نفس

Ame

مقدمة

أولاً: النفس والشخص الحي

1.
الإنسان الحي
:

2.
الحياة
:

3.
الشخص الإنساني
:

ثانياً: النفس وروح الحياة

1.
النفس وأمل الحياة
:

2.
النفس والخلود
:

3.
النفس والجسم
:

 

 

مقدمة

تدل النفس على الإنسان في كليته، باعتباره منتعشاً بروح ” الحياة، وهي لا تكون قط “جزءاً” يشكل مع الجسم، الكائن الإنساني. فالنفس، بالمعنى الدقيق، لا تسكن جسداً، وإنما تعبّر عن ذاتها بواسطة الجسم، الذي يعتبر هو أيضاً، أسوة بالجسد، دالاً على الإنسان بكليته. وإذا كا نت النفس بسبب علاقتها بالروح الأسمى، هي الدليل في الإنسان على أصله الروحي، هذه ” الروحانية” تغرس جنررها بعمق “في العالم الملموس، كما يتضح من التوسع في الاستعمال الجاري للفظة نفس
.

أولاً: النفس والشخص الحي

في أساليب الكتاب المقدس، تتصل الألفاظ المعبرة عن النفس، بصفة مباشرة نوعاً ما، بصورة النسمة: وهي” نفش ” في العبرية، و
psyche
في اليونانية، و
anima
في اللاتينية
.

1.
الإنسان الحي
:

فالنسمة أو التنفس هما في الواقع العلامة المثلى للحياة. وكون الشخص حياً، معناه أن الروح ما زالت فيه (2 صموئيل 1: 9، أعمال 20: 10)، وعندما يموت الإنسان تنطلق النفس (تكوين 35: 18)، وتفيض (إرميا15: 9)، أوتنسكب كالسائل (إشعيا 53: 12). فإذا ماقام حياً من جديد، فالنفس تعود إليه (1 ملوك 17: 21
).

وقد يكون التعبير عند اليونانيين والساميين على هذا النحو، ولكن وراء هذه الوحدة في التعبير ،،يستتر تباين في وجهات النظر. فوفق نظرية شائعة (تؤكدها صراحة بعض الفلسفات اليونانية)، تكاد النفس تصبح مبدأ قائماً مستمرَاً، مستقلاًعن الجسم الذي تقيم فيه ومنه تخرج. وهذا ” مفهوم روحافني ” يعتمد ولا شك على الطابع الشبه لا مادي في النسبة، خلافاً للحال في الجسم المادي. ولكن الرأي يختلف عند الساميين: فالنسمة تظل غير قابلة للانفصام عن الجسم الذي تنعشه، فهي تشير فقط إلى الصورة التي عليها تظهر الحياة الملموسة في الإنسان، وقبل كل شيء عن طريق ما يتحرك فيه، حتى عندما يكون الظاهر غير متحرك، بينما الإنسان نائم. أفلا يكون ذلك أحد الأسباب العميقة التي أدّت إلى جعل النفس والدم واحداً (مزمور 72: 14)؟ فالنفس تكون في الدم (لاويين 17:10- 11)، بل هي الدم ذاته (لاويين 17: 14، تثنية 12: 23)، وهي الإنسان الحي
.

2.
الحياة
:

ينتقل اللفظ من معنى “حي ” إلى معنى الحياة “، كما يدل على ذلك الاستخدام المتوازي للكلمتين: “لا تسلَم إلى الوحش نفساً معترفة لك، ولا تنس حياة بائسيك على الدوام ” (مزمور 74: 19). وفي موضع آخر، في شريعة المثل بالمثل، عبارة “نفساً بنفس ” يمكن أن تترجم إلى حياة بحياة” (خروج21: 23). وهكذا “فالحياة و ” النفس ” كثيراً ما تتماثلان، ولو أن الأمر لا يتعلق بالحياة ” الروحية! وحدها. تميزاً لها عن الحياةالجسدية!. ولكن من جهة أخرى، هذه الحياة، حتى وإن ظلت عبوية زمناً طويلاً بأفق أرضي. تظهر منفتحة في النهاية على حياة سماوية، أبدية. فلذلك يتم في كل مرة فحص سياق النص للاستدلال على معنى الكلمة على وجه الدقة
.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد جديد رسالة يوحنا الرسول الأولى 04

وفي بعض الأحوال، تعتبر النفس بمثابة المبدأ للحياة الزمنية… فيخشى الناس أن يفقدوها (يشوع 9: 24، أعمال 27: 22)، ويرغبون في نجاتها من الموت (1 صموئيل 19: 11، مزمور 6: 5)، وفي جعلها أمينة مستأمنة بالثبات (لوقا 21: 19)، عندما يشعرون بأنها مهددة (رومة 11: 3= 1 ملوك 19: 10. متى 2: 20- خر وج 4: 19، مزمور 35: 4، 38: 3 1). وبالعكس ينبغي ألا تهتم بها بإفراط (متى 6: 25//) بل أن تخاطر بها (فيلبي 2: 30) ونجود بها لأحبائنا (1 تسالونيكي 2: 8). فهي التي يعطينا المسيح إياها (متى 20: 28//، يوحنا 10: 11 و15 و17)، والتي على مثاله ينبغي أن نبذلها (يوحنا 13: 37- 38، 15: 13، 1 يوحنا 3: 16
).

فإذا ما أمكن التضحية هكذا بالحياة، فليس ذلك فقط لأننا نعرف أن الله قادر على أن يفتدي نفوس عبيده (مزمور 34: 23، 72: 4 1)، بل لأن المسيح كشف خلال اللفظ ذاته عن عطية الحياة الأبدية. وهكذا نراه يستخدم كافة معافي الكلمة: ” لأن من يريد أن يخلّص حياته يفقدها، وأما الذي يفقد حياته في سبيلي فإنه يجدها” (متى 16: 25- 26//، راجع متى 10: 39، لوقا 14: 26، 17: 33، يوحنا 12: 25). فبناء على ذلك يكون “خلاص النفس ” في النهاية، إنتصاراً للحياة الأبدية المودعة في النفس (يعقوب 1: 1 2، 5: 0 2، 1 بطرس 1: 9، عبرانيين 10- 39
).

3.
الشخص الإنساني
:

إذا ما كانت الحياة أثمن خيرات البشر (1 صموئيل 26: 24)، فإن من يخلص نفسه يخلص نفسه أيضاً، فينتهي لفظ النفس إلى الدلالة على الشخص
.

فمن الناحية الموضوعة أولاً، نطلق لفظة “نفس” على كل كائن حيّ، حتى الحيوانات (تكوين 1: 20- 21 و24، 2: 19)، ولكن في أغلب الأحيان يقصد بالنفس الشر. فيقال مثلاً: “هذا بلد من سبعين نفساً” (تكوين 46: 27= أعمال 7: 14، راجع تثنية 15: 22، أعمال 2: 41، 27: 37). فالنفس هي إنسان، أي شخص معين (لاويين 5: 1 000، 24: 17، مرقس 3: 4، أعمال 2: 43، 1 بطرس 3: 20، رؤيا 8: 9)، قد تكون مثلاً مقابل حمولة بضاعة (أعمال 27: 10). وفي آخر درجة من الموضوعية، قد نشير إلى جنة، في معرض ذكرى ما كانت عليه، أنها “نفس ميتة” (عدد 6: 6
).

ولكن من الناحية الشخصية الذاتية، فالنفس تعني ” الأنا الذاتي “، تماماً أسوة بالقلب ” أو الجسد، ولكن مع بعض تباين يسيط في الصفة الباطنية وفي القدرة الحيوية، كما في عبارة: “أشهد على نفسي” (عاموس 6: 8، إرميا 51: 14، 2 كورنتس 1: 23)، وتعني الإلتزام العميق ممن يؤدي القسم. وكان يوناتان يحب داود “مثل نفسه” (1 صموئيل 18: 1 و3). وأخيراً فهذهَ الأنا تعبر عن ذاتها بنشاطات ليست كلها “روحيّة”، كما عبر الغنيُّ بقوله: “يا نفسُ، لك أرزاق وافرة تكفيك مؤونة سنين كثيرة، فاستريحي وكلي واشربي وتنعّمي… فقال له الله: يا جاهل، في هذه الليلة تستردّ نفسك منك (= حياتك) ” (لوقا 12: 19- 20). فذكر النفس يؤكّد تذوّق الحياة والإرادة في عيشها، وبذلك يذكر، ولو قليللاً، بالصفة الملحّة التي يكون عليها الظمأ في الحلق المحترق (مزمور 63: 2)، لأنَّ النفس المتلهفة الجائعة، يمكنها أن تشبع (مزمور 107: 9، إرميا 31: 14)، ومشاعرها تتبدّل بين الفرح (مزمور 86: 4)، والقلق (يوحنا 12: 27)، والحزن (متى 26: 38= مزمور 42: 6)، وبين التطيّب (فيلبي 2: 19) وخور الهمة (عبرانيين 12: 3). والنفس تود أن تتقوى حتى تستطيع أن تنقل البركة الأبوية (تكوين 27: 4)، أو أن تتحمّل الاضطهاد (أعمال 14: 22). وقد جعلت بحيث نحبّ (تكوين 34: 3)، أو نحقد (مزمور 11: 5)، وترضى عن شخص (متى 12: 18= إشعيا 42: 1، عبرانيين 10: 38= حبقوق 2: 4)، وتبحث عن الله دون ما حساب (متى 22: 37//= تثنية 6: 5، أفسس 6: 6، كولسي 3: 23)، وتمجّد الرب إلى الأبد (مزمور 103: 1
).

هل تبحث عن  م الأباء أغسطينوس أقوال أغسطينوس 46

وبفضل مثل هذا الإمتلاء في المعنى، قد تستعيد بعض الصيغ حيويتها الأصيلة: فالنفوس ينبغي أن تتقدس (1 بطرس 1: 22). ومن أجلها يبذل بولس ذاته (2 كورنتس 12: 15)، وعليها يسهر الرؤساء الروحيون (عبرانيين 17:13)، ويعدها يسوع بأن يريحها (متى 11: 29). وهذه النفوس كائنات جسدية، ولكن فيها يستقرّ بذر الحياة (1 بطرس 1: 9
).

ثانياً: النفس وروح الحياة

1.
النفس وأمل الحياة
:

وإن كانت النفس علامة الحياة، فى ليست منبعها. وهذا هو فارق ثان يفصل فصلاً عميقاً بين العقليتين اللتين من الأصل السامي أو الأفلاطوني. فبالنسبة لهذه الأخيرة، النفس تتماثل مع الروح، وتعتبر نوعاً ما نابعة منها، بحيث تورث الإنسان استقلالاً حقيقياً. أما بالنسبة للساميين، فليست النفس، وإنما الله هو ينبوع الحياة بروحه: “إن الرب الإله نفخ في أنفه (“نشيمه”) حياةً، فصار الإنسان نفساً حية” (تكوين 2: 7). ففي كل حيّ “نسمة (= نفخة) من الحياة” (تكوين 7: 22) بدونها يهلك. ويُعيره الله هذه النسحة طوال الوقت في حياته الفانية: “تقبض أرواحهم فيموتون وإلى ترابهم يعودون، ترسل روحك فيخلقون” (مزمور 104: 29- 30
).

النفس
psyche
مبدأ الحياة، والروح
” pneuma
التي تعتبر ينبوعها، تتميزان هكذا إحداهما عن الأخرى في باطن الكائن البشري، حيث تستطيع كلمة الله وحدها أن تنفذ (عبرانيين 4: 12). فإذا نقلنا هذا إلى النظام المسيحي، فإن التمييز يتيح لنا أن نتكلم عن “حيوانيين لا روح لهم ” (يهوذا 19)، أو أن نرى في ” الحيوانيين ” مؤمنين انحدروا من المرتبة ” الروحانية ” التي رفعهم إليها العماد، إلى المرحلة ” البشرية ” (1 كورنتس 2: 14، 15: 44، يعقوب 3: 15
).

2.
النفس والخلود
:

وتكون النتيجة المباشرة، على عكس الروح التي لا يقال عنها أبداً إنها مائتة، بل يؤكّد أنها تعود إلى الله (أيوب 34 :14- 15، مزمور 31: 6، جامعة 12: 7)، فالنفس يمكن أن تموت (عدد 23: 10، قضاة 16: 30، حزقيال 13: 19)، وأن يسلمها الله إلى الموت (مزمور 78: 50)، تماماً مثل العظام (حزقيال 37: 1- 4 1) أو الجسد (مزمور 63: 2، 6 1: 9- 10). وهي تنزل إلى الجحيم مقر الأموات لتذّوّق الوجود المقفر، في الظلال ومع الأموات، بعيداً عن ” أرض الأحياء “، التي لا تعود تعلم عنا شيئاً (أيوب 14: 21- 22، جامعة 9: 5 و10)وبعيداًأيضاً عن الله الذي لا تقدر على امتداحه(مزمور 88: 11- 13)، لأن الأموات (يحلَون في الصمت (مزمور 94: 17، 11
5: 17).
وباختصار فالنفس “لا تكون من بعد” (أيوب 7: 8 و21، مزمور 39: 14
).

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ج جزاء ء

ومع ذلك هذه النفس التي تنزل إلى أعماق الهاوية (مزمور 30: 4، 49: 16، أمثال 23: 14)، ستعطيها قدرة الله الفائقة أن تبعث (2 مكابيين 7: 9 و14 و23)، وتعود فتحرّك العظام المبعثرة: فالإيمان يؤكّد ذلك
.

3.
النفس والجسم
:

ولئن ذهبت الأنفس إلى مقر الأموات، فليس معنى ذلك أنها “تعيش فيه دون جسم “. فوجودها لا يعتبر وجوداً”، وذلك بسبب أنها لا تستطيع أن تعبر عن ذاتها دون جسم. وعقيدة خلود الإنسان لا تكون هي ومفهوم روحانية النفس واحداً، ولا تماثل معه. كذلك لا يبدو أن كتاب الحكمة قد أدخل هذه العقيدة في تراث الوحي الكتابي. فصاحب سفر الحكمة، وقد احتكّ بالحضارة الإغريقية، يستخدم أحياناً تعبيرات مشتقة من علم الإنسان عند الإغريق، إلا أن عقليته تختلف دائماً عن هذا العلم. فعلى الأرجح، ” إن الجسد القابل للفساد يثقل النفس، ومسكنه الأرضي بثفل العقل الكثير الهموم ” (حكمة 9: 15)، ولكنّ المقصود هنا عقل الإنسان، وليس روح الحياة، وخاصة أننا لسنا بصدد احتقار المادة (راجع 13: 3)، ولا الجسم ” بازديادي صلاحاً حصلتُ عل جسد غيرمدنس ” يقول أيضا الكاتب (8: 19-20). فان كان هناك من تمييز بين النفس والجسد فليس من أجل أن نتصوّر وجوداً حقيقياً لنفس منفصلة. فكما ورد في الرؤيويات اليهودية في هذه الأزمنة، تتوجه النفوس إلى الجحيم (حكمة 16: 14). فالله الذي بيده النفوس (3: 1، 4: 14)، يستطيع أن يقيمها ما دام قد خلق الإنسان خالداً (2: 23
).

والكتاب المقدس الذي يضفي على الإنسان كله ما سيعتبر فيما بعد خاصاً بالروح، يتّجه إلى التمييز بين النفس والجسم، ولا يقدم مع ذلك معتقداً منتقصاً عن الخلود. فالأنفس التي تنتظر تحت المذبح (رؤيا 6: 9، 20: 4) جزاءها (حكمة 2: 22)، لا تكون هناك إلا بمثابة دعوة للقيامة”، بفعل روح الحياة، وليس بقوة باطنيّة ذاتية فيها. ففي النفس استودع الله غرس الأبدية الذي سوف ينمو في حينه (يعقوب 1: 21، 5:. 2). والإنسان ” بكامله سوف يصبح مرة أخرى ” نفساً حية”، وكما يقول بولس الرسول، ” جسماً روحانياً “:أي أنه سوف يبحث بكليته (1 كورنتس 15: 45، راجع تكوين 7:2
).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي