قدرة

Puissance

مقدمة

أولاً: قدرة يهوه، إله إسرائيل

ثانياً: قدرة الخالق وقدرة الإنسان المحلوق على صورته

ثالثاً: القوى الشريرة التي تستعبد الإنسان

رابعاً: قدرة المخلص وقدرة عبده

خامساً: قدرة الروح في المؤمنين بالمسيح

 

 

مقدمة

في جميع الأديان، تعتبر القدرة صفة ذاتية في الألوهية ويعبّر الإيمان المسيحي هكذا عن أول حقيقة يقدّمها الكتاب المقدس: ” أؤمن بإله، آب ضابط الكل، خالق السماوات والأرض “. تشير هذه العبارة إلى ثلاثة جوانب من القدرة الكاملة للإله الحقيقي: فهي شاملة لأن الله خلق كل شيء (تكوين 1:1، يوحنا 1: 3)، ثم هي مفعمة بالمحبة، لأنّ الله هو الآب الذي في السماوات (متى 6: 9)، وأخيراً هي خفية إذ بالإيمان وحده، نستطيع أن نميزها في مظاهرها التي كثيراً ما تدهشنا، وأن ننفتح على عملها الخلاصي (1 كورنتس 1: 18، 2 كورنتس 12: 9 10)، وهي تظهر مفعولها في تاريخ الخلاص
.

أولاً: قدرة يهوه، إله إسرائيل

1.
يظهر الله قدرته بتدخلاته في هذا العالم. في الروايات الخاصة بحياة الآباء الأولين، تمارس هذه القدرة بسلطان كامل، فبالنسبة إلى الله لا يوجد أمر عسيراً (تكوين 18: 14). فالله يستطيع في كل مكان أن يحمي مختاريه، ويحقق لصالحهم ما يريد (تكوين 12: 2 -3، 28: 13- 15). وعلى يعقوب أن يتصارع مع هذا الإله القدير، وفي نهاية المصارعة يباركه الله ويطلق عليه المم “إسرائيل” (تكوين 32: 27 -30)، هذا الاسم الذي سيحمله الشعب المختار كأمنية: “ليظهر الله قويّاً” فتقوم قوة إسرائيل في الواقع في طلب عون الله الذي اختاره (مزمور 20: 2 و8- 10، 44: 5- 9، 105: 3 5، 124: 8)، والذي يدعى “عزيز يعقوب”1 تكوين 49: 24، إشعيا 1: 24، 49: 26، 60: 16، مزمور 32، 1: 2). وهذا الإله، بيده القوية (خروج 3: 19) وذراعه المبسوطة (تثنية 4: 34) يحرر شعبه في ملحمة الخروج “، وبهذا الخلاص الذي لا مثيل له، يكشف يهوه، إله إسرائيل، عن ذاته باعتباره القدير الوحيد في السماء وعلى الأرض (تثنية 4: 32- 39
).

إن يهوه هو قائد جيوش إسرائيل، وهو يحارب لشعبه فيأتيه بالنصر. ولعل هذا هو المعنى الأول لاسمه ” صباؤوت ” (مزمور 24: 8-10)، خروج2:15 4، 1 صموئيل 17: 45، 2 صموئيل 5: 10، عاموس 5: 14-15). وبواسطة التابوت يكفل القدير حضوره لشعبه (2 صموئيل 6: 2، مزمور 132: 8
).

2.
يتدخل يهوه أحياناً، بمنح القوة لشعبه (تثنية 8: 17- 18) وقادته، سواء أكانوا قضاة مثل جدعون (قضاة 6: 12- 14) أو ملوكاً مثل داود (2 صموئيل 7: 9، 22: 30- 32، 1 صموئيل 2: 10). وسيعتمد المكابييون على هذه القوة التي تأتي من عند الله، والتي تجعل الإنسان منيعاً في القتال (1 مكابيين 3: 18- 19، 2 مكابيين 8: 18). وفي أحيان أخرى، يتدخَل الله إثر تضرَع شعبه، بحيث لا يبقى للشعب عمل يقوم به (2 ملوك 19: 35: 2 أخبار الأيام 20: 15- 17 و24) ويجتمع النوعان من التدخّل في واقعة جبعون ” في أيام يشوع (يشوع10: 8- 11
).

على كل حال، إنما يهوه هو قوّة الشعب: تسبّحه المزامير في مدائحها (مزمور 114: 1- 2، 28: 87: 46: 2، 68: 34- 36) أو في استغاثاتها (مزمور 29: 11). وتضمن إسرائيل الخلاص، لأنها تعتمد على قوة الله الذي يحبّ إسرائيل (مزمور 59: 17- 18، 86: 15- 17)، والذي “يفعل كل ما يشاء” (مزمور 115: 3، إشعيا 46: 10
).

ثانياً: قدرة الخالق وقدرة الإنسان المحلوق على صورته

1.
وإن كان إله إسرائيل قادراً على كل شيء في السماء وعلى الأرض، فإنما ذلك لأنه هو صنعها (تكوين 2: 4)، وليس عليه بالتالي شيء عسير (إرميا 32: 17)، وهو يتصرف كما يحسن لديه، في عمله (إرميا 27: 5) الذي خلقه “بكلمته وبروح فيه ” (مزمور 33: 6 – 49 تكوين 1). إنه يوفّر للعالم استقراره (مزمور 119: 90)، ويضبط القوى التي تحاول الإخلال بنظامه، مثل البحر الهائج (مزمور 65: 8، 89: 10-11)، ولكن إن كان قد أقرّ هذا النظام (أيوب 28: 25- 26، أمثال 8: 27- 29، سيراخ 3-4)، فهو قادر على تغييره كما يشاء: إنه يجعل الجبال ترقص أو تنصهر (مزمور 114: 4، 144: 5)، يجعل القفر غدير ماء ويجعل الأنهار قفاراً (مزمور 107: 33 -35،إشعيا 50: 2).والأرض كلها ترتعد رعباً عندما ينظر إليها (سيراخ 16: 18 – 29
).

2.
فقدرة الله بالتالي تظهر في خلقه (مزمور 19: 2، 104، حكمة 13: 54 رومة 1: 20). “هي تعمل لصالح المؤمنين بها إيماناً كاملاً. فمثلاً آمن ابراهيم بأن الله الذي يدعو غير الموجود إلى الوجود” قادراً أن يحيي الأموات (رومة 4: 16- 21 عبرانيين 11: 19)، و إذا أعطاه الله أن يكون أباً لذرية لا تحصى من المؤمنين (تكوين 22: 16- 18). وهذا ما نراه أيضاً في حادث يهوديت التي بواسطتها يظهر القدير سيادته على السماء والأرض (يهوديت 9: 12- 14، 16: 1- 17)، لأنها قدمت لإسرائيل مثال الثقة و الخضوع بلا قيد ولا شرط (8: 11- 27، 13: 19
).

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر صموئيل الثانى 20

كيف لا يثق المرء في هذا الشخص الذي لكلامه القدرة على كان شيء (حكمة 18: 15) ويميل بالقلوب كيفما يشاء (أمثال 21: 1) والذي لا يفلت أحد من قبضته (طويا 13: 2، حكمة 11: 17، 16: 15) وتعمل هذه القدرة في منتهى الحكمة في خلق العالم وتدبيره (حكمة 7: 21 و25، 8: 1)، ولكن لا تطلق الخليقة إلا صدى ضعيفاً لهذه الحكمة ” اللانهائية ولرعد جبروتها (أبوب 26: 7- 14)، مع ذلك هذا الصدى كافٍ لكي لا يعثر الصالح، حتى في أعسر محنه بل يسلّم أمره للعلي القدير، في عبادة صامتة (أيوب 38: 1- 42: 6
).

3.
ويصبح المؤمن بالله معاوناً للقدير الذي ليس هو فقط خليقته، ولكن أيضاً صورته (تكوين 1: 26- 28)، وهو يعبر عن ذلك خاصة بسيطرته على الأرض والحيوانات (سيراخ 17: 42). وهو أبعد من أن يخشى قوى الطبيعة التي ينبغي له أن يخضعها. وهذا ما في مقدوره أن يحققه طالما بقي خاضعاً لخالقه بتواضع وثقة. ولكن لما نزع آدم إلى الحرّيّة، فاقترف بذلك الخطيئة الأساسية، وتجاهل سر قدرة الله اللانهائية المفعمة بالمحبة (تكوين 2: 17، 3: 5، رومة 1: 20- 21)، كان من نتيجة ذلك أن فقد سلطته الخاصة على العالم (تكوين 3: 17- 18
).

ثالثاً: القوى الشريرة التي تستعبد الإنسان

يوضح مطلع كتاب التكوين آثار إرادة القوة التي ترفع الإنسان ضد الله. يسخر قايين قوته ليقتل أخاه وينتقم لامك انتقاماً لا حد له (تكوين 4: 8 و23- 24)، ويملأ العنف العالم (6: 11). وخطيئة بابل الجماعية هي من نفس خطيئة آدم: فالبشر يريدون الوصول إلى السماء بقوتهم الشخصية. ويعبّر الله، في تهكم، عن ادّعائهم قائلاً: “والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه” (11: 64). ويقود هذا الادّعاء الإنسان إلى عبودية مزدوجة. فالأقوياء يستعبدون الضعفاء، ويستعبدون أنفسهم لقوى شريرة أي للشياطين
.

1.
فالواقع أن اضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان يحدث بمجرد ما ينسى الأقوياء أن قوتهم تأتيهم من عند الله (رومة 13: 1، 1 بطرس 2: 13، يوحنا 19: 11)، وأن عليهم أن يحترموا في كل إنسان صورة القدير (تكوين 9: 6). فيطمع فرعون، وهو لا يقرّ بسلطان يهوه، في الإبقاء على شعبه على العبودية، وتسخيره لنظم عمل تزداد قساوة (خروج 5- 2 و6- 18). أما الملوك الطغاة الذين يدعون التربع على العرش في السماء والتساوي مع الله، يدعون أيضاَ قهر الأمم (إشعيا 14: 12-14). ويستغل المتكبّرون سلطتهم في ارتكاب أعمال عنيفة، يندد بها الأنبياء قي إسرائيل وعند الوثنيين على حدّ سواء (عاموس 1: 23: 7). وإذا كان يهوه يستخدم الأمم ” الوثنية لمعاقبة شعبه فهذا لا يبرّر عنفهم الجائر (إشعيا 47: 6)، ولا يقل عنهم ذنباً من يمارسون السلطة في إسرائيل ويستغلّونها للضغط على الفقراء الذين يعرضون عن إنصافهم (إشعيا 3: 14- 15، 10: 21، ميخا 3: 9- 11، مزمور 58: 2- 3)، فليذكر كل أرباب القوة ذاك الذي سوف “يفحصهم بقوة “. هو سيد الجميع ويطالب بحب العدل (حكمة 1: 1، 6: 3- 8
) .

2.
فضلاً عن ذلك، إن هؤلاء الذين يجهلون القدير الذي خلقهم يبخلون آلهة مرق صنع أيديهم، لا قدرة لها البتة. ويتسابق الأنبياء “والحكماء” في السخرية، من الأصنام و عجزها (إشعيا 44: 17- 19، إرميا 10: 3- 5، مزمور 115: 4- 7، دانيال: 14: 3- 27، حكمة 13: 10- 19). وإذ يكرم الوثنيون النيَرات والمخلوقات المختلفة إما بصنع صورٍ لها وإما بأعمال سحر وشعوذة، فلم يوسعون لأن يستميلوا نحوهم القوى الطبيعية التي يؤلَهونها ويتجاهلون السيد الرب الذي خلقها (حكمة 13: 1- 8
).

والحال أنه وراء آلهة الأمم الباطلة هذه، تتستّر قوى شيطانية (مزمور 106: 36- 37، تثنية 32: 17، 1 كورنتس 8: 4: 10: 19). وبعد أن يحث الشيطان الإنسان على اقتراف الخطيئة (تكوين 3: 5، حكمة 1: 24)، يسعى أن يكون معبوداً، متخذاً أقنعة مختلفة، مغرياً البشر بواسطة القدرة التي تركها الله له إلى حين (2 تسالونيكي 2: 9، رؤيا 12- 82، راجع متى 4: 8- 9
) .

تعمل قدرته في أولئك الذين يعصون الله (أفسس 2: 2)، فهي قدرة موت، موت، فبمخافة الموت، يستعبد البشر (عبرانيين 2: 14- 15
).

وتجاه الآلهة الباطلة، يأخذ اسم “يهوه صباؤوت” معنى جديداً. الإله الحق هو إله الجنود، أعني جميع قوى الكون: جنود النيّرات (إشعيا 40: 26، مزمور 147: 4)، وجنود الملائكة (مزمور 103: 20- 21، 148: 2، لوقا 2: 13- 14). فهو سوف يتدخّل من أجل تحرير البشر
.

رابعاً: قدرة المخلص وقدرة عبده

1.
كيف يضع القدير حداً للاستعباد الاجتماعي وللاستعباد الروحي، هذا ما يكشفه لنا كتاب الخروج. وهو يروي لا تحريراً يعذ مثالاً لسائر أنواع التحرر الأخرى، ويحافظ الفصح على ذكراه في إسرائيل إلى الأبد (خروج 13: 3)، ويرى بهوه ” في مقاومة فرعون الظالم الفرصة السانحة لكي يظهر قدرته، بوضوح أكبر، أمام كل العالم، بواسطة إنجاز معجزات جديدة (خروج 9: 14- 15). ويستخدم الله لهذه المعجزات في تحرير إسرائيل رجلاً واعياً بضعفه، أكثر الناس تواضعاً” ألا وهو موسى (خروج 4: 10- 13، عدد 12: 3) ويجعل منه نبياً لا مثيل له
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس أ انتقال ل

وبعد ما تحرر الشعب، عاد يقاوم محرره. فينزل الله العقاب على أولئك الذين لم يؤمنوا بقدرته، رغم كل تلك العجائب: إنهم سيموتون في الصحراء، بعد المكوث فيها أربعين سنة (عدد 14: 22). ولكن الله من أجل شفاعة موسى، لا يهلك هذا الشعب المتمرد، خشية أن يشكّ الوثنيون في قدرته (عدد 14: 16) أو على الأقل في مفاعيلها الخلاصية (خروج 32: 12): ولذا يظهرها في صورة العفو عنهم (عدد 14: 17- 19
).

2.
تظل، طرق الله ثابتة على مدىَ التاريخ. ولتحقيق قصده، يستخدم عظماء هذا العالم. فعندما يريد معاقبة شعبه عن طريق السبي يقيم نبوكدنصر عبده (إرميا 25. 9)، وعندما تنتهي المحنة يستلم كورش منه سلطته الشاملة، فيأمر بالعودة إلى صهيون (إشعيا 44: 28 راجع 45: 4، 2 أيام36: 22- 23). هذا الخروج الجديد هو عمل القدير الذي يحدد قوى الراجين فيه (إشعيا 40: 10- 11 و29- 31
).

إن الله بروحه أي القوة الإلهية التي يجعلها الأنبياء نقيضاً لضعف الإنسان الذي هو “بشر” (إشعيا 31: 3، زكريا 4: 6) أو “بكلمته” الفاعلة دائماً (إشعيا 55- 11)، يقوَي الأداة المتواضعة التي اختارها. فنرى داود، الراعي الممتلئ من الروح بفضل المسحة الملكية (1 صموئيل 13:16) يخلَص إسرائيل من جميع أعدائه (2 صموئيل 7: 8-11)، ومن نسله سوف يولد المسيا الذي يدعى “الإله الجبار”، وعليه يستقر روح الله (إشعيا 9: 5- 6، 11: 21)، ويكون الله أباً له (2 صموئيل 7: 14. مزمور 27:89- 29
).

بالرغم من أن إرميا كان ركيك اللسان، يعدو بقوة لا تقهر، الكلام الذي تضعه “يد الله” على فمه (إرميا1: 6- 10 و18- 19). وإن شعب إسرائيل نفسه الذي أفقده السبي رجاءه، فما يبدو، سوف يبعث ثانيةً بروح الله (حزقيال 37: 11- 14). وإذ يخلّص يهوه هذا الشعب المرذول من قبل الأمم والمستعبد من جانب الملوك المتسلطين، وهم مع ذلك، شعبه الخاص وهو عزتهم (إشعيا 49: 3- 7)، يكشف عن ذاته، إزاء الأصنام العاجزة عن الإنقاذ بأنه المخلّص الوحيد والقدير الذي يتعين على جميع الأمم أن تعبده (إشعيا 45: 14- 15 و20- 24
).

3.
إنما الله يريد أن يخلّص جميع الأمم من الخطيئة. هذا القصد الخلاصي يحققه ذراع يهوه بواسطة عبد” عجيب يموت مثقلاً بالألم والازدراء (إشعيا 53)، ولكن من موته، تبعث القدرة الإلهية الحياة والتبرير للكثيرين: إنها قوة بعث، كما أن الموت ” هو ثمرة الخطيئة. فإن الله سوف ينقذ من الموت هؤلاء الذين يحرّرهم من الخطيئة، وسيبعث الأبرار لحياة أبدية. ذلك هو ” الحكماء ” في ظروف يتعين فيها على المؤمنين الحقيقيين أن يموتوا من أجل إيمانهم (دانيال 12: 2- 3
).

ومما يقوّي المضطهدين على الاحتمال هو رجاؤهم في القيامة، بقدرة خالقهم (2 مكابيين 7: 9، 14: 23). في الزمن المحدد، سوف تنقضي سلطة الظالمين. عندئذ سوف يشترك شعب القديسين في ممارسة السلطان الأبدي الذي سيعطى لابن الإنسان الآتي على سحاب السماء (دانيال 7: 12- 14 و18 و28
).

4.
وفي نهاية العهد القديم، يتأمل أحدَ كتبة الحكمة في تاريخ الخلاص، فيصف هكذا القدير الذي يوجّهه. إنه يحبّ كل مما خلقه (حكمة 11: 24- 26)، وهو عادل وكلّه رحمة، فيفسح المجال للتوبة ويتجّه إليها (11: 23، 12: 2 و10- 18)، فهو يحمي الصالحين وسوف يعطيهم الحياة الأبدية، لأنهم في قبضة يده وهو أبوهم (2: 16- 18، 3: 1، 5: 15-16، راجع متى 22: 29- 32). غير أنه يتركهم يموتون في نظر الحمقى، ممتحناً هكذا رجاءهم، حتى يكون إكليلهم جزاء تضحيتهم (حكمة 3: 2- 9
).

خامساً: قدرة الروح في المؤمنين بالمسيح

1.
حقيقة، سيختم العهد الجديد بذبيحة يسوع، يتجلى من خلالها القدير نفسه وبه يكمل عمله. فإن يسوع المسيح هو “الكلمة” القديرة الذي يصبح بشراً في أحشاء عذراء متواضعة (لوقا 1: 27 و48- 49، يوحنا 1: 14، عبرانيين 1: 2- 3). ومجيئه هذا هو من عمل الروح القدس قوّة العليّ الذي ليس لديه شيء عسير (لوقا 1: 35- 37، متى 1: 20). وبصفته ابن الإنسان يمسح يسوع بالروح القدس وبالقدرة (أعمال 10: 38). ويستقرّ عليه الروح الذي يعطى له دون حدود (لوقا 3: 22، يوحنا 1: 32- 34، 3: 34- 35، راجع إشعيا 11: 2، 42: 1، 61: 1). يظهر يسوع قدرته بمعجزات ” تؤيّد رسالته (أعمال 2: 22)، وتثبت ليس فقط أن الله معه (يوحنا 3: 2، 9: 33)، وأنه مرسل من الآب (5: 36)، بل أيضاً أنه حقاً عمانوئيل، أي ” الله معنا” (متى 1: 23
).

هل تبحث عن  شبهات الكتاب المقدس عهد قديم سفر الخروج قسى الله قلب فرعون ن

2.
إلا أنه بدلاً من أن يمارس يسوع قدرته ابتغاء لمجد شخصي، وفق تطلعات مسيانية زمنيّة (متى 4: 3- 7، يوحنا 8: 50)، فهو لا يسعى إلا وراء مجد أبيه وتحقيق مشيئته (يوحنا 5: 30، 17: 4). هذا التواضع ” هو مصدر سلطانه: له سلطان على الخليقة (متى 8: 27، 14: 19-21//)، يشفي المرضى ويحيي الأموات (متى 4: 23//، 9: 25//)، يغفر الخطايا (متى 9: 6- 8//) وبروح الله، يطرد الشياطين (متى 12: 28//) يصرّح بقدرته على بذل الحياة وعلى ارتجاعها (يوحنا 10: 18) أعني على بذل نفسه طوعاً على الصليب وعلى بعثها. وأخيراً، فهو يعلم مجيئه في اليوم الآخر، مارس سلطانه كديّان أعظم (مرقس 13: 26، يوحنا 5: 21- 29) “ترون ابن البشر جالساً عن يمين القدرة، وآتياً على غمام السماء” (متى 26: 64)، يعلم هذا التصريح أمام محفل اليهود في الساعة التي بدت فيها قوّة الظلمات كأنها قد انتصرت (لوقا 22: 53
) .

ولكن كما سبق فقال “متى ارتفع… “، أظهر يسوع من هو (يوحنا 8: 28)، ومما هي قدرته: يخلع أصحاب الرئاسة والسلطة (كولسي 2: 15)، وفي الوقت نفسه ينبذ سيد هذا العالم، ويجذب إليه الناس أجمعين (يوحنا 12: 31- 33). ولهذا يرسل تلاميذه، لكي يشهدوا أن له كل سلطان في السماء والأرض، ولكي يخضعوا جميع الأمم لملكه الروحي بالإيمان والطاعة (متى 28: 18- 20). وفي سبيل توليهم هذه الرسالة، فهو لن يكتفيَ بتأييد كلامهم بالآيات (مرقس 16: 20)، وإنما أيضاً “سيكون معهم طوال الأيام إلى انقضاء الدهر”. سيكون معهم بروحه، هذه القوة العلويّة التي يعدهم بإرسالها (لوقا 24: 49، أعمال 1: 8
).

3.
والروح الذي امتلأ منه الرسل في العنصرة (أعمال 2: 4) هو العطيّة التي يهديها إليهم المسيح القائم من الأموات والتي تعلن قدرته كمخلّص (أعمال 2: 32- 36، 4: 7- 12). بعد ما هدى الرسل القلوب إلى الإيمان بقوة كلمتهم (أعمال 2: 37- 43، 4: 4 و34)، يما رسون سلطانهم في مغفرة الخطايا (يوحنا 20: 21-24) ومع الروح القدس (أعمال 8: 17). ويؤكد انتشار الكنيسة وعد يسوع لتلاميذه: فهم يأتون أعمالاً أعظم من أعماله وينالون من الآب كل ما يطلبونه بابنه (يوحنا 14: 12 14، 16: 23- 24). فالإيمان فعلاً يعطي الصلاة قدرة فائقة (مرقس 9: 23، 10: 27، 11: 22- 24
).

يردَد بول كلام يسوع، عندما يعلّم أن بالإيمان ينفتح الإنسان على قدرة الخلاصة القائمة في الإنجيل (رومة 1: 16). بالإيمان، يستطيع الإنسان أن يصل، إلى “معرفة المسيح وقوة قيامته والشركة في آلامه” (فيلبي 3: 9 – 10). ويخلَص يسوع المؤمنين بدم صليبه: فبالنسبة إليهم هو قدرة الله (1 كورنتس 1: 18 و23- 24) لأن ضعف الله أقوى من الناس، وقوته تعمل في وهن شهوده (1 كورنتس 1 :25، 2 كورنتس 12: 9). وعندما يتقدم هؤلاء إلى الموت من أجل يسوع، تظهر حياة يسوع فيهم (2 كورنتس 4: 10- 12). وقد آمنوا بقدرة الله الذي أقام المسيح (كولسي 2: 12، 2 كورنتس 13: 4)، ويؤيدهم الروح القدس بقوة فائقة (أفسس 3: 16)، جاعلاً من كلامهم “كلمة الله” بكل ما لها من قدرة (1 تسالونيكي 1: 5، 2: 13) وتعمل فيهم عظمة القدرة الإلهية اللامتناهية التي تفوق كل ما قد نسأله أو ما نتصوره (2 كورنتس 4: 7، أفسس1: 19- 21، 3: 20
).

4.
هذه القدرة نفسها تحفظهم للخلاص الذي سوف ينكشف في آخر الأزمة (1 بطرس 1: 5) فيعطي الله المناعة لمن يخشع تحت يده القادرة ولمن يقاوم الشيطان بقوَة الإيمان (1 بطرس 5: 5- 10)، أما رافضو الإيمان فسيقعون فريسة إغراء لمن تأتي قوتهم من الشيطان (2 تسالونيكى 2: 9-12، أعمال 13: 2- 7) وصف يهلكهم الربّ بنسمة من فمه، بوم مجيئه (2 تسالونيكي 2: 8). في ذلك اليوم سيبطل الموت وكل قوة معادية (1 كورنتس 15: 24- 26). وسيقيم الله بقوته أجساد” الذين يحلّ فيهم روحه (1 كورنتس 6: 14، رومة 8: 11)، وسيكون هو الكل في الكل (1 كورنتس 15: 28
) .

وفي الرؤيا يسبّح المختارون الرب الإله، القدير
(pantocrator)
الذي يشاركه الحمل ” عرشه والذي سوف يقيم عالماً جديداً، حيث لا يبقى للبحر وجود وهو رمز الشر والفوضى. (رؤيا 21: 1 و5): “هللويا، لأن الربّ إلهنا القدير قد ملك الملك ” (رؤيا 19: 6): ملك المحبّة لأن هذا القدير هو أبو “ذلك الذي أحبنا وغسلنا بدمه من خطايانا… له المجد والقدرة إلى دهر الدهور آمين ” (رؤيا 1: 5-6
).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي