11: 34و35). ويشوع جعل من “عاي” “تلاَّ” أبدياً خراباً إلى “هذا اليوم” (يش 8: 28) بينما من الواضح أنها كانت آهلة بالسكان في أيام إشعياء النبي (“عياث”- 10: 28)، كما فيما بعد السبي أيضاً (عز 2: 28، نح 7: 32، 11: 31).

(2) عبور الأدرن: عبر بنو إسرائيل نهر الأردن في مخاضة إلى الشرق من أريحا، وكان النهر “ممتلئاً إلى جميع شطوطه” (يش 3: 15) من ذوبان الثلوج على جبل حرمون. “ووقفت المياه المنحدرة من فوق وقامت نداً واحداً بعيداً جداً عن أدام” (“الدمية”)، إذ يبدو أن الجروف الجيرية، في مكان ضيق، انهارت وسدت المجرى. ويقرر أحد الكتاب العرب أن انهياراً مثل هذا حدث في القرن الثالث عشر بعد الميلاد بالقرب من نفس النقطة. وكان أول مكان نزل به بنو إسرائيل بعد عبور الأردن هو الجلجال على بعد ثلاثة أميال شرقي أريحا. وأقاموا هناك دائرة من اثني عشر حجراً.

(3) حملة يشوع العسكرية الأولى: كانت أول مدينة في الجبال يزحف عليها بنو إسرائيل هي “عاي” بالقرب من “حيَّان” على بعد ميلين إلى الجنوب الشرقي من بيت إيل. ويبدو أن سقوط عاي وبيت إيل قد أدى إلى استيلاء بني إسرائيل –بدون قتال- على كل المنطقة ما بين جبعون وشكيم (8: 3- 9: 27).

ولكن بينما استسلم الحويون، فإن الأمورييين في أورشليم والجنوب، هجموا، ولكن يشوع هزمهم وطاردهم إلى “بيت حورون” (10: 1-11). وكان أكبر زحف ليشوع بعد ذلك على السهل إلى “مقيدة” التي تسمى الآن “المغارة” (يش 10: 16، 17)، ومن لبنة إلى لخيش (تل الحصى) ومنها صعد إلى حبرون، ودار جنوباً إلى “دبير” (الضهرية)، وبذلك أخضع سهل يهوذا والجبال الجنوبية، ولكنه لم يستولِ على أورشليم. ويكاد الآن يسود الاعتقاد بأن الرسائل الست التي أرسلها ملك أورشليم الأموري –من رسائل تل العمارنة- تعود إلى زمن هذه الحرب.

(4) الحملة الثانية (11: 1-14): وكانت هذه الحملة ضد أمم الجليل. وقد أحرز بنو إسرائيل النصر عند “مياه” ميروم” (11: 5). وليس ثمة سبب صحيح لوضع “مياه ميروم” عند بحيرة الحولة، إذ أن وادي الأردن الممتليء بالمستنقعات لم يكن مكاناً صالحلاً للقتال لمركبات الكنعانيين الحربية (11: 6 ). وكان هذا الحلف يتكون من ملوك مادون وشمرون ودور غرباً”، وحاصور، وجميعها في الجليل الأسفل. وقد طاردهم بنو إسرائيل على امتداد الساحل حتى صيدون (11: 8). فيمكن أن تكون “ميروم” هي “شمرون مرأون” (12: 20)، وهي الآن “شمُّونية”. وفي هذه الحالة تكون “المياه” هي “وادي الملك” الدائم الجريان، الذي كان يقع على بعد ثلاثة أميال شمالاً، والذي يجري غرباً حتى يتصل بالجزء الأسفل من فيشون. وكانت “شمرون مرأون” إحدى الواحدة والثلاثين مدينة ملكية في فلسطين إلى الغرب من الأردن (12: 9-24).

والمناطق التي لم يفتحها يشوع (13: 2-6)، هي التي فتحها داود وسليمان، وكانت تشمل سهول فلسطين وساحل صيدون من “مغارة” شمالاً إلى “أفيق” في لبنان على تخم الإقليم الأموري الذي كان يقع إلى الجنوب من أرض الحثيين (1: 4). ولبنان الجنوبي من “جبيل” و “مدخل حماة” غرباً إلى “بعل جاد” (والأرجح أنها “عين الجُديّد”، على السفح الشمالي لحرمون) كانت من البلاد التي فتحها داود (2صم 8: 6-10). ولكن كل فلسطين الشرقية (13: 7-32)، وفلسطين الغربية –باستثناء السهول الساحلية- قسمت على الأسباط الاثني عشر.

وكانت مدن اللاويين موزعة في جميع الأسباط كمراكز لتعليم إسرائيل (تث 33: 10). وعند انقسام المملكة في زمن رحبعام، ترك اللاويون “مسارحهم وأملاكهم وانطلقوا إلى يهوذا وأورشليم “لأن يربعام وبنيه رفضوهم من أن يكهنوا للرب” (2أخ 11: 14). وكانت مدن الكهنة ثمان وأربعين مدينة مع مسارحها (يش 21: 13- 14)، منها ثلاث عشرة مدينة في يهوذا وبنيامين، وكان منها “بيت شمس” (1صم 6: 13 و15)، وعناثوث (1مل 2: 26). وكان للكهنة في نصيب كل سبط من الأسباط الأخرى، ثلاث أو أربع مدن، موزعة على القهاتيين (10 مدن) والجرشونيين (13 مدينة) والمراريين (12 مدينة). وقد أُفرزت من هذه المدن، ست مدن للملجأ، ثلاث مدن على كل جانب من جانبي الأردن، في الجنوب، وفي الوسط وفي الشمال. وهي حبرون وشكيم وقادش في الغرب، وبصرة (لا يُعلم موقعها الآن) وراموت وجولان في شرقي الأردن. وكان لكل مدينة مسارحها (عد 35: 4) التي كانت تمتد نحو ربع ميل خارج أسوارها. بينما كانت الحقول تمتد إلى مسافة نصف ميل، وكانت ملكاً دهرياً لهم (لا 25: 34).

(ب) في سفر القضاة

(1) السنوات الباكرة: إن قصص الأبطال الذين أقامهم الله الواحد بعد الآخر لتخليص إسرائيل من نير الوثنيين، تأخذنا إلى كل جزء من البلاد. ويبدو أنه بعد موت يشوع (قض 1: 1)، استعاد الكنعانيون قوتهم، وأعادوا بناء بعض المدن التي كانت قد تهدمت، فحارب يهوذا “الفرزيين” (القرويين) في بازق في التلال المنخفضة غربي أورشليم، بل وأضرموا فيها النار. وهاجم كالب دبير (قض 1: 12- 15) التي توصف في سفر يشوع _15: 15- 19) بأنها “أرض الجنوب” أو بالحري “أرض الجفاف” ولكن كانت بالقرب منها ينابيع مياه. والموقع الحقيقي لها (الدبارية) عبارة عن قرية بها مقابر قديمة على بعد 12 ميلاً إلى الجنوب الغربي من حبرون، وليس بها ينابيع مياه. ولكن على بُعد نحو سبعة أميال إلى الشمال الغربي، يوجد جدول ماء دائم الجريان به “ينابيع عليا وسفلى”.

أما بالنسبة للمدن الفلسطينية (قض 1: 18). فقد جاء في الترجمة السبعينية أن يهوذا “لم يأخذ غزة، ولا أشقلون، ولا عقرون” مما يتفق مع فشلهم في طرد “سكان الوادي لأن لهم مركبات حديد” (1: 19). وتذكر مركبات الكنعانيين كثيراً في ألواح تل العمارنة والكتابات المصرية، بأنها كانت مغشاة بمعادن، وكان منسى وافرايم وزبولون وأشير ونفتالي على قدم المساواة من العجز أمام مدن السهول (1: 27- 33). وبدأ بنو إسرائيل في الاختلاط بالكنعانيين بينما يبدو أن سبط دان لم يحتل مطلقاً المنطقة التي وقعت في قرعته، وظل يقيم في تخوم يهوذا، إلى أن تمكن بعض محاربيه من أن يجدوا لهم مستقراً في حرمون في زمن يوهناثان حفيد موسى (1: 34، 18: 1-30).

(2) هزيمة سيسرا: يبدو أن مضايقة يابين الثاني ملك حاصور في الجليل الأسفل قد حدثت في عهد رمسيس الثاني الذي غزا أورشليم (ساليم الواقعة شمالي تعنك) في السنة الثامنة من ملكه، وكذلك عانيم ودبرة مع بيت عناة في الجليل الأعلى. ولعل سيسرا كان مصرياً مقيماً في بلاط يابين (قض 4: 2). وقد حدثت هزيمته عند سفح جبل تابور (4: 14) الذي زحف إليه من “حروشة الأمم” على حافة سهل البحر. وقد هلكت جيوشه في “عين دور” (مز 83: 9) وفي مستنقعات قيشون (قض 5: 21). ولعل “قادش” التي هرب إليها هي “قادش” يساكر (1أخ 6: 72) التي تبعد نحو ثلاثة أميال إلى الشمال من تعنك، حيث أن السهل في تلك المنطقة مليء بالمستنقعات.

وقد حارب هذا الحلف الكنعاني (الذي تكوَّن من صغار الملوك) من تعنك إلى مجدو (5: 19). وتذكر الوثائق المصرية، أن مجدو كانت قريبة من الأردن. ويبدو أن موقع “مجدو” في وادي يزرعيل يتفق مع كل قصص الكتاب المقدس والوثائق المصرية.

(3) انتصار جدعون: بعد ذلك ضايقهم المديانيون وغيرهم. ويبدو أن ذلك قد حدث في فترة الاضطرابات التي حدثت في السنة الخامسة من ملك منفتاح فرعون مصر. وكان جدعون من عفرة في منسى (قض 6: 11)، وتقع حسب التقليد السامري –على بعد ستة أميال إلى القرب من شكيم، ولكن جدعون حاز النصر في وادي يزرعيل (قض 7: 1-22). ويرينا موقعاً بين شطة وآبل محولة (عين حلوة) كيف أن المديانيين هربوا نازلين إلى هذا الوادي، وجنوباً بمحاذاة سهل الأردن، وعبروا النهر بالقرب من سكوت (تل دير الله) ثم صعدوا منحدرات جلعاد إلى “يُجبهة ونوبح” (8: 4-11). وأمسك رجال أفرايم “أميري المديانيين غراباً وذئباً، وقتلوا غراباً على صخرة غراب، وأما ذئب فقتلوه في معصرة ذئب” (7: 25) في غربي الأردن. ومما يستلفت النظر أنه توجد على بعد ثلاثة أميال شمالي أريحا، قمة حادة تسمى “عش الغراب”، ومنخفض ضيق على بعد أربعة أميال إلى الشمال يسمى “حفرة الذئب” ولكنها تقع أبعد جنوباً مما كنا نتوقع، إلا إذا كان الأميران قد انفصلا عن الجماعة التي تبعت زبح وصلمناع إلى جلعاد، ويبدو أن المقصود “بجبل جلعاد” (7: 3) هو “جبل جلبوع”، إلا إذا كان الاسم يطلق محرَّفا على “عين جلود” (عين جليات)، وهي بركة كبيرة يُظن أنها “عين حرود” (7: 1) التي نزل عليهاجدعون شرقي يزرعيل.

وترجع بنا قصة أبيمالك إلى شكيم، فقد أقاموه ملكاً عند “بلوطة النصب” (9 :6)، والتي كانت –بلا شك- بلوطة إبراهيم، والتي يبدو أنها سُميت أيضاً بلوطة “العائفين” (9: 37)، ولعل ذلك كان بناء على بعض الخرافات المرتبطة بدفن يعقوب للأصنام تحتها (تك 35: 4). “وتاباص” التي ذهب إليها أبيمالك ولقى فيها حتفه، هي قرية “توباص” الواقعة على بعد عشرة أميال إلى الشمال الشرقي من شكيم.

وحدثت مضايقة العمونيين لإسرائيل في جلعاد بعد حوالي 300 سنة من دخول بني إسرائيل إلى أرض كنعان (قض 10: 9، 11: 4) ويفتاح الجلعادي الذي أقامه الرب ليخلص بني إسرائيل من يد العمونيين، جاء من “أرض طوب” (11: 3و6) إلى “مصفاة” (11: 29). ولعل “ارض طوب” كانت بالقرب من “الطيبة” على بعد تسعة أميال جنوبي “جدرة” في الطرف الشمالي من جلعاد، وهو مكان “به الكثير من المقابر القديمة، والتماثيل الحجرية البدائية، مثل الموجودة في “مصفاة”. ونزاع يفتاح مع رجال أفرايم (12: 1) يدل على أن “مصفاة” كانت تقع في الشمال.

وكانت عروعير (11: 33) تقع بالقرب من “ربة عمون” (يش 13: 25، 2 صم 24: 5). ويجب التمييز بينها وبين “عروعير” التي في وادي أرنون المذكورة في قض (11 :26).

أما منطقة غزوات شمشون، فكانت في الأرض المنخفضة في يهوذا على تخوم أرض الفلسطينيين. فكان بيته في صرعة على التلال الواقعة شمالي وادي سورق، وكانت تطل على “محلة دان” (13: 35)، التي كانت بالقرب من بيت شمس. وكانت “أشتاؤل” على بعد أقل من ميلين إلى الشرق من صرعة على نفس سلسلة الجبال. أما “تمنة” (14: 1) فكانت على بعد ميلين فقط إلى الغرب من بيت شمس حيث توجد الآن “خرائب تبنة”. وكانت المنطقة منطقة كروم (14: 5)، وما زال اسم “سورق” على خرائب على بعد ميلين إلى الغرب من صرعة. وكلمة “سورق” تعني “كرمة مختارة”. وتوجد في نفس الموقع معصرة خمر منحوتة في الصخر. وكانت هذه المواقع الخمسة قريبة من بعضها البعض، كما كانت قريبة من ارض فلسطين المزروعة (15 :5) بالحبوب والكروم والزيتون. والأرجح أن “شق صخرة عيطم” الذي أقام فيه شمشون (15: 8) كان “بيت عتب” على بعد خمسة أميال فقط إلى الشرق من صرعة، ولكنه كان فوق مرتفع من الأرض أعلى جروف الغور الذي يفتح في وادي سورق. ويوجد الآن في هذا المرتفع –تحت القرية- ممر صخري يسمى “بئر الملجأ” ولعله هو “الشق” الذي نزل إليه شمشون. أما “لحي” (15: 9) فواضح أنها كانت في الوادي تحت ذلك. والكلمة “لحي” (فك) تشير إلى فم الغور الضيق، الذي نزل إليه رجال يهوذا –بعد الاتفاق مع الفلسطينيين (15: 11). وكان ممراً يمتد 250 قدماً من المدينة إلى النبع، وتربط كل قصة شمشون بهذا الوادي (لأن دليلة عاشت أيضاً في وادي سورق- 16: 4)، باستثناء زيارته لغزة حيث حمل “مصراعي باب المدينة والقائمتين إلى رأس الجبل الذي مقابل حبرن” (16: 3).

ويُلحق بسفر القضاة قصتان عن شخصين من اللاويين، عاشا في زمن الجيل الثاني، بعد دخول بني إسرائيل أرض كنعان (18 :30، 20: 28). وكانا كلاهما متغربين في بيت لحم يهوذا (17: 8، 19:2) مع أنهما كانا أصلاً من جبل أفرايم.

وتروي القصة الأولى كيف أسس يهوناثان –حفيد موسى- أسرة كهنوتية وثنية للخدمة لتمثال ميخا في دان (تل القاضي) بالقرب من منابع الأردن، حيث مازالت توجد بعض المذابح الوثنية القديمة. ولعل تمثال ميخا كان هو السبب في إقامة يربعام –بعد ذلك- معبداً للعجل الذهبي في نفس الموقع. وقد ظل التمثال قائماً “إلى يوم سبي الأرض” (18: 30). “كل الأيام التي كان فيها بيت الله في شيلوه” (18:31). ومن هذه القصة نعرف أن سبط الدانيين لم يستقروا في نصيبهم (18: 1)، بل استقروا في محلة دان “وراء قرية يعاريم” (قض 18: 12) وهو ما يتفق مع ما ذُكر سابقاً من أنها كانت قريبة من صرعة، “بين صرعة وأشتاؤل” (قض 13: 25).

(4) هزيمة بنيامين: في القصة الثانية (الملحقة بسفر القضاة) نقرأ عن رحلة اللاوي الآخر من بيت لحم عبوراً بأورشليم، ومنها إلى جبعة” إلى الشرق من الرامة، وهي رحلة يمكن قطعها في بضع ساعات (انظر 19: 8-14). ولا شك في أن هذا اللاوي اختار جبعة لأنها كانت إحدى مدن اللاويين، وهناك ارتكب رجال جبعة تلك الخطية الشنيعة، التي ذكرها هوشع النبي بعد سنين عديدة (هو 9: 9). فاحتشد بنو إسرائيل ضد بنيامين في المصفاة على بعد نحو ثلاثة أميال إلى الشمال الغربي. وكان فينحاس الكاهن قد جاء بتابوت العهد إلى بيت إيل (قض 20: 1 و27و28)، وحدثت هزيمة بنيامين عند مفرق الطريق إلى جبعة عن الطريق الرئيسي المتجه إلى بيت إيل (قض 20: 31) إلى الغرب من الرامة، وهرب الناجون إلى صخرة رمون (قض 20: 47) على بعد نحو ثلاثة أميال ونصف إلى الشرق من بيت إيل على حافة البرية التي تمتد من هذه التلال الوعرة إلى وادي الأردن.

وتقع شيلوه على بعد تسعة أميال شمالي هذه السخرة، حسب الوصف الدقيق لها بأنها “شمالي بيت إيل، شرقي الطريق الصاعدة من بيت إيل إلى شكيم وجنوبي لبونة” (قض 21: 19). وتقع “الكروم” التي اعتادات “بنات شيلوه” أن يرقصن فيها (قض 21: 20) في عيد المظال، في السهل الصغير إلى الجنوب من الموقع حيث ما زالت الكروم توجد. ومن الواضح الجلي أن كاتب هاتين القصتين كان خبيراً بطبوغرافية فلسطين كما يبدو هذا جليَّا في كل سفر القضاة.

(جـ) في سفر راعوث:

يقدم لنا سفر راعوث صورة حية للحياة العبرانية “في ايام حكم القضاة” (1:1)، قبل مولد داود بنحو قرن من الزمان. وكانت الشرائع منذ عهد حمورابي، تسمح للأرملة بالبقاء مع أسرة زوجها، أو ترك هذا البيت (انظر راعوث 1: 8). وخبط النساء لسنابل الحنطة الملتقطة (2: 17) مازال أمراً مألوفاً وما زال القرويون ينامون بجانب بيادر الحنطة لحراستها (3: 7). كما أن غطاء الرأس –الذي مازال يُلبس- كان يمكنه أن يتسع لستة أكيال من الشعير (3: 15)، وما زال العرب يستخدمون تحية بوعز للحصادين: “الرب معكم” (2: 4).

(د) في سفري صموئيل:

(1) يقدم لنا سفرا صموئيل صورة ناطقة للحياة في ذلك العصر، وصورة صحيحة لطبوغرافية البلاد. كان أبو صموئيل لاوياً تقيَّا (1أخ 6: 27) من نسل صوف، الذي عاش في أفراته (بيت لحم انظر أيضاً 1صم 9: 4و5). وكان بيته في الرامة (1: 19) بالقرب من جبعة. كما كانت الرامة موطن صموئيل أيضاً (7: 17، 25: 1). وتوصف عائلته بأنها “من رامتايم صوفيم من جبل أفرايم” (1: 1). ولكن “جبل افرايم” لم يكن محصوراً في نصيب أفرايم، حيث أنه كان يشمل بيت إيل والرامة في أرض بنيامين (قض 4: 5). وكان “ألقانة” يقوم –تنفيذّا للشريعة- بزيارات سنوية إلى مقدس الرب في شيلوه، رغم أنه يبدو أن غالبية الشعب كانوا يهملون هذا في عصر فيه “كان كل واحد يعمل ما يحسن في عينيه” (قض 17: 6، 21: 25). وقد ظلت “خيمة الاجتماع” في شيلوه إلى موت عالي الكاهن، أي نحو أربعة قرون. وحدثت هزيمة إسرائيل أمام الفلسطينين- الذين أخذوا تابوت العهد- بالقرب من المصفاة (4: 1) على بعد مسيرة يوم واحد من شيلوه (انظر 4: 12). أما عقرون التي أُعيد منها التابوت (6: 16) فكانت تقع على بعد اثني عشر ميلاً من “بيتشمس”، التي فيها وضعوا التابوت على “الحجر الكبير” (6: 15: 18) وكانت “بيتشمس” على بعد أربعة أميال غربي قرية يعاريم (1صم 6: 21) التي كانت في الجبال، ولذلك قيل لهم: “انزلوا وأصعدوه إليكم” (6: 21، 7: 1). وقد مكث التابوت في قرية يعاريم مدة عشرين سنة إلى بداية حكم شاول (14: 18)، إذ من المحتمل أنه أُعيد –بعد الحرب- إلى “نوب” التي نقل إليها –على الأرجح- بعد موت عالي، وهجرانهم لشيلوه. ولا يُعرف تماماً موقع “نوب”، ولكن الأرجح أنها كانت قريبة من “المصفاة” (انظر إش 10: 32)، ومن ثم بالقرب من جبعون، حيث وضع التابوت بعد “مذبحة كهنة “نوب” (1صم 21: 1 و22، 9: 18، 2أخ 1: 3)، ومنها نُقل التابوت مرة أخرى إلى قرية يعاريم (2صم 6: 2). وكانت المصفاة (تل النشب) مكان تجمع إسرائيل بقيادة صموئيل، وهناك نصب “حجر المعونة” بعد انتصاره على الفلسطينيين، بين “المصفاة والسن” (1صم 7: 12). والأرجح أن “السن” هي “يشنه” على بعد ستة أميال شمالي المصفاة التي كان يزورها صموئيل سنوياً ليقضي للشعب (7: 16).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ أمون نو 1

(2) بحث شاول عن الأتن: لقد خرج شاول يبحث عن أتن أبيه، فوجد مملكة. بدأ شاول رحلته من جبعة (9: 4)، وذهب أولاً إلى ارض “شليشة” (2مل 4: 42). هي الآن كفر “تلت” على بعد ثمانية عشر ميلاً إلى الشمال من لدة، وأربعة وعشرين ميلاً إلى الشمال الغربي من جبعة، وبعد ذلك ذهب شاول إلى أرض شعليم- والأرجح أنها هي “شوعال” (1صم 13: 17) إلى الشمال الغربي من جبعة، وأخيراً سار جنوباً عبر تخم بنيامين (10: 2) إلى مدينة في “أرض صوف” التي يبدو أنها كانت، “بيت لحم” لأنها كانت عائلة صموئيل. ومتى كان الأمر كذلك، فمما يستلفت النظر أن شاول وداود مُسحا في نفس المدينة، وهي المدينة التي زارها صموئيل بعد ذلك (16: 1- 5) ليذبح للرب، كما فعل عند لقائه مع شاول (9: 12)، الذي يحتمل أنه كان يعرفه من قبل، لأن جبعة والرامة كانتا على بعد ميلين فقط إحداهما من الأخرى. وكانت طريق عودة شاول تمر بقبر راحيل بالقرب من بيت لحم، وعلى الطريق إلى بيت إيل (10: 2و3)، ثم إلى بيته في جبعة (10: 5و10). ومن المستحيل أن نفترض أن صموئيل تقابل معه في الرامة.

(3) تتويج شاول وحربه الأولى: خبأ شاول حقيقة مسحه ملكاً (10: 16)، إلى أن وقعت القرعة عليه في المصفاة. وقد ظن البعض أن هذا الاختيار العلني بالقرعة، يدل على تكرار القصة، أما للفكر العبري، فليس ثمة تناقض، حيث أن “القرعة تُلقى في الحضن، ومن الرب كل حكمها” (أم 16: 33) وحتى في المصفاة لم يحظ بالقبول الكامل إلا بعد انتصاره على العمونيين، وعند ذلك تجددت المملكة في الجلجال (11: 14). وتثير هذه الحرب سؤالاً جغرافياً هاماً، فقد استمهل أهل يابيش جلعاد العمونيين سبعة أيام (11: 3) يرسلون في أثنائها إلى شاول في جبعة، وإلى جميع تخوم إسرائيل (11: 7). واحتشدت الجيوش في بازق، ووصلت إلى يابيش في اليوم السابع أو الثامن (11: 8-10) في الفجر. ويبدو أن “بازق” هذه غير بازق الواقعة إلى الغرب من أورشليم (قض 1 :4)، وأنها كانت في وسط فلسطين “إبزق” على بعد أربعة عشر ميلاً إلى الشمال من شكيم، وعلى بعد 25 ميلاً إلى الغرب من يابيش. وأبعد مسافة وصل إليها الرسل لم تكن تزيد عن ثمانين ميلاً. وبافتراض أن وصول الأخبار لشاول استغرق يوماً، وأن الوصول من بازق إلى يابيش استغرق يوماً آخر، فكان هناك وقت كاف لحشر الجيوش في تلك النقطة المركزية.

(4) حياة داود الباكرة: كان داود يرعى أغنامه في البرية أسفل بيت لحم، حيث توجد “وديان من الظلال” (انظر 23: 4) يسودها الصمت، وتبعث الرعب في أشجع القلوب. “وزحف الأسد صاعداً من وادي الأردن، وهبط الدب من الجبال الوعرة (1صم 17: 34). ولا توجد دببة الآن جنوبي حرمون، ولكن الإشارة إليها مراراً (2مل 2: 24، إش 59: 11، هو 13: 8، أم 17: 12، 28: 15) تدل على أنها لابد قد استؤصلت كما حدث للأسد في أزمنة متأخرة نسبياً.

وقد حدثت النصرة على جليات في “وادي البطم” بالقرب من “سوكوه” (الشويكة)، وكان هذا الوادي العريض يجري إلى السهل الفلسطيني إلى ما يرجح أنه كان موقع “جت” (تل الصافي) الذي انتهت إليه المطاردة (1صم 17: 1و 2و52). وما زال بالوادي “حجارة ملساء” (17: 40) تصلح للمقلاع الذي ما زال الرعاة من الأعراب يستخدمونه. كما ما زال بالوادي أشجار البطم التي اكتسب منها الوادي اسمه. وتدل دروع جليات النحاسية (البرونزية –17: 5و6) على مرحلة مبكرة الحضارة، والتي لا يناقضها ذكر “سنان الرمح الحديدية” (17: 7) حيث أن الحديد كان مستخدماً في فلسطين قبل عصر داود بزمن طويل. كما أن العبارة الغريبة: “وأخذ داود رأس الفلسطيني وأتى به إلى أورشليم” (17: 54)، يمكن تفسيرها بأن ذلك حدث بعد أن استولى داود على أورشليم، بعد ذلك بنحو عشر سنوات على الأقل، وقد كان من المعتاد في أشور (حتى القرن السابع قبل الميلاد) الاحتفاظ برؤوس الأعداء بتمليحها، كما حدث على الأرجح في حالة أبناء أخآب الذين أرسلت رؤوسهم في سلال من السامرة إلى يزرعيل، حيث عرضت في مدخل الباب (2مل 1: 7).

وقد بدأ داود حياة التشرد بالتجائه إلى صموئيل في الرامة، وذهبا كلاهما إلى “نايوت” بالقرب من الرامة، حيث كانت تعيش “جماعة الأنبياء” (1صم 19: 18-20). وكان من السهل عليه مقابلة يوناثان بالقرب من جبعة التي لم تكن تبعد سوى ميلين إلى الشرق. ولعل “حجر الافتراق” (“العزل” –1صم 20: 19) لم يكن سوى التخم اللاوي للمدينة. كما لم تكن “نوب” (21: 1) بعيدة. لكن “جت” (21: 10) كانت خارج الحدود الإسرائيلية، لذلك غادر داود وادي البطم إلى “عدلام” التي كانت تقع فوق تل إلى الغرب من هذا الوادي عند الانحناءة العظيمة في مساره الأعلى. وما زال هناك كهف آهل بالسكان (انظر 22: 1)، وتنطبق على هذا الموقع كل الأوصاف الكتابية. أما قعيلة، ففي موقعها الآن قرية “قيلة” على الجانب الشرقي من نفس الوادي. أما “وعر حارث” (22: 5) فكان قريباً في “يهوذا” (23: 3)، ولذلك “نزل” داود (23: 4) إلى قعلية على بعد ميلين إلى الغرب. وحيث لم يكن يتوفر الأمن لداود وجماعته، سواء في أرض الفلسطينيين أو في يهوذا، كان عليهم أن يلجأوا إلى “برية زيف” (تل الزعف)، على بعد أربعة أميال إلى الجنوب الشرقي من حبرون. أما كلمة “وعر” (“حورش” بالعبرية) فلعلها كانت اسم علم، بينما “تل حخيلة” (23: 19) لعله كان هو النتوء الطويل المطل على برية يهوذا، على بعد ستة أميال إلى الشرق من “زيف”، ويسمى الآن “كولا”. أما “برية معون” (23: 24)، فتقع على حافة نفس البرية، على بعد نحو ثمانية أميال إلى الجنوب من حبرون. وكانت “عين جدي” تقع على جروف البحر الميت (23: 29، 24: 1و2)، أما “الوعول” (24: 2) فما زالت تعيش في نفس البرية بأعداد كبيرة، وما زالت كهوف هذه البرية تستخدم حظائر للأغنام في الربيع (24: 3). ويشتهر القرويون في جنوبي حبرون، باقتناء قطعان كبيرة، كما كان لنابال الكرملي، فالكرمل لا يبعد سوى ميل واحد شمالي “معون” (25: 2). وقد رفض نابال الكرملي أن يكرم داود ورجاله لأجل حراستهم لقطعانه “في الحقل” أو مراعي البرية (25: 25). أما في الصيف فكان من الطبيعي أن يرجع داود إلى مرتفعات حخيلة (26: 1) التي يوجد على الجانب الجنوبي منها، غور شديد الانحدار (لا يمكن عبورة إلا بالدوران حوله). وعبر هذا الغور، خاطب داود شاول (26: 13)، مشبِّها نفسه “بالحجل في البرية” (26: 20) والذي ما زال يعيش في هذه المنطقة.

(5) هزيمة شاول وموته: ما زال موقع “صقلغ” محل شك، ولكن من الواضح أنها كانت تقع في البرية جنوبي بئر سبع (يش 15: 31، 19: 5، 1أخ 4: 30، 1صم 27: 6-12) بعيداً عن “جت”، حتى إن الملك أخيش لم يعلم ما إذا كان داود قد غزا جنوبي يهوذا أو القبائل في جهة شور. وكانت قوة شاول في الجبال لا تقاوم، ولعله لهذا السبب حدثت معركته الفاصلة مع الفلسطينيين في السهل القريب من يزرعيل في الشمال. فقد عسكر الفلسطينيون (1صم 28: 4) بجانب النبع العذب في شونم، أما شاول وجيشه فنزلوا في جلبوع إلى الجنوب، لذلك كانت زيارته للعرافة في عين دور، مجازفة خطيرة، فلابد أنه تسلل ليلاً ملتفاً حول حشور الفلسطينيين لزيارة ذلك المكان الواقع شمالي شونم، ثم رجع إلى جبل جلبوع الذي تقع عليه يزرعيل (29: 1). وكانت “العين التي في يزرعيل” غزيرة المياه شمالي قرية “زرعين”. وكانت “بيت شان” (31: 12) على فم وادي يزرعيل في “بيسان”، حيث دفنت أجساد شاول وبنيه بمعرفة رجال يابيش جلعاد. ولكن حيث أن العظام كانت محفوظة (1صم 31: 13، 2صم 21: 13)، فمن المحتمل أن الجثث أحرقت في جرار فخارية، ثم دُفنت بعد ذلك تحت الشجرة (الأثلة). والتنقيب في فلسطين وفي بابل، يدل على أن هذه كانت عادة قديمة، ليس في حالة الأطفال فقط (كما وجد في جازر وتعنك) بل في حالة الرجال البالغين ايضاً. أما قائمة المدن التي أرسل إليها داود الهدايا من الغنائم التي غنمها من العمالقة، فتشمل المدن القريبة من صقلغ، وتلك الموجودة شمالي حبرون، “وإلى جميع الأماكن التي تردد فيها داود ورجاله” (1صم 30: 26، 31).

(6) السنوات الأولى من حكم داود: كان داود –حتى السنة الثامنة من ملكه- ملكاً على يهوذا فقط، وحدثت المعركة الأولى بينه وبين ابن شاول في “جبعون” (2صم 2: 13). “وبركة جبعون” هي –بلا شك- كهف النبع العظيم في “الجب”، وحدثت مطاردة أبنير على “طريق برية جبعون” (2صم 2: 24) المتجهة إلى وادي الأردن. أما جبعون نفسها فلم تكن في البرية بل منطقة خصبة. ونقل أبنير ولاءه إلى داود، ولكنه قُتل عند “بئر السيرة” (2صم 3: 26)، على الطريق، على بعد نحو ميل إلى الشمال من حبرون عاصمة داود. ولا نسمع شيئاً عن الفلسطينيين إلى أن استولى داود على أورشليم، فتقدم الفلسطينيون وانتشروا في وادي الرفائيين الذي كان يمتد من جنوبي أورشليم إلى أن يتصل بوادي البُطم. فلو كان داود وقتئذ في “عدلام” (“الحصن” –2صم 5: 17، انظر أيضاً 1صم 22: 5)، فمن السهل أن نفهم كيف قطع خط الرجعة على الفلسطينيين (2صم 5: 23)، وهكذا استولى على كل المنطقة الجبلية إلى مدخل جازر (2صم 5: 25).

وبعد ذلك أحضر التابوت نهائياً من “بعلة يهوذا” (قرية يعاريم) إلى أورشليم (2صم 6: 2). وبعد ذلك انتقلت الحرب إلى ما وراء حدود فلسطين الغربية، إلى موآب (8: 2)، وإلى أرام (8: 3-12). أما “أرام” المذكورة في العدد الثالث عشر من هذا الأصحاح، فيبدو أنها –على الأصح- “أدوم” (انظر 1أخ 18: 12). كما يرجح أن “وادي الملح” كان إلى الجنوب من البحر الميت.

وحدثت حرب أخرى مع الأراميين يعاونهم الأراموين من شرقي الفرات، في شرقي الأردن (2صم 10: 16- 18)، وأعقبها حصار “ربة بني عمون” (12: 1) في شرقي جلعاد، حيث تذكر “مدينة المياه” (12: 27)، أو المدينة السفلى، بالمقارنة –كما يبدو بالقلعة التي كانت على التل الشمالي.


 

 

(7) كتابة الرسائل العبرانية: ونجد في هذا الصدد أول ذكر “لمكتوب” أي “رسالة” (11: 14)، فقد أرسل داود مكتوباً إلى يوآب. وكانت الكتابة –بالطبع شيئاً معروفاً منذ زمن موسى- كما نعلم الآن -عندما كتب الكنعانيون رسائل على ألواح طينية بالخط المسماري- وقد كتب هذه الرسائل كتَّاب محترفون، وقد جاء ذكر أحدهم في سفر القضاة (قض 8: 14). ولعل داود نفسه استخدم كاتباً محترفاً (انظر 2صم 8: 17)، بينما يبدو أن “أوريا” –الذي حمل الرسالة التي كانت تقرر مصيره- لم يكن يعرف القراءة –على الأرجح. وحتى في زمن إشعياء النبي، لم تكن الكتاب أمراً شائعاً (إش 29: 12)، رغم أن ملوك إسرائيل كانوا يعرفون القراءة والكتابة (تث 17: 18، 2مل 19: 24). ولعل الكتابة التي كانت معرفة في زمن موسى هي الكتابة المسمارية، التي ظلت مستخدمة في التجارة حتى 649ق.م. ولعل العبرانيين بدأوا في استخدام الأبجدية، نقلاً عن الفينيقيين، في زمن داود. كما تذكر “البغال” لأول مرة في زمن داود (2صم 13: 29، 18: 9، 1مل 1: 33و38)، ويبدو أنها لم تكن معروفة في زمن موسى، وإلا لذكرت بين الحيوانات النجسة. وقد هرب أبناء داود على بغالهم عندما اغتال أبشالوم أخاه أمنون (2صم 13: 29) في بعل حاصور التي عند أفرايم (2صم 13: 23).

(8) السنوات الأخيرة من حكم داود: عندما قام أبشالوم بثورته، لجأ داود إلى محنايم، بالطريق التي تسير شمالي جبل الزيتون، على الأرجح، إذا صح ما جاء في “تلمود يوناثان” من أن “بحوريم” (2صم 16: 5) كانت في “علمون” إلى الشمال الشرقي من أورشليم. وليس من الواضح أين كان يوجد “وعر أفرايم” الذي هلك فيه ابشالوم، ولكنه كان –لابد- في عبر الأردن في جلعاد (2صم 17: 22، 18: 6)، وما زالت أشجار البطم هناك اكثر منها في غربي الأردن. أما آخر ثورة –بعد موت أبشالوم- فقد حدثت في أقصى الشمال في “آبل” في الجليل الأعلى (2صم 20: 14) وهي ثورة شبع بن بكري (2صم 20: 1). وكانت رحلة يوآب هي آخر ما يستلفت النظر في سفري صموئيل، فلكي يقوم بإحصاء الشعب، سار من شرقي الأردن إلى “عروعير” (ولعلها المدينة التي كانت على نهر أرنون)، إلى “وادي جاد” بالقرب من جازر، وأتى إلى جلعاد. والمعتقد أن “تحتيم حدشي” (24: 6) هي تحريف لعبارة “الحثيين في قادش” (كما جاءت في ثلاث مخطوطات يونانية). وكانت قادش مدينة كبيرة على نهر الأورنت “يمكن الرجوع إلى مادة “حثيين” ، على الحدود الشمالية لمملكة داود جنوبي مملكة حماة، ومن هناك رجع يوآب إلى صيدون وصور. وبعد زيارته لكل يهوذا حتى بئر سبع، وصل إلى أورشليم في أقل من عشرة أشهر (2صم 24: 8). ويختم سفرا صموئيل بشراء الموقع الذي بنى عليه سليمان الهيكل.

(هـ) سفر الملوك:

(1) ولايات سليمان: يحتوي سفر الملوك على بعض القضايا الجغرافية الهامة، فيبدو أن ولايات سليمان الاثنتي عشرة تطابق تماماً أنصبة الاثني عشر سبطاً كما وقعت لهم القرعة في أيام يشوع. فقد شملت (1) أفرايم، (2) دان، (3) جنوبي يهوذا (ارجع إلى يش 12: 17)، (4) منسى، (5) يساكر، (6) شمالي جلعاد وباشان، (7) جنوبي جلعاد، (8) نفتالي، (9) أشير، (10) جزءاً من يساكر وزبولون، على الأرجح (إذ أن النص غير واضح في العدد 17، ويختلف عن السبعينية)، (11) بنيامين، (12) رأوبين. وجاء الجزء الأخير من العدد التاسع عشر، في الترجمة السبعينية: “ووكيل واحد في أرض يهوذا”، والأرجح أنه كان رئيساً على الاثني عشر الآخرين.

وقد شملت أملاك سليمان، أرض الفلسطينيين، وجنوبي أرام، وامتدت على الطريق التجاري المار بتدمر (بالميرا) إلى “تفسح” على الفرات (1مل 4: 21 و24). وتوجد “تفسح” (تفصح) أخرى على بعد ستة أميال إلى الجنوب الغربي من شكيم (2مل 15: 16). وقد قدم فرعون مصر جازر “مهراً لابنته امرأة سليمان” (1مل 9: 16).

(2) جغرافية مسافة المملكة الشمالية: كان يربعام بن ناباط أفرايمي من “صروعة” (1مل 11: 26)، والأرجح أنها كانت تقع على بعد ميلين إلى الشمال الغربي من بيت إيل (ولكنها تذكر في الترجمة السبعينية على أنها “صريرة” على بعد ميل ونصف الميل إلى الشرق من شيلوه). وبعد تمرد العشرة الأسباط، صعد شيشق ملك مصر إلى أورشليم ونهبها (1مل 11: 40، 14: 25). وقد سجل ذلك على معبد الكرنك، ورغم أن هذا النقش قد تشوه كثيراً، إلا أنه يتضح منه أنه لم يغزُ فقط الجبال بالقرب من أورشليم، بل غزا أيضاً جزاءاً من الجليل. وكانت الحدود بين إسرائيل (مملكة يربعام) ويهوذا تمر جنوبي بيت إيل التي وضع فيها يربعام أحد عجلي الذهب (1مل 12: 29). أما الرامة فكانت هي وجبعة والمصفاة مدناً على الحدود (1مل 15: 17 و22). ولكن بعد زحف بنهدد ملك أرام على الجليل (1مل 15: 20)، انتقلت عاصمة إسرائيل إلى “ترصة” (1مل 15: 21)، وكانت في موقع يتميز بجماله (انظر نش 6: 4)، ولعل موقعها الآن هو “تياسير” على بعد نحو أحد عشر ميلاً إلى الشمال الشرقي من شكيم، في موقع خيالي يشرف على وادي الأردن. وقد ملك “عمرى” في ترصة مدة ست سنوات (1مل 16: 23) قبل أن يبني السامرة التي ظلت عاصمة لإسرائيل (المملكة الشمالية) إلى 722 ق.م. ويبدو أن السامرة كانت مدينة لا تقل ضخامة عن أورشليم، وكانت في موقع حصين على بعد خمسة أميال إلى الشمال الغربي من شكيم، تتحكم في الطريق التجاري إلى الغرب. وقد قاومت حصار الأشوريين ثلاث سنوات، وعندما سقطت في أيديهم، أخذ منها سرجون 27.290 أسيراً.

أما رحلات إيليا فقد امتدت من صرفة صيدا (صرفند) إلى الجنوب من صيدون إلى سيناء. ولا يُعلم بالضبط موقع نهر كريث. أما الموقع الذي حدث فيه الصراع بين إيليا وأنبياء البعل، فالمعتقد أنه كان في “المحرقة” في الطرف الجنوبي لجبل الكرمل. ويبدو أن أحد ملوك إسرائيل الأوائل، أو أحد القضاة (انظر تث 33: 19) قد بنى مذبحاً للرب أعلى نهر قيشون (1مل 18: 20 و40)، ولكن حيث أنهم جلبوا الماء من النهر، فثمة شك في وجود هذا المذبح فوق سطح البحر، والتي منها استطاع خادم إيليا أن يرى البحر (1مل 18: 42و43). ولابد أن إيليا جرى أمام أخآب أكثر من خمسة عشر ميلاً من أقرب نقطة للكرمل (1مل 18: 46) إلى يزرعيل. كما كانت رحلة المرأة الشونمية لمقابلة أليشع (2مل 4: 25) بمثل هذه المسافة. ولعل كرم نابوت في يزرعيل (1مل 21: 1) كان شرقي المدينة (“زرعين” حالياً) حيث ما زالت توجد بعض معاصر الخمر المحفورة في الصخر. وفي قصة صعود إيليا، ثمة صعوبة في عبارة :”نزلا إلى بيت إيل” (2مل 2: 2)، فإذا كان قد بدأ “الجلجال” (2: 1) فقد يكون المقصود هو مدينة “الجلجة” التي تقع على تل مرتفع على بعد سبعة أميال شمالي بيت إيل.

(3) الأمكنة المرتبطة بأليشع: كان أليشع من “آبل محولة” (1مل 19: 16) في وادي الأردن (قض 7: 22)، وعلى الأرجح هي “عين حلوة” على بعد عشرة أميال إلى الجنوب من بيت شان. وإذا افترضنا أن “الأكمة (2مل 5: 24) حيث كان يقيم هي “عفولة” الحالية، فمن السهل إدراك كيف أنه كثيراً ما كان “يمر بشونم” (التي كانت تقع بين الأكمة وآبل محولة)، وكذلك كيف استطاع نعمان السرياني أن يأتي من قصر الملك في يزرعيل، إلى الأكمة ومنها إلى الأردن، ثم يعود إلى الأكمة مرة أخرى (2مل 5: 6 و14و24) في يوم واحد بمركبته (5: 21)، فقد كانت الطريقة النازلة من وادي يزرعيل سهلة، وفوق هذه الطريق نفسها ساق “ياهو” مركبته –بعد ذلك- “بجنون” في طريقه من راموت في جلعاد، وكان في الإمكان رؤيته عن بعد من فوق سور يزرعيل (9: 20). وكان هروب أخزيا ملك يهوذا من يزرعيل إلى الشمال عند “عقبة جور”، على بعد أربعة أميال إلى الغرب من “يبلعام” (يبلا) على الطريق إلى “بيت البستان”، ومنها إلى مجدو ثم نُقل إلى أورشليم (9: 27 و28).

أما عن عصيان موآب (2مل 1: 1، 3: 4)، فيكفي أن نشير إلى أن ما سجله الملك “ميشع” على “حجر موآب” يتفق تماماً مع ما جاء في الكتاب المقدس في أدق التفاصيل، فقد سكن بنو جاد في عطاروت منذ القديم (انظر عدد 32: 34)، مع أنها كانت تقع في نصيب رأوبين.

(و) الأسفار التاريخية التي أعقبت السبي: إن الملاحظات الطبوغرافية التي جاءت في الأسفار التي كتبت بعد السبي، لا تحتاج إلا للقليل من التعليق. لقد بنى البنياميون “لود” (اللد)، و “أونو” (كفر عنا)، وأيلون (يالو) التي كانت في نصيب دان (1 أخ 8: 12، نح 11: 35). ومما تجد ملاحظته هو أن “لود” (لدة) يجب ألا ينظر إليها بأنها كانت مدينة حديثة لأنها لم تذكر في الأسفار الأقدم، لأنها ذُكرت (تحت رقم 64) مع “أونو” في قائمة المدن التي فتحها تحتمس الثالث، قبل دخول بني إسرائيل أرض كنعان بنحو قرن من الزمان، أي أنه كان لدى كاتب سفر أخبار الأيام معلومات لا توجد في أسفار العهد القديم السابقة. كما أن قائمة المدن الحصينة التي بناها رحبعام (2أخ 11: 6-10) تشمل 14 مدينة، وكان معظمها على حدود مملكة يهوذا، وقد وردت أسماء البعض منها مثل (سوكو وأدورايم) في قائمة غزوات شيشق، فهو يذكر “وادي صفاتة” (14: 10)، وهو “وادي صافية” حالياً، ويضعه في مكانه الصحيح “عند مريشه” (مرعش) على حافة السهل الفلسطيني. كما نجد وصفاً طبوغرافياً دقيقاً لهجوم العمونيين والموآبيين والأدوميين على يهوشافاط. لقد كانوا يعسكرون في “عين جدي”، وزحفوا غرباً إلى “تقوع”. وكان الاجتماع الذي بارك فيه يهوشافاط الرب عقب النصر على الأعداء في “وادي بركة” (2أخ 20: 1 و20 و26) الذي مازال يحتفظ باسم “بركات” على بعد أربعة أميال إلى الغرب من “تقوع”.


 

 

(رابعاً) فلسطين في أسفار العهد القديم الشعرية:

هل تبحث عن  م الأباء أمبروسيوس شرح الإيمان المسيحى الكتاب الأول 20

(1) سفر أيوب: وقعت أحداث سفر أيوب في أدوم، “فعوص” (أي 1: 1، انظر أيضاً تك 22: 21، إرميا 25: 20، مراثي 4: 21)، و “بوز” (أي 32: 2، انظر أيضاً تك 22: 21) هما “حازو” “وبازو” في الأشورية، وقد وصل إليهما آسرحدون في 673ق.م. في جنوبي أدوم. وتيماء وسبأ (أي 6: 19) ذكرهما من قبل تغلث فلاسر الثالث وسرجون اللذان هزما الثموديين والنبطيين. كما نقرأ عن البَرَد والجبال التي يعلوها الجليد (أي 6: 16). كما عن القفر والبادية (وادي عربة- 24: 5) وهو ما لا ينطبق تماماً إلاَّ على أدوم. كما أن هناك المناجم، ليس في صحراء سيناء فقط، بل أيضاً في “فونون” في شمالي أدوم (28: 2-11). كما أن “الرتم” (30: 4) من الشجيرات المميزة لصحراء أدوم وموآب. ولا يوجد حمار الوحش والنعامة (39: 5و13) الآن إلا في الصحراء شرقي أدوم. والثور الوحشي (39: 9) قد انقرض الأن، ولكن عظامه ما زالت توجد في كهوف لبنان، وقد اصطاده تغلث فلاسر الأول حوالي عام 1130 ق.م. في سورية (انظر مز 29: 6)، كما يذكر أيضاً في نبوة إشعياء (34: 7) بالارتباط مع أدوم، والكلمة في العبرية هي “رئم” (كما في العربية –انظر عد 23: 22، تث 14: 5، 33: 17). أما فيما يتعلق بالتمساح (لوياثان –أي 41: 1)، فواضح أنه كان معروفاً جيداً لأيوب، حيث نجد الإشارة إلى وقته، وإلى نَفَسه القوي المعطر (41: 31). ولم يكن وجود التمساح قاصراً على مصر، بل كان يوجد أيضاً في فلسطين، وما زال موجوداً في “نهر التمساح” شمالي قيصرية في سهل شارون.

“بهيموث” (40: 15)، وإن كان الاعتقاد السائد، أنه يشير إلى “فرس النهر” إلا أن الأرجح أنه إشارة إلى “الفيل” بناء على الإشارة إلى ذيله، وعروق فخذيه، ومرعاه في الجبال (40: 17 و20 و24). وكان الفيل معروفاً عند الأشوريين في القرن التاسع قبل الميلاد، وكانت توجد منه قطعان على نهر الفرات في القرن السادس عشر قبل الميلاد. كما أن الإشارات الطبيعية في سفر أيوب تبدو على وجه العموم –أنها تشير إلى أدوم، مثلها مثل الإشارات الجغرافية. ومع أن التقليد المسيحي، من القرن الرابع، يضع “عوص” في باشان، فإن الترجمة السبعينية (نقلاً عن السريانية) تضيف في نهاية سفر أيوب (42: 18)، القول بأن “عوص” تقع على حدود أدوم وبلاد العرب، وأن اسم “أيوب” الأصلي، هو “يوباب بن زارح” (انظر تك 36: 33 و34).

(2) في سفر المزامير: هناك إشارات عديدة في سفر المزامير إلى الظواهر الطبيعية في فلسطين، لكن الإشارات الطبوغرافية قليلة جداً. “فجبل باشان” (مز 68: 15) يرتفع شرقي الهضبة إلى 5.700 قدم فوق مستوى سطح البحر. أما “جبل صلمون” (عد 14) فلا يُعرف موقعه (انظر قض 9: 48). وقد يشير هذا المزمور إلى غزو داود لدمشق (2صم 8: 6). كما يشير مزمور 72 إلى زمن سليمان، وهو آخر مزمور من صلوات داود (72: 20). وفي المزمور (83: 6-8) نجد حلفاً من أدوم والاسماعيليين وموآب والهاجريين (أو المتجولين في شرقي فلسطين- انظر 1أخ 5: 18-22) مع “جبال” (في لبنان) وعمون وعماليق وصور، كما اتفق معهم أشور، وهو أمر لم يتحقق إلا في 732 ق.م. عندما استولى تغلث فلاسر الثالث على دمشق وعلى مناطق من المملكة الشمالية (انظر 2مل 15: 20، 1أخ 5: 26، إش 9 :1).

(3) في سفر الأمثال: لا توجد في سفر الأمثال إشارات جغرافية، ولكن توجد إشارات إلى الزراعة (3: 10، 11: 26، 12: 11، 25: 13)، وإلى التجارة (7: 16، 31: 14و 24)، وإلى القطعان (27: 23-27).

(4) في نشيد الأنشاد: هناك إشارات جغرافية كثيرة في سفر نشيد الأنشاد تمتد إلى كل فلسطين. كما يذكر الكاتب قيدار (1 :5) في شمالي شبه الجزيرة العربية، ومصر التي كان يستورد منها الملك سليمان الخيل لمركباته (1: 9، انظر 1مل 10: 28و29). كما تُذكر الفاغية” (“أي الحناء”). وكروم عين جدي (1: 14) حيث كانت الكروم تنتشر حتى القرن الثاني عشر بعد الميلاد. ويتحدث عن “نرجس شارون” (2: 1)، وعن لبنان وشنير وحرمون (4: 8)، و “برج لبنان الناظر تجاه دمشق” (7: 4). ويذكر المراعي على سفوح جلعاد (6: 5)، والبركة التي تزخر بالأسماك في حشبون (7: 4) في موآب. ويشبه خصل رأسها بالخمائل الكثيفة على جبل الكرمل، حتى إن الملك “قد أسر” بها (7: 5).

والعروس جميلة “كترصة” (في السامرة) “حسنة كأورشليم، مرهبة كجيش بألوية” (6: 4). وهي كجنة وكفردوس من الأطياب في لبنان. وكانت بعض هذه الأطياب (قصب الذريرة والقرفة واللبان والمر) تُستورد من بلاد بعيدة (4: 12-15). وكان كرم سليمان –الذي تُشبَّه به –العروس- (1: 6، 8: 11) في “بعل هامون” التي ما زالت تشتهر بكرومها. ويخرج العريس إلى البرية لاستقبالها (3: 6).

وكلمة “فردوس” (4: 13) لا تكفي دليلاً على أن السفر كُتب في عصر متأخر، لفأنها –وإن كانت تستخدم في الفارسية، فإنه لا يُعرف بالضبط أصلها واشتقاقها. وكلمة “الجوز” (6: 11) ليست فارسية، لأن كلمة “جوز” العربية سامية الأصل، وتعني “اثنتين” وتطلق على الجوز الذي يكثر في شكيم. و “نرجس شارون” إشارة إلى نبات بصلي أبيض، تتغطى به سهول شارون في الربيع (انظر إش 35: 1و2). وليس هناك عصر يناسب كتابة مثل هذه القصائد، أفضل من عصر سليمان حين “سكن يهوذا وإسرائيل” آمنين، كل، واحد تحت كرمته وتحت تينته” (1مل 4: 25)، وعندما كثرت الظباء والأيائل (نش 2: 17، 1مل 4: 23)، وعندما جاء التجار “بأذرة” العطور من مواطنها البعيدة، وعندما امتد سلطان إسرائيل إلى دمشق وجنوبي لبنان، وكذلك إلى غربي فلسطين وإلى جلعاد موآب.

(خامساً)- فلسطين في أسفار الأنبياء:

(1) إشعياء: يشبِّه إشعياء “صهيون” (1: 8) عندما استولت جيوش أشور على السامرة وموآب وفلسطين، “كمظلة في كرم، كخيمة في “مقثأة”، في إشارة –ولا شك- إلى “البرج” (مت 21: 33)، أو المظلة المرتفعة التي توجد على الدوام بجوار معصرة الخمر، المحفورة في الصخر في وسط كروم فلسطين، والتي ما زالت تقام ليقف عليها الحارس في الكروم وبساتين الخضر والفاكهة.

والمسألة الطبوغرافية الرئيسية (10: 28-32) إنما تشير إلى تقدم الأشوريين من الشمال عبر السامرة إلى فلسطين. فقد زحفوا في الجناح اليساري إلى “عاي” (عياث) ومخماس، وجبع إلى الجنوب من وادي مخماس، مما أدى إلى هروب أهل القرى من الرامة ومنطقة جبعة التي كانت تشمل الرامة وجبع (1صم 22: 6)، ومجرون (أو مِغرون –1صم 14: 2). كما ارتعب أهل “جلِّيم” (بيت جالا)، وعناثوث (عناتا) القريبة من أورشليم. إلا أن الزحف توقف في نوب (انظر نح 11: 32).

ويشير فصل آخر إلى مدن في موآب (إش 15: 1-6)، وإلى “نمريم” (تل نمرين) “وصوغر” (تل الشاغور) في وادي شطيم. و “عقبة اللوحيث” (إش 15: 5) هي الآن “طلعة الحيث” على السفح الجنوبي لجبل نبو. والعبارة الغريبة “عجلة ثلاثية” (انظر إرميا 48: 34) فقد جاءت وصفاً لصوغر وحور ونايم كمدينتين مزدهرتين (الرجا الرجوع إلى مادة “عجلة ثلاثية”

ونقرأ أن “سبمة” –على بعد ميلين إلى الشمال الغربي من حشبون- كان بها كروم تمتد إلى “يعزير” (على بعد ستة أميال إلى الشمال). وما زالت توجد في موقع سبمة معاصر خمر محفورة في الصخر (إش 16: 8، إرميا 48: 32). و “بصرة” المذكورة مع “أدوم” (إش 34: 6، 63: 1، إرميا 39: 13 و22، ميخا 2: 12) هي على الأرجح “بُصيرة” بالقرب من الحدود الجنوبية لموآب.

(2) إرميا: تُذكر “عناثوث” (1: 1) باعتبارها مدينة للكهنة (انظر 1مل 2: 26) وكان “الموضع” في شيلوه قد هُجر (إر 7: 12)، ولكن يبدو أن المدينة نفسها كانت مازالت مأهولة (41: 5). وأسماء الملوك الصغار العديدين، في أدوم وموآب وفلسطين وفينيقية وبلاد العرب (25: 20-24) تذكرنا بالذين تذكرهم القوائم الأشورية من نفس العصر. وتذكرنا المراثي (4: 3) بما جاء في أيوب (39: 14) في وصف النعامة وما يبدو من عدم اهتمامها بصغارها، لأنها تحاول (مثل سائر الطيور) أن تهرب لتجذب نظر الصياد بعيداً عن العش الذي به صغارها.

(3) حزقيال: تبدو “صور” (أصحاح 27) مدينة صاحبة تجارة واسعة تمتد من أسيا الصغرى إلى الصحراء العربية ومصر، ومن أشور إلى جزائر (أو سواحل) البحر المتوسط. “وبلوط باشان” (27: 6، إش 2: 13، زك 11: 2) ما زال موجوداً في الجنوب الغربي من هذه المنطقة بالقرب من جلعاد. وكانت يهوذا وإسرائيل وقتئذ تصدران الحنطة والزيت والبلسان، كما كان الأمر في أيام يعقوب، أبي الأسباط، وأرسلت دمشق الصوف الأبيض وخمر حلبون التي تقع على بعد ثلاثة عشر ميلاً شمالي دمشق، وما زالت غنية بالكروم الجيدة. والحدّ الشمالي (47: 15-18) هو نفسه حدّ ممتلكات داود على امتداد نهر الكبير إلى “صدد”، كما يوصف أيضاً في سفر العدد (34: 8-11) ممتداً إلى “ربلة” شرقي “عين” (“العين”) التي تقع على السفوح الغربية لجبل لبنان الشرقي. ويلاحظ في هذا الفصل (كما في حزقيال 47: 18) عدم ذكر حوران (سهل باشان) كجزء من أرض إسرائيل. وتسير الحدود مع وادي الأردن. ويمتد الحد الجنوبي في حزقيال (47 :19) من قادش (برنيع- والأرجح أنها البتراء) إلى ثامار التي تبعد نحو ستة أميال إلى الشمال الشرقي من غزة.

(4) أسفار الأنبياء الصغار: لا توجد في أسفار الأنبياء الصغار سوى إشارات طبوغرافية قليلة، فيتكلم هوشع (12: 11) عن مذابح جلعاد والجلجال بأنها “كرجم في أتلام الحقل”، ولعله يشير إلى حجارة الأضرحة القديمة في تلك المنطقة، والتي ما زالت تميز الإقليم شرقي الأدرن. ولعله يشير إلى الذبائح البشرية في بيت إيل(13: 2).

ويذكر يوئيل “أشجار التفاح” (1: 12، انظر أيضاً نش 2: 3 و5، 8: 5). وليس ما يدعو إلى الشك في زراعة شجر التفاح في الأراضي المقدسة، “فالمقدسي” (المؤرخ العربي من القرن العاشر الميلادي) يذكر “التفاح الممتاز” في أورشليم، وإن لم يكن منتشراً الآن فيها كما كان من قبل.

كما أن “الجميز” (عا 7: 14) الذي كان منتشراً في السهول (انظر 1مل 10: 7)، وكان ينمو أيضاً بالقرب من أريحا (انظر لو 19: 4) ما زال موجوداً.

وفي نبوة ميخا (1: 10-15)- التي قد تشير إلى استعادة حزقيا لأرض الجنوب إلى غزة، قبل 702 ق.م. (2مل 18: 8، 2أخ 28: 18)- نجد قائمة بأسماء أماكن عديدة، مع استخدام أسلوب التورية بالنسبة لهذه الأسماء. وهي تشمل “جت” (تل الصافي)، “وشافير” “ولخيش” (تل الحصى)، وأكزيب (عين كذبة)، و “مريشة” (مرعش). ويقول: “يأتي إلى عدلام مجد إسرائيل” (15 :5)، وقد تكون الإشار إلى حزقيا نفسه.

وبعد السبي، كانت أرض الفلسطينيين ما زالت مستقلة ( زك 9 :5). وعبارة “كنوح هدد رمُّون في بقعة مجدون” (زك 12: 11). موضع جدال. ويقول جيروم إن “هددرمُّون” تشير إلى مدينة بالقرب من يزرعيل (ماكسيميانوبوليس، وهي “رمانة” حالياً على الجانب الغربي من سهل إسدرالون). أما “النوح على وحيد له” فالأرجح أنها إشارة إلى طقس معين في عبادة الإله السوري “هدد” أو قد يكون “رمُّون” شبيه بالبكاء على “تموز” (حز 8: 14).

(سادساً) فلسطين في العهد الجديد:

(أ) الأناجيل الثلاثة الأولى المتشابهة:

(1) المشاهد الجليلة: لقد صرف الرب يسوع الجزء الأكبر من حياته في الناصرة في زبولون، كما كان معظم خدمته في كفر ناحوم في نفتالي (انظر مت 4: 13-15، إش 9: 1) مع زيارات سنوية إلى أورشليم . وقصص الأناجيل ومشاهد الأمثال التي نطق بها، تستحضر أمام الذهن خصائص معالم الجليل وطبيعته، كما لا تزال مشاهده للآن. “فالمدينة الموضوعة على جبل” (مت 5: 14) يمكن رؤيتها في أي جزء من فلسطين. وزنابق الحقل تنمو في كل سهولها. وللثعالب أوجة، ولطيور السماء أوكار “ما زالت مشاهد مألوفة في فلسطين. وبساتين الكروم بأبراجها، وحراثة الأرض بأماكنها المحجرة والشوكية ما زالت موجودة في كل مكان في الأرض المقدسة. أما البحيرة العميق التي تحيط بها الجروف شديدة الانحدار والمعرضة للعواصف الفجائية، والغنية بالأسماك، ومناظر الصيادين العراة يلقون الشباك ويجرُّونها، والقوارب الصغيرة الثقيلة، فكلها مناظر ما زالت مألوفة في بحر الجليل.

(2) كانت الناصرة قرية صغيرة في منطقة التلال في شمالي سهل اسدرالون، وعلى ارتفاع ألف قدم عنه. والاسم “الناصرة” قد يعني “خضرة” وكان بها نبع ماء. وتربط بينها الأناجيل (مت 2: 23) ونبوة “الغصن” (“نِصر” في العبرية) من نسل داود. وكان سكانها من العبرانيين إذ كان بها “مجمع” (لو 4: 16). و “حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه” (4: 29) هو “تل القفز” على بعد ميلين إلى الجنوب، وهو عبارة عن “جرف جبل” يطل على السهل. ولم تكن الناصرة على طريق عام، وكانت مدينة مغمورة حتى إنها لم تذكر في العهد القديم. كا لم يذكرها يوسيفوس، بل أن جليلياً هو “نثنائيل” (يو 1: 46) لم يكن يصدق أن يخرج منها نبي. ويقول عنها جيروم إنها “قرية، ولكنها الآن مدينة بها عدد لا بأس به من السكان.

(3) كفر ناحوم: (مت 4: 13، 9: 1) وكانت تقع على شاطيء الجليل، في سهل جنيسارت الصغير (مت 14: 34، يو 6: 17) الذي يمتد مسافة ثلاثة أميال على الشاطيء الشمالي الغربي للبحيرة. ويبلغ عرضه نحو ميلين. ولعلها كانت تقوم على جرف جبل (انظر مت 11: 23). وكانت مركزاً لحامية عسكرية ، تُجبى فيها الضرائب (مت 9: 9)، وكان بها “مجمع” (مرقس 1: 21، لو 4: 4: 33، يو 6: 50). ويقول التقليد المسيحي –من القرن الرابع- إن موقعها كان في “تل حوم” حيث توجد خرائب ممجمع.

ويقول يوسيفوس إن نبع كفر ناحوم كان يروي السهل، وكان يعيش به سمك “السلّور” الذي ما زال يوجد في “العين المدورة” التي ما زالت المصدر الرئيسي للمياه في واحة جنيسارت.

(4) كورزين وبيت صيدا: وتقع خرائب كورزين (مت 11: 21، لو 10: 13) على بعد ميلين ونصف الميل شمالي “تل حوم”، وبها آثار مجمع من نفس طراز مجمع كفر ناحوم. “وبيت صيدا” أي “بيت الصيد (لو 10: 13)، ويذكر إنجيل يوحنا أنها في الجليل (يو 12: 21)، مما جعل “ريلاند” (
Reland
) يظن أنه كانت هناك مدينتان بهذا الاسم، ولكن من المؤكد أن الإشارات الأخرى إنما تشير إلى بيت صيدا التي أطلق عليها هيرودس فيلبس اسم “يولياس” (
Julias
)، والتي يقول عنها يوسيفوس وبليني إنها كانت تقع شرقي الأردن بالقرب من نقطة دخوله إلى بحر الجليل. ولعل موقعها الآن هو “الدكة” على بعد ميلين شمالي البحيرة. ولكن قد يكون هذا الموقع أقرب مما كان قبلاً، لأن رواسب النهر قد زادت في الجنوب. وتوجد بقايا “مجمع” هنا أيضاً ومعجزتا إشباع الخمسة الآلاف وإشباع الأربعة الآلاف، قد حدثتا في شرقي الأردن. حدثت الأولى في البرية (الجولان) في “موضع خلاء لمدينة تسمى بيت صيدا” (لو 9: 10، انظر أيضاً مرقس 6: 45). وعبارة “يسبقوا إلى العبر إلى بيت صيدا” (مر 6: 45) يمكن ترجمتها –في حدود قواعد اللغة- إلى: “أن يسبقوا إلى الجانب المقابل لبيت صيدا”، لأن التلاميذ لم يكونوا قد وصلوا إلى المدينة، إلا بعد رحلة ثلاثة أو أربعة أميال (يو 6: 17و19) حتى وصلوا إلى كفر ناحوم وجاءوا إلى أرض جنيسارت (مر 6: 53) على بعد نحو خمسة أيمال إلى الجنوب الغربي من الأردن.


 

 

(5) كان المكان الذي حدثت فيه معجزة شفاء المجنون (اللجئون): واندفعت الخنازير إلى البحيرة (مت 8: 32، مرقس 5: 1، لو 8: 26) في كورة الجدريين، والأرجح أنها حدثت عند “كرسا” على الشاطيء الشرقي المقابل لطبرية، حيث يوجد سفح شديد الانحدار نحو الماء. ويجب ملاحظة أن هذه المعجزة حدثت في “العشر المدن” (مرقس 5: 20) التي تقع تسع منها (باستثناء “سكيثوبوليس”) في جنوبي غربي باشان، حيث اكتشف عدد كبير من النقوش اليونانية، يعود بعضها إلى القرن الأول الميلادي، مما يدل على أنه كان بها عدد كبير من اليونانيين في زمن الرب يسوع، وهو ما يبرر وجود “الخنازير” (انظر “كورة بعيدة” في لو 15: 13و15)، لأنه بينما كان محظوراً على العبرانيين تربية هذه الحيوانات النجسة، كان اليونانيون يربون الخنازير منذ زمن “هوميروس” على الأقل.

(6) موقع مجدل: كانت مجدل تقع على الساحل الغربي لبحر الجليل، عند الطرف الجنوبي الغربي لسهل جنيسارت (مت 15: 39)، وذكرت “دلمانوثة” في الفصل المقابل في إنجيل مرقس (8: 10). و “مجدل” كلمة عبرية تعني “البرج” أو “الحصن”، ودلمانوثة” قد تكون المقابل الأرامي بمعنى “مكان المباني العالية”، فليس –إذاً- ثمة تناقض بين القولين. ومن هذا المكان عبر الرب يسوع في السفينة إلى الجانب الآخر، ووصل إلى “بيت صيدا” (مت 16: 5، مرقس 8: 13 و22)، وسار من هناك في وادي الأردن إلى “قيصرية فيلبس” (مت 16: 13، مرقس 8: 27) أو “بانياس” عند منابع الأردن. وقد لا يكون ثمة شك في أن “الجبل العالي منفردين” (مت 17: 1) كان هو جبل “حرمون”، فكلمة “حرمون” نفسها تعني “منفرداً” بالنسبة إلى قمته المنفردة.

(7) والتلميحات الأخرى في الأناجيل المتشابهة: إلى التاريخ الطبيعي والعادات، تشمل الإشارات إلى الطيور الداجنة (مت 23: 37، 26: 34) التي لا تذكر مطلقاً في العهد القديم، فقد جاءت هذه الطيور من فارس بعد 400 ق.م. على الأرجح. واستخدام “الزبل” سماداً” (لو 13: 8) لا يُذكر في العهد القديم، ولكنه يذكر في “المشنا” استخدامه في تبييض القبور سنوياً (انظر مت 23: 27).

ورفع السقف (مر 2: 4، لو 5: 19) لم يكن مشكلة في كفر ناحوم، لو أن بيوتها كانت شبيهة ببيوت الجليل الطينية في العصر الحاضر. وذكر وجود الرعاة “يحرسون حراسات الليل على رعيتهم” (لو 2: 8)، لا يدل على فصل معين من السنة، أما المذود (لو 2: 7)، فلعله كان كهفاً مثل الكهوف التي وجدت في الخرائب في شمالي حبرون وجنوبيها، وفي غير ذلك من الجهات في فلسطين.

(ب) الإنجيل الرابع:

(1) لطبوغرافية الإنجيل الرابع أهمية خاصة لأنها تدل على معرفة الكاتب معرفة دقيقة بفلسطين. فهو يذكر العديد من الأماكن التي لا تذكر في غيره من أسفار العهد الجديد، “فبيت عبرة” أو “بيت العبور” (يو 1: 28، 10: 40) كان “عبر الأردن”، على بعد مسيرة يوم واحد من “قانا الجليل” (يو 1: 29 و35 و43، 2: 1)، التي لعلها كانت في “عين كانا” على بعد كيلواحد إلى الشمال من الناصرة، وكانت على بعد مسيرة يومين أو ثلاثة من بيت عنيا القريبة من أورشليم (يو 10: 40، 11: 3، 6، 17)، وبذلك كانت تقع في الجزء الأعلى من وادي الأردن، حيث وجد رجال المساحة في 1874م مخاضة تُعرف باسم “عبرة” شمالي بيسان في الموقع المنشود. ونقرأ أن يوحنا المعمدان كان يعمِّد في “جميع الكورة المحيطة بالأردن” (مت 3: 5) بما في ذلك” عين نون بقرب ساليم” (يو 3: 23). ولا يوجد سوى مجرى مائي واحد ينطبق عليه هذا الوصف، وهو “وادي فراح” إلى الشمال الشرقي من شكيم على الحدود بين اليهودية والسامرة، حيث توجد “مياه كثيرة” وبذلك تكون عين نون هي عينون “التي تقع على بعد أربعة أميال إلى الشمال. وتقع “ساليم” على بعد أربعة أميال إلى الجنوب من هذا الرافد دائم الجريان من روافد الأردن.

(2) موقع سوخار بالقرب من بئر يعقوب: (يو 4: 5و6): تقع إلى الغرب من ساليم، داخل حدود السامرة. ولا تبعد القرية الحالية سوى نصف ميل إلى الشمال من البئر، ولا تُذكر –مثلها مثل المواقع السابقة- إلا في الإنجيل الرابع، مثل بيت صيدا. كما أن هذا الإنجيل يقدم لنا أوصافاً أكثر عن موقع الجلجثة، ومدينة أفرايم “القريبة من البرية” (11 :54) والتي جاء ذكرها في سفر صموئيل الثاني (13: 23).

(جـ) سفر أعمال الرسل: المكان الوحيد الذي يذكر في سفر أعمال الرسل، ولم يكن قد ذكر من قبل في مدن فلسطين، هو “أنتيباتريس” (أع 23: 31)، وكانت تقع على نهر اليرقون الذي يصب في البحر المتوسط شمالي يافا، وبذلك كانت تقع على منتصف الطريق بين أورشليم وقيصرية على شاطيء البحر. ويسمى الموقع الآن “رأس العين”، وتوجد فيه قلعة من القرن الثاني عشر. وتجري الطريق الرومانية القديمة بالقرب منها. وكانت قيصرية مدينة حديثة بناها هيرودس الكبير حوالي 20 ق.م. وكانت أكبر من أورشليم، ولها ميناء صناعي. وإليها جاء الرسول بولس في 60م.

ولابد أن القاريء قد اكتشف بنفسه صدق وأصالة ودقة المعلومات المدونة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي