كاهن – كهنوت

 

الكاهن هو الشخص المعين للقيام بالخدمات الدينية وبخاصة تقديم الذبائح على المذبح والعمل وسيطاً بين الناس والله. والكلمة التي تعبر عن هذه الخدمة في العبرية هي “كَهَنَ” كما في العربية
.

(1)
خدمة الكاهن: كان الكهنوت العبري يشكل أحد المعالم البارزة في الديانة العبرانية في العهد القديم. ويبدو هذا واضحاً ليس فقط من الإشارات الكثيرة إليه، ولكن من محتوى العبادة في العهد القديم وطبقة الكهنة الذين كانوا يمثلون الشعب، وأهمية خدماتهم وعلاقتهم بكل جوانب الحياة
.

لقد كانت النظرة العبرانية للعالم وللحياة في العالم، تسيطر عليها الغيبية، فضرورة توفر علاقات مقبولة مع الله، جعلت لوجود الكهنة وخدمتهم أولوية قصوى. فكان وجود الكهنة أمراً جوهرياً لحفظ علاقة مستمرة لإسرائيل مع الله، فكان الإسرائيلي يرتبط بالله بعهد قومي فريد، وكان هذا العهد يستلزم وجود الكهنوت لأهمية خدمته الشفاعية، وكممثلين للشعب أمام الله، فعمل الكهنة وسطاء بين الله والشعب لحفظ علاقة العهد
.

وكان نجاح هذه الخدمة الكهنوتية، يتوقف بشدة على معنى وروح القيام بها، وبخاصة من جانب الشعب. فالخدمة الكهنوتية بالنسبة لطبيعتها في تمثيل الشعب يمكن أن تنزلق لتصبح مجرد طقوس عقيمة بلا معنى مما يلغي أي دور حقيقي للشعب نفسه، وتتحول الأهمية إلى الطقس ذاته، ويتلاشى المضمون. وهذا ما آل إليه فعلاً –إلى حد بعيد- الكهنوت العبراني. وكثيراً ما رفع الأنبياء –في العهد القديم- أصواتهم ضد ابتعاد الشعب عن الله الذي تكلم إليهم من خلال موسى. وفي زمن العهد الجديد، حدث التعارض الشديد بين تمسك الفريسي الشديد بالطقوس كما كان يراها، والرب يسوع المسيح بتأكيده على المعنى الباطني والتفسير الروحي لكل جوانب الحياة
.

والمضامين الجوهرية للإنجيل، والتي فيها تمت كل رموز العهد القديم في عمل المسيح الفدائي، نجدها ممثلة في الكهنوت اللاوي. فهذا الكهنوت الذي كان بالغ الأهمية في عصور العهد القديم باعتباره وسيلة لإقامة وضمان علاقة وشركة مقبولة مع الله، أصبح في العهد الجديد أساس فهمنا لخدمة الرب يسوع الكفارية والشفاعية
.

(2)
الإشارات إليه في العهد القديم: تتكرر كلمة “كَهَنَ” ومشتقاتها نحو 775 مرة في العهد القديم، كما تتكرر كلمة “لاوي” وهو السبط الذي كان منه الكهنة 280 مرة. ويوجد أكثر من ثلثي هذا العدد من الإشارات إلى الكهنة، في أسفار موسى الخمسة، منها 185 مرة في سفر اللاويين وحده، فهو بحق “سفر الكهنة” أو “سفر الأحبار” (كما يسمى في الترجمة الكاثوليكية). وتتردد الكلمة ومشتقاتها في سفري أخبار الأيام أكثر مما في سفري الملوك، وهو ما نتوقعه من سفري الأخبار اهتمامهما الواضح بالهيكل والعبادة فيه. ولا يتفوق على سفر أخبار الأيام الثاني في ترديد الكلمة ومشتقاتها إلا سفر اللاويين. وقد ذكر الكهنة في كل أسفار العهد القديم فيما عدا أسفار راعوث وأستير وأيوب والجامعة وبعض أسفار الأنبياء الصغار
.

وترد الكلمة ومشتقاتها في العهد الجديد نحو 165 مرة منها نحو 30 مرة “كاهن”، 125 مرة “رئيس كهنة” مما يدل على أهمية رئيس الكهنة في الأناجيل، إذ يكاد يقتصر ذكر “الكهنة” و “رئيس الكهنة” في العهد الجديد على الأناجيل وأعمال الرسل والرسالة إلى العبرانيين، بينما لا يذكر اسم “لاوي” أو “اللاويين” إلا ثلاث مرات فقط في العهد الجديد
.

ولا يقتصر استخدام الكلمة على الكهنة العبرانيين، بل تطلق أيضاً على الكهنة المصريين (تك 41: 45 و50، 46: 20، 47: 26)، والكهنة الفلسطينيين (1صم 6: 2)، وكهنة “داجون” (1صم 5: 5)، وكهنة البعل (2مل 10: 19)، وكهنة “كموش” (إرميا 48: 8)، وكهنة البعليم والسواري (2أخ 34: 5
).

وكلمة “كاهن” وإن كان لا يُعرف مصدرها على وجه اليقين، إلا أن الأرجح أنها مشتقة من كلمة “كُن” بمعنى “يقف” في إشارة إلى “وقوف” الكاهن أمام الله خادماً له أو ممثلاً للشعب أمام الله أو ممثلاً لله أمام الشعب، فهكذا توصف خدمة الكاهن (عد 16: 9، تث 10: 8، 17: 12، 18: 5
).

(3)
الخلفية والتاريخ: قبل أن يقيم موسى كهنة لإسرائيل، يذكر الكتاب المقدس كهنوت ملكي صادق (تك 14: 18), وكهنة المصريين (تك 41: 45، 46: 20، 47: 22 و26)، وكهنة المديانيين (خر 2: 16، 3: 1، 18: 1). وأما الكهنة المذكوريين في خر 19: 22 و 24، فإمَّا أنها إشارة إلى كهنة مديانيين (حمى موسى)، أو أنه كان هناك كهنة في إسرائيل قبل الكهنة اللاويين الذين أقامتهم الشريعة (ارجع أيضاً إلى خر 24: 5
).

أما الخدمة الكهنوتية فكانت موجودة منذ عصر الآباء، وكان يقوم بها رأس العائلة، فقد قام بها نوح (تك 8: 20 و 21). وإبراهيم (تك 12: 8، 13: 4 و18، 22: 1-13)، وأيوب (أي 1: 5)، وغيرهم
.

وبعد تأسيس الكهنوت العبراني، قام آخرون من غير الكهنة –في الأحيان بخدمات كهنوتية، مثل جدعون (قض 6: 24-26)، وأهل بيت شمس (1صم 6: 14 و15)، وصموئيل (1صم 7: 9) الذي كان من نسل قهات لاوي (1أخ 6: 22- 28 و33)، وداود (2صم 6: 13- 17)، وإيليا (1مل 18: 23 و37 و38، وإن كان من المرجح جدَّا أن داود لم يذبح هذه الذبائح ويقدمها بنفسه، بل بيد الكهنة اللاويين الذين لم يكن مسموحاً لغيرهم بهذه الخدمة حسب الشريعة (ارجع إلى 2أخ 26: 16-21
).

(4)
تقديس الكهنة: قام موسى –بأمر من الله- بتركيس هرون وبنيه وناداب وأبيهو وألعازار وإيثامار (خر 28: 1و 41، 29: 9 و29 و30). أما ناداب وأبيهو فقد ماتا عندما “قربا أمام الرب ناراً غريبة لم يأمرهما بها، فخرجت نار من عند الرب وأكلتهما فماتا أمام الرب” (لا 10: 1و2)، وهكذا انحصر الكهنوت في زمن موسى وهرون في نسل ألعازار وإيثامار (عد 3: 4، 1أخ 24: 2
).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر التثنية 19

ولم يكن كل الأشخاص المولودين في عائلة هرون، يصلحون للكهنوت، بل كانت بعض “العيوب الجسمانية –متى وجدت في أي رجل من نسل هرون- تمنعه من القيام بالخدمة الكهنوتية (لا 21: 16- 23). كما أن النجاسة الطقسية كانت تمنع الكاهن –من بني هرون- من القيام بخدمته (لا 21: 1-5
).

وكانت إجراءات تقديس هرون وبنيه على مدى سبعة أيام، بالغة الأهمية وعميقة المعنى (خر 29: 1- 37، لا 8)، فعلاوة على اختيار الله لهم، وتميزهم بالقداسة، فإن إجراءات التكريس توضح خصائص الخدمة الكهنوتية. ومما يستلفت النظر في هذه الإجراءات إلباس الكهنة ثيابهم، وذبائح التكريس وطقوسه. فكانت ثياب هرون المقدسة أكثر تعقيداً من ثياب الكهنة (خر 28: 2-39). فكان لكل الكهنة أقمصة ومناطق وقلانس خاصة، أما هرون فكان يلبس رداء تتصل به صدرة القضاء، وبها اثنا عشر حجراً كريماً، وقد نقش على كل حجر اسم أحد الأسباط الاثنى عشر، وحجرا جزع على الكتفين منقوش عليهما أسماء أسباط بني إسرائيل، على كل حجر منهما ستة أسماء، وعمامة عليها صفيحة من ذهب نقي تربط إلى العمامة بخيط اسمانجوني، ومكتوب عليها: “قدس للرب”. وكانت هذه الأحجار والأسماء المنقوشة عليها تبرز صفة رئيس الكهنة كممثل للشعب أمام الرب، فقد كان رئيس الكهنة يحمل هذه الأسماء “للتذكار أمام الرب دائماً” (خر 28: 12 و29 و30
).

وفي إجراءات التقديس، كان موسى يغسل هرون وبنيه بماء، ويُلبس هرون ثيابه الكهنوتية، ويسكب دهن المسحة على رأسه، ثم يُلبس بنيه الأقمصة، ويمنطقهم بمناطق، ويشد لهم قلانس. ثم يقدم “الثور إلى قدام خيمة الاجتماع، فيضع هرون وبنوه أيديهم على رأس الثور”، ذبيحة الخطية، كما يضعون أيديهم على رأس الكبش –ذبيحةالمحرقة- وهكذا تنتقل قيمة الذبيحة إلى هرون وبنيه، وتُعدُّهم لخدمتهم الكهنوتية
.

وكان يجب تقديم ثور –ذبيحة خطية، وكبش- محرقة، رائحة سرور للرب، وكبش آخر، ذبيحة ملء أو تقديس. وكان يؤخذ من دم الكبش الثاني، ويجعل على شحمة أذن هرون وعلى شحم آذان بنيه اليمنى، وعلى أباهم أيديهم اليمنى، وعلى أباهم أرجلهم اليمنى، وكان يرش دم هذا الكبش الثاني –كبش ذبيحة الملء- على المذبح من كل ناحية، وهكذا يجمع بين الكهنة والمذبح في قطوس التقديس. وكان يؤخذ من الدم الذي على المذبح ويخلط بدهن المسحة، وينضح على هرون وثيابه، وعلى بنيه وثيابهم، فيتقدس هو وثيابه وبنوه وثيابهم (خر 29: 19-21). وكان لك ذلك يتكرر لمدة سبعة أيام لكمال تقديسهم (خر 29: 35-37
).

ولا شك في أن هذا الطقس لتكريس الكاهن العبراني، كان يجعله مفرزاً من الشعب كشخص مقدس اختاره الله، وتكرس لله، ويمثل الشعب أمام الله كما يمثل الله أمام الشعب. وكان الدم على الأذن اليمنى يعني إصغاء الكاهن لصوت الله ليسمعه ويطيعه. والدم الذي على إبهام اليد اليمنى كان يعني تكريس خدمته ككاهن في المقدس، كشخص مقدس يمثل الشعب أمام الله. والدم على إبهام رجله اليمنى كان يعني تكريسه لخدمة الله في المقادس في خيمة الشهادة (وبعد ذلك في الهيكل، حيث لم يكن مسموحاً بالدخول إلا للمكرسين للخدمة)، كما كان يعني أيضاً أن يكون كل سلوك الكاهن مطابقاً لكلمة الله (ارجع إلى أم 28: 6 و18، غل 5: 16). ولا شك في أن كل هذه الطقوس كانت تعني أن تكريس الكاهن كان معناه تكريس كل الإنسان وكل سلوكه، وكل ما يعمل، إذ كان يجب أن يكون رجل الله، الذي يمثل الله أمام الشعب، منفصلاً انفصالاً تاماً عن كل نجاسة وكل خطية (لا 10: 8-11)، كما أنه كان يمثل الشعب أمام الله لتقديم ذبائح مقبولة من أجلهم، وأن يؤدي كل واجباته الكهنوتية حسب وصايا الله عن يد موسى. وهكذا كان الكاهن يعمل كوسيط بين الله والإنسان
.

وكان على رئيس الكهنة والكهنة ألاَّ ينوحوا على ميت بكشف رؤوسهم أوشق ثيابهم (لا 10: 6). وكان
على رئيس الكهنة ألاَّ يأتي إلى نفس ميت، ولا يتنجس لأبيه أو أمه، أو يخرج من المقدس لتشييع جنازة (لا 21: 10-12). ولا يأخذ الأرملة أو المطلقة أو المدنسة أو الزانية، بل يتخذ عذراء من قومه امرأة (لا 21: 13-15
).

(5)
واجبات ثانوية: كان على الكهنة أيضاً أن يقوموا بتعليم الشعب الشريعة (لا 10: 10 و11، تث 33: 10، 2مل 17: 27 و28، 2أخ 15: 3، 17: 7-9، إرميا 18: 18، حز 7: 26، 44: 23، ملا 2: 6 و7)، وهو واجب لم يقوموا به على الدوام كما يجب (مي 3: 11، ملا 2: 8). وكمعلمين كانوا أداة محدودة للإعلان في بعض المجالات مثل الصحة والقضاء، بما في ذلك الحكم على حالات البرص والتمييز بينها وطقوس التطهير منها (لا 13، 14)، وتطهير الرجال والنساء وقطع الأثاث من أي نجاسة سببتها أي إفرازات من أجساد الرجال أو النساء (لا 15)، وإجراء طقوس شريعة الغيرة (عد 5: 11- 21)، وكذلك الحكم في المنازعات وحالات القتل المجهول فاعلها (تث 21: 5)، وبعض القضايا المدنية الأخرى (2أخ 19: 8-11، حز 44: 24
).

(6)
طبقاتهم: كان الكهنوت العبري يتكون من ثلاث طبقات أساسية: الكاهن العظيم أو رئيس الكهنة، والكهنة، واللاويين كمعاونين للكهنة، وبخاصة في حمل الخيمة وكل أمتعتها عند الارتحال في البرية (عد 1: 47-53، 3: 6-9، 18: 1-5، تث 10: 8و 9)، فلم يكن كل اللاويين كهنة، كما يتضح هذا جيداً في حادثة تمرد قورح وداثان وأبيرام الذين أهلكهم الرب عندما تذمروا على موسى، وهرون، وأرادوا أن يشاركوا هرون وبنيه في الكهنوت (عد 16: 1-33). وعقب هذه الحادثة، أعدا الله تأكيد اختياره لهرون وبنيه من بين كل الأسباط ليكهنوا له، عندما أفرخت عصا هرون وأزهرت، وأنضجت لوزاً (عد 17: 1-11). وعلاوة على خدمة اللاويين كحمالين للخيمة وأمتعتها، كان منهم أيضاً بوابون ومغنون وموسيقيون وخزنة (1أخ 6: 31 و32، 9: 19، 16: 4-7، 25: 1-7، 26: 1 و 20، 2أخ 8: 14
).

هل تبحث عن  م الإنسان خبرات فى الحياة احتمال الكرامة ة

(7)
موارد معيشتهم: لم يكن لسبط لاوي قسم ولا نصيب مع باقي الأسباط (تث 10: 9)، ولكنهم كانوا يأخذون بعض الأجزاء من الذبائح والتقدمات والعشور (عد 18: 8-32). وقد أعطيت للاويين 48 مدينة لسكناهم، وكانت مسارحها أي مراعيها لبهائمهم، وكان منها 13 مدينة
 
ومسارحها لبني هرون (عد 35: 1-8، يش 21: 4 و13-19). وفي عصر الملكية كان لبعض الكهنة حقول خاصة (1مل 2: 26، إرميا 32: 6-8، عا 7: 17)، وبعد العودة من السبي كان للكهنة أملاك خاصة في أورشليم وما حولها (نح 11: 3 و10-23 و26). وكان للكهنة أيضاً باكورات ثمار الأرض، وباكورات الحيوانات الطاهرة، وفضة الفداء عن أبكار بني إسرائيل، وأبكار الحيوانات غير الطاهرة (خر 13: 12 و13، عد 18: 12-19)، وكان الكهنة يأخذون المرفوع كل يوم سبت من خبز الوجوه (لا 24: 5-9)، ومعظم تقدمات الدقيق (لا 2: 3-10، 6: 16، 7: 9-14، 10: 12 و13، عد 18: 9)، ومعظم ذبائح الخطية (لا 5: 13، 6: 26، عد 18: 9)، وصدور وأفخاذ ذبائح السلامة (خر 29: 26- 28، لا 7: 30-34، 10: 14 و15)، ومعظم ذبائح الإثم (لا 7: 1-8)، وعشر العشور التي يأخذها بنو لاوي من كل الشعب (عد 18: 26-28
).

(8)
فشل الكهنوت اللاوي: لم يسر تاريخ الكهنوت اللاوي كما أمر به الرب على يد موسى، ويتضح لنا ذلك مما جاء في سفري القضاة وصموئيل كما من التاريخ اللاحق أيضاً مما جعل بعض النقاد يفترضون أن موسى لم يضع نظاماً محدداً له، وهو افتراض بعيد عن الحق واستنتاج غير سليم، فالعهد القديم يزخر بنقد الكهنة لانحرافهم عن الدور المرسوم لهم حسب كلمة الله
.

فنقرأ مثلاً في سفر القضاة أن رجلاً من جبل أفرايم اسمه ميخا أقام واحداً من بنيه كاهناً لبيته (قض 17: 5)، إلى أن ظهر غلام لاوي فأقامه عوضاً عن ابنه مع أن هذا الغلام اللاوي لم يكن من نسل هرون. ثم أصبح هذا الغلام اللاوي، وكان اسمه يهوناثان، هو وبنوه كهنة لسبط دان (قض 17: 1-13، 18: 27-31
).

ويظن البعض أن صموئيل بناء على ما ذكر عنه في 1صم 1: 1 كان أفرايمياً أي أنه لم يكن من سبط لاوي، ولكن بالرجوع إلى 1أخ 6: 16-28، نعلم أنه كان لاوياً، فإن أباه ألقانة كان لاوياً مقيماً في جبل أفرايم عندما ولد صموئيل
.

وعند انفصال المملكة الشمالية (إسرائيل) عن يهوذا، أقام يربعام بن ناباط “كهنة من أطراف الشعب، لم يكونوا من بني لاوي”(1مل 12: 31، 13: 33)، بل إن يربعام نفسه صعد على المذبح لكي يوقد” (1مل 12: 33)، أي أنه جعل من نفسه كاهناً
.

ونقرأ في سفر الملوك الثاني (16: 10-16) كيف أن أوريا الكاهن بنى مذبحاً حسب كل ما أرسل به الملك آحاز من دمشق.. فتقدم الملك إلى المذبح وأصعد عليه، وأوقد محرقته وتقدمته وسكب سكيبه ورش دم ذبيحة السلامة التي له على المذبح. ومذبح النحاس الذي أمام الرب قدمه من أمام البيت.. وجعله على جانب المذبح الشمالي”، وهو ما عاقب الرب لأجله آحاز ويهوذا (إش 7: 17-25) كما حاول عزيا الملك أن يوقد على مذبح البخور فضربه الرب بالبرص (2أخ 26: 16-20
).

وفي أيام حزقيا الملك ساعد اللاويون إخوتهم الكهنة في ذبح وسلخ المحرقات (2أخ 29: 34)، وكذلك في أيام يوشيا الملك (2أخ 35: 11-14، انظر أيضاً عز 6: 19 و20
).

ولفشل أولاد عالي الكاهن في القيام بخدمتهم بأمانة، تنبأ رجل الله لعالي بزوال الكهنوت من بيته (1صم 2: 27-36)، وهو ما تم عندما ملك سليمان، وكان أبياثار الكاهن (من نسل عالي) قد انضم إلى أدونيا في محاولته الاستيلاء على عرش داود. وكان صادوق الكاهن هو الذي مسح سليمان ملكاً بأمر داود، فطرد سليمان أبياثار من الكهنوت ونفاه إلى عناثوث، وأصبح الكهنوت منذ ذلك الوقت في نسل صادوق الذي كان من نسل ألعازار بن هرون (1أخ 6: 8و 53، 24: 3، 27: 17- يمكن الرجوع إلى “صادوق

(9)
أهمية الكهنوت: يبدو أن العلاقة النسبية بين الكاهن العظيم (رئيس الكهنة) والكهنة واللاويين لم تكن ثابتة على مدى تاريخ بني إسرائيل. والواضح في أسفار الخروج واللاويين والعدد أن العلاقة بين هرون وبنيه كانت محددة، فكان هرون هو الكاهن الأعظم، وقد أُعطي اللاويون لهرون وبنيه الكهنة ليكونوا مساعدين لهم في أعمال محددة (عد 1: 50، 3: 28 و32، 8: 15، 31: 30 و 47 مع 1أخ 23: 25-32)، ونقرأ في سفر التثنية عن “الكهنة اللاويين” أو “الكهنة بنييلاوي” (تث 17: 9 و18، 18: 1، 21: 5، 24: 8، 27: 9، 31: 9)، وهي ليست خلطاً بين الكهنة واللاويين بعامة، بل إعلاناً لحقيقة أن الكهنة كانوا من سبط لاوي، وليس أن اللاويين كلهم كانوا كهنة
.

وفي بركة موسى الأخيرة للأسباط قال للاوي: “تميمك وأوريمك لرجلك الصديق الذي جربته في مسة وخاصمته عند ماء مريبة.. حفظوا كلامك وصانوا عهدك. يعلمون يعقوب أحكامك، وإسرائيل ناموسك. يضعون بخوراً في أنفك، ومحرقات على مذابحك” (تث 33: 8-10). وهو لا يعني أن “التميم والأوريم” كانا مسئولية كل سبط لاوي، لأننا نعلم أنهما كانا مسئولية رئيس الكهنة فقط (خر 28: 30)، فيستخدم موسى اسم لاوي، لأن رئيس الكهنة ومن بعده جاء أبناؤه، من سبط لاوي
.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ش شِيت ت

وكان للكهنوت المكانة العظمى في النظام الثيوقراطي، مع أن موسى –وليس هرون- ظل هو القائد الأعلى طيلة أيام حياته، وخلفه في ذلك يشوع وسائر القضاة. وفي فترة الانتقال في عهد عالي وصموئيل، حدث نوع من الاندماج بين السلطتين، ولكن بدون أمر إلهي. ثم جاءت الملكية، فأصبح رئيس الكهنة يشغل المرتبة الثانية بعد الملك. وفي عهد بعض الملوك، فاقت مكانة النبي مكانة الكاهن. وقد تعاظمت مكانة الكهنوت في زمن حزقيال النبي، وذلك لأن الكهنة “أبناء صادوق” ظلوا أمناء للرب” حين ضل عنه بنو إسرائيل” (خر 44: 10-16
).

وبعد العودة من السبي البابلي في أيام النبيين حجي وزكريا، يبدو أن مركز الحاكم ومركز رئيس الكهنة أصبحا على قدم المساواة في الأهمية، إذ “كانت كلمة الرب عن يد حجي النبي إلى زربابل بن شألتيئيل وإلى يهوذا، وإلى يهوشع بن يهوصاداق الكاهن العظيم” (حج 1: 1 و12 و14، 2: 4، انظر أيضاً زك 3، 4
).

وفي عصر ما بين العهدين أصبح الحاكم ورئيس الكهنة شخصاً واحداً، وذلك بسيادة رئيس الكهنة في عهد الأشمونيين وما بعدهم. وبعد عصر المكابيين، انتقلت السلطة العليا إلى الولاة الرومانيين، ولكن ظلت لرئيس الكهنة السلطة العليا في الشئون الدينية، ولم تعد وظيفة رئيس الكهنة وظيفة لمدى الحياة كما كانت من قبل، إذ كان للولاة الرومانيين حق خلع رئيس الكهنة، وتعيين غيره، ولذلك كان في زمن العهد الجديد أكثر من واحد يحملون لقب رئيس كهنة (انظر مت 26: 3 و57 و65 مع يو 18: 13 و24). وبتدمير أورشليم والهيكل في 70 م. على يد تيطس الروماني انتهى الكهنوت العبري واختفى من التاريخ
.

(10)
كهنوت المسيح والمؤمنين في العهد الجديد: نجد العلاقة بين الكهنوت في العهد القديم، والكهنوت في العهد الجديد، مبنية بوضوح في الرسالة إلى العبرانيين، حيث نقرأ أن كهنوت هرون وخلفائه لم يكن به كمال (عب 7: 11 و23)، ولم “يقدر أبداً بنفس الذبائح كل سنة، التي يقدمونها على الدوام أن يكمل الذين يتقدمون.. تلك الذبائح التي لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية” (عب 10: 1 و 11). بل لم يكن كهنوت هرون –لذلك- هو الرمز لكهنوت الرب يسوع المسيح في عمله كرئيس كهنة، بل كان الرمز هو ملكي صادق لمركزه كملك وكاهن، ولأن الكتاب المقدس لم يسجل له بداية أيام ولا نهاية حياة، بل هو “مشبه بابن الله، هذا يبقى كاهناً إلى الأبد.. له كهنوت لا يزول. فمن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم.. ابناً مكملاً إلى الأبد” (عب 5: 1-10، 7: 1-28
).

ومع ذلك كان كهنوت هرون ونظام الذبائح –في بعض النواحي- رمزاً لعمل المسيح الفدائي “فبعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة، جلس إلى الأبد عن يمين الله” (عب 10: 12)، فلم تعد هناك حاجة لكهنوت هرون ولا للذبائح الحيوانية، لأن المسيح قد أكمل
عمل الخلاص كرئيس الكهنة “المكمل إلى الأبد” (عب 7: 28
).

فكل مضامين كهنوت هرون قد تمت في المسيح كما جاء في الرسالة إلى العبرانيين، فهو: (1) رئيس كهنة عظيم (عب 4: 14). (2) مختار من الله (عب 5: 4). (3) شارك البشر في صورة اللحم والدم، كما كان “رئيس الكهنة مأخوذاً من الناس ولأجل الناس في ما لله” (عب 2: 14، 5: 1). (4) “رئيس كهنة قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السموات (عب 7: 26). (5) مقام من الله إلى الأبد (عب 7: 28). (6) قدم نفسه ذبيحة (عب 7: 27، 8: 3، مع 9: 12-14). (7) خادم للأقداس الحقيقية (عب 8: 2، 9: 6 و 7 و11). (8) كان الكاهن يخدم تحت عهد، والمسيح جاء وسيطاً “لعهد أعظم قد تثبت على مواعيد أفضل” (عب 8: 6
).

كانت الأمة في العهد القديم “مملكة كهنة، أمة مقدسة” (خر 19: 5، لا 11: 44 و45، عد 15: 40). ولكن هذا لم يتحقق في كل الشعب، بل في الكهنة الأمناء الذين كانوا يمثلون الشعب، وكانوا يخدمون وهم مطهرون طقسياً. وفي العهد الجديد تم كل هذا بصورة أكمل في شخص المسيح وعمله. والكنيسة الآن هي “كهنوت ملوكي، أمة مقدسة” (1بط 2: 5 و9، رؤ 1: 6، 5: 10، 20: 6)، وهذه القداسة ليست قداسة طقسية، لأن المؤمنين الآن “مقدسون في المسيح يسوع”، “ومدعوون قديسيين” (1كو 1: 2)، وينمون في القداسة لأن الروح القدس يسكن فيهم (رو 8: 9-11). فجميع المؤمنين هم كهنة لتقديم “ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح” (1بط 2: 5- انظر أيضاً عب 13: 15 و 16، رو 12: 1). ولأن جميع المؤمنين بالمسيح هم كهنة، ورئيس الكهنة العظيم، الرب يسوع المسيح ابن الله، جالس الآن “في يمين العظمة في الأعالي” فيستطيع كل مؤمن أن “يتقدم بثقة إلى عرش النعمة” (عب 4: 14- 16، انظر أيضاً أف 2: 18، 3: 12). وكما كان الكهنة يغتسلون في المرحضة قبل التقدم للخدمة في القدس، هكذا يُطلب منا أن “نتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان، مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي” (عب 10: 19- 22 مع خر 29: 4، لا 16: 4
).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي