جلسات مجمع نيقية

أجتمع جميع الأساقفة وألأمبراطور والكهنة والشمامسة الشعب المدعوون فى قاعة متسعة بساحة القصر الملكى حيث أعدت لهم كراسى، وأعد كرسى من ذهب للأمبراطور وضع فى المكان الرئيسى فى القاعة وعدما دخل الأمبراطور لم يشأ أن يجلس على الكرسى المذهب وسط هؤلاء الأساقفة والرهبان المتقشفين بل جلس عفى كرسى آخر فى طرف القاعة حتى طلبوا منه أن يترك مكانه ففعل وقادوه إلى صدر القاعة حيث جلس على الكرسى الذى أعد له من قبل، ثم جلس ألاباء الأساقفة عن يمينه ويساره، أما الجمهور فقد جلسوا أو وقفوا على جانبى القاعة، وذكر بعض المؤرخين ان الرئيس كان أوسيوس أسقف قرطبة فى بلاد أسبانيا، وقال مؤرخون آخرون أنما أسقف غيره، ولما جلس الأمبراطور وسمح للباقيين بالجلوس فى أماكنهم، وقف يوسابيوس القيصرى أسقف قيصرية المؤرخ المشهور مؤلف كتاب تاريخ الكنيسة، وأرتجل خطاباً رحب به بقدوم المبراطور وتشريفه للمجمع وشكر محيته وسعيه نحو صالح الكنيسة.

 

وفتحت الجلسات وتوالت وتميزت الجلسة الأولى بقيام الأمبراطور بإعطاء الحرية التامة للمناقشات فى أمر الإيمان المسيحى، ولكن بشرط أن يتفق الأساقفة المجتمعين على رأى واحد، وكان الأمبراطور على ثقة أن الأساقفة أقيموا من الرب الإله لقضاء أمور العقيدة المسيحية، وإن أتفاقهم وإجماعهم على رأى واحد هو صوت الرب الإله فى البيعة (الكنيسة).

 

وبدأت المناقشات وأستمر الجدال فى الجلسة الأولى وأنفضت الجلسة على غير طائل وبلا نتيجة.

 

وفى اليوم التالى قدم آريوس صورة إيمان مكتوبة على ورقة كلها تجديف، فكلف المجمع أحدهم بقرائتها عليهم وكانت كلها هرطقة وتجديف، وبعد أن قرأت أمر المجمع بتمزيقها قطعاً، فهاج حزب آريوس، وأحدث أضطراباً شديداً، مما أضطر القيصر بأن يستخدم شيئاً من قوته لتسكينه هو وأتباعه.

هل تبحث عن  الكتاب المقدس يسوعية كاثوليكية عهد قديم سفر المزامير 98

 

ثم أستمرت المناقشات بعد ذلك لمدة طويلة فى جلسات متتالية، وفى النهاية قرر مجمع نيقيا المكون من 318 أسقفاً وفقاً لتعليم الكتاب المقدس أن:

 

* المسيح هو أبن الآب حقاً، وأنه مساو للآب، وإله حق مع أبيه دائماً.

 

ووافق حزب الأريوسيين على هذا القرار، ولكن علم الحاذقون والحكماء من الأساقفة أن هذه الموافقة لا تخلوا من خداع ونفاق فهم يتلونون كالحية، وأن هذا القرار لا يناقض ضلالهم إذا وافقوا به فى المجمع: عن وحدة الطبيعة الإلهية وعدم أنقسامها ومساواة المولود لوالده فى الألوهية والأزلية بلفظة ” المساوى بالجوهر ” فصارت العبارة الأخيرة فيما بعد تميز القويمى الرأى والمستقيمى الإيمان عمن سواهم ثم كتب المجمع دستور أو قانون الإيمان (1)

 

وقد أدان هذا المجمع تعاليم أريوس ووقعوا على هذا القرار الإلهى جميع أعضاء المجمع بدون إجبار وعن رضى تام وقبول وإرتياح، ما عدا قلة قليلة من حزب آريوس الهرطوقى قطعوا من خدمتهم ودرجاتهم الكهنوتية وحرموا، وكتب قرار بإبعادهم ونفيهم فنفذ الأمبراطور هذا القرار، وحرم أسقف نيقوميدية أوسابيوس مع ثلاثة أساقفة أخرين لتأييدهم لتعاليم أريوس، ولكن أوسابيوس وأسقف آخر أسمه ثاوغنس المنفيين فبعد أن كرس (أقام) المجمع بدلاً منهما فى كراسيهما وسارا مسافة فى طريق النفى ندما ورفعا صورة توبتهما إلى المجمع برجوعهما عن أفكار آريوس فقبلا توبتهما وردهما المجمع إلى كراسيهما، وأرسل الأسقفين اللذين رسمهما بدلهما إلى أيبروشيتين أخريين.

 

 أما أريوس فأنه فى البدء أُرسل إلى نيقوميديا مكبلاً بالقيود، ثم نفى بعد ذلك إلى الليريا… ألا أنه على الرغم من هذه التدابير فإن هذه المحاولة للتهدئة لم تنجح، لأن أصدقاء أريوس أستمروا فى نشر مبادئه وتعاليمه… ولذا أقتنع قسطنطين –

 

هل تبحث عن  هوت مقارن المطهر 32

بواسطة العناصر المهادنة للأريوسية والمحبة لها، وتأثر بهم. مما جعله يستدعى أريوس من منفاه عام 327. وبعد تحريض من أسقف نيقوميديا عرضوا صيغة إعتراف إيمان على الأمبراطور أخفوا عنه فيها. حقيقة عقيدة أريوس، وكانت كنيسة نيقوميديا قد وافقت على هذه الصيغة فى المجمع الذى عقد بها.

 

إلا أن الأرثوذكسيين فى مصر لم يجبروا على منح أريوس العفو. حتى أن الكسندروس أسقف الأسكندرية وأثناسيوس الذى خلفه لم يقبلاه فى الاسكندرية.

ولم يرغب قسطنطين حينئذ أن يؤزم المسائل أكثر بأن يفرض على أسقف الاسكندرية – بأن يقل أريوس. بل أنه فى الواقع عندما طلب أنصار أريوس من الأمبراطور – برسالة محررة بلهجة شديدة – أن يتدخل لأجل تأمين عودة أريوس إلى الاسكندرية، غضب قسطنطين وأعاد أدانتهم بمرسوم آخر أسماهم فيه “بالبورفوريين” أى أنهم مشايعون لتعليم “بورفيريوس”(2).

وبعد وساطات متعددة غيروا مرة أخرى من مشاعر قسطنطين ورحل أريوس إلى القسطنطينية حيث أعترف بالإيمان الأرثوذكسى أمام الأمبراطور وتمسك بأن يصير مقبولاً بطريقة رسمية على نطاق أوسع بالكنيسة. إلا أن الأمر بتحديد موعد بقبوله فى كنيسة القسطنطينية قد تلاشى نهائياً، إذ أن أريوس سقط ومات فى مرحاض عام فجأة ليلة الموعد المحدد لقبوله(3).

 

 وعند عرض قانون الإيمان والاناثيما (الحرم على آريوس وأتباعه) على المجمع، وافق عليهما 315 من أصل 318 أسقفا. والأساقفة الذين رفضوا التوقيع هم: يوسابيوس أسقف نيقوميديه وثيوجنيوس أسقف نيقيه وماريس أسقف خلقيدونيه. ولكن عندما أعلن الامبراطور قسطنطين أن من يخالف قرارات المجمع سوف يتعرض للعزل من منصبه، وافق ماريس على اعتماد قانون الإيمان والحرمان، في حين قبل يوسابيوس وثيوجنيوس التوقيع على قانون الإيمان فقط في حين رفضا التوقيع على الاناثيما. ثم أصدر قسطنطين مرسوما بحرمان معتقدات اريوس وبحرق كتبه

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب عهد قديم سفر اللاويين 02

 

وعند نهاية مجمع نيقيه المسكوني، كتب الأساقفة المجتمعون رسالة لكنيسة الاسكندريه وأرسلوها مع البابا الكسندروس لقراءتها عند عودته لمصر، ونص الرسالة كالآتي:

“إلى كنيسة الاسكندريه المقدسة والعظيمة بنعمة الله، وإلى أخوتنا الأحباء في مصر وليبيا والخمسة المدن الغربية، الأساقفة المجتمعون في نيقيه والأعضاء في مجمعها المقدس العظيم يسلمون عليكم في الرب.

بنعمة الله وبدعوة من قسطنطين الأمير المحبوب من الله اجتمعنا من أقاليم ومدن مختلفة في نيقيه لتكوين مجمع مقدس وعظيم. وقد قررنا ضرورة إرسال هذه الرسالة إليكم من قبل المجمع حتى تعرفوا الأمور التي عُرضت على المجمع والمباحثات والقرارات والاعتمادات التي توصلنا إليها.

في البداية وتحت أعين امبراطورنا قسطنطين المحبوب من الله ناقشنا عقيدة اريوس المنحرفة والغير مستقيمة، وقد قررنا بإجماع الآراء حرمان هذه المعتقدات واعتبارها اناثيما.

كما نعلن لكم بكثير من السرور أننا قد توصلنا لاتفاق على موعد احتفالات عيد القيامة، وأنه بفضل صلواتكم تم التوصل لوحدة بين كل المسيحيين في هذا الشأن.

افرحوا إذن لما تم التوصل إليه ولحكم السلام والمودة ولاندحار الهرطقات. واقبلوا بكل الإكرام والمحبة اللائقيّن أخينا وأسقفكم الكسندروس، الذي عمل بكل مثابرة رغم تقدم سنه على انتصار السلام.

وأخيرا، صلوا من أجلنا جميعا، حتى يقبل ربنا يسوع المسيح ويدعم الأمور التي أرتأيناها جيدة، والتي قضينا بأنها أعتُمدت بإرادة الله الآب ومن خلال الروح القدس، الذي له المجد إلى أبد الآبدين. آمين”

 

=

المراجع

(1) أفردنا صفحتين بقرارات مجمع نيقية فى هذا الموقع.

(2) التاريخ الكنسى لسقراط (9: 1) بوفيريوس هو أحد فلاسفة “الافلاطونية الجديدة” الوثنيين قرب نهاية القرن الثالث. هاجم المسيحية بعنف وخاصة هاجم ألوهية المسيح (المعرب).

(3) الرسالة الدورية إلى الأساقفة بقلم أناسيوس 5: 18

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي