جسد المسيح

س 165: فهمت من الرسالة إلى أهل كورنثوس الإصحاح 15 ان جسد القائم من بين الأموات هو “جسم روحاني”. هل يعني هذا انه روح بلا جسد؟

ج: لا هذا يعني انه مليء بالروح القدس. هو جسد غير قابل للفساد وغير مائت، قد قام بمجد، جسد ممجّد. وقد استعمل العهد الجديد أيضاً لفظة الجسد ليدل به على الكنيسة. والجسد مؤلف من أعضاء، ولكل عضو وظيفته وأهميته. وكل عضو من الأعضاء بحاجة إلى جميع الأعضاء الاخرى. “واذا تألم عضو واحد، فجميع الأعضاء تتألم معه” (1كو 12: 26). ونحن في الكنيسة متحدون بعضنا ببعض، وكلنا متحدون في المسيح. كل أعضاء الجسد الواحد مرتبطة بالرأس الواحد بحيث إنه مثلا اذا فعل أحد الأعضاء شرا ما او فكَّر في فعل الشر، فكل الجسد يتألم من ذلك. واذا صلّى أحد الأعضاء صلاة حقيقية، تكون الكنيسة كلها في صلاة معه ويكون جميع الأعضاء في حال فضلى.

 

س 166: كيف نتحد كلنا في جسد المسيح؟

ج: نحن جميعا متضامنون بالمسيح في قلب الكنيسة، ونتواصل بعضنا مع بعض من دون أن نعرف، فالروح القدس يحلّ في جسد الكنيسة كله، كما ان النفس تحلّ في جسد الإنسان كلّه. لذا فإن رأس الجسد، اي المسيح، يحرّك الأعضاء ويوجهها شرط ألا تكون مريضة. وفعلا، عندما نرتكب الشرّ نكون كالعضو المشلول غير خاضعين لمشيئة المسيح، وغير محمولين بالروح القدس. فإذا ما أصغينا الى الكلام الإلهي، تَقبَّلْنا الدفق الحيّ من الرأس، وجَعلَنا الروح القدس نتواصل في المحبة. ونصير حينئذ في وحدة وشركة بين بعضنا البعض ومع المسيح في آن معاً.

 

س 167: أعرف اننا نتحد بالمسيح بتناولنا جسده ودمه في القداس الإلهي.

ج: سبقتني. كنت سأكمل الشرح وأقول ان الإنجيل كشف لنا معادلة مضاعفة: الافخارستيا = جسد المسيح = الكنيسة. الخبز الحي الذي نزل من السماء (يوحنا 6: 51)، هذا “الخبز الذي يعطي الحياة للعالم” (6: 36)، هو “خبز الحياة” (6: 35)… “الخبز النازل من السماء الذي يأكل منه الإنسان ولا يموت” (6: 50)، الخبز الذي أعطاه يسوع الى تلاميذه عشية موته قائلا: “خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي يُكسَر من أجلكم لمغفرة الخطايا”. ونحن كلّنا إذ نأكل هذا “الخبز” الذي هو جسد المسيح، نستطيع أن ندرك ان الكنيسة هي جسد المسيح. فالمؤمنون بيسوع، بتناولهم الخبز والخمر، اي بتناولهم جسد المسيح ودمه، يُصبحون جسد المسيح، يصيرون الكنيسة. هل فهمت ما أقصد؟

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس ى يِصْهار ر

 

س 168: نعم فهمت بشكل عام. لكن كيف يصير هذا فعليا؟

ج: إليك مثلاً قد يساعدك. قال القديس إيريناوس: كما يجمع الماء حبات الطحين ليجعل منها عجنة واحدة، كذلك يجمع الروح القدس المؤمنين ليجعل منهم جسداً واحداً، اي جسد المسيح. والعشاء السري اي القداس الإلهي هو مشغل الكنيسة: هناك يجبل الله الآب أبناءه المجتمعين في بيت الله، والمتناولين القربان المقدّس، ويصنع منهم خبزاً واحداً هو جسد المسيح، الكنيسة. ورد هذا بعبارة اخرى في الرسالة إلى أهل أفسس (2: 19-22): “فلستم بعد اليوم غرباء او نزلاء، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله، مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية، الذي فيه كل البناء مركّباً معا، ينمو هيكلاً مقدساً في الرب. وبه انتم أيضا
W
تُبنون معاً لتصيروا مسكناً لله في الروح”. فالكنيسة اذاً هي جماعة المؤمنين يتغذون بكلمة الله وبالمناولة ويربطهم الروح القدس فيصيرون جسداً واحداً: المسيح رأسه والمؤمنون أعضاؤه.

 

س 169: هل كل جسد سيقوم حتى لو ناله الفساد. هل قال يسوع ذلك حقا؟

ج: نعم. يثبتنا يسوع بنفسه في هذا الرجاء: “الحق الحق اقول لكم تأتي ساعة -وهي الآن حاضرة – يسمع فيها الأموات صوت ابن الله، والذين يسمعونه يحيون… تأتي ساعة يسمع فيها جميع الذين في القبور صوت ابن الله فيخرجون منها” (يوحنا 5: 25-28). يُقرأ هذا الإنجيل في صلاة الجناز على الراقدين. وفي الرسالة التي تُقرأ في الجناز يذكّرنا الرسول بولس بهذا الوعد: “…لا أريد ان تجهلوا ما يختص بالراقدين لئلا تحزنوا كباقي الناس الذين لا رجاء لهم. فإنّا إن كنّا نؤمن أنّ يسوع المسيح مات فقام فكذلك سيُحضر الله الراقدين بيسوع معه… لأن الرب نفسه عند الهتاف عند صوت رئيس الملائكة وبوق الله سينزل من السماء ويقوم الأموات في المسيح أولاً..” (1تسالونيكي 4: 13-18).

 

س 170: أليس الأرجح ان النفس وحدها هي التي تذهب الى الرب؟ نردد في صلاة الجناز “امنح الراحة لنفس عبدك المائت”. ألا يعني هذا ان النفس تصعد الى الله ويبقى الجسد في القبر؟

ج: القديس إيريناوس أسقف مدينة ليون حوالى سنة 170، تلميذ بوليكاربوس الذي هو بدوره تلميذ يوحنا الإنجيلي، يجيب بدقة عن سؤالك: “اذا لم يخلّص المسيح كل الجسد واللحم بإقامتهما من مثوى الأموات، فهو لن يخلّص الإنسان على الإطلاق. لأننا لم نرَ قط إنسانا من غير جسد…”. نحن نتخيّل ان الإنسان مؤلف من نفس وجسد يتصارعان: الجسد يخضع للشر ومصيره الفساد، والنفس تتطهر وتخلص وحدها. الجسد أرضي والنفس سماوية. هذا التصوّر خطأ لأن الله خلق الإنسان بكامله. لن يصبح الجسد شريرا الا اذا انقاد الى شهواته. قال يسوع: “اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في التجربة: الروح مندفع، واما الجسد فضعيف” (متى 26: 41). ليس الجسد مصدر الشر، لكنه يمكن ان يصبح موطن الخطيئة.

هل تبحث عن  تفسير الكتاب المقدس القس أنطونيوس فكرى عهد قديم سفر القضاة 20

 

س 171: هل اتخذ المسيح هذا الجسد؟

ج: نعم. هذا الجسد بالذات اتخذه المسيح، وخلّصه. نقرأ في الرسالة الأولى الى أهل كورنثوس: “عن يد إنسان أتى الموت (إشارة الى سقوط آدم)، فعن يد إنسان أيضا تكون قيامة الأموات. وكما يموت جميع الناس في آدم، فكذلك سيحيون أيضاً في المسيح” (15: 21-22). هكذا يكشف لنا القديس بولس سرّا كبيرا: يصبح جسدنا حامل الروح القدس. ويستطيع كل انسان ان يصبح غير مائت لأن المسيح اتخذه ورَوحَنه بروحه: “فإذا كان الروح الذي أقام يسوع من بين الأموات حالا فيكم، فالذي أقام يسوع من بين الأموات يُحيي أيضا أجسادكم الفانية بروحه الحالّ فيكم” (رومية 8: 11). اسمع اخيرا هذا المقطع: “ومتى لبس هذا الكائن الفاسد عدم الفساد، ولبس الخلود هذا الكائنُ الفاني، حينئذ يتم قول الكتاب: قد ابتلعَ النصرُ الموت. فأين غلبتك يا موت؟… فالشكر لله الذي آتانا النصر بربنا يسوع المسيح” (1كورنثوس 15: 54-57).

 

س 172: نقول في آخر دستور الإيمان “واترجى قيامة الموتى”. هل قيامة الموتى امر حقيقي؟ أم أنها تشير الى اعتقاد قديم يصعب حدوثه؟

ج: منذ ان قام المسيح من بين الأموات وغلب الموت صار ممكنا أن يقوم كل إنسان أيضا. لما نزل بطرس من العليّة الى شوارع أورشليم، منوَّرا بنور الروح القدس، أعلن المسيح القائم من بين الأموات (أعمال الرسل 2: 26-28). القيامة قلب تبشير الرسل: المسيح قام وإن آمنتم به تقومون انتم أيضاً معه. في تراتيل عيد الفصح نردد ان يسوع المسيح الذي وطئ الموت، هو “فصحنا غير القابل للفساد” الذي يفتح لكل جسد رجاء القيامة الذي سألت عنه. يتعلق الأمر فعلا بقيامة الجسد. وهذا امر ملموس، وليس مفهوما مجردا، مفهوم بقاء النفس وحدها منفصلة عن الجسد ومتطهرة كي تحيا في عالم “الافكار” المتجرد بحسب تعليم بعض الفلاسفة. بطرس في خطابه وكل الرسل يضعون حقيقة رجائهم في الجسد الذي خُلّص من الفساد.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس م مال 1

 

س 173: ما هو الفساد؟

ج: هو انحلال الأجساد، العودة الى الأرض. تذكر قصة الخلق: ان الإنسان الذي جُبل من التراب سيعود الى التراب لأنه بعد السقوط والشر والألم، اندَسّ الموت والفساد في خلق الله الجميل (تكوين 7: 19). ومع ذلك نحن نؤمن بأن الأموات سيقومون، ونرجو ذلك كما نقول في دستور الإيمان.

 

س 174: كيف يمكن ان يحصل هذا؟ يصعب علي ان اصدّق أنّ جميع الذين ماتوا سوف يقومون من الموت.

ج: الجواب في الكتاب المقدّس. لنبقَ قريبين جدا من النصوص حتى لا ننحرف عن الإيمان الحق. ففي هذا المجال ليس لنا الحق ان نخترع ولا ان نحسم بل ان نتقصّى ما أوحته لنا النصوص المقدسة. في العهد القديم نصوص تتكلم عن القيامة: “الكثير من الراقدين في أرض التراب يستيقظون، بعضهم للحياة الأبدية، وبعضهم للعار الأبدي” (دانيال 12: 2). ويعلن اشعياء النبي الرجاء نفسه: “ستحيا موتاك وتقوم أجسادهم” (اشعيا 26: 19). وهتف أيوب في آلامه: “… سيرفعني إلى قربه، فأعاين الله في جسدي” (ايوب 19: 25-26). ويذكرنا متى الإنجيلي بآية يونان: “فكما بقي يونان في بطن الحوت ثلاث أيام وثلاثة ليال، فكذلك يبقى ابن الإنسان في جوف الأرض ثلاثة ايام وثلاث ليال” (12: 40).

 

س 175: إن المسيح ابن الله لا يمكن ان يبقى في القبر، فهذا اؤمن به. وأما بالنسبة الينا، نحن البشر، فقيامة الجسد ليست امرا بديهيا.

ج: وقيامة المسيح لم تكن بديهية. ما لا يُعقل، وما هو مصدر عجَب لا ينقطع، هو ان ابن الله اتخذ حقا جسدا بشريا وليس هيئة بشرية فقط. هو أكّد ذلك لرسله بعد القيامة لمّا ظنّوا انه روح: “انظروا الى يديّ ورجليّ. انا هو بنفسي. المسوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم ولا عظم كما ترون لي” (لوقا 24: 39). كان القديس بولس على حق أن يسمّي يسوع “البكر بين الأموات”؛ هذا يعني انه لم يقم من اجل ذاته فقط؛ وهو لم يقم وحده ليدهش البشر. ففي إثره سيقوم كل انسان من الموت، وكل جسد حتى لو ناله الفساد سيعود الى الحياة، لأنّ ما خلقه الله فينا معطيا إيّاه صورته لن يعود الى العدم.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي