إعتراضات ضد سفر نشيد الأنشاد


القمص مرقس عزيز خليل

الواقع إن الاقتراب من سفر نشيد الأناشيد، يشبه الاقتراب من العليقة المشتعلة بالنار المقدسة، التي رآها موسى النبي، حيث قال له الرب: ” يا موسى! اخلع نعل رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة” (أع7: 33) وهذا ما ذُكِر ايضا في القرآن الكريم: “أن ياموسى اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى” (سورة طه20: 12). والواقع أن الإنسان يلبس نعلاً في قدميه للحماية من شوك الأرض الملعونة، التي قال الرب عنها لآدم “ملعونةٌ الأرضُ بسببك. وشوكا وحسكا تنبت لك” (تك3: 17-18).

ولكن إذا ما ترك الإنسان الأرض الملعونة بشوكها، وبدأ يقف على الأرض المقدسة بطهرها، وجب عليه أن يخلع ذلك النعل، من أجل قداسة المكان، من جهة، تماما مثلما يحدث في الدخول إلى أماكن العبادة. وأيضا ليترك لحواسه أن تستشعر قداسة هذه الأرض المباركة، دون ما عائق. فخلع النعلين يشير إلى التحرر من العوامل الماديه التي تقيد انطلاقة الروح في هذا الطريق الروحي. ومن هنا نستطيع أن نفهم ما قصده السيد المسيح بقوله: “الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياه” (يوحنا 6)، وكذلك ما قاله القديس بولس الرسول: ” الأنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة، اما الروحي فيحكم في كل شيء..” (1كورنثوس 2: 14) ولعل هذا هو ما دعى السيد المسيح أن يحذر قائلا: ” لا تلقوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بأقدامها، وتلتفت فتمزقكم” (متى7: 6).

 

لهذا فعندما نقترب من سفر نشيد الأناشيد، بسمو معانيه ورموزه، علينا أن نخلع نعل المادية، والأفكار الشهوانية، ونتقدم في قداسة الفكر ونقاوة القلب، لأن: ” كلَّ شيء طاهر للطاهرين، أما للنجسين وغير المؤمنين، فليس شيء طاهر، بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم” (تيطس1: 15)

 

وأحب أن أطمئن إخوانَنا المعترضين علي هذا السفر الجليل أن علماء الكتاب المقدس سواء في اليهودية أو في المسيحية منذ أقدم العصور، لم تكن تنقصهم الفطنة التي يدَّعونهاعن سفر نشيد الأناشيد، فلو كانوا قد وجدوا أن في هذا السفر شُبْهَةَ خزي، كما يدعون، لما كانوا قد وضعوه ضمن الأسفار المقدسة، في مجامع ضمت صفوة العلماء والفهماء والروحانيين!! أم أن علماء الديانتين كانوا أغبياء إلى هذا الحد، فلم ينتبهوا إلى ما اكتشفه هؤلاء المعنرضون!!! وكيف يدَّعى هؤلاء المعترضون ذلك؟ بينما نبي الإسلام ذاته، لم يعترض على هذا السفر أو على غيره من الأسفار المقدسة، بل على العكس شهد للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد قائلا: ” قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه” (القصص28: 49)

 

 قال محدثي: ماذا تقول عن اسلوب العشق الفاضح واللغه المبتذله التي كتب بها نشيد الأناشيد:

قلت: الواقع أن أسلوب نشيد الأناشيد ليس هو عشقا فاضحا كما تقول، ولكنه عشق مقدس. وربما تندهش من هذا التعبير: (العشق المقدس)! ولكن لكي يزول اندهاشك يا عزيزي دعني أذكرك بشخصية لها مقامها المكرم بين النساء المسلمات وهي رابعة العدوية. هل تعرف لقبها الذي تشتهر به؟ اقرأ ما كتبه عنها الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بدوي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس، وقد دَعَى كتابه عنها بإسم ” شهيده العشق الألهي ” وعندها ستفهم لقب عروس النشيد المتيمة بالعشق الإلهي. وإن أردت أن تعرف المزيد عن [العشق الإلهي أو الحب الإلهي] في الإسلام اقرأ عن المذاهب الصوفيه أو مدراس الحب الإلهي،

 

 وإليك بعض تلك الكتب:

1 كتاب “المذاهب الصوفية ومدارسها” تأليف الأستاذ عبد الحكيم عبد الغني قاسم، مكتبة مدبولي بالقاهرة.

2 كتاب “التصوف الإسلامي” للدكتور عبد الله الشرقاوي كلية دار العلوم بالقاهرة.

3 كتاب “الأدب الصوفي في مصر [ابن الصباغ]” للدكتور على صافي حسين نشر دار المعارف بالقاهرة.

4 كتاب ” الكنز في المسائل الصوفية” للأستاذ صلاح الدين التجاني، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب.

5 كتاب “الحلاج الأعمال الكاملة” قاسم محمد عباس، نشر مؤسسة رياض الريس للكتب والنشر بلبنان.

6 كتاب “شهيدة العشق الإلهي” للأستاذ الدكتور عبد الرحمن بدوي، نشر مكتبة النهضة المصرية.

7″رابعة العدوية في محراب الحب الإلهي” للأستاذ مأمون غريب، نشر دار غريب للطباعة والنشر بالقاهرة.

8 “الموسوعة العربية الميسرة” إشراف الأستاذ محمد شفيق غربال [تحت كلمة: التصوف، تحت اسم كل رائد من رواد التصوف] وتذخر هذه الكتب بالحديث عن الحب الإلهي أو العشق الإلهي، الذي يماثل كلمات نشيد

الأناشيد، وليس في ذلك ابتذال، أو كما تقول عشق فاضح. واسمع كعينة بسيطة مما قالته رابعة العدوية:

أحبك حبين، حب الهوي وحب لأنك أهل لذاكا فأما الذي هو حب الهوي فشغلي بذكرك عمن سواكا واما الذي انت أهل له فكشفك للحجب حتي اراكا

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يوشيا ا

قارن هذا بما أنشدت به عروس نشيد الأناشيد قائلة:

أسمك دهن مهراق لذلك احبتك العذاري أجذبني وراءك فنجري أدخلني الملك الي حجاله نبتهج ونفرح بك بالحق يحبونك

تلاحظ في كلا النصين نغمة الحب الراقي المعبرة عن العشق الإلهي المقدس، وليس العشق الفاضح المنجَّس.

قال محدثي: وما هو المقصود من التصوف الذي تتكلم عنه؟

قلت: كلمة تصوف مأخوذة من الصوف، والمقصود بذلك هو اللباس المصنوع من الصوف، الذي كان يلبسه المتقشفون الناسكون: وهم الرهبان في المسيحية، والزاهدون الصوفيون في الإسلام. وبخصوص هؤلاء الصوفيين في المسيحية والإسلام فقد جاء عنهم في الموسوعة العربية الميسرة (ص525) الآتي: التصوف مسيحيا كان او اسلاميا هو مراتب، يبدأ المتصوف فيه بتطهير نفسه من الدنس والأقذار والأهواء والنزعات المنحرفة، بحيث يصبح أهلا للتجلي. وما التجلي الا شعور يزيد من محبه الله والقرب منه وكلما قوي هذا الشعور اطَّرَد رقيُّ النفسِ حتى تحس بوجود الله في قرارها، بل باتحادها به اتحادا كليا..] (ص527)

هذا هو كلام الموسوعة العربية الميسرة عن التصوف الروحي، وهو العبادة المبنية على الحب المقدس أو العشق الألهي. ويتضح هذا الاتجاه في كتابات الصوفيين ودواوينهم الشعرية التي تتشابه كثيرا مع ما كتب في سفر نشيد الأناشيد، بل أستطيع أن أقول أن ما كتبه الصوفيون المسلمون في العشق الإلهي، ما هو إلا انعكاس لما تأثروا به من سفر نشيد الأناشيد. ومما يثبت لك أن التصوف الإسلامي قد أخذ عن التصوف المسيحي، أسوق إليك هذه الأدلة: ما قاله الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتاب “شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية” (ص 10و11) قال: [عندما نبحث عن مصدر التأثير الواعي أو اللاواعي في التصوف الإسلامي،يجب أن يتجه البحث إلى التأثير المسيحي إذ تغلُب عليه هذه الفكرة،فكره المحبه الألهيه]

يقول أيضا الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتاب “شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية” (ص 6) إذ ذَكَر أنه في كوخها المتواضع كان يوجد مشجب “أي شماعة” تضع عليه أكفانها، فكانت تستخدم هذا المشجب بما عليه من أكفان، لتضع أمام عيونها موضوعا للتأمل أثناء الذكر العقلي، مثل القديسة تريزا والصوفية المسيحيين عامة في استخدامها نموذج الصليب، فكان صليبها هو مشجبها المجلل بأكفانها. وما أقوى الشبه كما سنرى بين هذه الصوفية المسلمة وبين تلك الصوفية المسيحية!” (ص6) وقال ايضاالدكتور عبد الرحمن بدوي في (ص 12) من كتابه نقلا عن كتاب “تَذْكِرَةِ الأولياء” لكاتبه فريد الدين العطار، الذي قال: “.. لقد هبطت عليها رسالتها الروحية، عندما كانت تسير ذات يوم، فشاهدت رجلا غريبا يرمقها بنظره مضمرا لها الشر، فهربت وسارت في طريق دمشقها هي الأخرى (أي مثل بولس الرسول الذي رأى نفس الرؤية وهو في الطريق إلى دمشق). ثم ارتمت على التراب وظلت تناجي ربها قائلة: “إلهي أنا غريبة يتيمة،مكبلة بقيود الرق والعبودية، ولكن همي الكبير هو أن أعرف: أراض أنت عني أم غير راض؟ فسمعت صوتا يقول: “لا تحزني! ففي يوم الحساب يتطلع المقربون إلى السماء إليك ويحسدونك على ما ستكونين فيه” فلما سمعت هذا الصوت عادت إلى بيت سيدها، وصارت تصوم وتخدم سيدها وتصلي لربها طوال الليل”. ويكمل حديثه قائلا: “إن رابعة العدوية لم تجد خلاصا أو بالأحرى عزاءً لها إلا في الإيمان والثقة بالله والتعزي بالآخرة، وهي ظاهرة طالما حدثت في النفوس النبيلة.. ونراها في الجيل الأول للمسيحيه.. ومن هنا تنصرف هذه النفوس النبيلة إلى طلب الملكوت الأعلى” (ص12).. هذه فكرة مبسطة عن التصوف الروحي في المسيحية والإسلام، والتصوف موجود في كل أديان العالم: الديانة الفارسية، والهندية، واليهودية، وطبعا المسيحية والإسلام، وتوجد في الإسلام مدارس متعددة للتصوف منها: المدارس الحجازية، والعراقية، والشامية، والمصرية، والمغربية، والسودانية، وغيرها ولكل مدرسة روادها. وتتفق هذه المدارس فيما بينها في أمور، وتختلف في أمور أخرى. وعن هذا يحسن أن تقرأ كتاب “المذاهب الصوفية ومدارسها للإستاذ عبد الحكيم عبد الغني قاسم”.

قال محدثي: وما علاقه هذا الطرح بنشيد الأناشيد؟

قلت: الواقع إن العلاقة وطيدة بين ما أوضحته عن التصوف الروحي وسفر نشيد الأناشيد، وسر هذه العلاقة يكمن في أن جميع الاتجاهات الصوفية الروحانية لها قاعدة واحدة وهي الحب الألهي أو كما يفضلون أن يسموه العشق الألهي. وإذ لم يسعفهم النثر للتعبير عن التجربة الوجدانية العميقة، فعبروا عن شعورهم الجارف بما يعرف بشعر الغزل المقدس. وهذه هي التهمة الموجهة إلى سفر نشيد الأناشيد، فإذا ما عرف المعترض أساس شعر العشق الإلهي بطل استعجابه. فسفر نشيد الأناشيد في الكتاب المقدس هو قصيده شعر باللغة العبرية، شعر صوفي روحاني، تماما مثل ما في التصوف الإسلامي من قصائد الشعر الصوفي، أمثال قصائد رابعه العدوية، وابن عربي، وابن الفارض، وذي النون المصري، وغيرهم.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس الكنيسة القبطية عهد جديد رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 04

 

قصائد الشعر الصوفي كما قلت تتحدث عن العلاقه الحبيه والعشق الألهي بين الإنسان وبين الله. ولا يخفى على السامعين أن الشعر عموما، والشعر الصوفي خصوصا، يتميز بالصور البلاغية، والتعبيرات الرمزية المجازية، أي أنه مملوء بالتشبيهات والاستعارات والكناية والتورية، وهي كلها أساليب أدبية بلاغية راقية، للتعبير عن المحبه الألهيه السامية. ولا تؤخذ كلمات الشعر بالمعنى الحرفي المادي، وإلا ما كان شعراً.

فإذا ماوضعنا هذا الاعتبار في قراءتنا لسفر نشيد الأناشيد، بطل الادعاء بأنه شعر غزل فاضح، فلا يقول هذا القول سوى متخلف عن ركب الثقافه والمعرفه.

قال محدثي: اليس نشيد الأناشيد رساله من الملك سليمان موجهه الي عشيقه له؟

قلت: هذا كلام غير صحيح. ولا يقول به إلا إنسان ساذج، لا يعرف معنى العشق. فالعشق تشوق واشتياق، والاشتياق رجاء، والرجاء رغبات بعيدة المنال يسعي الولهان جادا لتحقيقها، أما الملوك فلا ينطبق عليهم ذلك، فليس شيء بعيد المنال بالنسبة لهم، إذ هم قادرون أن يحققوا كل ما يرغبون، وأن يبلغوا بالقوة إلى كل ما يرجون، فليس لديهم مشكلة، لتُدْخلَهم في دائرة العشق والتلهف والوَلَه. فالواقع هو أن الملوك لا يعشقون، ولكنهم عندما يشتهون يملكون. ومن هنا جاء تعدد زوجاتهم وسراريهم وما ملكت أيمانُهم.

وعندما نرى ملكا عاشقا كسليمان، فمن المؤكد أن عشقه ليس موجها إلى إمرأة يستطيع أن ينالها، فلابد أن عشقه موجه إلى محبوب بعيد المنال: إلى الله ذاتِه. فأشواقه البعيدة المنال التي يصبوا إليها، ويسعى متلهفا حتى تتحقق، هي اللقاء الحبي مع من تحبه نفسه. اسمعه يقول في هذا السفر الروحي: “أنا لحبيبي وإليَّ اشتياقه.. اجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ساعدك، لأن المحبة قوية كالموت، الغيرة قاسية كالهاوية، لهيبها لهيب نار لظى الرب، مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها، إن أعطى الإنسان كلَّ ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقارا” (نشيد 7: 10، نشيد8: 6و7)

هذه النغمة العاشقة الولهانه نراها تلون أيضا شعر العشق الألهي الصوفي بكل وضوح، فاسمع هذه الأبيات لشاعر صوفي مسلم عن شوقه للقاء الله، وهو يقول: أنت سؤلي وبغيتي وسروري قد أبي القلب أن يحب سواك يا حبيب القلب من لي سواكا فأرحم اليوم مذنبا قد أتاكا يا مناي وسيدي واعتمادي طال شوقي متي يكون لقاكا ليس سؤلي من الجنان نعيم غير اني أريدها لأراكا

هذا هو العشق المقدس للمحبوب بعيدِ المنال، وهذه هي الأشواق المشبوبة المتوقدة لرؤيته. ويقول الدكتور عبد الرحمن بدوي: يُحكى عن رابعة العدوية أنها كانت تنوح باستمرار، فسئلت: لماذا تنوحين وأنت لا تشكين ألما؟ فأجابت: وا حسرتاه! الْعلَِّةُ التي أشكوها ليس مما يستطيعُ الطبيبُ علاجَه. انما دواؤها الوحيد رؤيه الله. وما يعينني علي احتمال هذه العله الا رجائي ان احقق غايتي هذه في العالم الآخر ” (ص 76)

أفبعد هذا يجرؤ من يقول أن سفر نشيد الأناشيد رسالة من الملك سليمان إلى عشيقة له؟ حاشا، فسفر نشيد الأناشيد كما قلنا هو قصيده شعر صوفي روحاني كتبها بالوحي سليمان الحكيم المتيم بالعشق الإلهي، يصف خلجاتِ نفسه في علاقتها بحبيب الروح وخالقِها، وهو رغم جبروته وحكمته وغناه، لكنه يقف عاجزا وفقيرا أمام أشواقه المتعطشة إلى حب الله والتمتع برؤياه.

قال محدثي: تقولون ان نشيد الأناشيد هو علاقه عشق, فمن هو العاشق؟ ومن هي العشيقه؟

قلت: سفر النشيد يمثل العلاقه الحبيه المقدسه بين الله والنفس البشريه المتيمه بعشقه فهذه العلاقة الحبية هي موضوع الشعر الصوفي عموما، وموضوع سفر نشيد الأناشيد على وجه الخصوص. هذه العلاقة الحبية قد وُضِعَت في قالب مجازي بليغ، قالب العلاقة الشرعية التي توحد وتؤلف بين العريس وعروسه. فشبهت النفس البشرية بعروس وشبه الله بالعريس. وهذا ما قاله يوحنا المعمدان: “من له العروس فهو العريس” (يوحنا 3: 29) والقديس بولس الرسول قال: “خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح”(2كو11: 2). وبنفس الصورة البليغة كانت علاقة رابعه العدويه المتصوفه المسلمه بالله، إذ يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتاب “شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية” (ص26): ” لقد بدأت رابعة تستشعرالحب لله، وإنه لينمو، وتواكبه مشاعر مختلفة، لعل من بينها، ومن أقواها الشعور بأنها نذرت نفسها لهذا المحب الأسمى” ويواصل حديثه قائلا: “وعما قليل ستعلن خطبتها اليه، ولعل ذلك أن يفضي في النهاية إلى الزواج الروحي بينها وبين الله “.. ألا ترى معي أن هذا تعبير غريب وصعب أن يقبله أي إنسان؟

هل تبحث عن  م التاريخ تاريخ الكتاب المقدس تاريخ إسرائيل 66

بالتأكيد هو في غاية الصعوبة، وهذا ما دعى الدكتور بدوي أن يعلق قائلا: “هذا نص على أكبر درجة من الخطوره لأنه يتحدث عن وجود فكره الزواج من الله والأقتران به لدي الصوفيات المسلمات، حتى منذ القرن الثاني الهجري أو الثامن الميلادي، وهي الفكرة التي لعبت دورا خطيرا في التصوف المسيحي” الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتاب “شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية” (ص 27) وتصديقا لكلام الدكتور بدوي نقول أن آباء الكنيسة كانوا يسمون العلاقة الحبية مع الله بالزيجه الروحانيه.

هل فطنت الآن لتعرف من هو العاشق ومن هي العشيقة؟ إنها النفس البشرية في عشقها المقدس لله السامي غير المحدود. وهذا ما كتبه مأمون غريب عن رابعه العدويه بهذا الشأن فقال ” فإذا مستها هذه الشرارة المقدسة شرارة الإغاثة لتتجه إلى نور الهداية فإذا بها تنقاد نحو هذا النور.. وتغرق فيه.. وتشدو بحبيبها الذي لا يعادله حبيب.. انه الخالق العظيم.. (كتاب رابعه العدويه في محراب الحب الألهي ص 5)

قال محدثي: الست معي ان ما يقال عن الحب الألهي أو العشق الألهي انما هو بدعه في الدين؟

قلت: لا ياعزيزي أنا لست معك في ذلك، وأسوق إليك كلمات رجل مسلم متمسك بدينه هو الأستاذ مأمون غريب في كتابه رابعه العدويه في محراب الحب الألهي ص 19)

حيث يقول: “لم يكن الصوفية مبتدعين وهم يريدون من تعبدهم لله أن تشرق عليهم الأنوار الإلهية”. ويؤكد هذه الحقيقة في (نفس الكتاب ص80) بقوله “الحب الإلهي إذن هو غاية الصالحين, وليس بدعه أو اختراع “

و الدكتور علي صافي حسين في كتابه الأدب الصوفي في مصر 221 يقول: ” وكان ذو النون المصري أول شاعر صوفي تحدث في شعره عن العشق الألهي او المحبه الربانيه.. ولم يكن يختلف في شيء ذي بال عما كان عليه شعر الغزل بمعناه العام”. (ص221)

 وأسوق إليك شعر محمد الكيزاني أحد الصوفيين الكبار، من (كتاب الأدب الصوفي في مصر ص (20)

و لقد أودع الغرام بقلبي زفرات أضحي بها مصدوعا

و اذا أطنب العزول فقد عاهدت سمعي الا اكون سميعا

و حرام علي التلهف الا يري ح أو يحرق الحشا والضلوعا

ومن الشعر الحديث في العشق الإلهي أنشد قداسة البابا شنودة الثالث قصيدته العصماء التي بعنوان “همسة حب” أقتطف لك بعض أبياتها:

قلبي الخفاق أضحي مضجعك في حنايا الصدر أخفي موضعك

ليس لي فكر ولا رأي ولا شهوه آخري سوي أن اتبعك

قد نسيت الأهل والأصحاب بل قد نسيت النفس ايضا في هواك

قد نسيت الكل في حبك يا متعه القلب فلا تنسي فتاك

في سماء أنت حقا انما كل قلب عاشق في الحب سماك

عرشك الأقدس قلب قد خلا من هوي الكل فلا يحوي سواك

هذه عينات من قصائد العشق الإلهي. ونشيدُ الأناشيد في الواقع هو الينبوع الذي نهل منه كل هذا الكمِّ من عشاق الحب الإلهي. إنه المشعل الوقاد الذي ألهب مشاعرهم، وأنار دروبهم، وسبى قلوبهم، وأسكر عقولهم، فانطلقت أرواحهم معبرة عن مذاقة الملكوت الحلوة، لتعزف سيمفونية العشق الإلهي الخالدة، والمتجددة على مدى الأزمان. ان العشق الإلهي ياعزيزي درجة سامية في العلاقة مع الله، لا ينكرها إلا من لم يتذوقها. وهل يستطيع الأعمى أن ينكر ضياء الشمس لأنه لا يراها؟؟؟!!!

 لعلي بهذا قد أجبت تساؤلك يا عزيزي السائل عن هوية العاشق والعشيقة في سفر نشيد الأناشيد، السفر المعبر عن الحب الإلهي الخالص لوجه الله، الذي ينبغي أن يكون ركيزة العبادة لله، فالعبادة في مفهومها هي أسمى درجات الحب كما نقول في لغتنا أن فلان يحب فلانا لدرجة العبادة، أي أنه لا يستطيع مفارقته. والواقع أن المشكلة الأساسية في قصور الإنسان عن إدراك أبعاد العلاقة مع الله تكمن في أن الدين أصبح عند العامة هو مجرد فروض وواجبات، دون علاقة حبية بين القلب وبين الله. فكتابنا المقدس يقول: “الله محبة” و” نحن نحب الله لأنه هو أحبنا أولا” (1يو4: 8 و19) فهل تريد يا عزيزي أن تراجع علاقتك بالله هل هي مجرد عبادة الفرض وعلى رأي المثل: يعمل الفرض وينقب الأرض”؟ أم تريد أن تكون علاقة حبية من الآن مع الله. قل له يارب علمني أن أحبك، واسكب حبك في قلبي. “المقوم طريقه أريه خلاص الرب” (مز50: 23).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي