مدينة صور الفينيقية

 

اسم سامي معناه ” صخر ” وهو اسم صور المدينة الفينيقية والميناء الشهير على الساحل الشرقي للبحر المتوسط ، وعلى بعد نحو 40 كيلو متراً إلى الجنوب من صيدون ، ونحو خمسة وأربعين كيلو متراً إلى الشمال من عكا ، وتسمى ” صور ” في العبرية و ” صورو ” في الإشورية و ” دارو ” في النقوش المصرية، و ” تيروس ” في اليونانية ومنها جاء اسم في الأنجليزية
Tyre
، وكانت ” صور ” تتكون من جزءين : أحدهما على جزيرة والآخر على الشاطئ مقابلها ، لعله هو المسمى ” يوصو ” في النقوش الإشورية

وكانت المدينة تستمد مياهها من نهر الليطاني

وكانت تسيطر على السهل المجاور لها في الشمال حيث كانت تقع صرفة صيدا
.

ويقول هيرودوت إن ” صور ” تأسست نحو 2700 ق . م . ويرد ذكرها في نقوش مصرية ترجع إلى نحو 1850 ق . م . وفي شعر كنعانى من رأس شمرا ( أوغاريت ) وكانت لها في تلك العصور القديمة تجارة واسعة في مصر، مما دفع المصريين في أيام تحتمس الثالث ( الأسرة الثامنة عشر ) إلى الاستيلاء على الساحل الفينيقي ، وفي أيام تل العمارنة ، ظل حاكم صور ” ابيملكي” والياً لمصر ، وكتب لأمنوحتب الرابع ( اخناتون ) يستنجد به ضد ” أزيرو ” ملك صيدون الأموري . وعندما غزا الفلسطينيون صيدون في نحو 1200 ق . م . هرب الكثيرون من سكانها إلى صور ، لذلك يدعوها إشعياء النبي ” بنت صيدون ” ( إش 23 : 12
). 
وفي أواخر الألف الثانية قبل الميلاد كانت صور ” مدينة محصنة ” أعطيت لسبط أشير ( يش 19 : 29 ) ، وظلت على هذه الشهرة زمناً طويلاً ( 2 صم 24 : 7
) .

وعندما ارتخت قبضة مصر على تلك المناطق – عقب ثورة اخناتون الدينية – استقلت صور ، وأصبح لحكامها السيادة على غالبية مدن ساحل فينيقية وما وراءها من مدن لبنأن ، وكان حيرام الأول ملك صور صديقاً لداود الملك ، وأرسل إليه الكثير من العمال والمواد لبناء القصر الملكي لداود في أورشليم ( 2 صم 5 : 11 ، 1 مل 5 : 1 ، 1 أخ 14 : 1 ) . وواصل هذه السياسة مع سليمأن ، فأرسل إليه خشب أرز وخشب سرو لبناء الهيكل ( 1 مل 5 : 1 – 12 ، 2 أخ 2 : 3 – 16 ) ، وأعطاه سليمان في مقابل ذلك طعاماً ، كما أعطاه عشرين مدينة في أرض الجليل ( 1 مل 9 : 10 – 14
) .

وقد ساعد العمال الصوريون – بما فيهم حورام الصانع الماهر – سليمان في مشروعاته المختلفة ، وبخاصة في بناء الهيكل وغيره
.

وقام حيرام ملك صور بربط الجزيرة بالميناء على الساحل الرئيسي بجسر صناعي ، كما بنى معبداً للمعبودين ملكارت وعشتاروت ، وبناء على سياسته في توسيع اتصالاته التجارية ، أرسل عبيده النواتي العارفين بالبحر ، للعمل مع عبيد سليمان على سفنه في ميناء عصيون جابر ، التي كانت تبحر في البحر الأحمر إلى سواحل أفريقية الشرقية ، وربما إلى الهند أيضاً ( 1 مل 9 : 27 و 28
) .

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر القضاة 20

وبحكم حيرام لصور بدأ ما يسمى ” بعصرها الذهبي ” وأصبح رجال صور رؤساء التجَّار وسادة البحار ( إش 23 : 8 ، حز 26 : 17 ، 27 : 32 ) . وكانوا يتجرون في الزجاج الذي كانت صور أهم مراكز صناعته ، وكذلك في الأرجوان والقرمز اللذين اشتهرت بهما . كما أبحرت سفن صور إلى الغرب وأسست مستعمرات لها مثل قادش في أسبانيا ، وقرطاجنة في شمالي افريقية ، ووصلوا بتجارتهم إلى أبعد مما وصلت صيدون في أوج مجدها ، فمخروا عباب الأطلنطي حتى وصلوا سواحل بريطأنيا وغربي أفريقية
.

وقد خلف حيرام ” بعل آزر ” ثم ” عبد عشتاروت ” الذي قتله إخوته ، وملك أكبرهم ” ميثوس عشتاروت ” عوضاً عنه ، ثم خلفه ” عشتارتوس، ” ثم ” عشتارموس ” الذي قتله أخوه فيلبس ( في نحو 897 ق . م . ) ، فخلفه رئيس الكهنة ” إيثعل ” مما يدل على ما ساد تلك الفترة من اضطرابات. وقد تحالف ” إيثبعل ” مع آخاب ملك إسرائيل وأعطاه ابنته ايزابل زوجة ( 1 مل 16 : 31 ) وبها دخلت عبادة البعل إلى إسرائيل وكان إيثبعل معاصراً أيضاً لبنهدد الأول ملك أرام ، وقد ملك ايثبعل 32 سنة . ولعل نجاحه في ثورته ضد فيلبس ، يعزى إلى غزوه أشور ناصربال الثاني ملك إشور ، الذي فرض الجزية على صور

وتلقت صور لطمة أخرى في 841 ق . م . عندما فرض شلمنأسر الثالث ملك أشور – في السنة الثامنة عشر من ملكه – جزية ثقيلة على ” بعليمنصر ” ملك صور الذي خلف ايثبعل ، في نفس الوقت الذي قدم فيه ياهو ملك إسرائيل ، فروض الولاء لملك أشور عند نهر الكلب
.

ثم خلفه ” متان ” الذي أعطى ابنته ” إليشا ” زوجة لعمها ” سيكارباس ” ، ونقل الحكم إليهما ، ولكن الشعب ثار في وجهيهما وأجلس على العرش بيحماليون بن متان ،وأعدموا سيكارباس ، وهربت إليشا مع فريق من النبلاء بحراً إلى أفريقية حيث أسسوا مدينة قرطاجنة في نحو 825 ق . م
.

واستمر الضغط الإشوري على صور التي دفعت الجزية ” لهددنيراري ” الثالث في 803 ق . م . الذي يذكر في نقوشه أن قائد جيشه أخذ 150 وزنة من الذهب من ” متان الثأني ” ملك صور ، وبخضوع صور سلمياً لأشور استطاعت أن تحتفظ بنوع من الاستقلال الذاتي ، وتواصل ازدهارها وتجارتها كما نفهم مما كتبه إشعياء النبي بعد ذلك بنحو قرن من الزمان ( إش 23 : 8
) .

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ذ ذبيحة الصباح ح

ويقول يوسيفوس إن شلمنأسر الخامس حاصر صور في 724 ق . م . وسقطت المدينة مع السامرة في يد سرجون الثاني في 722 ق . م . ولكن كانت مصر – التي استنجد بها الصوريون – سبب متاعب كثيرة مما جعل أنبياء إسرائيل ينذرون صور وصيدون بالويل ( يؤ 3 : 5 و 6 ) لأنهم باعوا بني يهوذا عبيدا لليونانيين . ثم وقعت صور تحت سيطرة صيدون , وعندما اقترب إليها سنحاريب هرب حاكمها “اليولايوس ” ومات بعيداً عن وطنه ، ولكن هروبه أنقذ المدينة من النهب ، لأن الإشوريون ولو أمرها أحد من أتباعهم المسمى ” توبعلو ” ( ايثبعل الثالث ) في 701 ق . م
.

 

وفي نحو 677 ق . م قتل آسرحدون ملك أشور عبد مكليتيَّ ملك صيدون ، وأقام مكانه ” بعلي ” الأول على العرش بعد أن قيده بمعاهدة مع أشور ، ولكن صور – بتأييد من مصر – عصت على آسرحدون ، فحاصر المدينة ، ولكن ” بعلي ” أنقذ المدينة بخضوعه لأشور بغير قتال . وعندما تمرد مرة أخرى في 644 ق . م . سقطت المدينة في يد أشور

بانيبال الذي أقام “أزي بعل ” ملكاً عليها ، وأخذ أخواته والكثيرين من رجال بلاطه رهائن إلي نينوي
.

وعندما بدأ نجم أشور في الأفول (حوالي 636-627 ق.م ) ، وفي نهاية حكم أشور بانيبال ، استردت صور حكمها الذاتي والكثير من تجارتها البحرية ، ولكن إرميا النبي تنبأ بخضوعها للبابليين ( إرميا 25: 22، 27: 1-11) وكذلك حزقيال النبي (26: 1-28، 29: 18-20) ثم زكريا النبي (9: 2-4) . وقد حاصر نبوخذ نصر الثاني صور لمدة ثلاثة عشرة سنة وكاد يدمرها تماماً ، (حوالي 587- 574 ق.م -كما يقول يوسيفوس – انظر حزقيال 29: 18-20) فتحقتت المرحلة الأولي من نبوة حزقيال (26: 3-21) . ولكن “بعلي ” الثاني اعترف بسيادة بابل ، وظلت المدينة لمدة عشر سنوات يحكمها ولاة من قبل البابليين . ولكن عندما دالت الدولة البابلية ، استطاعت صور أن تستعيد استقلالها مدة قصيرة ، ثم خضعت للفرس في 525 ق.م .وظلت هكذا طيلة عهد الامبراطورية الفارسية ، ولكن هذا لم يقلل من نشاطها التجاري
.

وعندما زحف الإسكندر الأكبر علي فينيقية ، خضعت له كل مدنها بدون مقاومة ، لكن صور أبت أن تفتح له أبوابها ، فحاصرها ، لمدة سبعة شهور ، ولم يكن لديه أسطول ، فاضطر لبناء جسر من الساحل إلي الجزيرة ، ولكن قبل أن ينتهي منه دمَّره الصوريون، وطردوا المهاجمين ، فكان علي الأسكندر أن يعيد بناء الجسر ، وإذ اقتنع بأنه لن يستطيع الاستيلاء علي الجزيرة بدون معاونة بحرية ، جمع سفناً من المدن الفينيقية التي خضعت له . وبهذه السفن استطاع ان يغلق اليناء ، وأن يمنع المحاصرين من الخروج منها لتدمير الجسر الجديد الذي أمكن توصيله أخيراً حتي سور المدينة ، فأمكن إحداث ثغرة فيه ، اندفعت منها قوات الإسكندر إلي المدينة . ومع ذلك ظل الصوريون يدافعون عن مدينتهم ، فأضطر الإسكندر لأن يقود الحملة بنفسه ، فدخلها هو وحرسه عنوة وأعمل في أهلها السيف ، حتي بلغ عدد القتلي 8000 نفس ، ولم يبق فيها سوي النساء والأطفال والعبيد ، الذين بلغ عددهم 30,000 فباعهم عبيداً في أسواق النخاسة ، واستجلب لها بعض السكان ، وأقام عليها شخصاً اسمه “عبد إلونيم ” ، وهكذا تحققت المرحلة الثانية من نبوة حزقيال (26: 3- 21
) .

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد جديد رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 02

وبعد موت الإسكندر الأكبر ، كانت صور من نصيب بطليموس ، وعندما استولي انتيجونوس في 314 ق.م علي فينيقية ، قاومته صور ، فحاصرها لمدة خمسة عشر شهراً قبل، أن تستسلم له ، مما يدل علي أنها استطاعت أن تستعيد قوتها بسرعة بعد الأسكندر الأكبر . وأصبحت صور جزءاً من مملكة السلوقيين عندما طرد أنطيوكس الثالث البطالمة من سورية في 198 ق. م وأدرك السلوقيون أهميتها فمنحوها بعض الأمتيازات ثم منحها الرومان بعد ذلك امتيازاً اعتبارها مدينة حرة ، إذ أعتبر انطونيوس حكامها ومجلسها حلفاء له . وعندما هاجم البارثيون سورية واستولوا عليها في 40 ق.م استعصت عليهم صور ، ولكن أوغسطس جَّردها من حريتها ، ثم منحها هاديان امتياز اعتبارها “عاصمة كبري ” وهو ما يظهر علي من عملتها
.

وقد بني فيها هيرودس الكبير المعبد الرئيسي ، الذي لعله كان قائماً عندما مر بها الرب يسوع عند زيارته لمنطقة صور وصيداء (مت 15: 21-28، مرقس 7: 24-31) .وقد سمعه أهل صور يتكلم (مرقس 3: 8، لو 6: 17) ، وقال إن ” صور وصيدا -المدينتين الوثنيتين -ستكون لهما حالة أكثر احتمالاً يوم الدين ” مما لكورزين وبيت صيدا ( مت 11: 21, 22، لو 10: 13, 14) . وكان هيرودس أغريباس ساخطاً علي الصوريين ، فحضروا إليه في قيصرية ليستعطفوه (أع 12: 20) . كما زارها الرسول بولس -في طريق عودته من أسيا الصغري إلي أورشليم ، ومكث بها سبعة أيام إذ وجد بها تلاميذ ( أع 21: 3-7) . وفي صور دفن العلامة أوريجانوس (254 م
) .

 

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي