ميديا

 

كان الميديون (أو الماديون) شعباً يتكلم لغة آرية، ويقطن الهضبة الواقعة إلى الشمال الغربي من إيران. وكانوا على قرابة وثيقة من الفارسيين الذين كثيراً ما حدث الخلط بينهما عند المؤرخين القدماء من يونانيين ومصريين وأشوريين، فكانوا يطلقون اسم “الماديين” على كل سكان المنطقة، بينما لم يسكن الماديون إلا منطقة جبلية محدودة في جبال زاجروس، على ارتفاع ما بين 3.000، 5.000 قدم فوق مستوى سطح البحر، يتخللها الكثير من الوديان. وكانت مساحتها تبلغ نحو 150.000 ميل مربع، إذ كان طولها نحو 600 ميل، وعرضها نحو 250ميلاً، ولكنها في أيام أوج قوتها امتدت كثيراً إلى ما وراء هذه الحدود، وكانت تشتهر بجودة خيولها وأفراسها . وكانت عاصمتها “إكبتانا” (همدان حالياً) تقع على الطريق التجاري العظيم الذي كان يربط بلاد بين النهرين بأسيا الصغرى. وكان ارتفاعها يجعل جوها معتدلاً في الصيف ، مما شجع على أن تكون “إكبتانا” منتجعاً صيفياً لملوك فارس
.

ولأنه لم تصلنا أي كتابات باللغة الميدية تتعلق بتاريخ الميديين وحضارتهم، فقد أصبح لزاماً علينا أن نستقي معلوماتنا عنهم من الكتابات المعاصرة لهم في اللغات اليونانية والبابلية والأشورية، وبما أن الماديين (الميديين) والكلدانيين هم الذين قضوا على الامبراطورية الأشورية، فكان لابد أن يكون لهم دور بارز في الكتابات البابلية، كما وصلنا الكثير من المعلومات الثمينة عنهم في كتابات هيرودوت المؤرخ اليوناني الشهير، ولعله استقاها من الكتابات المسمارية
.

وقد سجل شلمنأصر الثالث ملك أشور تحركات الماديين في المنطقة المحيطة باكبتانا في القرن التاسع قبل الميلاد، ولكن لم يكن للمؤرخين الجزم بالتاريخ الذي هاجروا فيه إلى تلك المنطقة
.

وقد قام شلمنأصر- ملك أشور- بغزوة للسهول التي كان يحكمها الماديون لكي يجلب منها أجود أنواع الخيول التي كانت تشتهر بها. وواصل ملوك أشور هذه الغزوات لنفس السبب، كما لتأمين طرق التجارة. وفي القرن الثامن قبل الميلاد يدَّعي ملوك أشور هدد نيراري (810- 781 ق.م.)، وتغلث فلاسر الثالث (743 ق.م.)، وسرجون الثاني (716ق.م.) أنهم قد استولوا على على ميديا. ويسجل العهد القديم أن سرجون الثاني بعد أن فتح السامرة، “سبى إسرائيل إلى أشور وأسكنهم حلح وخابور نهر جوزان وفي مدن مادي” (2 مل 17: 6 ، 18: 11
).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس الكتاب الشريف عهد قديم سفر إرميا 50

وعندما تولى آسرحدون عرش أشور (681- 669 ق.م.)، كان يتوقع من الميديين أن يعترفوا بسيادته عليهم وأن يدفعوا له الجزية حسب معاهدتهم معه، ولكنهم استغلوا فرصة اضمحلال قوة أشور ، واتفقوا مع السكيثيين والكميريين (نسل جومر) في 631 ق.م. وكانت قوة أشور قد أخذت في الضعف أمام سلسلة الهجمات التي قام بها فراوريتس ملك ميديا مما أدى إلى سقوط نينوى (عاصمة أشور) في 612ق.م. وسقوط حاران في 610ق.م. وفي عهد كيا كزاريس ملك ميديا- الذي أنشأ جيشاً قوياً، استطاعت القوات الميدية وحلفاؤهم ، الاستيلاء على المدن الكبرى، فامتدت دائرة نفوذهم إلى الجزء الشمالي من أشور، وعقدوا سلاماً مع ليديا في 585 ق.م
.

وقد أعطى استياجيس (585- 550 ق.م.) ابن كياكزاريس ابنته “أميتيس” زوجة للملك نبوخذ نصر الثاني، الذي بنى لأجلها الحدائق المعلقة في بابل، والتي كانت تعتبر إحدى عجائب الدنيا السبع. كما أعطى ابنته الثانية “مادين” زوجة للملك الفارسي قمبيز الأول، فولدت له كورش الثاني الفاتح العظيم. وفي 550ق.م. أصبح كورش الثاني ملكاً على الميديين والفرس
.

وكان للعيلاميين أيضاً دور في مد وجزر الصراع على النفوذ في المنطقة. وقد لمع نجمهم في 550 ق.م. عندما انتصر كورش ملك أنشان على استياجيس . وكان كورش يجمع بين الجنسية الفارسية والجنسية الميدية. وقد استولى على إكبتانا عاصمة ميديا، وأصبحت المنطقة كلها خاضعة، واتخذ كورش لنفسه لقب “ملك الميديين” واندمجت شرائع الميديين وتراثهم مع شرائع فارس (دانيال 6: 8 و15، أس 1: 19). وشغل الميديون أعلى المراكز في الدولة، وأصبح يطلق عليها “مادي وفارس” (دانيال 8: 20) أو “فارس ومادي” (أس 1: 19). وقد اشترك الماديون (الميديون) في الاستيلاء على بابل (إش 13: 17)، إرميا 51: 11 و28، دانيال 5: 31). ولأن داريوس بن أحشويروش كان من نسل الماديين (دانيال 9: 1)، يشار إليه “بداريوس المادي” (دانيال 11: 1). ولم يكن حكمه لبابل عهد سلام واستقرار كاملين، فقد حدث تمرد شديد في عصره وفي عصر داريوس الثاني (409 ق.م
.).

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد جديد رسالة يعقوب الرسول 01

ونجد في سفر أستير وصفاً للوليمة الضخمة التي عملها أحشويروش في السنة الثالثة لملكه لرجال حاشيته وقادة الجيش (أس 1: 3-7). وبعد ذلك خضع الميديون لحكم السلوقيين والفرتيين. وفي العهد الجديد يذكر “الفرتيون والماديون والعيلاميون” معاً (أع 2: 9). ولا يظهر الماديون – بعد ذلك – على مسرح التاريخ
.

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي