باترولوجى

كلمة “باترولوجيا”
Patrologia
مشتقة من الكلمة اللاتينية
Pater
أى “أب”. فالباترولوجى
Patrology
أو الباترولوجيا هو علم دراسة أقوال آباء الكنيسة وكتاباتهم وتحقيقها ونشرها وترجمتها إلى اللغات الحديثة الحية (ليس من الضرورى أن يكون لآباء الكنيسة كتابات دونوها بأنفسهم، لأن الكثير من تراث الآباء جاءنا نقلاً عن أبنائهم الروحيين الذين سجلوا أقوالهم لنفعهم الروحى الخاص، أو نقله إلينا الرحالة خلال مناظراتهم وحواراتهم معهم).

ويعتبر يوسابيوس القيصرى (260 – 340 م) هو مؤسس فكرة تجميع ونشر أقوال الآباء وكتاباتهم، وذلك فى كتابه الشهير: “التاريخ الكنسى –
Ecclesiastical History
“، حتى أصبح كتابه هذا أهم مرجع فى علم الباترولوجى، بل لازال هو المصدر الوحيد لكتابات بعض الكتاب المسيحين الأوائل الذين فُقدت كتاباتهم.

وجاء بعده القديس جيروم (342 – 420 م) الذى ألف كتاب: “مشاهير الرجال” وسجل فيه أشهر الكُتاب فى الأدب المسيحى حتى سنة 379م، فى 135 فصلاً، مقدمًا فى كل فصل عرضاً لسيرة الكاتب وتقييماً لأعماله. وظل كتاب جيروم على مدى ألف عام موضع اعتبار فى الغرب، وأساساً لكل الدراسات الآبائية التى جرت هناك.

 

وعلى مدى القرون المتتالية قام كثيرون بمحاولة تكميل هذين العملين الكبيرين. كما حاول البعض الآخر فى القرون الوسطى، وفى الغرب بالذات، القيام بعمل مشابه مثل الراهب البندكتى تريثميوس
John Trithemius
الذى دون فى سنة 1494م، سير 963 من الآباء والكتاب اليونان واللاتين مع شرح لكتاباتهم.

 

وكان أول من أطلق لفظ “باترولوجى” على دراسات الآباء كعنوان لعمله، هو اللاهوتى اللوثرى يوحنا جرهارد
John Gerhard
الذى نشر كتاباً فى هذا الموضوع فى سنة 1653 م.

 

ثم حدثت الطفرة العظيمة فى دراسة كتابات الآباء على يد الأب يعقوب بولس منى
Migne
(سنة 1800 – 1875) م الذى أنشأ مطبعة فى باريس سنة 1833م، ونشر خلال السنوات (1844- 1855م) جميع نصوص الآباء التى دونت باللاتينية حتى سنة 1216م، فجاءت فى 217 مجلداً. وفى خلال السنوات (1857 -1866م) نشر جميع نصوص الآباء فى اليونانية حتى سنة 1439م، وذلك فى 162 مجلداً. وتعتبر هاتان السلسلتان من أكمل المراجع فى أدب الآباء حتى يومنا هذا.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس تشكيل فاندايك وسميث عهد قديم سفر الملوك الأول 15

 

ويقرر كل من كواستين
Quasten
ويونجمان
Iungmann
أن مخطوطات مصر وأوراق البردى التى حفظتها رمال صحراء مصر كانت ولازالت معيناً لا ينضب حتى اليوم فى فتح آفاق جديدة فى علم الباترولوجى، بعد أن انتشرت هذه المخطوطات لتملأ مكتبات العالم ومتاحفه، لتمد الدارسين بأعمال آبائية وليتورجية مفقودة لم يكن يُعرف عن بعضها سوى اسمها فقط.

 

 وآباء الكنيسة الذين يعنى بهم علم الباترولوجى هم المشهود لهم بالعمل الكنسى العميق، وصحة الإيمان، واستقامة السيرة، فأصدق ما يعبر عن صحة فكر أحد الآباء هو حياته الشخصية اليومية، وكيف سلك فى عشرة حقيقية مع الرب، بروح الخضوع للكنيسة المقدسة وتعليمها.

 

 على أن تقنين صحة التعليم من عدمه منوط بالمجامع الكنسية التى لها وحدها حق البت فى ذلك الأمر، لأن الكنيسة الأرثوذكسية لا تؤمن بعصمة الآباء بصفتهم الشخصية، ولا تلتزم بآرائهم الذاتية بعيداً عن روح الإنجيل المقدس والتقليد الكنسى الحى.

 

 أما أهم سمة تميز آباء الكنيسة فى أى عصر فهو التتلمُذ على ما علم به الأقدمون، فاقتفاء الأباء لآثار الآباء يخلف آباء. وفى ذلك يقول القديس إيريناؤس (130- 200م):

 

 [عندما يتعلم إنسان من فم آخر، يُقال عنه إنه ابن ذاك الذى يعمله، ويحسب الآخر أباه].

 

لقد كان حرض الآباء عظيماً فى هذا المضمار، فعلى سبيل المثال يقول القديس غريغوريوس النيسى (330 – 395م):

 

يليق بنا أن نحفظ التقليد الذى تسلمناه بالتتابع من الآباء ثابتاً بغير تغيير

ويقول القديس كيرلس الكبير (412 – 444م):

إننى محب للتعليم الصحيح، مقتفياً الآثار الروحية لآبائى.

أما فئات هؤلاء الآباء فهى:

– الآباء الرسوليون: وهم الذين تتلمذوا لى الآباء الرسل القديسين أو على أحد تلاميذهم المعاصرين لهم.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ف فدية ة

– الآباء المدافعون عن الايمان: وهم الذين تصدوا بحججهم وإثباتاتهم للهرطقات والبدع التى ظهرت فى الكنيسة على مدى تاريخها، للذود عن الإيمان الصحيح.

– الآباء الملهمون: أى الذين أثروا حياة الكنيسة الليتوروجية أو الإيمانية أو الروحية، أو التاريخية بمؤلفاتهم أو عظاتهم، أو أقوالهم التى دونها تلاميذهم سواء فى حياتهم أو بعد انتقالهم.

ومنذ أواخر القرن الثالث عشر وفى زمن بونيفاتيوس الثامن (1298م) قننت الكنيسة الغربية ثمانية آباء واعتبرتهم معلمى الكنيسة
Doctores Ecclesiae
أربعة آباء شرقيين (7) وأربعة غربيين (8). ثم ارتفع العدد لديها الآن إلى أكثر من عشرين.

7- وهم: البابا أثناسيوس الرسولى (328 – 373م)، والقديس باسليوس الكبير (330 – 379م) غريغوريوس الناطق بالإلهيات (329 – 389 م) والقديس يوحنا ذهبى الفم (347 – 407م).

 8- هم: القديس أمبروسيوس (339 – 397م)، والقديس جيروم (342 – 420م)، والقديس أغسطينوس (354 – 430م)، والبابا غريغوريوس الكبير.

ولا تميل الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية إلى هذا التقنين الذى درجت عليه الكنيسة الكاثوليكية فى الغرب، لأنه بالرغم من أن التعليم فى الكنيسة منوط بالآباء الأساقفة – كما هو معروف – أو من ينيبونهم من الآباء الكهنة فى ذلك، إلا أن علم الباترولوجى يحسب الكتاب الأوائل ” آباء” حتى أولئك الذين لم ينالوا درجة كهنوتية بكونهم ممثلين للتقليد الكنسى.

 

 كما أن الكنيسة الأرثوذكسية لا تميل إلى تحديد عصر من العصور دون غيره داعية إياه بعصر الآباء، لأن عمل الروح القدس ممتد فى الكنيسة لا يتوقف أبداً، وهو يمنح الكنيسة فى كل زمان آباء يهبهم موهبة خاصة لتكميل بنيان الكنيسة، وتتميم عمل المسيح فيها.

 

إن الاهتمام بعلم الباترولوجى الذى قطع أشواطاً بعيدة فى الغرب، هو فى حقيقته دعوة لنشر حياة وفكر الكنيسة الأولى فى أرجاء المسكونة، ليؤمن العالم شرقاً وغرباً أن الفكر الأرثوذكسى الذى حفظته الكنيسة الشرقية حتى اليوم، هو الفكر الآبائى القديم، والتقليد الكنسى الراسخ.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس كينج جيمس إنجليزى KJV عهد قديم سفر يهوديت Judith 15

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي