لاودكية

 

مدينة في آسيا الصغرى في وادي نهر ليكوس أحد روافد نهر مياندر ، في ولاية فريجية . وكان مدخل المدينة الغربي يسمى بوابة أفسس ، والمدخل الشرقي كان يسمى البوابة السورية التي كان يمر بها الطريق الرئيسي إلى أنطاكية وغيرها من بلاد النهرين . وكانت فيها إحدى الكنائس السبع التي أمر الرب يوحنا الرائي أن يكتب إليها ( رؤ 1 : 11 ) . وتمييزاً لها عن غيرها من المدن العديدة التي أطلق عليها اسم “لاودكية” ، كانت تسمى “لاودكية وادي ليكوس” ، وقد أسسها الملك أنطيوكس الثاني ( 261 – 246 ق. م. ) ملك سورية وأطلق عليها اسم زوجته “لاودوكي” ، وأسكن فيها جماعة من السوريين ومن اليهود الذين جاء بهم من بابل إلى مدن فريجية وليديا . ومع أن “لاودكية” كانت تقع على الطريق الرئيسي ، وفي نقطة التقاء العديد من الطرق الهامة . إلا أنها ظلت قليلة الأهمية ، إلى أن تكونت ولاية آسيا الرومانية في 190 ق. م. فنهضت فجأة وأصبحت مركزاً صناعياً وتجارياً، وبخاصة في تصدير صوف أغنامها السوداء التي اشتهرت بها ، وبما كانت تصنعه منه من ثياب . كما اشتهرت “بمسحوق فريجية” الذي كان يستخدم علاجاً لأمراض العيون ( ارجع إلى رؤ 3 : 18 ) . وكان بالقرب منها معبد شهير “لمن كارو
” ( Men Karow )
، ومدرسة شهيرة للطب ، نقشت أسماء الكثيرين من أساتذتها على نقود المدينة . وفي 60م حدث زلزال عنيف دمر المدينة تدميراً يكاد يكون كاملاً ، ولكنها كانت من الثراء حتى إن مواطنيها رفضوا المساعدة الكبيرة التي عرضتها عليهم روما ، وقدمتها فعلاً لغيرها من المدن التي ضربها الزلزال ، وقام أغنياؤها بإعادة بنائها على نفقتهم ( ارجع إلى رؤ 3 : 17 ) فقد كانت مدينة واسعة الثراء ، حتى إن شخصاً واحداً اسمه “نيكستراتس
” ) ( Nicostratus )
قام في 79م بإنشاء ملعب كبير على نفقته الخاصة تكريماً لتيطس بمناسبة توليه عرش الامبراطورية
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس الكنيسة القبطية عهد جديد سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى 07

وقد مر بها شيشرون في 51 ق. م. في طريقه لتولي حكم كيليكية ، وصرف فيها مبلغاً كبيراً من أحد البنوك مما يدل على أنها كانت قد أصبحت مركزاً مالياً هاماً . ولعل هذا ما جعل الرب يقول في رسالته إليها : “لأنك تقول إني غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء ، ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان . أشير عليك أن تشتري مني ذهباً مصفى بالنار لكي تستغنى ، وثياباً بيضاً لكي تلبس فلا يظهر خزى عريتك . وكحل عينيك بكحل لكي تبصر” ( رؤ 3 : 17 و 18
).

ولم تكن لاودكية مدينة محصنة طبيعياً ، فكانت تقوم على ربوة قليلة الارتفاع ، تحيط بها الحصون السلوقية . كما كانت هناك نقطة ضعف شديدة في لاودكية ، وهي أنها كانت تستقي مياهها عن طريق قناة معرضة للهجوم ، تأتي بالمياه من ينابيع حارة تبعد عن المدينة بمسافة نحو ستة أميال إلى الشمال في اتجاه هيرابوليس ، ويمكن رؤية بقايا تلك القناة حتى اليوم . وقد ضاقت القناة جداً بالرواسب الكثيفة من كربونات الكالسيوم . وموقع مثل هذا لم يكن يمكنه الثبات في وجه حصار طويل . وكانت المياه الحارة تصل إلى المدينة فاترة ، أبرد من أن تصلح للحمامات ، وأدفأ من أن تصلح للشرب . ولعل من هنا جاء القول : “ليتك كنت بارداً أو حاراً . هكذا لأنك فاتر ولست بارداً ولا حاراً ، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي

(
رؤ 3 : 15 و 16
).

وللثراء والازدهار والنجاح – عادة – تأثيره الضار على المجتمعات ، وقد تسللت هذه الروح إلى المجتمع المسيحي في المدينة . ولو أن أرخبس الكولوسي قد خدم هناك ، فإننا نجد في ذلك سبب توجيه الرسول بولس إليه هذه العبارة الرقيقة : “قولوا لآرخبس ، انظر إلى الخدمة التي قبلتها في الرب لكي تتممها” ( كو 4 : 17 ) ، وكان ذلك قبل أن يوجه الرب الرسالة إلى “ملاك كنيسة اللاودوكيين” ( رؤ 3 : 14-22 ) بنحو جيل كامل ، حين كانت الكنيسة قد فقدت قوتها وحرارتها ، فلعل المدينة التي كانت تقع في مفرق عدة طرق هامة ، كانت قد تعلمت في مدرسة التاريخ ، فن مجاراة الأحوال ، حتى أصبحت “لا باردة ولا حارة” ، ومنها تسربت هذه الروح إلى الكنيسة ، ولهذا جاءها هذا التحذير الخطير من الرب

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر العدد 11

(
رؤ 3 : 15 و 16
).

ويبدأ الرب خطابه إلى ملاك كنيسة اللاودوكيين ، بالقول : “هذا يقوله الآمين ، الشاهد الأمين الصادق” ( رؤ 3 : 14 ) ، وهي كلمات تشير إلى مسئولية الشهادة ، التي

قد أهملتها الجماعة المكتفية بذاتها . ثم إنه “بداءة خليقة الله” ، وهي كلمات تذكر الأعضاء القدامى في كنيسة اللاودوكيين بكلمات سبق أن كتبها الرسول بولس في رسالته إلى الكنيسة في كولوسي ، والتي طلب هو نفسه أن تُقرأ في الكنيسة في لاودكية ( كو 4 : 16 ) . وفي الأصحاح الأول منها ، تكلم الرسول بولس عن رفعة وسمو المسيح . ولم يكن يفوت أي شخص في الكنيسة في لاودكية إدراك العلاقة بين الرسالتين ، وكيف أن الله يدعوهم لاستعادة غيرتهم وتكريسهم ، بالرسالة التي أرسلها إليهم من بطمس . لقد كانوا أناس أعمال ماهرين في المهن والحرف ، ولكن ما كان ينقصهم هو أن يصلحوا أمورهم مع الرب ، وأن يفتحوا عيونهم جيداً ليدركوا أن الثروات التجارية ، التي كانوا يتباهون بها ، كانت نفاية ، وأن يعرفوه هو الذي منه يستطيعون الحصول على الذهب الخالص ، والثياب التي تستر عريهم ، والغنى الحقيقي الذي يبقى إلى الأبد
.

ولا نعرف سوى القليل عن كيف دخلت المسيحية إلى لاودكية ، ولكن يبدو أن أول من كرز فيها هم تيموثاوس ومرقس وأبفراس ( كو 1 : 7 ) . على أي حال لقد أصبحت لاودكية مقر الأسقفية في فريجية ، وقد استشهد أسقفها “ساجاريس
” ( Sagaris )
في 166م . واستولى عليها السلاجقة في 1119م ، ثم استردها يوحنا كومنينوس
( Comnenus ) .
وفي القرن الثالث عشر سقطت في يد الأتراك العثمانيين . وتسمى أطلالها الآن “أسكي شهر” أي “القلعة القديمة” ، وتقع بالقرب من مدينة كونجيلي على خط السكة الحديدية . وكثيراً ما استخدمت أحجارها للبناء في مدينة “دنزلي” . وما زال يوجد بها بقايا المسرح الروماني ، والملعب ، وبعض الأعمدة ، وبقايا القناة التي كانت تنقل إليها المياه بطريقة “السيفون المقلوب” من أنابيب حجرية ، ومقبرة كبيرة ، وبقايا ثلاث كنائس مسيحية من العصور الأولى
.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كتاب الحياة عهد قديم سفر ميخا 05

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي